مبحث الوطء بشبهة ونكاح الشغارومهر المثل ونكاح التفويض
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
محتويات
- مبحث الوطء بشبهة
- ما يوجب الوطء بشبهة عند الشافعية
- ما يوجب الوطء بشبهة عند الحنفية
- ما يوجب الوطء بشبهة عند المالكية
- ما يوجب الوطء بشبهة عند الحنابلة
- نكاح الشغار
- مبحث ما يعتبر به مهر المثل
- مبحث نكاح التفويض وما يجب فيه من صداق، أو متعة
- نكاح التفويض عند الحنفية
- كاح التفويض عند الشافعية
- نكاح التفويض عند المالكية
- نكاح التفويض عند المالكية
- االعودة إلي كتاب النكاح
- االعودة إلي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
مبحث الوطء بشبهة
وأما الوطء بشبهة، فإن ما يوجبه من مهر ونحوه، فيه تفصيل المذاهب
ما يوجب الوطء بشبهة عند الشافعية
(الشافعية - قالوا: الوطء بشبهة يجب فيه مهر المثل، فمن ظن في نائمة أنها زوجته فوطئها وهي لا تدري ثبت لها مهر مثلها، أما إذا أحست به وعلمت فإنها تكون زانية يجب عليها الحد.
وقد قسم الشافعية الشبهة التي تدرأ الحد ويتقرر بها مهر المثل إلى أربعة أقسام: شبهة الفاعل وهي ما إذا وطئ امرأة وهو يظن أنها زوجته، أو أمته، ثم تبين غير ذلك، وهذا الفعل لا يتصف بحل، ولا حرمة، وذلك لأن فاعله غير مكلف، لأن الفعل صدر عنه وهو غافل. ومتى انتفى تكليفه انتفى وصف فعله بالحل والحرمة. الثانية: شبهة الملك، وهي إذا ما وطئ الأمة المشتركة بينه وبين غيره أو وطئ مكاتبته، فإنه لا يجوز وطئها، ولكنه إذا جهل التحريم ووطئ لشبهة الملك رفع عنه الحد، ويوصف فعله في هذه الحالة بالحرمة، لأنه ما دام علم أن ملكه غير خالص فيجب عليه أن يتحرى إن كان جاهلاً. الثالثة: شبهة الطريق، وهي ما إذا فعل لشبهة الحل بقول عالم يصح تقليده، وذلك كما إذا تزوج امرأة بلا ولي ولا شهود ووطئها بناء على ما ذهب إليه داود الظاهري من صحة ذلك، فإن قلده فلا حرمة، ولا حل وإن لم يقلده حرم عليه. الرابعة: شبهة المحل، وهي ما إذا اشتبه في حل الموطوءة له، كما إذا وطئ جارية أبيه أو وطئ أبوه جاريته، وهذا الوطء حرام لأن لا يصح الإقدام عليه مع الشك في الملك.
وعلى كل حال فلا حد في الوطء للشبهة بأنواعها الثلاثة، ويجب فيها مهر بكر دون أرش بكارة على المعتمد، فإن كانت ثيباً فلها مهر مثل الثيب. وبعضهم قسم الشبهة إلى ثلاثة أقسام فقط فجعل شبهة الملك، وشبهة المحل واحدة، ثم إن اتحد شخص الشبهة لا يتعدد المهر، كما إذا وطئ نائمة بشبهة أنها امرأته اليوم، ثم وطئها بنفس هذه الشبهة بعد أيام، وكان لم يدفع لها المهر فإن عليه مهراً واحداً. أما إذا وطئها بشبهة الملك ليوم، ثم وطئها بعد أيام بشبهة أخرى فإن عليه مهرين لا مهر اً واحداً ويعتبر حال المرأة وقت الوطء الأول، فإن وطئها وهي جميلة - لها مهر كثير - ثم وطئها ثانياً بنفس الشبهة الأولى بعد أن عرض لها ما فقدت به شيئاً من جمالها تستحق المهر على الحالة الأولى.
ما يوجب الوطء بشبهة عند الحنفية
الحنفية - قالوا: الوطء بشبهة يجب فيه مهر المثل، والقاعدة عند الحنفية أن كل وطء في دار الإسلام بغير ملك يمين، إما أن يوجب - المهر أو الحد ثمان مسائل:
إحداها: الصبي إذا نكح بدون إذن وطاوعته، فإنه لا مهر عليه، ولا حد بوطئها.
ثانيها: شخص يملك أمة فباعها بيعاً صحيحاً، ثم وطئها قبل أن يسلمها للمشتري فلا حد عليه ولا مهر لها، ولكن للمشتري أن ينقص من ثمنها ما قابل البكارة إن كانت بكراً وإلا فلا.
ثالثها: إذا تزوجت ذمية ذمياً بغير مهر، ثم أسلما، فلا حق لها في مطالبته بعد الإسلام متى كانت شريعتهما لا مهر فيها من قبل الإسلام.
رابعها: السيد إذا تزوج أمته من عبده، فلا مهر لها على الأصح.
خامسها: العبد إذا وطئ سيدته بشبهة، فلا مهر لها، ولا حد.
سادسها: إذا وطئ حربية.
سابعها: إذا وطئ شخص جارية موقوفة عليه فإنه لا مهر عليه ولا حد.
