الإعتكاف تعريفه وأركانه وشروطه ومبطلاته ومكروهاته
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
محتويات
- كتاب الإعتكاف
- تعريفه وأركانه
- أقسامه ومدته
- شروط الاعتكاف
- اعتكاف المرأة بغير إذن زوجها
- مفسدات الاعتكاف
- مبطلات الإعتكاف الأخري
- مكروهات الاعتكاف وآدابه
- االعودة إلي كتاب الصيام
- االعودة إلي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
كتاب الإعتكاف
تعريفه وأركانه
* هو اللبث في المسجد للعبادة على وجه مخصوص، ومعنى هذا أن النية ليست ركناً من أركان الاعتكاف، وإلا لذكرت في التعريف، وهو كذلك عند الحنفية، والحنابلة، فإنهم يقولون: إن النية شرط لا ركن، وخالف المالكية. والشافعية، فقالوا: إنها ركن لا شرط. وقد عرفت أن الأمر في ذلك سهل، إذ النية لا بد منها عند الفريقين، سواء كانت شرطاً أو ركناً، فمن قال: إنها ركن ذكرها في التعريف، فزاد بعد كلمة "مخصوص" كلمة، "بنية" ومن لم يقل: إنها ركن حذف كلمة "بنية". فأركانه ثلاثة: المكث في المسجد. والمسجد. والشخص المعتكف. والنية عند من يقول: إنها ركن. وله أقسام. وشروط. ومفسدات. ومكروهات وآذاب.
أقسامه ومدته
* فأما أقسامه فهي اثنان: واجب، وهو المنذور، فمن نذر أن يعتكف وجب عليه الاعتكاف، وسنة، وهو ما عدا ذلك، وفي كون السنة مؤكدة في بعض الأحيان دون بعض تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط
(الحنابلة قالوا: يكون سنة مؤكدة في شهر رمضان وآكده في العشر الأواخر منه.
الشافعية قالوا: إن الاعتكاف سنة مؤكدة في رمضان وغيره، وهو في العشر الأواخر منه آكد.
الحنفية قالوا: هو سنة كفاية مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان، ومستحب في غيرها فالأقسام عندهم ثلاثة.
المالكية قالوا: هو مستحب في رمضان وغيره على المشهور، ويتأكد في رمضان مطلقاً وفي العشر الأواخر منه آكد، فأقسامه عندهم اثنان: واجب، وهو المنذور، ومستحب، وهو ما عداه). وأقل مدته لحظة زمانية بدون تحديد، وخالف المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط
(المالكية قالوا: أقله يوم وليلة على الراجح.
الشافعية قالوا: لا بد في مدته من لحظة تزيد عن زمن قول: "سبحان اللّه".
شروط الاعتكاف - اعتكاف المرأة بدون زوجها
* وأما شروطه: فمنها الإسلام، فلا يصح الاعتكاف من كافر، ومنها التمييز، فلا يصح من مجنون ونحوه؟ ولا من صبي غير مميز، أما الصبي المميز فيصح اعتكافه، ومنها وقوعه في المسجد، فلا يصح في بيت ونحوه، على أنه لا يصح في كل مسجد؛ بل لا بد أن تتوافر في المسجد الذي يصح فيه الاعتكاف شروط مفصلة في المذاهب، مذكورة تحت الخط
(المالكية: اشترطوا في المسجد أن يكون مباحاً لعموم الناس، وأن يكون المسجد الجامع لمن تجب عليه الجمعة، فلا يصح الاعتكاف في مسجد البيت ولو كان المعتكف امرأة، ولا يصح في الكعبة، ولا في مقام الولي.
الحنفية قالوا: يشترط في المسجد أن يكون مسجد جماعة، وهو ما له إمام ومؤذن سواء أقيمت فيه الصلوات الخمس أو لا.
هذا إذا كان المعتكف رجلاً، أما المرأة فتعتكف في مسجد بيتها الذي أعدته لصلاتها، ويكره تنزيهاً اعتكافها في مسجد الجماعة المذكور، ولا يصح لها أن تعتكف في غير موضع صلاتها المعتاد، سواء أعدت في بيتها مسجداً لها أو اتخذت مكاناً خاصاً بها للصلاة.
