العيوب التي يفسخ بها النكاح ومسائل العنين - والمجبوب - والخصي - ونحوهم
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
محتويات
- العيوب التي يفسخ بها النكاح ومسائل العنين - والمجبوب - والخصي - ونحوهم
- العيوب التي يفسخ بها النكاح عند الحنفية
- العيوب التي يفسخ بها النكاح عند المالكية
- العيوب التي يفسخ بها النكاح عند الشافعية
- العيوب التي يفسخ بها النكاح عند الحنابلة
- االعودة إلي كتاب النكاح
- االعودة إلي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
العيوب التي يفسخ بها النكاح ومسائل العنين - والمجبوب - والخصي - ونحوهم
*-العيوب التي توجد في الزوجين تنقسم إلى قسمين (1): قسم يوجب لكل منهما حق طلب فسخ عقد الزواج بدون اشتراط، وقسم يوجبه إذا اشترطه أحد الزوجين، والأول ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: عيوب مشتركة بين الزوجين، فيصح أن توجد في الزوج، ويصح أن توجد في الزوجة منها الجنون. والبرص. والجذام.
ثانيها: عيوب تختص بالزوج، وهي الجب، والعنة، وعدم انتشار عضو التناسل.
ثالثها: عيوب تختص بالمرأة، وهي العفل والقرن والرتق، والعفل غدة، كالأدرة من الرجل - القليطة - تسد موضع الجماع، والقرن: بروز قطعة لحم، أو عظم في محل الوطء فيسده.
أما القسم الثاني، وهو ما لا يوجب الفسخ إلا بالشرط، فهو كثير، ومنه العمى. والشلل. وسواد الوجه. والقرع. والشره في الأكل. ونحو ذلك، فهذه العيوب لا تلزم إلا إذا اشترط أحد الزوجين السلامة منها، وفي كل هذا تفصيل المذاهب (2).
العيوب التي يفسخ بها النكاح عند الحنفية
(1) (الحنفية - قالوا: ليس في النكاح عيوب توجب الحق في طلب الفسخ، لا بشرط ولا بغير شرط مطلقاً إلا في ثلاثة أمور: وهي: كون الرجل عنيناً أو مجنوناً أو خصياً أما ما عدا ذلك فلا يترتب عليه فسخ النكاح، ولو اشتد، كالجذام والبرص ونحوهما، سواء حدث قبل العقد أو بعده وسواء اشترط السلام منه. أولا، وقد يقال: إن رأي الحنفية هنا يترتب عليه ضرر شديد بالزوجة. وذلك لا تملك فراق الرجل، فإذا رأت نفسها عرضة للخطر فماذا تصنع؟! نعم لا ضرر على الرجل لأنه إن لم يرض بها يفارقها، أما هي فماذا يكون حالها، ولا حق لها في طلب الفسخ؟! والجواب: أن مذهب الحنفية مبني على أن علاقة الزوجية لها احترام وقدسية لا تقل عن قدسية القرابة، فإذا ارتبط اثنان برابطة الزوجية، وجب على كل منهما أن يحتمل ما ينزل بصاحبه من بلواء، فلا يصح أن ينفصل منه لمصيبة حلت به، بل يجب عليه مواساته بقدر ما يستطع فكما أن الإنسان لا يمكنه أن يقطع لحمة القرابة عندما يصاب أخوه أو قريبه بداء، فكذلك لا يصح له أن يقطع علاقة الزوجية لذلك. ولا فرق في ذلك بين أن يكون الداء أو العيب موجوداً قبل العقد أو وجد بعده، لأن كلا الزوجين مكلف بالبحث عن الآخر قبل العقد، وقد تقدم أن من السنة أن ينظر أحدهما الآخر.
وهذه الأحكام إنما هي للمؤمنين الذين يعملون بدينهم، فإذا أهمل أحدهما دينه كان هو الملوم، وكان من اللازم المحتم أن تنظر إلى قدسية علاقة الزوجية واحترامها ومتى وقعت على أي حال ومع ذلك فإذا فرض أن زوجين عاشاً معاً في أول أمرهما سليمين ورزقا بأولاد ثم نزلت بأحدهما مصيبة مرض أو عيب كهذا فهل من المعقول أن يفارقه السليم رغم أنفه؟! أظن أن الجواب: لا، وما ذلك إلا لاحترام علاقة الزوجية، وهي حاصلة بالعقد لا محالة.
ولولا أن الجب - قطع عضو التناسل - والعنة والخصاء تتنافى معها الزوجية، لأن المجبوب، والعين والخصي كالمرأة - والمرأة لا تتزوج المرأة - لولا ذلك لما جاز طلب فسخ عقد الزواج بحال. فإن قلت: إن هذا يستلزم أن لا يفارق الزوج زوجته بالطلاق أيضاً، والجواب: أن الطلاق قد شرع في الإسلام لأعراض اجتماعية هامة ضرورية، وقد يكون واجباً كما إذا قام بين الزوجيين شقاق تقطعت به علائق الزوجية وحلت محلها الكراهية والنفر ولم يتمكن المصلحون من إزالتها، فإن الدواء لمثل هذه الحالة الطلاق، وإلا انقلبت الزوجية إلى عكس الغرض المطلوب، فإنها ما شرعت إلا للجمع بين صديقين تنشأ بينهما مودة ورحمة لا للجمع بين عدوين لا يستطيع أحدهما أن ينظر إلى الآخر، وسيأتي بيان حكمة مشروعية الطلاق في بابه منفصلة.
ومن هذا يتضح أن الشارع لم يجعل الفرقة بين الزوجين مبنية على العيب، أو المرض، لأنهما يوجبان الشفقة والرحمة لا الفرقة والقسوة، وجعل للرجل حق الطلاق ليستعمله عند الضرورة، فإذا أساء استعماله كان آثماً يستحق عقاب اللّه في الدنيا والآخرة، فالفرق بين الحالتين واضح لا يخفى.
العيوب التي يفسخ بها النكاح عند المالكية
المالكية - قالوا: العيوب التي يفسخ بها النكاح ثلاثة عشر عيباً، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: عيوب مشتركة بين الزوجين بمعنى أنها قد توجب في الرجل. وقد توجد في المرأة. وقد توجد فيهما معاً، وهي أربعة: الجنون، والجذام، والبرص، والخراءة عند الوطء، وتسمى - عذيطة - بفتح العين وسكون الذال، فمتى وجد عيب من هذه العيوب في أحد الزوجين كان للآخر أن يطلب مفارقته بفسخ النكاح، ولو كان معيباً مثله، لأن الإنسان يكره من غيره ما لا يكسره من نفسه، فأما الجنون فإنه يثبت به الخيار للرجل والمرأة لأنه مشترك كما ذكرنا، وله ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يحدث قبل الدخول. الثانية: أن يحدث بعد العقد وقبل الدخول. الثالثة: أن يحدث بعد الدخول. فإن حدث قبل العقد في الزوجة ولم يعلم به الزوج أو العكس، فلكل من الزوجين أن يرد به الآخر قبل الدخول وبعده، بشرط أن يقع من صاحبه ضرر كضرب أو إفساد مال، أما إذا كان يتخبط ويفيق، كالمصروع، فإنه لا يرد به، وإن حدث الجنون بعد العقد، فإن كان الجنون قد عرض للزوج فإن الخيار يثبت للزوجة، فلها الحق في فسخ النكاح إما إن كان قد عرض للزوجة فلا يثبت الخيار للزوج، سواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده، وهذا هو المعتمد، ولعل أن المرأة مستضعفة بطبيعها وإنها رهينة المنزل، فيمكن اتقاء الضرر الذي يترتب على جنونها، ويمكن الاستمتاع بها وهي على هذه الحالة بخلاف الزوج، على أن الزوج بيده عقد النكاح فيمكنه أن يطلق عند عدم تمكنه من دفع ضررها، وبعضهم يقول: إنه لا فرق في ذلك بين الزوج والزوجة، فالجنون العارض بعد العقد يجعل الخيار لكل من الزوجين قبل الدخول وبعده، وبعضهم يقول: إن حدث قبل الدخول كان للمرأة الرد دون الرجل، وإن حصل بعد الدخول ليس لها الرد كالرجل، وقيل: لا يرد بالجنون الحاصل بعد العقد مطلقاً سواء عرض للرجل أو للمرأة فالأقوال أربعة، والمعتمد منها واحد، كما عرفت.
