إذا عجز الزوج عن دفع الصداق
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
محتويات
- مبحث إذا عجز الزوج عن دفع الصداق
- إذا عجز الزوج عن دفع الصداق عند الحنفية
- إذا عجز الزوج عن دفع الصداق عند المالكية
- إذا عجز الزوج عن دفع الصداق عند الشافعية
- إذا عجز الزوج عن دفع الصداق عند الحنابلة
- مبحث للزوج أن يسافر بزوجته
- للزوج أن يسافر بزوجته عند الحنفية
- للزوج أن يسافر بزوجته عند المالكية
- للزوج أن يسافر بزوجته عند الحنابلة
- للزوج أن يسافر بزوجته عند الشافعية
- مبحث اختلاف الزوجين في الصداق
- اختلاف الزوجين في الصداق عند الحنفية
- اختلاف الزوجين في الصداق عند المالكية<
- اختلاف الزوجين في الصداق عند الشافعية
- اختلاف الزوجين في الصداق عند الحنابلة
- مبحث في مهر السر والعلانية وهدية الزوج وجهاز المرأة
- مهر السر والعلانية وهدية الزوج وجهاز المرأة عند الحنفية
- مهر السر والعلانية وهدية الزوج وجهاز المرأة عند المالكية
- مهر السر والعلانية وهدية الزوج وجهاز المرأة عند الحنابلة
- مهر السر والعلانية وهدية الزوج وجهاز المرأة عند الشافعية
- االعودة إلي كتاب النكاح
- االعودة إلي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
مبحث إذا عجز الزوج عن دفع الصداق
إذا عجز الزوج عن دفع مقدم الصداق، كان للزوج الحق في طلب فسخ العقد بشروط مفصلة في المذاهب
إذا عجز الزوج عن دفع الصداق عند الحنفية
(1) (الحنفية - قالوا: إذا عجز الزوج عن دفع المهر، أو النفقة بجميع أنواعها، فلا حق للزوجة في فسخ الزواج بذلك على أي حال، وإنما لها الحق في منع نفسها منه، وعدم التقيد بإذنه في السفر والخروج. ونحو ذلك، مما سيأتي بيانه في النفقات.
إذا عجز الزوج عن دفع الصداق عند المالكية
المالكية - قالوا: إذا طالبته المرأة التي لها حق المطالبة بالصداق الذي يجوز تأخيره، وهو الصداق المضمون في الذمة الذي لم يعين، على ما تقدم بيانه، قبل الدخول بها، فادعى أنه معدم عاجز عن دفع الصداق، فإن ذلك يكون على وجهين:
الوجه الأول: أن تثبت دعواه بالبينة. أو تصديق الزوجة. الوجه الثاني: أن لا تثبت، فإذا رفع الأمر للقاضي وثبت أنه معسر بالبينة. أو بتصديقها فإنه لا يجبر على الدفع، بل ينظر إلى ميسرة، وتحديد الزمن الذي يؤجل فيه موكول لاجتهاد القاضي، فله أن يؤجله سنة. أو أقل. أو أكثر، لا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج ممن يرجى يساره. أو لا على الصحيح. لأن اليسار موكول للظروف، فلا يمكن الجزم بأن هذا لا يرجى له يسار، فإذا عجز بعد ذلك طلق القاضي عليه أو تطلق المرأة نفسها والقاضي يحكم به. وللقاضي أن يحكم بطلاقها من أول جلسة بدون تأجيل على الظاهر، ويشترط في التطليق على المعسر أن يكون قبل الدخول، أما بعد الدخول فلا طلاق على المعسر بالصداق على أي حال، وإذا طلقت كان لها نصف الصداق ترجع به عليه إذا تيسر، وكذا إذا غلب على الظن إعسار الزوج وإن لم يثبت بينة. أو بتصديق الزوجة فإنه ينتظر إلى ميسرة بدون تأجيل لاثبات العسر، لأن غلبة الظن كافية في ثبوت الإعسار.
أما حكم الوجه الثاني: وهو أن لا تصدقه على دعواه الإعسار. ولا بينة له ولم يغلب على الظن إعساره، ففي هذه الحالة يؤجل القاضي الفصل في الدعوى لإثبات عسره، ومدة الأجل موكولة لاجتهاده، وقدرت بثلاثة أسابيع، فإن ثبت عسره انتظر بعد ذلك مدة أخرى يرجى فيها يساره.
وقد عرفت أن تحديدها موكول للقاضي، فإن عجز طلق عليه القاضي، على الوجه السابق ولكن يشترط للتأجيل لإثبات العسر شروط.
الشرط الأول: أن يأتي بضامن - ضمان وجه لا ضمان مال، وهو ما يضمن الشخص خوف هروبه - فإن لم يأت حبس لإثبات عسره.
الشرط الثاني: أن لا يكون له مال ظاهر، فإن كان له أخذ منه حالاً. الشرط الثالث: أن يكون قد أجرى عليها النفقة من وقت مطالبته بالدخول، فإن لم ينفق عليها من ذلك الحين، فلها فسخ العقد لعدم النفقة، مع عدم الصداق على الراجح.
إذا عجز الزوج عن دفع الصداق عند الشافعية
الشافعية - قالوا: إذا عجز الزوج عن دفع المهر بإعساره، فإن صبرت الزوجة عليه فذاك وإلا فلها فسخ الزواج بشروط:
الأول: أن تكون حرة، فلا حق للأمة في الفسخ بإعسار الزوج، بل الحق في ذلك لسيدها إن شاء فسخ. وإن شاء لم يفسخ، وليس له الحق في الفسخ، من أجل الإعسار بالنفقة، كما سيأتي في النفقات.الثاني: أن تكون بالغة، فلا حق للصغيرة في الفسخ، وإنما الحق لوليها، وليس لها الحق في الفسخ بالنفقة، لأن ذلك من اختصاص الزوجة، إذ قد ترضى بالجوع ولا تحب أن تفارق زوجها. الثالث: أن يكون ذلك قبل الوطء، أما إذا مكنته من الوطء باختيارها، فلا حق لها في الفسخ. الرابع: أن يثبت إعساره بإقرار. أو بينة عند قاض، وإلا فلا فسخ إلا إذا كان الزوج غائباً وانقطع خبره ولا مال له حاضر، فإنه يفسخ بدون إمهال لإثبات إعساره. الخامس: لا بد من رفع الأمر إلى القاضي، فلا يصح الفسخ إلا منه. أو من المرأة بإذنه، والقاضي يمهله ثلاثة أيام ليثبت إعساره، وإلا إذا كان غائباً غيبة منقطعة، ولا مال له، كما ذكرنا، فإنه لا يمهل. ثم يفسخ القاضي صبيحة اليوم الرابع، إلا إذا جاء وسلم المهر، وسيأتي لذلك مزيد في النفقات.
