كتاب أحكام العتق >> فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب
- كتاب أحكام العتق
- فصل: في أحكام الولاء
- فصل: في أحكام التدبير
- فصل: في أحكام الكتابة
- فصل: في أحكام أمهات الأولاد
كتاب أحكام العتق
وهو لغة مأخوذ من قولهم عتق الفرخ إذا طار واستقل، وشرعاً إزالة ملك عن آدمي لا إلى مالك تقرباً إلى الله تعالى، وخرج بآدمي الطير والبهيمة، فلا يصح عتقهما (ويصح العتق من كل مالك جائز الأمر) وفي بعض النسخ جائز التصرف (في ملكه) فلا يصح عتق غير جائز التصرف كصبي ومجنون وسفيه وقوله (ويقع بصريح العتق) كذا في بعض النسخ وفي بعضها ويقع العتق بصريح العتق. واعلم أن صريحه الإعتاق والتحرير وما تصرف منهما كأنت عتيق أو محرر، ولا فرق في هذا بين هازل وغيره، ومن صريحه في الأصح فك الرقبة. ولا يحتاج الصريح إلى نية، ويقع العتق أيضاً بغير الصريح كما قال (والكناية مع النية) كقول السيد لعبده لا ملك لي عليك لا سلطان لي عليك ونحو ذلك (وإذا أعتق) جائز التصرف (بعض عبد) مثلاً (عتق عليه جميعه) موسراً كان السيد أو لا، معيناً كان ذلك البعض أو لا (وإذا أعتق) وفي بعض النسخ عتق (شركاً) أي نصيباً (له في عبد) مثلاً أو أعتق جميعه (وهو موسر) بباقيه (سرى العتق إلى باقيه) أي العبد أو سرى إلى ما أيسر به من نصيب شريكه على الصحيح وتقع السراية في الحال على الأظهر، وفي قول بأداء القيمة، وليس المراد بالموسر هنا هو الغني بل من له من المال وقت الإعتاق ما يفي بقيمة نصيب شريكه فاضلاً من قوته وقوت من تلزمه نفقته في يومه وليلته، وعن دست ثوب يليق به وعن سكنى يومه (وكان عليه) أي المعتق (قيمة نصيب شريكه) يوم إعتاقه (ومن ملك واحداً من والديه أو) من (مولوديه عتق عليه) بعد ملكه سواء كان المالك من أهل التبرع أو لا كصبي ومجنون.
(فصل): في أحكام الولاء وهو لغة مشتق من الموالاة وشرعاً عصوبة سببها زوال الملك عن رقيق معتق (والولاء) بالمد (من حقوق العتق وحكمه) أي حكم الإرث بالولاء (حكم التعصيب عند عدمه) وسبق معنى التعصيب في الفرائض (وينتقل الولاء عن المعتق إلى الذكور من عصبته) المتعصبين بأنفسهم لا كبنت المعتق وأخته (وترتيب العصبات في الولاء كترتيبهم في الإرث) لكن الأظهر في باب الولاء أن أخا المعتق وابن أخيه مقدمان على جد المعتق بخلاف الإرث، أي بالنسب فإن الأخ والجد شريكان ولا ترث امرأة بالولاء إلا من شخص باشرت عتقه أو من أولاده وعتقائه (ولا يجوز) أي لا يصح (بيع الولاء ولا هبته) وحينئذ لا ينتقل الولاء عن مستحقه.
(فصل): في أحكام التدبير وهو لغة النظر في عواقب الأمور، وشرعاً عتق عن دبر الحياة، وذكره المصنف بقوله (ومن) أي والسيد إذا (قال لعبده) مثلاً (إذا مت) أنا (فأنت حر فهو) أي العبد (مدبر بعتق بعد وفاته) أي السيد (من ثلثه) أي ثلث ماله إن خرج كله من الثلث وإلا عتق منه بقدر ما خرج من الثلث إن لم تجز الورثة، وما ذكره المصنف هو من صريح التدبير، ومنه أعتقتك بعد موتي، ويصح التدبير بالكناية أيضاً مع النية كخليت سبيلك بعد موتي (ويجوز له) أي السيد (أن يبيعه) أي المدبر (في حال حياته وبطل تدبيره) وله أيضاً التصرف فيه بكل ما يزيل الملك كهبة بعد قبضها أو جعله صداقاً والتدبير تعليق عتق بصفة في الأظهر، وفي قول وصية للعبد بعتقه فعلى الأظهر لو باعه السيد ثم ملكه لم يعد التدبير على المذهب. (وحكم المدبر في حالي حياة السيد حكم العبد القن) وحينئذ تكون أكساب المدبر للسيد، وإن قتل المدبر فللسيد القيمة أو قطع المدبر، فللسيد الأرش ويبقى التدبير بحاله، وفي بعض النسخ وحكم المدبر في حياة سيده حكم العبد القن.
