محتويات
المقدمة 2
واعلم أيها الواقف على الجمع المذكور أنه ليس لي فيه إلا النقل من كلام الجمهور، والاتيان في ذلك بالشئ المقدور. فالميسور - كما قيل - لا يسقط بالمعسور. وأن عمدتي في ذلك التحفة، وفتح الجواد شرح الارشاد، والنهاية، وشرح الروض، وشرح المنهج، وحواشي ابن قاسم، وحواشي الشيخ علي الشبراملسي، وحواشي البجيرمي، وغير ذلك من كتب المتأخرين. وكثيرا ما أترك العزو خوفا من التطويل، ثم ما رأيته من صواب في أي مطلب فهو من تحرير الائمة أهل المذهب، وما رأيته من خطأ فمن تخليط حصل مني، أو وهم صدر من سوء فهمي، فالمسؤول ممن عثر على شئ من الخلل أن يصلحه، ويسامح فيما قد يظهر من الزلل. وما أحسن ما قيل: وإن تجد عيبا فسد الخللا فجل من لا عيب فيه وعلا ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا لمرضاته، ويسبل علينا ذيل كراماته، وأن يعيننا على الاكمال، وأن ينفع به كما نفع بأصله، إنه ذو الجود والافضال، وأن يجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم وموجبا للفوز لديه بجنات النعيم، وها أنا أشرع في المقصود بعون الملك إنه على ذلك قدير وبالاجابة جدير
خكبة المؤلف
وها أنا أشرع في المقصود بعون الملك المعبود. فأقول - وبالله التوفيق لاحسن الطريق - (قوله: بسم الله الرحمن الرحيم) قد أفردها بالتأليف من لا يحصى من العلماء، وأبدى فيها وأبدع من لا يستقصى من النبلاء، ومع ذلك ما بلغوا معشار ما انطوت عليه من لطائف الاسرار ونكات التفسير، إذ لا يحيط بتفضيله وجمله إلا اللطيف الخبير، كيف ذلك وقد قال الامام علي كرم الله وجهه: لو طويت لي وسادة لقلت في الباء من بسم الله الرحمن الرحيم وقر سبعين بعيرا.
وفي رواية عنه: لو شئت لاوقرت لكم ثمانين بعيرا من معنى بسم الله الرحمن الرحيم. ولكن ينبغي التكلم عليها من جنس الفن المشروع فيه، وفاء بحقها وبحق الفن المشروع فيه. والآن الشروع في فن الفقه الباحث عن الاحكام الشرعية، فيقال: البسملة مطلوبة في كل أمر ذي بال - أي حال - يهتم به شرعا، بحيث لا يكون محرما لذاته ولا مكروها كذلك، ولا من سفاسف الامور - أي محقراتها - فتحرم على المحرم لذاته كالزنا، لا لعارض كالوضوء بماء مغصوب. وتكره على المكروه لذاته كالنظر لفرج زوجته، لا لعارض كأكل البصل. ولا تطلب على سفاسف الامور، ككنس زبل، صونا لاسمه تعالى عن اقترانه بالمحقرات. والحاصل أنها تعتريها الاحكام الخمسة: الوجوب، كما في الصلاة عندنا معاشر الشافعية - والاستحباب عينا: كما في الوضوء والغسل، وكفاية: كما في أكل الجماعة، وكما في جماع الزوجين، فتكفي تسمية أحدهما - كما قال الشمس الرملي أنه الظاهر - والتحريم في المحرم الذاتي، والكراهة في المكروه الذاتي، والاباحة في المباحات التي لا شرف فيها، كنقل متاع من مكان إلى آخر، كذا قيل. وإنما افتتح الشارح كتابه بالبسملة، اقتداء بالكتاب العزيز، وعملا بقوله (ص): كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر أو أقطع أو أجذم. والمعنى - على كل - أنه ناقص، وقليل البركة، وقلة البركة في كل شئ بحسبه.
فقلتها في نحو التأليف قلة انتفاع الناس به وقلة الثواب عليه، وفي نحو الاكل قلة انتفاع الجسم به، وفي نحو القراءة قلة انتفاع القارئ بها، لوسوسة الشيطان له حينئذ. وأتبع ذلك بالحمدلة، عملا بقوله (ص): كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر أو أقطع أو أجذم. وقوله في الحديث فهو أبتر إلخ... هو عند الجمهور من باب التشبيه البليغ. وعلى هذا فالابتر وما بعده باقية على معانيها الحقيقية، وعند السعد يجوز أن يكون من باب الاستعارة بأن يشبه النقص المعنوي بالنقص الحسي الذي هو قطع الذنب، أو قطع إحدى اليدين، أو الجذم - بفتحتين - ويستعار البتر، أو الجذم، أو القطع، للنقص المعنوي. ويشتق منه أبتر أو أقطع أو أجذم، بمعنى ناقص نقصا معنويا. فإن قلت: بين الحديثين تعارض لانه إن عمل بحديث البسملة فات العمل بحديث الحمدلة، وإن عمل بحديث الحمدلة فات العمل بالآخر. قلت: قد ذكر العلماء لدفع التعارض أوجها كثيرة، فمن جملتها: أن الابتداء قسمان: حقيقي، وإضافي أي نسبي. والاول هو ما تقدم أمام المقصود ولم يسبقه شئ، والاضافي ما تقدم أمام المقصود وإن سبقه شئ. وقال عبد الحكيم: إنه يشترط في الاضافي أن يسبقه شئ، وحمل حديث البسملة على الاول والحمدلة على الثاني، تأسيا بالكتاب العزيز، وعملا بالاجماع. واعلم أنه جاء في فضل البسملة أحاديث كثيرة، غير الحديث المتقدم، روي عن النبي (ص) أنه قال: أول ما كتب القلم بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا كتبتم كتابا فاكتبوها أوله، وهي مفتاح كل كتاب أنزل. ولما نزل بها جبريل أعادها ثلاثا، وقال: هي لك ولامتك، فمرهم أن لا يدعوها في شئ من أمورهم، فإني لم أدعها طرفة عين مذ نزلت على أبيك آدم، وكذلك الملائكة. وروي أنها لما نزلت هرب الغيم إلى المشرق، وسكنت الرياح، وهاج البحر، وأصغت البهائم بآذانها، ورجمت الشياطين، وحلف الله بعزته وجلاله أن لا يسمى اسمه على مريض إلا شفاه، ولا يسمى اسمه على شئ إلا بارك فيه.
وروي أن رجلا قال بحضرته (ص): تعس الشيطان. فقال له عليه الصلاة والسلام: لا تقل ذلك فإنه يتعاظم عنده - أي عند هذا القول - ولكن قل بسم الله الرحمن الرحيم، فإنه يصغر حتى يصير أقل من ذبابة. وروي: من أراد أن يحيا سعيدا ويموت شهيدا فليقل عند ابتداء كل شئ بسم الله الرحمن الرحيم - أي كل شئ ذي بال - بدليل الحديث المتقدم. وروي: بسم الله الرحمن الرحيم أم القرآن، وهي أم الكتاب، وهي السبع المثاني. قال العلامة الصبان في رسالته على البسملة: لعل وصفها بهذا باعتبار اشتمالها على معاني الفاتحة. اه. وعدد حروف البسملة الرسمية تسعة عشر حرفا، وعدد خزنة النار تسعة عشر خازنا، كما قال الله تعالى: * (عليها تسعة عشر) *. قال ابن مسعود: فمن أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ البسملة، فيجعل الله له بكل حرف منها جنة - بضم الجيم - أي وقاية - من كل واحد منهم، فإنهم يقولونها في كل أفعالهم، فبها قوتهم وبها استضلعوا. وعن علي رضي الله عنه، مرفوعا: ما من كتاب يلقى في الارض وفيه بسم الله الرحمن الرحيم إلا بعث الله ملائكة يحفون عليها بأجنحتهم، حتى يبعث الله وليا من أوليائه يرفعه. فمن رفع كتابا من الارض فيه البسملة رفع الله اسمه في أعلى عليين، وغفر له ولوالديه ببركتها.
وروي عنه (ص) أنه قال: من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، وكان مؤمنا، سبحت معه الجبال، إلا أنه لا يسمع تسبيحها. وروي عنه (ص) أنه قال: إذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم، قالت الجنة: لبيك اللهم وسعديك، إلهي، إن عبدك فلانا قال بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم زحزحه عن النار وأدخله الجنة. وروي أن الكتب المنزلة من السماء إلى الارض مائة وأربعة، أنزل على شيث ستون، وعلى إبراهيم ثلاثون، وعلى موسى قبل التوراة عشرة، والتوراة والانجيل والزبور والفرقان. وأن معاني كل الكتب مجموعة في القرآن، ومعانيه مجموعة في الفاتحة ولهذا سميت أم الكتاب ومعانيها مجموعة في البسملة، ومعانيها مجموعة في بائها، ومعناها: بي كان ما كان، وبي يكون ما يكون. والمراد الجمع ولو إجمالا، بطريق الايماء وإنما جمعت الفاتحة جميع معاني القرآن، لان كل ما فيه من الحمد والشكر والثناء فهو مندرج تحت قوله الحمد لله، وكل ما فيه من الخلائق فهو تحت كلمة رب العالمين، وكل ما فيه من الرحمة والعطاء فهو تحت كلمة الرحمن، وكل ما فيه من ذكر العفو والمغفرة فهو تحت كلمة الرحيم، وكل ما فيه من أوصاف القيامة فهو تحت كلمة مالك يوم الدين، وكل ما فيه من بيان الهداية والدعاء والثبات على الاسلام فهو تحت كلمة إهدنا الصراط المستقيم، وكل ما فيه من بيان صفات الصالحين فهو تحت كلمة صراط الذين أنعمت عليهم، وكل ما فيه من الغضب فهو تحت كلمة غير المغضوب عليهم، وكل ما فيه من ذكر الاهواء والبدع فهو تحت كلمة ولا الضالين. ووجه بعضهم كون معاني البسملة في الباء، بأن المقصود من كل العلوم وصول العبد إلى الرب، وهذه الباء لما فيها من معنى الالصاق تلصق العبد بجناب الرب. زاد بعضهم: ومعاني الباء في نقطتها، ومعناها: أنا نقطة
الوجود، المستمد مني كل موجود. وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: البسملة فاتحة كل كتاب وفي رواية: بسم الله الرحمن الرحيم مفتاح كل كتاب. فإن قيل: إن هذه الرواية والتي قبلها يفهمان أن كل كتاب أنزل مشتمل على معاني القرآن، لانه مشتمل على البسملة المشتملة على معاني الفاتحة المشتملة على معاني القرآن، والرواية التي قبلهما تفهم خلاف ذلك، بل تفهم أنها لم توجد في غير القرآن رأسا. فالجواب أن البسملة المفتتح بها كل الكتب المنزلة لم تكن بهذا اللفظ العربي على هذا الترتيب، والمفتتح بها القرآن المجيد، بهذا اللفظ العربي على هذا الترتيب، ويجوز أن يكون لكونها بهذا اللفظ العربي. وهذا الترتيب لها دخل في اشتمالها على معاني القرآن، فلا يلزم حينئذ من اشتمال الكتب عليها بغير هذا اللفظ وهذا الترتيب، اشتمال كل كتاب على معاني القرآن.