إذا عجز الزوج عن دفع الصداق عند الحنابلة
الحنابلة - قالوا: إذا ثبت إعسار الزوج. وعدم قدرته على دفع المهر، فلها فسخ النكاح بشروط: أحدها أن تكون مكلفة، فإذا كانت صغيرة فليس لها ذلك، وكذا ليس لوليها، خلافاً للشافعية، ومثل الصغيرة المجنونة، ثانيها: أن تكون حرة، فإن كانت أمة كان هذا الحق لسيدها: كما يقول الشافعية. ثالثها: أن لا تكون عالمة بعسره، فإن تزوجته وهي عالمة بأنه معسر فلا حق لها في الفسخ. رابعها: أن يصدر الفسخ من الحاكم، فليس للمرأة الفسخ من تلقاء نفسها ولها الحق في الفسخ ولو بعد الدخول الوطء، خلافاً للمالكية، والشافعية).
مبحث للزوج أن يسافر بزوجته
*-للزوج أن يسافر بزوجته من جهة إلى أخرى، إذا كان مأموناً عليها، وكانت الجهة التي يسافر إليها مأمونة، على تفصيل المذاهب (1).
للزوج أن يسافر بزوجته عند الحنفية
(1) (الحنفية - قالوا: اختلفت الفتوى في مسألة سفر الزوج بزوجته، فأفتى بعضهم بأنه ليس له السفر بها مطلقاً، وعلل ذلك بمظنة الضرر الذي يلحق المرأة حال غربتها وبعدها عن أهلها وعشيرتها، وأفتى بعضهم بجواز السفر بها إذا كان مأموناً عليها. وصاحب هذه الفتوى أيدها بكونها ظاهرة الرواية.
وبعضهم قال: أن الأحوال قد تختلف اختلافاً بيناً، فتارة يترتب على السفر بالمرأة إيذاء لها، وتارة يكون السفر مع زوجها لازماً لضروريات الحياة، كما إذا كان موظفاً في جهة بعيدة عن وطنها. أو كان له ملك بعيد لا يثمر إلا بمباشرته. أو نحو ذلك، فإنها إذا لم تسافر معه يتضرر هو لا هي، ولهذا ينبغي أن يترك تقدير ذلك للمفتي، فهو يفتي بحسب تطور الأحوال ومناسبتها.
وإنني أرى الخلاف في ذلك لفظاً، لأن الذي قال: ليس له السفر بها عللّه بالمضرة التي تلحقها، والذي قال: إنه يجوز السفر بها شرطه بأن يكون الرجل مأموناً عليها، يعرف حقوق الزوجية وواجباتها والدفاع عن عرضه، وليس شريراً. ولا فاسد الأخلاق. ولا فاسقاً، وإلا لم يكن مأموناً عليها، ومتى كان كذلك فأي ضرر يلحقها؟ فلا فرق حينئذ بين القولين، ومن قال: إن الأمر موكول للمفتي. أو القاضي، فإنه رأى أن تقدير الحالتين منوط به، فإن وجده غير مأمون ويلحقها ضرر لا يجوز أن يفتي له بالسفر، وإلا جاز، على أن وجود المرأة بين أهلها وعشيرتها لا يصلح مقياساً عاماً، لأننا إذا فرضنا أن المرأة ليس لها أهل وعشيرة في بلدها التي ولدت بها، ولها أهل وعشيرة في بلد بعيدة عنها، كما إذا كانت مولد في مصر وتوفي أبوها، ولها عشيرة في أصوان، فهل يقال: إنه ينبغي أن يعاشرها بين أهلها وعشيرتها في أصوان؟! وذلك كثير، نعم قد قال: إذا كانت في مصر ونقلت إلى قرية فإنها تتضرر بالنقل، لما يترتب على ذلك من اختلاف معيشتها، فتعيش منغصة زمناً طويلاً، لأن الانتقال من المظاهر الجميلة إلى غيرها يشبه أن يكون حبساً، فلذا قالوا: إنه لا ينقلها من المصر إلى قرية إلا إذا كانت ضاحية من ضواحي المصر، ومعنى هذا أنه إذا نقلها إلى بلدة بها حضارة، كالمراكز، المديريات، فلا وجه للاعتراض، على أن الصواب الإفتاء بالسفر مطلقاً من المصر إلى القرية، وبالعكس، ما دام في ذلك مصلحة، وما الزوج مأموناً عليها، والجهة المنقولة إليها مستتب فيها الأمن، أما إذا كان الزوج فاسقاً لا يؤمن على عرضه. أو كان شريراً يؤذيها بيده ولسانه. أو يضيق عليها في الإنفاق، أو نحو ذلك، فإنه لا يصح أن يفتى له بسفرها وليس من المصلحة اتباع الهوى والشهوة، وترك المصلحة الحقيقية التي يترتب عليها سعادة الزوجين والذرية.
للزوج أن يسافر بزوجته عند المالكية
المالكية - قالوا: للزوج أن يسافر بزوجته إلى الجهة التي يريد، سواء دخل بها، أو لم يدخل، ولكن إذا لم يكن قد أعطى لها صداقها، وأراد أن يخرج بها قبل الدخول، فلها منع نفسها من السفر معه حتى يعطيها ما حل من صداقها، إن كان قد دخل بها، فإن كان موسراً، فلها أيضاً منع نفسها حتى يدفع لها معجل صداقها، أما إن كان معدماً لا يملك الصداق، لها أن تمنع نفسها، ويكون الصداق ديناً عليه، هذا إذا دخل بها تمكنه من الوطء، أما إذا مكنته من الوطء، فليس لها أن تمنع نفسها من السفر معه بعد ذلك، سواء وطئها بالفعل، أولا. وسواء كان موسراً، أو معسراً. وهذا هو الظاهر.
وقد صرحوا بأن التمكين من الوطء مثل الوطء، ثم إنما يصح أن يسافر بها إلى بلد أخرى بشروط: أحدهما أن يكون حراً، فلا يمكن العبد من السفر بامرأته، ولو أمة. ثانيها: أن تكون الطريق مأمونة. ثالثاً: أن يكون الرجل مأموناً عليها، رابعها: أن تكون البلد قريبة بحيث لا ينقطع خبر أهلها عنها ولا خبرها عن أهلها، لا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج موسراً أو معسراً.
للزوج أن يسافر بزوجته عند الحنابلة
الحنابلة - قالوا: للزوج السفر بزوجته الحرة إلى الجهة التي يريد بشرط أن يكون مأموناً عليها. وأن تكون الجهة التي يسافر إليها غير مخوفة لم تشترط الزوجة عدم السفر بها، فإن اشترطت فإنه يوفي لها بالشرط. وإن لم يوف لها الشرط كان لها الفسخ.
للزوج أن يسافر بزوجته عند الشافعية
الشافعية - قالوا: للزوج أن يسافر بزوجته متى كان مأموناً عليها، وإذا امتنعت عن السفر معه كانت ناشزاً لا تستحق نفقة ولا غيرها، إلا إذا كانت معذورة لمرض، أو حر، أو برد لا يطيق معهما السفر، أو ضرر يلحقها بالسفر معه، ولو كان سفره معصية. لأنه لم يدعها إلى المعصية وإنما يدعوها لاستيفاء حقه).
