شروط النكاح والولي وترتيب الأولياء
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
محتويات
- شروط النكاح
- خلاصة لأهم المسائل المتقدمة المتفق عليها والمختلف فيها
- الصيغة
- الشهود والزوجان
- مباحث الولي
- تعريف الولي
- الولي من القريب العاصب عند الحنفية
- الولي بالكفالة عند المالكية
- ترتيب الأولياء في النكاح عند الحنفية
- ترتيب الأولياء في النكاح عند المالكية
- ترتيب الأولياء في النكاح عند الشافعية
- االعودة إلي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
مبحث شروط النكاح
*-للنكاح شروط عدها بعض المذاهب أركاناً وعد شروطاً غيرها لم يعتبرها بعض المذاهب الأخرى كما تراه مفصلاً في المذاهب (1)
شروط النكاح عند الحنفية
(1) (الحنفية - قالوا: للنكاح شروط بعضها يتعلق بالصيغة وبعضها يتعلق بالعاقدين وبعضها يتعلق بالشهود، فأما الصيغة - وهي عبارة عن الإيجاب والقبول - فيشترط فيها شروط: أحدها أن تكون بألفاظ مخصوصة، وبيانها أن الألفاظ التي ينعقد بها النكاح إما أن تكون صريحة و إما أن تكون كناية. فالصريحة هي ما كانت بلفظ تزويج وانكاح أي ما اشتق منهما كزوجت وتزوجت وزوجني ابنتك مثلاً أو زوجيني نفسك فتقول: زوجت أو قبلت أو سمعاً وطاعة. ويصح النكاح بلفظ المضارع إذا لم يرد به طلب الوعد، فلو قال: تزوجني بنتك فقال: زوجتك صح، أما إذا نوى الاستيعاد - أي طلب الوعد - فإنه لا يصح، ولو قال: أتزوجك بالمضارع فقالت: زوجت فإنه يصح بدون كلام لأنه لا يطلب من نفسه الوعد. وقوله: زوجني فيه خلاف هل هو توكيل بالزواج - أي وكلتك - بأن تزوجني ابنتك أو هو إيجاب كقول: زوجتك ابنتي؟ والراجح أنه توكيل ضمني لأن الغرض من الأمر طلب التزويج وهو يتضمن التوكيل. وإذا كان توكيلاً ضمناً لا صراحة فلا يأخذ حكم التوكيل من أنه لا يشترط فيه اتحاد المجلس فلو وكله اليوم ثم قبل التوكيل بعد أيام صح بخلاف النكاح فإن القبول يشترط فيه أن يكون في مجلس الإيجاب كما ستعرف بعد. فلفظ زوجني له جهتان: جهة طلب النكاح وهي المقصودة فتعتبر فيها شروط النكاح، وجهة توكيل - وهي ضمنية - فلا يعتبر فيها شروط التوكيل، ولا يشترط في الألفاظ الصريحة أن يعرف الزوجان أو الشهود معناها وإنما يشترط معرفة أن هذا اللفظ ينعقد به النكاح، مثلاً إذا لقنت امرأة أعجمية لفظ زوجتك نفسي عارفة أن الغرض منه اقترانها بالزوج ولكنها لم تعرف معنى زوجت نفسي فإن النكاح ينعقد، ومثل الزوجة في ذلك الزوج والشهود، وهذا بخلاف البيع فإنه لا يصح إلا إذا عرف البيعان معنى اللفظ فلا يكفي فيه أن ينعقد به البيع أما الخلع فإن المرأة إذا لقنت خالعني على مهري و نفقتي فقالته وهي لا تعرف معناه فإن الصحيح أن الطلاق يقع ولا يسقط مهرها ولا نفقتها. أما الكناية فإن النكاح لا ينعقد بها إلا بشرط أن ينوي بها التزويج وأن تقوم قرينة على هذه النية. وأن يفهم الشهود المراد أو يعلنوا به إن لم تقم قرينة يفهموا منها.
والكنايات التي ينعقد بها النكاح تنقسم إلى أربعة أقسام: الأول لا خلاف في الانعقاد به عند الحنفية وهو ما كان بلفظ الهبة أو الصدقة أو التمليك أو الجعل، فإذا قالت: وهبت نفسي لك ناوية معنى الزواج وقال: قبلت، انعقد النكاح. وكذا إذا قالت: تصدقت بنفسي عليك أو جعلت نفسي صدقة لك أو قالت: ملكتك نفسي. أو قال: جعلت لك ابنتي بمائة فإن كل ذلك ينعقد به النكاح بلا خلاف.
القسم الثاني: في الانعقاد به خلاف ولكن الصحيح الانعقاد، وهو ما كان بلفظ البيع والشراء فلو قالت: بعت نفسي منك بكذا ناوية الزواج وقبل فإنه يصح ومثل ما إذا قالت: أسلمت إليك نفسي في عشرين إردَبّاً من القمح آخذها بعد شهر تريد به الزواج فإنه يصح وكذا إذا قال: صالحتك على الألف التي علي لابنتي يريد به الزواج فقال: قبلت، فينعقد النكاح على الصحيح بلفظ البيع والشراء والسلم والصلح والفرض.
القسم الثالث: فيه خلاف، والصحيح عدم الانعقاد وهو ما كان بلفظ الإيجارة والوصية، فلو قالت أجرت لك نفسي، أو قال: أوصيت لك بابنتي بعد موتي، أو قال أوصيت لفلان بابنتي ولم يقل: بعد موتي فقال: قبلت فإنه لا ينعقد بها النكاح، وأولى إذا قال: قبلت بعد موته، أما إذا قال له: أوصيت لك ببضع ابنتي الآن أو للحال أو حالاً بألف مثلاً فقال: قبلت فإنه لا يصح وذلك لأنه لا يشترط أن يفيد اللفظ تمليك العين في الحال. والوصية المطلقة والمقيدة بما بعد الموت تفيد الملك مالاً.
القسم الرابع: لا خلاف في عدم الانعقاد به وهو ما كان بألفاظ الإباحة، والإحلال، والإعارة، والرهن، والتمتع، والإقالة، والخلع. فلو قالت: أحللت لك نفسي أو أعرتك أو متعتك بنفسي أو قال له: أقلني من بيع السلعة على ابنتي بنية الزواج فإنه لا يصح.