ثامنها: إذا وطئ الجارية المرهونة بإذن الراهن، ظاناً حلها فلا حد عليه، ولا مهر لها، على أن المراد بمهر المثل عندهم في الوطء بشبهة هو ما يسمونه عقراً، وقد فسره بعضهم بأنه قدر ما يستأجر به مثلها للزنا لو جاز، ولكن الصحيح أن العقر هو مهر المثل بالنسبة للجمال فقط، فتعطى مهر الجميلة، بصرف النظر عن حسبها أو مالها، والشبهة التي تسقط الحد هي ما يشبه الشيء الثابت مع كونه غير ثابت في الواقع ونفس الأمر، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: شبهة المحل، وهي التي نشأت عن دليل موجب للحل في المحل، ولكن عرض مانع يمنع الحل فوجود الدليل أوجد شبهة في حل المحل يعني الموطوءة، ولو علم ذلك العارض الذي منع الحل، مثال ذلك أن يطأ الرجل أمة ولد ولده وإن سفل، بناء على حديث "أنت ومالك لأبيك" فظاهر هذا الحديث يفيد أن اللام للملك، ومعنى ذلك أن الولد وما يملكه من مال مملوك لأبيه، فأمة الابن مملوكة للأب، ولكن هذا الظاهر من الحديث عارضه الإجماع، على أن اللام فيه ليست للملك، بل معنى "أنت ومالك لأبيك" منسوب لأبيك. فهو الأصل الذي يترتب عليه وجودك، فأحرزت هذا المال فلا تضيق عليه، ولكن مع هذا شبهة الحل لا تزال قائمة عملاً باللام في قوله: "لأبيك"، وكما تسمى هذه الشبهة بشبهة المحل كذلك تسمى شبهة الملك وتسمى شبهة حكيمة، أعني التي ثبتت فيها شبهة حكم الشرع بحل المحل، ومن ذلك ما إذا طلق امرأته بلفظ الكنايات، كقوله: أنت بائن، أو بتة أو خالصة، أو نحو ذلك، فبانت منه ثم وطئها وهي في العدة فإنه لا يحد بذلك، ووجب عليه الصداق، وذلك لشبهة الدليل وهو قول عمر رضي اللّه عنه: الكنايات رواجع، وهذا رأي بعض الأئمة، أما عندنا فقد قام الدليل على أن الكنايات يقع بها بائناً، فيحرم وطؤها في العدة إلا إذا عقد عليها عقداً جديداً، ولكن لا حد عليه ولو كان عالماً بالتحريم عند الحنفية لقيام الشبهة التي أحدثها الدليل في المحل. ومن ذلك ما إذا باع جاريته بيعاً صحيحاً ثم وطئها قبل أن يقبضها المشتري فإن ذلك يرفع الحد كما تقدم، أما إذا وطئها بعد القبض فإنه يحد، أما إذا باعها بيعاً فاسداً ووطئها قبل القبض لم يكن مما نحن فيه، لأنها لم تخرج عن ملكه بالبيع الفاسد، وإذا وطئها بعد القبض كان له شبهة في الملك، لأن له حق الفسخ فيعود له ملكها، على أنه يثبت لها بالوطء بعد القبض مهر المثل، لأن المبيع بيعاً فاسداً يملك بالقبض ومن ذلك ما إذا وطئ امرأته بعد ردتها فإن بعض علماء الحنفية أفتوا بعدم الفرقة بردة المرأة، فإذا جاءت الردة من قبلها لا يفسخ النكاح فوطؤها في هذه الحالة ليس بحرام، وكذا إذا طاوعت زوجة الرجل ابنه فزنى بها فإنها تحرم على أبيه عندنا، ولكن إذا وطئها أبوه بعد ذلك فإن شبهة الحل قائمة بها فلا يحد، وذلك لأن الشافعي قال: إن الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة، وهذا النوع يسميه الشافعية شبهة الطريق، أي الشبهة التي أوجدها الدليل في المحل. ومنه ما إذا وطئ الرجل أم زوجته، فإن زوجته تحرم عليه عند الحنفية، ولكن إذا وطئ زوجته بعد ذلك فإنه لا يحد، لأن الأمام الشافعي قال: إن الزنا بالأمهات لا يوجب الحرمة. القسم الثاني: شبهة الفعل، وتسمى شبهة اشتباه، بمعنى أنها تعتبر شبهة في حق من حصل عنده اشتباه بأن ظن حل الفعل، مثال ذلك أن يطأ الشخص أمة أبيه. أو أمه ظناً منه أن ذلك جائز، أو يطأ امرأته التي طلقها ثلاثاً وهي في العدة ظاناً أن ذلك جائز، ويكفي في ذلك أن يدعيا الظن، أما إذا أقرا بأنهما يعلمان بالتحريم فإنهما يحدان.
هذا، وإذا طلقها بلفظ الكناية ونوى بذلك الطلاق الثلاث ثم وطئها في العدة فإنه لا يحد ولو كان عالماً بالتحريم ومثل الطلاق الثلاث الطلاق البائن، كما إذ طلقها بالخلع على مال ثم وطئها في العدة فإن كان عالماً بالتحريم فإنه يحد وإلا فلا. في الأول يكون له شبهة اشتباه في حل الفعل
الثالثة: شبهة العقد، فإذا عقد على محرم من محارمه ووطئها وكان غير عالم بالتحريم فإنه لا يحد لأن العقد أحدث عنده شبهة وهذا باتفاق. أما إذا كان عالماً بالتحريم فإنه يحد عندهما لا عنده، ولكن مع هذا يثبت بها النسب، ولا فرق بين أن تكون من المحارم نسباً أو رضاعاً أو مصاهرة، فلو تزوج أخته من الرضاع ظاناً حل ذلك ووطئها لا حد، ويثبت بوطئه النسب ولها الأقل من المسمى، ومهر المثل كما تقدم، أما إذا عقد على من لا تحل له بسبب آخر ووطئها كأن عقد على معتدة للغير ووطئها، أو وطئ من طلقها ثلاثاً بدون محلل، أو تزوج خمساً في عقد واحد فوطئهن، أو جمع بين أختين في عقد فوطئهما، أو عقد على أختين بعقدين متعاقبين، ثم وطئ الأخيرة التي يثبت بطلان عقدها فإنه لا حد في كل ذلك بالاتفاق، ولو كان عالماً بالتحريم، ولكن يعاقب عقوبة شديدة.