مبحث اختلاف الزوجين في الصداق
إذا اختلف الزوجان في الصداق تنازعا، فلا يخلو إما أن يكون الاختلاف في تسمية المهر، بأن يدعي أحدهما أن المهر مسمى، ويدعي الآخر عكسه، أو في قدر المهر، سواء كان نقداً أو مكيلاً، أو موزوناً. بأن قال أحدهما: عشرون، وقال الآخر: عشرة، أو في جنسه، كأن قال أحدهما: جمال، وقال الآخر: حمير، والمراد بالجنس عند الفقهاء الجنس اللغوي. فيشمل النوع لأن الجمال والحمير نوعان للحيوان، وإذا شئت مثالاً لاختلاف الجنس المنطقي فهو أن يقول أحدهما: إن المهر طعام. ويقول الآخر: إنه حيوان. أو اختلفا في صفته. كأن قال أحدهما: هو قمح أسترالي. وقال الآخر: هو قمح هندي. أو اختلفا فيما يستقر به الصداق. كأن قالت الزوجة: إنه خلا بها، أو وطئها. وفي كل هذا تفصيل المذاهب ).
اختلاف الزوجين في الصداق عند الحنفية
(1) (الحنفية - قالوا: الاختلاف في المهر على ثلاثة أحوال: الحال الأول: أن يختلفا في تسمية المهر بأن يدعي أحدهما تسمية المهر. وينكر الآخر. وفي ذلك صور. الصورة الأولى: أن يختلفا وهما على قيد الحياة حال الطلاق بعد الدخول. أو الخلوة. فإذا قال الزوج: سميت لها عشرة جنيهات مثلاً. وقالت هي: لم يسم لي مهراً كلف الزوج الإثبات. فإن عجز حلفت الزوجة بأنه لم يسم لها عشرة. وثبت لها مهر المثل شرط أن لا ينقص عن العشرة التي اعترف بها الزوج. وكذا إذا ادعت هي أنه سمى لها عشرين. وهو أنكر فإنها تكلف الإثبات. فإذا عجزت حلف الرجل بأنه لم يسم لها عشرين. فإن حلف ثبت لها مهر المثل. بشرط أن لا يزيد على العشرين التي ادعتها. وإن نكلت عن اليمين في الصورة الأولى. أو نكل هو عن اليمين في الثانية ثبت ما ادعاه أحدهما.
فإن قلت: إن المنقول عن أبي حنيفة أن المنكر لا يحلف في النكاح، ومقتضى هذا أنه متى عجز المدعي عن الإثبات ثبت حق المنكر بدون يمينه. والجواب: أن أبا حنيفة قال: لا يحلف المنكر في أصل النكاح، سواء كان المراد به العقد، أو الوطء. أما الذي هنا فهو خلاف في المهر وهو مال فيه الحلف بالإجماع.
الصورة الثانية: أن يختلفا في حياتهما حال الطلاق قبل الدخول، أو الخلوة. وفي هذه الصورة إذا ثبت أن المرأة لم يسم لها صداق بأن عجزت عن إثبات التسمية وحلف أنه لم يسم لها شيئاً لم يكن لها سوى متعة المثل، وقد تقدم بيانها.
الصورة الثالثة: أن يقع الخلاف بعد موت أحدهما، فإذا ماتت هي وادعى الزوج أنه سمى لها عشرة، وأنكر الوارث كلف المدعي الإثبات، فإن عجز حلف الوارث، وثبت لها مهر المثل، كما هو الحال في الطلاق بعد الدخول، وكذا إذا مات الزوج وادعت هي التسمية.
الصورة الرابعة: أن يموتا معاً، ويختلف الورثة في التسمية، وفي هذه الصورة رأيان: أحدهما: قول أبي حنيفة، وهو - أن القول لمنكر التسمية، ولا يقضي لها بشيء - الثاني: قول صاحبيه، وهو - أنه يقضى لها بمهر المثل - قالوا: وعليه الفتوى.
الحال الثاني: أن يختلفا في قدر الصداق إذا كان ديناً موصوفاً في الذمة، سواء كان نقداً من ذهب. أو فضة. دراهم. أو دنانير. أو جنيهات. أو نحو ذلك. أو كان مكيلاً أو موزوناً. أو معدوداً، فمثال الاختلاف في النقد أن يقول الزوج: أن المهر ألف، وتقول الزوجة: أنه ألفان، ومثال الاختلاف في الموزون أن يقول: إن المهر عشرون قنطاراً من عسل النحل المصفى، وتقول هي: إنه ثلاثون، ومثال الاختلاف في المعدود أن يقول: تزوجتك على عشرين إردَبّاً من القمح البعلي، وتقول هي على ثلاثين، ومثال الاختلاف في المعدود أن يقول: تزوجتك على ألفين من الرمان، وتقول هي: بل على أربعة آلاف، وهذا، وحكم الاختلاف في قدر المهر في كل هذه الأمور واحد، وفي هذا الحال الثاني صور:
الصورة الأولى: أن يقع الخلف بينهما حال قيام الزوجية، سواء دخل بها أو لم يدخل.
الصورة الثانية: أن يقع الخلف بينهما بعد الطلاق والدخول، وحكم هاتين الصورتين واحد، فإذا اختلفا قدر النقد، كأن قال: تزوجتها على مهر قدره ألف وهي قالت: قدره ألفين. فإن لذلك ثلاثة أحوال: الأول أن يكون مهر المثل موافقاً لقولها. الثاني: أن يكون موافقاً لقوله. الثالث: أن لا يكون موافقاً لقول واحد منهما، بل ألفاً وخمسمائة، وقد عرفت أنها تقول: ألفين، وهو يقول: ألف، وحكم الأول، وهو - ما إذا كان مهر المثل موافقاً لقولها - أن القول يكون لها بعد أن تحلف اليمين، بمعنى أنها تحلف أنه ما تزوجها على ألف، كما يدعي، وتستحق الألفين، فإن نكلت عن اليمين كان لها الألف التي ادعاها، فإن أقامت بينة على دعواها قبلت منها وقضي لها بها، وإن أقام هو بينة على دعواه الألف فقط قبلت منه أيضاً، ولكن في هذه الحالة تقدم بينة الزوج على بينتها، وذلك لأن الظاهر معها، وهو أن مهر مثلها موافق لدعواها، والزوج يريد أن يثبت خلاف الظاهر وأنها رضيت بالألف التي هي دون مثلها. فتتقدم ببينة، وحكم الثاني وهو - ما إذا كان مهر المثل موفقاً لقوله - أن القول قوله بيمنه بأن يحلف ما تزوجها على ألفين، ويقضى لها بالألف، فإن نكل عن اليمين قضي لها بالألفين، وأيهما جاء ببينه تسمع. إلا أن بينتها في هذه الحالة تقدم على بينته. عكس الأولى، لأن الظاهر مع الزوج، والبينة تثبت خلاف الظاهر، وحكم الثالث، هو - ما إذا كان صداق مثلها مخالفاً لهما معاً، كأن كان ألفاً وخمسمائة - أنهما يتحالفان. بأن يحلف كل منهما، فيحلف الزوج أنه ما تزوجها على ألفين، وتحلف هي أنه ما تزوجها على ألف بل ألفين، فأيهما نكل عن اليمين لزمته دعوى الآخر، وقيل: إن نكل الزوج لزمته ألف وخمسمائة. وهو صداق المثل. والأول أظهر، وإن حلفا معاً قضي بمهر المثل، وهو ألف وخمسمائة، وإذا أقام أحدهما بينه على دعواه قبلت فإن أقام كل منهما بينه شهدت له قضي بمهر المثل، وهو ألف وخمسمائة.
