محتويات
- عقيدة الوهابيّة
- التوحيد والشرك
- الوهابية او السيف
- حرية العقيدة
- الشرك
- تدرأ الحدود بالشبهات
- صفات الله
- ملاحظة
- الايمان بالقدر
- الاسباب والمسببات
- مرتكب الكبيرة
- اصحاب الرسول
- الخلفاء الراشدون
- الاحاديث
- الجاهل غير معذور
- الاجتهاد والتقليد
- كرامات الأولياء
- السحر
- الأمر بالمعروف
- الحاكم الجائر
- اصحاب الذنوب
- االعودة إلي كتاب هذه هي الوهّابيّة
عقيدة الوهابية
قلنا: ان الوهابية حشوية او اشبه بالحشوية الذين يتمسكون بحرفية الالفاظ، وان قام الف دليل من العقل على المجاز والتأويل، وانهم يضيقون معنى الاسلام، ويتوسعون في مفهوم الشرك، بحيث لا يصدق التوحيد الا عليهم، واليك الدليل.
التوحيد والشرك
يرى الوهابيون ان جميع المسلمين ـ غيرهم ـ قد فسروا التوحيد تفسيرا خاطئاً، وفهموه فهماً لا ينطبق على الواقع، ولا يخرجه عن حقيقة الشرك، وعملوا بما فهموا.. اذن، جميع المسلمين مشركون، من حيث لا يريدون ولا يشعرون.
فالانسان عندهم لا يصير موحداً بمجرد ان يشهد ويعتقد بلا إله الا الله محمد رسول الله «وبان الله هو الخالق الرازق وحده، لا شريك له، وانه لا يرزق الا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وبان جميع السموات والارض، ومن فيهن، والارضين السبع، ومن فيها، كلهم عبيد، وتحت تصرفه.. كل ذلك لايفيد، ولا يجعل الانسان موحداً ولا مسلماً..
وكما لا تنفع كلمة الشهادة كذلك لا تنفع كثرة العبادة، ولا الايمان بأن محمداً لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرراً، ولا قول الانسان: انا مذنب، والانبياء لهم جاه عند الله، واتوسل بهم اليه تعالى، كي يعفو ويصفح»(1)
كل ذلك، وغير ذلك لا يجعل الانسان موحداً ولا مسلماً إلا ان يترك أموراً معينة.
«ومنها»: ان لا يتوسل الى الله بأحد انبياءه واوليائه، فان فعل، وقال ـ مثلاً ـ: يا الله أتوسل اليك بنبيك محمد ان ترحمني فقد سلك مسلك المشركين، واعتقد ما اعتقدوا. (تظهير الاعتقاد ص36 الطبعة الاولى، والرسائل العملية التسع ص45 وما بعدها طبعة 1957).
«ومنها»: ان لا يقصد قبر النبي للزيارة، ويشد اليه الرحال، وان لا يتمسح به، ولا يمسه، ولا يدعو الله ويصلى لله عنده، ولا يقيم عليه بناء ولا مسجداً، ولا ينذر له. (تطهير الاعتقاد ص30 و41، ونقض المنطق لابن تيمية ص15 طبعة 1951، وفتح المجيد ص239 طبعة 1957، واقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم لابن تيمية ص368 طبعة 1950). وفي صفحة 404 من هذا
الكتاب «وان كان المصلي لا يصلي الا لله، ولا يدعو الا الله» فانه مشرك. «ومنها»: ان لا يطلب الشفاعة من النبي، لان الله، وان اعطاها لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وغيره من الانبياء، ولكنه نهى عن طلبها منهم(1) ومن طلب الشفاعة من محمد كان كمن طلبها من الأصنام سواء بسواء. (الرسائل العملية التسع ص110، و114). أرأيت الى هذا المنطق من يعظم الرسول لقربه من الله سبحانه كافر مشرك، ومن يساويه بالاصنام التي حطمها الرسول مؤمن موحد؟.
____________
(1) رسالة التوحيد، ورسالة هذه اربع قواعد، ورسالة كشف الشبهات لمحمد عبدالوهاب، وفتح المجيد لحفيده، وتطهير الاعتقاد من ادران الالحاد للصنعاني وهو من اصح الكتب واوثقها عند الوهابية، وغير هذه الرسائل والمؤلفات من كتبهم المعتبرة.
«ومنها»: ان لا يحلف بالنبي، ولا يناديه، ولا ينعته بسيدنا، كأن يقول: بحق محمد، ويا محمد، وسيدنامحمد، بل الحلف بالنبي وغيره من المخلوقات هو الشرك الاكبر الموجب للخلود بالنار، قال حفيد محمد عبدالوهاب في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص414 طبعة 1957: «قال ابن مسعود: «لان احلف بالله كاذباً احب إليّ من ان احلف بغيره صادقاً» لان الحلف بالله كاذباً كبيرة من الكبائر، ولكن الشرك ـ أي الحلف بغير الله ـ اكبر من الكبائر(2) .
____________
(1) يجوز للمسلم ان يقول يا الله شفع في محمدا، ولا يجوز ان يقول: يا محمد اشفع لي عند الله. (من منشور نشره الملك عبدالعزيز سنة 1943).
(2) لم يجزوا الحلف بغير الله، ومع ذلك قالوا: لو حلف الرجل بطلاق زوجته صح، وتطلق الزوجة.. اللهم الا ان يقال: ان النهي في غير العبادة لا يدل على الفساد.
فاذا كان هذا حال الشرك الاصغر فكيف بالشرك الاكبر الموجب للخلود بالنار».
قال السيد الأمين في كتاب «كشف الارتياب» ص127 الطبعة الثانية: «جاء في خلاصة الكلام صفحة 230: كان محمد عبدالوهاب يقول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انه طارش، وان بعض اتباع هذا الشيخ كان يقول: عصاي هذه خير من محمد، لانه ينتفع بها في قتل الحية، ومحمد قد مات، ولم يبق فيه نفع، وإنما هو طارش ومضى».
هذا هو الكلام الذي يهتز منه العرشن وتتفطر السموات، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هداً.. واذا كانت العصا خيراً من محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلماذا يجب حبه وطاعته، والايمان به؟. ولماذا نكرر الصلوات والتحيات عليه في الصلوات الخمس، ويقرن اسمه باسم الله على المأذن والمنابر، ويحتج بقوله في كل علم وفن؟. وبالتالي، فأي معنى لقوله جل وعز: (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد الله عليه فسيؤتيه اجراً عظيماً ـ الفتح 10)(1) .
وايضاً أي معنى لقوله تعالى: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه) .
____________
(1) تعزروا النبي أي تنصرونه، وتوقرونه أي تعظمونه، وتسبحوه بكرة واصيلا أي تذكرونه في تسبيحكم وصلواتكم بالتحيات.
«ومنها»: ان لا يتطير ولا يتشاءم. (فتح المجيد ص305 وما بعدها.
«ومنها»: ان لا يعمل عملاً للدنيا كالمدح والثناء. (فتح المجيد ص372 وما بعدها).
ان ترك هذه الأمور، وما اليها يتصل اتصالاً وثيقاً بمفهوم التوحيد، ومن فعلها فهل مشرك يحل دمه وماله وذراريه، سواء أفعلها عن علم بتحريمها، او جهلاً واشتباهاً، لأن فعلها يفضي الى تكذيب الرسول، وان لم يتعمد الفاعل منكراً. (الرسائل العملية التسع ص79). وليس من شك انك قد لاحظت ايها القارىء انهم عدوا عدم زيارة النبي وطلب الشفاعة منه شرطاً في التوحيد، ولم يعدوا قتل النفس المحترمه ولا الزنا ولا أكتناز الذهب من منافيات التوحيد والايمان.