ولا يرد ما وقع في سورة النمل عن سيدنا سليمان في كتابه لبلقيس من أنها بهذا اللفظ العربي وهذا الترتيب، لان ذلك كان ترجمة عما في كتابه لها. ومما يتعلق بالبسملة من المعاني الدقيقة ما قيل: إن الباء بهاء الله، والسين سناء الله، والميم مجد الله. وقيل: الباء بكاء التائبين، والسين سهو الغافلين، والميم مغفرته للمذنبين. وقال بعض الصوفية: الله لاهل الصفاء، الرحمن لاهل الوفاء، الرحيم لاهل الجفاء. والحكمة في أن الله سبحانه وتعالى جعل افتتاح البسملة بالباء دون غيرها من الحروف، وأسقط الالف من اسم، وجعل الباء في مكانها، أن الباء حرف شفوي تنفتح به الشفة ما لا تنفتح بغيره، ولذلك كان أول انفتاح فم الذرة الانسانية في عهد ألست بربكم بالباء في جواب بلى، وأنها مكسورة أبدا. فلما كانت فيها الكسرة، والانكسار في الصورة والمعنى، وجدت شرف العندية من الله تعالى، كما قال: أنا عند المنكسرة قلوبهم بخلاف الالف، فإن فيها ترفعا وتكبرا وتطاولا، فلذلك أسقطت. وخصت التسمية بلفظ الجلالة ولفظ الرحمن، ولفظ الرحيم، ليعلم العارف أن المستحق لان يستعان به في جميع الامور هو المعبود الحقيقي، الذي هو مولى النعم كلها، عاجلها وآجلها، جليلها وحقيرها. فيتوجه العارف بجملته حرصا ومحبة إلى جناب القدس، ويتمسك بحبل التوفيق، ويشتغل سره بذكره والاستمداد به عن غيره. والكلام على البسملة من الاسرار والعجائب واللطائف، لا يدخل تحت حصر.
وفي هذا القدر كفاية، وبالله التوفيق. (قوله: الحمد لله) آثره على الشكر اقتداء بالكتاب العزيز، ولقوله (ص): لا يشكر الله من لم يحمده. والحمد معناه اللغوي الثنا بالجميل لاجل جميل اختياري، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا. ومعناه العرفي فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث أنه منعم على الحامد أو غيره. والشكر لغة: هو الحمد العرفي، وعرفا: صرف العبد جيمع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لاجله، أي أن يصرف جميع الاعضاء والمعاني التي أنعم الله عليه بها في الطاعات التي طلب استعمالها فيها، فإن استعملها في أوقات مختلفة سمى شاكرا، أو في وقت واحد سمي شكورا، وهو قليل، لقوله تعالى: * (وقليل من عبادي الشكور) *. وصور ذلك العلامة الشبراملسي بمن حمل جنازة متفكرا في مصنوعات الله، ناظرا لما بين يديه، لئلا يزل بالميت ماشيا برجليه إلى القبر، شاغلا لسانه بالذكر، وأذنيه باستماع ما فيه ثواب، كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأقسام الحمد أربعة: حمدان قديمان، وهما حمد الله نفسه، نحو الحمد لله الذي خلق السموات والارض، وحمده بعض عباده، كقوله تعالى في أيوب: * (نعم العبد إنه أواب) *. وحمدان حادثان، وهما حمدنا له تعالى، وحمد بعضنا لبعض. وينقسم الحمد إلى: واجب، كالحمد في الصلاة وفي خطبة الجمعة وإلى مندوب، كالحمد في خطبة النكاح، وفي ابتداء الدعاء، وبعد الاكل
والشرب، وفي ابتداء الكتب المصنفة، وفي ابتداء درس المدرسين، وقراءة الطالبين بين يدي المعلمين. وإلى مكروه، كالحمد في الاماكن المستقذرة، كالمجزرة والمزبلة ومحل الحاجة. وإلى حرام، كالحمد عند الفرح بالوقوع في معصية. واعلم أنه جاء في فضل الحمد أحاديث كثيرة، روي عن النبي (ص) أن الله عزوجل يحب أن يحمده. وأخرج الديلمي مرفوعا أن الله يجب الحمد، يحمد به ليثيب حامده، وجعل الحمد لنفسه ذكرا ولعباده ذخرا. وفي البدر المنير، عنه عليه السلام: حمد الله أمان للنعمة من زوالها. وعنه (ص): من لبس ثوبا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه. وأفضل المحامد أن يقول العبد الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. لما ورد أن الله تعالى لما أهبط أبانا آدم إلى الارض قال: يا رب، علمني المكاسب، وعلمني كلمة تجمع لي فيها المحامد. فأوحى الله إليه أن قل ثلاثا، عند كل صباح ومساء، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. ولهذا لو حلف إنسان ليحمدن الله بمجامع المحامد بر بذلك. وقال بعض العارفين: الحمد لله ثمانية أحرف، كأبواب الجنة، فمن قالها عن صفاء قلب استحق أن يدخل الجنة من أيها شاء. أي فيخير بينها إكراما له، ولكن لا يختار إلا الذي سبق في علمه أن يدخل منه.
(قوله: الفتاح) هو من أسماء الله الحسنى. وهو من صيغ المبالغة، ومعناه: الذي يفتح خزائن الرحمة على أصناف البرية. وقيل: الحاكم بين الخلائق، من الفتح بمعنى الحكم. وقيل: الذي يعينك عند الشدائد وينميك صنوف العوائد. وقيل: الذي فتح على النفوس باب توفيقه، وعلى الاسرار باب تحقيقه. وحظ العبد من هذا الاسم أن يجتهد حتى يفتح على قلبه في كل ساعة بابا من أبواب الغيب والمكاشفات والخيرات والمسرات. ومن قرأه إثر صلاة الفجر إحدى وسبعين مرة ويده على صدره، طهر قلبه وتنور سره ويسر أمره. وفيه سر عظيم لتيسير الرزق وغيره. اه. من شرح أسماء الله الحسنى. (قوله: الجواد) هو السخي، كما في القاموس. ومعناه: الكريم المتفضل على عباده بالنوال قبل السؤال. وفي التحفة ما نصه: الجواد، بالتخفيف، كثير الجود - أي العطاء - واعترض بأنه ليس فيه توقيف، أي وأسماؤه تعالى توقيفية على الاصح. وأجيب عنه بأن فيه مرسلا اعتضد بمسند، بل روى أحمد والترمذي وابن ماجة حديثا طويلا، فيه: بأني جواد ماجد. اه. بحذف. (قوله: المعين على التفقه في الدين إلخ) أي الموفق لمن اختاره من عباده عليه، لقوله عليه السلام: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين والتفقه التفهم شيئا فشيئا، لان الفقه معناه لغة الفهم، كما سيأتي.
والدين، ما شرعه الله تعالى من الاحكام على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام، سمي دينا لانا ندين له، أي ننقاد. (قوله: وأشهد إلخ) أي أعترف بلساني وأذعن بقلبي أن لا معبود بحق موجود إلا الله. والشهادة لغة. التحقق بالبصر أو البصيرة، كالمشاهدة. واصطلاحا: قول صادر عن علم بمشاهدة بصر أو بصيرة. ولما كان من شروط الاسلام ترتيب الشهادتين عطف الشهادة الثانية على الاولى فقال: وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله. وأتى بالشهادة لحديث: كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء أي مقطوعة البركة أو قليلتها. ولما قيل إنه يطلب من كل بادئ في فن أربعة أمور على سبيل الوجوب الصناعي: البسملة، والحمدلة، والتشهد، والصلاة على النبي (ص). وثلاثة على سبيل الندب الصناعي: تسمية نفسه، وكتابه، والاتيان ببراعة الاستهلال. وفات الشيخ - رحمه الله تعالى - هنا من الامور المندوبة تسمية نفسه. (وقوله: شهادة) مصدر مؤكد لعامله.
(وقوله: دار الخلود) هي الجنة. (وقوله: المقام المحمود) هو مقام الشفاعة العظمى في فصل القضاء، يحمده فيه الاولون والآخرون. (وقوله: صلى الله إلخ) أي اللهم صل عليه وسلم. وأتى بالفعلين بصيغة الماضي رجاء تحقق حصول المسؤول، وإنما صلى وسلم المؤلف في أول كتابه امتثالا لامر الله تعالى في قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا صلوا) * الآية، ولما قام على ذلك عقلا ونقلا من البرهان. أما نقلا: فقوله تعالى: * (ورفعنا لك ذكرك) *. أي لا أذكر إلا وتذكر معي. وأما عقلا: فلان المصطفى هو الذي علمنا شكر المنعم، وكان سببا في كمال هذا النوع الانساني، فاستوجب قرن شكره بشكر المنعم، عملا بالحديث القدسي: عبدي لم تشكرني، إذا لم تشكر من أجريت النعمة على يديه. ولا شك بأنه (ص) الواسطة العظمى لنا في كل نعمة، بل هو أصل الايجاد لكل مخلوق، كما قال ذو العزة والجلال: لولاك لولاك لما خلقت الافلاك. واعلم أنه جاء في فضل الصلاة على النبي (ص) أحاديث كثيرة، منها قوله (ص): من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب. وقوله عليه السلام: من سره أن يلقى الله وهو عنه راض، فليكثر من الصلاة علي. وقوله عليه السلام: من أكثر من الصلاة علي في حياته أمر الله جميع مخلوقاته أن يستغفروا له بعد موته.
وقال عليه السلام: أكثروا من الصلاة علي، فإنها نور في القبر، ونور على الصراط، ونور في الجنة. وقال عليه السلام: أكثروا من الصلاة علي فإنها تطفئ عضب الجبار، وتوهن كيد الشيطان. وقال عليه السلام: أكثركم صلاة علي أكثركم أزواجا في الجنة. وفي حديث مرفوع: ما جلس قوم فتفرقوا عن غير الصلاة على النبي (ص) إلا تفرقوا عن أنتن من جيفة حمار. قال ابن الجوزي في البستان: فإذا كان المجلس الذي لا يصلى فيه يكون بهذه الحالة فلا غرو أن يتفرق المصلون عليه من مجلسهم عن أطيب من خزانة العطار، وذلك لانه (ص) كان أطيب الطيبين وأطهر الطاهرين، وكان إذا تكلم امتلا المجلس بأطيب من ريح المسك. وكذلك مجلس يذكر فيه النبي (ص) تنمو منه رائحة طيبة تخترق السموات السبع حتى تنتهي إلى العرش، ويجد كل من خلقه الله ريحها في الارض، غير الانس والجن، فإنهم لو وجدوا تلك الرائحة لاشتغل كل واحد منهم بلذتها عن معيشته. ولا يجد تلك الرائحة ملك أو خلق الله تعالى إلا استغفر لاهل المجلس، ويكتب لهم بعدد هذا الخلق كلهم حسنات، ويرفع لهم بعددهم درجات، سواء كان في المجلس واحد أو مائة ألف، كل واحد يأخذ من هذا الاجر مثل هذا العدد، وما عند الله أكثر. وللصلاة عليه (ص) فوائد لا تحصى، منها: أنها تجلو القلب من الظلمة، وتغني عن الشيخ، وتكون سببا للوصول، وتكثر الرزق، وأن من أكثر منها حرم الله جسده على النار. وينبغي للشخص إذا صلى عليه أن يكون بأكمل الحالات، متطهرا متوضئا مستقبل القبلة، متفكرا في ذاته السنية، لاجل بلوغ النوال والامنية، وأن يرتل الحروف، وأن لا يعجل في الكلمات، كما قال (ص): إذا صليتم علي فأحسنوا الصلاة علي، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض علي.