الشافعية قالوا: متى ظن المعتكف أن المسجد موقوف خالص المسجدية - أي ليس مشاعاً - صح الاعتكاف فيه للرجل والمرأة، ولو كان المسجد غير جامع، أو غير مباح للعموم.
الحنابلة قالوا: يصح الاعتكاف في كل مسجد للرجل والمرأة، ولم يشترط للمسجد شروط، إلا أنه إذا أراد أن يعتكف زمناً يتخلله فرض تجب فيه الجماعة، فلا يصح الاعتكاف حينئذ إلا في مسجد تقام فيه الجماعة ولو بالمعتكفين)، ومنها النية، فلا يصح الاعتكاف بدونها. وقد عرفت أنها من الشروط عند الحنفية، والحنابلة، وخالف المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط
(الشافعية، والمالكية قالوا: النية ركن لا شرط، كما تقدم، ولا يشترط عند الشافعية في النية أن تحصل وهو مستقر في المسجد ولو حكماً، فيشمل المتردد في المسجد، فتكفي في حال مروره على المعتمد)، ومنها الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس، عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية؛ والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط
(الحنفية قالوا: الخلو من الجنابة شرط لحل الاعتكاف لا لصحته، فلو اعتكف الجنب صح اعتكافه مع الحرمة، أما الخلو من الحيض والنفاس فإنه شرط لصحة الاعتكاف الواجب، وهو المنذور؛ فلو اعتكف الحائض أو النفساء لم يصح اعتكافهما، لأنه يشترط للاعتكاف الواجب الصوم، ولا يصح الصيام منهما، أما الاعتكاف المسنون، فإن الخلو من الحيض والنفاس ليس شرطاً لصحته لعدم اشتراط الصوم له على الراجح.
المالكية قالوا: الخلو من الجنابة ليس شرطاً لصحة الاعتكاف، إنما هو شرط لحل المكث في المسجد، فإذا حصل للمعتكف أثناء اعتكافه جنابة بسبب غير مفسد للاعتكاف؛ كالاحتلام، ولم يكن بالمسجد ماء وجب عليه الخروج للاغتسال خارج المسجد، ثم يرجع عقبه فإن تراخى عن العود إلى المسجد بعد اغتساله بطل اعتكافه، إلا إذا تأخر لحاجة من ضرورياته، كقص أظافره أو شاربه، فلا يبطل اعتكافه، وأما الخلو من الحيض والنفاس فهو شرط لصحة الاعتكاف مطلقاً، منذوراً أو غيره، لأن من شروط صحته الصوم، والحيض والنفاس مانعان من صحة الصوم؛ فإذا حصل للمعتكفة الحيض أو النفاس أثناء الاعتكاف خرجت من المسجد وجوباً، ثم تعود إليه عقب انقطاعهما لتتميم اعتكافها التي نذرته أو نوته حين دخولها المسجد، فتعتكف في المنذور بقية أيامه وتأتي أيضاً ببدل الأيام التي حصل فيها العذر، وأما في التطوع فتكمل الأيام التي نوت أن تعتكف فيها، ولا تقضي بدل أيام العذر).
وزاد المالكية على ذلك شروطاً أخرى، فانظرها تحت الخط (المالكية: زادوا في شروط الاعتكاف الصوم، سواء كان الاعتكاف منذوراً أو تطوعاً. الحنفية: زادوا في شروط الاعتكاف الصيام إن كان واجباً، أما التطوع فلا يشترط فيه الصوم)
اعتكاف المرأة بغير إذن زوجها
ولا يصح اعتكاف المرأة بغير إذن زوجها، ولو كان اعتكافها منذوراً، سواء علمت أنه يحتاج إليها للاستمتاع، أو ظنت، أو لا وخالف الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط
(الشافعية قالوا: إذا اعتكف المرأة بغير إذن زوجها صح وكانت آثمة، ويكره اعتكافها إن أذن لها، وكانت من ذوات الهيئة.
المالكية قالوا: لا يجوز للمرأة أن تنذر الاعتكاف أو تتطوع به، بدون إذن زوجها إذا علمت أو ظنت أنه يحتاج لها للوطء، فإذا فعلت ذلك بدون إذنه، فهو صحيح، وله أن يفسده عليها بالوطء لا غير، ولو أفسده وجب عليها قضاؤه؛ ولو كان تطوعاً، لأنها متعدية بعدم استئذانه ولكن لا تسرع في القضاء إلا بإذنه).