وحاصل ذلك أنه إذا لم تكن لأحدهما بينة تثبت دعواه تحالفا، فإن حلف أحدهما، ونكل الآخر قضى بدعوى الحالف. وإن حلفا معاً قضي بمهر المثل، وإن أقاما بينة معاً قضي بمهر المثل.
ويجري هذا التفصيل بعينه فيما إذا اختلف في عين مكيلة. أو موزونة. أو معدودة.
الصورة الثالثة: أن يختلفا بعد الطلاق وقبل الدخول، وفي هذه الحالة لا يخلو إما أن يكون الصداق المختلف فيه معيناً حاضراً، كهذا الحيوان، وأما أن يكون ديناً موصوفاً في الذمة كالنقود. والمكيلات، والمعدودات والموزونات التي تقدم ذكرها، فإن كان معيناً ورضي الزوج بإعطائها نصفه فذاك، وإلا فلها المتعة اللائقة بها - بدون تحكيم - متعة المثل، وإن كان ديناً فلها المتعة - بتحكيم - متعة المثل، هذا إذا لم تستطع إثبات دعواها بالبينة، وإلا فلها نصف الصداق الذي تثته.
الصورة الرابعة: أن يموت أحدهما ويقع الخلاف بين الآخر والوارث في الصداق، وحكم هذا حكم الاختلاف في حال الحياة بلا فرق.
الصورة الخامسة: أن يموت الزوجان، ويقع بين الخلاف بين الورثة في مقدار المسمى، وحكم هذه الصورة أن القول لورثة الزوج.
الحال الثالث: أن يختلفا في جنس المسمى، كأن يقول: تزوجتك على عشرين إردَبّاً من الشعير، وهي تقول: بل من القمح، أو يقول: تزوجتك على هذا الثور، وهي تقول: بل على هذه البقرة الحلوب. أو نحو هذا.
الحال الرابع: أن يختلفا في وصفه، كأن يقول: إنه قمح غير جيد، وهي تقول: إنه جيد، أو يختلفا في نوعه، كأن تقول: قمح بعلي، وهو يقول: أسترالي، وفي هذه الحالة إذا كان الصداق معيناً، كهذا الثوب. أو هذه الصبرة من القمح، واختلفا، وقالت: تزوجتك على هذا الثوب بشرط أنه عشرون ذراعاً، ولكنه نقص، أو على هذه الصبرة من القمح بشرط أن تكون من القمح البعلي، فإن القول في هذه الحالة للزوج بدون يمين. أو تحكيم مهر المثل بالإجماع، أما إذا كان الصادق ديناً موصوفاً في الذمة، فالاختلاف في جنسه أو نوعه أو صفته يكون حكمه حكم الاختلاف في أصله.
اختلاف الزوجين في الصداق عند المالكية
المالكية - قالوا: التنازع في الصداق له ثلاثة أحوال.
الأول: أن يختلفا قبل الدخول. وقبل الفراق بطلاق. أو موت، وفيه ثلاثة صور:
الصورة الأولى: أن يختلفا في قدر المهر، ولا إثبات مع أحدهما، كأن يقول: عشرة، وتقول هي عشرين.
الصورة الثانية: أن يختلفا في صفته، بأن يقول أحدهما: جنيهات مصرية، ويقول الآخر: بل هي جنيهات - وبنتو - مثلاً، أو يقول أحدهما: قمح بعلي، ويقول الآخر: قمح هندي. وحكم هاتين الصورتين واحد، وهو أنهما يحلفان، فكل يحلف على ما ادعاه إن كانا رشيدين، وإلا حلف الولي، وبعد ذلك يفسخ النكاح بطلاق، ويقع ظاهراً، وباطناً، وكذا إذا نكلا معاً، فإنه يفسخ العقد بطلاق، أما إذا حلف أحدهما، ونكل الآخر، فإنه يقضى بدعوى الحالف، وتبدأ بالحلف الزوجة، هذا إذا كانت دعوى كل واحد منهما في القدر أو الوصف تشبه المعتاد المتعارف بين أهل بلديهما، أما إذا كانت دعوى أحدهما تشبه المتعارف، والآخر لا تشبه، فالقول لمن أشبه بيمينه، فإن نكل بعد توجيه اليمين عليه، حلف الآخر، ويقضى لمن حلف، ولا يفسخ.
الصورة الثالثة: أن يختلفا في الجنس، والمراد بالجنس الجنس اللغوي الذي يشمل النوع ومثال الأول أن يقول: تزوجتها على قمح، وهي تقول: بل تزوجني على خيل، ومثال الثاني أن يقول: تزوجتها على شياه، وهي تقول: بل تزوجني على نياق، فإن جنس النياق، والشياه واحد وهو الحيوان، ولكن النوع مختلف، فهما نوعان منطقيان، وجنسان لغويان، فإذا اختلفا في الجنس قبل الدخول فسخ النكاح مطلقاً، لا فرق في ذلك بين أن يحلفا معاً، أو يحلف أحدهما. أو يمتنعا عن الحلف. أو يشبها معاً. أو يشبه أحدهما الآخر، ما لم يرض أحدهما بقول الآخر، فإنه لا فسخ مع الرضا.
الحال الثاني: أن يختلفا بعد الدخول، وهما على قيد الحياة، سواء كان ذلك بعد الطلاق. أو قبله، وتحته صورتان:
الصورة الأولى: أن يختلفا في قدر الصداق. أو صفته، وليس مع أحدهما ما يثبت دعواه، وحكم هذه الصورة أن القول للزوج بيمينه، فإن نكل حلفت هي، وقضي بقولها، فإن نكلت أيضاً قضي له، ويعمل في هذه الصورة بقول الزوج، وإن لم يشبه المعتاد عند أهل البلد، وذلك لترجح قوله بتمكينها له من نفسها، خلافاً لمن قال: يعمل بقوله إن أشبه.
الصورة الثانية: أن يختلفا في جنس الصداق، وفي هذه الحالة يحلفان، فإن حلف أحدهما، ونكل الآخر قضي للحالف، وإن حلفا معاً. أو نكلا معاً لزم الزوج مهر المثل جميعه في هذه الحالة، لأن المفروض أنه دخل بها.
وحاصل هذه المسألة أن الخلاف في الجنس قبل الدخول. وقبل الطلاق. والموت يوجب فسخ النكاح مطلقاً، سواء حلفا أو حلف أحدهما، أو نكلا، وسواء أشبه قولهما، أو قول أحدهما أو لم يشبه، أما بعد الدخول فإنه يجب مهر المثل، على ما هو مبين، وأن الاختلاف في القدر والصفة قبل الدخول يوجب صدق قول من انفرد منهما، يكون قوله مشبهاً للمتعارف بيمينه، فإن أشبها معاً أو لم يشبها حلفا، وفسخ النكاح ما لم يرض واحد منهما، وان الاختلاف في القدر. أو الصفة بعد الدخول يوجب صدق الزوج بيمينه، ويشترط أن يكون مهر المثل مساوياً لما ادعته، فإن كان أكثر أعطيت ما ادعت. وكذا أن لا يكون أقل مما ادعاه الزوج.