وقولوا: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين سيدنا محمد عبدك ورسولك، إمام الخير وقائد الخير، ورسول الرحمة. اللهم ابعثه المقام المحمود الذي يغبطه فيه الاولون والآخرون. رواه الديلمي موقوفا عن ابن مسعود رضي الله عنه. (قوله: وعلى آله) أتى بذلك امتثالا لخبر: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آله. (وقوله: وأصحابه) وجه ندب الاتيان بهم في نحو هذا المقام إلحاقهم بالآل، بقياس الاولى، لانهم أفضل من الآل الذين لا صحبة لهم. والنظر لما فيهم من البضعة الكريمة إنما يقتضي الشرف من حيث الذات، وكلامنا في أكثرية العلوم والمعارف هذا بناء على ما هو المشهور
في معنى الآل، أما على ما قد يراد بهم في نحو هذا المقام - كما سيأتي في كلامه - فالاصحاب رضوان الله عليهم أجمعين آل، وكذلك غيرهم، وحينئذ فإفرادهم بالذكر للاعتناء بهم لما خصوا به عن غيرهم من الفضل، دفعا لتوهم إرادة المعنى المشهور للآل هنا. اه كردي. (قوله: الامجاد) جمع ماجد أو مجيد، على غير قياس. والمجد: الشرف والرفعة، وهو وصف لكل من الآل والاصحاب. (قوله: صلاة وسلاما) منصوبان على المفعولية المطلقة بصلى وسلم، وأتى بهما لافادة التقوية والتأكيد. (قوله: أفوز بهما) أي أظفر وأبلغ المقصود بسببهما. (وقوله: يوم المعاد) بفتح الميم، بمعنى المرجع والمصير - كما في المختار - والمراد يوم القيامة. (قوله: وبعد الخ) أي وبعدما تقدم من البسملة والحمدلة والتشهد والصلاة والسلام على النبي (ص) وآله وأصحابه، فأقول لكم هذا إلخ. فهي يؤتى بها عند إرادة الانتقال من نوع من الكلام إلى نوع آخر منه، والكلام عليها مما أفرد بالتأليف فلا حاجة إلى الاطالة. (وقوله: بقرة العين) قال في القاموس: قرت العين تقر بالكسر والفتح قرة، وتضم، وقرورا: بردت وانقطع بكاؤها، أو رأت ما كانت متشوقة إليه. اه بتصرف. وهو هنا كناية عن سرور العين لانه يلزم من برد العين السرور، فهو كناية اصطلاحية. وسماه بهذا الاسم لانه يحصل به سرور وفرح لمن يطلع عليه: (قوله: يبين المراد) أي يظهر المعنى المراد من ألفاظ المتن. وذلك يكون ببيان الفاعل والمفعول ومرجع الضمير ونحو ذلك.
(وقوله: ويتمم المفاد) بضم الميم، اسم مفعول، يعني يكمل المعنى المستفاد مما مر، ويحتمل أن يكون مصدرا ميميا بمعنى الفائدة. ولا يخفى حسن ذكر التبيين في جانب المراد والتتميم في جانب المفاد لاحتياج المراد إلى الكشف والايضاح لخفائه، والمفاد إلى تكميل وتتميم النقص بذكر نحو قيد. (وقوله: بشرح) متعلق بفتح قبل جعله علما، وأما بعده فهو جزء علم فلا يتعلق بشئ، وهذا العلم مركب من تسع كلمات ليس منها الباء الاولى. وكتب الجمل على قول شرح المنهج بفتح الوهاب ما نصه: متعلق بسميته، وهذه الباء ليست من العلم بخلاف الثانية، فإنها منه متعلقة بفتح بالنظر لحاله قبل العلمية، وأما بالنظر لحاله بعدها فليست متعلقة بشئ، وهذا العلم مركب من ست كلمات، والظاهر أنه إسنادي بجعل فتح الوهاب مبتدأ. وقوله بشرح منهج الطلاب خبرا. ويبعد كونه إضافيا أو مزجيا. اه. (وقوله: وأنا أسأل إلخ) قدم المسند إليه قصدا لتقوية الحكم وتأكيده بتكرر الاسناد، وذلك لانه لما مدح تصنيفه بأنه مفيد وأنه يبين المراد إلخ، كان مظنة توهم الاعتماد في حصول النفع عليه، فقوى السؤال دفعا لهذا الايهام، وإن كان بعيدا. وذكر في الاطول من وجوه التقديم أنه يجوز أن يكون للتخصيص إظهارا للوحدة في هذا الدعاء وعدم مشارك له فيه بالتأمين ليستعطف به، فكأنه قال في أثناء السؤال: إلهي أجبني وارحم وحدتي وانفرادي عن الاعوان. اه. انظر السعد وحواشيه. وقوله: (الكريم) من الكرم، وهو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، على وجه ينبغي، لا لغرض وعلة. وقوله (المنان) من المنة، وهي النعمة مطلقا أو بقيد كونها ثقيلة مبتدأة من غير مقابل يوجبها. فنعمته تعالى من محض فضله إذ لا يجب عليه لاحد شئ، خلافا لزعم المعتزلة بوجوب الاصح عليه، تعالى الله عن ذلك. وقيل مأخوذ من المن الذي هو تعداد النعم، وهو من الله حسن ليذكر عباده نعمه عليهم فيطيعوه، ومن غيره مذموم لقوله تعالى: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) * واستثنى من ذلك النبي والوالد والشيخ فيجوز لهم المن. (وقوله: أن يعم) المصدر المنسبك من
أن، والفعل مفعول ثان لاسأل. وقوله الانتفاع مرفوع على الفاعلية. وقوله للخاصة: اللام زائدة، وما بعدها منصوب على المفعولية. ويحتمل أن يكون فاعل الفعل ضميرا يعود على الله. والانتفاع منصوب بإسقاط الخافض، أي أسأل أن يعم الله بالانتفاع بالشرح المذكور الخاصة والعامة. وفي القاموس: يقال عمهم بالعطية إلخ. اه. والمراد بالخاصة هنا: المنتهون والمتوسطون، وبالعامة: المبتدئون. (قوله: الفردوس في دار الامان) هي الجنة، وهي مشتملة على سبع جنان، أفضلها وأوسطها الفردوس. وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة النعيم، وجنة عدن، ودار السلام، ودار الجلال، وإلى ما ذكر ذهب ابن عباس. وقيل أربع، ورجحه جماعة، لقوله تعالى: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * ثم قال: * (ومن دونهما جنتان) *. (وقوله: إنه إلخ) يحتمل أن يكون بفتح الهمزة على حذف لام العلة، ويحتمل أن يكون بكسرها على أنها جملة مستأنفة سيقت لبيان السبب الحامل له على سؤال الله.
وقوله: (أكرم كريم وأرحم رحيم)، أي من كل كريم ومن كل رحيم. فحذف من كل اختصارا، وأضيف أفعل إلى ما بعده. وجاز كونه مفردا، مع أن الاصل أن يكون جمعا، لكون أفعل بعض ما يضاف إليه لفهم المعنى وعدم التباس المراد. قوله أي: (أؤلف) هذا بيان لمتعلق الباء، بناء على أنها أصلية، وقدره فعلا مؤخرا خاصا لان ما ذكر هو الاولى في تقدير المتعلق. أما أولوية كونه فعلا فلانه هو الاصل في العمل، وأما أولوية كونه خاصا فلرعاية المقام، لان كل شارع في شئ يضمر في نفسه لفظ ما كانت التسمية مبدأ له، فالكاتب يضمر أكتب، والمؤلف يضمر أؤلف، ولاشعار ما بعد البسملة به فهو قرينة على المحذوف. وأما أولوية كونه مؤخرا فليكون اسمه تعالى مقدما ذكرا فيوافق تقدم مسماه وجودا، وليفيد الاختصاص، لان تقديم المعمول يفيده عند الجمهور. والمعنى: أن البداءة لا تتم إلا بمعونة اسمه تعالى. ففيه رد على من يعتقد أن البداءة كما تكون باسم الله تكون أيضا باسم آلهتهم، وهذا يسمى قصر إفراد. ورد على من يعتقد أنها لا تكون باسم الله وإنما تكون باسم آلهتهم، كالدهرية المنكرين وجوده تعالى، وهذا يسمى قصر قلب. ورد أيضا على المترددين بين أن تكون باسم الله أو باسم آلهتهم، وهذا يسمى قصر تعيين. قال العلامة الصبان: ثم القصر هنا غير حقيقي لتعذر الحقيقي في قصر الصفة على الموصوف، كما هنا. فإن المعنى قصر الابتداء على كونه باسم الله لا يتعداه إلى كونه باسم غيره، وإن ثبت له أوصاف أخر ككونه في ذي بال. (قوله: والاسم مشتق من السمو) أي مأخوذ منه وفرع عنه. وهو العلو، لان مسماه يعلو به ويرتفع عن زاوية الهجران إلى محفل الاعتبار والعرفان، لان محقرات الاشياء ليس شئ منها مما يوضع له اسم خاص بها بل يعبر عنها باسم جنسها أو نوعها. وهذا مذهب البصريين، فأصله عندهم سمو، حذفت لامه تخفيفا، لان الواضع
علم أنه يكثر استعماله فخففه، ثم سكنت سينه، وأتى بهمزة الوصل توصلا وعوضا عن اللام المحذوفة. فوزنه حينئذ: أفع، فهو من الاسماء المحذوفة الاعجاز، ويشهد لذلك أنهم اتفقوا على أمور، منها أن تصغير اسم سمى أصله سميو، قلبت الواو ياء وأدغمت الياء الاولى فيها. ومنها أن جمعه أسماء، وأصله أسما وقلبت الواو همزة لتطرفها عقب ألف زائدة. ومنها أن الفعل منه سميت وأسميت وتسميت، وأصلها سموت وأسموت وتسموت، قلبت الواو ياء لوقوعها رابعة عقب غير ضم. (وقوله: لا من الوسم) وهو العلامة - أي عند البصريين كما علمت، وأما عند الكوفيين فهو مأخوذ منه. أي من فعله، وأصله عندهم: وسم بفتح الواو وسكون السين، فخفف عند أكثرهم بحذف صدره لكثرة الاستعمال وأتى بهمزة الوصل لما مر، فوزنه على هذا أعل، فهو من الاسماء المحذوفة الصدر. ومذهبهم أقل إعلالا، لكن رد بما تقدم من التصغير والجمع. والفعل ولو كان مأخوذا من الوسم لكان تصغيره وسيما وجمعه أوسام، والفعل منه وسمت، وليس كذلك، كما تقدم. قال بعضهم: إن قول البصريين مبني على أن الله تسمى بأسماء من الازل، وقول الكوفيين مبني على أن الاسماء من وضع البشر. والمذهب الاول أصح، وهو مذهب أهل السنة. والثاني مذهب أهل الاعتزال، لانه يقتضي أنه سبحانه كان في الازل بلا أسماء وصفات، فلما خلق الخلق جعلوا له ذلك، فإذا أفناهم بقي بلا أسماء وصفات. ورد هذا البناء العلامة الصبان في رسالة البسملة، فقال: ليس في المذهبين ما يقتضي هذا البناء، وذلك لان جميع الاسماء ألفاظ، والالفاظ غير أزلية، بل هي حادثة باتفاق الجمهور من الفريقين.
