كتاب أحكام السبق والرمي وأحكام الأيمان والنذور >> فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب
كتاب أحكام السبق والرمي
أي بسهام ونحوها (وتصح المسابقة على الدواب) أي على ما هو الأصل في المسابقة عليها من خيل وإبل جزماً وفيل وبغل وحمار في الأظهر، ولا تصح المسابقة على بقر، ولا على نطاح الكباش، ولا على مهارشة الديكة لا بعوض ولا بغيره (و) تصح (المناضلة) أي المراماة (بالسهام إذا كانت المسافة) أي مسافة ما بين موقف الرامي والغرض الذي يرمى إليه (معلومة و) كانت (صفة المناضلة معلومة) أيضاً بأن يبين المتناضلان كيفية الرمي من قرع، وهو إصابة السهم الغرض، ولا يثبت فيه أو من خسق، وهو أن يثقب السهم الغرض ويثبت فيه أو من مرق، وهو أن ينفذ السهم من الجانب الآخر من الغرض. واعلم أن عوض المسابقة هو المال الذي يخرج فيها. وقد يخرجه أحد المتسابقين وقد يخرجانه معاً وذكر المصنف في قوله (ويخرج العوض أحد المتسابقين حتى أنه إذا سبق) بفتح السين غيره (استرده) أي العوض الذي أخرجه (وإن سبق) بضم أوله (أخذه) أي العوض (صاحبه) السابق (له) وذكر المصنف الثاني في قوله (وإن أخرجاه) أي العوض المتسابقان (معاً لم يجز) أي لم يصح إخراجهما للعوض (لا أن يدخلا بينهما محللاً) بكسر اللام الأولى، في بعض النسخ إلا أن يدخل بينهما محلل (فإن سبق) بفتح السين كلاًّ من المتسابقين (أخذ العوض) الذي أخرجاه (وإن سبق) بضم أوله (لم يغرم) لهما شيئاً.
كتاب أحكام الأيمان والنذور
الأيمان بفتح الهمزة جمع يمين وأصلها لغة اليد اليمنى، ثم أطلقت على الحلف، وشرعاً تحقيق ما يحتمل المخالفة أو تأكيده بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفات ذاته، والنذور جمع نذر وسيأتي معناه في الفصل بعده (لا ينعقد اليمين إلا بالله تعالى) أي بذاته كقول الحالف والله (أو باسم من أسمائه) المختصة به التي لا تستعمل في غيره كخالق الخلق (أو صفة من صفات ذاته) القائمة به كعلمه وقدرته وضابط الحالف كل مكلف مختار ناطق قاصد لليمين (ومن حلف بصدقة ماله) كقوله لله عليّ أن أتصدق بمالي ويعبر عن هذا اليمين تارة بيمين اللجاج والغضب، وتارة بنذر اللجاج والغضب (فهو) أي الحالف أو الناذر (مخير بين) الوفاء بما حلف عليه والتزمه بالنذر من (الصدقة) بماله (أو كفارة اليمين) في الأظهر وفي قول يلزمه كفارة يمين وفي قول يلزمه الوفاء بما التزمه (ولا شيء في لغو اليمين) وفسر بما سبق لسانه إلى لفظ اليمين من غير أن يقصدها كقوله في حال غضبه أو غلبته أو عجلته لا والله مرة ويلي والله مرة في وقت آخر (ومن حلف أن لا يفعل شيئاً ففعل غيره لم يحنث ومن حلف أن لا يفعل شيئاً) أي كبيع عبده (فأمر غيره بفعله) ففعله بأن باع عبد الحالف (لم يحنث) ذلك الحالف بفعل غيره إلا أن يريد الحالف أنه لا يفعل هو ولا غيره فيحنث بفعل مأموره أما لو حلف أن لا ينكح فوكل غيره في النكاح فإنه يحنث بفعل وكيله له في النكاح (ومن حلف على فعل أمرين) كقوله والله لا ألبس هذين الثوبين (ففعل) أي لبس (أحدهما لم يحنث) فإن لبسهما معاً أو مرتباً حنث، فإن قال لا ألبس هذا ولا هذا حنث بأحدهما.
