محتويات
الثالث: أنه لو كان ذلك صحيحا، لم يقل عمر: "إن الناس قد استعجلوا فى أمر كانت لهم فيه أناة"، بل كان الواجب أن يبين السنة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فى خلاف ذلك، وأن هذا العمل من الناس خلاف دين الإسلام، وشرع محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ولا يقول: "فلو أنا أمضيناه عليهم" فإن هذا إنما يكون إمضاء من الله تعالى ورسوله، لا من عمر.
الرابع: أنه من الممتنع، والمستحيل أن يكون خيار الخلق يطلقون فى عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وعهد خليفته من بعده، ويراجعون على خلاف دينه، فيطلقون طلاقا محرما، ويراجعون رجعة محرمة، ولا يعلمون بذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وهو بين أظهرهم( ).
الوجه الثاني: الحديث وارد في غير المدخول بها فإذا قال أنت طالق طالق طالق فهي واحدة كما في رواية أبي داود( )
قال ابن رجب: مسلك ابن راهويه ومن تابعه... يحمل على غير المدخول بها، نقله ابن منصور عن إسحاق. وأشار إليه إسحاق في كتاب الجامع،وبوب عليه أبو بكر بن الأثرم في سننه، وأبو بكر الخلال ( )
الرد:
1: الرواية التي تدل على ذلك إسنادها ضعيف و لفظ "قبل أن يدخل بها " منكر والروايات الصحيحة مطلقة لم تفرق بين المدخول بها وغير المدخول بها
2: إذا قال لغير المدخول بها أنت طالق طالق طالق هذا الحكم لم يتغير ، والخلاف من لدن التابعين ـ كما سيأتي إن شاء الله( ) ـ فلا يصح حمل الحديث عليه ( )
3: لو صح لفظ " قبل أن يدخل بها " لم يقتض تخصيصا فغير المدخول بها فرد من أفراد النساء وذكر بعض أفراد العام بلفظ يوافق العام لا يقتضي تخصيصا( )
الجواب: إعمال القاعدة لو كان عندنا نصان لكن عندنا نص واحد فحديث ابن عباس مخرجه واحد فلا يحتمل تعدد القصة فلا بد من الترجيح
4: عامة ما يقدر أنها زيادة من ثقة، فيكون الأخذ بها أولى، وحينئذ فيدل أحد حديثى ابن عباس على أن هذا الحكم ثابت فى حق البكر، وحديثه الآخر على أنه ثابت فى حكم الثيب أيضا، فأحد الحديثين يقوى الآخر، ويشهد بصحته ( )
الجواب: كالذي قبله
الوجه الثالث: المراد بذلك الحديث من كررَّ الطلاق منه ، فقال: أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق. فإنها كانت عندهم محمولة على التوكيد فكانت واحدة. وصار الناس بعد ذلك يحملونها على التجديد ، فأُلْزِمُوا ذلك لَمَّا ظهر قصدَهم إليه ويشهد لصحة هذا التأويل قول عمر ـ رضى الله عنه ـ: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة( )
الجواب: الحكم لا يتغير من وقت لآخر إنما يختلف باختلاف النيات فمن نوى التوكيد فهي واحدة ومن نوى الإنشاء فهي ثلاث عند من يرى وقوع الثلاث المفرقة ( )
الوجه الرابع: معنى "كانت الثلاث تجعل واحدة" أي كانت الثلاث الموقعة الآن تجعل واحدة بمعنى توقع واحدة
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى " كان الطلاق..." و " ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة،... " أي كان طلاق الناس في عهد عمر ثلاثا وكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واحدة
فالحديث إخبار عن اختلاف عادة الناس لا عن تغير الحكم وقوله أمضيناه عليهم أي بإيقاع الطلاق ( )
الرد: بعض ألفاظ الحديث تحتمل التأويل لكن بعضها لا يحتمل مثل رواية النسائي (3406) " ألم تعلم أن الثلاث كانت... ترد إلى الواحدة " ورواية ابن أبي شيبة (5/26) " الثلاث كان يحسبن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدر إمارة عمر، واحدة... " ورواية أبي داود (2199) ـ وهي ضعيفة كما تقدم ـ "إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة... " ( )
الوجه الخامس: المقصود بالحديث طلاق البتة ففي حديث ركانة جعل البتة واحدة فلما أكثر الناس منها جعلها عمر ثلاثا وهو رأي بعض الصحابة ( )
الرد: يبقى هذا ظن يحتاج إلى دليل والأصل عدم توهيم الراوي( )
هذه أهم الأجوبة الواردة على حديث ابن عباس وأوجهها ـ في نظري ـ الحكم بشذوذ الحديث ونكارته والله أعلم
الدليل الثامن: عن ابن سيرين قال مكثت عشرين سنة يحدثنى من لا أتهم أن ابن عمر طلق امرأته ثلاثا وهى حائض فأمر أن يراجعها...