مفسدات الاعتكاف
الجماع
* أما مفسدات الاعتكاف منها: الجماع عمداً، ولو بدون إنزال، سواء كان بالليل أو النهار، باتفاق. أو الجماع نسياناً فإنه يفسد الاعتكاف عند ثلاثة؛ وقال الشافعية: إذا جامع ناسياً للاعتكاف فإن اعتكافه لا يفسد، أما دواعي الجماع من تقبيل بشهوة، ومباشرة ونحوها، فإنها لا تفسد الاعتكاف إلا بالإنزال، باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط
(المالكية قالوا: مثل الجماع القبلة على الفم، ولم يقصد المقبل لذة، ولم يجدها، ولو لم ينزل؛ أما اللمس والمباشرة. فإنهما يفسدان بشرط قصد اللذة، أو وجدانها، وإلا فلا)، ولكن يحرم على المعتكف أن يفعل تلك الدواعي بشهوة، ولا يفسده إنزال المني بفكر أو نظر أو احتلام، سواء كان ذلك عادة له أو لا، عند الحنفية والحنابلة، أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط
(المالكية قالوا: يفسد الاعتكاف بإنزال بالفكر، والنظر ليلاً أو نهاراً، عامداً أو ناسياً.
الشافعية قالوا: إن كان الإنزال بالنظر والفككر عادة للمعتكف، فإنه يفسد الاعتكاف، وإن لم يكن عادة له، فلا يفسده)،
الخروج من المسجد
ومنها الخروج من المسجد، على تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط
الخروج من المسجد عند الحنفية
(الحنفية قالوا: خروج المعتكف من المسجد له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون الاعتكاف واجباً بنذر، وفي هذه الحالة لا يجوز له الخروج من المسجد مطلقاً ليلاً أو نهاراً، عمداً أو نسياناً، فمن خرج بطل اعتكافه إلا بعذر، والأعذار التي تبيح للمعتكف - اعتكافاً واجباً - الخروج من المسجد تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: أعذار طبيعية، كالبول، أو الغائط، أو الجنابة بالاحتلام حيث لا يمكنه الاغتسال في المسجد ونحو ذلك، فإن المعتكف يخرج من المسجد للاغتسال من الجنابة، ولقضاء حاجة الإنسان بشرط أن لا يمكث خارج المسجد إلا بقدر قضائها، الثاني: أعذار شرعية كالخروج لصلاة الجمعة إذا كان المسجد المعتككف فيه لا تقام فيه الجمعة، ولا يجوز أن يخرج إلا بقدر ما يدرك به أربع ركعات قبل الأذان عند المنبر، ولا يمكث بعد الفراغ من الصلاة إلا بقدر ما يصلي أربع ركعات أو ستاً، فإن مكث أكثر من ذلك لم يفسد اعتكافه في المسجد الأول بلا ضرورة، الثالث: أعذار ضرورية، كالخوف على نفسه أو متاعه إذا استمر في هذا المسجد، وكذا إذا انهدم المسجد، فإنه يخرج بشرط أن يذهب إلى مسجد آخرفوراً ناوياً الاعتكاف فيه.
الحالة الثانية: أن يكون الاعتكاف نفلاً، وفي هذه الحالة لا بأس من الخروج منه ولو بلا عذر، لأنه ليس له زمن معين ينتهي بالخروج؛ ولا يبطل ما مضى منه، فإن عاد إلى المسجد ثانياً ونوى الاعتكاف كان له أجره، أما إذا خرج من المسجد في الاعتكاف الواجب بلا عذر أثم وبطل ما فعل منه.