ثانيها: أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد فإذا قالت: زوجتك نفسي، أو قال: زوجتك ابنتي فقام الآخر من المجلس قبل القبول واشتغل بعمل يفيد انصرافه عن المجلس. ثم قال: قبلت بعد ذلك فإنه ينعقد. وكذا إذا كان أحدهما غائباً. فلو قالت امرأة بحضرة شاهدين: زوجت نفسي من فلان وهو غائب فلما علم قال بحضرة شاهدين: قبلت فإنه لا ينعقد. لأن اتحاد المجلس شرط وهذا بخلاف ما إذا أرسل إليها رسولاً قال لها: أرسلني يطلب منك أن تزوجيه نفسك فقالت: قبلت، فإنه ينعقد لأن الإيجاب والقبول في مجلس واحد وإن كان الزوج غائباً عن المجلس، فإذا لم تقبل المرأة عندما قال لها الرسول، ثم أعاد الرسول الإيجاب في مجلس آخر فقبلت فإنه لا ينعقد لأن رسالته انتهت أولاً. وكذا إذا أرسل إليها كتاباً يخطبها وهو غائب عن البلد فأحضرت الشهود وقرأت عليهم الكتاب وقالت: زوجت نفسي فإنه ينعقد، وذلك لأن الإيجاب والقبول حصلا في مجلس واحد. فإن الكتاب في المجلس إيجاب الزوج، وقول المرأة: زوجت أو قبلت هو القبول حتى لو لم تقبل في المجلس. ثم قرأت الكتاب في مجلس آخر وقبلت فإنه ينعقد. لأن كل ما قرأ في الكتاب كان إيجاباً من الزوج ولهذا لو قالت أمام الشهود زوجت نفسي من فلان ولم تقرأ عليهم الكتاب فإنه لا ينعقد لأن سماع الشطرين شرط صحة النكاح، ولا يصح النكاح بالكتابة مع وجود الخاطب ويمكنه من حضور مجلس العقد ويتفرع على اتحاد المجلس أنهما إذا عقدا على دابة تسير أو عقدا وهما يمشيان فإنه لا يصح لعدم الاستقرار في مكان واحد. أما إذا عقدا على ظهر سفينة وهي تسير فإنه يصح لأن السفينة تعتبر مكاناً. وهل السيارة" الاتوموبيل" ونحوه مثل السفينة أو الدابة؟ إنه مثل الدابة فلا يصح العقد عليه عند الحنفية. هذا ولا يشترط الفور عند الحنفية، فلو قالت: زوجتك فتكلم في المجلس بكلام خارجٍ عن العقد ثم قالت قبلت: فإنه يصح. على أنه لابد في عقد النكاح من اللفظ فلا ينعقد بالتعاطي مثلاً لو قالت له: زوجتك نفسي بألف فأعطاها الألف ولم يقل: قبلت لا ينعقد النكاح وكذا لا ينعقد بالإقرار على المختار بمعنى أن الإقرار إظهار لما هو ثابت، ومعنى كون العقد يثبت بالتصادق أن العقد يكون حاصلاً من قبل والقاضي يحكم بثبوته لا أن الإقرار ينعقد به النكاح أول الأمر لأنه يكون كذباً.
ثالثها: أن لا يخالف القبول الإيجاب، فإذا قال شخص لآخر: زوجتك ابنتي على ألف درهم فقال الزوج: قبلت النكاح ولا أقبل المهر لا ينعقد النكاح، ولو قبل وسكت عن المهر ينعقد أما إذا قالت له: زوجتك نفسي بألف فقبلها بألفين فإنه يصح، وإن كان القبول يخالف الإيجاب لأن غرضها قد تحقق مع زيادة، ولكن لا تلزمه الزيادة إلا إذا قبلت في المجلس. وإذا قال لها زوجيني نفسك بألف فقالت بخمسمائة فإنه يصح ولا يحتاج إلى قبول منه لأن هذا إبراء واسقاط بخلاف الزيادة فإنها لا تلزم إلا القبول
رابعها: أن تكون الصيغة مسموعة للعاقدين فلا بد أن يسمع كل من العاقدين لفظ الآخر إما حقيقة كما إذا كانا حاضرين أو حكماً كالكتاب من الغائب لأن قراءته قامت مقام الخطاب هنا، ولا يشترط في الصيغة أن تكون بألفاظ صحيحة، بل تصح بالألفاظ المحرفة على التحقيق فإذا كانت المرأة أو وكيلها من العامة الذين لا يحسنون النطق بقول: زوجت: وقالت: جوزتك نفسي، أو قال: جوزتك ببنتي فإنه يصح. ومثل النكاح الطلاق فإنه يصح بالألفاظ المحرفة.
خامسها: أن لا يكون اللفظ مؤقتاً بوقت فإذا قال لها زوجيني نفسك شهراً بصداق كذا فقالت: زوجت فإنه يقع باطلاً، وهذا هو نكاح المتعة الآتي.
وأما الشروط المتعلقة بالعاقدين وهما الزوج والزوجة، فمنها العقل - وهو شرط في انعقاد النكاح - فلا ينعقد نكاح المجنون والصبي الذي لا يعقل أصلاً. ومنها البلوغ والحرية وهما شرطان للنفاذ.
فإذا عقد الصبي الذي يعقل والعبد فإن عقدهما ينعقد ولا ينفذ إلا بإجازة الولي والسيد. ومنها أن تكون الزوجة محلاً قابلاً للعقد فلا ينعقد على رجل ولا على خنثى مشكل ولا على معتدة أو متزوجة للغير. ومنها أن يكون الزوج والزوجة معلومين.
فلو زوج ابنته وله بنتان لا يصح إلا إذا كانت إحداهما متزوجة فينصرف إلى الخالية من الأزواج. وإذا كان لرجل بنت لها اسم في صغرها ثم اشتهرت باسم آخر في كبرها تذكر بالاسم المعروفة به، قال في الهندية والأصح أن تذكر بالاسمين رفعاً للابهام، ولو كانت له ابنة واحدة اسمها فاطمة فذكرها باسم عائشة فإنه لا يصح.
ومنها أن يضاف النكاح إلى المرأة أو إلى جزء يعبر به عن الكل كالرأس والرقبة، فلو قال زوجني يد ابنتك أو رجلها لا ينعقد على الصحيح.