وأما الجذام فإنه يثبت به الخيار للزوجة، سواء وجد في الرجل قبل العقد. أو بعده، سواء كان قليلاً أو كثيراً بشرط أن يكون محققاً، أما إذا كان مشكوكاً في أنه جذام، أو لا. فإنه لا يرد به اتفاقاً أما الرجل فله حق الفسخ إن كان موجوداً في المرأة قبل العقد أو عند العقد، سواء كان قليلاً أو كثيراً، ولا حق له في الفسخ بالجذام الحادث بعد العقد مطلقاً، كما لا حق لأحدهما في الفسخ بالجذام القائم بأصولهما كالأب، والجد والأم خوفاً من وصول الداء بطريق الوراثة لأن ذلك غير مستيقن، فلا عبرة به.
أما البرص، وهو الداء المعروف، سواء كان أبيض. أو أسود. فغن كان قبل العقد، وكان كثيراً، فإنه يجعل لكل من الزوجين الخيار في الفسخ، أما إذا كان يسيراً فترد به المرأة باتفاق، وفي رد الرجل باليسير من البرص قولان، هذا إذا حدث قبل العقد، أما إذا حدث بعد العقد فإن كان يسيراً، فلا رد به لأحدهما، سواء وجد في الزوج أو الزوجة، وإن كان كثيراً وكان في الرجل كان للمرأة الحق في الفسخ، وإن كان في المرأة فليس للرجل حق الفسخ على المذهب، وذلك لأن الرجل بيده الطلاق، فإن تضرر منها فارقها بالطلاق، والفرق بين حدوثه بعد العقد وقبله ظاهر، لأن المفروض قبل العقد أن تكون المرأة سليمة من العيوب المنفرة، أما بعد العقد فالبرص مصيبة من المصائب التي تعرض لأحد الزوجين، ولما كانت الزوجة لا تملك الفراق جعل لها الخيار بخلاف الرجل الذي يملكه.
أما العذيطة، فإنها عيب يرد به الزوجان إذا كان قديماً موجوداً في أحدهما قبل العقد، أما إذا حدث بعد العقد أو شك في حدثه بعد العقد، فإنه لا يثبت لأحدهما به الخيار، فإنه وإن كان مرضاً قذراً تنفر منه النفس ولكن شره أهون من غيره، فإن كان الرجل يتقذر به ويعاف المرأة بسببه، فله مفارقتها بالطلاق، أما المرأة فإنها يمكنها الإغضاء عنه، وبعضهم يقول، إن العذيطة إذا حدثت على الرجل بعد العقد كان للمرأة حق الفسخ بها، بخلاف ما إذا حدثت على المرأة فإنها لا تجعل للرجل الحق في الفسخ، كالجذام، لما عرفت من أن الرجل بيده الطلاق دونها.
هذان ولا فسخ بالبول على الفراش أو عند الجماع أو بالريح، فهذه هي العيوب الأربعة المشتركة بين الزوجين.
ومن العيوب المشتركة أن يكون أحدهما خنثى واضح الخنوثة، فإذا كان للزوج ذكر ينتصب ويمني كالرجل، ولكن له شق غير نافذ يشبه الفرج حقيقة، فإنه ليس بعيب يرد به، أما المرأة إذا كان لها فرج تام لا عيب فيه، ولكن لها ما تشبه الآلة، وليست بآلة، بل هي قطعة لحم زائدة، فقيل: إنها عيب، وقيل: لأنها كالخنثى المشكل، فلا يصح تزوجه على أي حال.
القسم الثاني: العيوب الخاصة بالرجل، وهي أربعة: الجب، العنة، الخصاء، الاعتراض، فأما المجبوب، فهو - مقطوع الذكر والأنثيين - أو مقطوع الحشفة، على الرجع، والعنين هو - من له ذكر صغير - لا يتأتى به الجماع، ومثله الذي له آلة ضخمة لا يتأتى بها الجماع، فكلاهما عيب يجعل للمرأة حق فسخ، والخصي: هو مقطوع الأنثيين دون الذكر - ولو انتصب ذكره، ولكنه لا يمني كان معيباً، أما إذا أمنى فلا رد بالخصاء، وأما المعترض فهو الذي لا يتنصب لمرض ونحوه.
فهذه الأمور الأربعة إذا وجدت المرأة واحداً منها في الرجل فإن لها الفسخ إذا تحققت الشروط المتقدمة، بأن كانت لا تعلم به قبل العقد الخ.
القسم الثالث: خاص بالمرأة وهو خمسة أشياء: الرتق. والقرن، والعفل. والإفضاء. والبخر، فأما الرتف، فهو انسداد مدخل الذكر من الفرج فلا يمكن من الجماع، سواء كان الانسداد غدة لحم أو بعظم، وأما القرن، فهو شيء يبرز في الفرج - كقرن الشاة - وأما العفل، فهو لحم يبرز في القبل، ولا يخلو عن رشح يشبه الأدرة للرجل - القليطة - وهذه الأمراض وجودها الآن نادر، بل ربما لا تكاد توجد، لأن علم الطب - خصوصاً الجراحة - قد تقدماً كثيراً، ويمكن استئصال هذه الأمراض بسهولة، أما الإفضاء، فهو أن يختلط مسلك الذكر بمسلك البول أو الغائط ويقال للمرأة: مشروم. أو شريم، وأما البخر، فالمراد به نتن الفرج. أما نتن البدن فلا رد به، وهو وإن أمكن تخفيفه بالروائح العطرية وتنظيف المعدة بتنظيم الأغذية وتخفيفها إلا أن علاجه صعب وقد سمعت من بعض الأخصائيين في سببه أن فم المعدة له غطاء إذا نزل عليه الغذاء ينفتح فينزل الغذاء إلى المعدة، ثم يعود الغطاء كما كان، فيكتم الروائح التي تنبعث من المعدة، فإذا اختل ذلك الغطاء انبعثت منه رائحة البخر. فهذه هي العيوب التي يفسخ بها عقد النكاح بدون اشتراط، أما شروط الفسخ بها. فهي ثلاثة:
الشرط الأول: أن يكون طالب الفسخ عاماً بالعيب قبل العقد: فإن كان عالماً به، سواء كان المعيب الزوج أو الزوجة. فقد سقط حقه في الفسخ.
الشرط الثاني: أن لا يرضى بالعيب بعد العقد عند الاطلاع عليه، فإن رضي صريحاً، بأن قال: رضيت، فقد سقط حقه في طلب الفسخ، وكذا إذا رضي به ضمناً، بأن مكنته من نفسها إن كان المعيب الزوج، أو قاربها إن كانت المعيبة الزوجة.
الشرط الثالث: أن لا يتلذذ أحدهما بالآخر بتقبيل أو تفخيذ، ونحو ذلك، فإن تلذذ السليم بالعيب سقط حقه في طلب الفسخ.
والحاصل أن الشرط في الواقع هو الرضا، والرضا له علامتان: إحداهما: صريحة، وهي القول والثانية: ضمنية وهي التمكين والتلذذ.
ويستثنى من العيوب الآتية عيب واحد لا يضر فيه العلم به قبل العقد، وهو عيب الاعتراض - عدم الانتصاب - فإنها إذا علمت به المرأة قبل العقد ورضيت بالنكاح، ثم دخلت ومكنته من نفسها مدة ولم يبرأ فإن لها الحق في الفسخ، وذلك لأن مثل هذا المرض قد يبرأ بالتزوج ومخالطة النساء فإن التلذذ قد ينعشه، فإذا تزوجته على هذا التقدير ولم يفلح كان لها الحق في طلب الفسخ.