ولهذا حمل قول من قال أسماء الله قديمة على المسامحة. (قوله: والله علم) أي بالوضع الشخصي على التحقيق، لامسماه معين موجود خارجا. لكن لا يجوز أن يقال ذلك إلا في مقام التعليم حذرا من إيهام معنى الشخص المستحيل، وهو من قامت به مشخصات، والواضع هو الله تعالى، وقيل البشر. واعترض بأن ذات الله لا تدرك بالعقل فكيف وضع لها العلم ؟. وأجيب بأنه يكفي في الوضع التعقل بوجه ما - كما هنا - فإن الذات أدركت بتعقل صفاتها. (وقوله: الواجب الوجود) بيان وتعيين المسمى وليس معتبرا من المسمى، وإلا لكان المسمى مجموع الذات والصفة، وليس كذلك. ومعنى كون واجب الوجود: أنه لا يجوز عليه العدم، فلا يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم. وخرج بذلك واجب العدم كالشريك وجائز الوجود والعدم كالممكن. ويلزم من كونه سبحانه وتعالى واجب الوجود أن يكون مستحقا لجميع المحامد، وبعضهم صرح به. (قوله: وأصله إله) أي أصله الاول إله، كإمام، وهو اسم جنس لكل معبود، أي سواء كان بحق أو باطل، ثم بعد تعريفه غلب استعماله في الله المعبود بحق غلبة تقديرية، وهي اختصاص اللفظ بمعنى مع إمكان استعمال في غيره بحسب الوضع، لكن لم يستعمل فيه بالفعل كما هنا، فإن لفظ الاله صالح لان يستعمل في غير الله بحسب الوضع لكن لم يستعمل إلا في الله سبحانه وتعالى.
(قوله: ثم عرف بأل) أي فصار الاله، ثم حذفت الهمزة الثانية بعد نقل حركتها إلى اللام فصار أللاه، ثم أدغمت اللام الاولى في الثانية ثم فخمت للتعظيم فصار الله، ففيه خمسة أعمال (قوله: وهو الاسم الاعظم عند الاكثر) واختار النووي رحمه الله أنه الحي القيوم. فإن قيل: إن من شرط الاسم الاعظم أنه إن دعي سبحانه وتعالى به أجاب، وإذا سئل به أعطى، وهذا ليس كذلك، فقد يدعو كثير به ولا يستجاب دعاؤه ؟ فالجواب أن للدعاء آدابا وشروطا لا يستجاب الدعاء إلا بها، فأولها إصلاح الباطن باللقمة الحلال، لما قيل: الدعاء مفتاح السماء وأسنانه لقمة الحلال. وآخرها الاخلاص وحضور القلب، كما قال تعالى: * (فادعوا الله مخلصين له الدين) * وكما قال لسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام: يا موسى إن أردت أن يستجاب لك دعاؤك فصن بطنك من الحرام وجوارحك عن الآثام. وقال سيدي عبد القادر الجيلاني: الله هو الاسم الاعظم، وإنما يستجاب لك إذا قلت الله وليس في قلبك غيره. ولهذا الاسم خواص
وعجائب، منها أن من داوم عليه في خلوة مجردا بأن يقول الله، الله، حتى يغلب عليه منه حال، شاهد عجائب الملكوت، ويقول - بإذن الله - للشئ كن فيكون. وذكر بعضهم أن من كتبه في إناء - بحسب ما يسع الاناء - ورش به وجه المصروع أحرق بإذن الله شيطانه. ومن ذكره سبعين ألف مرة في موضع خال عن الاصوات، لا يسأل الله شيئا إلا أعطيه. ومن قال كل يوم بعد صلاة الصبح هو الله، سبعا وسبعين مرة، رأى بركتها في دينه ودنياه، وشاهد في نفسه أشياء عجيبة. (قوله: ولم يسم به غيره) أي بل سمى نفسه به قبل أن يعرفه لخلقه، ثم أنزله على آدم ليعرفه لهم. ويدل لذلك قوله تعالى: * (هل تعلم له سميا) * أي هل تعلم أن أحدا غير الله تسمى بهذا الاسم ؟. والاستفام للانكار. (وقوله: ولو تعنتا) أي أنه لا يستطيع أحد التسمية به ولو على وجه التعنت، أي التشدد والتعصب. قال في القاموس: عنته تعنيتا، أي شدد عليه، وألزمه ما يصعب عليه أداؤه. ويقال: جاءه متعنتا أي طالبا زلته. انتهى. ويروى أن امرأة سمت ولدها الله فنزلت صاعقة وأحرقته. (قوله: والرحمن الرحيم صفتان إلخ) أي مشبهتان بحسب الوضع.
(وقوله: بنيتا) أي اشتقتا للمبالغة، أي لاجل إفادتها بحسب الاستعمال لا بحسب الصيغة والوضع. وبما ذك يندفع ما قيل إن كونهما للمبالغة ينافي كونهما صفتين مشبهتين، لان الصفة المشبهة للدوام وصيغة المبالغة للحدوث والتجدد. ويندفع به أيضا ما قيل إن صيغ المبالغة محصورة في خمسة، ورحمن ليس منها، على أن بعضهم منع الحصر المذكور. والمراد بالمبالغة المبالغة النحوية، وهي قوة المعنى، أو كثرة أفراده، لا البيانية وهي أن تثبت للشئ زيادة على ما يستحقه لانها مستحيلة، إذ جميع أسمائه في نهاية الكمال. (وقوله: من رحم) أي بكسر الحاء بعد نقله من فعل بكسر العين إلى فعل بضمها، أو بعد تنزيله منزلة اللازم، فلا يرد ما يقال إن الصفة المشبة لا تصاغ من المتعدي، ورحم متعد، يقال: رحمك الله. وبعضهم أثبت كونه يستعمل لازما مضموم العين، فيقال رحم كحسن، ومصدره الرحم كالحسن، ومنه قوله تعالى: * (وأقرب رحما) * فعلى هذا لا حاجة للتنزيل والنقل الماريين. (قوله: والرحمن أبلغ من الرحيم) استئناف بياني واقع في جواب سؤال مقدر تقديره: لم قدم الرحمن على الرحيم ؟ ومعنى كونه أبلغ أن مدلوله أعظم وأزيد من مدلول الرحيم. وهو مأخوذ من المبالغة لا من البلاغة، لانها لا يوصف بها لمفرد.
(وقوله: لان زيادة البناء إلخ) كما في قطع بالتخفيف وقطع بالتشديد، وكما في كبار وكبار. ومحل هذه القاعدة إذا وجدت شروط ثلاثة أن يكون ذلك في غير الصفات الجبلية، فخرج نحو شره ونهم، لان الصفة الجبلية لا تتفاوت. وأن يتحد اللفظان في النوع، فخرج نحو حذر وحاذر، إذ الاول صفة مشبهة والثاني اسم فاعل. ويتحدا في الاشتقاق، فخرج نحو زمن وزمان، إذ لا اشتقاق فيهما. (وقوله: ولقولهم) أي السلف، ففيه تصريح بأن هذا ليس بحديث. وقال ابن حجر: إنه حديث، والمبالغة فيه لشمول الرحمن للدنيا والآخرة، والرحيم مختص بالآخرة أو الدنيا، فالابلغية بحسب كثرة أفراد المرحومين وقلتها، فهي منظور فيها للحكم. وأما ما جاء في الحديث: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما فلا يعارض ما ذكر، لانه يجوز أن تكون الابلغية بالنظر للكيف. اه. بجيرمي بتصرف. وفي حاشية الجمل ما نصه: قوله ولقولهم، لم يقل ولقوله عليه الصلاة والسلام لان كلا مما ذكره غير حديث، لان حاصل الصيغ التي وردت هنا ست صيغتان: منها حديثان، وهما: الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة، والصيغة الثانية: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما. وأما بقية الصيغ التي من جملتها ما ذكره الشارح فهي غير أحاديث، وهي أربع صيغ: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا،
يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، يا رحمن الآخرة ورحيم الدنيا، اه حفني. وقوله: التي من جملتها ما ذكره الشارح، غير ظاهر لان الصيغتين في الشرح ليس فيهما / حرف النداء صريحا وإن كان مقدرا، بخلاف الاربعة التي ذكرها. وبهذا الاعتبار تكون الصيغ ثمانية، صيغتان حديثان وست غير أحاديث. اه ع ط. اه. واعلم أن الرحمن معناه: المنعم بجلائل النعم، أي أصولها، كنعمة الوجود بعد العدم، والايمان، والعافية والرزق، والعقل، والسمع، والبصر، وغير ذلك. والرحيم معناه: المنعم بدقائق النعم، أي فروعها، كالجمال، وكثرة المال، وزيادة الايمان، ووفور العقل، وحدة السمع والبصر، وغير ذلك. وإنما جمع بينهما إشارة إلى أنه تعالى، كما ينبغي أن يطلب منه النعم العظيمة كذلك ينبغي أن يطلب منه النعم الدقيقة. فقد أوحى الله إلى موسى: يا موسى لا تخش مني بخلا أن تسألني حقيرا، اطلب مني الدقة والعلف لشاتك، أما علمت أني خلقت الخردلة فما فوقها، وأني لم أخلق شيئا إلا وقد علمت أن الخلق يحتاجون إليه. فمن سألني مسألة، وهو يعلم أني قادر، أعطي وأمنع، أعطيته مسألته مع المغفرة.
والحاصل أن رحمته سبحانه وتعالى عامة على جميع مخلوقاته، فينبغي لكل شخص مريد رحمة الله أن يرحم أخاه. قال كعب الاحبار: مكتوب في الانجيل: يا ابن آدم كما ترحم كذلك ترحم، فكيف ترجو أن يرحمك الله وأنت لا ترحم عباد الله. ومما ينسب لابن حجر رحمه الله تعالى: ارحم هديت جميع الخلق أنك ما رحمت يرحمك الرحمن فاغتنما (وله أيضا): ارحم عباد الله يرحمك الذي عم الخلائق جوده ونواله فالراحمون لهم نصيب وافرمن رحمة الرحمن جل جلاله ولهذين الوصفين خواص كثيرة، فمن خواص الرحمن أن من أكثر من ذكره نظر الله إليه بعين الرحمة، ومن واظب على ذكره ملطوفا به في جميع أحواله. روي عن الخضر عليه السلام: أن من قال بعد عصر الجمعة مستقلا: يا ألله يا رحمن، إلى أن تغيب الشمس، وسأله الله شيئا من أمور الدنيا أو الدين أعطاه إياه. ومن خواص الرحيم أن من كتبه في ورقة إحدى وعشرين مرة وعلقها على صاحب الصداع برئ بإذن الله تعالى. ومن كتبه في كف مصروع، وذكره في أذنه سبع مرات، أفاق من ساعته بإذن الله تعالى. اه شرح أسماء الله الحسنى.