أما الشروط التي تتعلق بالشهادة، فإن الشهادة أولاً في ذاتها شرط لصحة عقد النكاح فلا بد منها.
وأقل نصاب الشهادة في النكاح اثنان فلا تصح بواحد.. ولا يشترط فيهما أن يكون ذكرين بل تصح برجل وامرأتين، على أن النكاح لا يصح بالمرأتين وحدهما، بل لابد من وجود رجل معهما. ولا يشترط فيهما عدم الإحرام فيصح عقد المحرم بالنسك.
ويشترط في الشهود خمسة شروط: العقل، والبلوغ، والحرية، فلا ينعقد بحضرة مجنون أو صبى أو عبد. والرابع الإسلام، فلا ينعقد نكاح المسلمين بشهادة الذميين إلا إذا كانت المرأة ذمية. والرجل مسلماً فإنه ينعقد نكاحها بشهادة ذميين سواء كانا موافقين لها في الملة أو مخالفين.
وإذا كان العاقدان غير مسلمين فلا يشترط في الشهود أن يكونا مسلمين من باب أولى لا فرق أن يكونا موافقين لهما في الملة أو مخالفين. وينعقد النكاح بشهادة أعميين أو محدودين في قذف أو زنا وإن لم يتوبا،أو فاسقين، كما ينعقد بشهادة الابن الذي لا تقبل شهادته على أبيه وأمه في غير النكاح.فيصح أن يتزوج امرأة بشهادة ابنيه منها أو من غيرها. كما يصح شهادة ابنها من غيره. ومثل الابن الأب فيصح في النكاح شهادة الأصول والفروع. ولكن شهادة هؤلاء وإن كان يعقد بها النكاح إلا أنه لا يثبت بها عند الإنكار، فشهادتهم تنفع في حل الزوجة ديانة لا قضاء، فالنكاح له حالتان.حالة الانعقاد وهذه تصح فيها شهادة الأعمى، والفاسق، والابن والأب. وحالة إثبات عند الإنكار وهذه لا تصح فيها شهاداتهم، بل يشترط في الشاهد على إثبات النكاح ما يشترط في غيره. وعلى هذا إذا وكل رجل آخر على أن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها بحضور امرأتين مع وجود الأب الموكل صح النكاح لأن الأب يعتبر شاهداً، والمرأتان شاهد آخر.
بهذا تعلم أن شهادة الولي تنفع في الانعقاد. فإذا زوج الأب ابنته البالغة بحضور رجل واحد وكانت هي حاضرة فإنه يصح، وذلك أنها تجعل في الحالة هي المباشرة للعقد، ويجعل أبوها شاهداً مع الرجل الآخر، وذلك لأنها هي التي أمرت أباها بتزويجها. والقاعدة أن الآمر إذا حضر في المجلس تنتقل عبارة الوكيل إليه. فكأنه هو المعبر فتكون هي مباشرة، ولا يمكن جعلها شاهدة لأنه لا يتصور كون الشخص شاهداً على نفسه. أما إذا كانت صغيرة وزوجها أبوها بحضرة رجل واحد فإنه لا يصح لأن العقد لا يمكن نقله إليها لصغرها. ومثل ذلك ما إذا وكلت امرأة بالغة رجلاً أجنبياً وكانت حاضرة فزوجها بحضرة آخر فإنه يصح، وتصلح هي شاهداً لإثبات العقد عند الإنكار. إنما ينبغي أن لا يذكر العقد لأنه باشره فلا يصح أن يشهد على نفسه، بل يقول: إنها منكوحة فلان أو زوجة.
الشرط الخامس: من الشروط المتعلقة بالشهود أن يسمعا كلام العاقدين معاً، فلا تصح شهادة النائمين الذين لم يسمعا كلام العاقدين. أما الشهادة على التوكيل بالعقد فإنها ليست شرطاً في صحة النكاح فلو قالت لأبيها: وكلتك في زواجي بدون حضور شاهدين فإنه يصح ولكن إذا أنكرت أنها وكلته لم يكن عليها بينة. ففائدة الشهود في التوكيل الإثبات عند إنكار التوكيل. ويشترط في الشهادة على إثبات التوكيل أن يعرف الشهود المرأة ويسمعوا كلامها. فإذا رآها الشاهدان وسمعا كلامها إن كانت وحدها في المنزل جاز لهما أن يشهدا على إثبات التوكل عند إنكارها. فإن كانت غائبة ولم يسمعوا كلامها بأن عقد لها وكيلها فإن كان الشهود يعرفونها كفى ذكر اسمها إذا علموا أنه أرادها، وإذا كانوا يعرفونها فلا بد من ذكر اسمها واسم أبيها وجدها على أنك قد عرفت أن الشهادة في ذلك يصح بها العقد ولكن لا تنفع عند جحود التوكل، فالأحوط أن يشهد على التوكل اثنان عارفان بالزوجة أنها وكلت بعد سماعها.
وينعقد النكاح بشهادة الأخرس وفاقد النطق إذا كان يسمع ويفهم. ولا يشترط فهم الشهود معنى اللفظ بخصوصه، وإنما يشترط أن يعلموا أن هذا اللفظ ينعقد به النكاح كما تقدم. فإذا تزوج عربي بحضرة أعجمي يصح إذا كانا يعرفان أن لفظ الإيجاب والقبول ينعقد بهما النكاح وإلا فلا. وينعقد بحضرة السكارى إذا كانا يعرفان أن هذا ينعقد به النكاح، ولو لم يدركوه بعد الإفاقة من السكر.
وإذا أرسل شخص جماعة يخطبون له ابنة آخر، فقال أبوها: زوجته ابنتي، وقال أحد الخاطبين قبلت زواجها له فإن النكاح ينعقد على الصحيح.
خاتمة: لا يشترط في النكاح اختيار الزوج والزوجة، فلو أكره الزوج أو الزوجة على النكاح انعقد النكاح. ومثل النكاح الطلاق، والعتق، فإنه لا يشترط فيهما الاختيار والرضا وكذلك لا يشترط الجد في هذه الأمور الثلاثة: النكاح، والطلاق، والعتق، بل تنعقد ولو كان هازلاً.
شروط النكاح عند الشافعية
الشافعية - قالوا: شروط النكاح بعضها يتعلق بالصيغة، وبعضها يتعلق بالولي، وبعضها بالزوجين وبعضها يتعلق بالشهود.