وبعد، فان ما ذكرناه من الشواهد والارقام يعطي الصورة الوافية للفهم الوهابي للتوحيد والاسلام، والنزعة المتعصبة ضد الانسانية، وضد رسالة محمد التي تنظر الى البشرية نظرة حب ورحمة تتسع للقريب والبعيد في كل عصر وجيل.
الوهابية او السيف
ان المبدأ الاول للوهابية، وشعارهم الوحيد: «اما
الوهابية، وأما السيف» فمن اعتنقها سلم، ومن ابى أبيح دمه، وذبحت أطفاله، ونهبت أمواله، ومحال ان ينظر الوهابي الى غيره الا بهذه العين المكفرة المستحله للارواح والأموال.. قال الشيخ سليمان عبدالوهاب اخو محمد عبدالوهاب في كتاب «الصواعق الإلهية» ص27 و29 طبعه 1306هـ مخاطباً الوهابية: «فأنتم تكفرون بأقل القليل من الكفر، بل تكفرون بما تظنون انتم انه كفر، بكل تكفرّون بصريح الاسلام، بل تكفّرون من توقف عن تكفير من كفرتموه».
ولندع جيمع ما قيل عن الوهابية، وننظر الى كتبهم، وماخطوه بأيديهم، كما فعلنا فيما تقدم، قال محمد عبدالوهاب مؤسس مذهب الوهابية في رسالة «كشف الشبهات» المطبوعة مع غيرها في كتاب الرسائل العملية التسع ص123 طبعة 1957: «ولا تنفعهم لا اله الا الله، ولا كثرة العبادات، ولا ادعاء الاسلام لما ظهر منهم من مخالفة الشرع».
هكذا ينبغي ان تكون الأخوة والمحبة والرحمة.. لله درك أيها الشيخ لقد مثلت التسامح الاسلامي حتى كدنا نتوهم ان هذه الآية: (وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين) نزلت فيك.. استغفر الله.
وقال في صفحة 110: «وان قالوا: نحن لانشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق، ولا يرزق، ولا ينفع، ولا يضر الا الله وحده لا شريك له، وان محمداً رسول الله لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرراً، ولكن الصالحين لهم جاه عند الله، وأنا اطلب من الله بهم، فجاوبه ان الذين قاتلهم رسول الله مقرون بما ذكرت، ومقرون بأن اوثانهم لا تدبر شيئاً، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة». أي ان من يطلب الشفاعة من محمد تماماً كمن يطلبها من الاوثان سواء بسواء.. هذا هو التحقيق الدقيق، والايمان العميق..
وايضاً قال محمد عبدالوهاب مؤسس المذهب في ص117 و118: «واذا قالوا: نحن نشهد ان لا اله الا الله، وان محمد رسول الله، ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل اولئك؟. فالجواب ان الرجل اذا صدّق رسول الله في شيء، وكذبه في شيء فهو كافر لم يدخل في الاسلام».
وهكذا يدخل هذا الشيخ في كفره من يشاء، ويخرج من الاسلام من يشاء، حتى كأن الله سبحانه قد جعل في يده ايمان العباد وعقيدتهم، لا في قلوبهم وعقولهم.. ولا ادري ماذا أراد بقوله: اذا صدق الرجل محمداً في شيء، وكذبه في شيء فهو كافر.. لان من صدّق رسالة محمد يصدقه في كل شيء، لا في شيء دون شيء.. وقد ادرك هذه الحقيقة مشركو قريش حين كتب النبي في صلح الحديبية: «هذا ما صالح عليه محمد رسول الله» فقال له المشركون: لئن كنت رسول الله، ثم قاتلناك، فقد ظلمناك، ادرك هذه الحقيقة المشركون، ولم يدركها محمد عبدالوهاب.. لماذا؟
لأنه هو قد آمن ببعض ما جاء به محمد، وكفر ببعض..
وجاء في كتاب تطهير الاعتقاد ص35 و36: «يجب ان يدعى هؤلاء الى التوبة، والرجوع الى التوحيد ـ أي الى الوهابية ـ فمن رجع منهم حقن دمه وماله وذراريه، ومن أصر اباح الله منه ما أباح لرسول الله من المشركين».
وفي كتا فتح المجيد ص491: القتل لمن عاند ولم يتب من الخوارج والقدرية.. عجيب امر هؤلاء الوهابية.. يبيحون الدماء، حتى كأنها شربة ماء.. «ومن أصر اباح الله دمه وماله وذراريه» ولا ادري: هل هذا تقى وزهد، او فهم ووعي، او حب وتسامح، او نتيجة طبيعية لحقدهم على البشرية بعامة، والمسلمين بخاصة، أو انهم طبيعة أخرى منفصلة عن الانسان وحقيقته؟..
وفي صفحة 40 و41 من هذا الكتاب: «اذا قال الكافر: لا اله الا الله حقن دمه وماله، حتى يثبت العكس، اما غيرهم ـ أي المسمون ـ فلا تنفعهم كلمة لا اله الا الله كما انها لم تنفع الخوارج على عبادتهم.. فثبت ان مجرد كلمة التوحيد غير مانع من ثبوت شرك من قالها، لارتكابه ما يخالفها» ارأيت الى هذا المنطق. كلمة التوحيد تنفع الكافر، حتى يثبت العكس.
ولا تنفع المسلم بحال؟، وانما الذي ينفع الاساءة الى الله في عرشه، والى محمد في قبره، الذي ينفع هدم قبور آل الرسول، وتشبيهه بالعصا والأوثان.. والذي يجدي هو باحة الدماء، وسبي النساء، ونهب الأموال، واشاعة الخوف والفوضى، والفساد في الارض باسم الدين والسماء، قال الله جل وعز:
إ
(ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) . وقال: الوهابية: بل تباح دماؤهم وتسبى ذراريهم وتنهب أموالهم..
وبعد، فهل من شاهد اصدق من هذا على ان مبدأهم وشعارهم: «الوهابية، او السيف للرجال والنساء والاطفال، والنهب للأموال»؟..
يقول الشيوعيون: «ان الدين هو التميمة السماوية لمجتمع جاهل مضطهد، يحفظ مع ذلك بشيء من سوء النية، ثم يبرر الشر والفساد بالوحي من السماء». وهذا القول لا ينطبق على اية عقيدة دينية الا عقيدة الوهابية.
حرية العقيدة
ان عقيدة الوهابية تحتم الضغط على كل انسان، بخاصة المسلم وان يترك رأيه الى رأيهم، واجتهاده الى فهمهم، والا حل ماله، واستبيح دمه، ودم أهله وعياله ـ الوهابية أو السيف ـ. وقد نصت المادة الثامنة عشرة من قانون حقوق الانسان الذي اقترته الجمعية العامة في الامم المتحدة، نصت
هذه المادة على ان «كل انسان الحق في حرية الدين والعقيدة، والتعبير عنهما بالقول والفعل».
وسواء أقرت الامم المتحدة هذا الحق، أم انكرته، فان الحرية تتصل بانسانية الانسان، وبطبيعته مباشرة، فحرمانه منها معناه حرمانه من حياته واصل وجوده.. ولذا حرص الاسلام عليها، ولم يدع وسيلة لاحد من وسائل الضغط والاجبار على الايمان بشيء لم يصل اليه بقلبه، ولا بعقله.
لذا دعا الى النظر المستقل، والتفكير الحر، قال عز من قائل: «انظروا ماذا في السموات والارض.. وفي انفسكم افلا تنظرون.. قل سيروا في الارض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين.. لا إكراه في الدين.. لست عليهم بمسيطر..»