فالخلاف بين أبي حنيفة، وصاحبيه في العقد على المحارم ووطئهن، فهما يقولان: إن علم بالحرمة حد وإلا فلا، وهو يقول: لا يحد مطلقاً لا فرق بين المحارم وغيرهن ومدار الخلاف أن المحارم تصلح لأن تكون محلاً للعقد أو لا؟ الإمام يقول: إن المرأة في ذاتها صالحة ليعقد عليها ما دامت محلاً قابلاً للغرض من العقد، وهو التناسل و التوارث، بصرف النظر عن عاقد خاص، فإن تحريم المحرم جاء من عارض آخر، فأورث ذلك شبهة في جواز العقد عليها، أما هما فقالا: إنها ليست محلاً لعقد هذا العاقد بخصوصه. ولا يسقط الحد عمن وجد امرأة أجنبية نائمة على فراشه فظنها امرأته فوطئها، وذلك لأنه إما مبصر، أو أعمى، وكان الوقت نهاراً، أو ليلاً مظلماً، فإن كان مبصراً وكان الوقت نهاراً لم يكن لاشتباهه معنى، فإن يفرق بضرورة في هذه الحالة بين امرأته وغيرها، فلو فعل بها كان زانياً عليه الحد، وهي لا محالة أنها تراه وتعلم به، فإذا فرض ولم تشعر به حتى أولج ارتفع عنها الحد، وثبت لها مهر المثل، وإن كان أعمى، أو كان الوقت ليلاً، فالمفروض في هذه الحالة أن يطأها بعد أن يدعوها لهذا العمل، إذ لا يليق أن يقدم الإنسان على فعل كهذا من غير أن تشعر به امرأته المشاركة له في الاستمتاع، اللّهم إلا إذا كان أعمى وناداها فأجابته على أنها امرأته، وفي هذه الحالة تحد هي لا هو، وبعضهم يرى سقوط الحد إذا كان أعمى أو كان الظلام حالكاً. لأنه يلزم بإيقاظ امرأته لإتيانها، فلو فرض ووقع ذلك سقط الحد، أما إذا كان في النهار وكان الرجل مبصراً أو في الليل ولم يكن الظلام شديداً بحيث يمكن للمبصر أن يميز، فإنه لا يسقط الحد قولاً واحداً.
ما يوجب الوطء بشبهة عند المالكية
المالكية - قالوا: الوطء بشبهة يوجب مهر المثل، ويسقط الحد، والمالكية يعتبرون الشبهة في غير العمد، فمتى كان غير متعمد بأن كان ناسياً، كما طلق امرأته طلاقاً بائناً ونسى فوطئها، أو كان غالطاً بأن أراد أن يجامع امرأته فغالط في غيرها، أو كان جاهلاً للحكم بأن كان قريب عهد الإسلام ويجهل أن الزنا محرم، وكذلك من له شبهة في الملك بأن ملكها بعقد غير صحيح عندهم، ولنكه صحيح عند غيرهم، فإنه لا يحد، ومنه وطء زوجنه في دبرها، فإن بعضهم قال: إن الرجل يملك التسلط على دبر امرأته، ولكنه قول شاذ ضعيف، فلو فعل شخص ذلك الفعل مع امرأته فإنه لا يحد، ولكنه يؤدب لأنه لم يرتكز على قول صحيح، فما نسب إلى المالكية من جواز ذلك فهو محمول على ذلك القول الشاذ الضعيف، والمعتمد عندهم أنه حرام يوجب التأديب وإن سقط به الحد.
ويحد واطئ المعتدة من الغير على التحقيق، وكذلك من وطئ خامسة، أو طلق زوجته طلاقاً باتاً ووطئها عمداً، وغير ذلك مما هو مبين في حد الزنا.
ما يوجب الوطء بشبهة عند الحنابلة
الحنابلة - قالوا: الوطء بشبهة يوجب مهر المثل. ويرفع الحد، والشبهة في الملك كأن يطأ أمته المحرمة عليه برضاع لاعتقاد حلها بملكه، أو اشتبه في عينها بأن ظنها امرأته وليست كذلك. أو وطئها بعد طلاق بائن في عدتها منه، أو وطئ أمة مشتركة بينه وبين غيره لشبهة الملك أيضاً. أو وطئ في عقد فاسد عند الحنابلة صحيح عند غيرهم، فإن كل هذا يرفع الحد).
مبحث نكاح الشغار أو جعل كل من المرأتين صداقاً للأخرى
*-الشغار في أصل اللغة رفع الكلب رجله عند البول، ثم استعمل لغة فيما يشبهه من رفع رجل المرأة عند الجماع، ثم نقله الفقهاء واستعملوه في رفع المهر من العقد، فهو عند الفقهاء أن يتزوج اثنان امرأتين على أن تكون أحدهما في نظير صداق الأخرى، وفي صحة ذلك وعدمه اختلاف المذاهب (1).
نكاح الشغار عند المالكية
(1) (المالكية - قالوا: الشغار ينقسم إلى ثلاثة أقسام: شغار صريح، وهو أن يقول له: زوجني أختك مثلاً، على أن أزوجك أختي بحيث لا يكون لإحداهما مهر، بل بضعها في نظير بضع الأخر. الثاني، ويقال له: وجه شغار، وهو أن يقول له: زوجني أختك بمائة على أن أزوجك أختي بمائة، فالأول صريح الشغار لأنه رفع منه المهر رأساً، فلم يسمياً لأحد مهراً، والثاني يقال له: وجه شغار لأنه وإن كان قد سمى لكل منهما صداقاً، ولكنه اشترط زواج إحداهما في نظير الأخر، فالتسمية في هذه الحالة كلا تسمية، الثالث: المركب منهما، وهو أن يقول له: زوجني أختك مثلاً بخمسين جنيهاً على أن أزوجك أختي، أو أمتي بلا مهر، فهو في هذه الحالة صريح فيمن لم يسم لها، وذو وجه فما سمى لها.
وحكم الشغار الصريح البطلان، فيفسخ العقد قبل الدخول وبعده، فإن فسخ قبل الدخول فلا شيء لهما، وإن فسخ بعده كان لهما مهر المثل بالوطء. وحكم وجه الشغار البطلان، ولكن يفسخ قبل الدخول لا بعده بطلاق، أما بعده فإن العقد فيه يثبت بالأكثر من المسمى. وصداق المثل، بمعنى أنها تأخذ الأكثر، فإذا كان قد سمى لها خمسين، وكان صداق مثلها كان لها الحق في المائة وبالعكس، ولو وقع وجه الشغار لا على الشرط فإنه يصح. فلو زوجة أخته بمائة، فكافأه الآخر على ذلك وأعطاه أخته بمائة، فإنه يصح. أما حكم المركب منهما فإن المسمى لها يفسخ عقدها قبل الدخول، ويثبت بعده، بالأكثر من المسمى، ومهر المثل، وأما غير المسمى لها فإن عقدها يفسخ قبل الدخول وبعده، ولها في حال الفسخ بعد الدخول صداق المثل.