*( للنكاح شروط عدها بعض المذاهب أركاناً وعد شروطاً غيرها لم يعتبرها
فأما الصيغة فإنه يشترط لصحتها ثلاثة عشر شرطاً، وقد ذكرت مفصلة في الجزء الثاني صحيفة 150 طبعة خامسة في أحكام البيع. ومنها عدم التعليق كأن يقول له: زوجتك ابنتي إن أعطيتني دار كذا، أو إن رضيت بك زوجاً فإنه لا يصح. ومنها التأقيت كأن يقول لها: زوجيني نفسك مدة شهر وهو نكاح المتعة وقد ورد النهي عنه في خبر الصحيحين. ويزاد على ما ذكر في البيع هنا أن تكون الصيغة بلفظ مشتق من تزويج أو انكاح كزوجتك ابنتي، أو أنكحتك موكلتي. فلو قال: أزوجك ابنتي بلفظ المضارع، أو أنكحتك إياها فإنه لا يصح لأنه يحتمل الوعد. أما إذا قال: أزوجك ابنتي الآن. أو قال: إني مزوجك ابنتي، ولو لم يقل: الآن فإنه يصح، لأن اسم الفاعل حقيقة في الحال فلا يحتمل الوعد. ويصح العقد بالألفاظ المحرفة كما إذا قال له: جوزتك موكلتي حتى ولو لم تكن لغته على المعتمد: وكذلك يصح بالألفاظ الأعجمية. ولو كان العاقدان يعرفان العربية بشرط أن يكونا فاهمين معناها. فلو خاطبته بالفرنساوية أو الإنكليزية بقولها: زوجتك نفسي وقبل صح العقد، ويصح بقوله: زوجني ابنتك، فيقول له: زوجتك، كما يصح بقول الولي، تزوج بنتي فيقول له: تزوجت. ولا ينعقد النكاح بغير هذه الصيغ الصريحة، فلا يصح بقوله: أحللت لك ابنتي، أو بعتها لك، أو ملكتك إياها، أو وهبتها لك، أو نحو ذلك من الصيغ التي يصح انعقاده بها عند الحنفية، فلا بد عند الشافعية من لفظ مشتق من انكاح، أو تزويج، ويقول: إن هذا هو المراد من كلمة اللّه الواردة في حديث" واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه" لأن كلمة اللّه الواردة في القرآن هي نكاح وتزويج لا غير، ولا يصح أن يقاس عليها غيرها.
وبالجملة فلا يصح النكاح بالكناية لأنها تحتاج إلى نية، والشهود ركن ولابد لهم من الإطلاع على النية ولا يمكن الإطلاع عليها.
وأما القبول فلا بد أن يقول فيه: قبلت فيه زواجها أو نكاحها، أو النكاح، أو التزويج، أو رضيت نكاحها،أو أحببته، أو أردته، فلو قال: قبلت وسكت فإنه لا يصح، ويصح تقديم القبول على الإيجاب.
وأما الشروط المتعلقة فهي أمور:
أحدها: أن يكون مختاراً فلا يصح من مكروه.
ثانيها: أن يكون ذكراً فلا يصح من أنثى، ولا خنثى، لعدم صحة ولا يتهما.
ثالثها: أن يكون محرماً فلا يصح من غير محرم.
رابعها: أن يكون بالغاً فلا يصح من صبي لعدم ولايته.
خامسها: أن يكون عاقلاً فلا يصح من مجنون لعدم ولايته.
سادسها: أن يكون عدلاً فلا يصح من فاسق لعدم ولايته.
سابعها: أن لا يكون محجوراً عليه لسفه لعدم ولايته.
ثامنها: أن لا يكون مختل النظر.
تاسعها: أن لا يكون مخالفاً في الدين لعدم ولايته.
عاشرها: أن لا يكون رقيقاً ولايته.
أما الشروط المتعلقة بالزوج فأمور: أن يكون غير محرم للمرأة فلا يصح أن يكون أخاً لها أو ابناً أو خالاً أو غير ذلك من المحارم سواء كانت من نسب أو مصاهرة أو رضاع و أن يكون مختاراً فلا يصح نكاح المكروه، وأن يكون معيناً فلا يصح نكاح المجهول، وأن لا يكون جاهلاً حل المرأة فلا يجوز له أن يتقدم على نكاحها وهو جاهل لحلها.
وأما الشروط المتعلقة بالزوجة فأمور: أن لا تكون محرماً له، وأن تكون معينة، وأن تكون خالية من الموانع فلا يحل نكاح محرمة، ولا نكاح إحدى المرأتين مثلاً، ولا نكاح المتزوجة أو المعتدة.
وأما الشروط المتعلقة بالشاهدين فهي الشروط المتعلقة بسائر الشهود: فلا تصح شهادة عبدين أو امرأتين أو فاسقين: أو أصمين أو أعسبين أو خنثيين لم تتبين ذكورتهما كما لا تصح شهادة المتعين للولاية فلو انحصرت الولاية في الأب أو الأخ فوكل غيره بمباشرة العقد وحضر هو فإنه لا يصح أن يكون شاهداً وإن اجتمعت فيه شروط الشهادة لأنه في الواقع ولي عاقد فلا يكون شاهداً كالزوج ووكيله فلا تصح شهادته مع وجود وكيله، ودليل الشهادة مع الولي في النكاح ما رواه ابن حبان" لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل".
وينعقد النكاح بشهادة ابني الزوجين أو ابني أحدهما ولكن لا يثبت به النكاح كما يقول الحنفية ومثل الابن العدو فإنه يصح شهادته في انعقاد النكاح ولكن لا يثبت به عند الإنكار لعدم صحة شهادته على عدوه.
ويصح النكاح بمستوري العدالة - وهما المعروفان بها ظاهراً لا باطناً - إذ لو اعتبرت العدالة في الواقع لتعذر الحصول على الشهود.
ويسن الاشهاد على رضا غير المجبرة احتياطاً كي لا تنكر وذلك لأن رضاها ليس من نفس النكاح الذي جعل الاشهاد ركناً له وإنما رضاها شرط في النكاح فيسن الاشهاد على وقوعه منها ورضاها قد يحصل بإخبار وليها من غير شهادة.