وإذا ادعى أحد الزوجين سقوط شرط من هذه الشروط كأن ادعى الزوج الأبرص أنها رضيت ببرصه بعد أن اطلعت عليه ومكنته من نفسها، ولا بينة للزوج، حلفت الزوجة على ذلك. وكذلك إذا كان العيب بالزوجة، وقالت: إنه علم بعيبي قبل العقد ولا بينة لها حلف الزوج.
فهذه شروط الفسخ، وتارة يكون الفسخ بلا تأجيل وتارة يكون بتأجيل، وإليك بيان ذلك. العيوب بالنسبة للتأجيل وعدمه تنقسم إلى أربعة أقسام أيضاً:
القسم الأول: العيب الحادث بالرجل كالجنون، والبرص، والجذام البين. إذا طرأ على أحدهما بعد العقد، فإنه يؤجل له الحاكم في هذه الحالة الفسخ سنة قمرية بشرط أن يرجى برء الداء، أما إذا كان عضالاً لا يرجى برؤه فلا تأجيل، لا فرق بين الجنون والجذام والبرص، على المعتمد وبعضهم يقول: إنه يؤجل للجنون سنة ولو لم يرج البرء، وقد نصوا على أن المجنون يعزل عن امرأته في مدة هذه السنة، فإن برئ بعد السنة فذاك، وإلا فرق الحاكم بينهما، والظاهر أن السبب في ذلك الخوف من الإضرار بالزوجة، لأن المفروض أن الجنون الذي يترتب عليه الفسخ هو الجنون الذي ينشأ منه الضرر، وإذا كان كذلك فمما لا ريب فيه أن عزل المجذوم والأبرص يكون كعزل المجنون إذا ترتب عليه ضرر بالزوجة، بل قد يكون الضرر أشد فيكون العزل أولى، وقد صرحوا بأن الصحيح منع السيد المجذوم من وطء إمائه، فالأحرار أولى كما لا يخفى.
هذا، ولزوجة المجنون الحق في النفقة من ماله بعد الدخول. مدة السنة بلا خلاف، أما قبل الدخول فخلاف، والظاهر أن لها النفقة، أما زوجة المجذوم والأبرص فلهما الحق في النفقة في السنة المؤجل فيها الفسخ قبل الدخول وبعده بلا خلاف، وكذلك لزوجة المعترض، وهو الذي أجل له لسبب عدم الانتصاب، النفقة مدة السنة الؤجلة قبل الدخول وبعده كزوجة المجذوم و الأبرص على التحقيق.
القسم الثاني: العيب القديم بالرجل، وهو القائم به قبل العقد، كما إذا كان مجنوناً أو أبرص أو أجذم قبل العقد، وفي هذا خلاف، فبعضهم يقول: إنه يؤجل له الفسخ سنة أيضاً، وهو المعتمد وبعضهم يقول: لا يؤجل له بل يفسخ العقد بدون تأجيل.
: - العيوب التي توجد في الزوجين تنقسم إلى قسمين (1): قسم يوجب لكل
القسم الثالث: العيب الحادث بالمرأة بعد العقد: وهذا لا كلام فيه، فإن الرجل لا خيار له فيه، كما هو موضع فيما قبل هذا، فإذا الرجل أمكنه التخلص منها بالطلاق.
القسم الرابع: العيب القديم بالمرأة كما كانت مجنونة قبل العقد، أو بها برص بين أو جذام بين لم يعلم به الزوج، فإنها في ذلك كالرجل يؤجل الحاكم لها الفسخ سنة قمرية. هذا في العيوب المشتركة أما العيوب المختصة بالمرأة وهي عيوب عضو التناسل، كالقرن. والعفل. والبخر الخ. فإن الحاكم يؤجل لها بحسب ما يلزم لعلاجها باجتهاده، وتجبر على إزالة مثل هذا العيب إذا طلبه الزوج إلا إذا كان الداء طبيعياً بحسب الخلقة. فإنها لا تجبر على إزالته بخلاف ما لو كان عارضاً، وعللوا ذلك بان في إزالة الطبيعي شدة ضرر. ومعنى هذا أنها تجبر على إجابته إذا انتفت شدة الضرر بالبنج ونحوه، والواقع أن الخلاف في مثل هذا مصدره صعوبة القطع قبل تقدم الجراحة، أما الآن فلا فرق بين الطبيعي وغيره، بل إزالة العارض الذي مثلوا به أشد من إزالة الطبيعي.
والحاصل أن الذي ينبغي أن يقال الآن بحسب تعليلهم: إن طلب الزوج إزالة وكانت إزالته لا يترتب عليها شدة ضرر أو تشويه في الخلقة تجبر على إزالة وإلا فلا، لا فرق بين الطبيعي وغيره وإن طلبت إزالته هي وجب على الزوج إجابتها ما لم يترتب على إزالته تشويه للمحل، فإنه لا يجبر لأن النتيجة واحدة في كلتا الحالتين، وهي نقص الاستمتاع.
هذا، وإذا كان المرض القائم بالرجل من عيوب عضو التناسل، كالعنة، وارتخاء الذكر، ويقال له: الاعتراض، فإنه يؤجل له فيها سنة بشرط أن يرجى برء الداء، أما إذا كان لا يرجى برؤه، كالمجبوب أو الخصي الذي لا يمني أو العنين الذي له آلة صغيرة بحسب الخلقة، فلا يستطع الوصول إلى الوطء، فغن مثل هولاء لا يرجى برؤهم، فلا معنى للتأجيل لهم، لأن الغرض من التأجيل التداوي، وحيث لا يرجى البرء ففيم التداوي؟.
والحاصل أن الأمراض المشتركة بين الرجل والمرأة، والأدواء المختصة بالرجل إذا كان يرجى برؤها فإنه يؤجل فيها الحر سنة والعبد نصفها، ونقل عن مالك أيضاً أن العبد في ذلك مثل الحر، وهو المعقول، وإن كان العمل على الأول.
وأما الأمراض المختصة بالنساء، فالتأجيل فيها بالاجتهاد حسبما تقتضيه حالة علاج الداء.
ثم إن بدء التأجيل بالسنة يكون من يوم الحكم لا من يوم رفع الأمر للقاضي، وإذا كان المعيب مريضاً بمرض آخر غير العيب تحتسب السنة من الوقت شفائه من المرض الآخر، مثلاً إذا أجل للرجل الذي لا ينتصب سنة، وكان مريضاً بالحمى، فتحسب له السنة من أول يوم شفي من الحمى.
هذا، ولا يكون للمرأة خيار إذا دخل بها، وهو سليم من المرض، ووطئها ولو مرة واحدة، ثم عرض له المرض بعد ذلك، فلو كان صبياً ثم أصيب بقطع ذكره لمرض بعد أن عاشرها وهو سليم كان ذلك مصيبة حلت به لا خلاص له منها،ومثل ذلك ما إذا عرض له مرض منعه من الانتصاب أو عرضت له شيخوخة منعته من الوطء.
هذا حكم التأجيل، وقد يتنازع الزوجان بعد انتهاء مدة الأجل فإليك بيان حكم التنازع، إذا تنازع في البرء من هذه العيوب، فغن كان العيب ظاهراً، كالجذام، والبرص، والجنون، فلأمر ظاهر لأن البرء منها لا يخفى في الوجه أو اليدين ولا بد فيه من شهادة رجلين، وإن كان في باطن الجسم كفى فيه امرأتان، ومعنى هذا إباحة النظر فيه للطبيب الثقة من بباب أولى، أما إن كان باطناً، وهو العيب المتعلق بعضو التناسل فإن كان متعلقاً بالرجل كعدم انتصاب الآلة فادعى أنه وطئها قبل تمام السنة المحددة له وأنكرت كان القول له بيمنه، لأنه أنكر أصل الدعوى، وهي عدم قدرته على الوطء، فإن نكل عن اليمين حلفت هي فغن حلفت قضي لها بأن يأمره بتطليقها، فإن أبى، ففيه قولان: أحدهما أن الحاكم يطلق عليه. ثانيها: أن الحاكم بأمرها هي بإيقاع الطلاق كأن تقول: طلقت نفسي منك، ثم يحكم الحاكم بالطلاق الذي أوقعته، لأن أمره إياها بإيقاع الطلاق ليس حكماً عند بعضهم، وبعضهم يقول: إن الذي يفعله القاضي بعد تطليقها نفسها ليس حكماً وإنما هو إشهاد بما حصل منها. فهو خارج عن الخلاف المذكور، وإذا طلق القاضي ثلاثاً يقع إلا واحدة، وكذا أمرها بتطليق نفسها فزادت على واحدة، أما الزوج فله أن يطلق كما شاء.
