مباحث صلاة الاستسقاء وكسوف الشمس وخسوف القمر، والصلاة عند الفزع
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
محتويات
- مباحث صلاة الاستسقاء
- تعريف الاستسقاء وسببه
- كيفية صلاة الاستسقاء
- حكم صلاة الاستسقاء ووقتها
- ما يستحب للإمام فعله قبل الخروج لصلاة الاستسقاء
- صلاة كسوف الشمس
- حكمها ودليله، وحكمة مشروعيتها
- كيفية صلاة كسوف الشمس
- سنن صلاة الكسوف
- وقت صلاة الكسوف
- الخطبة في صلاة الكسوف
- صلاة خسوف القمر، والصلاة عند الفزع
- االعودة إلي كتاب الصلاة
- االعودة إلي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
مباحث صلاة الاستسقاء
* يتعلق بها مباحث: أحدها: تعريف الاستسقاء لغة وشرعاً، ثانيها: كيفية صلاة الاستسقاء، ثالثها: حكمها ووقتها. رابعها: ما يستحب للإمام قبل فعلها. وإليك بيانها على هذا الترتيب:
تعريف الاستسقاء وسببه
* معنى الاستسقاء في اللغة طلب السقيا من اللّه أو من الناس، فإذا احتاج أحد إلى الماء وطلبه من الآخر، فإنه يقال لذلك الطلب: استسقاء، وأما معناه في الشرع فهو طلب سقي العباد من اللّه تعالى عند حاجتهم إلى الماء كما إذا كانوا في موضع لا يكون لأهله أودية وأنهار وآبار يشربون منها ويسقون زرعهم ومواشيهم، أو يكون لهم ذلك ولكن الماء لا يكفيهم، فهذا معنى الاستسقاء وسببه.
كيفية صلاة الاستسقاء
* إذا احتاج الناس إلى الماء على الوجه الذي ذكرناه فإنه يطلب من المسلمين أن يصلوا صلاة اللاستسقاء بكيفية مفصلة في المذاهب، فانظر تحت الخط
(الشافعية قالوا: صلاة الاستسقاء ركعتان تؤديان في جماعة، ويشترط أن يكون الإمام حاكم المسلمين الأعلى أو نائبه، فإن لم يوجد فإنه يصلي بهم رئيسهم الذي له نفوذ وشوكة، وكيفيتها كصلاة العيدين، فيكبر الإمام ومن خلفه من المأمومين في الركعة الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، ويكبران في الركعة الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام، ويرفع يديه حذو منكبيه عند كل تكبيرة، ثم يتعوذ؛ ثم يأتي بدعاء الافتتاح، ويستحب أن يفصل بين كل تكبيرتين بقدر آية معتدلة، وأن يأتي بذكر بينهما سراً ثم يقرأ جهراً، ويستحب بعد الفاتحة أن يقرأ في الركعة الأولى سورة "ق" أو "سبح اسم ربك الأعلى" وفي الثانية "اقتربت الساعة" أو "هل أتاك حديث الغاشية" قياساً على الوارد في صلاة العيدين، وبعد الفراغ من صلاة الركعتين يندب أن يخطب خطبتين كخطبتي العيدين، إلا أنه لا يكبر في الخطبتين، بل يستغفر اللّه قبل الشروع في الخطبة الأولى تسع مرات، وفي الخطبة الثانية تسع مرات، وصيغة الاستغفار الكاملة هي أن يقول: "استغفر اللّه العظيم الذي لا إله إلا اللّه الحي القيوم وأتوب إليه" ولو قال استغفر اللّه، فإنه يكفي، ويندب أن يحول الخطيب رداءه - ولو كان شالاً أو عباءة - وكيفية التحويل أن يجعل يمينه يساره، ويجعل أعلاه أسفله، فيمسك بيده