وجه الاستدلال: طلق ابن عمر زوجته ثلاثا وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها فدل على أن الثلاث واحدة فلو كانت الثلاث تقع ثلاثا لم يكن لابن عمر رجعة على زوجته
الرد: الصحيح أن طلاق ابن عمر واحدة وذكر الثلاث ليس محفوظا وتقدم ذلك ( )
لو صح لكان محمولا على أنه طلقها ثلاثا في ثلاثة أوقات. فأمره بالرجعة في إحداهن( )
الدليل التاسع: عن محمود بن لبيد قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ثم قال أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل وقال يا رسول الله ألا أقتله( )
وجه الاستدلال: لم يقل إنه أجازه عليه بل الظاهر برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقرب من القطع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجيز حكما تلاعب موقعه بكتاب الله بل هو أشد ردا له وإبطالا( )
الرد: الأصل أن من أوقع الطلاق وقع. والتفريق بين الواحدة والثلاث وإذا كانت بفم واحد أو متفرقة فيوقع بعضه دون بعض هذا يحتاج إلى دليل صحيح صريح ولم يوجد وهذا الحديث من أدلة من يرى وقوع الثلاث كما سيأتي
الدليل العاشر: عن عكرمة عن ابن عباس قال طلق عبد يزيد أبو ركانة وإخوته أم ركانة ونكح امرأة من مزينة فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه فأخذت النبي صلى الله عليه وسلم حمية فدعا بركانة وإخوته ثم قال لجلسائه أترون فلانا يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد وفلانا يشبه منه كذا وكذا قالوا نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد طلقها ففعل ثم قال راجع امرأتك أم ركانة وإخوته قال إني طلقتها ثلاثا يا رسول الله قال قد علمت راجعها وتلا يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " ( )
وجه الاستدلال: أمره النبي أن يراجعها وقد طلقها ثلاثا فدل على أن الثلاث المجموعة واحدة( )
الرد:
1: الحديث ضعيف فلا حجة فيه
2: على فرض صحته فالمقصود به عند بعض أهل العلم طلاق البتة قال الخطابي: يحتمل أن يكون حديث ابن جريج إنما رواه الراوي على المعنى دون اللفظ وذلك أن الناس قد اختلفوا في البتة، فقال بعضهم هي ثلاثة، وقال بعضهم هي واحدة وكأن الراوي له ممن يذهب مذهب الثلاث فحكي أنه قال إني طلقتها ثلاثا يريد البتة التي حكمها عنده حكم الثلاث والله أعلم. ( )
وقال الحافظ ابن حجر: أبو داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته ألبتة كما أخرجه هو من طريق آل بيت ركانة وهو تعليل قوي لجواز أن يكون بعض رواته حمل ألبتة على الثلاث فقال طلقها ثلاثا فبهذه النكتة يقف الاستدلال بحديث بن عباس( )
الجواب: يبقى هذا ظن يحتاج إلى دليل
3: يفرق بين طلاق وطلاق فيحمل حديث ركانة على رغبة كل واحد من الزوجين بالآخر لوجود ولد كما في هذا الحديث أو غير( ) فعلى هذا يكون هذا قول رابع في المسألة فيكون الطلاق واحدة إذا وجدت رغبة بين الزوجين في العودة ويكون ثلاثا مع عدمها( )
الجواب: الشريعة لا تفرق بين المتماثلين والمكلفون متساوون في الأحكام فإما يقع الطلاق ثلاثا أو واحدة على المكلفين
الدليل الحادي عشر: عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"( )
وجه الاستدلال: كل عقد يباح تارة ويحرم تارة - كالبيع والنكاح - إذا فعل على الوجه المحرم لم يكن لازما نافذا كما يلزم الحلال الذي أباحه الله ورسوله والطلاق الذي شرعه الله الطلاق الرجعي( )
الرد: هذا الدليل عام وثبت وقوع طلاق الثلاث بالدليل الخاص والخاص مقدم على العام و ليس كل عقد خالف أمر الشارع مردود كما تقدم( ) وكونه ممنوعا ابتداء لا ينافي وقوعه ومن خالف الأمر يناسبه التشديد لا التخفيف بعدم الوقوع ( )