هذا، والمفروض أنه طلقها قبل البناء لأنه لم يطأها أبداً،إذ قد علمت انه لو وطئها ولو مرة سقط حقها في طلب الفسخ، وفي هذه الحالة يقع الطلاق البائن واحداً، ومع ذلك فإنه إذا خلا بها تجب العدة احتياطاً. فهما يعاملان بإقرارهما من حيث الوطء، وتعامل العدة بالخلوة الاحتياط، ولها الصداق كاملاً إن أقامت معه السنة كلها، ولو لم يطأها، لأنك قد عرفت فيما تقدم أن مكث المرأة سنة مع الزوج يقرر لها الصداق، ولو لم يطأها، لأنه قد تلذذ بها وانتفع بجهازها وطال مقامها معه فتستحق على هذا كله كل الصداق، أما إذا طلقها قبل مضي السنة، فإنها تستحق نصف المهر، ثم إن كان قد تلذذ بها كان لها الحق في العوض بحسب اجتهاد القاضي.
وكذلك إذا كان العيب الجب. أو العنة، أو الخصاء، فإن أنكره الرجل فإنه يمكن معرفته بالجنس، بان يجس موضعه، والجنس يتأتى به العلم في ذلك كالنظر، وهو وإن كان غير جائز كالنظر إلا أنه أخف، وارتكاب أخف الضررين للضرورة لازم مادامت النتيجة واحدة، وبعضهم يرى جواز النظر إليه للتحقق من دعواه، لأن المسألة مفروضة في الحكم بين خصمين، فكل ما يوجب التثبيت يكون أولى من غيه، وهذا الرأي يناسب زماننا، لأنها يصح أن يعرض على خبير له دراية بالطب ليقرر بشأنه قراراً قاطعاً، على أن الرجل الذي يعلم ستعرض على طبيب ثقة، أو طبيبين موثوق بهما لا يمكنه أن ينكر من أول الأمر وتنتهي الخصومة.
أما إذا كان العيب الاعتراض، وهو الارتخاء، فإنه لا يعلم بالجنس، وقد عرفت أن الرجل يصدق بيمينه، ومثل ذلك ما إذا كان بذكره مرض سري لا يعرف بالجنس، فإنه يصدق فيه بيمينه، ولا أدري لماذا لا يعرض على طبيب أيضاً، إذا لا فرق بين حبس المجبوب أو العنين، والنظر إليهما، وبين هذا - بل ربما كان خطره أشد إذ قد يكون مصاباً بالسيلان أو الزهري، فيؤذي المرأة - وقواعد المذاهب لا تأبى ذلك، فإنهم يقولون دائماً برفع الضرر.
وإذا طلق العنين أو المجبوب أو الخصي الذي لا يمكنه الوطء بعد الدخول كان عليه الصداق كله بالخلوة والتلذذ، أما إذا طاق القاضي عليه مهر لها لأن الخلوة لا يتقرر بها المهر، والمجبوب، و العنين،والخصي الذي يمكنه الوطء أصلاً لا يتصور منهم وطء فلا يجب عليهم مهر، أما الخصي - مقطوع الأنثيين الذي يمكنه الوطء، ولكنه لا يمني - فإنه يجب عليه المهر إذا أولج فيها كما تقدم أما إذا أطلق المجذوم. أو الأبرص بعد الدخول،أو طلق عليهم القاضي، فإنه يجب لها المهر المسمى، وكذلك المجنون إذا طلق عليه القاضي فإنها يجب لها المسمى لأنه يتصور وقوع الوطء من هؤلاء.
هذا في عيوب الرجل المتعلقة بالوقاع، أما عيوب المرأة المتعلقة به، فإنها تصدق فيها أيضاً بيمينها، فإذا أنكرت أنها بها عيباً من العيوب المتعلقة بذلك أو أنها برئت من هذا العيب، فإنها تصدق بيمينها، ولا تجبر على أن ينظر إليها النساء، ولكن إذا رضيت باختيارها بأن ينظر إليها شاهدتان فإن قولهما يقبل، وذلك في المرأة لا يترتب عليه كثير ضرر للرجل، فإن الرجل الذي يتضرر من العيب القائم بالمرأة ولا يستطيع البقاء معها يستطيع أن يتخلص منها بالطلاق بدون حاجة إلى التشهير بها واطلاع الناس على عورتها، وأما المرأة فإنها معذورة لأن عصمتها بيد الرجل ولا مغيث لها من التضرر إلا بإثبات العيب القائم به، على أنك قد عرفت فيما قدمناه أن العيوب الظاهرة بالمرأة لا بد فيها من شهادة رجلين إذا كانت بالوجه واليدين أو بامرأتين إن كانت في باقي البدن.
وحاصل حكم المهر بالنسبة للعيوب التي تجعل للزوجين الخيار في الفسخ بدون شرط أن العيب إما أن يكون في الزوج،أو في الزوجة، فإن كان في الزوج فلا يخلو إما يكون متعلقاً بالجماع أولا، فإن كان متعلقاً بالجماع، فهو على قسمين: الأول أن يكون العيب - الاعتراض - أي عدم الانتصاب، فغن لم ترض به الزوجة وطلقها قبل أن يمكث معهاً زمناً طويلاً، فلها نصف المهر وتعويض عما نال منها بالتلذذ بها بحسب اجتهاد القاضي، ولا فرق في ذلك بين أن يطلقها باختياره أو يطلقها القاضي عليه. الثاني: أن يكون العيب الجب أو العنة والمجبوب و العنين إذا طلق أحدهما زوجته باختياره بعد بنائه بها كان الصداق كاملاً، أما إذا لم ترض بهما الزوجة ورفعت أمرها للحاكم فحكم بالطلاق فلا مهر لها، ومثل العنين والمجبوب الخصي الذي قطع ذكره والشيخ الكبير الذي عجز عن الوطء، أما الخصي الذي قطعت أنثياه فإن عليه الصداق كله بالإيلاج وان يمن. أما إذا كان عيب الزوج من الأمراض التي لا تتعلق بعضو التناسل، كالجذام والبرص والجنون فإنه إذا طلق هو باختياره، او طلق عليه القاضي بعد الدخول كان لها المهر المسمى جميعه، لأن الأجذم والأبرص والمجنون يتأتى منهم الوطء.
أما إذا كان العيب في المرأة فإن اطلع عليه الرجل قبل الدخول، فهو بالخيار بين أن يرضى بالعيب ويكون عليه المسمى أو يفارقها ولا شيء عليه، وإن اطلع بعد الدخول كان بالخيار بين أن يرضى ويلزمه المسمى أو لا يرضى ويفارقها، فلزمه أقل المهر، وهو ربع دينار، فإذا فسخ القاضي نكاحها بعد الدخول رجع عليها بما غرمه لها من مهر.
هذه أحكام العيوب التي تجعل لكل من الزوجين الحق في الفسخ، وهناك عيوب أخرى كالسواد والقراع والعمى والعور والعرج والشلل وكثرة الأكل، فإنها لا تعتبر إلا إذا اشترط أحد الزوجين السلامة منها صريحاً، ولا يعتبر العرف في هذه الحالة، فإن العرف كالشرط في غير النكاح لأن النكاح مبني على التسامح في مثل هذه الأمور، بخلاف البيع، فإذا اشترط الزوج سلامة المرأة من عيب من هذه العيوب صح، فإذا اطلع على عيب اشترط السلامة منه قبل الدخول كان مخيراً بين أمرين، وهما الرضا، وعليه جميع الصداق المسمى، أو يفارق، ولا شيء عليه، أما إذا اطلع على العيب بعد الدخول، وأراد بقاءها، أو مفارقتها، ردت إلى صداق مثلها، وسقطت الزيادة في مقابل ما اشترطه ما لم يكن صداق مثلها أكثر من المسمى، فإنه يلزمه المسمى، ومن ذلك ما إذا اشترط أنها بكر فوجدها ثيباً، فإن له الخيار على الوجه المتقدم).