نكاح الشغار عند الشافعية
الشافعية - قالوا: الشغار هو أن يقول له: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، وبضع كل منهما صداق الأخر، فيقول: قبلت، وكذا لو قال له: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك وبضع كل منهما ومائة جنيه صداق الأخر، فإن ذكر المال لم يخرج البضع عن كونه صداقاً وعله التحريم أنه جعل كلاً منهما مشتركاً فيها، لأن كل واحدة مستحقة للرجل ولا بنته فهي زوجة للرجل وصداق لبنته، فكأن بضعها مشترك فيه اثنان. فأشبهت المتزوجة بالاثنين، فلو لم يذكر البضع بأن قال: زوجتك بنتي بمائة على أن تزوجني بنتك بمائة فإن العقد يصح، ولكن يبطل المسمى، وذلك لأنه جعل المسمى في العقد الثاني زواج البنت، والمائة وزواج البنت الثانية غير معلوم، فبطل المسمى كله في الثاني، ويبطل في العقد الأول لنه مبني على الفاسد - وهو الثاني - لأن النكاح مشروط به والمبني على الفاسد فاسد.
هذا، وإذا وطئها في نكاح الشغار كان لها مهر المثل كما تقدم فإن الشافعية يقولون: إن النكاح الفاسد يوجب مهر المثل.
وليس من الشغار ما يقع في الأرياف من الاتفاق على أنه يتزوج ابنا الرجلين بنتي الآخر مع عدم ذكر صداق لهما وعدم التعرض لذلك في العقد.
نكاح الشغار عند الحنفية
الحنفية - قالوا: نكاح الشغار. هو أن يزوج الرجل بنته لابن الآخر مثلاً في نظير أن يزوج الآخر ابنته لا بنه. على أن يكون بضع كل منهما صداقاً للأخر كما فسره الشافعية ولو قال له: زوجتك أختي على أن تزوجني أختك، ولم يذكر أن بضع إحداهما صداقاً أو ذكره ولكن الآخر لم يقبل كون صداق أخته بضع الأخر. فإنه لا يكون شغاراً. وحكم هذا أن العقد صحيح عند الحنفية. ويجب فيه مهر المثل لكل من الاثنتين.
وقد اعترض على الحنفية بأن الشغار منهي عنه بحديث الصحيحين والنهي يقتضي فساد المنهي عنه فأجابوا عن هذا بوجهين:
أحدهما: أن المهني عنه حصول حقيقة الشغار. ونحن نقول: إن هذه الحقيقة المهني عنها غير نافذة عندنا. وإنما الذي نقول بحله ونفاذه إنما هو العقد بمهر المثل. فبطل كونه صداقاً ويمكن تلخيص ذلك بأن النهي وارد على جعل البضع صداق فلا يصح، كما لا يصح جعل الخمر والخنزير صداقاً فيبطل الصداق المسمى. ويبقى العقد بمهر المثل.
ثانيهما: أن النهي للكراهة لا للفساد. وذلك لأن الشارع جعل فساد المسمى في الصداق موجباً لمهر المثل في غير هذا مع الكراهية. فيحمل النهي هنا على الكراهة قياساً على غيره.
نكاح الشغار عند الحنابلة
الحنابلة - قالوا: الشغار هو أن يزوجه بنته. أو غيرها ممن له عليها ولاية على أن يزوجه الآخر بنته. أو من له عليها ولاية. ولم يذكرا مهراً أو قالا: بدون مهر ولا يشترط أن يقولا: وبضع إحداهما صداق الأخر، وكذا إذا قال له: زوجتك أختي على أن تزوجني أختك وبضع كل منهما ومائة درهم صداق الأخر، فهذا شغار، وهو نكاح فاسد.
واستدل الحنابلة بما رواه أحمد عن عمر وزيد بن ثابت أنهما فرقا بين المتناكحين، لما روى ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه وعليه وسلم نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق متفق عليه، وروى أب هريرة مثله، أخرجه مسلم.
وقد عرفت أجوبة الحنفية عن هذا، فهم يجعلون النهي منصباً على تسمية الصداق، ولكن الحنابلة يقولون: إن النهي من حيث موافقته على شرط فاسد ولا أدري ما وجه ذلك. لأن النهي كما يصح أن يكون على الموافقة على شرط فاسد كذلك يصح أن يكون على تسمية الفاسد وجعله شرطاً بدون فرق، على الحنابلة قالوا: إذا سمى مهراً كأن قال: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، ومهر كل واحدة مائة، فإنه يصح العقد بالمسمى إذا لم يذكر البضع خلافاً للشافعية، ولو سمى المهر لإحداهما ولم يسم للأخر صح نكاح من سمي لها دون الأخر خلافاً للمالكية في الصورتين)
مبحث ما يعتبر به مهر المثل
الأوصاف التي يعتبر بها مهر المثل فيها تفصيل المذاهب
مهر المثل عند الحنفية
(1) (الحنفية - قالوا: مهر المثل حكم كل عقد صحيح لم يسم فيه مهراً أصلاً، أو سمي فيه ما هو مجهول، أو لا يحل شرعاً، وحكم كل نكاح فاسد بعد الوطء، سواء سمي فيه مهراً أولا، ولكن إذا سمي فيه مهر ينبغي أن يكون مهر المثل غير زائد على المسمى وإن كان لها المسمى.
وأما المواضع التي يجب فيها مهر المثل بالوطء بشبهة، فالمراد بمهر المثل فيها العقر المبين في وطء الشبهة، وقد تقدم تفصيل ذلك في مباحثه، وإنما ذكرناه هنا كمحصل لما مضى.
