نكاح المتعة أو لنكاح المؤقت
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
محتويات
- النكاح المؤقت أو نكاح المتعة
- االعودة إلي كتاب النكاح
- االعودة إلي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
النكاح المؤقت أو نكاح المتعة
يتعلق بهذه المسألة أمور: (1) هل يوجد فرق بين نكاح المتعة والنكاح المؤقت؟ (2) ما هي حقيقة كل منهما؟ (3) ما حكم كل منهما؟ (4) أصل مشروعية نكاح المتعة.
(1) اتفق المالكية. والشافعية. والحنابلة على أنه لا فرق بين الاثنين، فالنكاح المؤقت هو نكاح المتعة، والمشهور عند الحنفية أن نكاح المتعة يشترط فيه أن يكون بلفظ المتعة كأن يقول لها: متعيني بنفسك. أو أتمتع بك. أو متعتك بنفسي، ولكن بعضهم حقق أن ذلك لم يثبت، وعلى هذا يكون نكاح المتعة هو النكاح المؤقت، بلا فرق عند الجميع.
(2) أما حقيقة نكاح المتعة، فهو أن يقيد عقد الزواج بوقت معين، كأن يقول لها: زوجيني نفسك شهراً. أو تزوجتك مدة سنة. أو نحو ذلك، سواء كان صادراً أمام شهود وبمباشرة ولي، أولا.
(3) وسواء كان نكاح المتعة هو عين النكاح المؤقت. أو غيره فهو باطل باتفاق، وإذا وقع من أحد استحق عليه التعزيز لا الحد. كما ستعرفه في تفاصيل المذاهب. وذلك لأنه نقل عن ابن عباس أنه جائز، وذلك شبهة توجب سقوط الحد، وإن كانت الشبهة واهية.
(4) أما أصل مشروعية نكاح المتعة، فهو أن المسلمين في صدر الإسلام كانوا في قلة تقضي عليهم: بمناضلة أعدائهم باستمرار، وهذه حالة لا يستطيعون معها القيام بتكاليف الزوجية وتربية الأسرة، خصوصاً أن حالتهم المالية كانت سيئة إلى أقصى مدى، فليس من المعقول أن يشغلوا أنفسهم بتدبير الأسرة من أول الأمر، وإلى جانب هذا أنهم كانوا حديثي عهد بعاداتهم التي ربوا عليها قبل الإسلام، وهي فوضى الشهوات في النساء. حتى كان الواحد منهم تجمع تحته ما شاء من النساء. فيقرب من يحب ويقصي من يشاء فإذا كان هؤلاء في حالة حرب فماذا يكون حالهم؟ ألا إن الطبيعة البشرية لها حكمها. والحالة المادية لها حكمها كذلك. فيجب أن يكون لهذه الحالة تشريع مؤقت يرفع عنهم العنت، ويحول بينهم وبين تكاليف الزوجية.
وذلك هو نكاح المتعة. أو النكاح المؤقت. فهو يشبه الحكم العرفي المؤقت بضرورة الحرب وذلك لأن الجيش يحتوي على شباب لا زوجات لهم ولا يستطيعون الزواج الدائم كما لا يستطيعون مقاومة الطبيعة البشرية، وليس من المعقول في هذه الحالة مطالبتهم بإضعاف شهواتهم بالصيام، كما ورد في حديث آخر، لأن المحارب لا يصح إضعافه، بأي وجه، وعلى أي حال. فهذه الحالة هي الأصل في تشريع نكاح المتعة، يدل على ذلك ما رواه مسلم عن سبرة، قال: أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمتعة عام الفتح، حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج حتى نهانا عنها، فهذا صريح في أنه حكم مؤقت اقتضته ضرورة القتال.
