باب في الردة
كتاب فتح المعين في الفقه الشافعي
محتويات
باب في الردة
الردة لغة: الرجوع وهي أفحش أنواع الكفار ويحبط بها العمل إن اتصلت بالموت فلا يجب إعادة
عباداته التي قبل الردة وقال أبو حنيفة تجب.
وشرعا: قطع مكلف مختار فتلغو من صبي ومجنون ومكره عليها إذا كان قلبه مؤمنا إسلاما بكفر عزما حالا أو مآلا فيكفر به حالا.
أو قولا أو فعلا باعتقاد لذلك الفعل أو القول أي معه أو مع عناد من القائل أو الفاعل أو مع استهزاء أي استخفاف بخلاف ما لو اقترن به ما يخرجه عن الردة كسبق لسان أو حكاية كفر أو خوف.
قال شيخنا كشيخه وكذا قول الولي حال غيبته أنا الله ونحوه
مما وقع لائمة من العارفين كابن عربي وأتباعه بحق وما وقع في عبارتهم مما يوهم كفرا غير مراد به ظاهره كما لا يخفى على الموفقين نعم يحرم على من لم يعرف حقيقة اصطلاحهم وطريقتهم مطالعة كتبهم فإنها مزلة قدم له ومن ثم ضل كثيرون اغتروا بظواهرها وقول ابن عبد السلام: يعزر ولي قال أنا الله؟ فيه نظر لأنه إن قاله وهو مكلف فهو كافر لا محالة وإن قاله حال الغيبة المانعة للتكليف فأي وجه للتعزير انتهى.
وذلك كنفي صانع ونفي نبي أو تكذيبه وجحد مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة من غير تأويل وإن لم يكن فيه نص كوجوب نحو الصلاة المكتوبة وتحليل نحو البيع والنكاح وتحريم شرب الخمر واللواط والزنا والمكس وندب الرواتب والعيد بخلاف مجمع عليه لا يعرفه إلا الخواص ولو كان فيه نص كاستحقاق بنت الابن السدس مع البنت وكحرمة نكاح المعتدة للغير كما قاله النووي وغيره.
وبخلاف المعذور كمن قرب عهده بالإسلام.
وسجود لمخلوق اختيارا من غير خوف ولو نبيا وإن أنكر الاستحقاق أو لم يطابق قلبه جوارحه لان ظاهر حاله يكذبه.
وفي الروضة عن التهذيب من دخل دار الحرب فسجد لصنم أو تلفظ بكفر ثم ادعى إكراها فإن فعله في خلوته لم يقبل أو بين أيديهم وهو أسير قبل قوله أو تاجر فلا.
وخرج بالسجود الركوع لأن صورته تقع في العادة للمخلوق كثيرا بخلاف السجود.
قال شيخنا: نعم يظهر أن محل الفرق بينهما عند الإطلاق بخلاف ما لو قصد تعظيم مخلوق بالركوع كما يعظم الله تعالى به فإنه لا شك في الكفر حينئذ انتهى.
وكمشي إلى الكنائس بزيهم من زنار وغيره وكإلقاء ما فيه قرآن في مستقذر.
قال الروياني أو علم شرعي ومثله بالأولى ما فيه اسم معظم وتردد في كفر أيفعله أو لا.
وكتكفير مسلم لذنبه بلا تأويل لأنه سمي الإسلام كفرا.
وكالرضا بالكفر كأن قال لمن طلب منه تلقين الإسلام اصبر ساعة فيكفر في الحال في كل ما مر لمنافاته الإسلام.
وكذا يكفر من أنكر إعجاز القرآن أو حرفا منه أو صحبة أبي بكر أو قذف عائشة رضي الله عنها ويكفر في وجه حكاه القاضي من سب الشيخين أو الحسن والحسين رضي الله عنهم لا من قال لمن أراد تحليفه لا أريد الحلف بالله بل بالطلاق مثلا أو قال رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت.
تنبيه: ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظم خطره وغلبة عدم قصده سيما من العوام وما زال أئمتنا على ذلك قديما وحديثا.
ويستتاب وجوبا مرتد ذكرا كان أو أنثى لأنه كان محترما بالإسلام وربما عرضت له شبهة فتزال.
ثم إن لم يتب بعد الاستتابة قتل أي قتله الحاكم ولو بنائبه بضرب الرقبة لا بغيره.
بلا إمهال أي تكون الاستتابة والقتل حالا لخبر البخاري: من بدل دينه فاقتلوه فإذا أسلم صح إسلامه وترك وإن تكررت ردته لإطلاق النصوص نعم يعزر من تكررت ردته لا في أول مرة إذا تاب خلافا لما زعمه جهلة القضاة.
تتمة [في بيان ما يحصل به الإسلام مطلقا على الكافر الأصلي وعلى المرتد] : إنما يحصل إسلام كل كافر أصلي أو مرتد بالتلفظ بالشهادتين من الناطق فلا يكفي ما بقلبه من
الإيمان وإن قال به الغزالي وجمع محققون ولو بالعجمية وإن أحسن العربية على المنقول المعتمد لا بلغة
لقنها بلا فهم ثم بالاعتراف برسالته ص إلى غير العرب ممن ينكرها فيزيد العيسوي من اليهود محمد رسول الله إلى جميع
الخلق أو البراءة من كل دين يخالف دين الإسلام فيزيد المشرك كفرت بما كنت أشركت به وبرجوعه عن الاعتقاد الذي ارتد بسببه.
ومن جهل القضاة أن من ادعى عليه عندهم بردة أو جاءهم يطلب الحكم بإسلامه يقولون له تلفظ بما قلت وهذا غلط فاحش فقد قال الشافعي رضي الله عنه إذا ادعى على رجل أنه ارتد وهو مسلم لم اكشف عن الحال وقلت له قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأنك برئ من كل دين يخالف دين الإسلام انتهى.
قال شيخنا: ويؤخذ من تكريره رضي الله عنه لفظ أشهد أنه لا بد منه في صحة الإسلام وهو ما يدل عليه كلام الشيخين في الكفارة وغيرها لكن خالف فيه جمع وفي الأحاديث ما يدل لكل انتهى.
ويندب أمر كل من أسلم بالإيمان بالبعث ويشترط لنفع الإسلام في الآخرة مع ما مر تصديق القلب بوحدانية الله تعالى ورسله وكتبه واليوم الآخر فإن اعتقد هذا ولم يأت بما مر لم يكن مؤمنا وإن أتى به بلا اعتقاد ترتب عليه الحكم الدنيوي ظاهرا.