الحال الثالث: أن يختلفا بعد الطلاق. أو يموت أحدهما، ويختلف الآخر مع الوارث. أو يموتا معاً ويقع النزاع بين الورثة، وحكم هذه الحالة كحكم الاختلاف بعد البناء، إلا أنه إذا كان النزاع بعد الطلاق قبل الدخول في الجنس، وتحالفا، فحلفا أو نكلا، وجب نصف مهر المثل لا جميعه.
هذا، ومتى رد الزوج مهر المثل ثبت النكاح حسناً حال الدخول، وحكماً حال الطلاق والموت بمعنى أن أحكامه ثبتت من إرث وغيرهما هو المعتمد.
اختلاف الزوجين في الصداق عند الشافعية
الشافعية - قالوا: الاختلاف بين الزوجين. أو بين الزوج والولي. أو بين الوليين أو بين وكيل أحدهما أو بين وكيليهما أو بين أحد هؤلاء وبين الورثة إذا مات الآخر أو بين ورثتهما إذا ماتا معاً يكون على وجوه. أحدهما: أن يختلفا في أصل التسمية، كأن تدعي أنه لم يسم لها صداقاً، وهو ينكر ويدعي أنه قد سمى.
ثانيها: أن يختلفا في قدره، كأن تقول: تزوجني على مائة، وهو يقول: على خمسين.
ثالثها: أن يختلفا في جنسه، كأن تقول: تزوجني بمائة جنيه، وهو يقول: بمائة ريال.
رابعها: أن يختلفا في صفته، كأن تقول: تزوجني على عشرين إردَبّاً من القمح الجيد، وهو يقول: تزوجتها على عشرين رديئة، أو يختلفا في حلوله وتأجيله، كأن يقول: تزوجتها على مائة مؤجلة، وهي تقول: بل معجلة، وحكم هذه الصور جميعها واحد، سواء كان قبل الوطء، أو بعده، وهو أنه إذا وقع النزاع في صورة من هذه الصور، ولم يكن لأحدهما بينة تثبت مدعاه، أو كان لكل منهما بينة، ولكن تناقضتا، كأن أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى، أو أطلقتا ولم تؤرخا، فإنه يجب أن يتحالفا، ويبدأ بالزوج. فإن نكل أحدهما قضي للآخر بدعواه.
وكيفية حلف الزوجين البالغين الرشيدين أن يحلفا على مدعاهما بطريق القطع، بأن تقول: واللّه ما تزوجني بمائة بل بمائتين، وهو يقول: واللّه ما تزوجتها بمائتين بل بمائة. أما الصغيرة، أو المجنونة فيحلف عنها وليها بطريق الجزم أيضاً، فإذا بلغت الصغيرة، أو برئت المجنونة، قبل الحلف حلفتاهما دون الولي، وإذا وقع الخلاف بين الولي وبين الزوج، وكانت الزوجة بكراً بالغة حلفت الزوجة دون الولي لأن المهر عائد إليها.
وكيفية حلف الوارث أن يحلف على نفي العلم، بأن يقول وارثه: واللّه لا أعلم أن مورثي تزوجها بخمسمائة كما تدعي، بل تزوجها بمائتين، ويقول وارثها: واللّه لا أعلم أن مورثتي تزوجها بمائتين كما يدعي، بل بخمسمائة. ): -
إذا اختلف الزوجان في الصداق تنازعا، فلا يخلو إما أن يكون الاختلا
وكيفية حلف الولي أن يحلف بأن عقده وقع على خمسمائة لا على مائتين، فهو يحلف على الفعل الصادر منه، ويثبت المهر للزوجة ضمناً فلا يرد لأن الشخص لا يستحق شيئاً بيمين غيره فكيف تستحق المهر بيمين وليها؟! والجواب أنه لم يحلف على أن موليته تستحق المهر، وإنما يحلف على أنه عقد بمهر كذا، فهو حلف على الفعل لا على الاستحقاق، فإن نكل الولي عن الحلف، وحلف الزوج، فهل يقضى للزوج بيمينه. أو ينتظر بلوغ الصغيرة لتحلف. أو تنكل؟ وجهان، ورجح الثاني، وهو انتظار بلوغ الصغيرة.
فإن قلت: هل تحلف الصغيرة على نفي العلم، أو تحلف على ثبوت دعواها، ونفي دعوى الزوج جزماً؟ الجواب: أن في هذه المسألة وجهين أيضاً، والمناسب أن تحلف على نفي العلم، بأن تقول: واللّه لا أعلم أن وليي زوجني بمائة بل بمائتين، لأنها في الواقع لم تشهد الحال، ولم تستأذن فلا يسعها أن تحلف جازمة، وهذا بخلاف ما إذا كانت بكراً بالغة، ووقوع الحلف بين الزوج والولي، فإنها تحلف على الدعوى بطريق الجزم والقطع، لأن العقد إن كان قد باشره الولي، ولكن بعد استئذانها، فهي مشاهدة للحال.
والحاصل أن الزوجين البالغين يحلفان على أصل الدعوى بطريق القطع، والولي يحلف على فعل نفسه.
وفي كيفية حلف الصغيرة. والمجنونة بعد البلوغ والإفاقة قولان: فبعضهم يقول: إنهما يحلفان بطريق الجزم لا بنفي العلم، وبعضهم يقول: بل يحلفان بنفي العلم، والرأي الثاني لجمع من المتقدمين وهو الظاهر المناسب.
ثم بعد عجز أحد المتنازعين عن إثبات دعواه وتحالفهما يفسخ المهر المسمى ويثبت للزوجة مهر مثلها في حالة ما إذا كان النزاع في تسمية المهر، ولها جميعه إن وقع الخلاف بعد الوطء ونصفه إن كان قبله فإن كان النزاع في قدر المهر، كأن ادعت أنه مائة، وهو ادعى أنه تسعون مثلاً، كان لها مهر مثلها، ولو زاد على ما ادعته بأن كان مائة وخمسين.
وإذا وقع النزاع بين الزوج، وبين الولي في قدر الصداق، كأن قال الولي: هو مائتان، وقال الزوج هو مائة وخمسون، وكان مهر المثل يساوي مائتين وخمسين، فقيل: يتحالفان وجوباً، فإن نكل الزوج حلف الولي ويقضى له بدعواه، وقيل: يقضى بمهر المثل، والتحقيق أن للولي تحليف الزوج، إذ ربما ينكل، فيحلف الولي وتثبت دعواه، فإن ادعى الزوج قدراً مساوياً لمهر المثل، فإن كان مساوياً لقول الولي، فالأمر ظاهر، لأنه يوافق المسمى وتنقطع الخصومة، وإن كان أقل من المسمى رجعت المسألة إلى أن للولي الحق في تحليفه لعله ينكل، فتثبت الزيادة التي في المسمى.