الى غير ذلك من عشرات الآيات، ولا شيء اصح واوضح في الدلالة على ان أساس الاسلام هو النظر لا التقليد، وان دعوته تقوم على العقل والفطرة لا السيف والرمح من قوله: «لا اكراه في الدين». هذا هو الحق والعدل، وهذا هو الوجدان والعقل، فما دمت لا ترضى بأن يكرهك أحد على دينه، فكيف تكرهه أنت على دينك؟.. حتى الله تبارك وتعالى لم يحمل الناس قسراً على طاعته وعبادته، «ولو شاء ربك مافعلوه فذرهم وما يفترون ـ الانعام 112» واذا
عطفنا هذه الآية على آية لا اكراه في الدين، وآية لست عليهم بمسيطر، وآية وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، اذا عطفنا هذه الآيات وما اليها بعضها على بعض علمنا ان قول الرسول: امرت ان اقاتل الناس، حتى يقولوا: لا اله إلا الله.. المراد منه الذين يقاتلونه، ويسعون في الأرض فساداً، ويؤكد هذا المعنى الآية 193 من سورة البقرة: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) بل ان القرآن رخص للمسلمين ان يحسنوا ويكرموا من لم يقاتلهم في الدين، ولم يعتد على الأرواح والأموال: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين) .
الشرك
من تحصيل الحاصل، وتضويح الواضح القول: ان الشرك هو ان يدعو الانسان مع الله إلهاً آخر، بحيث اذا قيل له: لا إله إلا الله نفر واستكبر، كما في الآية 35 من الصافات: (انهم كانوا اذا قيل لهم لا إله إلاّ الله يستكبرون) والآية 5 من سورة ص: (اجعل الآلهة إلهاً واحداً ان هذا لشيء عجاب) . وذكرنا في فصل المسلم والكافر طرفاً من الأحاديث فلا نعيد.
فأين الاحراز والتمائم، واستعمال الرقى والتعاويذ والتطير والتشاؤم، وزيادة القبور والصلاة عندها، والتمسح بها،
والتعمير عليها، والحلف بغير الله، وما الى ذاك مما كفر الوهابيون به جميع المسلمين؟..
وعلى افتراض ان هذه الأمور من المحرمات فإنها من الفروع التي لا تمت الى التوحيد والأصول بسبب قريب ولا بعيد، وفعلها لا يوجب الكفر ولا الارتداد، بل ولا الحد، ولو اوجب الكفر لما وجد على وجه الأرض مسلم.
والآن نوجه هذه الاسئلة الى الوهابيين: قلتم: أن تعمير القبور والتمسح بها، والطواف حولها، والصلاة لله عندها شرك، بل قلتم: ان من شك وتوقف عن تكفير من كفرتم فهو كافر، وان لم يتعمد المنكر، بل توقف تورعاً واحتياطاً.. ولم تستثنوا قبراً واحداً من وجوب الهدم، حتى قبر الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم.. اذن، لماذا هدمتم قبور الأئمة الاطهار في البقيع، وتركتم قبره الشريف؟. لماذا وقفتم «بالاصلاح» في منتصف الطريق؟.. يقول حفيد محمد عبدالوهاب في فتح المجيد 242: «ان عكوف الناس على قبور الانبياء اعظم، واتخاذها مساجد اشد». وعليه فقبر الرسول اولى بالهدم، لأنه الأصل، وقبور الآل فرع. ثم لماذا تمنعون الناس من التمسح بقبره، وتحيطونه بسياج من الشرطة يمنعونه من الدنو منه، وتدعونهم يطوفون حوله، ما دام كل من التمسح والطواف محرماً، وربما كان الطواف أشد؟.
ثم ان مسجد الرسول الحالي قائم على قبره وقبر ابي بكر
وعمر، ان ان جزء منه قائم على هذه القبور، فان الوليد بن عبدالملك هدم المسجد الذي كان على عهد الرسول، وادخل فيه بيوت ازواجه، ومنها بيت عائشة الذي فيه القبور الثلاثة، فصارت هذه القبور ضمن المسجد الموجود الآن، اذن، القسم الذي ضم هذه القبور ليس جزء من مسجد الرسول، لأنه قد حدث بعده، وعلى مذهبكم يجب هدم هذا الجزء الحادث، مع انكم تقيمون الصلاة جماعة في تمام المسجد الحالي، أي ان كثيراً من المؤتمين بكم يصلون في الجزء الحادث الذي فيه القبور، وقد صرح أئمتكم بأنه لا تجوز الصلاة في مسجد بني على قبر، لان ذلك يفضي الى الشرك على حد تعبير ابن تيميه في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم ص404، بل لا تجوز الصلاة فريضة في مسجد بني بين القبور، لا عليها كما قال حفيد محمد عبدالوهاب في فتح المجيد ص243. واذا لم تجز الصلاة في مسجد بين القبور، فيكف فسحتم المجال لمن يأتي بكم في مسجد، او في جزء من مسجد توجد القبور في قلبه ووسطه، مع ان ذلك يفضي الى الشرك بزعمكم؟. وأي فرق بين ان تصلوا انتم في هذا الجزء، او ترضو بالصلاة فيه، بل تكونوا أئمة لمن صلى فيه؟.. أليس معنى هذا انكم من الذين يقولون مالا يفعلون، ويفعلون ما ينكرون، ويكفرون الناس بما يرتكبون؟..
وكل شيء جائز على منطق الوهابيين.. عباقرة تكفير الأمة.. ونوابغ تشتيت شملها، وتفتيت وحدتها.. وسؤال آخر لا أخير نوجهه اليكم ـ ايها الوهابيون ـ نوجهه للاستفهام لا للتعجيز، ولتقارنوا وتوازنوا بين آرائكم بعضها مع بعض، وهذا هو السؤال: هل عمارة القبور واقامة المساجد عليها أعظم إثماً عند الله، أو تكفير من قال: لا اله الا الله محمد رسول الله، واباحة دمه وماله وذراريه؟.
وبالتالي، فان المسلمين اذا يعظمون النبي، ويتوسلون به الى الله، ويطلبون منه الشفاعة فانما يفعلون ذلك من باب انه وسيلة لا غاية، وطريق لا هدف، وبهذا يحصل التوازن والتعادل بين الايمان بالله كمبدي الخلق ومعيده، وبين الايمان بمحمد كنبي مقرب، وشفيع مشفع.
الشيعة والمناجاة عند قبور الأئمة:
لو اطلع الوهابيون على ما يدعو به الشيعة عند قبور أئمتهم لادركوا ان زيارتهم لها هي التوحيد في واقعه، والاخلاص في حقيقته، لو سمع الوهابيون تلك الأصوات، ووعوا تلك الكلمات التي تتردد حول قبر أمير المؤمنين علي، وولده الامام الحسين لتأكدوا انها عين التنزيه عن الشرك، ونفس الايمان بالله وحده. وإليك أمثلة من ذلك الكلم الطيب:
فمن ادعية الصحيفة السجادية التي يرددها الشيعة صباح
مساء عند قبور الأئمة الاطهار وفي كل مكان: «الهي من حاول سد حاجته من عندك فقد طلب حاجته في مظانها، واتى طلبته من جهتها، ومن توجه بحاجته الى احد من خلقك، او جعل سبب نجحها دونك فقد تعرض للحرمان، واستحق من عندك فوات الاحسان».
ومن دعاء آخر: «الهي لا تخيب من لا يجد مطمعاً غيرك، ولا تخذل من لا يستغنى عنك بأحد دونك».
ومن دعاء ثالث: «الّلهمّ ان صرفت عني وجهك الكريم، او منعتني فضلك الجسيم، او خطرت عليّ رزقك، او قطعت عني سببك لم اجد اللسبيل الى شيء من أملي غيرك، ولم اقدر على ما عندك بمعونة سواك».
ومن رابع: «إلهي خاب الوافدون على غيرك، وخسر المتعرضون الا لك، وضاع الملمون الا بك، وأجذب المنتجعون الا من انتجع فضلك». ومن خامس: «تباركت وتعاليت لا اله الا انت صدقت رسلك، وآمنت بكتابك، وكفرت بك معبود سواك، وبرئت ممن عبد غيرك» الى ما لا يحصى من هذا التنزيه عن كل شبية.