(قوله: الحمد لله الذي هدانا إلخ) هذا اعتراف منه بأنه لم يصل إلى هذا التأليف العظيم ذي النفع العميم، الموصل إن شاء الله تعالى إلى الفوز بجنات النعيم، بجهده واستحقاق فعله، فاقتدى بأهل الجنة حيث قالوا ذلك في دار الجزاء اعترافا منهم بأنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من حسن تلك العطيات وعظم تلك المراتب العليات بجهدهم واستحقاق فعلهم، بل بمحض فضل الله وكرمه. وما ذكر اقتباس من القرآن، وهو أن يضمن المتكلم كلامه شيئا من القرآن أو الحديث، لا على أنه منه، ولا يضر فيه التغيير لفظا ومعنى، لان الاشارة في القرآن للنعيم، وهنا للتأليف. بجيرمي بتصرف. ثم إن هداية الله أنواع لا يحصيها عد، لكنها تنحصر في أجناس مرتبة: الاول: إفاضة القوى التي بها يتمكن المرء من الاهتداء إلى مصالحه، كالقوة العقلية - أي العاقلة - والحواس الباطنة، والمشاعر الظاهرة. الثاني: نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد. الثالث: الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب. الرابع: أن يكشف لقلوبهم السرائر ويؤتيهم الاشياء كما هي، بالوحي أو الالهام أو المنامات الصادقة، وهذا القسم يختص بالانبياء. (قوله: أي دلنا) اقتصر في تفسير الهداية على الادلة، فشملت الدلالة الموصلة إلى المقصود وغيرها. والاولى لا تسند إلا إليه
تعالى، كما في قوله تعالى: * (اهدنا الصراط المستقيم) * وهي المنفية عنه (ص) في قوله: * (إنك لا تهدي من أحببت) *. والثانية تسند إلى النبي (ص)، كما في قوله تعالى: * (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) *. وإلى القرآن، كما في قوله تعالى: * (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) *. وإلى غيرهما. وهي هنا موصلة بالنسبة لما وجد منه، وهو البسملة والحمدلة ونحوهما، وغير موصلة بالنسبة لما سيوجد، وهذا إذا كانت الخطبة متقدمة، فإن كانت متأخرة عن الكتاب فالدلالة موصلة لا غير. والمشهور أن دل يتعدى بعلى، وهدى يتعدى بإلى، فكيف يفسره به ؟ وأجيب بأن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر لا يلزم أن يعدى بما تعدى به ذلك الفعل. (قوله: وما كنا إلخ) الواو للحال أو للاستئناف، وكان فعل ماض لنهتدي، اللام زائدة لتوكيد النفي، والفعل منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد لام الجحود. والمعنى: لنهتدي لما عليه من الخير الذي من جملته هذا التأليف، أو لنهتدي لهذا التأليف. ولولا: حرف امتناع لوجود. وأن هدانا الله في تأويل مبتدأ خبره محذوف وجوبا، أي لولا هداية الله لنا موجودة. وجواب لولا محذوف دل عليه ما قبله، أي ما كنا مهتدين. والمعنى: امتنع عدم هدايتنا لوجود هداية الله لنا. اه جمل. (قوله: والحمد هو الوصف بالجميل) أي لغة.
وأما عرفا: فهو فعل ينبئ عن تعظيم المنعم إلى آخر ما تقدم. (فائدة) اختلف العلماء في الافضل، هل الحمد لله أو لا إله إلا الله ؟ فذهب طائفة إلى الاول، لان في الحمد توحيدا وحمدا، وفي لا إله إلا الله توحيدا فقط. واحتجوا بحديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما مرفوعا: من قال لا إله إلا الله كتبت له عشرون حسنة، وحط عنه عشرون سيئة. ومن قال الحمد لله رب العالمين كتبت له ثلاثون حسنة، وحط عنه ثلاثون سيئة. وذهبت طائفة إلى الثاني، لانها تنفي الكفر، وعنها يسئل الخلق. واحتجوا بقوله (ص): مفتاح الجنة لا إله إلا الله. وبقوله (ص): أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله. وبقوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين. وأجابوا عما في حديث أبي هريرة بأن العشرين الحسنة التي ذكرت لقائل لا إله إلا الله، وإن كانت أقل عددا من الثلاثين، هي أعظم كيفا. اه ملخصا من حاشية شيخنا، العارف بربه المنان، السيد أحمد بن زيني دحلان، على متن الزبد. (قوله: وهي من الله الرحمة) أي ومن غيره سبحانه وتعالى الدعاء، ودخل في الغير جميع الحيوانات والجمادات، فإنه ورد أنها صلت وسلمت على سيدنا محمد (ص)، كما صرح به العلامة الحلبي في السيرة. وما ذكر من أن الصلاة تختلف باختلاف المصلي هو مذهب الجمهور، ومقابله ما ذهب إليه ابن هشام من أن معنى الصلاة أمر واحد وهو العطف، بفتح العين، ولكنه مختلف باختلاف العاطف. فهو بالنسبة لله الرحمة، وبالنسبة لما سواه تعالى - من الملائكة وغيرهم - الدعاء.
وينبني على هذا الخلاف أن الصلاة من قبيل المشترك اللفظي على الاول، والمشترك المعنوي على الثاني. (قوله: أي التسليم) إنما قال ذلك لان السلام من أسمائه تعالى فربما يتوهم أنه المراد، فدفعه بما ذكر فيكون من إطلاق اسم المصدر على المصدر. اه بجيرمي. وفسره بعضهم بقوله: السلام هنا بمعنى الامان والاعظام وطيب التحية اللائقة بذلك المقام. وجمع بين الصلاة والسلام امتثالا لقوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) * وخروجا من كراهة إفراد أحدهما عن الآخر لفظا أو خطا. وشروط كراهة الافراد - عند القائل بها - ثلاثة: أن يكون الافراد منا، فلا يكره ذلك في ثناء الله والملائكة والانبياء، كقوله تعالى: * (إن الله وملائكته يصلون) * ولم يقل ويسلمون. وأن يكون في غير ما ورد فيه الافراد فلا يكره فيما ورد مفردا، كحديث: من قال يوم الجمعة ثمانين مرة: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك
النبي الامي، غفر له ذنوب ثمانين سنة. وأن يكون لغير داخل الحجرة الشريفة. أما هو فيقول: السلام عليك يا رسول الله، ولا يكره له الاقتصار. (قوله: لكافة الثقلين الجن والانس) بل وإلى كافة الخلق من ملك وحجر ومدر، بل وإلى نفسه. وقول العلامة الرملي: لم يرسل إلى الملائكة، أي إرسال تكليف، فلا ينافي أنه أرسل إليهم إرسال تشريف. (قوله: المضعف) أي المكرر العين، وهو أبلغ من اسم مفعول الفعل الغير المضعف، وهو محمود. (قوله: بإلهام من الله لجده) أي انه ألهم التسمية بمحمد بسبب أنه تعالى أوقع في قلبه أنه يكثر حمد الخلق له. كما روي في السير أنه قيل لجده عبد المطلب - وقد سماه في سابع ولادته لموت أبيه قبلها -: لم سميت ابنك محمدا، وليس من أسماء آبائك ولا قومك ؟ قال: رجوت أن يحمد في السماء والارض. وقد حقق الله رجاءه. وينبغي إكرام من اسمه محمد تعظيما له (ص)، ويسن التسمية بهذا الاسم الشريف محبة فيه (ص). وقد ورد في فضل التسمية به عدة أحاديث، أصح ما فيها حديث: من ولد له مولود فسماه محمدا حبا لي وتبركا باسمي كان هو ومولوده في الجنة. (قوله: أوحي إليه بشرع) أي أعلم به، لان الايحاء الاعلام، سواء كان بإرسال أو بإلهام أو رؤيا منام، فإن رؤيا الانبياء حق. وسواء كان له كتاب أم لا.
(قوله: فإن لم يؤمر بالتبليغ فنبي) أي فقط. والحاصل بينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان فيمن كان نبيا ورسولا، وهو الذي أمر بالتبليغ. وينفرد النبي فيمن لم يؤمر بالتبليغ ولا ينفرد الرسول، فكل رسول نبي ولا عكس. وإن قلنا بانفراد الرسول في الملائكة كان بينهما العموم والخصوص الوجهي، والتحقيق الاول. (قوله: وصح خبر أن عدد إلخ) الصحيح عدم حصرهم في عدد، لقوله تعالى: * (منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) *. واعلم أنه يجب الايمان بهم إجمالا فيمن لم يرد فيه تفصيل، وتفصيلا فيمن ورد فيه التفصيل. والوارد فيه التفصيل منهم خمسة وعشرون، ثمانية عشر مذكورة في قوله تعالى: * (وتلك حجتنا) * الآية، والباقي سبعة مذكورة في بعض السور، وهم آدم وإدريس وهود وشعيب وصالح وذو الكفل وسيدنا محمد (ص) وعليهم أجمعين. وقد نظمها بعضهم فقال: حتم على كل ذي التكليف معرفة بأنبياء على التفصيل قد علموا في تلك حجتنا منهم ثمانية من بعد عشر ويبقى سبعة وهمو إدريس هود شعيب صالح وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا فمن أنكر واحدا منهم بعد أن علمه كفر، بخلاف ما لو سئل عنه ابتداء فقال لا أعرفه فلا يكفر. (قوله: وعلى آله) أعاد العامل فيه ولم يعده مع الصحب، لان الصلاة عليهم ثبتت بالنص، بخلاف الصحب فإنها بالقياس على الآل، وللرد على الشيعة الزاعمين ورود حديث عنه
(ص) وهو: لا تفصلوا بيني وبين آلي بعلي. وهو مكذوب عليه. (قوله: أي أقاربه المؤمنين) هو بالمعنى الشامل للمؤمنات، ففيه تغليب. والمراد بالبنين في قوله من بني هاشم ما يشمل البنات، ففيه تغليب أيضا. وهاشم جد النبي (ص)، والمطلب أخو هاشم، وهو جد الامام الشافعي، وأبوهما عبد مناف. وخرج بقوله بني هاشم والمطلب بنو عبد شمس ونوفل، فليسوا من الآل وإن كانوا من أولا عبد مناف، وذلك لانهم كانوا يؤذونه (ص). (قوله: وقيل هم كل مؤمن) أي ولو كان عاصيا، لانه أحوج إلى الدعاء من غيره، لكن تعليله بالخبر الضعيف، وهو آل محمد كل تقي،
يفيد تخصيص المؤمن بغير العاصي إلا أن يراد بالتقي التقي عن الشرك، وهو أول مراتب التقوى. (قوله أي في مقام الدعاء ونحوه) المشتهر أن هذا القيل خاص بمقام الدعاء، ومحل الخلاف عند عدم القرينة، والا فسر بما يناسبها. قال العلامة الصبان: وما اشتهر من أن اللائق في مقام الدعاء تفسير الآل بعموم الاتباع، لست أقول بإطلاقه، بل المتجه عندي التفصيل. فإن كان في العبارة ما يستدعي تفسير الآل بأهل بيته حمل عليهم، نحو: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا. وما يستدعي تفسير الآل بالاتقياء حمل عليهم، نحو: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد الذين ملات قلوبهم بأنوارك وكشفت لهم حجب أسرارك. فإن خلت مما ذكر حمل على الاتباع، نحو: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد سكان جنتك وأهل دار كرامتك. (قوله: اسم جمع) أي لاجمع، لان صيغة فعل ليست من أوزان الجموع، وهذا هو التحقيق. وقال الاخفش: إنه جمع لصاحب كركب وراكب. (قوله: بمعنى الصحابي) إنما قال ذلك لان الصاحب هو من طالت عشرته، والصحابي لا يشترط فيه ذلك. ح ل بجيرمي. (قوله: وهو) أي الصحابي.