ولا تنحل يمينه بل إذا فعل الآخر حنث أيضاً (وكفارة اليمين هو) أي الحالف إذا حنث (مخير فيها بين ثلاثة أشياء) أحدها (عتق رقبة مؤمنة) سليمة من عيب يخل بعمل أو كسب. وثانيها مذكور في قوله (أو إطعام عشرة مساكين كل مسكين مداً) أي رطلاً وثلثاً من حب من غالب قوت بلد المكفر، ولا يجزىء فيه غير الحب من تمر وأقط. وثالثها مذكور في قوله (أو كسوتهم) أي يدفع المكفر لكل من المساكين (ثوباً ثوباً) أي شيئاً يسمى كسوة مما يعتاد لبسه كقميص أو عمامة أو خمار أو كساء، ولا يكفي خف ولا قفازان، ولا يشترط في القميص كونه صالحاً للمدفوع إليه فيجزىء أن يدفع للرجل ثوب صغير، أو ثوب امرأة، ولا يشترط أيضاً كون المدفوع جديداً، فيجوز دفعه ملبوساً لم تذهب قوته (فإن لم يجد) المكفر شيئاً من الثلاثة السابقة (فصيام) أي فيلزمه صيام (ثلاثة أيام) ولا يجب تتابعها في الأظهر.
(فصل): في أحكام النذور. جمع نذر وهو بذال معجمة ساكنة، وحكي فتحها ومعناه لغة الوعد بخير أو شر، وشرعاً التزام قربة غير لازمة بأصل الشرع والنذر ضربان أحدهما نذر اللجاج بفتح أوله وهو التمادي في الخصومة، والمراد بهذا النذر أن يخرج مخرج اليمين، بأن يقصد الناذر منع نفسه من شيء، ولا يقصد القربة وفيه كفارة يمين أو ما التزمه بالنذر. والثاني نذر المجازاة وهو نوعان، أحدهما أن لا يعلقه الناذر على شيء كقوله ابتداء لله عليّ صوم أو عتق، والثاني أن يعلقه على شيء وأشار له المصنف بقوله (والنذر يلزم في المجازاة على) نذر (مباح وطاعة كقوله) أي الناذر (إن شفى الله مريضي) وفي بعض النسخ مرضي أو إن كفيت شر عدوي (فللَّه علي أن أصلي أو أصوم أو أتصدق ويلزمه) أي الناذر (من ذلك) أي مما نذره من صلاة أو صوم أو صدقة (ما يقع عليه الاسم) من الصلاة وأقلها ركعتان أو الصوم وأقله يوم أو الصدقة، وهي أقل شيء مما يتمول وكذا لو نذر التصدق بمال عظيم كما قال القاضي أبو الطيب، ثم صرح المصنف بمفهوم قوله سابقاً على مباح في قوله (ولا نذر في معصية) أي لا ينعقد نذرها (كقوله إن قتلت فلاناً) بغير حق (فللَّه علي كذا) وخرج بالمعصية نذر المكروه كنذر شخص صوم الدهر، فينعقد نذره ويلزمه الوفاء به، ولا يصح أيضاً نذر واجب على العين. كالصلوات الخمس أما الواجب على الكفاية فيلزمه كما يقتضيه كلام الروضة وأصلها (ولا يلزم النذر) أي لا ينعقد (على ترك مباح) أو فعله فالأول (كقوله لا آكل لحماً ولا أشرب لبناً وما أشبه ذلك) من المباح كقوله لا ألبس كذا، والثاني نحو آكل كذا وأشرب كذا، وألبس كذا، وإذا خالف النذر المباح لزمه كفارة يمين على الراجح عند البغوي، وتبعه المحرر والمنهاج لكن قضية كلام الروضة وأصلها عدم اللزوم.