فاين عبادة الوهابين، وتوحيد المكفرين من هذا الاعتصام والانقطاع والزهد، والتنزيه النزيه، والعبادة التقية النقية؟. وهل ينطق بهذا الا من سمى عقله، وصفا قلبه، واختلط التوحيد بلحمه ودمه؟. هل يصدر هذا الكلم الطيب عن نفس فيها شائبة لغير الواحد الأحد؟. وهل من عبادة تستهدف
العلي الأعلى كما تستهدفه هذه المناجاة: «خاب الوافدون على غيرك، واجذب المنتجعون الا من انتجع فضلك»؟. وهل يصدق وينطبق على من اعتصم بالله بهذه العبادة والمناجاة، هل ينطبق عليه قول ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم ص391 ان الرافضة ابعد الناس عن التوحيد وقول محمد عبدالوهاب في كتاب التوحيد وشرحه فتح المجيد ص243: وبسبب الرافضة حدث الشرك، وقول الصنعاني في تطهير الاعتقاد ص31: «يطلبون من الميت مالا يطلب الا من الله»؟.
ان الشيعة لا يزورون أئمة البقيع الا ليرددوا هذه المناجاة التي ناجى بها الامام زين العابدين العليم القدير، ولا يزورون مقام علي أمير المؤمنين الا لتمتليء نفوسهم بقوله: «عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم». ولا يزورون مشهد ولده سيد الشهداء في كربلاء الا لينقطعوا الى الله، ويعرضوا عن كل ما سواه من مال وجاه وحطام مخاطبين الله بقول ابي عبدالله: الحسين «ماذا وجد من فقدك؟. وما الذي فقد من وجدك؟.»
فاين الشرك والالحاد الذي زعم الوهابيون ان زيارة القبور تفضي إليه؟..
كلا، لا شرك في زيارة قبر الرسول وآله، وانما الشرك فيما قاله الصنعاني في آخر كتاب تطهير الاعتقاد من أدران الالحاد وهذا نصه بالحرف: «السحر أمر مقطوع به، وله تأثير
عظيم في الأفعال، كان في الهند رجل يقطّع الولد عضواً عضواً، ويرمي بكل عضو الى جهة، ثم يرد الاعضاء، ويعود الولد حياً، وكان في العراق رجل يفصل رأس الانسان عن جسده، ثم يرده كما كان، وكانت في القديم امرأة تلقي القمح في الأرض، وتقول له: اطلع فيطلع، ثم تقول له: ايبس فيبس، ثم تقول له: اطحن، فيصير طحيناً، ثم تقول له: اخبز، فيصير خبزاً، وكانت لا تريد شيئاً الا كان»(1) .
يعتقد الوهابية ان الساحر المنافق المشعوذ يقول للشيء كن فيكون، تماماً كرب العزة، ومع ذلك هم وحدهم المؤمنون الموحدون، اما من يتقرب الى الله بزيارة قبر الرسول، وآله الكرام فمشرك..
بقي ملحوظة، وهي ان التوحيد الحق، والاخلاص لله في العبادة انما يتحققان، ويوجدان، حيث توجد العدالة الاجتماعية، وحيث يعمل الانسان لعون أخيه الانسان، ويحب له ما يحبه لنفسه، اما حيث يعيش هو في الترف والبذخ، ويغرق أخوه بالشقاء والمحن، فلا توحيد، ولا ايمان، ولا اسلام، بل رياء ونفاق، وفساد وضلال.
ملحوظة ثانية: لقد هدم السعوديون قبور آل الرسول،
____________
(1) حين اجتمعت برئيس قضاة الوهابية في مكة الشيخ سليمان بن عبيد قلت له: ساكتب عن عقيدتكم، فارشدني الى الكتب المعتبرة عندكم. فاسمى لي عدداً، منها تطهير الاعتقاد للصنعاني. فلزمتهم الحجة اذن.
ومع ذلك بقيت السعودية تسير في مؤخرة الركب في شتّى الميادين، ولم تتقدم خطوة الى الامام.. اذن، سر التأخر والتقهقر لا يكمن في تعمير القبور، ولا في اقامة المساجد عليها، بل السر كل السر يكمن في الجهل وفساد الأوضاع، وفي الدكتاتورية والاسراف، وفي الأفكار الضيقة المغلقة التي لا تتفتح لثمرات المعقول.
ملحوظة ثالثة: لقد غالى الخوارج بتكفير من كفروا، وغالى من أحرقهم الامام في تأليهه، وغالى الوهابيون في تكفير الأمة.. وبديهة ان الغلو لعنة وطغيان يفسد العقيدة ويضلل العقل، بل ويفسد الحياة، لا نها لا تقوم على الجذب وحده، ولا على الدفع وحده، بل على التعادل بينها والتوازن، وكذلك تكفير المسلم فساد، وتأليهه أفسد، والعدل هو الوسط.
ملحوظة رابعة: اوجبوا هدم القبور، وحرموا الخروج على الحاكم الجائر، والمستبد الفاسد، وأجبوا طاعته والاستماع له.
وملحوظة خامسة: أي فرق بين من يكتب وثيقة بحرمان الانسان من الدين، ورحمة الله، كما تفعل الكنيسة، وبين من يصدر حكمه عليه بالتكفير؟. وايهما أسوء وأفظع؟.
تدرأ الحدود بالشبهات
من المعلوم بنص الكتاب والسنة، وبالاجماع، وضرورة العقل، وباتفاق الشرائع قديمها وحديثها ان كلاً من الجهل
والخطأ والنيسان والاكراه عذر تحقن معه الدماء، وتحفظ الأرواح، وان من خالف بسبب من هذه الأسباب لا يكون كافراً ولا مرتداً، حتى ولو حصل منه ذلك عن تفريط وتقصير فيما يعود الى الفروع، وإن كان آثماً، لترك التحفظ، وما وجب عليه من البحث والاحتراز، بل حتى لو ثبت الحكم الفرعي بدليل قاطع وإجماع جامع، وعلم بضرورة الدين والمذهب، اذا كان الجهل والالتباس ممكناً في حقه، وجائزاً على مثله، ومن هنا كان علماء المسلمين، وما زالوا يختلفون، ويخطيء بعضهم بعضاً بدون تفكير، وإن منهم من خالف المذاهب الأربعة مجتمعة، ومع ذلك لم يكفره احد.
بل كل فرقة من فرق المسلمين التي بلغت ثلاثة وسبعين، كما جاء في الحديث، ان كل واحدة من هذه الفرق تدعي انها هي الناجية دون غيرها، وان الاثنتين والسبعين هالكة غداً قضها وقضيضها الا هي، ومع ذلك لم تحكم عليها بالكفر، ولم تبح قطرة واحدة من دمائها، او تستحل عقالاً من مالها، ما دامت تقول: لا اله الا الله محمد سول الله غير معاندة، ولا جاحدة لما ثبت عندها، ولم تقم لديها الحجة بصدوده عن الرسول الأعظم، وبهذا يتبين ان امة محمد مجمعة على ان الارتداد لا يتحقق، ولن يتحقق الا ممن ايقن وتيقن بصدور الحكم عن صاحب الشرع، ثم جحده عناداً او وتعصباً.
اما من رأي المحرم مباحاً لشبهة، ولو ضعيفة، دخلت
عليه، لعدم وصول النص اليه، او لإجماله، او معارضته بغيره، او لاشتباه الموضوع في الخارج، او لمرض في فهمه، أما هذا فمعذور بالجهل، كما أن المخطيء معذور بالخطأ، والمكره بالاكراه، بل ومأجور ايضاً اذا بحث واجتهد.