اليمنى طرف ردائه الأسفل من جهة يساره، ويجعله على عاتقه الأيمن، ويمسك بيده اليسرى طرف ردائه الأيمن، ويجعله على عاتقه الأيسر، ويفعل ذلك بعد مضي ثلث الخطبة الثانية، فإذا فرغ من ثلث الخطبة الثانية فإنه يسن له أن يستقبل القبلة ثم يحول رداءه بالكيفية التي ذكرناها، ويكره له أن يترك التحويل، ومتى حول الإمام رداءه فإنه يسن للمأمومين الحالسين أن يحولوا أرديتهم وهم جلوس، كما فعل الإمام، ويسن أن يكثر من الدعاء سراً وجهراً، كما يسن أن يكثر في افتتاح دعائه الكرب، وهو: "لا إله إلا اللّه العظيم الحليم، لا إله إلا اللّه رب العرش العظيم، لا إله إلا اللّه رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم" وكذا يسن للخطيب أن يكثر من الاستغفار، ويقرأ قوله تعالى: {استغفروا ربكم أنهاراً} ويدعو في خطبته بدعاء الني صلى اللّه عليه وسلم؛ وهو "اللّهم اجعلها رحمة لا سقيا عذاب، ولا محق، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق؛ اللّهم على الزراب - التلال الصغيرة - ومنابت الشجر، وبطون الأودية، اللّهم حوالينا ولا علينا، اللّهم اسقنا غيثاً مغيثاً - منقذاً من الشدة - هنيئاً مريئاً مريعاً - ذا ريع وخصب - سحاً - شديد الوقع على الأرض عاماً؛ غدقاً، طبقاً، مجللاً، دائماً، اللّهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللّهم إن بالعباد والبلاد من الجهد والجوع والضنك مالا نشكو إلا إليك، اللّهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللّهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً".
الحنفية قالوا: كيفية صلاة الاستسقاء مختلف فيها، فمنهم من قال: إنها دعاء واستغفار بدون صلاة، وذلك بأن يدعو الإمام قائماً مستقبل القبلة، رافعاً يديه والناس قعود، مستقبلين القبلة يؤمنون على دعائه، وهو: "اللّهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً، مريئاً مريعاً، غدقاً، مجللاً، سحاً طبقاً؛ دائماً"، وما أشبه ذلك من الدعاء سراً وجهراً، وهذا القول غير راجح، بل القول الراجح هو أن يصلي للاستسقاء ركعتين، كما يقول غيرهم من الأئمة، غايته أنهم يقولون، إنها مندوبة، وغيرهم يقولون: إنها سنة، كما ستعرفه في بيان حكمها، وكيفيتها، كصلات العيدين، إلا أنه لا يكبر لها تكبيرات الزوائد، بل يقتصر على التكبيرات المطلوبة للصلاة، وبعد الفراغ من الصلاة يخطب الإمام، أو نائبه خطبتين، كالعيد، إلا أنه يقف على الأرض وبيده قوس، أو سيف أو عصا، ويقلب الإمام رداءه بعد أن يمضي جزء من خطبته الأولى، فإن كان مربعاً جعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه، وإن كان مدوراً جعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن، وإن كان مبطناً - كالبالطو - جعل باطنه خارجاً؛ وظاهره داخلاً. أما الجماعة الذين يصلون معه فإنهم لا يقبلون أرديتهم باتفاق، بلى يكتفي في ذلك بالإمام.