الدليل الثاني عشر: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس في الكتاب والسنة ما يوجب الإلزام بالثلاث بمن أوقعها جملة بكلمة أو كلمات بدون رجعة أو عقدة؛ بل إنما في الكتاب والسنة الإلزام بذلك من طلق الطلاق الذي أباحه الله ورسوله ( )
وقال:لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد مقبول أن أحدا طلق امرأته ثلاثا بكلمة واحدة فألزمه الثلاث؛ بل روي في ذلك أحاديث كلها كذب باتفاق أهل العلم؛ ولكن جاء في أحاديث صحيحة: {أن فلانا طلق امرأته ثلاثا}( )
وقال: كل حديث فيه:... أو أن أحدا في زمنه أوقعها جملة فألزمه بذلك} مثل حديث يروى عن علي وآخر عن عبادة بن الصامت وآخر عن الحسن عن ابن عمر وغير ذلك فكلها أحاديث ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث بل هي موضوعة ويعرف أهل العلم بنقد الحديث أنها موضوعة( )
الرد: ورد الطلاق ثلاثا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سهل بن سعد في قصة لعان عويمر " كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا " وهو في الصحيحين وفرق بينهما وهل الفرقة بالطلاق أو اللعان من مسائل الخلاف
وفي حديث محمود بن لبيد " رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ثم قال أيلعب بكتاب الله " وإسناده صحيح وممن صححه ابن القيم في زاد المعاد (5/241) وردهم لهذا الحديث لأنه لا يعلم هل عدها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا أم واحدة و الأصل أن الطلاق يقع فمن نفى فعليه الدليل
وقول ابن عمر في الصحيحين "أنت طلقتها ثلاثا فقد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك وبانت منك" وتفسير ابن عمر له حكم الرفع فهو يبين المراد من قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وأن من طلق خلاف العدة وقع طلاقه. و ورد طلاق الثلاث في طلاق فاطمة بنت قيس ورفاعة بن رافع وكلاهما في الصحيحين لكن لفظ "طلقها ثلاثا" لا يدل على أنها بفم واحد و لا أن بعضها يتلو بعضا
وورد وقوع طلاق الثلاث صريحة في أحاديث لكنها ضعيفة:
1: حديث ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية ألبتة ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة ألبتة والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لركانة والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله " ومفهومه لو أراد ثلاثا لبانت منه والله أعلم وإسناده ضعيف( )
2: حديث الحسن عن عبد الله بن عمر " لو طلقتها ثلاثا أكان لي أن أراجعها قال إذا بانت منك وكانت معصية " وذكر الثلاث زيادة منكرة( )
3: حديث عبادة بن الصامت في طلاق جده «أما اتقى الله جدك، أما ثلاث فله، وأما تسع مائة وسبعة وتسعون فعدوان وظلم، إن شاء الله تعالى عذبه، وإن شاء غفر له" وضعفه شديد( )
4: حديث معاذ بن جبل " من طلق في بدعة واحدة أو اثنتين أو ثلاثا ألزمناه بدعته" وضعفه شديد( )
5: حديث علي "من طلق البتة ألزمناه ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره» وضعفه شديد( )
قال الشنقيطي: هذه الأحاديث وإن كانت لا يخلو شيء منها من مقال فإن كثرتها واختلاف طرقها، وتباين مخارجها يدل على أن لها أصلا، والضعاف المعتبر بها إذا تباينت مخارجها شد بعضها بعضا فصلح مجموعها للاحتجاج، ولا سيما أن منها ما صححه بعض العلماء كحديث طلاق ركانة البتة، وحسنه ابن كثير، ومنها ما هو صحيح، وهو رواية إنفاذه صلى الله عليه وسلم طلاق عويمر ثلاثا، ( )
وكذلك ظاهر القرآن على وقوع الثلاث واجمع الصحابة على ذلك فلم ينقل عنهم أثر صحيح صريح في أن طلاق الثلاث بكلمة واحدة في المدخول بها يقع واحدة والله أعلم
الدليل الثالث عشر: الإجماع: الصحابة مجمعون أن طلاق الثلاث واحدة قال ابن القيم: الصديق، ومعه جميع الصحابة، لم يختلف عليه منهم أحد، ولا حكى في زمانه القولان، حتى قال بعض أهل العلم: إن ذلك إجماع قديم... فإن كان إجماع فهو من جانبنا أظهر ممن يدعيه من نصف خلافة عمر رضى الله عنه( )