الخروج من المسجد عند المالكية
المالكية قالوا: إذا خرج المعتكف من المسجد، فإن كان خروجه لقضاء مصلحة لا بد منها كشراء طعام أو شراب له، أو ليتطهر، أو ليتبول مثلاً، فلا يبطل اعتكافه، وأما إذا خرج لغير حاجياته الضرورية، كأن خرج لعيادة مريض، أو لصلاة الجمعة حيث كان المسجد الذي يعتكف فيه ليس فيه جمعة، أو خرج لأداء شهادة، أو تشييع جنازة ولو كانت جنازة أحد والديه، فإن اعتكافه يبطل، وإن كان الخروج واجباً، كما في الجمعة، فإن مكث بالمسجد، ولم يخرج لها، كان آثماً، وصح اعتكافه، لأن ترك واحدة ليس من الكبائر، والاعتكاف لا يبطل إلا بارتكاب كبيرة على المشهور، وليس من الخروج المبطل لاعتكافه ما إذا خرج لعذر، كحيض، أو نفاس. كما تقدم؛ وأما إذا صادف المعتكف أثناء اعتكافه زمن لا يصح فيه الصوم كأيام العيد، فإنه يجب عليه البقاء بالمسجد، ولا يجوز له الخروج على الراجح، فإذا انتهى العيد أتم ما بقي من أيام الاعتكاف الذي نذره أو نواه تطوعاً.
الخروج من المسجد عند الحنابلة
الحنابلة قالوا: يبطل الاعتكاف بالخروج من المسجد عمداً لا سهواً إلا لحاجة لا بد له منها كبول وقيء غلب عليه، وغسل ثوب متنجس يحتاج إليه، والطهارة عن الأحداث. كغسل الجنابة والوضوء، وله أن يتوضأ في المسجد: ويغتسل إذا لم يضر ذلك بالمسجد أو بالناس، وإذا خرج المعتكف لشيء من ذلك، فله أن يمشي على حسب عادته بدون إسراع وكذلك يجوز له الخروج ليأتي بطعامه وشرابه إذا لم يوجد من يحضرهما له ويخرج أيضاً للجمعة إن كانت واجبة عليه ولا يبطل اعتكافه بذلك، لأنه خروج لواجب، وله أن يذهب لها مبكراً، وأن يطيل المقام بمسجدها بعد صلاتها بدون كراهة، لأن المسجد الثاني صالح للاعتكاف، ولكن يستحب له المسارعة بالرجوع إلى المسجد الأول ليتم اعتكافه به. وعلى الإجمال لا يبطل الاعتكاف بالخروج لعذر شرعي أو طبيعي.
الخروج من المسجد عند الشافعية
الشافعية قالوا: الخروج من المسجد بلا عذر يبطل الاعتكاف: والأعذار المبيحة للخروج تكون طبيعية كقضاء الحاجة من بول وغائط، وتكون ضرورية، كانهدام حيطان المسجد، فإنه إن خرج إلى مسجد آخر بسبب ذلك لا يبطل اعتكافه، وإنما يبطل الاعتكاف بالمفسد إذا فعله المعتكف عامداً مختاراً، عالماً بالتحريم، فإن فعله ناسياً، أو مكرهاً، أو جاهلاً جهلاً يعذر به شرعاً، كأن كان قريب عهد بالإسلام، لم يبطل اعتكافه، ومن خرج لعذر مقبول شرعاً لا ينقطع تتابع اعتكافه بالمدة التي خرج فيها، ولا يلزمه تجديد نيته عند العود، ولكن يجب قضاء المدة التي مضت خارج المسجد إلا الزمن الذي يقضي فيه حاجته من تبرز ونحوه مما لم يطل عادة، فإنه لا يقضيه، وهذا إذا كان الاعتكاف واجباً متتابعاً، بأن نذر اعتكاف أيام متتابعة أما الاعتكاف المنذور المطلق أو المقيد بمدة لا يشترط فيها التتابع، فإنه يجوز الخروج من المسجد فيهما ولو لغير عذر، لكن ينقطع اعتكافه بخروجه، ويجدد النية عند عودته، إلا إذا عزم على العودة فيهما؛ أو كان خروجه لنحو تبرز، فإنه لا يحتاج إلى تجديدها، ومثل ذلك الاعتكاف المندوب، أما بول المعتكف في إناء في المسجد فهو حرام، وإن لم يطل اعتكافه)
الردّة
ومنها الردّة، فإذا ارتد المعتكف بطل اعتكافه، ثم إن عاد للإسلام، فلا يجب عليه قضاءه ترغيباً في الإسلام؛ عند الحنفية، والمالكية، وخالف الشافعية، والحنابلة؛ فانظر مذهبيهما تحت الخط
(الحنابلة قالوا: إذا عاد للإسلام بعد الردّة وجب عليه القضاء.