الحنابلة قالوا: كيفية صلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد تماماً؛ فيكبر فيها سبعاً في الركعة الأولى، وخمساً في الثانية، ويقرأ في الأولى "سبح" وفي الثانية "هل أتاك حديث الغاشية" وإن شاء قرأ "إنا أرسلنا نوحاً" في الركعة الأولى، وقرأ في الثانية ما يشاء، ثم يخطب خطبة واحدة لا خطبتين، يجلس قبلها إذا صعد المنبر جلسة الاستراحة، ثم يفتتحها بالتكبير تسعاً، كخطبة العيد، ويكثر فيها الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم ويكثر فيها الاستغفار، ويقرأ فيها "استغفروا ربكم" الآية، ويسن أن يرفع يديه وقت الدعاء حتى يرى بياض إبطيه، وهو قائل، وتكون ظهور اليدين نحو السماء، وبطونهما جهة الأرض، ويؤمن المأمومون على دعائه؛ ويرفعون أيديهم كالإمام وهم جالسون، ويصح بكل ما يراه، ولكن الأفضل الدعاء بالوارد وهو "اللّهم اسقنا غيثاً مغيثاً - منقذا من الشدة - هنيئاً - حاصل بلا مشقة، مريئاً - محمود العاقبة - مريعاً - كثير النبات - غدقاً - بفتح الدال وكسرها، ومعناه كثيراً - مجللاً - المجلل السحاب الذي يعم البلاد نفعه - سحاً - سائلاً من فوق إلى أسفل عاماً، طبقاً - بفتح الطاء والباء؛ وهو الذي طبق البلا مطره - دائماً، نافعاً غير ضار؛ عاجلاً غير آجل، اللّهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت. اللّهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين اللّهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء، ولا هدم؛ ولا غرق، اللّهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء - الشدة - والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك. اللّهم أنبت لنا الزرع؛ وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء، وانزل علينا من بركاتك، اللّهم ارفع عنا الجوع والجهد والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللّهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء ع لينا مدراراً. وإذا دعا الإمام أمن المستمعون، ويستحب أن يستقبل الإمام القبلة أثناء الخطبة ثم يحول رداءه، فيجعل ما على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، ويفعل المأمومون مثل فعله فيحولون أرديتهم، ويتركون الرداء محولاً، حتى ينزعوه مع ثيابهم، ويدعو سراً حال استقبال القبلة لنزع الرداء فيقول: اللّهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا إنك لا تخلف الميعاد فإذا فرغ من ذلك الدعاء استقبلهم ثانياً وحثهم على الصدقة والخير، ويصلي على النبي صلى اللّه عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويقرأ ما تيسر من القرآن، ثم يقول: أستغفر اللّه لي ولكم ولجميع المسلمين، وبذلك ينتهي من خطبته، ولا يشترط لصلاة الاستسقاء أذان، كما لا يشترط الأذان لخطبتها، وينادي لها بقول: الصلاة جامعة، ويفعلها المسافر وسكان القرى؛ ويخطب بهم أحدهم.
المالكية قالوا: كيفية صلاة الاستسقاء كصلاة العيدين، إلا أنه لا يكبر فيها إلا التكبير المعتاد في الصلوات الأخرى، فلا يزيد التكبيرات المطلوبة في العيدين، وفاقاً للحنفية، وخلافاً للشافعية، والحنابلة، ويخطب فيها خطبتين، فإذا فرغ الإمام من الخطبة الثانية ندب له أن يستقبل القبلة، فيجعل ظهره للناس، ثم يقلب رداءه من خلفه، فيجعل ما على عاتقه الأيسر على عاتقه الأيمن، وبالعطس، ولا يجعل أسفل الرداء أعلاه، ولا أعلى الرداء أسفله، ويندب للرجال الذين يصلون خلفه أن يقلبوا أرديتهم وهم جلوس، بخلاف النساء، ثم يدعو الإمام برفع ما نزل بالناس ويطيل في الدعاء، ويندب الدعاء بالوارد، ومنه ما جاء في خبر الموطأ وهو: كان صلى اللّه عليه وسلم إذا استسقى قال: "اللّهم اسق عبادك وبهيمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت".
المالكية: متفقون مع الشافعية، والحنابلة على أنها سنة مؤكدة تلي صلاة العيد في التأكد للرجال إذا أديت جماعة ولكنها تندب لمن فاتته مع الإمام، كما تندب للصبي المميز؛ وللمرأة المسنة. أما الشابة فإنه يكره لها الخروج لصلاة الاستسقاء، وإن خيفت الفتنة بخروجها، فإنه يحرم عليها الخروج).