(وقوله: من اجتمع مؤمنا إلخ) أي بعد البعثة في حال حياته اجتماعا متعارفا ببدنه ولو لحظة، ومات على الايمان، سواء روى عنه شيئا أم لا. (قوله: فهذا المؤلف الحاضر ذهنا) فالاشارة إلى الالفاظ المرتبة المجتمعة المستحضرة ذهنا لكن على طريق المجاز لا الحقيقة، لان اسم الاشارة موضوع للمشار إليه المسحوس بحاسة البصر. (قوله: قل لفظة وكثر معناه) ولذلك قال بعضهم: الكلام يختصر ليحفظ ويبسط ليفهم. وقد اختلفت عباراتهم في تفسير المختصر مع تقارب المعنى. فقيل: هو رد الكلام إلى قليله مع استيفاء المعنى وتحصيله. وقيل: هو الاقلال بلا إخلال. وقيل: تكثير المعاني مع تقليل المباني. وقيل: حذف الفضول مع استيفاء الاصول، وقيل: تقليل المستكثر وضم المنتشر. (قوله: هو لغة: الفهم) أي مطلقا، لما دق وغيره. وقيل: فهم ما دق. (قوله: واصطلاحا: العلم بالاحكام) المراد بها هنا النسب التامة، كثبوت الوجوب للنية في الوضوء في قولنا: النية في الوضوء واجبة، وثبوت الندب للوتر في قولنا: الوتر مندوب، وهكذا. وخرج بالعلم بها العلم بالذوات، كتصور إنسان فلا يسمى فقها. (وقوله: الشرعية) خرج بها العلم بالاحكام العقلية، كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين. والشرعية نسبة للشرع بمعنى الشارع، وهو الله تعالى أو النبي (ص). (وقوله: العملية) خرج به العلم بالاحكام الشرعية الاعتقادية، كثبوت الوجوب للقدرة في قولنا: القدرة واجبة لله تعالى، وهكذا بقية الصفات.
وهذا يسمى علم الكلام وعلم التوحيد. والمراد بالعملية المتعلقة بكيفية عمل، ولو كان قلبيا كالنية، فالصلاة في قولنا: الصلاة واجبة عمل، وكيفيته - أي صفته - الوجوب، والحكم هو ثبوت الوجوب للصلاة. والنية في قولنا: النية في الوضوء واجبة: عمل قلبي، وكيفيتها الوجوب، والحكم هو ثبوت الوجوب للنية. (وقوله: المكتسب)، خرج به علم الله، وعلم جبريل على القول بأنه غير مكتسب بل ضروري خلقه الله فيه، والحق أن علم جبريل مكتسب يكتسبه من اللوح المحفوظ. (وقوله: من أدلتها) خرج به علم المقلد، فهو مستفاد من قول الغير لا من أدلة الاحكام. (وقوله: التفصيلية) الحق أنه لبيان الواقع لا للاحتراز، وكيفية الاخذ من الادلة التفصيلية أن تقول: أقيموا الصلاة، أمر، والامر للوجوب. ينتج: أقيموا الصلاة للوجوب. ولا تقربوا الزنا: نهي، والنهي للتحريم، ينتج: لا تقربوا الزنا للتحريم، وهكذا. واعلم أنه يتأكد لكل طالب فن قبل شروعه فيه أن يتصوره بوجه ما ولو باسمه، لاستحالة توجه النفس نحو المجهول المطلق، والاحسن أن يتصوره بتعريفه ليكون على بصيرة في طلبه، وأن يعرف موضوعه ليمتاز عن غيره أتم تمييز، وأن يعرف
غايته وثمرته وفضله ليخرج عن العبث ويزداد جده. وبقية المبادي العشرة المشهورة، وقد نظمها كلها العلامة الخضري في قوله: مبادي أي علم كان حدوموضوع وغاية مستمد مسائل نسبة واسم وحكم وفضل واضع عشر تعد ونظمها أيضا أبو العلاء المعري في قوله: من رام فنا فليقدم أولاعلما بحده وموضوع تلا وواضع ونسبة وما استمدمنه وفضله وحكم يعتمد واسم وما أفاد والمسائل فتلك عشر للمنى وسائل وبعضهم فيها على البعض اقتصرومن يكن يدري جميعها انتصر والشارح - رحمه الله تعالى - ذكر منها أربعة: الحد، والاسم، والاستمداد، والفائدة. وبقي عليه ستة: موضوعه، وحكمه، ومسائله، وواضعه، ونسبته، وفضله. فأما الاول، فهو أفعال المكلفين من حيث عروض الاحكام لها. وأما الثاني، فهو الوجوب العيني أو الكفائي. وأما الثالث، فهو القضايا، كالنية واجبة، والوضوء شرط لصحة الصلاة، ودخول الوقت سبب لها. وأما الرابع، فالائمة المجتهدون.
وأما الخامس، فهو المغايرة للعلوم. وأما السادس، فهو فوقانه على سائر العلوم، لقوله (ص): من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. ولقوله (ص): إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله ؟ قال: حلق الذكر. قال عطاء: حلق الذكر هي مجالس الحلال والحرام، كيف تشتري وكيف تصلي وكيف تزكي وكيف تحج وكيف تنكح وكيف تطلق، وما أشبه ذلك. والمراد معرفة كيفية الصلاة والزكاة والحج، وذلك يكون بمعرفة أركانها وشروطها ومفسداتها، إذ العبارة بغير معرفة ذلك غير صحيحة، كما قال ابن رسلان: وكل من بغير علم يعمل أعماله مردودة لا تقبل وعن ابن عمر رضي الله عنهما: مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة. لقوله (ص): يسير الفقه خير من كثير العبادة. وما أحسن قول بعضهم: عليك بعلم الفقه في الدين إنه سيرفع فاستدركه قبل صعوده فمن نال منه غاية بلغ المنى وصار مجدا في بروج سعوده (وقوله): تفقه فإن الفقه أفضل قائد إلى البر والتقوى وأعدل قاصد هو العلم الهادي إلى سنن الهدى هو الحصينجي من جميع الشدائد فإن فقيها واحدا متورعا أشد على الشيطان من ألف عابد (وقوله): إذا ما اعتز ذو علم بعلم فعلم الفقه أولى باعتزاز فكم طيب يفوح ولا كمسك وكم طير يطير ولا كباز (وقوله): وخير علوم علم فقه لانه يكون إلى كل العلوم توسلا فإن فقيها واحدا متورعا على ألف ذي زهد تفضل واعتلى
(وقوله): والعمر عن تحصيل كل علم يقصر فابدأ منه بالاهم وذلك الفقه فإن منلا غنى في كل حال عنه واعلم أن الآيات والاحاديث الدالة على فضل العلم مطلقا كثيرة شهيرة، فمن الآيات قوله تعالى: * (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * ومن الاحاديث قوله عليه الصلاة والسلام: من سلك طريقا يبتغي فيها علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الارض، حتى الحيتان في الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الانبياء وإن الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر وقوله (ص): فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم وإن الله وملائكته وأهل السموات والارض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في الماء، ليصلون على معلمي الناس الخير. قال معاذ رضي الله عنه: تعلموا العلم. فإن تعليمه حسنة، وطلبه عبادة، ومذكراته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وبذله صدقة. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: الناس رجلان، عالم ومتعلم، ولا خير فيما سوى ذلك. ويقال: من ذهب إلى عالم وجلس عنده ولم يقدر على حفظ شئ مما قاله أعطاه الله سبع كرامات، أولها: ينال فضل المتعلمين.