الشافعية قالوا: إذا كان الاعتكاف المنذور مقيداً بمدة متتابعة بأن نذر أن يعتكف عشرة أيام متتابعة بدون انقطاع، ثم ارتد في الأثناء وجب عليه إذا رجع للإسلام أن يستأنف مدة جديدة؛ أما إذا نذر اعتكافاً مدة غير متتابعة، ثم ارتد أثناء الاعتكاف وأسلم، فإنه لا يستأنف مدة جديدة؛ بل يبني على ما فعل).
مبطلات الإعتكاف الأخري
وهناك مفسدات أخرى مفصلة في المذاهب، مذكورة تحت الخط (المالكية قالوا: من المفسدات أن يأكل أو يشرب نهاراً عمداً، فإذا أكل أو شرب نهاراً عامداً بطل اعتكافه، ووجب عليه ابتداؤه من أوله، سواء كان الاعتكاف واجباً أو غيره؛ ولا يبني على ما تقدم منه، وأما إذا أكل أو شرب ناسياً، فلا يجب عليه ابتداءه بل يبني على ما تقدم منه، ويقضي بدل اليوم اذي حصل فيه الفطر، ولو كان الاعتكاف تطوعاً ومنها تناول المسكر المحرم ليلاً، ولو أفاق قبل الفجر؛ وكذلك تعاطي المخدر إذا خدره بالفعل، فمتى تعاطى شيئاً من ذلك بطل اعتكافه وابتدأه من أوله، ومنها فعل كبيرة لا تبطل الصوم كاليغبة والنميمة، على أحد قولين مشهورين، والقول الآخر هو: أن ارتكاب الكبائر لا يبطله، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، ومنها الجنون والإغماء؛ فإذا جن المعتكف أو أغمي عليه، فإن كان ذلك مبطلاً للصوم، كما تقدم، بطل اعتكافه، ولكنه لا يبتدئه من أوله كما تقدم في "الحيض والنفاس" ومنها الحيض والنفاس، كما تقدم في الشروط.
الحنفية قالوا: يفسد الاعتكاف أيضاً بإغماء إذا استمر أياماً، ومثله الجنون، وأما السكر ليلاً فلا يفسده، وكذلك لا يفسد بالسباب والجدل ونحوهما من المعاصي؛ وأما الحيض والنفاس فقد تقدم أن الخلو منهما شرط لصحة الاعتكاف الواجب، ولحل الاعتكاف غير الواجب فإذا طرأ أحدهما على المعتكف اعتكافاً واجباً فسد اعتكافه، وإذا فسد الاعتكاف معيناً، كما إذا نذر اعتكاف عشرة أيام معينة قضى بدل الأيام التي حصل فيها المفسد، ولا يستأنف الاعتكاف من أوله؛ وإن كان غير معين استأنف الاعتكاف، ولا يعتد بما تقدم عنه على وجود المفسد.
الحنابلة قالوا: من مفسدات الاعتكاف أيضاً سكر المعتكف ولو ليلاً، أما إن شرب مسكراً ولم يسكر، أو ارتككب كبيرة، فلا يفسد اعتكافه، ومنها الحيض والنفاس، فإذاحاضت المرأة أو نفست بطل اعتكافها، ولكنها بعد زوال المانع تبني على ما تقدم منه، لأنها معذورة، بخلاف السكران، فإنه يبني بعد زوال السكر، ويبتدئ اعتكافه من أوله؛ ولا يبطل الاعتكاف بالإغماء، ومن المفسدات أن ينوي الخروج من الاعتكاف، وإن لم يخرج بالفعل.
الشافعية قالوا: يفسد الاعتكاف أيضاً بالسكر والجنون إن حصلا بسبب تعديه، وبالحيض والنفاس إذا كانت المدة المنذورة تخلو في الغالب عنهما، بأن كانت خمسة عشر يومياً فأقل في الحيض، وتسعة أشهر فأقل في النفاس، أما إذا كانت المدة لا تخلو في الغالب عنهما بأن كانت تزيد على ما ذكر، فلا يفسد بالحيض ولا بالنفاس؛ كما لا يفسد بارتكاب كبيرة، كالغيبة، ولا بالشتم).