حكم صلاة الاستسقاء ووقتها
* هي سنة مؤكدة عند الحاجة إلى الماء، فمتى احتاج الناس إلى الماء فإنه يسن لهم أن يصلوا صلاة الاستسقاء بالكيفية التي ذكرناها، ومتى صلوها على أي كيفية من الكيفيات التي ذكرناها في المذاهب المتقدمة فإنها تجزئ، ولا يلزم أن تصلي على مذهب خاص، لأن تكبيرات الزوائد نقلوا عن بعض أئمتهم أن يكبر فيها كصلاة العيدين، وهكذا؛ ولذا ذكرنا كيفيتها عند كل مذهب على حدة، ليسهل على الناس معرفتها كاملة بدون خلط، أما كونها سنة مؤكدة فقد اتفقت عليه المذاهب ما عدا الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط
(الحنفية قالوا: الصحيح أنها مندوبة؛ نعم قد ثبت طلبها بالكتاب والسنة، ولكن الثابت بهما هو الاستغفار، والحمد للّه، والثناء عليه، والدعاء، أما الصلاة فإنها لم ترد فيها أحاديث صحيحة، على أنه لا خلاف عندهم في أنها مشروعة للمنفرد بدون جماعة، لأنها نفل مطلق، أما ما ورد في الكتاب الكريم فهو قوله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً} وشرع منقبلنا شرع لنا إذا قصه اللّه ورسوله من غير إنكار، وقد رويت أحاديث صحيحة تدل على أن النبي صلى اللّه عليه وسلم استسقى فدعا اللّه تعالى، ومما يناسب المقام أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد استسقى به وهو صغير، فقد ورد أن أهل مكة أصابهم قحط، فقالت قريش: يا أبا طالب أقحط الوادي، وأجب العيال. فهلم فاستسق، فخرج أبو طالب ومعه غلام، كأنه شمس تجلت عنها سحابة قتماء، وحول أغيلمة فأخذه أبو طالب، وألصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام بإصبعه، وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ههنا؛ وهنا؛ واغدودق؛ وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي؛ وفي ذلك يقول أبو طالب:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ؟؟ ثمال اليتامى عصمة للأرامل
أخرجه ابن عساكر)، أما وقتها فهو الوقت الذي تباح فيه صلاة النافلة عند الحنفية، والحنابلة، وسيأتي بيان الأوقات التي تباح فيها النافلة في مبحث خاص، أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط
(المالكية قالوا: وقتها كالعيد من حل النافلة بعد طلوع الشمس إلى زوالها.
الشافعية قالوا: تصح ولو في أوقات النهي عن النافلة؛ لأنها صلاة ذات سبب).
هذا، وإذا تأخر نزول المطر فإنه يسن تكرار صلاة الاستسقاء على الصفة السابقة، حتى يأتي الغيث، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (الحنفية قالوا: إن تكرار صلاة الاستسقاء مندوب لا سنة، كما تقدم، ولا تكرار إلا في ثلاثة أيام متتالية بدون زيادة).
ما يستحب للإمام فعله قبل الخروج لصلاة الاستسقاء
* يستحب له أمور: أحدها: أن يأمر الناس قبل الخروج إلى الصلاة بالتوبة والصدقة، والخروج من المظالم باتفاق الجميع، ثانيها: أن يأمرهم بمصالحة الأعداء، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فقالوا: لا يندب له ذلك، ثالثها: أن يأمرهم بصيام ثلاثة أيام، ثم يخرج بهم في اليوم الرابع مشاة في أية ساعة منه، باتفاق الحنفية، والشافعية، وخالف الحنابلة والمالكية فانظر مذهبهم تحت الخط
(الحنابلة قالوا: لا يندب أن يخرج بهم في اليوم الرابع؛ بل يندب الخروج مع الإمام في اليوم الذي يعينه.
المالكية قالوا: يندب الخروج في ضحى اليوم الرابع، إلا من بعدت داره، فإنه يخرج في الوقت الذي يمكنه من إدراك صلاتها مع الإمام)، رابعها: أن يخرج بهم في ثياب خلقة متذللين، باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط
(الحنابلة قالوا: يخرجون لصلاة الاستسقاء بثياب الزينة، كصلاة العيد). خامسها: أن يأمرهم بأن يخرجوا معهم الصبيان والشيوخ والعجائز والدواب، ويبعدوا الرضع عن أمهاتهم ليكثر الصياح. فيكون ذلك أقرب إلى رحمة اللّه عز وجل، وهذا متفق عليه بين الحنفية، والشافعية، وخالف المالكية، والحنابلة فانظر مذهبيهما تحت الخط
(المالكية قالوا: المندوب هو إخراج الصبيان المميزين الذين تصح صلاتهم، أما غيرهم من الأطفال فإنه يكره إخراجهم، كما يكره إخراج البهائم.