وقال هذا كان إجماعا قديما لم يختلف فيه على عهد الصديق اثنان ولكن لا ينقرض عصر المجمعين حتى حدث الاختلاف فلم يستقر الإجماع الأول حتى صار الصحابة على قولين ( )
وقال: كل صحابي من لدن خلافة الصديق إلى ثلاث سنين من خلافة عمر كان على أن الثلاث واحدة فتوى أو إقرارا أو سكوتا ولهذا ادعى بعض أهل العلم أن هذا إجماع قديم ولم تجمع الأمة ولله الحمد على خلافه بل لم يزل فيهم من يفتي به قرنا بعد قرن والى يومنا هذا... دل عليه الكتاب والسنة والقياس والإجماع القديم ولم يأت بعده إجماع يبطله ولكن رأى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن الناس قد استهانوا بأمر الطلاق وكثر منهم إيقاعه جملة واحدة فرأى من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم ( )
وقال جمال الدين يوسف بن أحمد: الطلاق الثلاث واحدة كما صحت به السنة واجتمعت عليه الصحابة في زمن رسول الله وخلافة أبي بكر وبعض خلافة عمر... الإجماع في زمن النبوة وخلافة النبوة وبعض زمن عمر ولا تشريع بعد رسول الله وليس في الإجماعات أصح من هذا الإجماع( )
الرد على الإجماع: دعوى الإجماع بأن طلاق الثلاث واحدة في عهد الصديق وبعض خلافة عمر بناء على أن المتبادر من ظاهر حديث ابن عباس هو المراد وأن الحديث صحيح وتقدم أن بعض أهل العلم يضعف الحديث وبعضهم يوجهه فعلى هذا لا إجماع في هذه المسألة وستأتي حكاية الإجماع بخلافه
قال ابن رجب: لا يعلم من الأمة أحد خالف في هذه المسألة مخالفة ظاهرة ولا حكما ولا قضاء ولا علما ولا إفتاء ولم يقع ذلك إلا من نفر يسير جدا وقد أنكر عليهم من عاصرهم غاية الإنكار وكان أكثرهم يستخفي بذلك ولا يظهره، فكيف يكون إجماع الأمة على إخفاء دين الله الذي شرعه على لسان رسوله واتباعهم اجتهاد من خالفه برأيه في ذلك؟!! هذا لا يحل اعتقاده.
وهذه الأمة كما أنها معصومة من الاجتماع على ضلالة فهي معصومة من أن يظهر أهل الباطل منهم على أهل الحق ولو كان ما قاله عمر في هذا ليس حقا للزم في هذه المسألة ظهور أهل الباطل على أهل الحق في كل زمان ومكان وهذا باطل قطعا( )
وسيأتي الكلام على آثار الصحابة في وقوع طلاق الثلاث وعدم الوقوع( )
آثار التابعين في عدم وقوع طلاق الثلاث: تقدمت نسبة أن طلاق الثلاث واحدة لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وابنه جعفر بن محمد و طاوس وعطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد وعطاء بن يسار وعمرو بن دينار وسعيد بن جبير والحسن البصري وخلاس بن عمرو فهل هذه النسبة تصح؟ هذا ما أحاول الإجابة عليه ومن ثم هل اختلف التابعون في وقوع الثلاث في المدخول بها
أولا: المروي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابنه جعفر الصادق:
الصحيح عنهما وقوع الطلاق فعن مسلمة بن جعفر الأعور الأحمسي، قال: قلت لجعفر بن محمد: إن قوما يزعمون أن من طلق ثلاثة بجهالة رد إلى سنة يجعلونها واحدة، يروونه عنكم؟ قال: معاذ الله، ما هذا من قولنا، من طلق ثلاثا فهو كما قال"( )
وروي عن علي بن أبي طالب قوله إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد، يرد إلى واحدة، " ولا يصح وصح عنه وقوع الثلاث وسيأتي
ثانيا: المروي عن عطاء بن أبي رباح وأبي الشعثاء جابر بن زيد وطاوس وعكرمة مولى ابن عباس:
1: قال عطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد وطاوس «إذا طلقها ثلاثا قبل أن يدخل بها فهي واحدة» ( )
2: عن طاوس، وعطاء، أنهما قالا: «إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا، قبل أن يدخل بها فهي واحدة »( )
وجه الاستدلال: أفتى عطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد وطاوس بأن طلاق الثلاث واحدة.