مكروهات الاعتكاف وآدابه
* وأما مكروهاته وآدابه، ففيها تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (المالكية قالوا: مكروهات الاعتكاف كثيرة: منها أن ينقص عن عشرة أيام ويزيد على شهر، ومنها أكله خارج المسجد بالقرب منه، كرحبته وفنائه؛ أما إذا أكل بعيداً من المسجد، فإن اعتكافه يبطل، ومنها أن لا يأخذ القادر معه في المسجد ما يكفيه من أكل أو شرب ولباس، ومنها دخوله منزله القريب من المسجد لحاجة لا بد منها إذا لم يكن بذلك المنزل زوجته أو أمته، لئلا يشتغل بهما عن الاعتكاف، فإن كان منزله بعيداً من المسجد بطل اعتكافه بالخروج إليه، ومنها الاشتغال حال الاعتكاف بتعلم العلم أو تعليمه، لأن المقصود من الاعتكاف رياضة النفس، وذلك يحصل غالباً بالذكر والصلاة، ويستثنى من ذلك العلم العيني؛ فلا يكره الاشتغال به حال الاعتكاف، ومنها الاشتغال بالكتابة إن كانت كثيرة؛ ولم يكن مضطراً لها لتحصيل قوته وإلا فلا كراهة؛ ومنها اشتغاله بغير الصلاة والذكر؛ وقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والاستغفار والصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم، وذلك كعيادة مريض بالمسجد وصلاة على جنازة به ومنها صعوده منارة أو سطحاً للأذان، ومنها اعتكاف ما ليس عنده ما يكفيه.
وأما آدابه: فمنها أن يستصحب ثوباً غير الذي عليه، لأنه ربما احتاج؛ ومنها مكثه في مسجد اعتكافه ليلة العيد إذا اتصل انتهاء اعتكافه بها ليخرج من المسجد إلى مصلى العيد، فتتصل عبادة بعبادة، ومنها مكثه بمؤخر المسجد ليبعد عمن يشغله بالكلام معه، ومنها إيقاعه برمضان، ومنها أن يكون في العشر الأواخر منه لالتماس ليلة القدر؛ فإنها تغلب فيها، ومنها لا ينقص اعتكافه عن عشرة أيام.
الحنفية قالوا: يكره تحريماً فيه أمور: منها الصمت إذا اعتقد أنه قربة؛ أما إذا لم يعتقده كذلك فلا يكره؛ والصمت عن معاصي اللسان من أعظم العبادات؛ ومنها إحضار سلعة في المسجد للبيع أما عقد البيع لما يحتاج لنفسه أو لعياله بدون إحضار السلعة فجائز، بخلاف عقد التجارة فإنه لا يجوز.
وأما آدابه: فمنها أن لا يتكلم إلا بخير؛ وأن يختار أفضل المساجد وهي المسجد الحرام؛ ثم الحرم النبوي، ثم المسجد الأقصى لمن كان مقيماً هناك؛ ثم المسجد الجامع، ويلازم التلاوة والحديث والعلم وتدريسه ونحو ذلك.
الشافعية قالوا: من مكروهات الاعتكاف الحجامة والفصد إذا أمن تلويث المسجد، وإلا حرم؛ومنها الإكثار من العمل بصناعته في المسجد، أما إذا لم يكثر ذلك؛ فلا يكره فمن خاط أو نسج خوصاً قليلاً فلا يكره.
وأما آدابه: فمنها أن يشتغل بطاعة اللّه تعالى كتلاوة القرآن والحديث والذكر والعلم، لأن ذلك طاعة؛ ويسن له الصيام؛ وأن يكون في المسجد الجامع؛ وأفضل المساجد الحرام؛ ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى؛ وأن لا يتكلم إلا بخير فلا يشتم، ولا ينطق بلغو الكلام.
الحنابلة قالوا: يكره للمعتكف الصمت إلى الليل، وإذا نذر ذلك لم يجب عليه الوفاء به.
وأما آدابه: فمنها أن يشغل وقته بطاعة اللّه تعالى، كقراءة القرآن، والذكر، والصلاة؛ وأن يجتنب ما لا يعنيه).