شروط النكاح عند الحنابلة
الحنابلة - قالوا: للنكاح أربعة شروط: الشرط الأول تعيين الزوجين يقول: زوجتك ابنتي فلانة، فإذا قال: زوجتك ابنتي بغير تعيين وكان له غيرها لم يصح إذا قال: قبلت نكاحها لابني وله غيره بل يلزم أن يقول لابني فلان، فلا بد من أن يميز الزوج والزوجة باسمه أو بصفته التي لم يشاركه فيها غيره كقوله: بنتي الكبرى أو الصغرى أو البيضاء أو الحمراء أو ابني الكبير أو الصغير أو نحو ذلك.
وقد عرفت أن صيغة النكاح لا بد أن تكون بلفظ النكاح أو التزويج، وأما القبول فيكفي فيه أن يقول: قبلت أو رضيت فلا يشترط فيه أن يقول: قبلت زواجها أو نكاحها ولا يصح أن يتقدم القبول على الإيجاب. ويشترط الفور فإن تأخر القبول عن الإيجاب حتى تفرقا أو تشاغلا بما يقطعه عرفاً فإنه لا يصح ولا يشترط أن يكون اللفظ عربياً بل يصح بغير العربية من العاجز عن النطق بالعربية بشرط أن يؤدي معنى الإيجاب والقبول بلفظ التزويج أو النكاح بالكتابة ولا بالإشارة إلا من الأخرس، فإنه يصح منه بالإشارة المفهومة.
الشرط الثاني: الاختيار والرضا فلا ينعقد نكاح المكروه إذا كان عاقلاً بالغاً ولو رقيقاً لأن السيد ليس له اكراهه على الزواج لأنه يملك الطلاق فليس لإكراهه على الزواج معنى أما إذا لم يكن عاقلاً بالغاً فإن للأب اكراهه، وكذلك وصي الأب والحاكم أما غيرهم فلا يصح له أن يزوج غير المكلف ولو رضي لأن رضاه غير معتبر. وللأب أن يجبر البكر ولو كانت بالغة كما سيأتي في مبحث الولي.
الشرط الثالث: الولي، ويشترط فيه سبعة شروط الذكورة إذ لا تصلح ولاية المرأة، العقل إذ من لا عقل له لا يمكنه النظر في شؤون نفسه فلا يصلح أن يتولى شؤون غيره - ولا يضر الاغماء - البلوغ لأن الولاية لا
تصلح من الصغير لقصر أمره عن تدبير شؤون غيره. الحرية فلا تصح ولاية العبد لأنه لا ولاية له على نفسه فلا يصح أن يكون له ولاية على
غيره. اتفاق الدين فلا تصح ولاية كافر على مؤمن ولا ولاية مجوسي على نصراني إلا السلطان فإن له الولاية بصرف النظر عن اختلاف الدين. الرشد - وهو أن يكون ذا خبرة بمعرفة الكفء الصالح - ومصالح النكاح.
الشرط الرابع من شروط النكاح: الشهادة فلا يصح إلا بشهادة ذكرين بالغين عاقلين عدلين ولو كانت عدالتهما ظاهراً ولو رقيقين، ويشترط فيهما أن يكونا متكلمين مسلمين سميعين فلا تصح شهادة الأصم والكافر، ويشترط أن يكونا من غير أصل الزوجين وفرعيهما فلا تصح شهادة أب الزوجة أو الزوج أو أبنائهما لأن شهادتهما لا تقبل، وتصح شهادة الأعميين، وشهادة عدوي الزوجين.
الشرط الخامس: خلو الزوجين من الموانع الشرعية.
شروط النكاح عند المالكية
المالكية - قالوا: لكل ركن من أركان النكاح المتقدمة شروط، فيشترط في الصيغة شروط أحدها: أن تكون بألفاظ مخصوصة وهي أن يقول الولي: أنكحت بنتي أو زوجتها، أو يقول له: زوجني فلانة، ومتى تلفظ الولي أو الزوج بلفظ الانكاح أو التزويج فيكفي أن يجيبه الآخر بما يدل على القبول بأي صيغة كأن يقول: قبلت، أو رضيت، أو نفذت، أو أتممت، ولا يشترط أن يقول: قبلت نكاحها أو زواجها كما هو رأي الشافعية فإذا خلا لفظ الزوج أو الولي عن الانكاح والتزويج فإن النكاح لا ينعقد على المعتمد إلا بلفظ الهبة بشرط أن يكون مقروناً بذكر الصداق بأن يقول الولي: وهبت لك ابنتي بصداق كذا، أو يقول الزوج: هب لي ابنتك بصداق كذا. أما غير ذلك من الألفاظ التي تفيد التمليك كبعت وتصدقت ومنحت، وأعطيت، وملكت، وأحللت، مع ذكر الصداق بأن يقول: بعت لك ابنتي بصداق قدره كذا فإن فيها خلافاً. والراجح عدم انعقاد النكاح بها. أما إذا لم يذكر الصداق فإن النكاح لا ينعقد لها اتفاقاً. فتحصل من هذا أنه يشترط في الصيغة أن تكون بلفظ الانكاح أو التزويج، أو الهبة بشرط ذكر الصداق.
ثانيها: الفور فيشترط لصحة النكاح أن لا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل كثير يقتضي الاعراض. فإذا قال الولي: زوجتك فلانة قال الزوج: قبلت ذلك الزواج. ولا يضر الفاصل اليسير كما إذا فصل بخطبة قصيرة ونحوها ويستثنى من ذلك الإيصاء بالتزويج فإنه يغتفر فيه الفاصل الطويل فإذا قال: إن مت زوجت ابنتي لفلان فإنه يصح ولا يلزم أن يجيبه الموصى له على الفور بقوله قبلت، بل يصح إذا قبل الزوج بعد موت الموصي سواء كان القبول بعد موته بمدة قريبة أو بعيدة على المعتمد. إنما يشترط لصحة النكاح بالوصية أن تكون الوصية في مرض مات فيه سواء كان مخوفاً أولا، وسواء طال أو قصر. ومثل ذلك ما إذا قال: زوجت ابنتي لفلان إن رضي، فإنه إذا رضي يعقد النكاح. ولا يلزم أن يكون موجوداً في المجلس، بل يصح أن يرضى بعد علمه ولو بزمن طويل. والحاصل أن الفور شرط فيما إذا كان الطرفان حاضرين في مجلس العقد، وفي هذه الحالة لا يغتفر الفصل بين الإيجاب والقبول إلا بالأمر اليسير. وبذلك تعلم أن الإيصاء بالنكاح والتعليق على الرضى ينعقد بهما عند المالكية خلافاً لغيرهم.