اختلاف الزوجين في الصداق عند الحنابلة
الحنابلة - قالوا: إذا اختلف الزوجان. أو ورثتهما بعد موتهما. أو زوج الصغيرة ووليها في قدر الصداق، كأن قال: مائة، وقالت: مائتان، أو في عين الصداق، كأن قالت: صداقي هو هذا الثوب، وقال: بل هذا الثوب الآخر. أو في جنسه بأن قال: تزوجتها على إبل: وقالت بل على خيل، أو قال: على قمح وقالت: على ذهب، أو صفته، أو اختلفا فيما يستقر به الصداق من الدخول، والخلوة، والقبلة، والمس والنظر بشهوة، كما تقدم، فادعت الدخول، وأنكر، فإذا لم يكن لأحدهما ما يثبت دعواه كان القول للزوج أو وارثه بيمينه. وذلك لأنه منكر، فلو اختلفا في عين الصداق بأن ادعت أن صداقها هذا الحيوان وهو قال لها: بل هذا الحيوان فقد أنكر الزوج دعواها في عين الصداق، والقول للمنكر بيمينه، وكذا إذا اختلفا في صفته، كأن قالت: تزوجني على قمح هندي، وقال: بل على قمح مصري، فإنه أنكر دعواها، بأن صداقها هو القمح الهندي وكذا إذا اختلفا في الجنس، كأن ادعت أنه تزوجها على كذا من البر، فأنكر وقال: إنه كذا من الشعير، وهكذا، فهو منكر والأصل براءة ذمته من شيء لم يقر به، ولا بينة عليه، فهو منكر غير مقر، ولا بينة، فلا يلزمه إلا اليمين، فإذا نكل قضي لها، وإذا حلف قضي له بقوله أما إذا اختلفا في قبض الصداق بأن ادعى الزوج أنها قبضت الصداق، وأنكرت كان القول لها بيمينها. أو لوارثها إن كانت ميتة، ومثل ذلك ما إذا اختلفا على تسمية المهر بأن ادعى أنه قد سمى لها مائة، وأنكرت لتتوصل بذلك إلى مهر مثلها الزائد عن المائة، وبلا بينة، كان القول قولها بيمينها، فيقضى لها بمهر المثل، ولا فرق في ذلك كله بين أن يختلفا قبل الدخول. أو بعده، قبل الطلاق أو بعده، لأن المدار في الفصل بينهما إما على البينة إن وجدت، وإلا فعلى الزوج في بعض الأحوال بأن يكون القول قوله بيمينه، وعلى الزوجة في البعض الآخر، وهو أن يكون القول قولها بيمينها).
مبحث في مهر السر والعلانية وهدية الزوج وجهاز المرأة
جرت عادة بعض الناس أن يتفقوا على مهر قليل سراً، ويعلنون في العقد مهراً كبيراً، كما جرت العادة بأن يهدي الزوج إلى المرأة بعد العقد وتسمية الصداق هدايا تناسب حالها، وقد يسميها بعض الناس نفقة، وكذا جرت العادة بأن المرأة تدخل بجهاز يناسب حالها، فهل يعتبر عند التنازع مهر السر. أو مهر العلانية؟ وهل تلحق الهدية بالمهر أو لا؟ وهل للزوج أن يطلب بالجهاز. أو لا؟ في ذلك تفصل المذاهب (1).
مهر السر والعلانية وهدية الزوج وجهاز المرأة عند الحنفية
(1) (الحنفية - قالوا: في سرية الصداق. وعلانيته وجهان:
الوجه الأول: أن يتفقا على قدر المهر في السر من غير عقد، ثم يتعاقدان على مهر أكثر منه في الجهر، وفي هذا الوجه صور:
الصورة الأولى: أن تكون الزيادة التي زادت في العقد من جنس المهر الذي اتفقا عليه في السر، فإن اتفقا على ذلك بعد العقد، فالمظهر هو الذي اتفقا عليه بدون عقد وأن تنازعا كان المهر هو المذكور في العقد ما لم يبرهن الزوج على أنه مهر سمعة. الصورة الثانية: أن تكون الزيادة من جنس المهر، وفي هذه الحالة إن اتفقا على أن الزيادة التي في العقد للسمعة، فإن كان ما اتفقا على تسميته يساوي مهر المثل فذاك، وإلا لزم مهر المثل.
الصورة الثالثة: أن يتفقا في السر على أن مهرها مائة جنيه مثلاً، ويتعاقدان على أن لا مهر خوفاً من ضريبة ونحوها، وفي هذه الحالة يكون المهر ما اتفقا عليه.
الوجه الثاني: أن يعقدا في السر على مهر، ثم يعقدا في العلانية على مهر آخر، مثال ذلك أن يعقدا في السر على مائة جنيه، ثم يعقدا في العلانية على مائتين. أو يقرا بأن الصداق مائتان بدون عقد وفي هذه الحالة إن اتفقا أو أشهدا على ما وقع كان المهر المعتبر هو الذي وقع عليه العقد في السر، وإن تنازعا، ففي المسألة خلاف، وهو أن الصاحبين يقولان، إن المهر هو الذي جرى عليه العقد الأول، وأبا حنيفة يقول: إن اختلاف الجنس وجب ما سماه في الأول. وفي الثاني، على أن الثاني يعتبر زيادة على الأول، فإذا عقد في الأول على مائة ريال، وعقد في الثاني على مائة جنيه اعتبر الجميع صداقاً، وأن الثاني زيادة زادها الزوج، وإذا اتحد الجنس يعتبر الثاني هو المهر فقط مع زيادة عن الأول. مثلاً إذا عقدا في السر على مائة جنيه، وعقدا في العلانية. أو - أقرا بدون عقد - على مائتين كان المهر هو المائتين، لأن الجنس وهو الجنيهات، واحد وتعتبر المائة التي زيدت في العقد الثاني من باب الزيادة على المهر.
وأما ما جرت العادة من الهدية، فإن لها تفصيلاً، وهو أنها إما أن تكون من المأكولات التي تستهلك عادة، كالفاكهة. والسمك. واللحم، وإما تكون من الأعيان التي تدخر، كالسمن والعسل والشاة الحية. وإما أن تكون من الأشياء التي لا تؤكل، ولكن تستعمل عادة في شؤون الزوجة، كالشمع والحناء، وإما أن تكون كسوة ونقوداً منحت في العيد ونحوه فإن كان من النوع الأول، وزعم الزوج أنه محسوب من الصداق وقالت الزوجة: إنه هدية كان القول لها دونه بلا كلام، لأن هذه الأشياء لم تجر العادة بكونها صداقاً، وأما غير المأكولات المستهلكة، فالذي ينبغي أن يتبع فيها ما حققه الكمال، وهو النظر إلى العرف وقد جرى العرف في زماننا على أن كل هذه الأشياء هدية لا مهر، فإذا زعم الزوج أنها مهر ولا بينة له، فالقول فيها للزوجة بيمينها، ومثل ذلك ما يسمونه في زماننا - بالشبكة - وهو أسورة أو خاتم ومعه حلوى أو ثياب منقوشة أو نحو ذلك فإن العرف قد جرى على أنها ليست من الصداق، بل هي مقدمة تهدى للزوجة كي لا تقبل خاطباً آخر، فإذا ادعى الزوج أنها محسوبة من الصداق ولا بينة له على ذلك كان القول للزوجة بيمينها.