ومعلوم ان الذين اباحوا البناء على القبور، وزيارتها، والصلاة لله عندها لم يثبت التحريم عندهم، بل ثبت الجواز بل الرجحان، وعليه يكون الحكم عليهم بالكفر هو الكفر بعينه، فلقد جاء في البخاري ومسلم ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر الا ارتدت عليه، ان لم يكن صاحبها، وان من قذف مؤمناً بالكفر فهو كمن قتله.
صفات الله:
يحمد الوهابيون على ظاهر نصوص الكتاب والسنة في صفات الله سبحانه، ولم يجيزوا تفسير الظواهر وتأويلها بغير ما دلت عليه الصورة الحرفية، بل يعتبرون التأويل كفر، لأنه كذب على الله والرسول، ويرون تنزيه الله باثبات اليد له والرجل، والكف والاصابع، والنفس والوجه، والعين والسمع، والجلوس والوقوف، والضحك والتكلم، والوجود في السماء، وما إلى هذه من الصفات التي وصف الله بها نفسه، او جاءت على لسان نبيه من غير زيادة ولا نقصان، ولا تأويل بما يخالف ظاهرها، ولا تشبيه بصفات المخلوقين.
واستدلوا على اليدين بقوله تعالى: (بل يداه مبسوطتان) وعلى العينين او العيون: (واصنع الفلك بأعيننا) . وعلى الجلوس: (ثم استوى على العرش) . وعلى الوجود في السماء: (أءمنتم من في السماء) . وعلى الوجه: (فثم وجه الله) . وعلى السمع والعين: (هو السميع البصير) . وعلى النظر اليه: (وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة) . وعلى السير والمجيء: (وجاء ربك والملك صفاً صفا) . وعلى النفس (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) . وعلى الضحك بما رواه ابن تيمية في كتاب الايمان ص230: «ان الله ضحك الى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة.. وايضاً قد ضحك حين دخل آخر رجل الى الجنة، فقال له الرجل: أتسخر بي، وأنت رب العالمين؟.»
واستدلوا على الرجل بما رواه ابن تيمية ايضاً في الرسالة الواسطية الموجودة في كتاب الرسائل التسع ص136: «لا تزال جهنم يلقى فيها، وهي تقول: هل من مزيد؟. حتى يضع رب العزة فيها رجله، فينزوي بعضها الى بعض، وتقول: قط قط».
واستدلوا على وجود الاصابع بما رواه محمد عبدالوهاب في آخر كتاب التوحيد: «ان الله جعل السموات على اصبع من اصابعه، والأرض على اصبع، والشجر على اصبع، والثرى على اصبع، وسائر الخلق على اصبع.. ثم اعتز الله وفتخر، وقال: انا الملك، انا لله. اين الجبارون؟ اين المتكبرون؟. فالله يحمل السموات السبع والأرضين السبع في يده، وهي فيها كحبة خردل في يد احدنا، وهذا معنى قوله تعالى: (والأرض جميعاً في قبضته يوم القيامة) .
ملاحظة:
ويلاحظ اولاً: ان المعروف من طريقة العرب انهم يستعملون الألفاظ في معانيها المجازية أكثر مما يستعملونها في المعاني الحقيقية، ومن المعلوم بالبديهية ان الكتاب والسنة منزلان على كلام العرب وطريقتهم في الخطابات والمحاورات: «انا انزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون». واذا أبقينا جميع ألفاظ الكتاب على ظاهرها فبماذا نفسر قوله تعالى: (واسأل القرية التي كنا فيها والعير) وقوله: (واسأل من ارسلنا قبلك من رسلنا؟) هل نفسره بأن المطلوب توجيه السؤال الى الحيوان والاحجار والأموات؟. واذا ساغ لنا تفسير هذه الآية تبعاً للواقع بالمعاني المجازية التي لم تدل عليها الصورة اللفظية، والدلالة المطابقية.. جاز ذلك في غيرها نبعاً للواقع، والفرق تحكم، وما أوسع هذا الباب وأكثر هذا النوع في كلام الله ورسوله.
ثانياً: ان الوهابية ومن اليهم وقعوا في أشد مما فروا منه، لقد فروا من التأويل، فوقعوا في الاسراف والتعسف، وهربوا من القول بالرأي إلى القول بالجهل، والرجم بالغيب.. ذلك انهم زعموا ان يد الله وكفه، وعينه واذنه الخ لا تشبه
أعضاءنا هذه في شيء فراراً من مشكلة التشبيه، وبديهة ان اليد ظاهرة في هذا العضو المعروف، وهو لا ينفك عن المادة بحال، وكذلك العين والسمع، وما اليهما، فان ابقينا اللفظ على ظاهره يلزم ان يكون الله جسماً، كسائر الأجسام، وهم لا يلتزمنون به، وإن صرفناه الى غير هذه اليد والعين والسمع يلزم التأويل، وقد فروا منه، وإن حملناه على معنى مجهول عند السامع والمخاطب، وذلك بأن تكون له يد لا كالايدي، وعين لا كالأعين على حد تعبيرهم وقعوا في التعسف، وهو أشد سوء من التأويل، وبكلمة ان ابقوا اللفظ على ظاهره جاءت مشكلة التجسيم، وان حملوه على معنة مجهول جاء التعسف..
فتعين تأويل اللفظ تأويلاً معقولاً بحمله على معنى يتلاءم مع جلال الله وعظمته على ان تتحمله الصورة اللفظية، ولا يأباه الذوق السليم، كحمل اليد على القدرة، لانها مظهر لها، والسمع والبصر على العلم، لانهما سبيلان اليه، وحمل الوجه على الظهور، لانه المعنى البارز، والاستواء على الاستيلاء، ورؤية الله على رؤيته بالبصيرة لا بالبصر، لأن كلا منهما طريق إلى المعرفة، الى آخر ما ذكره المفسرون وعلماء المعاني والبيان.
تذكرت الآن ما نقل عن بعض المستشرقين من انه ترجم اللباس «بالبنطلون» في قوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) .
ومهما يكن، فاذا خالفنا الوهابية في عدم جواز التأويل من حيث هو، وقلنا به حيث تدعو الحاجة اليه فإنا نتفق معهم كل الاتفاق في السكوت والاعراض عن النزاع القائم بين الاشاعرة والمعتزلة من ان صفات الباري: هل هي عين ذاته او غيرها، لأن هذا النزاع يرجع في حقيقته الى النزاع في ذات الباري جل وعلا، وهذا موضوع شائك جداً احجم عنه الانبياء والمرسلون، قال علي امير المؤمنين: «تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في ذات الله» نقول هذا مع العلم بأن قول الوهابية ومن اليهم يلتقي مع قول الاشاعرة بأن الصفات غير الذات، الا انهم قد احسنوا بالسكوت عن ذلك.
الايمان بالقدر:
الايمان بالقدر هو الاعتقاد بأن الخير والشر من الله، ويعد الوهابية هذا الأصل من اصول الاسلام، وهي عندهم ستة: شهادة ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله، وأقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وحج البيت على المستطيع، والايمان بالقدر خيره وشره. وعليه يكون الانسان مسيراً غير مخير.
وقال ابن تيمية في رسالة العقيدة الواسطية ص144 من الرسائل التسع: «العباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم.. وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم ارادة، والله خالقهم، وخالق قدرتهم وارادتهم، ومع ذلك فقد أمرهم بالطاعة،
ونهاهم عن المعصية».
وقد حالت كثيراً، وفكرت اكثر لافهم واهضم هذا الكلام فلم استطع له فهماً ولا هضماً لمكان التناقض والتضارب، فإن كلام ابن تيمية ظاهر في أن الله خالق أفعال الانسان، وغير خالقها، والانسان موجود لافعاله، وغير موجدها اللهم الا ان يقال: انهما اشتركا في الخلق والايجاد، وحينئذ يأتي اشكال ان احد الشركين اذا كان اقوى من الآخرين قبح ان يعاقب الضعيف فيما اشتركا فيه.