أما الأوصاف التي يعتبر بها مهر المثل، فهي أن الزوجة تقاس بمثلها من قبيلة أبيها لا أمها إن لم تكن الأم من قبيلة الأب، كبنت عمه، فينظر لأخواتها أولاً، فإن لم توجد لها أخوات فينظر إلى عماتها، فإن لم يكن لها أخوات، ولا عمات ينظر إلى بنت أختها الشقيقة، فإن لم تكن فبنت عمها، فإن لم يوجد من قبيلة أبيها، فتقاس بمثلها من قبيلة تماثل قبيلة أبيها، فإن لم يوجد فالقول للزوج بيمينه، وهل هذا الترتيب لازم بحيث لا يصح النظر إلى بنت عمها مثلاً مع وجود أختها ولا يصح النظر إلى الأجنبية، مع وجود بنت من قوم أبيها، أو الترتيب غير لازم فيصح ذلك؟ خلاف، والظاهر من كلامهم أنه لا يعتبر، ثم إن الأوصاف التي تعتبر فيها المماثلة: الجمال. والمال. والمكان، لأن البلدان تختلف عاداتها في تقدير المهور، فلو كانت من قبيلة أبيها امرأة بمصر، وهي في الأرياف، وكانت عادة الأرياف كثرة المهور، فلا يعتبر بمهر سكان مصر. أو العكس، وكذا السن، فإن الشابة يرغب فيها أكثر من المتقدمة في السن، فسن عشرين مرغوب فيها أكثر من سن أربعين، أو ثلاثين مثلاً، وكذا العقل والدين، والعفة، والعلم، والأدب وكمال الخلق، والبكارة، والثيوبة، وعدم الولد، والزمان، فالمقارنة بين اثنتين يشترط فيها المساواة في كل هذه الأوصاف، فلو كانت إحداهما فقيرة، وكذا إذا كانت جميلة، والأخرى دونها، أو كانت متعلمة، والأخرى جاهلة، أو كانت ثيباً، والأخرى بكراً، وهكذا، ويشترط في ثبوت مهر المثل أن يخبر به رجلان عدلان أو رجل وامرأتان كذلك، وأن يكون بلفظ الشهادة أمام القاضي، فغن لم يوجد شهود عدول فالقول للزوج لأنه منكر للزيادة التي تدعيها المرأة بحسب ما يراه القاضي باجتهاده.
بقي هنا، مسألة، وهي أننا قلنا: إن الظاهر عدم الترتيب بين مثيلاتها، فلو ساوت اثنتين في الصفات كأختها، وبنت عمها مثلاً، وكان مهر الاثنتين مختلفاً، فبأي المهرين يؤخذ؟ والجواب أنه يؤخذ بمهر الأقل احتياطاً، وبعضهم يرى التفويض في مثل هذا لرأي القاضي النزيه.
مهر المثل عند المالكية
المالكية - قالوا: مهر المثل، هو عبارة عن قدر من المال الذي يرغب به مثل الزوج في الزوجة باعتبار ما هي متصفة به من الصفات الحسنة، من محافظة على أركان الدين، والعفة، والصيانة والجمال الحسي، والمعنوي وهو جمال الخلق والحسب وهو ما يعد من مفاخر الآباء، كالكرم والمروءة والعلم، والصلاح، والمال، والبلد.
ولا شك أن الرغبة تتفاوت بوجود هذه الصفات، أو بعضها في المرأة، فمن كانت متصفة بصفتين منها كان مرغوباً فيها أكثر من المتصفة بصفة واحدة وهكذا فالمصرية الجميلة مرغوب فيها أكثر من غيرها فمهرها أكثر، والمصرية العفيفة الجميلة مرغوب فيها أكثر من المتهتكة الجميلة وهكذا.
وإنما تعتبر هذه الأوصاف إذا لم يكن لها مماثل في الأوصاف المذكورة من قبيلتها كأختها وعمتها إذا كانت أخت أبيها لأبيه لا لأمه، فإن كان لها مماثل في أوصافها المذكورة من قبيلة أبيها اعتبر صداق المثل بالنسبة لمماثلها، فإذا كان صداق أختها الشقيقة أو أختها لأب المساوية لها في أوصاف الكمال المذكورة مائة قدر لها صداق أختها - وهو المائة - ثم إن كان العقد صحيحاً فتعتبر هذه الأوصاف من يوم العقد ولو كان تفويضاً، أما في النكاح الفاسد وفي الوطء بشبهة فتعتبر يوم الوطء.
مهر المثل عند الشافعية
الشافعية - قالوا: يعتبر مهر المثل أولاً بالقياس إلى أقاربها اللاتي لو فرضت إحداهن ذكراً كان عصبة لها، فإن لم يكن فيهن من يماثله ينظر إلى من بعدهن، وتقدم أولاً الأخت الشقيقة ثم لأب، ثم بنات أخ ثم بنات ابنه، ثم بنات أعمام، فإذا تعذر اعتبار مهر المثل بواحدة منهن لعدم وجودهن. أو جهل مهرهن. أو لأنهن لم يتزوجن، يعتبر بنساء الأرحام، والمراد بهن هنا الأم وقراباتها من جهة الأب أو الأم، فلا يشمل بنات العمات. والأخوات. ونحوهما، فإنهن من الأجنبيات، وتقدم الأم، ثم أخت الأم، ثم الجدات، ثم الخالات، ثم بنات الأخوال ثم بعد تعذر الاعتبار بهن يعتبر بنساء بلدها ومن يماثلها في الجمال والقبح، مما يحصل به فوت الرغبة، كفصاحة، أو سن، أو بكارة، فإن كانت مختصة بصفة لا توجد في أقاربها فرض لها المهر اللائق بحالها.
هذا، وتعتبر مسامحة أقربها لنقص صفة من صفات الرغبة، فلو كان لها ثلاثة أعمام أحدهم عالم فزوج بنته بمائة. والجاهلان زوجا بنتيهما بسبعين، لأن العالم مثلاً مرغوب في بنته، فيعتبر مهر مثلها بالقياس إلى بنت عمها الجاهل، أما إذا كانت المسامحة لصفة كمال في الزوج، كما إذا زوجت أخنها لعالم بمائة. وزوجت أختها الأخرى لجاهل بمائتين، فإنه يعتبر مثلها على هذه القاعدة بحيث لو كان زوجها عالماً كان مهرها مائة، وإلا كان مائتين.
مهر المثل عند الحنابلة
الحنابلة - قالوا: مهر المثل يفرضه الحاكم بالقياس إلى نساء قرابتها، كأم، وخالة، وعمة وأخت، فيعتبره الحاكم بمن تساويها منهن في مال، وجمال، وعقل، وأدب، وسن، وبكارة، أو ثيوبة، ويراعى في ذلك من كانت إليها أقرب بالترتيب، فإذا ساوتها أمها قيست بها وإلا فأختها، وإلا فعمتها، وإلا فخالتها، فإن لم يكن لها أقارب قيست بمن يشابهها من نساء بلدها.
وقد عرفت أن مهر المثل يفرض عند عدم تسمية مهر في العقد الصحيح. أو تسمية ما لا تصح تسميته، وبالوطء في العقد الفاسد. أو الوطء لشبهة، ويفرض لمن أكرهت على الزنا، ولمن فوضت لوليها أن يزوجها بلا مهر).