وثانيها: ما دام عنده جالسا كان محبوسا عن الذنوب والخطايا. وثالثها: إذا خرج من منزله نزلت عليه الرحمة. ورابعها: إذا جلس عنده نزلت الرحمة على العالم فتصيبه ببركته. وخامسها: تكتب له الحسنات ما دام مستمعا. وسادسها: تحفهم الملائكة بأجنحتهم وهو فيهم. وسابعها: كل قدم يرفعها ويضعها تكون كفارة للذنوب ورفعا للدرجات وزيادة في الحسنات. هذا لمن لم يحفظ شيئا، وأما الذي يحفظ فله أضعاف ذلك مضاعفة. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن الرجل ليخرج من منزله وعليه من الذنوب مثل جبال تهامة، فإذا سمع العلم خاف الله واسترجع من ذنوبه، فينصرف إلى منزله وليس عليه ذنب، فلا تفارقوا مجالس العلماء فإن الله لم يخلق على وجه الارض أكرم من مجلسهم. قال بعضهم: ولو لم يكن لحضور مجلس العلم منفعة سوى النظر إلى وجه العالم لكان الواجب على العاقل أن يرغب فيه، فكيف وقد أقام النبي (ص) العلماء مقام نفسه فقال: من زار عالما فكأنما زارني، ومن صافح عالما فكأنما صافحني، ومن جالس عالما فكأنما جالسني، ومن جالسني في الدنيا أجلسه الله تعالى معي يوم القيامة في الجنة. وما ورد في فضل العلم والعلماء أكثر من أن يحصى، وفي هذا القدر كفاية، فنسأل الله العظيم أن يجعلنا من العلماء العاملين،
وأن يمنحنا كمال المتابعة والمحبة لسيدنا محمد سيد الاولين والآخرين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. (قوله: على مذهب الامام) صفة للفقه، أي في الفقه الكائن على مذهب الامام الشافعي. والمذهب في اللغة اسم لمكان الذهاب، ثم استعمل فيما ذهب إليه الامام من الاحكام مجازا على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، وتقريرها أن تقول شبه اختيار الاحكام بمعنى الذهاب، واستعير الذهاب لاختيار الاحكام، واشتق منه مذهب بمعنى أحكام مختارة، ثم صار حقيقة عرفية. (قوله: ابن عبد مناف) فيجتمع الامام الشافعي مع النبي (ص) في عبد مناف، لانه (ص) سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهاشم الذي في نسبه (ص) عم لهاشم الذي في نسب الامام. (قوله: وولد إمامنا رضي الله عنه) أي بغزة التي توفي فيها هاشم جد النبي (ص)، وقيل بعسقلان، ثم حمل إلى مكة وهو ابن سنتين، ونشأ بها وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، والموطأ وهو ابن
عشر، وتفقه على مسلم بن خالد - مفتي مكة - المعروف بالزنجي لشدة شقرته، فهو من باب أسماء الاضداد، وأذن له في الافتاء وهو ابن خمس عشرة سنة، مع أنه نشأ يتيما في حجر أمه في قلة من العيش وضيق حال. وكان في صباه يجالس العلماء ويكتب ما يستفيده في العظام ونحوها حتى ملا منها خبايا، ثم رحل إلى مالك بالمدينة ولازمه مدة، ثم قدم بغداد سنة خمس وتسعين ومائة فأقام بها سنتين واجتمع عليه علماؤها ورجع كثير منهم عن مذاهب كانوا عليها إلى مذهبه، وصنف بها كتابه القديم. ثم عاد إلى مكة فأقام بها مدة، ثم عاد إلى بغداد سنة ثمان وتسعين فأقام بها، ثم خرج إلى مصر، فلم يزل ناشرا للعلم ملازما للاشتغال بجامعها العتيق. ثم انتقل إلى رحمة الله - وهو قطب الوجود - يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين، ودفن بالقرافة بعد العصر من يومه. وانتشر علمه في جميع الآفاق وتقدم على الائمة في الخلاف والوفاق، وعليه حمل الحديث المشهور: عالم قريش يملا طباق الارض علما. لان الكثرة والانتشار في جميع الاقطار لم يحصلا في عالم قرشي مثله. قال الائمة ومنهم الامام أحمد: هذا العالم هو الشافعي. وكان رضي الله عنه يقسم الليل على ثلاثة أقسام، ثلث للعلم، وثلث للصلاة، وثلث للنوم. ويختم القرآن في كل يوم مرة، ويختم في رمضان ستين مرة، كل ذلك في الصلاة. وكان رضي الله عنه يقول: ما شبعت منذ ست عشرة سنة، لانه يثقل البدن ويقسي القلب ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة. وما حلفت بالله في عمري، لاكاذبا ولا صادقا. وسئل رضي الله عنه عن مسألة فسكت،
فقيل له: لم لا تجيب ؟ فقال: حتى أعلم، الفضل في سكوتي أو في جوابي. وكان رضي الله عنه مجاب الدعوة، لا تعرف له كبيرة ولا صغيرة. ومن كلامه رضي الله عنه: أمت مطامعي فأرحت نفسي فإن النفس ما طمعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتا ففي إحيائه عرضي مصون إذا طمع يحل بقلب عبد علته مهانة وعلاه هون ومن أدعيته رضي الله عنه: اللهم امنن علينا بصفاء المعرفة، وهب لنا تصحيح المعاملة فيما بيننا وبينك على السنة، وارزقنا صدق التوكل عليك وحسن الظن بك. وامنن علينا بكل ما يقربنا إليك مقرونا بعوافي الدارين برحمتك يا أرحم الراحمين. وبالجملة، فما نقل عنه نظما ونثرا لا يحصى، وفضائله وأخباره لا تستقصى، وقد أفردت بالتأليف، وفي هذا القدر كفاية. وحيث تبركنا بذكر نبذة من فضائل إمامنا الشافعي رضي الله عنه فلنتبرك بذكر بعض أخبار بقية الائمة الاربعة رضوان الله عليهم أجمعين. فأقول: الامام مالك رضي الله عنه، ولد سنة ثلاث وتسعين من الجهرة، وقيل: تسعين. وهو من أتباع التابعين على الصحيح، وقيل: من التابعين. وأخذ العلم عن سبعمائة شيخ، منهم ثلثمائة من التابعين، وعليه حمل قوله (ص): لا تنقضي الساعة حتى تضرب أكباد الابل من كل ناحية إلى عالم المدينة يطلبون علمه. وفي رواية: يوشك أن تضرب أكباد الابل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة. فكانوا يزدحمون على بابه لطلب العلم. وأفتى الناس وعلمهم نحو سبعين سنة بالمدينة. وكان - رضي الله عنه - يرى المصطفى (ص) كل ليلة في النوم. وسئل الامام أبو حنيفة - رضي الله عنه - عن مالك فقال: ما رأيت أعلم بسنة رسول الله (ص) منه. ولم يزل - رضي الله عنه - على حالة مرضية حتى اختاره رب البرية سنة تسع وسبعين ومائة، ودفن بالبقيع، وقبره مشهور. وأما الامام أبو حنيفة رضي الله عنه، فكانت ولادته في عصر الصحابة سنة ثمانية من الهجرة. وكان رضي الله عنه عابدا زاهدا عارفا بالله تعالى. قال حفص بن عبد الرحمن: كان أبو حنيفة رضي الله عنه يحيي الليل بقراءة القرآن في ركعة ثلاثين سنة. وقال السيد بن عمرو: صلى أبو حنيفة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة. ويروى أنه من شدة خوفه سمع قارئا يقرأ في
المسجد: * (إذا زلزلت الارض زلزالها) * فلم يزل قابضا على لحيته إلى الفجر وهو يقول: نجزى بمثقال ذرة. فرحمة الله عليه ورضوانه وتوفي - رضي الله عنه - في رجب أو شعبان سنة خمسين ومائة، وفيه قال بعضهم: إن ترد في أبي حنيفة وصفا فالراوة الثقات عنه تشير كان شمسا يضئ بالعلم حقا وهو في الناس بالعلوم الامير كان شيخ الاسلام قدوة خلق الله حقا لما اقتضاه القدير لم يزل وجهه جميلا بهيا خاشعا لا يشوبه تكدير معرضا عن حطام دنيا تلهي كل عقل بحبها مأسور قد تساوى لديه تنزيه نفس عن حطام قليلها والكثير وأما الامام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، فكانت ولادته سنة أربع وستين ومائة. قال إدريس الحداد: كان الامام أحمد صاحب رواية في الحديث، ليس في زمانه مثله، وكان رضي الله عنه زاهدا ورعا عابدا. قال عبد الله، ولده: كان أبي يقرأ في كل ليلة سبع القرآن، ويختم في كل سبعة أيام ختمة، ثم يقوم إلى الصباح، وكان يصلي في كل يوم ثلثمائة ركعة. قال الشافعي رضي الله عنه: خرجت من بغداد وما خلفت فيها أفقه ولا أورع ولا أزهد ولا أعلم من الامام أحمد، وكان يحيي الليل كله من وقت كونه غلاما، وله في كل يوم ختم. وتوفي رضي الله عنه سنة إحدى وأربعين ومائتين. والحاصل أن فضله وفضل سائر الائمة أشهر من الشمس في رابعة النهار،
وقد جمع بعضهم تاريخ ولادتهم وموتهم ومقدار عمرهم في قوله: تاريخ نعمان يكن سيف سطاومالك في قطع جوف ضبطا والشافعي صين ببر ندوأحمد بسبق أمر جعد فاحسب على ترتيب نظم الشعر ميلادهم فموتهم كالعمر فولادة أبي حنفية سنة ثمانين وجمله يكن، ووفاته سنة مائة وخمسين وجمله سيف، وعمره سبعون وجمله سطا. وولادة مالك سنة تعسين وجمله في، ووفاته مائة وتسع وسبعين وجمله قطع، وعمره تسع وثمانون وجمله جوف. وولادة الشافعي سنة مائة وخمسين يوم وفاة أبي حنيفة وجمله صين، ووفاته سنة مائتين وأربع وجمله ببر، وعمره أربع وخمسون وجمله ند. وولادة أحمد سنة أربع وستين ومائة وجمله بسبق، ووفاته سنة إحدى وأربعين ومائتين وجمله أمر، وعمره سبع وسبعون وجمله جعد. رضي الله عنهم وعنا بهم أجمعين. (تنبيه) كل من الائمة الاربعة على الصواب ويجب تقليد واحد منهم، ومن قلد واحدا منهم خرج عن عهدة التكليف، وعلى المقلد اعتقاد أرجحية مذهبه أو مساواته، ولا يجوز تقليد غيرهم في إفتاء أو قضاء. قال ابن حجر، ولا يجوز العمل بالضعيف بالمذهب، ويمتنع التلفيق في مسألة، كأن قلد مالكا في طهارة الكلب والشافعي في مسح بعض الرأس في صلاة واحدة، وأما في مسألة بتمامها بجميع معتبراتها فيجوز، ولو بعد العمل، كأن أدى عبادته صحيحة عند بعض الائمة دون غيره، فله تقليده فيها حتى لا يلزمه قضاؤها. وسيأتي بسط الكلام على التقليد في باب القضاء إن شاء الله تعالى. (قوله: وهذا الشرح) معطوف على ضمير انتخبته الواقع مفعولا. (قوله: لشيخنا إلخ) ولد - رضي الله عنه - سنة تسع وتسعمائة في أواخرها، ومات أبوه وهو صغير فكفله جده، ثم لما مات جده كفله شيخا أبيه العارفان الكاملان شهاب الدين أبو الحمائل وشمس الدين الشناوي، ونقله الثاني من بلده إلى مقام سيدي أحمد البدوي، فقرأ هناك في مبادي العلوم،