والحق في هذه المسألة التي شغلت الأولين والآخرين ما قاله الامام جعفر الصادق، وعبر عنه بقوله: «لا جبر ولا تفويض، وانما أمر بين الأمرين» ويتلخص معنى هذه الجملة الكبيرة في معناها، الصغيرة في مبناها ان الله سبحانه أقدر العبد على فعل الخير والشر، ثم أمره بالأول، ونهاه عن الثاني، فان اختار العبد فعل الخير، وآثره على الشر ينسب فعله هذا الى الله، لأنه رضي به، وايضاً ينسب الى العبد، لأنه آثره على الشر، وترك المعصية مع قدرتها عليها، اما إن اختار العبد فعل الشر، وفضله على الخير فينسب اليه وحده، لأنه قد ترك الخير مع قدرته على فعله، وفعل الشر مع قدرته على تركه، ولا ينسب الى الله، لانه نهى عنه، ولم يرض به بحال، وعليه يكون الخير من الله والعبد، أما الشر فمن العبد وحده.
وان قال قائل: لماذا اقدر الله عبده على الشر ما دام لا يريده منه؟. قلنا في جوابه: لو ان الله سبحانه اقدر عبده على الخير فقط لكان مجبراً عليه، وكان الفعل بالنسبة اليه كالثمر على الشجر، والله سبحانه يريد الطاعة من عباده اختياراً، لا قهراً عنهم.
ولتتضح الفكرة أكثر نذكر هذا المثال: والد اعطى ولده ديناراً، وأمره ان يشتري به كتاباً، ولا يشرب به خمراً، فامتثل الولد، واشترى الكتاب، فشراء الكتاب ينسب الى الوالد، لانه اقدر الولد عليه، ورضي به، وأيضاً ينسب الى الولد، لانه ترك شرب الخمر مع قدرته على فعله واشترى الكتاب مع قدرته على تركه، اما شرب الخمر فينسب الى الولد فقط، لانه ترك ما أمر به مع قدرته على فعله، وفعل ما نهي عنه مع قدرته على تركه، ولا ينسب الى الوالد، لأنه لم يرض به بحال.
هذا هو رأي الشيعة الامامية. الذين ينعتهم ابن تيمية وأتباعه بالشرك، ويستحل هو وقبيله منهم الدم والمال والذرية.
الاسباب والمسببات:
قال الاشاعرة: ليس في الكون أسباب طبيعية، وجميع المسببات تستند الله مباشرة، فهو الذي يخلق الشبع عند الأكل، والشفاء عند شرب الدواء، ويزيل العطش عند شرب الماء. وقال المعتزلة والامامية: بل ان في الكون اسباباً طبيعية تستند اليها مسبباتها مباشرة والأسباب الطبيعية تنتهي بالواسطة الى الله سبحانه، لأنه مسبب الأسباب.
ويظهر من كلام ابن تيمية انه يوافق الاشاعرة، حيث قال في كتاب نقص المنطق ص36: «ان لله ملائكة موكلة بالسحاب والمطر، وملائكة موكلة بالهدي والعلم، هذا رزق القلوب وقوتها، وذاك رزق الاجساد وقوتها».
اما تلميذ ابن القيم فيتفق مع المعتزلة والامامية في هذا الباب، حيث نقل عنه صاحب فتح المجيد في ص69 قوله: «لا تتم حقيقة التوحيد الا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضية لمسبباتها قدراً وشرعاً». ويشعر هذا النقل بأن الوهابية في ذلك على رأي ابن القيم.
مرتكب الكبيرة:
ويعتقد الوهابية ان من ارتكب كبيرة من الموحدين لا يخلد في النار. (فتح المجيد ص479) وهو الحق.
اصحاب الرسول:
ويعتقد الوهابية ان جماعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يوحدون الله، ويجاهدون مع رسول الله، ويصلون معه، ويزكون، ويحجون ومع ذلك كانوا كفرة بعيدين عن الاسلام كل البعد.
(محمد عبدالوهاب في رسالة كشف الشبهات ص120 الرسائل العملية التسع طبعة 1957).
الخلفاء الراشدون:
ويعتقد ان الخلفاء الأربعة الراشدين هم صفوة السلف الصالح، وان التفاضل بينهم يأتي على حسب ترتيبهم في الخلافة.
وعلى هذا يجب ان يكون يزيد بن معاوية أفضل من عمر بن عبدالعزيز، لأنه اقدم وأسبق في الوظيفة.. مع ان الملك عبدالعزيز قال: انا اقتدي بعمر بن عبدالعزيز، ولم يقل: انا أقتدي يزيد، لأنه اسبق (من خطاب ألقاه في عيد الأضحى سنة 1365هـ).
والغريب انهم يروون لعلي بن ابي طالب من الفضائل والمناقب مالم يرووا بعضه لاحد من الصحابة، حتى للخليفة الأول، ومع ذلك يجعلون الأفضلية على اساس الترتيب في الخلافة..
هذا كتاب التوحيد لمحمد عبدالوهاب، وهو انجيل الوهابية، لم يذكر فيه المؤلف منقبة واحدة لاحد من الخلفاء أو الصحابة الا ما قاله النبي في علي يوم خيبر: «لاعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فبات الناس يدكون ليلتهم ايهم يعطاها، فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يرجو ان يعطاها، فقال: اين علي؟.»
جاءوا كلهم يتلهفون ويطمعون أيهم يعطاها، حتى الأول
والثاني والثالث، ولم يأت علي، ولكن النبي لم يلتفت اليهم، وسأل عن علي وحده.. وكان الواجب ـ بناء على ان الأفضلية على ترتيب الخلافة ـ ان يسأل اول ما يسأل عن ابي بكر، فإذا لم يكن فعن عمر، فاذا لم يكن فعن عثمان، فإذا لم يكن فعن علي، لانه الخليفة الرابع.. يقول النبي: اين علي؟ ويا علي افتح الحصن، وادفع العدو، ولا يقول: يا أبا بكر، واين أبو بكر؟ ومع ذلك ابو بكر أفضل لا لشيء الا لأن علياً خاتم الخلفاء الراشدين، وعلى منطقهم هذا ينبغي ان يكون محمد في الفضل دون من تقدمه من الأنبياء، لأنه خاتم النبيين، والمفروض انه أفضلهم وسيدهم، فكذلك علي خاتم الراشدين وأفضلهم وسيدهم.
ونقل حفيد محمد عبدالوهاب، وهو يشرح كلام جده في فتح المجيد ص90 عن ابن تيمية انه قال «ان في حديث لاعطين الراية الخ شهادة من النبي لعلي بايمانه ظاهراً وباطناً، واثباتاً لموالاته لله تعالى ورسوله، ووجوب موالاة المؤمنين له».
وايضاً قال ابن تيمية في العقيدة الواسطية الموجودة في كتاب الرسائل التسع ص147: «نحن ممن يحبون اهل بيت رسوله الله، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصيتة رسول الله، حيث قال يوم غدير خم: اذكركم الله أهل بيتي، اذكركم الله اهل بيتي. وقال ايضاً لعمه العباس ـ وقد اشتكى اليه ان بعض قريش يجفو بني هاشم ـ فقال: والذي
نفسي بيده لا يؤمنون، حتى يحبوكم لله ولقرابتي. وقال: ان الله اصطفى بني اسماعيل، واصطفى من بني اسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم».
واذا اصطفى نبيه من بني هاشم، لانهم الصفوة، فينبغي ان يصطفي خليفته من أهل بيت النبي، لانهم صفوة الصفوة.. هذا هو منطق العلم والدين، ولكن اين منه من كفّر جميع المسلمين؟..
الاحاديث:
ويعتقد الوهابية ان كثيراً من الاحاديث الموجودة موضوعة على لسان الرسول افتراء.
وهذا حق لا ريب فيه.