الرد: تحمل على إذا طلقها بثلاث متفرقة فقال أنت طالق أنت طالق أنت طالق فتبين بالأولى ( )
وعطاء يرى أن البتة ولاتحلين لي تبين بها المرأة( ) فكناية الطلاق تكون ثلاثا بالنية وتبين بها الزوجة عنده فالثلاث الصريحة تبين بها الزوجة من باب أولى والله أعلم
3: عن ابن طاوس قال: سئل عكرمة عن رجل طلق امرأته بكرا ثلاثا قبل أن يدخل بها، فقال: " إن كان جمعها لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وإن كان فرقها فقال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فقد بانت بالأولى، وليست الثنتان بشيء " قال: فذكرت ذلك لأبي، فقال: «سواء، هي واحدة على كل حال»( )
طاوس يرى أنه لافرق بين طلاق الثلاث مجموعة أو مفرقة في غير المدخول بها وعكرمة يفرق
لكن يشكل على رواية طاوس أنه يرى أن طلاق الحرج والخلية والبرية ما نوى( ) فلو نوى ثلاثا وقعت عنده والله أعلم فكيف يوقع الثلاث بالكناية ولا يوقعها بالصريح
4: عن أيوب، عن عكرمة إذا قال: «أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة»( )
هذه الرواية معلقة وإن صحت فيكون لعكرمة في طلاق غير المدخول بها روايتان
5: عن عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه كان لا يرى طلاقا ما خالف وجه الطلاق ووجه العدة( )
وجه الاستدلال: طاوس بن كيسان يرى عدم وقوع الطلاق البدعي
الرد: الأثر ضعيف و على فرض صحته فجمع الثلاث هل هو من الطلاق البدعي أو السني من مسائل الخلاف وقوله "كان لا يرى طلاقا ما خالف وجه الطلاق" يحتمل أنه لا يراه واقعا فعلى هذا لا يقع طلاق الثلاث مطلقا ـ وقد استدل بهذا الأثر من لايرى وقوع طلاق الحائض ـ وهذا لا يقول به طاوس و يحتمل أنه لا يراه جائزا فصرفه للاحتمال الثاني أولى.
ثالثا المروي عن عطاء بن يسار: عن عطاء بن يسار أنه قال جاء رجل يسأل عبد الله بن عمرو بن العاص عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها قال عطاء فقلت إنما طلاق البكر واحدة فقال لي عبد الله بن عمرو بن العاص إنما أنت قاص الواحدة تبينها والثلاثة تحرمها حتى تنكح زوجا غيره".
رأي عطاء بن يسار كرأي طاوس في عدم التفريق بين الثلاث مجموعة أو مفرقة في طلاق غير المدخول بها
رابعا: المروي عن سعيد بن جبير و عمرو بن دينار:
قال ابن القيم رحمه الله: الوجه السابع: أن هذا مذهب عمرو بن دينار فى الطلاق قبل الدخول. قال ابن المنذر فى كتابه الأوسط [(9/155)] وكان سعيد بن جبير، وطاوس، وأبو الشعثاء، وعطاء، وعمرو بن دينار يقولون: من طلق البكر ثلاثا فهى واحدة.
الوجه الثامن: أنه مذهب سعيد بن جبير، كما حكاه ابن المنذر وغيره عنه، وحكاه الثعلبى عن سعيد بن المسيب وهو غلط عليه، وإنما هو مذهب سعيد بن جبير( ).