ثم نقله إلى الجامع الازهر وعمره أربع عشرة سنة وقرأ فيه على مشايخ كثيرين، منهم شيخ الاسلام زكريا الانصاري. وكان لا يجتمع به إلا ويقول له، أسأل الله أن يفقهك في الدين، وكان رضي الله عنه يقول: قاسيت في الجامع الازهر من الجوع ما لا تحتمله الجبلة البشرية لولا معونة الله وتوفيقه، بحيث أني جلست فيه نحو أربع سنين ما ذقت اللحم، وقاسيت أيضا من الايذاء من بعض أهل الدروس التي كنا نحضرها ما هو أشد من ذلك. ومن كلامه رضي الله تعالى عنه: إذا أنت لا ترضى بأدنى معيشة مع الجد في نيل العلا والماثر فبادر إلى كسب الغنى مترقبا عظيم الرزايا وانطماس البصائر وتوفي رضي الله تعالى عنه ثالث عشر رجب سنة أربع وسبعين وتسعمائة، وعمره إذ ذاك خمس وستون. وصلي عليه عند الملتزم الشريف بعد العصر، ودفن بالمعلى. طيب الله ثراه وجعل الجنة مقره ومثواه. وفيه أنشد بعضهم حين رأى الرجال تحمل نعشه: انظر إلى جبل تمشي الانام به وانظر إلى القبر كم يحوي من الشرف وانظر إلى صارم الاسلام منغمدا وانظر إلى درة الاسلام في الصدف (قوله: وشيخي) بصيغة التثنية، معطوف على قوله شيخنا، حذفت منه النون للاضافة. وقوله (مشايخنا) يقرأ بالياء لا بالهمزة لان ياء المفرد ليست مدا زائدا ثالثا، وإلى ذلك أشار ابن مالك بقوله: والمد زيد ثالثا في الواحد همزا يرى في مثل كالقلائد
(قوله: شيخ الاسلام) أي شيخ أهل الاسلام، وهو بدل من المضاف قبله. (قوله: المجدد) يحتمل قراءته بصيغة اسم المفعول ويكون صفة للاسلام، والمراد: الاسلام المجدد، أي الذي جدده النبي (ص) وأظهره بعد أن اندرس. ويحتمل قراءته بصيغة اسم الفاعل ويكون صفة لشيخ الاسلام، والمراد أنه رضي الله عنه هو المجدد للدين. (قوله: زكريا الانصاري) بدل مما قبله، وإنما قدم اللقب على الاسم لشهرته به، مثل قوله تعالى: * (إنما المسيح عيسى ابن مريم) * ولد رضي الله عنه سنة ست وعشرين وثمانمائة بسنيكة ونشأ بها، فحفظ القرآن والعمدة ومختصر التبريزي، ثم تحول للقاهرة سنة إحدى وأربعين ومكث بالجامع الازهر، وأخذ عن مشايخ كثيرين. وكان له بر وإيثار لاهل العلم والفقراء ويخير مجالسهم على مجالس الامراء، وكان له تهجد وصبر وترك للقيل والقال، وكان مجاب الدعوة رضي الله عنه. حتى إنه يحكى أنه جاءه رجل أعمى وقال له ادع الله أن يرد بصري. فدعا له فرد الله بصره من ثاني يوم. ولم يزل رضي الله عنه في ازدياد من الترقي حتى لحق بربه العلي وعمره نحو مائة سنة. فرحمه الله رحمة الابرار وأسكنه جنات تجري من تحتها الانهار وأمدنا بمدده. (قوله: معتمدا) حال من التاء في انتخبته، أي انتخبته من الكتب المعتمدة لهؤلاء حال كوني معتمدا على ما جزم به إلخ. (وقوله: النووي) نسبة لنوى قرية من قرى دمشق، ولد بها رضي الله عنه سنة ثلاثين وستمائة، وتوفي بها سنة ست وسبعين وستمائة، عن نحو ست وأربعين سنة. عد عمره ومؤلفاته فجاء لكل يوم كراس من يوم الولادة، وما أعظمهما منقبة. ولبعضهم في مدحه - رضي الله عنه -: لقيت خيرا يا نوى ووقيت آلام الجوى فلقد نشا بك عالم لله أخلص ما نوى
ولما رحل الامام السبكي - رضي الله عنه، مع جلالته - لزيارة الامام في حياته وجده قد توفي فصار يبكي ويمرغ خده في محل جلوسه، ويقول: وفي دار الحديث لطيف معنى إلى بسط لها أصبو وآوي لعلي أن أنال بحر وجهي مكانا مسه قدم النواوي (قوله: والرافعي) نسبة لرافع بن خديج الصحابي رضي الله عنه، كما حكي عن خط الرافعي نفسه. وكنيته أبو القاسم، واسمه عبد الكريم توفي سنة ثلاث أو أربع وعشرين وستمائة عن نيف وستين سنة. وله كرامات، منها: أن شجرة عنب أضاءت له لفقد ما يسرجه وقت التصنيف. (قوله: فمحققو المتأخرين) أي ومعتمدا على ما جزم به محققو المتأخرين، أي كشيخ الاسلام وابن حجر وابن زياد وغيرهم. واعلم أنه سيذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - في باب القضاء أن المعتمد في المذهب للحكم والفتوى ما اتفق عليه الشيخان، فما جزم به النووي فالرافعي فما رجحه الاكثر فالاعلم والاورع. ورأيت في فتاوي المرحوم بكرم الله الشيخ أحمد الدمياطي ما نصه: فإن قلت ما الذي يفتي به من الكتب وما المقدم منها ومن الشراح والحواشي، ككتب ابن حجر والرمليين وشيخ الاسلام والخطيب وابن قاسم والمحلى والزيادي والشبر املسي وابن زياد اليمني والقليوبي والشيخ خضر وغيرهم، فهل كتبهم معتمدة أو لا، وهل يجوز الاخذ بقول كل من المذكورين إذا اختلفوا أو لا ؟
وإذا اختلفت كتب ابن حجر فما الذي يقدم منها ؟ وهل يجوز العلم بالقول الضعيف والافتاء به، والعمل بالقول المرجوح، أو خلاف الاصح، أو خلاف الاوجه، أو خلاف المتجه، أو لا ؟ الجواب - كما يؤخذ من أجوبة العلامة الشيخ سعيد بن محمد سنبل المكي، والعمدة عليه -: كل هذه الكتب معتمدة ومعول عليها، لكن مع مراعاة تقديم بعضها على بعض، والاخذ في العمل للنفس يجوز بالكل. وأما الافتاء فيقدم منها عند الاختلاف التحفة والنهاية، فإن اختلفا فيخير المفتي بينهما إن لم يكن أهلا للترجيح، فإن كان أهلا له ففتى بالراجح. ثم بعد ذلك شيخ الاسلام في شرحه الصغير على البهجة، ثم شرح المنهج له، لكن فيه مسائل ضعيفة. فإن اختلفت كتب ابن حجر مع بعضها فالمقدم أولا التحفة، ثم فتح الجواد ثم الامداد، ثم الفتاوي وشرح العباب سواء، لكن يقدم عليهما شرح بافضل. وحواشي المتأخرين غالبا موافقة للرملي، فالفتوى بها معتبرة، فإن خالفت التحفة والنهاية فلا يعول عليها.
وأعمد أهل الحواشي: الزيادي ثم ابن قاسم ثم عميرة ثم بقيتهم، لكن لا يؤخذ بما خالفوا فيه أصول المذهب، كقول بعضهم: ولو نقلت صخرة من أرض عرفات إلى غيرها صح الوقوف عليها. وليس كما قال. وأما الاقوال الضعيفة فيجوز العمل بها في حق النفس لا في حق الغير، ما لم يشتد ضعفها، ولا يجوز الافتاء ولا الحكم بها. والقول الضعيف - شامل لخلاف الاصح وخلاف المعتمد وخلاف الاوجه وخلاف المتجه. وأما خلاف الصحيح فالغالب أنه يكون فاسدا لا يجوز الاخذ به، ومع هذا كله فلا يجوز للمفتي أن يفتي حتى يأخذ العلم بالتعلم من أهله المتقين له العارفين به. وأما مجرد الاخذ من الكتب من غير أخذ عمن ذكر فلا يجوز، لقوله (ص): إنما العلم بالتعلم. ومع ذلك لا بد من فهم ثاقب ورأي صائب، فعلى من أراد الفتوى أن يعتني بالتعلم غاية الاعتناء. اه. (قوله: تقر) بكسر القاف وفتحها، كما تقدم. (قوله: بالنظر إلى وجهه الكريم) متعلق بتقر. واعلم أن رؤية الباري جل وعلا جائزة عقلا، دنيا وأخرى، لانه سبحانه وتعالى موجود وكل موجود يصح أن يرى. فالباري جل وعلا يصح أن يرى، ولسؤال سيدنا موسى إياها حيث قال: * (أرني أنظر إليك) * فإنها لو كانت مستحيلة ما سألها سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يجوز على أحد من الانبياء عليهم الصلاة والسلام الجهل بشئ من أحكام
الالوهية، خصوص ما يجب وما يجوز وما يستحيل، ولكنها لم تقع فالدنيا إلا لنبينا عليه الصلاة والسلام. وواجبة شرعا في الآخرة، للكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب، فآيات كثيرة، منها قوله تعالى: * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * أي وجوه يومئذ حسنة مضيئة ناظرة إلى ربها، فالجار والمجرور متعلق بما بعده وهو خبر ثان عن وجوه، ويصح أن يكون ناضرة صفة وناضرة هو الخبر. والمراد بنظر الوجوه نظر العيون التي فيها، بطريق المجاز المرسل، حيث ذكر المحل وأريد الحال فيه. ومنها قوله تعالى: * (على الارائك ينظرون) * ومنها قوله تعالى: * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * فإن الحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم، كما قاله جمهور المفسرين. وأما السنة، فأحاديث كثيرة، منها حديث: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر.
وأما الاجماع فهو أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا مجمعين على وقوع الرؤية في الآخرة، قال الشيخ السنوسي في شرح الكبرى: أجمع أهل السنة والجماعة قاطبة أن المراد من الآية، أعني قوله: * (وجوه) * الآية، رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة. وأجمع الصحابة قاطبة على وقوع الرؤية في الآخرة، وأن الآيات والاحاديث الواردة فيها محمولة على ظواهرها من غير تأويل، كل ذلك كان قبل ظهور أهل البدع. وكان الصحابة والسلف يبتهلون إلى الله تعالى ويسألونه النظر إلى وجهه الكريم، بل ورد ذلك أيضا في بعض أدعية النبي (ص) اه. وقال الامام مالك رضي الله عنه: لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لاوليائه حتى رأوه، ولو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعير الكفار بالحجاب. قال تعالى: * (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) *. وقال الامام الشافعي رضي الله عنه: لما حجب الله قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضا.
ثم قال: أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس - يعني نفسه - بأنه يرى ربه في المعاد لما عبده في دار الدنيا. وهذا من كلام المدللين - نفعنا الله بهم - وإلا فالله يستحق العبادة لذاته. ثم إن رؤية الباري جل وعلا بقوة يجعلها الله في خلقه، ولا يشترط فيها مقابلة ولا جهة ولا اتصال أشعة بالمرئي، وإن وجد ذلك في رؤية بعضنا لبعض المعتادة في الدنيا، وغرابة في ذلك لان الله سبحانه وتعالى يدرك بالعقل منزها، فكذا بالبصر، لان كلاهما مخلوق. وإلى ذلك كله أشار العلامة اللقاني في جوهرة التوحيد عند ذكر الجائز في حقه تعالى، بقوله: ومنه أن ينظر بالابصار لكن بلا كيف ولا انحصار للمؤمنين إذ بجائز علقت هذا وللمختار دنيا ثبتت وأشار إليه أيضا صاحب بدء الامالي بقوله: يراه المؤمنون بغير كيف وإدراك وضرب من مثال فينسون النعيم إذ رأوه فيا خسران أهل الاعتزال (قوله: بكرة وعشيا) ظرفان متعلقان بالنظر. واعلم أن محل الرؤية الجنة بلا خلاف، وتختلف باختلاف مراتب الناس، فمنهم من يراه في مثل الجمعة والعيد، ومنهم من يراه كل يوم بكرة وعشيا وهم الخواص، ومنهم من لا يزال مستمرا في الشهود، حتى قال أبو يزيد البسطامي: إن لله خواص من عباده لو حجبهم في الجنة عن رؤيته ساعة لاستغاثوا من الجنة ونعيمها كما يستغيث أهل النار من النار وعذابها. فنسأله سبحانه وتعالى أن يمتعنا وأهلنا وأحبابنا وسائر المسلمين بالنظر إلى وجهه الكريم بجاه نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. (قوله: آمين) اسم فعل بمعنى استجب يا ألله، ويجوز فيه المد والقصر والتشديد وإن كان المشدد يأتي بمعنى قاصدين. والله سبحانه وتعالى أعلم.