وروى ابن ماجة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "يا أيها الناس إني كنت أذنت في الاستمتاع، ألا وإن اللّه حرمها إلى يوم القيامة"
وهذا هو المعقول الذي تقتضيه قواعد الدين الإسلامي، التي تعتبر الزنا جريمة من أفظع الجرائم وتحظر كل ما يثير شبهة، أو يسهل ارتكاب منكر، ويكفي في ذلك قوله تعالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} وقوله صلى اللّه عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، وكفى بالزنا إثماً أنه يترتب عليه هتك الأعراض. واختلاط الأنساب. وفقد الحياء. وغير ذلك من الرذائل التي جاء الإسلام بمحاربتها، والقضاء عليها، وقد نجح في ذلك مع هؤلاء العرب نجاحاً باهراً. فقد يدرج بهم في معارج الأخلاق الفاضلة حتى وصلوا إلى نهاية ما يمكن أن يصل إليه البشر من مكارم الأخلاق. فكانوا في ذلك قدوة للعالم في كل زمان ومكان فليس من المعقول أن يكون النكاح المؤقت من قواعد الإسلام التي هذا شأنها، أما ما روي من أن ابن عباس قال: أنه جائز فالصحيح أنه قال ذلك قبل أن يبلغه نسخه، وقد وقعت بينه وبين ابن الزبير مشادة في ذلك، فقد روي أن ابن الزبير قال: ما بال أناس أعمى اللّه بصائرهم كما أعمى أبصارهم يقولون بحل نكاح المتعة يعرض بابن عباس، لأنه كف بصره فقال ابن عباس: إنك جلف جاف، لقد رأيت إمام المتقين رسول اللّه يجيزه، فقال له ابن الزبير، واللّه إن فعلته لأرجمنك، فظاهر هذا أن عباس لم يبلغه النسخ، فلما بلغه عدل عن رأيه، فقد روى أبو بكر بإسناده عن سعيد بن جبير أن ابن عباس قام خطيباً. فقال: إن المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير، وذلك مبالغة في التحريم، وبهذا كله يتضح أن نكاح المتعة أو النكاح المؤقت باطل باتفاق المسلمين، وما نقل من إباحته في صدر الإسلام، فقد كان لضرورة اقتضتها حالة الحرب والقتال.
وبعد: فلنذكر لك تفاصيل المذاهب في أسفل الصحيفة (1).
نكاح المتعة عند المالكية
(1) (المالكية - قالوا: نكاح المتعة، هو أن يكون لفظ العقد مؤقتاً بوقت، كأن يقول للولي: زوجني فلانة شهراً بكذا، أو يقول: قبلت زواجها مدة شهر بكذا، فإن قال وقع النكاح باطلاً، ويفسخ قبل الدخول وبعده، ولكن إذا دخل بها لزمه صداق المثل، وقيل: لا يلزمه إلا الصداق المتفق معها عليه وهو المسمى، ويلحق به الولد، ولا يتحقق نكاح المتعة إلا إذا اشتمل على ذكر الأجل صراحة، للولي، أو للمرأة، أولهما. فإن لم يذكر قبل العقد أو يشترط في العقد لفظاً، ولكن قصده الزوج في نفسه، فإذا لا يضر، ولو فهمت المرأة أو وليها ذلك، وقيل إن فهمت يضر، ثم إذا كان الأجل واسعاً لا يعيشان إليه عادة، فقيه خلاف، فقيل: يصح وقيل: لا.
ويعاقب فاعل نكاح المتعة، ولكن لا يحد. لأن له شبهة القبول بالجواز، كما نقل عن ابن عباس، وإن كان نقل أيضاً أنه عدل عن القول بالجواز.
وقد روى بعض أئمة المالكية أن رجوع ابن عباس عن هذا هو المشهود، ومع ذلك فلا حد فيه، لما فيه من شبهة.
كما يبطل النكاح بالتأقيت، يبطل بالاتفاق على أن يكون سراً، بشرط أن يوصي بكتمه الزوج، وأن يكون الموصى بالكتم هم الشهود، فإذا لم يوص الشهود بالكتمان عن زوجته القديمة، مثلاً بأن أو صاهم الولي أو الزوجة الجديدة أو هما معاً، فلا يضر، فالمدار في سرية العقد على أن يكون الموصي هو الزوج، والموصى هم الشهود، وبعضهم يقول: لا يلزم أن يكون الموصى هم الشهود، بل إذا أوصى الزوج الولي أو الزوجة أو هما معاً بالسرية بطل العقد. وهذا الحكم خاص بالمالكية فلا يبطل العقد بالتواصي بكتمه على أي حال عند الحنفية. والشافعية.
نكاح المتعة عند الشافعية
الشافعية - قالوا: نكاح المتعة، هو النكاح لأجل، فلو قال للولي: زوجني فلانة شهراً، فإنه يكون نكاح متعة، هو باطل، ومثل ما إذا أقت بمدة عمرها أو عمره، فلو قال له الولي: زوجتك فلانة مدة عمرها، بطل العقد، وذلك لن مقتضى العقد أن تبقى آثاره بعد الموت، ولهذا يصح للزوج تغسيل زوجته، ومعنى التأقيت بمدة الحياة، تقتضي أن العقد ينتهي بالموت، فلا تبقى آثاره، فلذا كان قيد التأقيت مبطلاً.