وبالجملة فالحكم في مثل هذه الحالة العرف والعادة، ويعضهم يقول: إن القول قول الزوجة في المأكول المستهلك عادة، كالفاكهة واللحم والسمك. أما في غير ذلك مما ذكر فالقول للزوج بيمينه عند عدم الإثبات، فإن حلف الزوج وكانت الهدية باقية، فللزوجة أن ترجعها وتأخذ مهرها، وإن كانت قد استهلكت حسبت قيمتها وطرحت من المهر، وإن كانت تساوي المهر كله، فلا يرجع واحد منها بشيء، والذي ينبغي أن يعمل به في زماننا هو الرأي الأول، وهو النظر إلى العرف، فإن كان جارياً على أن الهدايا غير المهر عمل به، وكان فيه القول للزوجة عند عدم الإثبات.
أما مسألة الجهاز فإن الصحيح الذي لا ريب فيه أن كل شيء يذكر مهراً ويقع التعاقد عليه بصفته مهراً فإنه لا مقابل له إلا نفس الزوجة دون شيء آخر مهما كان كثيراً فإذا تزوجها على ألف جنيه مهراً وكانت العادة أن مثل هذا المهر يقابل بجهاز كبير يليق بحالهما، ولكنها لم تفعل فإنه لا حق للزوج في مطالبتها بالجهاز، وإذا جاءت بجهاز كان ملكاً لها لا حق للزوج فيه، أما إذا تعاقد على مهر، ثم أعطى لها مبلغاً آخر تجهز به نفسها فأخذته ودخلت له بدون جهاز. فإن سكت زمناً يدل على رضاه فقد سقط حقه في المطالبة، وإلا كان له الحق في المطالبة، لأنه لم يتبرع لها، وإنما أعطاها لعمل ما هو واجب عليه، فإنه يجب على الرجل أن يعد للمرأة محلاً يشتمل على حاجيات المعيشة.
وإذا جهز الأب ابنته من ماله واستلمته، فلا حق له ولا لورثته في الرجوع عليها ما دام العرف يقتضي أن الأب يجهز بنته، وكذا لو اشتراه لها في صغرها، فإنه يصير ملكاً لها فإذا تنازعا، ولا بينة لأحدهما، وقال الأب: إنما دفعته لها عارية، وقالت: هو تمليك، أو قال الزوج بعد موتها، إنه ملكها ليرث منه، فإن المعتمد الذي عليه الفتوى أن القول للزوجة، ولزوجها بعد موتها لا للأب ما دام العرف جارياً على أن الأب يدفع لابنته مثل هذا الذي تنازعا فيه جهازاً لا عارية، ولا يقال: إن في هذا اعترافاً بملكية الأب، وانتقال الملكية إليها يحتاج إلى دليل، لأنا نقول: إن الجهاز ومتاع البيت يكتفي فيه بالظاهر.
وإذا أعطت الأم لابنتها أشياء من أثاث منزلها المملوكة للأب وسكت الأب صارت جهازاً للبنت لا يصح له استردادها.
وإذا أعطى الزوج لأهل الزوجة شيئاً لأجل أن يبادروا بتمكينه من زوجته، فإن له الحق في استرداده لأنه رشوة.
خاتمة: إذا أنفق الرجل على معتدة الغير ليتزوج بها بعد انقضاء عدتها، فإنه وإن كان لا يجوز إلا أن في حكمه أقوالاً، والذي اعتمده المحققون أنه إن شرط التزوج بها وتزوجت بغيره رجع عليها بما أنفقه، وإن لم يشترط، فقيل: يرجع، وقيل: لا يرجع، والوجه أنه يرجع، لأنه إذا علم في العادة أنها إن لم تتزوجه لا ينفق عليها كان ذلك بمنزلة الشرط، وقيل: له حق الرجوع عليها مطلقاً، لأن ذلك بمنزلة الرشوة، سواء شرط التزوج بها، أو لا.
مهر السر والعلانية وهدية الزوج وجهاز المرأة عند المالكية
المالكية - قالوا: إذا اتفق الزوجان، أو الزوج والولي على صداق في السر، وأظهرا في العلانية صداقاً يخالفه، فإن المعتبر ما اتفقا عليه في السر، سواء كان شهود العلانية هم بعينهم شهود السر، أو غيرهم. إلا أن بعض المالكية يشترط ضرورة إخبار شهود السر بما وقع في العلانية ليكون عندهم علم بالحقيقة، فإذا تنازعا، وادعت المرأة على الرجل أنه رجع عن مهر السر واتفقا على أن يكون المهر هو مهر العلانية، وأنكر الزوج دعواها كان لها أن تحلفه على دعواها حيث لا بينة، فإن حلف عمل بصداق السر، وإن نكل حلفت المرأة، فإن حلفت عمل بصداق العلانية، وإن نكلت عمل بصداق السر، فإن شهدت البينة بأن صداق العلانية لا أصل له. وإنما هو أمر ظاهري، والمعتبر إنما هو صداق السر عمل بالبينة، وإن اتفقا على عكس ذلك، بأن اتفقا على أن مهر السر أكثر من مهر العلانية بسبب الخوف من ضريبة أو نحو ذلك صح وعمل بالاتفاق فإن تنازعا، وادعى الزوج أن المهر هو المعلن أخيراً، وأنكرت، ولا بينة تحالفا على الوجه المتقدم.
أما الهدية فلها تسع صور، وذلك لأنه إما أن يهديها للزوجة، أو لوليها، أو لأجنبي. وعلى كل إما أن تكون قبل العقد أو معه أو بعده، فالتي أهديت قبل العقد. أو معه سواء كانت بشرط صريح. أو بلا شرط - لأنها في هذه الحالة تكون مشترطة حكماً - فإنها تكون ملحقة بالصداق سواء أهديت للزوجة أو لوليها أو لغيرهما، فإذا طلقها قبل البناء بها كان للزوجة نصفها وللزوج نصف الآخر، كما هو الحال في أصل الصداق وفي هذه الحالة إذا كانت الهدية لغير الزوجة كان لها الحق في أخذ نصفها من ذلك الغير. أو من الزوج، لأن الهدية أصبحت بالشرط مهراً، كما أن للزوج الحق في أخذ نصفه الذي يستحقه ممن أهداه، ولا يرجع على الزوجة بشيء لأنه هو الذي أهدى.