(2) (الحنفية - قالوا: إن لا فسخ إلا بالجب. والعنة والخصاء، فإذا وجد عيب منها في الرجل كان للمرأة الخيار، وقد عرفت أنه لا خيار للرجل بوجود عيب في بضع المرأة من رتق أو نحوه، ولكن له الحق في إجبارها على إزالته بجراحة وعلاج. كما أنه إذا يئس من علاجها فله مفارقتها بالطلاق في هذه الحالة، لأن الزوجية قائمة على الاستمتاع، وفي فراقها عند اليأس من العلاج بدون تشهير فيه رحمة بها، ومثله من له آلة صغيرة لا تصل إلى داخل الفرج.
ثم إن عيوب الرجل التي تجعل للمرأة حق طلب الفسخ تنقسم إلى قسمين: قسم لا يمكن علاجه بحال من الأحوال، وهو الجب - قطع عضو التناسل - ويلحق به ما إذا كانت له آلة صغيرة لا تصل إلى النساء بأصل الخلقة. وقسم يمكن علاجه، وهو العنة، فالعنين هو الذي لا يستطع إتيان زوجته في قلبها ولو انتصبت آلته قبل أن يقرب منها، وإّذا أمكنه أن يأتي غيرها، أو يأتي الثيب دون البكر. أو أمكنه أن يأتي زوجته في دبرها لا في قلبها، فمن وجدت فيه حالة من هذه الأحوال كان عنيناً بالنسبة لزوجته، وكان لها حق طلب الفسخ، ولكل من القسمين أحكام:
فأما المجبوب وما يلحق به فإن للمرأة به طلب الفسخ حالاً بدون تأجيل، بشروط خمسة:
الشرط الأول: أن تكون حرة، فإن كانت أمة كان حق الفسخ لوليها لا لها.
الثاني: أن تكون بالغة، فإن كانت صغيرة ينتظر بلوغها لجواز أن ترضى به بعد البلوغ، أما العقل فإنه ليس بشرط، لأن الزوجة إذا كانت مجنونة وزوجها وليها من مجبوب كان لوليها حق طلب الفسخ، فإن لم يكن لها ولي نصب لها القاضي من يخاصم عنها.
الشرط الثالث: أن لا تكون المرأة معيبة بعيب يمنع من الوطء، كالرتق. والعفل والقرن. فإن كانت هي معيبة فلا معنى لطلبها للفرقة، وإذا اختلفا في الرتق. فادعى الرجل أنها رتقاء وأنكرت كان للرجل عرضها على النساء الخبيرات، أي الطبيبات.
الرابع: أن لا تكون عالمة به قبل الزواج، فإن كانت عالمة ورضيت بالعقد، فإن حقها في الفسخ يسقط، أما العلم بعد الزواج مع عدم الرضا، فإنه لا يسقط.
الخامس: أن لا ترضى بعد العقد، فإن رضيت به بعد العقد سقط حقها. ويشترط في الفسخ أن يكون صادراً من القاضي، فإذا فرق القاضي بينهما وقع به طلاق بائن، ولهما كل المهر وعليها العدة. وهو قول أبي حنيفة، وإذا كان الزوج صغيراً، وثبت أنه مجبوب، فلا يؤجل لكبره، إذ لا فائدة في التأجيل، وإذا جاءت امرأة المجبوب بولد بعد الفرقة لأقل من ستة أشهر لزمه نسب الولد، سواء خلا بها أو لا، عند أبي يوسف، وقال أبو حنيفة: إنه يثبت نسبه إذا خلا بها، ويستمر ذلك إلى سنتين من وقت الفرقة، فلا ينقطع النسب بمضي ستة أشهر، وهي أقل مدة الحمل كما يقول أبو يوسف، وذلك لأن المجبوب يمكنه أن يساحق وينزل وتحمل المرأة من مائه، فإذا ثبت أنه لا ينزل كان بمنزلة الصبي، فلا يثبت منه نسب، ولا يجب على المرأة بفراقه عدة.
: - العيوب التي توجد في الزوجين تنقسم إلى قسمين (1): قسم يوجب لكل
هذا، ولا تنافي بين ثبوت النسب وبين حق المرأة في طلب الفرقة متى كانت غير عالمة به قبل العقد، لأن المساحقة والإنزال لا يسقطان حقها في طلب الفسخ، بل الذي يسقط حقها الوطء، ولو مرة، فلو تزوجته سليماً وواقعها مرة واحدة ثم جب بعد ذلك، فلا حق لها في الفسخ، هذا في المجبوب، أما العنين فحكمه أن للمرأة طلب فسخ العقد بالشرط الخمسة المتقدمة. إلا أنه يمهله القاضي سنة، لأنه قابل للعلاج، سواء كان حراً أو عبداً.
وبيان ذلك أن المرأة إذا تزوجت بعنين لا تعلم حاله كان لها الحق في أن ترفع أمرها للقاضي ليؤجله القاضي سنة قمرية، وتحتسب بالأهلة إذا كانت في أول الشهر، أما إذا كانت الدعوى في وسطه فتحتسب الأيام، والسنة القمرية بالأيام ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً وثمان ساعات وثمان وأربعون دقيقة، بخلاف السنة الشمسية فإنها تحتسب بالأيام، وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وخمس ساعات وخمسون دقيقة، فهي تزيد عن السنة القمرية بأحد عشر يوماً ونصف نهار تقريباً، وبخلاف السنة العددية، وهي ثلاثمائة وستون يوماً، وقد جرى الخلاف في ذلك. فبعضهم يرى تأجيله سنة قمرية، وبعضهم يرى تأجيله سنة شمسية، وبعضهم يرى تأجيله سنة عددية، ولكن المعتمد الأول، لأن لسنة إذا أطلقت في لسان الشارع انصرفت إلى السنة القمرية ما لم يصرحوا بغير ذلك.
وتبدأ السنة من وقت الخصومة برفع الأمر إلى القاضي ما لم يكن الزوج صبياً أو مريضاً أو محرماً، فتبدأ السنة من وقت بلوغه إذا كان صبياً، ومن وقت صحته إذا كان مريضاً، ومن وقت تحللّه من الإحرام إن كان محرماً.
ولا يسقط حق المرأة بسكوتها بعد علمها زمناً طويلاً، حتى ولو كانت مقيمة معه وتضاجعه، وإذا رفعت أمها إلى القاضي وأحلها سنة، ثم أقامت معه في خلال تلك السنة بعد وضاجعته لا يسقط حقها أيضاً، لأن المفروض في التأجيل أن تخلطه لتجربه، فإذا انتهت السنة بعد ذلك ورفع الأمر للقاضي كي يأمره بالطلاق أو يفرق بينهما إذا امتنع، فضرب القاضي لها موعداً للخيار وخالطته أو ضاجعته بعد ذلك سقط حقها، وكذا إذا خيرها القاضي في المجلس فقامت ولم تقل: اخترت نفسي فإنه يسقط حقها حتى ولو أقامها أحد آخر، كأعوان القاضي، فإن الواجب عليها قبل أن تقوم أن تقول: اخترت عدم معاشرته أو اخترت نفسي.
والحاصل أن حقها يسقط بأمرين: قيامها معه ومضاجعتها له بعد تخيير القاضي. وقيامها من المجلس بعد التخيير في المجلس بدون اختيار. أما قبل ذلك فلا يسقط اختيارها.
ويشترط أن يكون التأجيل صادراً من القاضي، أما التأجيل الصادر منها أو من غيرها فإنه لا يعتبر، وظاهر كلامهم أن التأجيل الصادر من محكم لا ينفع أيضاً، مع أن المعروف أن للمحكم الفصل فيما حكم فيه، كالقاضي، وقد يجاب بأن القاضي هو المرجع في النهاية، إذ هو الذي يطلق إذا امتنع الزوج عن الطلاق، فلا يعتبر التأجيل إلا إذا كان صادراً عنه، فإذا عزل أو انتقل، وجب على القاضي الذي يحل محله أن يبني على تأجيل الأول.