وفي بعض كتب الشافعية أن نكاح المتعة، عند ابن عباس، هو الخالي عن الولي والمشهود، وعند الجمهور هو النكاح المؤقت بوقت، وتسميته نكاح متعة ظاهرة على تفسير الجمهور،لأن توقيته بوقت يدل على أن الغرض منه مجرد التمتع، لا التوارث والتوالد اللذان هما الغرض الأصلي من النكاح، أما على تفسير ابن عباس، بأنه الخالي عن الولي والشهود، فتسميته نكاح المتعة، لأن شأن الصادر بلا ولي وشهود أن يكون الغرض منه مجرد اللذة،إذ لو كان الغرض منه التوالد والتوارث لصدر بحضرة الشهود والولي، اه ملخصاً من التحرير وحواشيه.
وقد يؤيد ذلك ما روي، أن ابن الزبير قال لابن عباس: إن فعلته رجمتك، ويظهر أن شبهة ابن عباس كانت ضعيفة في نظر ابن الزبير، فلا توجب رفع الحد.
نكاح المتعة عند الحنابلة
الحنابلة - قالوا: نكاح المتعة، هو أن يتزوجها إلى مدة، سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة، مثال المعلومة، أن يقول الولي مثلاً: زوجتك فلانة شهراً. أو سنة. ومثال المجهولة، أن يقول: زوجتكها إلى انقضاء الموسم. أو إلى قدوم الحاج، ولا فرق أيضاً بين أن يكون بلفظ التزويج، أو بلفظ المتعة، بأن يقول المتزوج: أمتعيني نفسك، فتقول: أمتعتك نفسي بدون ولي وشاهدين، فنكاح المتعة يتناول الأمرين: ما كان مؤقتاً مع الولي والشهود، أو كان بلفظ المتعة بدون ولي وشهود وهو باطل على كل حال، وكان مباحاً للضرورة التي ذكرناها في الصلب.
وإذا لم يذكر الأجل في صيغة العقد، ولكن نوي في سره أن يمكث معها مدة، فإنه باطل أيضاً، فلا يصح إلا إذا نوى أنها امرأته ما دام حياً، وكذا إذا شرط طلاقها بعد مدة، ولو مجهولة، فإنه لا يصح، فإذا لم يدخل بها في نكاح المتعة أو فيما يشبهه، فرق القاضي بينهما، ولا شيء لها، وإن دخل بها فعليه مهر المثل. وبعضهم يقول النكاح الفاسد، بعد الدخول يوجب المهر المسمى، سواء كان نكاح متعة أو غيره، ولا يترتب على نكاح المتعة إحصان الزوج. ولا حلها لمطلقها ثلاثاً. ولا يتوارثان ولا تسمى زوجته، ولكن يلحق فيه النسب، ويرث به الولد، ويورث لأن الوطء وطء شبهة يلحق به الولد، ولكنهما يستحقان فيه عقوبة التعزير دون الحد.
نكاح المتعة عند الحنفية
الحنفية - قالوا: نكاح المتعة، هو أن يقول لامرأة خالية من الموانع: أتمتع بك أو متعيني بنفسك أياماً أو عشرة أيام بكذا، فتقول له: قبلت، وكذا إذا قال لها: متعيني بنفسك، ولم يذكر مدة، إذا المعول على ذكر لفظ المتعة، فلو قالت له: متعتك بنفسي بكذا من المال، وقيل كان نكاح متعة، وقد يقال، إن إثبات كونه بلفظ المتعة موقوف على النقل، ولم يوجد دليل صحيح يفيد أن نكاح المتعة كان بخصوص لفظ المتعة، ولذا قال بعضهم: إنه لا فرق بينه وبين النكاح المؤقت، فالنكاح إذا قيد بوقت أو كان بلفظ المتعة بدون شهود، كان نكاح متعة، كما ذكر الحنابلة، وهو باطل على كل حال، فلو قال لها: تزوجتك شهراً. أو سنة، أو قال: متعيني بنفسك ولم يذكر مدة، فقالت: قبلت، كان النكاح باطلاً، سواء كان أمام شهود، أو لا، وسواء كان الوقت طويلاً، أو قصيراً. على أنه إذا ذكر مدة طويلة لا يعيشان إليها عادة، كما إذا قال لها: تزوجتك إلى قيام الساعة. فإنه في هذه الحالة لم يكن مؤقتاً. بل يكون الغرض منه التأبيد. فيلغو الشرط. ويصح العقد. وإذا نوى معاشرتها مدة ولم يصرح بذلك فإن العقد يصح. كما إذا تزوجها على أن يطلقها غداً أو بعد شهر فإن العقد يصح ويلغو الشرط. فإن شرط الطلاق ليس تأقيتاً للعقد كما تقدم في مسألة المحلل ولا يترتب على نكاح المتعة أثر. فلا يقع عليها طلاق ولا إيلاء وظهار ولا يرث أحدهما من صاحبه. ولا شيء لها إذا فارقها قبل الدخول. أما بعده فلها من المهر ما تقدم في شرائط النكاح من مهر المثل).