مبحث نكاح التفويض وما يجب فيه من صداق، أو متعة
التفويض في اللغة رد الأمر إلى الغير، ومنه (فوضت أمري إلى اللّه). وشرعاً إخلاء الزواج عن المهر وفي بيانه وحكمه تفصيل المذاهب ).
نكاح التفويض عند الحنفية
(1) (الحنفية - قالوا: المرأة التي زوجت بلا مهر - ويقال لها: مفوضة - بكسر الواو - لتفويض أمرها إلى الولي، ومفوضة - بفتح الواو - لأن الولي فوضها للزوج، أي جعل لها دخلاً في إيجاب المهر يفرضه هو - لا يخلو حالها من أن يدخل بها الزوج بأن يطأها. أو يخلو بها خلوة صحيحة. أو يطلقها. أو يموت عنها قبل الوطء والخلوة فإن كان الأول فقد ثبت لها مهر المثل، كما تقدم من أن مهر المثل يتقرر بالنكاح الفاسد بالغاً ما بلغ عند عدم التسمية، فتقرره بالصحيح أولى، وتزوجها بشرط عدم المهر ملغى لا قيمة له، فإن طلقها قبل الوطء والخلوة وجبت لها المتعة، سواء فرض لها مهراً أو لا، لأن ما فرض بعد العقد لا ينصف.
فالطلاق الذي تجب به المتعة هو ما يكون قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه، سواء فرض الصداق بعد العقد، أو لا، أو كانت التسمية فيه فاسدة من كل وجه، كما إذا سمى خمراً، أو خنزيراً أما إذا صحت التسمية من وجه دون وجه. كما إذا سمى عشرة دراهم، وعشرة أرطال من الخمر، وجب لها نصف العشرة، وألغي الخمر، كما تقدم في شروط المهر.
وكذا إذا تزوجها على مائة وهدية، ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف المائة، وألغيت الهدية ولا متعة لها في الحالتين، وذلك لأنه لا مدخل لمهر المثل في الطلاق قبل الدخول، بل ينظر إلى المسمى، فإن كان فاسداً من جميع الوجوه ألغي ووجبت لها المتعة، وإن كان فاسداً من وجه دون وجه استحقت نصف الصحيح، وألغي الفاسد، أما بعد الدخول فلها مهر المثل، كما ذكرنا، والمراد بالطلاق قبل الدخول كل فرقة جاءت من قبل الزوج بدون أن يكون صاحب المهر شريكاً للزوج في سبب الفرقة طلاقاً كانت، أو فسخاً، كالطلاق، والفرقة بالإيلاء. واللعان والجب والعنة والردة وإبائه الإسلام. وتقبيله ابنتها أو أمها بشهوة، فإن الفرقة في كل هذه الأحوال توجب لها المتعة، أما إذا كانت الفرقة من قبلها، كردتها، وإبائها الإسلام، ومطاوعتها لابنه في الفجور، أو تقبيلها إياه بشهوة، أو إرضاع ضرتها الصغيرة أو اختارت نفسها عند بلوغها. أو تزوجت غير كفء ففسخه الولي، فإنها لا متعة لها في كل هذه الأحوال لا وجوباً ولا استحباباً، وكذا إذا لم تكن مفوضة وسمى لها مهراً، وفارقته قبل الوطء، فإنه يسقط نصف المسمى الذي كانت تستحقه لو كانت الفرقة من جهته.
وخرج بقولنا: بدون أن يكون صاحب المهر شريكاً للزوج في سبب الفرقة ما إذا كانت أمة مملوكة لشخص، ثم زوجها الآخر، وقبل أن يدخل عليها زوجها باعها السيد وهو صاحب الصداق فإن العقد يفسخ في هذه الحالة، ولا تستحق الأمة نصف صداق، ولا تجب لها متعة، وذلك لأن الفرقة وإن لم تكن من وجهتها ولكن سيدها - وهو صاحب المهر - مشترك مع الزوج في سببها وهو تمليكها للغير، فلو لم يبعها السيد، أو لو اشتراها الزوج لم يملها الغير فلو اشتراها الزوج وطلقها كانت لها المتعة. أو نصف الصداق، أما إذا مات عنها قبل الوطء، فإن فرض لها شيئاً بعد العقد، وتراضيا عليه استحقت المفروض، فإن لم يفرض لها شيئاً كان لها بالموت مهر المثل سواء نفى المهر، بأن تزوجها بدون مهر، أو سكت فلم يسم مهراً، وإذا فرض لها مهراً فاسداً، كخمر أو خنزير ألغي وثبت لها مهر المثل، كما إذا فرض لها مهراً بعد العقد ثم طلقها قبل الدخول وجبت لها المتعة لا نصف المهر لأن الذي يفرض بعد العقد لا ينتصف، كما ذكرنا آنفاً، كالذي يزاد على المسمى بعد العقد، فلو سمى لها مائة جنيه في العقد، ثم زاد لها عليها خمسين بعد العقد وطلقها قبل الدخول استحقت نصف المائة.
والمتعة قسمان: واجبة، ومستحبة، فالواجبة هي للمفوضة قبل الوطء المتقدم بيانها أم المستحبة فهي لكل مطلقة بعد الوطء، سواء سمى لها مهراً أولا، وللمطلقة قبل الوطء إذا كان لها مهر مسمى - على الصحيح - متى كانت الفرقة من جهته، إلا إذا ارتد، أو أبى الدخول في الإسلام، فإن المتعة لا تستحب في حقه، لأن الاستحباب فضيلة لا تطلب إلا من المسلم.
والمتعة هي عبارة عن كسوة، أو قيمتها للمفوضة بدل نصف المهر، على أنه لا يجب عليه أن يعطيها ما يزيد على النصف مهر المثل، وهي تختلف باختلاف أحوال الناس، فإن تراضيا عليها فذلك، وإلا فرضها القاضي بالنظر إلى حالها وحاله - على الصحيح - فإن كانا موسرين قدرها لها من أعلى الثياب، وإن كان أحدهما موسراً والآخر فقيراً قدرت وسطاً، وإلا قدرت دون ذلك.