وإذا ادعى أنه وطئها، وأنكرت، فإن كانت بكراً حكمت امرأة لها خبرة موثوق بعدالتها، فإن قالت: إن بكارتها أزيلت بالوطء حلف الزوج بأنه وطئها، فإن حلف قضي له، وإن نكل خيرت الزوجة بين الإقامة معه وطلاقها منه، على الوجه المتقدم، إذا لم يكن قد أجل له سنة، وإلا أجل له سنة بعد تقرير ذات الخبرة، وإن عرضت على امرأتين لهما خبرة كان أفضل وأوثق، أما إن كانت المرأة ثيباً حين تزوجها، فإنه يحلف بأنه وطئها من غير عرضها على ذات خبرة، ويعمل بقوله لأنه منكر لاستحقاق الفرقة، هذا هو المقرر، وقد يقال: إذا وجدت وسيلة يمكن بها معرفة الرجل إذا كان قد قدر على الوطء كما يقول أو لا، كالكشف الطبي، فلماذا لا يصار إليها دفعاً لتضرر المرأة، والنبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: "لا ضرر ولا ضرار" وعندي أنه لا مانع من ذلك لأنه هو الوسيلة الوحيدة للإثبات، خصوصاً أنهم أجازوا عرض المرأة على النساء إذا ادعى أنها رتقاء وأنكرت، ولا فارق بينهما.
ويحتسب للزوج مدة غيابها عنه لحج ونحوه، بمعنى أنه يطرح له من السنة، ويعوض عنها أياماً بعددها، أما مدة غيابه هو فإن كانت باختياره فإنها تحتسب عليه، ولا يعوض عنها، لأنه يمكنه أن يأخذها معه، وإن كانت رغم أنفها، كما إذا حبس في دين ولو كان لها، فإنها تحتسب متى تعذر وصوله إليها، فإذا كان مظاهراً لها ولا يقدر على كفارة الظهار من عتق الرقبة، فإنه يؤجل له شهرين لأجل أن يصومهما وسنة بعد الشهرين، أما رمضان فإنه يحتسب من السنة، وكذا أيام حيضها ومتى ثبت بعد إمهاله السنة أنه باقٍ على مرضه وأنه عاجز عن إتيانها أمره القاضي بطلاقها، فإن أبى طلق عليه، وكان عليها العدة، ولها كل المهر، كما تقدم في المجبوب، إلا أن المرأة إذا جاءت بولد بعد التفريق وثبت نسبه من العنين بطلت الفرقة وعادت زوجة له، وذلك لأن ثبوت النسب يلزمه أن الرجل قد وصل إليها وأنه قد برئ من عنته، فيبطل الحكم المترتب على العنة، وهو الفراق، بخلاف المجبوب فإنه لا يتصور فيه أنه أتاها، وإنما النسب قد بني على الإنزال بالمساحقة فلا يسقط حقها في الفرقة.
هذا، وإذا تراضيا على العودة بعد الفرقة فإنه يصح، أما الخصي - وهو مقطوع الأنثيين - فإن كان ينتصب فلا خيار لها، سواء أنزل أو لم ينزل متى كان قادراً على وطئها، وإلا كان حكمه حكم العنين، خلافاً للمالكية الذين يعدون عدم الإنزال عيباً يفسخ به، والحنابلة الذين يعدون الخصاء من عيوب الفسخ مطلقاً أنزل، أو لم ينزل. ووفاقاً للشافعية.
العيوب التي يفسخ بها النكاح عند الشافعية
الشافعية - قالوا: لكل من الزوجين طلب فسخ الزواج بوجود عيب من العيوب المشتركة بينهما، التي يصح وجودها فيهما معاً أو في أحدهما ولو كان أحدهما معيباُ بمثل هذه العيوب، كما قال المالكية، لأن الإنسان قد يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه.
وهذه العيوب هي الجذام والبرص والجنون، أما العذيطة - وهي التغوط عند الجماع - فليست عيباً عندهم، أما الجنون فإنه يجعل لكل منهما الخيار في الفسخ، سواء حدث بعد العقد والدخول أو كان موجوداً قبل العقد، فلا فرق بين الرجل والمرأة، خلافاً للمالكية، ولا فرق أيضاً بين أن يكون جنوناً مطبقاً أو متقطعاً إلا إذا كان قليلاً جداً، بأن يأتي في كل سنة يوماً واحداً، والمراد بالجنون ما يشمل فقد الشعور القلبي والصراع والخبل والإغماء الميئوس من شفائه، فإذا جن أحد الزوجين كان للآخر الحق في طلب فسخ النكاح، فإذا كان أحد الزوجين معيباً بالعيب الموجود في صاحبه فإنه لا يسقط حقه. كما علمت، ولكن إذا جن الزوجان معاً فإنه يتعذر منهما الخيار فينتقل حقهما إلى وليهما، واعترض بأن الولي لا خيار له بالعيب المقارن للعقد والجنون إذا كان مقارناً للعقد يبطله رأساً، لأنه يشترط أن يزوج من كفء، والمجنون غير كفء والجواب: أنه يزوج وهو يظن أنه سليم من الجنون أو تأذنه هي قبل أن يجن بأن يزوجها من فلان فزوجها منه وبان جنونه، فإن العقد في هذه الحالة يصح، وله حق الفسخ.
وأما الجذام أو البرص، وهما داءان معروفان، فإنهما الجنون في الحكم المتقدم، وهل يشترط فيهما التفاحش والظهور. أو لا؟ المعتمد أنه لا يشترط، بل يكفي حكم أهل الخبرة، وهو الطبيب الموثوق به في زماننا. ويشترط في الفسخ بوجود عيب من هذه العيوب. أو غيرها مما يأتي أن لا يعلم أحدهما به، فإن علم ورضي لم يكن له حق في الفسخ، إلا العنة فإن العلم بها لا يضر كما يأتي.
فإذا رضيت المرأة بعيب من هذه العيوب ولم يرض وليها كان للولي الحق في طلب الفسخ بشرط أن يكون العيب موجوداً حال العقد، أما إذا حدث بعده فليس له الحق. وذلك لأن حق الولي في هذه الحالة هو حقه في الكفاءة. وهذه العيوب تنافي الكفاءة، فمتى كان الزوج سليماً منها عند العقد. فقد صادف العقد كفاءته، فلا حق للولي في الاعتراض على ما يحدث بعد العقد، وكذا لا حق له في الاعتراض على ما هو من اختصاص المرأة، كما إذا رضيت بالعنين أو المجبوب فإن اللذة خاصة بها لا شأن له فيها.
فإن قلت: إنكم قد اشترطتم في ثبوت حق الفسخ للمرأة أن لا تعلم العيب فإن علمت به فلا فسخ، وهذا لا يمكن تصوره في العيب المقارن لأنها إن علمت به ووليها سقط الخيار، وإن لم تعلم به بطل العقد لأنه وقع من غير كفء، فليس لها الخيار، والجواب هو ما ذكرناه قبل هذا، وهو أنه يتصور فيما إذا أذنت المرأة وليها أن يزوجها من هذا الشخص المعين، فزوجها منه وهو يظن أنه سليم ثم بان أن به عيباً، فإن العقد في هذه الصورة يقع صحيحاً على المعتمد، ويكون للزوجة أو وليها حق الفسخ بعد العلم.