الحنابلة قالوا: يسن خروج الصبيان المميزين، كما يقول المالكية أما غيرهم فإنه يباح إخراجهم كالبهائم والعجائز).
صلاة كسوف الشمس
* ويتعلق بها مباحث، أولها: حكمها ودليله، وحكمه مشروعيتها: ثانيها: كيفية صلاتها، ثالثها: فرضها وسننها؛ رابعها: حكم الخطبة فيها.
حكمها ودليله، وحكمة مشروعيتها
* صلاة كسوف الشمس سنة مؤكدة، وقد ثبت بقوله صلى اللّه عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللّه، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا، حتى ينكشف ما بكم" رواه الشيخان.
وقد ثبت أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صلى لكسوف الشمس، بحديث رواه الشيخان، كما ثبت أنه صلى لخسوف القمر، كما سيأتي، أما حكمة مشروعيتهان فإن الشمس نعمة من أكبر نعم اللّه تعالى التي تتوقف عليها حياة الكائنات، وظاهر أن كسوفها فيه إشعار بأنها قابلة للزوال، بل فيه إشعار بأن العالم كله في قبضة إله قدير، يمكنه أن يذهبه في لحظة، فالصلاة في هذه الحالة معناها إظهار التذلل، والخضوع لذلك الإله القوي المتين، وذلك من محاسن الإسلام، الذي جاء بالتوحيد الخالص، وترك عبادة الأوثان، ومنها الشمس والقمر وغيرهما من العوالم.
كيفية صلاة كسوف الشمس
* اتفق ثلاثة من الأئمة على أنها ركعتان بدون زيادة، فإن فرغ منها قبل انجلائها دعا اللّه تعالى حتى تنجلي، ويزيد في كل ركعة منها قياماً وركوعاً، فتكون كل ركعة مشتملة على ركوعين وقيامين، وخالف الحنفية في ذلك. فانظر ممذهبهم تحت الخط (الحنفية قالوا: صلاة الكسوف لا تصح بركوعين وقيامين، بل لا بد من قيام واحد، وركوع واحد كهيئة النفل بلا فرق، على أنهم قالوا: أقلها ركعتان، وله أن يصلي أربعاً أو أكثر، والأفضل أن يصلي أربعاً بتسليمة واحدة أو بتسليمتين)، على أن الذين خالفوا الحنفية قالوا: إنه يصح أداء صلاة الكسوف بغير هذه الكيفية، فلو صلاها ركعتين، كهيئة النفل أجزأه ذلك بدون كراهة، فالفرق بينهم وبين الحنفية هو أن الحنفية يقولون: لا بد من صلاتها بركوع واحد وقيام واحد، وغيرهم يقول: يجوز أن يصليها بالكيفية المذكورة، وبغيرها، ومن قال: إنها تصلي بركوعين وقيامين، فإنه يقول: إن الفرض هو القيام الأول، والركوع الأول. أما القيام الثاني والركوع الثاني فهو مندوب على هذا.
سنن صلاة الكسوف
* يسن أن يطيل القراءة فيقرأ في القيام الأول من الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة "البقرة" أو نحوها؛ وفي القيام الثاني منها بعد الفاتحة سورة "آل عمران" أو نحوها، ويقرأ في القيام الأول من الركعة الثانية نحو سورة "النساء" وفي القيام الثاني نحو سورة "المائدة" بعد الفاتحة فيهما، وهذه الكيفية متفق عليها، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط
(الحنفية قالوا: يسن تطويل القراءة في الركعة الأولى بنحو سورة "البقرة" وفي الثانية بنحو "آل عمران" ولو خففهما، وطول الدعاء، فقد أتى بالسنة. لأن السنة عندهم استيعاب وقت الكسوف بالصلاة والدعاء، فإذا خفف أحدهما طول الآخر، ليبقى على الخشوع، والخوف إلى الانجلاء). ويسن أن يطيل الركوع والسجود في كل من الركعتين بمقادير مختلفة في المذاهب
(الحنفية قالوا: يسن تطويل الركوع والسجود فيهما، بلا حد معين.