ثالثها: أن لا يكون اللفظ مؤقتاً بوقت كأن يقول للولي: زوجني فلانة شهراً بكذا، أو يقول قبلت زواجها مدة شهر بكذا، وهذا هو نكاح المتعة الآتي.
رابعها: أن لا يكون مشتملاً على الخيار، أو على شرط يناقض العقد، وسيأتي بيان ذلك في مبحث الشروط.
ويشترط في الولي ثمانية شروط: الذكورة، والحرية، والعقل، والبلوغ، وعدم الإحرام وعدم الكفر - إذا كان ولياً لمسلمة - أما ولاية الكافر لمثله فصحيحة، وعدم السفه إذا لم يكن عاقلاً أما إذا كان سفيهاً ولكن ذا رأي وعقل فإن سفهه لا يخرجه عن الولاية فله حق إجبار المرأة، وعدم الفسق.
ويشترط في الصداق أن يكون مما يملك شرعاً فلا يصح الصداق إذا كان خمراً أو خنزيراً أو ميتة أو كان مما لا يصح بيعه كالكلب أو كان جزء ضحية فإذا وقع العقد على صداق من هذه الأشياء كان فاسداً ويفسخ وجوباً قبل الدخول فإن دخل بها فإن العقد يثبت بصداق المثل كما يأتي في الصداق.
أما الشهادة فقد عرفت أنها ضرورية لا بد منها ولكن لا يلزم أن يحضر الشهود عند العقد بل يندب ذلك فقط فإذا قال الولي: زوجتك فلانة وقال الزوج: قبلت انعقد النكاح وإن لم يحضر أحد ولكن يجب أن يحضر شاهدان عند الدخول بها فإن دخل عليها من غير شاهدين فسخ النكاح بطلقة لأنه عقد صحيح فيكون فسخه طلاقاً بائناً وذلك لأن عدم الإشهاد مطلقاً يفتح الباب على مصراعيه للزناة إذ يمكن كل واحد في خلوة مع امرأة خالية الأزواج أن يدعي العقد عليها. ولا بد أن يشهد شاهدان غير الولي فلا يرفع الفسخ حضور الولي. وإذا عقد الولي من غير شهود ثم تفرقا فلقي الولي شاهدين فقال لهما: أشهدكما بأنني زوجت فلاناً لفلانة ولقي الزوج شاهدين غيرهما فقال لهما: أشهدكما بأنني تزوجت فلانة فإنه يصح، ويقال لهذه الشهادة: شهادة الأبداد - أي المتفرقين - وهي تكفي في النكاح والعتق، فيكون على الزوج شاهدان وعلى الولي شاهدان.
وينبغي أن يكون شاهدا الولي غير شاهدي الزوج فإن كان شاهدا أحدهما عين شاهدي الآخر فلا تكون الشهادة شهادة أبداد ولكن يكفي ذلك في العقد إذ لا يلزم فيه أن يكون الشهود أربعة.
ثم إذا دخل عليها بدون شهادة اثنين واعترف بأنه وطئها أو قامت بينة بأنه وطئها كان عليهما حد الزنا ما لم يشتهر الدخول بها - كزوجة له - بوليمة أو دف أو ايقاد نار أو نحو ذلك مما يعمل عادة عند الدخول بالأزواج، وكذا إذا كان على الدخول أو العقد شاهد واحد.
ثم إن أمكن حضور شاهدي العدل ليشهدا على العقد أو النكاح فإنه لا يشهد غيرهما وإن لا فتصح شهادة المستور بشرط أن لا يكون مشهوراً بالكذب، ويستحسن في هذه الحالة الاستكثار من الشهود.
ويشترط في الزوجين الخلو من الموانع كالإحرام، فلا يصح العقد في حال الإحرام وأن لا تكون المرأة زوجة للغير أو معتدة منه. وأن لا يكونا محرمين بنسب أو رضاع أو مصاهرة).
خلاصة لأهم المسائل المتقدمة المتفق عليها والمختلف فيها
الصيغة
اتفق الثلاثة على أن النكاح لا يصح بألفاظ العقود المفيدة لتمليك العين كالبيع والشراء والصدقة والجعل والتمليك، كتصدقت لك بابنتي بمهر كذا أو جعلتها لك أو ملكتك إياها ومثل ذلك عقد الصلح والقرض كقوله اصطلحت معك على الألف التي عليّ بابنتي أو نحو ذلك.
وخالف الحنفية فقالوا يصح، راجع شروط الصيغة عند الحنفية.
واتفق الشافعية والحنابلة على أنه لا يصح إلا بصيغة مشتقة من إنكاح وتزويج فلا يصح بلفظ الهبة إن كانت مقرونة بذكر الصداق كأن يقول الولي: وهبت لك ابنتي بصداق كذا أو يقول الزوج: هب لي ابنتك بصداق كذا.
(2) - اتفقوا على أن النكاح ينعقد ولو هزلاً، فإذا قال شخص لآخر، زوجتك ابنتي فقال: قبلت، وكانا يضحكان انعقد النكاح. كالطلاق والعتق فإنهما يقعان بالهزل.
واتفق الثلاثة على عدم انعقاده بالإكراه، مثلاً إذا أكره شخص آخر على أن يقول قبلت زواج فلانة لنفسي بوسائل الإكراه المعروفة شرعاً فإنه لا ينعقد. وخالف الحنفية فإنهم قالوا: ان الإكراه بهذه الحالة ينعقد به النكاح، على أن الحنفية قالوا: إذا أكرهته الزوجة على التزويج بها لم يكن لها حق في المهر قبل الدخول ولها مهر المثل بالوطء ولا يخفى أن الإكراه بهذا المعنى غير إكراه الولي المجبر الآتي بيانه عند الثلاثة.
(3) - اتفقوا جميعاً على ضرورة اتحاد مجلس العقد، فلو قال الولي: زوجتك ابنتي وانفض المجلس قبل أن يقول الزوج: قبلت، ثم قال في مجلس آخر أو في مكان آخر، لم يصح. واختلفوا في الفور - يعني النطق بالقبول عقب الإيجاب بدون فاصل - فاتفق الحنابلة والحنفية على أن الفور ليس بشرط مادام المجلس قائماً عرفاً، أما إذا تشاغلا بما يقطع المجلس عرفاً فإنه لا يصح.