أما العيوب المختصة بالمرأة التي تجعل للرجل الحق في الفسخ، فهما الرتق والقرن، وإن شئت قلت: انسداد محل الجماع بأمر خلقي أو عارض بحيث لا يتأتى معه التمتع المقصود من العقد، وإذا كانت بالغة، وطلب منها الزوج إزالته بعملية جراحية، فإنها لا تجبر، وهو بالخيار، إن شاء قبل وإن شاء فسخ العقد، هذا إذا كانت كبيرة، أما الصغيرة فلوليها أن ينظر إلى مصلحتها فإن كانت الإزالة لا خطر فيها وجبت عليه الإزالة، والفرق واضح، وهو أن البالغة تدرك معنى اللذة، وتعلم أن عصمتها بيد الزوج، فإذا رفضت إزالة ما بها كان معنى هذا أنها زاهدة في الزوج وفي اللذة مفضلة بقائها على حالها، أما الصغيرة فإنها لا تدرك، فوليها مسؤول عنها،
أما العيوب المختصة بالرجل، فهما الجب والعنة، فالمجبوب - هو مقطوع الذكر - كله أو بعضه بحيث لم يبق منه قدر الحشفة التي تصل، أما قطع الحشفة وحدها فإنه لا يضر، خلافاً للمالكية، ولا يشترط في طلب الفسخ بالجب أن تكون هي سليمة من العيب المقابل، فلو كانت رتقاء، وهو مجبوب جاز لها أن تطالب بالفسخ، وفاقاً للمالكية، وخلافاً للحنفية، فلا يشترط لها إلا عدم العلم، فلو علمت به ورضيت سقط حقها في الفسخ، أما عدم الوطء فإنه ليس بشرط، فلو وطئها ثم جب بعد ذلك كان لها الحق في الفسخ، خلافاً للمالكية، والحنفية، وهو قريب من العقل، لأن المقصود من الزواج الاستمتاع، والجب يقطع الأمل منه نهائياً، فكأن المرأة متزوجة بامرأة مثلها فإذا رضيت بالبقاء على هذه الحالة فذاك، وإلا كان لها الحق، ولذا بالغ الشافعية في هذا فقالوا: إن لها الحق في الفسخ، ولو قطعته هي بيدها.
والعنين فقد عرفوه بأنه العاجز عن اتيان امرأته في قبلها، حتى ولو كان قادراً على اتيان غيرها. أو اتيانها هي في دبرها، ويشترط لإثبات العنة شرطان: الأول: أن لا يكون الزوج صبياً أو مجنوناً، فإن كان صبياً أو مجنوناً فإن دعوى العنة فيهما لا تسمع، وذلك لأن العنة لا تثبت إلا بأحد أمرين: الإقرار أو نكوله عن الحلف بعد أن تحلف هي يمين الرد، وذلك لا يتصور من الصبي أو المجنون، على أن لها حق الفسخ بالجنون وعليهما انتظار الصبي حتى يبلغ، فعساه أن يبرأ. الثاني: أن لا تكون العنة قد حدثت بعد الوطء، وإلا فلا حق لها في الفسخ. وذلك لأنها في هذه الحالة ترجو زوالها، ولا يشترط عدم علم الزوجة بالعنة قبل العقد فلو كانت عالمة بها فلها حق الفسخ، وذلك لأن العنة بهذا المعنى يرجى زوالها، كما قال المالكية، وقد اعترض بأن العنة لا يمكن أن تعرفها المرأة إلا بعد العقد ومخالطة الرجل، فكيف يعقل أن تعرفها قبل؟ وقد أجيب بأن هذا يتصور فيما إذا تزوجها وعرفت منه العنة ثم طلقها وأراد أن يجدد نكاحها، فإن الأصل استمرار العنة، ولا أدري لماذا لا يكون علمها عن طريق إقراره بها أمامها؟!
فهذه هي العيوب التي توجب الخيار في الفسخ، أما غيرها من عذيطة - تغوط عند الجماع - أو استحاضة، ولو كانت مستحكمة، خلافاً لمن قال: إنها من العيوب، أو بهق، أو بخر. أو قروح سياله. أو حكة. أو نحو ذلك من الأمراض فإنها لا يثبت بها خيار، وكذا إذا كان أحد الزوجين خنثى واضح الخنوثة، كأن كان فرج المرأة كاملاً، ولكن لها ما يشبه الآلة المائتة الصغيرة. أو كان للرجل ذكر واضح وشق لا قيمة له، أما الخنثى المشكل فلا يصح العقد عليه رأساً. على أنهما قالوا إذا كان بأحدهما مرض دائم لا يمكن معه الجماع، وقد أيس من زواله كان من قبيل العنة وحينئذ يفصل فيه بين كونه قبل الوطء فيثبت به حق الخيار أو بعده فلا يثبت.
والحاصل أن العيوب التي يثبت بها حق الفسخ لأحد الزوجين أو لهما سبعة منها ثلاثة مشتركة وهي: الجنون والجذام والبرص، ومنها اثنان يختصان بالمرأة وهما: الرتق والقرن ولم يذكروا العقل لأنه داخل فيهما، واثنان يختصان بالرجل، وهما الجب والعنة وأما الخصاء وهو - قطع الأنثيين، مع بقاء الذكر ينتصب - فإنه ليس بعيب، ولو كان لا يمني خلافاً للمالكية، أما إذا استوجب الخصاء عدم الانتصاب كان ذلك في حكم العنين.
وبذلك تعلم أن المالكية زادوا العذيطة في العيوب المشتركة، وزادوا الخصاء والاعتراض في عيوب الرجل وزادوا العفل، والبخر والافضاء في عيوب المرأة كما يعلم من الاطلاع في مذهبهم.
: - العيوب التي توجد في الزوجين تنقسم إلى قسمين (1): قسم يوجب لكل
والفسخ بالعيوب المذكورة على الفور، إلا العنة فإنه يمهل الزوج سنة، لا فرق بين أن يكون حراً أو عبداً، خلافاً للمالكية الذين يجعلون المهلة نصف سنة للعبد ووفاقاً للحنفية والحنابلة، ولا أعرف سبباً للتفرقة هنا لأن الدليل الذي بني عليه التأجيل، وهو أن عمر قد أجل للعنين سنة - لم يفرق بين الحر وغيره ويشترط للفسخ بكل عيب من العيوب زيادة على ما مضى شرطان. أحدهما: رفع الأمر للقاضي فلو تراضيا على الفسخ بالعيب الذي يفسخ به فإنه لا يصح. نعم يصح بالمحكم المستكمل للشروط فإذا أقام الزوجان حكماً وقضى بالفسخ فإنه يصح، خلافاً للحنفية. ثانيهما: إقامة البينة على العيب الذي يمكن إثباته بالبينة، كالجذام والبرص. أما العنة فإنها تثبت بإقراره عند القاضي أو عند شاهدين بها عند القاضي، إذ لا يتصور ثبوتها بالبينة، إذا ليس عندهم ما يفيد عرض الزوج على الطبيب الخبير، فإن لم يعترف حلف هو فإن نكل ردت اليمين عليها فحلفت أنه عنين لجواز اطلاعها بالقرائن.
فإذا ثبت العنة عند القاضي بالإقرار. أو الحلف أجل القاضي له الفسخ سنة تبتدئ من وقت ثبوت العنة، وبعد السنة ترفع المرأة الأمر للقاضي، فإن ادعى الزوج أنه أتاها، فإن كانت ثيباً حلف أنه أتاها، فإن نكل عن اليمين حلف أنه ما وطئها، فإن حلفت أو أقر هو بذلك فسخ القاضي بعد قوله: ثبت عنته، أو ثبتت حق الفسخ، ولو لم يقل حكمت، أما إذا كانت بكراً حلفت هي أولاً، فإن نكلت حلف هو، وذلك لأن الظاهر - وهو البكارة - يؤيدها.
فإذا مرضت المرأة أو منعت عنه طرحت أيام مرضها من السنة، وعوض الزوج أياماً أخرى أما إذا وقع ذلك للزوج فإنه يحتسب عليه.
أما السلامة من العيوب الأخرى، كالسواد ونحوه،فقد مر حكمها في الشروط، فارجع إليها إن شئت.