الحنابلة قالوا: يطيل الركوعين في كل ركعة بلا حد، ولكن يسبح في الركوع الأول من الركعة الأولى بمقدار مائة آية. وفي الركوع الثاني منها بمقدار سبعين آية، ومثلها الركعة الثانية، إلا أن أفعالها تكون أقصر من أفعال الأولى، أما السجود فيسن تطويله في كل من الركعتين بحسب العرف.
الشافعية قالوا: يطيل الركوع الأول من الركعة الأولى بمقدار مائة آية من سورة "البقرة" والثاني بمقدار ثمانين آية منها، ويطيل الأول من الركعة الثانية بمقدار سبعين آية منها، والثاني بمقدار خمسين آية منها، أما السجود، فإنه يطيل منه السجدة من كل ركعة بمقدار الركوع الأول منها، ويطيل السجدة الثانية من كل ركعة بمقدار الركوع الثاني منها.
المالكية قالوا: يندب تطويل كل ركوع بما يقرب من قراءة السورة التي قبله، فيطول الركوع الأول بما يقرب من قراءة سورة "البقرة" والثاني بما يقرب من قراءة سورة "آل عمران" وهكذا؛ أما السجود في كل ركعة، فيندب تطويله، كالركوع الذي قبله، والسجدة الثانية تكون أقصر من الأولى، قريباً منها، ويندب أن يسبح في ركوعه وسجوده) فلا تدرك الركعة بالدخول مع الإمام في القيام الثاني، أو الركوع الثاني من كل ركعة، وخالف المالكية في ذلك، فانظر مذهبهم تحت الخط
(المالكية قالوا: الفرض في كل ركعة هو قيامها وركوعها الأخيران، والسنة هو الأولان، فلو دخل مع الإمام في القيام الثاني في إحدى الركعتين فقد أدرك الركعة)، ولا يراعى حال المأمومين في هذه الصلاة. فيشرع التطويل فيها على ما تقدم، ولو لم يرض المأموم، باتفاق ثلاثة؛ وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط
(المالكية قالوا: إنما يشرع التطويل فيها على الصفة المتقدمة ما لم يتضرر المأمومون أو يخش خروج وقتها الذي هو من حل النافلة إلى زوال الشمس)، ولا أذان لها؛ ولا إقامة، وإنما يندب أن ينادى لها بقول: "الصلاة جامعة"، يندب إسرار القراءة، إلا عند الحنابلة فإنهم قالوا: يسن الجهر بالقراءة فيها، ويندب أن تصلى جماعة، ولا يشترط في إمامها أن يكون إمام الجمعة، أو مأذوناً من قبل السلطان؛ وخالف الحنفية في ذلك، فانظر مذهبهم تحت الخط
(الحنفية قالوا: يشترط في إمامها أن يكون إمام الجمعة على الصحيح، فإن لم يوجد فلا بد من إذن السلطان، فإن لم يمكن ذلك صليت فرادى في المنازل)، ويندب فعلها في الجامع باتفاق ثلاثة، وقال المالكية: لا يندب فعلها في الجامع إلا إذا صلاها جماعة، أما المنفرد فله أن يصليها في أي مكان شاء.
وقت صلاة الكسوف
* وقتها من ابتداء الكسوف إلى أن تنجلي الشمس ما لم يكن الوقت وقت نهي عن النافلة، فإذا وقع الكسوف في الأوقات التي ينهي عن النافلة فيها اقتصر على الدعاء، ولا يصلي عند الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (الشافعية قالوا: متى تيقن كسوف الشمس سن له أن يصلي هذه الصلاة. ولو في وقت النهي، لأنها صلاة ذات سبب.
المالكية قالوا: وقتها من حل النافلة، وهو ارتفاع الشمس بعد طلوعها قدر رمح إلى الزوال فلا تصلي قبل هذا الوقت، ولا بعده).