واشترط الشافعية والمالكية الفور واغتفروا الفاصل اليسير الذي لا يقطع الفور عرفاً.
(4) - اتفق الثلاثة على أنه يصح تقديم القبول على الإيجاب، فلو قال الزوج للولي: قبلت زواج ابنتك فلانة بصداق كذا فقال له الولي: زوجتك إياها فإنه يصح، وكذا إذا قال له: زوجني ابنتك فقال له: زوجتك ولم يقل: قبلت فإنه يصح لأن معنى زوجني قبلت زواجها، ولكن الحنفية يقولون: إن المتقدم يقال له: إيجاب سواء كان من الزوج أو الزوجة، أما الحنابلة فإنهم خالفوا الثلاثة في ذلك، وقالوا: لابد أن يقول الولي أو من يقوم مقامه أولاً زوجتك أو أنكحتك فلانة ويقول الزوج أو من يقوم مقامه قبلت أو رضيت، فلا يصح النكاح إن تقدم الإيجاب على القبول عندهم. (5) - اتفق الثلاثة على أنه يكفي في القبول أن يقول قبلت أو رضيت، ثم إن كان الزواج له قال لنفسي، وإن كان لموكله قال لموكلي، وإن كان لابنه قال لابني، وخالف الشافعية في ذلك فقالوا: لابد أن يصرح بلفظ التزويج أو النكاح في القبول حتى لو نواه لا يكفي فلا بد عندهم من أن يقول قبلت زواجها أو نكاحها.
(6) - اتفقوا على أن النكاح المؤقت بوقت باطل. فلو قال للولي، زوجني بنتك أسبوعين أو شهراً بصداق كذا فزوجه على ذلك بطل النكاح ولكنه لو دخل بها لا يحد لأنه فيه شبهة العقد.
الشهود والزوجان
(7) - اتفق الثلاثة على ضرورة وجود الشهود عند العقد فإذا لم يشهد شاهدان عند الإيجاب والقبول بطل. وخالف المالكية فقالوا إن وجود الشاهدين ضروري ولكن لا يلزم أن يحضرا العقد بل يحضران الدخول أما حضورهما عند العقد فهو مندوب فقط.
(8) - اتفق الشافعية والحنابلة على اعتبار العدالة في الشاهدين وعلى أنه يكفي العدالة ظاهراً فإذا عرف الشاهد بالعدالة في الظاهر عند الزوجين صحت شهادته على العقد ولا يكلف الزوجان البحث عن حقيقة أمره لأن ذلك فيه مشقة وحرج. وقال المالكية: إن وجد العدل فلا يعدل عنه إلى غيره وإن لم يوجد فتصح شهادة المستور الذي لم يعرف بالكذب.
واتفق الثلاثة على اشتراط الذكورة في الشاهدين، أما الحنفية فقالوا: العدالة غير شرط في صحة العقد ولكنها شرط في إثباته عند الإنكار، ولا تشترط الذكورة فيصح بشهادة رجل وامرأتين ولكن لا يصح بالمرأتين وحدهما بل لابد من وجود رجل معهما.
(9) - اتفق الثلاثة على أن المحرم بالنسك لا يصح عقده. وخالف المالكية فقالوا: يصح العقد من المحرم فعدم الإحرام ليس شرطاً.
مباحث الولي
تعريف الولي
الولي في النكاح هو الذي يتوقف عليه صحة العقد فلا يصح بدونه، وهو الأب أو وصيه والقريب العاصب والمعتق والسلطان والمالك )
وترتيب الأولياء قي أحقية الولاية مفصل في المذاهب )
الولي من القريب العاصب عند الحنفية
(الحنفية - قالوا: القريب العاصب ليس بشرط بل هو مقدم فإذا عدم تنتقل الولاية لذوي الأرحام كما سيأتي).
الولي بالكفالة عند المالكية
(المالكية - زادوا: الولاية بالكفالة، فمن كفل امرأة فقدت والدها وغاب عنها أهلها فقام بتربيتها مدة خاصة كان له حق الولاية عليها في زواجها، ويشترط لولايته أمران: أحدهما أن تمكث عنده زمناً يوجب حنانه وشفقته عليها عادة فتخالطه مخالطة الأبناء لآبائهم، فلا يلزم تقدير هذه المدة بزمن معين كأربع سنين أو عشر على الأصح. الثاني أن تكون دنيئة لا شريفة، والشريفة في هذا الباب هي ذات الجمال والمال بحيث يوجدان فيها أو أحدهما فإن كانت ذات مال فقط أو جمال فقط فلا ولاية عليها بل يكون وليها الحاكم، ولكن رجح بعضهم أن ولاية الكافل عامة تشمل الشريفة والدنيئة، فكلا القولين مرجح. وهل إذا كفلتها امرأة تكون لها ولاية؟ الصحيح لا إذ ولاية للنساء، وقيل: تكون لها ولاية ولكن ليس لها مباشرة العقد بل توكل عنها رجلاً يباشره.
وكذلك زاد المالكية في الأولياء الولي بالولاية العامة، والولاية العامة هي ما تكون لكل المسلمين على أن يقوم بها واحد منهم كفرض الكفاية، فإذا وكلت امرأة فرداً من أفراد المسلمين ليباشر عقد زواجها ففعل صح ذلك إذا لم يكن لها أب أو وصية ولكن بشرط أن تكون دنيئة لا شريفة، وهذا معنى ما نقل عن المالكية من أن الدنيئة لا يشترط في صحة عقدها الولي، فإن مرادهم بذلك الولي الخاص أما الولي بالولاية العامة فلا بد منه بحيث لو باشرت عقد زواجها بنفسها لا يصح. وقد خفي ذلك على بعض شراح الحديث فنقلوه عن المالكية مبهماً).
ترتيب الأولياء في النكاح عند الحنفية
(3) (الحنفية - قالوا: ترتيب الأولياء في النكاح هكذا. العصبة بالنسب أو بالسبب كالمعتق فإنه عصبة بالسبب، ثم ذوو الأرحام، ثم السلطان ثم القاضي إذا كان ذلك الحق منصوصاً عليه في أمر تعيينه.