العيوب التي يفسخ بها النكاح عند الحنابلة
الحنابلة - قالوا: العيوب في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول يختص بالرجل، وهي الجب، والعنة، والخصاء، فأما الجب، فهو - قطع عضو التناسل - كله أو بعضه بحيث لم يبق معه ما يمكن به الوطء، والعنة هي - العجز عن وطء امرأته في قبلها - أما لو قدر على وطئها في دبرها أو وطء امرأة غيرها، فإن العنة لا ترتفع عنه بذلك، كما يقول الشافعية والحنفية فمتى عجز الرجل عن وطء امرأته كان عنيناً ولو اشتهاه، والخصاء هو - قطع الأنثيين - أو سلهما كما يسل الأنثيان من الحيوان مع بقاء جلديهما، ولو كان الذكر باقياً سليماً يمكن الوطء به، لأن الخصاء إما أن يمنع الوطء أو يضعفه، وكلاهما عيب، فإذا طلبت امرأة المجبوب، أو المخصي فسخ العقد أجيبت إلى طلبها بدون مهلة، ومثل ذلك ما إذا كان الذكر أشل لا أمل في شفائه إذ لا فائدة من التأجيل، وأما إذا كان عنيناً فإنه يؤجل سنة هلالية رجاء برئه. وتبتدئ من وقت المحاكمة، ولا يحتسب عليه منها الأيام التي تنقطع المرأة عنه فيها بفعلها، أما إذا انقطع عنها هو حسبت عليه، ويشترط في ثبوت العنة إقرار الزوج بها أمام القاضي أو أمام بينة تشهد بذلك الإقرار وإن كان للمرأة بينة من أهل الخبرة والثقة عمل بها، وهذا حسن، لأن معنى هذا عرض المعيب على الطبيب الثقة الخبير، وقراره يفصل في الموضوع. ومثل ذلك ما إذا ادعت أن بذكره شللاً فإنه لا يمكن أن يحكم في الموضوع حكماً صحيحاً إلا الطبيب الخبير.
ويشترط في الفسخ شروط: أحدها أن يرفع الأمر لحاكم فلو رفع لغيره وأجل سنة هلالية لا ينفع التأجيل، وكذا إذا فسخه غير الحاكم، وهذا الشرط في كل العيوب إذ لا بد في الفسخ بكل عيب من الحاكم. ثانيها: أن يكون الزوج بالغاً، فلو كان صغيراً أو عجز عن الوطء فلا حق لها في رفعه للقاضي لإثبات عنته، لأنه يحتمل أن يكون ذلك بسبب الصغر، فإذا بلغ وعجز رفع أمره ليمهله سنة كغيره. ثالثها: أن لا ترضى الزوجة بالعنة، فإن علمت بأنه عنين قبل العقد ورضيت به وثبت ذلك العلم ببينة فإن القاضي لا يؤجل، وفاقاً للحنفية، وخلافاً للمالكية. والشافعية الذين يقولون: إن علم المرأة بالعنة قبل الدخول لا يسقط حقها، وإذا علمت بالعنة بعد الدخول وسكتت بدون أن تصرح بالرضا فإنه لا يسقط حقها، أما إذا قالت: رضيت به عنيناً، فلا خيار لها أبداً.
فإن أمهله القاضي سنة، وادعى أنه وطئها في قبلها وكانت ثيباً فأنكرت، فالقول قولها، لأن الأصل عدم الوطء، وقد تأيد ثبوت العنة، فلذا كان القول قولها، وهذا بخلاف ما إذا ادعى الوطء قبل ثبوت العنة وأنكرته، فالقول له مع يمينه، لأن الأصل السلامة، وقد عرفت أنه إن كان للمدعي بينة من أهل المعرفة والثقة عمل بها، كما صرح به في المبدع، ولا أوثق من الطبيبة الثقة، أما إذا كانت بكراً وادعى أنه وطئها في خلال السنة وشهدت ثقة ببقاء بكارتها، كان القول قولها أما إذا شهدت بزوال البكارة كان القول له، فإن قالت: إنه أزالها بغير الوطء، كان عليه في هذه الحالة اليمين، ولا يخفى أن هذه الحالة تعرف بالخبير الثقة، وهي الطبيبة، فيعمل برأيها بناء على ما ذكر والأحوط أن يؤخذ في ذلك برأي طبيبين.
القسم الثاني: يختص بالمرأة، وهو الرتق، والقرن، والعفل، والفتق، وقد عبر عنه المالكية بالإفضاء، وهو اختلاط مسلكي البول والمني، أو اختلاط الدبر بالقبل، ويقال لها - شريم - كما تقدم، والاستحاضة، ويخرج الفرج نتناً يخرج منه بالوطء، أما بخر الفم فهو عيب مشترك كما يأتي، فإذا وجد عيب في المرأة من هذه العيوب كان للرجل طلب الفسخ بدون مهلة ولا ينتظر وقت إمكان الوطء لأن الأصل بقاء المرض بحاله فإذا كانت الزوجة عقلاء، أو قرناء، أو رتقاء وكانت صغيرة، لا ينتظر كبرها، بل له الفسخ في الحال.
القسم الثالث: عيوب مشتركة بين الزوجين، وهي الجنون والجذام والبرص وسلس البول واستطلاق الغائط، أو بعبارة أخرى الإسهال الدائم، ومن باب أولى العذيطة التي يقول بها المالكية، فإن شر من هذا. لأنها عبارة عن التغوط عند الجماع، وقروح سيالة في فرج المرأة. أو ذكر الرجل، ولا يخفى أن السيلان. أو الزهري من هذا، أو هو شر منه والباسور أو الناسور وقراع رأس له رائحة منكره وبخر فم، وأن يكون أحد الزوجين خنثى واضحاً، فإن الخنوثة الواضحة عيب يفسخ به، أما المشكلة فإن العقد يبطل معها.
فأما البرص والجذام والجنون، فإنها تجعل لأحد الزوجين الحق في طلب الفسخ في الحال سواء كان الزوج صغيراً أو كبيراً، وكذلك الزوجة.
ولا فرق في الفسخ بعيب من العيوب المذكورة جميعاً بين أن تكون موجودة قبل العقد أو حدثت بعده، كما لا فرق فيها بين أن يكون قبل الدخول أو بعده، ولكن يشترط في ثبوت حق الفسخ بها كلها عدم الرضا، فإن رضي أحدهما بالعيب صريحاً بأن قال: رضيت، أو ضمناً بان مكن من نفسه، فلا خيار له، ولا يشترط أن يكون أحدهما خالياً من العيب، كما يقول الشافعية والمالكية خلافاً للحنفية، ثم إن كان الفسخ قبل الدخول، فلا مهر لها، سواء كان الفسخ منه، أو منها. وذلك لأن طلب الفسخ إن كان منها كانت الفرقة منسوبة إليها فلا تستحق مهراً، وإن كان منه كانت الفرقة منسوبة إليها لسبب العيب الذي دلسته عليه فكأنه منها. وقد يقال: إنه إذا كان منها العيب في الرجل أنه دلس عليها العيب فكان منسوباً إليه، مثل ما إذا كان العيب بها ودلسته عليه.
وإن كان الفسخ بعد الدخول أو الخلوة فلها المهر المسمى في العقد سواء كان الفسخ منها أو منه وذلك لأن الصداق عندهم يتقرر بالخلوة. والقبلة، والنظر بشهوة، وغير ذلك فلا يسقط ومثل ذلك ما لو مات أحدهما قبل الدخول، وللزوج الحق في الرجوع بالمهر على من غره فأوقعه في الزواج بالمعيبة إذا كان بعد الدخول، أو الخلوة ونحوها، أما قبل الدخول فلا مهر، وأما بعد موت أحدهما فلا رجوع له.
وإذا زوج الولي الصغيرة، أو المجنونة بمعيب. فإن علم به وقت العقد بطل العقد وإن لم يعلم صح العقد. وله حق الفسخ.
وإذا زوجت الكبيرة بمجنون أو أجذم أو أبرص ورضيت به كان للولي حق الاعتراض وطلب الفسخ، لأن ذلك يرجع إلى الكفاءة خصوصاً أن فيه ضرراً يخشى أن يتعدى إلى الولد وإلى الأسرة، أما إذا رضيت بالعنين. والمجبوب والخصي فلا حق للولي في الاعتراض لأن الوطء من حق المرأة دون غيرها وهي رضيت أن تعيش بدونه فلا إكراه لها كما يقول الشافعية في الحالتين، وإذا حدث العيب بعد العقد فلا حق للولي مطلقاً، لأنه حق للولي في ابتداء العقد لا في دوامه).