*4* الخطبة في صلاة الكسوف
* الخطبة غير مشروعة فيها، فإذا انجلت الشمس أثناء الصلاة أتمها على صفتها، فإذا غربت الشمس منكسفة فلا يصلي لها؛ أما كون الخطبة غير مشروعة، فهو متفق عليه، إلا عند الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (الشافعية قالوا: يسن لها خطبتان لجماعة الرجال - كالعيد - بعد صلاتها، ولو انجلت الشمس، ويبدل التكبير بالاستغفار، لأنه هو المناسب للحال، ولا يشترط فيهما من شروط خطبتي الجمعة إلا أن يسمع الناس، وكونها باللغة العربية، وكون الخطيب ذكراً.
المالكية قالوا: إذا انجلت الشمس بتمامها أثناء الصلاة، فإن كان ذلك قبل إتمام ركعة بسجدتيها أتمها كالنوافل من غير زيادة القيام، والركوع في كل ركعة، ومن غير تطويل، أما إذا كان ذلك بعد تمام ركعة بسجدتيها، فقيل: يتمها على هيئتها بزيادة القيام والركوع، ولكن من غير تطويل، وقيل: يتمها كالنوافل، والقولان متساويان.
الحنفية قالوا: صلاة خسوف القمر كصلاة كسوف الشمس، إلا أنها مندوبة ولا تشرع فيها الجماعة، ولا يسن إيقاعها في الجامع بل تؤدي في المنازل وحداناً.
الشافعية قالوا: صلاة الخسوف كصلاة الكسوف، إلا في أمرين: أحدهما: الجهر بالقراءة في الخسوف دون الكسوف، ثانيهما: إن صلاة الكسوف تفوت بغروب الشمس كاسفة. بخلاف القمر، فإنه إذا غرب خاسفاً فعلت صلاته إلى أن تطلع الشمس، وإذا فاته كل من صلاة الكسوف والخسوف لم يقض).
صلاة خسوف القمر، والصلاة عند الفزع
* وأما صلاة خسوف القمر، فحكمها وصفتها، كصلاة كسوف الشمس المتقدمة، إلا في أمور مفصلة في المذاهب
(المالكية قالوا: صلاة خسوف القمر مندوبة لا سنة على المعتمد، بخلاف الكسوف فإنها سنة، كما تقدم، وصفتها كالنوافل بلا تطويل في القراءة، وبدون زيادة القيام والركوع؛ ويندب الجهر فيها بالقراءة، ووقتها من ابتداء الخسوف إلى انجلاء القمر، وينهى عنها في أوقات النهي عن النافلة، ويحصل المندوب بصلاة ركعتين، ويندب تكرارها حتى ينجلي القمر أو يغيب أو يطلع الفجر، بخلاف صلاة الكسوف، فإنه لا تكرر إلا إذا انجلت الشمس ثم انكسفت، ويكره إيقاعها في المسجد، كما تكره الجماعة فيها.
الحنابلة قالوا: صلاة الخسوف كالكسوف، إلا أنه إذا غاب القمر خاسفاً ليلاً أديت صلاة الخسوف بخلاف الشمس، كما تقدم)، وأما الصلاة عند الفزع فهي مندوبة، فندب أن يصلي ركعتين عند الفزع من الزلازل أو الصواعق أو الظلمة والريح الشديدين، أو الوباء، أو نحو ذلك من الأهوال، لأنها آيات من اللّه تعالى يخوف بها عباده ليتركوا المعاصي، ويرجعوا إلى طاعته، فعند وقعها ينبغي الرجوه إليه تعالى بالعبادة التي يدور عليها أمر سعادتهم في الدنيا والآخرة، وهي كالنوافل المطلقة فلا جماعة لها ولا خطبة، ولا يسن فعلها في المسجد بل الأفضل فيها أن تؤدي بالمنازل، وهذا متفق عليه عند المالكية، والحنفية. أما الحنابلة فقالوا: لا تندب الصلاة لشيء من الأشياء المذكورة إلا للزلازل إذا دامت فيصلي لها ركعتان كصلاة الكسوف، وأما الشافعية فلم يذكروا أن الصلاة مندوبة لشيء من هذه الأمور.