فإذا هلكت الهدية وهي بيد أمين غير الزوجة. أو الزوج وشهدت البينة، بهلاكها، سواء كانت من الأشياء التي يمكن إخفاؤها، كالأسورة، والثياب، أو لا، كالبقرة والجمل. أو لم تشهد بينة بهلاكها، وكانت من الأشياء المذكورة التي لا يمكن دعوى هلاكها مع سلامتها وطلقها قبل البناء فضمانها عليهما فلا يرجع أحدهما على صاحبه بشيء، فإذا طلقها بعد البناء، وهلكت الهدية وهي في يد أمين وشهدت بذلك، أو كانت الهدية مما لا يمكن إخفاؤه، ولو لم تشهد الشهود فقد هلكت عليها، وكذا إذا ماتت هي، أو الزوج فإن الهدية كلها تهلك على الزوجة لأنها تستحقها كلها بالموت والدخول، وكذا إذا فسخ العقد قبل الدخول، فإنها تهلك كلها على الزوج، لأنه في هذه الحالة يستحقها كلها.
أما إذا كانت بيد الزوج أو بيد الزوجة، وهلكت، ولم تسهد بينة بهلاكها، أو كانت من الأشياء التي لا يمكن إخفاؤها ولا تحتاج لبينة، فإن ضمانها يكون على من كانت بيده، فإن طلقها قبل البناء كان عليها النصف إذا كانت بيدها، وإن كانت بيده وهلكت، وطلقها قبل البناء كان عليه النصف، وبعد الدخول والموت يكون عليه الكل، فإن كان متقوماً أعطاها قيمته. وإن كان مثلياً أعطاها مثله. هذا كله في الهدية قبل العقد أو حال العقد، أما إذا كانت الهدية بعد العقد، فإن كانت لغير الزوجة من ولي، أو غيره فاز بها المهداة له، وإن كانت الهدية للزوجة وطلقها قبل البناء ففيها رأيان:
أحدهما: أنه لا شيء للزوج من الهدية بعد العقد، سوءا هلكت في يد الزوجة، أو بقيت سليمة. وهذا هو الراجح.
والثاني أن للزوج نصفها إن كانت قائمة، ونصف مثلها. أو نصف قيمتها إن هلكت.
أما الجهاز فإن المالكية يقولون: إن الزوجة ملزمة بأن تجهز نفسها من المهر المقبوض جهازاً يناسب مثلها لمثل زوجها بشروط:
الشرط الأول: أن تقبضه قبل الدخول، سواء كان حالاً أو مؤجلاً وحل، فإن دخل بها قبل القبض، فلا يلزمها التجهيز به إلا إذا اشترط عليها التجهيز به بعد الدخول. أو كان العرف يقتضي ذلك. وإذا أرادت الزوجة أن تتخلص من الجهاز بعد قبض مقدم الصداق الحال، فللزوج مقاضاتها، ويقضى لها عليها بقبضه لتتجهز به، أما إذا دعاها لقبض الصداق المؤخر الذي لم يحل أجله لتتجهز به فلا يقضى له به، لأنه يكون سلفاً جر نفعاً للزوج، وذلك لأن من عجل ما هو مؤجل يعتبر سلفاً، فإذا قبضته أجبرت على التجهز به.
الشرط الثاني: أن لا سمي الزوج شيئاً غير ما قبضته للجهاز، أو يجري العرف بأن يدفع الزوج شيئاً للجهاز، فإن سمى الزوج شيئاً للجهاز فإنه يلزم ما سماه، وكذا ما جرى به العرف فإنه يلزم، سواء كان المسمى أو الذي جرى به العرف أكثر من الصداق. أو أقل وكذا إذا سمى الولي أشياء للزوج ورضي بها فإنها هي التي تلزم بصرف النظر عن الصداق. الشرط الثالث: أن يكون الصداق عيناً، فإذا كان عروض تجارة أو كان مما يكال أو يوزن، أو كان حيواناً فإنها لا تلزم ببيعه للتجهز على المعتمد.
على أن الجهاز والصداق ملك للزوجة فإذا ماتت ورث عنها، يتفرع على هذا مسألة وهي ما إذا تزوج شخص امرأة بصداق قدره مائة مثلاً، ودفع منه خمسين، وشرط على وليها أو على جهازاً بمائتين، ثم ماتت قبل الدخول فأصبحت المائة كلها حقاً لورثتها. فإذا طلب ورثتها الزوج بأن يدفع ما بقي من الخمسين بعد خصم ميراثه منها. فهل للزوج أن يطلب إبراز جهازها المشترط أيضاً ليأخذ منه ميراثه. أو لا؟ رأيان فقيل: لا يلزمهم إبراز الجهاز وعلى الزوج في هذه الحالة صداق مثلها فقط لا المسمى، ويحسب جهازها بالخمسين التي قبضتها، ثم إلى قيمة صداق من تتجهز بخمسين، فإن كان خمسين لا يدفع الزوج شيئاً، لأنه دفع الخمسين ويأخذ ميراثه من جهاز الخمسين، وهو النصف، حيث لا ولد. أو الربع إن كان لها ولد من غيره، وإن كان ثمانين دفع لهم الزوج ثلاثين، ويكون ميراثه في الثلاثين التي دفعها. وفي جهاز قدره خمسون. وإن كان صداق مثلاً ثلاثين لزمهم أن يدفع للزوج عشرين ونصيبه في جهاز قيمته خمسون، وإذا جهز البنت أبوها اختصت بجهازها دون سائر الورثة، فكل ما دفعه زيادة على مهرها بشرط أن ينتقل إلى بيتها الذي بنى بها الزوج فيه. أو يشهد الأب على أن لها، وإن بقي تحت يده. أو يشتريه لها باسمها ويضعه عند غيره كأمانة. أو أقر الوارث بذلك.
مهر السر والعلانية وهدية الزوج وجهاز المرأة عند الحنابلة
الحنابلة - قالوا: إذا تزوج رجل امرأة بعقدين على صداقين، أحدهما في السر والآخر في العلانية، كأن عقد عليها في السر على خمسين، وفي العلانية عقد عليها على مائة وبالعكس، كانت الزيادة حقاً للزوج، سواء كان الزائد عقد السر أو عقد العلانية، أما الهدية فإن كانت بعد العقد فهي ليست من المهر، إذا طلقها قبل الدخول، واستحقت نصف المهر، فلا ترد شيئاً من الهدية وكذا إذا طلقت بعد الدخول من باب أولى، فالهدية تثبت كلها ولا ترد متى تقرر للمرأة كل المهر. أو نصفه، أما الفرقة التي يسقط بسببها المهر، كأن جاءت من جهة الزوجة فإنها ترد معها الهدية، وإن كانت الهدية قبل العقد بناء على وعد منهم بتزويجه ولم يزوجوه، رجع عليهم بهديته، لأنهم أخلفوا وعده فلا معنى لأكلهم هديته.
مهر السر والعلانية وهدية الزوج وجهاز المرأة عند الشافعية
الشافعية - قالوا: إذا ذكروا مهراً في السر، وذكروا أكثر منه في العلانية لزم ما عقد به أولاً، فإذا عقد أولاً سراً على ألف، ثم أعيد العقد للشهرة على ألفين جهراً لزم الذي عقدوا به أولاً، وهو الألف، أما إذا اتفقوا على ألف في السر بدون عقد، ثم عقدوا في الجهر بألفين لزم الألفين المذكورين في العقد. فيعتبر مهر السر إذا كان مذكوراً في العقد، أما إذا لم يذكر فلا يعتبر، ويعتبر مهر العلانية).