(فصل): في أحكام الكتابة بكسر الكاف في الأشهر وقيل بفتحها كالعتاقة. وهي لغة مأخوذة من الكتب وهو بمعنى الضم والجمع، لأن فيها ضم نجم إلى نجم وشرعاً عتق معلق على مال منجم بوقتين معلومين فأكثر (والكتابة مستحبة إذا سألها العبد) أو الأمة (وكان) كل منهما (مأموناً) أي أميناً (مكتسباً) أي قوياً على كسب ما يوفي بما التزمه من أداء النجوم (ولا تصح إلا بمال معلوم) كقول السيد لعبده كاتبتك على دينارين مثلاً (ويكون) المال المعلوم (مؤجلاً إلى أجل معلوم أقله نجمان) كقول السيد في المثال المذكور لعبده تدفع إليّ. الدينارين في كل نجم دينار فإذا أديت ذلك فأنت حر (وهي) أي الكتابة الصحيحة (من جهة السيد لازمة) فليس له فسخها بعد لزومها إلا أن يعجز المكاتب عن أداء النجم أو بعضه عند المحل، كقوله عجزت عن ذلك، فللسيد حينئذ فسخها، وفي معنى العجز امتناع المكاتب من أداء النجوم مع القدرة عليها (و) الكتابة (من جهة) العبد (المكاتب جائزة فله) بعد عقد الكتابة تعجيز نفسه بالطريق السابق وله أيضاً (فسخها متى شاء) وإن كان معه ما يوفي به نجوم الكتابة، وأفهم قول المصنف متى شاء أن له اختيار الفسخ، أما الكتابة الفاسدة فجائزة من جهة المكاتب والسيد (وللمكاتب التصرف فيما في يده من المال) ببيع وشراء وإيجار ونحو ذلك لا بهبة ونحوها، وفي بعض نسخ المتن، ويملك المكاتب التصرف فيما فيه تنمية المال، والمراد أن المكاتب يملك بعقد الكتابة منافعه وأكسابه، إلا أنه محجور عليه لأجل السيد في استهلاكها بغير حق (ويجب على السيد) بعد صحة كتابة عبده (أن يضع) أي يحط (عنه من مال الكتابة ما) أي شيئاً (يستعين به على أداء نجوم الكتابة) ويقوم مقام الحط أن يدفع له السيد جزءاً معلوماً من مال الكتابة، ولكن الحط أولى من الدفع، لأن القصد من الحط الإعانة على العتق وهي محققة في الحط موهومة في الدفع (ولا يعتق) المكاتب (إلا بأداء جميع المال) أي مال الكتابة بعد القدر الموضوع عنه من جهة السيد.
(فصل): في أحكام أمهات الأولاد (وإذا أصاب) أي وطىء (السيد) مسلماً كان أو كافراً (أمته) ولو كانت حائضاً أو محرماً له أو مزوجة، أو لم يصبها، ولكن استدخلت ذكره أو ماءه المحترم (فوضعت) حياً أو ميتاً أو ما يجب فيه غرة وهو (ما) أي لحم (تبين فيه شيء من خلق آدمي) وفي بعض النسخ من خلق الآدميين لكل أحد، أو لأهل الخبرة من النساء، ويثبت بوضعها ما ذكر كونها مستولدة لسيدها وحينئذ (حرم عليه بيعها) مع بطلانه أيضاً إلا من نفسها فلا يحرم ولا يبطل (و) حرم عليه أيضاً (رهنها وهبتها) والوصية بها (وجاز له التصرف فيها بالاستخدام والوطء) وبالإجارة والإعارة وله أيضاً أرش جناية عليها وعلى أولادها التابعين لها، وقيمتها إذا قتلت وقيمتهم إذا قتلوا، وتزويجها بغير إذنها إلا إذا كان السيد كافراً، وهي مسلمة فلا يزوجها (وإذا مات السيد) ولو بقتلها له (عتقت من رأس ماله) وكذا عتق أولادها (قبل) دفع (الديون) التي على السيد (والوصايا) التي أوصى بها (وولدها) أي المستولدة (من غيره) أي غير السيد بأن ولدت بعد استيلادها ولداً من زوج أو من زنى (بمنزلتها) وحينئذ فالولد الذي ولدته للسيد يعتق بموته (ومن أصاب) أي وطىء (أمة غيره بنكاح) أو زنى وأحبلها فولدت (فالولد منها مملوك لسيدها) أما لو غر شخص بحرية أمة فأولدها، فالولد حر وعلى المغرور قيمته لسيدها.
(وإن أصابها) أي أمة غيره (بشبهة) منسوبة للفاعل كظنه أنها أمته أو زوجته الحرة (فولده منها حر وعليه قيمته للسيد) ولا تصير أم ولد في الحال بلا خلاف (وإن ملك) الواطىء بالنكاح (الأمة المطلقة بعد ذلك لم تصر أم ولد له بالوطء في النكاح) السابق (وصارت أم ولد له بالوطء بالشبهة على أحد القولين) والقول الثاني لا تصير أم ولد له، وهو الراجح في المذهب والله أعلم بالصواب. وقد ختم المصنف رحمه الله تعالى كتابه بالعتق رجاء لعتق الله تعالى له من النار، وليكون سبباً في دخول الجنة دار الأبرار. وهذا آخر شرح الكتاب غاية الاختصار بلا إطناب، فالحمد لربنا المنعم الوهاب، وقد ألفته عاجلاً في مدة يسيرة، والمرجو ممن اطلع فيه على هفوة صغيرة أو كبيرة أن يصلحها إن لم يمكن الجواب عنها على وجه حسن، ليكون ممن يدفع السيئة التي هي أحسن، وأن يقول من اطلع فيه على الفوائد من جاء بالخيرات إن الحسنات يذهبن السيئات، جعلنا الله وإياكم بحسن النية في تأليفه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً في دار الجنان، ونسأل الله الكريم المنان الموت على الإسلام والإيمان بجاه نبيه سيد المرسلين وخاتم النبيين، وحبيب رب العالمين محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم السيد، الكامل الفاتح الخاتم، والحمد لله الهادي إلى سواء السبيل وحسبنا الله ونعم الوكيل. والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الآنام، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً أبداً إلى يوم الدين ورضي الله تعالى عن أصحاب رسول الله أجمعين والحمد لله رب العالمين.