الجاهل غير معذور:
اذا نطق المسلم بكلمة التوحيد مؤمناً، ثم زار القبور جاهلاً بالتحريم يكون مشركاً، وجهله ليس بعذر عندهم. (كتاب تطهير الاعتقاد ص35 والرسائل العملية التسع ص79). وقال صاحب فتح المجيد ص406: «وسبب هذه البدع جهل اهلها وقصورهم في الفهم» أي ان من خالف عن جهل يكون مبتدعاً، حتى ولو كان جهله عن قصور، لا عن تقصير.
الاجتهاد والتقليد:
قال الوهابية: لا يجوز لاحد ان يقلد واحداً من أئمة المذاهب الأربعة، ولا غيرهم مع وجود النص، ويجوز تقليدهم اذا فقد، واستدلوا على ذلك بأن الأئمة الأربعة أنفسهم لا يجيزون التقليد، وبأن ابا حنيفة ومالكاً والشافعي وابن حنبل قد جهلوا الكثير من أحكام الشريعة، قال صاحب فتح المجيد ص388: «والائمة نهو عن تقليدهم اذا استبانت السنة لعلمهم ان من العلم شيئاً لم يعلموه، وقد بلغه غيرهم، وذلك كثير».
ولهذا لا يقلد الوهابية ابن حنبل ولا غيره مع وجود النص، ويقلدونه فيما لا نص فيه، أي ان اقوال ابن حنبل عندهم أصل قائم بنفسه يرجعون اليه اذا اعوزهم الدليل من الكتاب والسنة، تماماً كالقياس عند السنة، والعقل عند الشيعة.. اذن، هم مجتهدون ومقلدون في آن واحد، يجتهدون في استخراج الحكم من النص، وفي تقوية الحديث وتضعيفه، ويلجأون الى ابن حبنل مع عدم النص، قال الملك عبدالعزيز في خطاب ألقاء بمكة المكرمة سنة 1355هـ: «ومذهبنا هو اتباع الدليل، حيث يكون، فان فقد الدليل، ولم يكن هناك الا الاجتهاد اتبعنا اجتهاد احمد بن حنبل».
ويلاحظ بأن أي انسان لا يستطيع استخراج الحكم من النص الا اذا انتهى بعلمه الى رتبة الاجتهاد، ولا يبلغ هذه الرتبة الا من توافرت فيه المؤهلات لتمييز المعاني الحقيقية
من المجازية، والمنطوق من المفهوم، والمجمل من المبين، والناسخ من المنسوخ، والعام من الخاص، والمطلق من المقيد، والخبر الصحيح من الضعيف، والمعارض من السالم، وعرف عملية العلاج بين المتعارضين، وموارد اجماع العلماء، واختلافاتهم، فاذا تهيأ كل ذلك استطاع ان يجتهد ويخرج الحكم من النص، ووجب عليه ان يعمل بفهمه واجتهاده مصيباً كان في الواقع او مخطئاً، ما دام جاهلاً بمكان الخطأ، وهو في الوقت نفسه يستطيع ان يستخرج الحكم من الاصل العام الذي دل على اعتباره النص القطعي، او العقل الفطري، مع عدم النص، ومن عجز عن الاجتهاد، واستخراج الحكم من الأصل العام مع عدم النص، فهو عن فهم النص واستخراج الحكم منه مع وجوده اعجز او مثله في الضعف والعجز.
وبكلمة اما ان يكون هذا مجتهداً، واما غير مجتهد، فإن كان مجتهداً جامعاً لشروط الاجتهاد حرم عليه التقليد اطلاقاً، وجد النص او لم يوجد، لأن من عرف الحق من دليله لا يجوز له ان يقلد فيه، بل يكون من هذه الجهة كأحمد ومالك والشافعي وابي حنيفة، وإن لم تتوافر فيه شروط الاجتهاد وجب عليه تقليد المجتهد «واسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون». وعلى هذا يكون قول الوهابية بوجوب الاجتهاد مع وجود النص، وتحريمه مع عدمه تخصيصاً بلا مخصص، وتقييداً في مورد الاطلاق، بل تجزئة وتقسيماً للشيء الى نفسه والى غيره.
كرامات الأولياء:
ويعتقد الوهابية بكرامات الأولياء «وان الله يجري على ايديهم خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات»(1) . (الرسائل العملية التسع ص149).
ومعنى هذا ان المؤمن الصالح يستطيع بالدعاء ان يعلم الغيب، وان يرى، وهو في المشرق من في المغرب، ويسمع، وهو في المغرب من يتكلم في المشرق، وانه يمشي على الماء، تماماً كما يمشي على اليابسة، ويطير في الهواء كالغراب، بل يستطيع ان يجفف البحار والانهار، ويغرق الأرض كلها بالطوفان.. يفعل ذلك، وأكثر من ذلك بمجرد الدعاء وبالتلفظ بكلمة او بضع كلمات لا بتوسط علم وآلات.
ولست بصدد صحة هذا القول او بطلانه، ولكن لدي سؤال واحد اود أن اوجهه الى الوهابيين على مقياسهم هذا،
لا على مقاييسي انا(1) وهذا هو السؤال: اذا كان للولي هذه الكرامة والمقدرة، فهل يجوز لنا ان نطلب منه الدعاء بالخير والهداية الى الحق، تماماً كما نطلب العلم من العالم، والدواء من الطبيب؟. وعلى افتراض الجواز فلماذا قلتم من طلب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يشفع له عند الله فهو مشرك؟. وإن قلتم: لا يجوز طلب الدعاء بالخير والتوفيق من الولي، قلنا: اذن لا خير عند الولي ولا كرامة.
____________
(1) نسبت الايمان اليهم بالكرامات كما جاءت في كتاب الرسالة العملية التسع الذي ارشدني اليه علماء الوهابية فيما ارشدوا حين كنت بالحجاز، ولو لم يكن من مصادرهم الصحيحة لما طبعوه ووزعوه بالمجان، ولكن كلام صاحب فتح القدير يشعر بنفي الكرامات.
السحر:
ويعتقد الوهابية بالسحر والساحر، وتعلم السحر عندهم سهل للغاية بشرط ان يكفر الانسان، ويأتي بأعظم المعاصي مثل ان يضع المصحف الشريف في كنيف ونحوه والعياذ بالله وقدمنا فيما سبق أمثلة من أقوالهم حين قابلنا بينها، وبين ما يدعو به الشيعة عند قبور الأئمة الاطهار ـ راجع فقرة الشيعة والمناجاة من هذا الفصل ـ والآن ننقل ما ذكره الصنعاني كحجة دامغة على اعتقادهم بالسحر، وطريق تعلمه، قال في صفحة 51 من كتابة تطهير الاعتقاد من من ادران الالحاد ما نصه بالحرف الواحد: «قد ثبت في الأحاديث: ان الشياطين والجان يتشكلون بأشكال الحية والثعبان، وهذا أمر مقطوع بوقوعه، فهم ـ أي الشياطين ـ
الثعابين التي يشاهدها الانسان في ايدي المجاذيب، وقد يكون ذلك من باب السحر، وهو أنواع، وتعلمه ليس بالعسير، بل بابه الأعظم: هو الكفر بالله، واهانة ما عظم الله من جعل مصحف في كنيف ونحوه، فلا يغتر من يشاهد ما يعظم في عينيه من أحوال المجاذيب من الأمور التي يراها خوارق، فإن للسحر تأثيراً عظيماً في الأفعال، وهكذا يقلبون الاعيان بالاسحار وغيرها». ومعنى قوله يقلبون الاعيان بالاسحار ان الساحر يستطيع ان يقلب الانسان حجراً، والحجر انساناً.
____________
(1) الكرامة في اعتقادي هي الصدق والاخلاص.