قال ابن المنذر ذكر طلاق الثلاث قبل الدخول في المرأة( ) ثم ذكر ما تقدم. فما نسبه ابن القيم لهم ليس داخلا في مسألة طلاق المدخول بها ثلاثا إنما هو في طلاق غير المدخول بها وسيأتي الكلام على هذه المسألة( )
والمروي عن سعيد بن جبير وقوع الطلاق فعن سعيد بن جبير، قال: " إذا قال: أنت طالق ثلاثا قبل أن يدخل بها، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره "( )
فسعيد بن جبير يوقع طلاق الثلاث في غير المدخول بها فالمدخول بها من باب أولى والله أعلم
وسعيد ممن روى وقوع الثلاث عن ابن عباس ولم أقف على ما نسب له من عدم وقوع الثلاث مسندا والله أعلم
أما رأي عن عمرو بن دينار فلم أقف عليه مسندا للنظر فيه وحتى لو صح فهو في طلاق غير المدخول بها
خامسا: المروي عن الحسن البصري وقتادة بن دعامة:
المروي عن الحسن البصري في طلاق المدخول بها وغير المدخول بها
1: طلاق غير المدخول بها: عن قتادة قال: سألت الحسن عن الرجل يطلق البكر ثلاثا، فقالت أم الحسن: وما بعد الثلاث؟ فقال: صدقت، وما بعد الثلاث؟ فأفتى الحسن بذلك زمانا ثم رجع، فقال: «واحدة تبينها، ويخطبها» ، فقال به حياته "( )
فرأي الحسن الذي استقر عليه أن طلاق الثلاث في غير المدخول بها واحدة
المراد بالبكر: غير المدخول بها
2: طلاق المدخول بها: عن الفضل بن دلهم، قال: جاء رجل إلى الحسن فقال: إني طلقت امرأتي ألفا قال: «بانت منك العجوز»( )
وسأله رجل فقال: " يا أبا سعيد، رجل طلق امرأته البارحة ثلاثا وهو شارب؟ فقال: «يجلد ثمانين، وبرئت منه»( )
وعن الحسن و قتادة أنهما قالا: " إذا قال الرجل لامرأته: اعتدي ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره "( )
وعن الحسن، في رجل قال لامرأته: اذهبي فلا حاجة لي فيك، قال: «هي ثلاث»( )
فالحسن يوقع الثلاث المجموعة في المدخول بها سواء كانت بلفظ صريح أو كناية وتبين به المرأة وقتادة يوقع الثلاث بالكناية فالصريح من باب أولى والله أعلم
سادسا المروي عن خلاس بن عمرو:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فيه ثلاثة أقوال سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها. ومن السلف من فرق بين المدخول بها وغير المدخول بها... محرم ولا يلزم منه إلا طلقة واحدة وهو قول كثير من التابعين ومن بعدهم: مثل طاووس وخلاس بن عمرو( )
وقال ابن القيم رحمه الله: مذهب خلاس بن عمرو، حكاه بشر بن الوليد عن أبى يوسف عنه( ).
والذي وقفت عليه مسندا عن خلاس في غير المدخول بها فعن خلاس قال: «بانت بالأولى»( )
إذا قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق فيرى خلاس أنها تبين بالأولى ويفهم منه أنه لو جمعها لبانت بالثلاث والله أعلم.
سابعا المروي عن إبراهيم بن يزيد النخعي:
1: عن إبراهيم في الرجل يقول لامرأته ولم يدخل بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق قال: «بانت بالأولى، والثنتان ليس بشيء، وإن طلقها ثلاثا بفم واحد لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره»( )
2: عن إبراهيم أنه سئل عن رجل طلق امرأته ألفا قبل أن يدخل بها قال: «بانت منه بثلاث وسائرهن معصية»( )
فيرى إبراهيم أن الثلاث تبين بها الزوجة إلا إذا كانت مفرقة في غير المدخول بها فطلاق الثلاث واحدة
أولا: المروي عن عبد الله بن معقل المزني:
عن عبد الله بن معقل المزني أنه قال: «إذا كان متصلا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره»( )
فعبد الله بن معقل يرى أن غير المدخول بها تبين إذا طلقت ثلاثا متصلة
ثانيا المروي عن مسروق بن الأجدع: عن مسروق، فيمن طلق امرأته ثلاثا، ولم يدخل بها قال: " لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. وإذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، بانت بالأولى، ولم يكن الأخريان بشيء "( )
ثالثا المروي عن سعيد بن المسيب:
1: عن ابن المسيب قال: «إذا طلق الرجل البكر ثلاثا فلا تحل له، حتى تنكح زوجا غيره»( )
2: سعيد بن المسيب، قال: «البتة ثلاث» ( )