وقد بينها الفقهاء بأنها ما تغطى رأس المرأة، وتسمى - الطرحة - والملحفة، وهي ما تلتحف به المرأة من رأسها إلى قدمها، وتسمى ملاءة - أو شقة - والملحفة والإزار بمعنى واحد، فمن زاد على ذلك الإزار لا حظ اختلافهما، فأراد من الإزار ما ليس تحت الملحفة من ثياب وبالجملة فالمطلوب أن تكس المرأة بمثل ما اعتادت أن تخرج به بحسب اصطلاح كل جهة، فالمتعة الآن مثلاً هي ثوب منقوش - جلابية - وتحتها قميص ولباس، وفوقها إزار - بالطو - أو ملاءة، وعلى الرأس - طاقية - خاصة. أو منديل بحسب اختلاف أحول الناس، وإذا أعطاها قيمة الكسوة يجب عليها قبولها لتشتري هي ما يناسبها.
نكاح التفويض عند الشافعية
الشافعية - قالوا: نكاح التفويض، هو إخلاء النكاح عن المهر، وينقسم إلى قسمين: تفويض مهر، كقولها للولي: زوجني بما شئت، أو شاءفلان من الصداق، وتفويض بضع، كقولها للولي: زوجني بلا مهر. أو زوجني بلا مهر لا في الحال ولا بعد الوطء وتسمى مفوضة - بكر الواو - لأنها فوضت أمرها إلى الولي، ومفوضة - بفتح الواو - لأن الولي فوض أمرها للزوج، ويصح للمرأة أن تفوض للولي بشرط أن تكون رشيدة، فإذا كانت سفيهة يكون تفويضها إذناً للولي بزوجها بالشروط التي تقدمت في مباحث الولي، وإذا قالت له: زوجني وسكتت عن المهر لا يكون هذا تفويضاً للصداق. أو للبضع بدون صداق، لأن الزواج عادة لا بد أن يكون بمهر.
وحكم نكاح التفويض أن الولي إذا زوجها بمهر المثل، ومن نقد البلد المعروف ثبت لها المسمى. وإلا بأن زوجها بلا مهر أصلاً، لا بمهر المثل أو بمهر من غير نقد البلد، أو سكت عم ذكر المهر، وجب لها بالوطء مهر المثل، وكذا بالموت، فإن طلقها قبل أن يفرض لها مهراً فإنه يتقرر لها مهر المثل، لن الموت كالوطء في إيجاب مهر المثل مطلقاً في التفويض، سواء فرض لها مهر المثل أو لا، خلافاً للمالكية، فإن فرض لها مهراً صحيحاً برضاهما. أو فرض قاض عند التنازع، ثم طلقها قبل الوطء كان لها نصف المفروض، فإذا سمى لها صداقاً - كخمر - ورضيت به وطلقها قبل الدخول فلا تستحق نصفه وغنما تستحق المتعة، كما تقدم، وهذا بخلاف ما إذا سمى صداقاً فاسداً في العقد ثم طلقها قبل الدخول، فإن لها نصف صداق المثل. كما تقدم، وإذا سمى صداقاً فاسداً ورضيا به معاً صح، وإلا فلا. ولو كان من ماله ويعتبر عندهم مهر مثلها حال العقد، فإن كانت جميلة مثلاً، حال العقد ثم عرض لها ما أضاع شيئاً من جمالها عند الوطء فلا يعتبر إلا حالها عند العقد على الصحيح.
وللمفوضة منع نفسها من الدخول حتى يفرض لها الصداق، فإن امتنع الزوج رفع إلى القاضي لفرضه لها.
فإذا طلقت المفوضة قبل الدخول، وقبل أن يفرض لها مهر وجبت لها المتعة وهي مال يدفعه الزوج وجوباً لمن فارقها قبل الدخول حيث لا شيء لها، أو بعد الدخول ولو كان فهما للكل إلا في أمور: أحدها المفوضة التي طلقت قبل الدخول، وفرض لها مهر قبل العقد، فإن لها نصف المهر. ومثلها كل من لها نصف المهر، فإنها لا متعة لها. ثانيها: إذا كانت الفرقة بسببها وحدها أو مع الزوج بأن ارتدا معاً. ثالثها: موت أحدهما، فإنه لا متعة لها بالموت، ومن الفرقة بسببه فرقة اللعان فتجب عليه المتعة، فأقلها ما له قيمة مالية، وحدّ لأكثرها، ثم إن تراضيا على قدرها فذاك وإلا قدرها القاضي باجتهاده معتبراً حالهما، ويستحب أن لا تنقص عن ثلاثين درهماً. وألا تبلغ نصف المهر.
نكاح التفويض عند المالكية
المالكية - قالوا: نكاح التفويض، هو عقد خالي من تسمية المهر. ومن لفظ وهبت، لم توكل تعيينه إلى حكم أحد ولم يتفق على إسقاطه، مثاله أن يقول شخص لآخر: زوجتك ابنتي، ولم يذكر المهر. ولم يتفق معه على إسقاط المهر، فيقول له: قبلت، فهذا يسمى نكاح التفويض وهو جائز، كما يأتي، فإذا قال له: وهبت لك ابنتي قاصداً تزويجها إياه، ولم يذكر مهراً فقال له: قبلت، فسد العقد، ويفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بصداق المثل، كما تقدم في الصيغة، أما إذا قال له: وهبت لك ابنتي تفويضاً، فإنه يكون عقد تفويض بقرينة ذكر التفويض، وقوله: لم يوكل تعيينه إلى حكم أحد خرج به نكاح التحكيم، فإنه عقد خال من تسمية المهر ومن لفظ: وهبت ولكن وكل تعيينه إلى حكم شخص كما إذا قال له: زوجتك ابنتي على أن يحكم فلان في تعيين صداقها وقولهم: لم يتفق على إسقاطه خرج به ما إذا دخلوا على إسقاط الصداق فإن العقد يفسد ويفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بصداق المثل، كما تقدم فيما إذا سميا مهراً مغصوباً علما به معاً.