وترتيب العصبة هكذا: ابن المرأة إن كان لها ابن ولو من الزنا، ثم ابن ابنه وإن سفل. ثم بعد الابن الأب، ثم أب الأب - وهو الجد - وإن علا، ثم الأخ لأب وأم، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأب وأم،ابن الأخ لأب وهكذا وإن سفلوا. ثم العم لأب وأم، ثم العم لأب، ثم ابن العم لأب وأم، ثم ابن العم لأب وهكذا وإن سفلوا. ثم عم الأب لأب وأم، ثم عم الأب لأب، ثم بنوهما على هذا الترتيب، ثم عم الجد لأب وأم، ثم عم الجد لأب، ثم بنوهما على هذا الترتيب، ثم من بعد هؤلاء ابن عم بعيد، وهو أبعد العصبات إلى المرأة.
فكل هؤلاء لهم ولاية الإجبار على البنت والذكر في حال الصغر، أما في حال الكبر فليس لهم ولاية إلا على من كان مجنوناً من ذكر أو أنثى.
وعند عدم العصبة يملك تزويج الصغير والصغيرة كل قريب يرث من ذوي الأرحام عند أبي حنيفة خلافاً لمحمد، والأقرب عند أبي حنيفة الأم، ثم البنت، ثم بنت الابن، ثم بنت البنت، ثم بنت ابن الابن، ثم بنت بنت البنت، ثم الأخت لأب وأم، ثم الأخت لأب، ثم الأخ والأخت لأم، ثم أولادهم. وبعد أولاد الأخوات العمات، ثم الأخوال، ثم الخالات، ثم بنات الأعمام ثم بنات العمات. وأبو الأم أولى من الأخت. ثم مولى الموالاة، ثم السلطان، ثم القاضي ومن يقيمه القاضي اهـ ملخصاً من الهندية.
وقد تقدم هذا في مباحث الحجر جزء ثاني صفحة 310 وما بعدها طبعة خامسة مع الفرق بين الولي في المال والولي في النكاح فارجع إليه إن شئت.
ترتيب الأولياء في النكاحعند المالكية
المالكية - قالوا: ترتيب الأولياء في النكاح هكذا: الولي المجبر وهو الأب ووصيه والمالك ثم بعد الولي المجبر يقدم الابن ولو من زنا بأن تزوجت أمه أولاً بنكاح صحيح وأتت به بعد ذلك من الزنا ففي هذه الحالة يكون له حق الولاية عليها مقدماً على الجميع، أما إذا زنت به ابتداء قبل أن تتزوج فحملت به فإن أباها في هذه الحالة يقدم عليه لأنه يكون ولياً مجبراً لها إذ الولي المجبر يجبر البكر والثيب بالزنا كما ستعرفه بعد، ومثلها المجنونة لأن مجبرها أبوها، ومثل الأب وصيه، ثم بعد الابن يقدم ابن الابن، ثم الأب غير المجبر بشرط أن يكون أباً شرعياً جاءت به منه بنكاح صحيح أما إذا كان أباً من زنا فإنه لا قيمة له فلا ولاية له، ثم الأخ على الصحيح، ثم الأخ لأب، وقيل: الأخ الشقيق والأخ لأب في مرتبة واحدة، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب على الصحيح أيضاً، ثم الجد لأب على المشهور، ثم العم الشقيق، ثم ابنه، ثم العم لأخ، ثم ابنه، ثم أبو الجد، ثم عم الأب، ثم تنقل الولاية إلى كافل المرأة المتقدم ذكره، ثم تنتقل الولاية إلى الحاكم بشرط أن لا يكون قد وضع ضريبة مالية على تولي العقد فإن كان كذلك لا تكون له ولاية. والحاكم يزوجها بإذنها ورضاها بعد أن يثبت عنده خلوها من الموانع وأن لا ولي لها أو لها ولي منعها من الزواج أو غاب عنها غيبة بعيدة. ثم إن كانت رشيدة فإن رضاها بالزوج يكفي وإن لم تكن رشيدة فلا بد له أن يتحقق من كفاءة الزوج في الدين والحرية والسلامة من العيوب ومساواته لها فيما هي عليه من صفات الكمال والمهر، وذلك لأن الرشيدة لها حق اسقاط الكفاءة المذكورة فمتى رضيت صح، أما غيرها فليس لها ذلك.
فإن لم يوجد حكم أو وجد حاكم مفسد تنتقل الولاية لعامة المسلمين كما تقدم.
ترتيب الأولياء في النكاح عند الشافعية
الشافعية - قالوا: ترتيب الأولياء في النكاح هكذا: الأب، ثم الجد أبو الأب، ثم أبوه فإذا اجتمع جدان كان الحق للأقرب، ثم الأخ الشقيق، ثم ابن الأب لأب، ثم العم الشقيق ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن الأب. والمراد بالعم ما شمل عم المرأة وعم أبيها وعم جدها، ثم تنتقل الولاية بعد ذلك إلى المعتق إن كان ذكراً، ثم عصبته إن وجدت، ثم الحاكم يزوج عند فقد الأولياء من النسب والولاء.
الحنابلة - قالوا: ترتيب الأولياء هكذا: الأب، وصي الأب بعد موته، الحاكم عند الحاجة - وهؤلاء أولياء مجبرون كما ستعرف - ثم تنتقل الولاية إلى الأقرب فالأقرب من العصبات كالإرث وأحق الأولياء الأب، ثم الجد وإن علا، ثم الابن، ثم ابنه وإن نزل، وعند اجتماع هؤلاء يقدم الأقرب، ثم من بعد الابن يقدم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب. ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم بنوهما وإن نزلوا، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب وإن نزلوا، ثم أعمام الجد، ثم بنوهم، ثم أعمام أبي الجد، ثم بنوهم كذلك وهكذا، فيقدم أولاد الأقرب على أولاد الأعلى، فالأخ لأب وابنه أولى من العم، والأخ لأب أولى من ابن الأخ لأنه أقرب، وعلى هذا القياس، ثم تنتقل الولاية إلى المولى المتعق، ثم عصبته الأقرب فالأقرب، ثم السلطان الأعظم أو نائبه فإن تعذر وكلت رجلاً عدلاً يتولى عقدها).