رابعا المروي عن عامر بن شراحيل الشعبي: عن الشعبي، في الرجل يطلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها، قال: «لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره»( )
خامسا: المروي عن محمد بن مسلم الزهري:
1: عن الزهري، «في البائنة ثلاث» ( )
2: عن الزهري، «في طلاق الحرج ثلاث» ( )
سادسا المروي عن مكحول الشامي: عن مكحول، في البائن قال: «هي ثلاث»( )
التحقيق في وجود الخلاف بين التابعين في عدم وقوع الثلاث في المدخول بها: المروي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وابنه جعفر الصادق بأن طلاق الثلاث واحدة لا يصح وصح عنهما وقوع الثلاث من غير تفريق بين مدخول بها وغير مدخول
والمروي عن عطاء بن أبي رباح وأبي الشعثاء جابر بن زيد وطاوس وعكرمة و عطاء بن يسار في طلاق غير المدخول بها وتحتمل الرواية عن عطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد التفريق بين إذا قال الثلاث بفم واحد وبين إذا فرقها ونص عكرمة ـ في رواية صحيحة ـ وإبراهيم النخعي على التفريق فتقع الثلاث مجموعة لامفرقة. أما طاوس و عطاء بن يسار فهي واحدة عندهما على كل حال في غير المدخول بها وهي رواية عن عكرمة في رواية معلقة
و سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي يوقعان الثلاث مجموعة في غير المدخول بها
وعند الحسن البصري طلاق الثلاث في غير المدخول بها واحدة. وتقع الثلاث عند الحسن وقتادة على المدخول بها. وخلاس بن عمرو يفهم منه التفريق في طلاق غير المدخول بها بين إذا جمعها أو فرقها. والوارد عن عمرو بن دينار إن ثبت فهو في غير المدخول بها
هذه هي الآثار التي ذكرها من يرى عدم وقوع الثلاث وكما تقدم ليس فيها ما يدل على عدم وقوع الثلاث في المدخول بها
ونقل عن غير من ذكروا فعبد الله بن معقل المزني وسعيد بن المسيب والشعبي يروون وقوع طلاق الثلاث في غير المدخول بها. وروي عن مسروق مثله ولا يصح
وسعيد بن المسيب والزهري ومكحول يرون وقع الثلاث في الكناية
قال البغوي: منهم من تأوله على غير المدخول بها... وذهب إلى هذا جماعة من أصحاب عبد الله بن عباس، منهم: سعيد بن جبير، وطاوس، وأبو الشعثاء، وعمرو بن دينار، وقالوا: من طلق البكر ثلاثا، فهي واحدة( ).
لم يختلف التابعون: من خلال ما وقفت عليه تبين لي أنه لم ينقل عن أحد من التابعين أنه أفتى بأن طلاق الثلاث مجموعة أو مفرقة في المدخول بها أنها واحدة وإنما اختلفوا في غير المدخول بها وهذه مسألة أخرى يأتي الكلام عليها إن شاء الله والله أعلم.
قال أبو بكر بن العربي: اتفق علماء الإسلام وأرباب الحل والعقد في الأحكام على أن الطلاق الثلاث في كلمة ... لازم... إجماع الأمة ولم يعرف لها في هذه المسألة خلاف إلا عن قوم انحطوا عن رتبة التابعين وقد سبق العصران الكريمان والاتفاق على لزوم الثلاث فإن رووا ذلك عن أحد منهم فلا تقبلوا منهم إلا ما يقبلون منكم نقل العدل عن العدل ولا تجد هذه المسألة منسوبة إلى أحد من السلف أبدا ( )
وتقدم قول ابن رجب: لم يثبت عن أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من أئمة السلف المعتد بقولهم في الفتاوى في الحلال والحرام شيء صريح في أن الطلاق الثلاث بعد الدخول واحدة إذا سيق بلفظ واحد
وقول حبيب أحمد الكيرانوي: لم يثبت عن واحد من الصحابة والتابعين أنه جعل الثلاث واحدا على الإطلاق
المنقول عن أتباع التابعين:
1: محمد بن إسحاق: قال الإمام أحمد: كان هذا مذهب ابن إسحاق يقول: خالف السنة فيرد إلى السنة"( )
ولم أقف على نسبة القول لابن إسحاق مسندة إلا في هذه الرواية التي نقلها ابن القيم فهل يرى ابن إسحاق عدم وقوع الثلاث مطلقا مجموعة أو مفرقة في المدخول بها وغير المدخول بها هذا يحتاج إلى نقل صحيح عنه والرواية المنقولة عنه في سياق طلاق المدخول بها فقد يقال هذا يقوي أنه يرى طلاق المدخول بها ثلاثا واحدة والله أعلم
أو أن رأيه في غير المدخول بها إذا طلقت ثلاثا مجموعة وهذه من مسائل الخلاف كما سيأتي
ومحمد بن إسحاق ذكروا أن له رؤية لأنس رضي الله عنه ولم يسمع منه وعلمه نقله عن أتباع التابعين فخلافه
حاصل في زمن أتباع التابعين والله أعلم.