وحكم نكاح التفويض أنه عقد صحيح جائز باتفاق، ومثله نكاح التحكيم، ثم إن الزوجة تستحق مهر مثلها بالوطء، ولو كان في حال وجود مانع من حيض، أو نفاس، أو كان أحدهما متلبساً بعبادة تمنع الوطء كإحرام، وصيام رمضان بشرط أن يكون الزوج الواطئ بالغاً وتكون الزوجة كبيرة مطيقة للوطء، فإن كان غير بالغ، أو كانت صغيرة لا تطيق الوطء فلا تستحق مهراً بالوطء في هذه الحالة، لأنه كالعدم، فإن طلقت قبل الوطء وقبل الدخول أو مات أحدهما قبل ذلك، فلا يخلو إما أن يكون قد فرض لها الزوج مهراً قبل الطلاق وقبل الموت أولا فإن لم يكن قد فرض لها مهراً فلا شيء لها، وإن كان قد فرض لها، فلا يخلو إما أن يكون مهر المثل أو أقل وفي الحالتين إما أن تكون قد رضيت به، أولا، فإن كان فرض لها مهر المثل وادعت أنه قد فرض لها ذلك قبل الطلاق، وثبت أنه قد فرض لها مهر المثل كما ادعت فإنها تستحق نصفه، سواء ثبت رضاها، أولم يثبت، لأن مهر المثل يلزمها بدون رضا، فإن ادعت أنه فرضه لها قبل موته، وثبت أخذته جميعه بصرف النظر عن رضاها وعدمه، وإن كان قد فرض لها أقل من مهر المثل، فإن ثبت أنها قد رضيت به قبل الطلاق، أو الموت ببينة كان لها نصف المفروض بالطلاق، وجميعه بالموت، أما إذا لم يثبت أنها رضيت قبل الطلاق، أو الموت فلا شيء لها، ولا تقبل دعواها بأنها رضيت به بدون بينة.
والحاصل أنه لا يثبت لها شيء بالطلاق، أو الموت قبل الوطء إلا إذا ثبت بالبينة أنه فرض لها صداقاً قبل ذلك، ثم بعد أن يثبت الفرض، فإن كان الذي ثبت فرضه هو مهر المثل كان لها جميعه بالموت، ونصفه بالطلاق، بصرف النظر عن رضاها وعدمه، وإن كان الذي ثبت فرضه هو أقل من مهر المثل فلا بد أن يثبت مع ذلك أنها رضيت به قبلهما بالبينة. وإلا فلا شيء لها.
هذا، ولها طلب تقدير المهر قبل الدخول، ويكره أن تمكنه من نفسها قبل هذا الفرض.
أما نكاح التحكيم فهو كنكاح التفويض في التفصيل المتقدم، فإن طلقها بعد الوطء كان لها مهر المثل، وإن طلقها قبل الوطء. أو مات عنها حكمه ما ذكر في نكاح التفويض، ثم إذا كان المحكم الزوج، وفرض لها مهر المثل لزمها القبول ولزمه الدفع، أما إذا لم يفرض لها شيئاً وطلقها قبل الدخول فلا شيء عليه، وإذا كان المحكم الزوجة. أو شخصاً أجنبياً وحكم بمهر المثل. فقيل: يلزم الزوج، سواء رضي، أولم يرض، وقيل: لا يلزم إلا برضاه، فإذا طلقها قبل الرضا لاشيء عليه، والأظهر أنه لا يلزم إلا إذا تراضا معاً، المحكم، والزوج سواء كان المحكم الزوجة أو غيرها.
نكاح التفويض عند الحنابلة
الحنابلة - قالوا: نكاح التفويض يطلق على أمور:
أحدها: أن يزوج الأب المجبر من له عليها الولاية بدون مهر.
الثاني: أن تأذن المرأة لوليها أن يزوجها بدون مهر، ويقال للمرأة في الحالتين: أنها مفوضة البضع أي جعلت أمر العقد عليه راجعاً إلى الولي.
الثالث: أن يفوض إليها الزوج مهرها بأن يتزوجها على ما شاءت من المهر، ومثل ذلك ما إذا فوض أمرها إلى غيرها كما إذا تزوجها على ما شاء فلان من المهر، ويقال للمرأة في هذه الحالة: مفوضة مهر - بفتح الواو - وهذه الحالة الأخيرة تشبه نكاح التحكيم عند المالكية.
أما حكم نكاح التفويض بجمع أنواعه عند الحنابلة،فهو الصحة في جميع أنواعه ويجب للمرأة مهر المثل بمجرد العقد، ولكن لا يتقرر إلا بالوطء والخلوة. والفرض قبل الوطء والخلوة، وموت أحدهما، أما إذا طلق قبل الوطء والخلة. وقبل أن يفرض الحاكم، أو يتراضيا على فرضه، وجبت لها المتعة بالنظر إلى حال زوجها من اليسر والعسر، وأعلاها رقبة، وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها، وهي درع، أي قميص، وخمار - طرحة تغطي رأسها - وثوب تصلي فيه، فهذه أدنى المتعة، فإذا وطئها، أو خلا بها، أو قبلها ولو بحضرة الناس. أو نظر إلى
فرجها بشهوة أو لمسها بشهوة، ولو بحضرة الناس - بأن فعل معها ما لا يحل لغيره أن يفعله - استقر لها مهر المثل، وكذا إذا مات أحدهما فإنه يستقر، ولو لم يفرضه الحاكم، وكذا إذا فرض الحاكم مهر المثل، والحالم يفرضه بطلبها بدون زيادة عليه أو نقص منه، فإن فرض المثل، أو أقل، أو أكثر لزم الزوجين فرضه كحكمه، وأصبح المهر المفروض كالمسمى، وإن تراضى الزوجان على مهر لزمها قليلاً كان، أو كثيراً، فإن طلقها بعد الفرض وقبل الوطء وتوابعه كان لها نصف المفروض، كالمسمى، وكما أن المتعة تجب للمفوضة التي لم يسم لها صداق وطلقت قبل الوطء وتوابعه كذلك تجب لمن سمى لها مهر فاسد، كخمر، أو خنزير، أو نحوهما، مما تقدم في شروط الصداق.
ثم كانت الفرقة من قبل لا يجب لها صداق. ولا متعة، سواء كانت مفروضة، أولا، فلم يجب لها شيء بفرقة اللعان لأنها بسببها، إذ هي تعق عقب لعانها، وبفرقة عيب فيها من رتق ونحوه وبفرقة ردتها إذا كانت متزوجة بمسلم، وبإسلامها إذا كانت متزوجة بكافر، وبإرضاعها لضرتها، أما إن كانت الفرقة من جهته، فلها نصف المسمى، والمتعة إذا لم يسم لها شيئاً. كما ذكرنا.
وكل ذلك فيما إذا حصلت الفرقة قبل الوطء والخلوة وغيرهما مما يقرر الصداق ويؤكده، وإلا فإنه لا يسقط بعد ذلك، ولو كانت الفرقة من جهتها)