وبدون حقد، ولا ثورة أعصاب، وبكل لطف وهدوء ادعوك ايها القارىء أن تقرأ ما جاء في هذا الكتاب بالذات الذي ألفه الصنعاني، ليطهر الاعتقاد من ادران الالحاد، ان تقرأ ما جاء في صفحة 48، وهذا هو: «ان المشاهد والقباب على القبور هي أعظم ذريعة الى الشرك والالحاد، واكبر وسيلة الى هدم الاسلام، وخراب بنيانه».
اقرأ هذا، وقارن بينه وبين قوله: «تعلُم السحر سهل يسير، وبابه الكفر، وجعل المصحف في «كذا».. اقرأ وقارن ين من يعتقد ان في رفع القباب على قبر الرسول وآله الابرار تعظيماً لشعائر الله، وبين من يعتقد بالسحر على الشكل الذي رسمه الصنعاني، وان سبيل السحر، هي اهانة القرآن على الصورة التي صورها في كتابه، وإن من فعل ذلك يقل للشيء فيكون.. اقرأ وقارن، ثم احكم بعقلك
وفطرتك، وخبرنا عن صورة المشرك التي ارتسمت في خاطرك للوهلة الأولى لاحد الاثنين، وأنت تقرأ وتقارن، وقل لنا: أي الاعتقادين ذريعة للشرك والالحاد، ووسيلة لهدم الاسلام، وخراب بنيانه؟. وأي الرجلين يجب ان يطهر اعتقاده من ادران الالحاد؟.. ولكن ما الجدوى من حكمك وشعورك ومن حكم العقل والفطرة، وحكم السماء والارض ما دام مبدأهم ومنهجهم الأول والأخير هو التكفير، ومن خلاله ينظرون اليّ واليك وإلى الناس أجمعين الا من تاب وآمن وعمل وهابياً.
الأمر بالمعروف:
ويعقتد الوهابية بوجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لورود النص.. وليس من شك ان الأمر بالمعروف واجب، اما بحكم العقل، كما يقول المعتزلة والامامية، واما بحكم الشرع، بحيث لو لم ينص عليه الشرع لم يجب، كما يقول الاشاعرة والوهابية، والنتيجة واحدة.
ولكن يلاحظ بأن الوهابية يجيزون الصلاة خلف الفاسق الفاجر، كما جاء في الرسائل العملية التسع ص150. وهذا تشجيع للمنكر الذي لا يجتمع مع وجوب النهي عنه.
الحاكم الجائر:
يعتقد الحنابلة بما فيهم الوهابية بأنه لا يجوز الخروج على
الحاكم الجائر، والمستبد الفاسد، ويوجبون طاعته والاستماع له، كما جاء في كتاب الأحكام السلطانية، وصاحبه حنبلي المذهب. واستدلوا بقوله تعالى: (اطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) .
وبالمناسبة نذكر ما قاله الملك عبدالعزيز في خطبة ألقاها في الطائف بحضور رؤساء البلاد 16 المحرم سنة 1351هـ، قال: «والناس معنا ثلاث: اما محب ومساعد، واما لا محب ولا مساعد، واما معاند فقط، والأول له مالنا، والثاني نسعى جهدنا في افهامه، اما الثالث فجزاؤه ما جاء في الآية الشريفة: (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً ان يقتلوا ويصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) .
اذن، اين الحرية والديمقراطية، والعدل والانصاف؟. واين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟. ان الآية الكريمة نزلت في الذين يقطعون الطريق على الناس بالسلب والنهب والقتل، ويخلون بالأمن، ويحولون بين الزارع وحقله، والعامل وعمله، اما معارضة الحاكم، وعدم الاتفاق معه على آرائه كلها، او جلها فليست جرماً تعاقب عليه الشرائع السماوية، ولا الوضعية.. وقد رحب ابو بكر وعمر، وغيرهما كثير من الحكام في القديم والحديث رحبوا بالمعارضين، وأفسحوا لهم المجال حتى في ميدان العمل لانتزاع الحكم
منهم، ولم يوجبوا قتلهم وصلبهم ونفيهم، وقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف.
اصحاب الذنوب:
قال الخوارج: ان مرتكب الكبيرة كافر يخلد في النار، وقال الاشاعرة والامامية، بل هو مؤمن عاص، وقال المعتزلة هو في منزلة بين العاصي والكافر.
وأحدث الوهابية قولاً رابعاً، وهو ان من قال: لا اله الا الله لا يخلو ان يكون واحداً من اثنين، اما ان يقولها دون ان يشرك بالله شيئاً، أي لا يزور قبراً، ولا يبنيه، ولا يصلي عنده لله، ولا ينذر له، ولا يمسه، ولا يتمسح به، ولا يطوف حوله، واما ان يقولها، ويفعل شيئاً من ذلك، والأول لا يسأل عن شيء، ولا يحاسب على شيء، وان اتى بمليء الأرض ذنوباً.. جاء في فتح المجيد صفحة 54 «ان التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب، لأنه يتضمن محبة الله واجلاله وتعظيمه، وخوفه ورجاءه وحده ما يوجب غسل الذنوب، ولوكالت قراب الأرض، النجاسة عارضة، والدافع لها قوي». وهذا شبيه بما نسب الى البكداشية من ان حب علي حسنة لا تضر معها سيئة.. والقرآن الكريم يكذبهما معاً: (من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) .
اما الثاني، وهو الذي يزور القبور فهو مشرك كافر،
لا يقبل منه عمل ولا صلاة ولا صوم، ولا عمل الحسنات والمبرات.. وليس من شك انهم يريدون بالموحد الأول الوهابية انفسهم، وبالثاني جميع المسلمين بدون استثناء، والدليل ما نقلناه عن كتبهم فيما سبق، ونذكر هنا للتأكيد ما قاله صاحب فتح المجيد في ص101: «كما هو الواقع في هذه الأمة ـ أي امة محمد والواقع منهم هو العصيان ـ وهذا هو الشرك الأكبر المنافي للتوحيد ـ الى ان قال ـ فاثبتوا ما نفته كلمة التوحيد، وتركوا ما اثبتته من التوحيد».
وفي هذا القول، وهذه العقيدة يكمن سر الاهمال والتأخر في السعودية، وتسلط الحكام بدون شورى وانتخاب، وعدم شعورهم بالمسؤوليّة، واكتنازهم مقدرات الشعب في البنوك والمصارف، الى جانب البؤس والمرض والجهل، كل ذلك لا بأس به، لأن امراء الوهابية وشيوخهم يوحدون الله توحيداً «لا يبقى معه ذنب، ولو كان قراب الأرض».
وبالتالي، فاني احسب ان التاريخ لم يعرف، ولن يعرف فئة في القسوة والجفوة، والتعصب والجمود كالوهابية، ولا احداً مثلهم يهتم بالقشور، دون اللباب، وأقدم لك مثلاً واحداً وأخيراً يفسر ويوضح جميع ما نقلته عنهم، ويعطي صورة واضحة ودقيقة لجمودهم في الفهم والتفكير، وبعدهم عن روح الاسلام وحقيقته، وهذا هو المثال: يجوز للانسان ان يقتني المئات والألوف من العبيد والاماء، ولكن لا يجوز له ان يقول و يتلفظ بلسانه: هذا عبدي،
وهذه امتي، لأن ذلك يتنافى مع التوحيد الخالص الذي لا تضر معه الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر، اما الاستعباد فعلاً، والعمل بمدلول اللفظ فجائز، وليس شركاً كالتلفظ والتفوه. (رسالة التوحيد).
ان العارفين بالله يعلمون حق العلم ان افضل العبادات والطاعات هو العمل لخير الانسان تقرباً اليه تعالى، دون أن يبتغي العامل من غيره جل وعز جزاء ولا شكورا، وألف تحية على الامام موسى الكاظم بن الامام جعفر الصادق الذي قال: «ان لله عرشاً لا يسكن تحت ظله الا من اسدى لاخيه معروفاً، أو نفّس عنه كربة، او قضى له حاجة».