2: الحارث بن يزيد العكلي: لم أقف على ما نسب له ووقفت على رأيه بوقوع الثلاث المجموعة
فعن الحارث العكلي " في رجل قال لأربع نسوة له بينكن ثلاث تطليقات ، قال:تبين كل واحد بثلاث ، وإذا قال لامرأته: أنت طالق ربعا ، أو ثلثا ، أو نصفا فهي تطليقة تامة "( )
وظاهر هذه الرواية في طلاق المدخول بها فإن ثبت عنه عدم وقوع طلاق الثلاث فيحمل على غير المدخول بها إذا فرقها والله أعلم وسيأتي زيادة بيان عند الكلام على وقت ظهور الخلاف في طلاق المدخول بها ثلاثا ( )
3: الحجاج بن أرطاة: نقل عنه عدم وقوع طلاق الثلاث ونقل عنه أن الثلاث واحدة ولم أقف على رواية مسندة عنه للنظر هل النقل عنه صحيح أم لا وإن كان صحيحا فأي القولين أصح؟ أو هما روايتان عنه؟ الله أعلم
الدليل الرابع عشر: الوكيل في الطلاق لو خالف فأوقعه في الوقت أو الصفة التي لم يؤذن له لم يقع طلاقه فكذلك إذا خالف المطلق أمر الله في عدد الطلاق لم يقع ( )
الرد:
1: دل الدليل من السنة ومن فتاوى الصحابة على وقوع الطلاق البدعي في الوقت والعدد فهو قياس مقابل النص
2: هذا قياس مع الفارق فالوكيل يفعل للموكل , فيحل في أفعاله محله فإن فعل كما أمر لزم فعله وإن فعل على غير ما أمر به لم يلزم. والمطلق لا يحل عن غيره فيطلق لنفسه لا لربه عز وجل( )
الدليل الخامس عشر: القياس على النكاح فلا يصح إذا تخلف شرط من شروطه فكذلك طلاق الثلاث( )
الرد: قياس مقابل النص و أيضا هو قياس مع الفارق فالنكاح لاينعقد إلا باثنين مع توفر شروطه بخلاف الطلاق فالأمر بيد الزوج
الدليل السادس عشر: نكاح المطلق ثلاثا ثابت بيقين وامرأته محرمة على غيره بيقين فلا يرتفع هذا اليقين إلا بيقين مثله ولا يوجد( )
الرد: وجد هذا اليقين كما سيأتي في أدلة من يوقع الثلاث
الدليل السابع عشر: في إلزام المطلق بالثلاث بالبينونة الكبرى ذريعة إلى نكاح التحليل( )
الرد: وهذا الإيراد يرد على كل بينونة كبرى
الدليل الثامن عشر: الله سبحانه شرع الرجعة فى كل طلاق، إلا طلاق غير المدخول بها، والمطلقة طلقة ثالثة بعد الأولتين، وليس فى القرآن طلاق بائن قط، إلا فى هذين الموضعين( )
الرد: دل عموم القرآن والسنة وإجماع الصحابة على البينونة بالثلاث المجموعة ولم ينقل خلاف عن التابعين في المدخول بها أنها تبين بالثلاث إنما خلافهم في غير المدخول بها وسيأتي( )
الدليل التاسع عشر: جعل الله الطلاق مرة بعد مرة وما كان مرة بعد مرة لم يملك المكلف إيقاعه جملة واحدة كاللعان فإنه لو قال أشهد بالله أربع شهادات إني لمن الصادقين كان مرة واحدة( )
الرد: قياس مقابل النص وجعل الطلاق مرة بعد مرة رحمة بالمكلفين فإذا خالف الأمر وقعت الثلاث فيملك الزوج إيقاع الثلاث مجموعة مع الإثم على الصحيح
الدليل العشرون: القياس، فإن الله سبحانه قال: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله} [النور: 6] ، ثم قال: {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله} [النور: 8] ،فلو قال: أشهد بالله أربع شهادات إنى صادق، أو قالت: أشهد بالله أربع شهادات إنه كاذب، كانت شهادة واحدة، ولم تكن أربعا، فكيف يكون قوله، أنت طالق ثلاثا ثلاث تطليقات؟ وأى قياس أصح من هذا؟( )
الرد:الشهادات قائمات مقام الشهود فكما يجب أربعة شهود فكذلك الشهادات و الموطن موطن تغليظ فتكرار اللفظ مظنة التوبة والرجوع عن الكذب بخلاف الطلاق وفي الطلاق يكتفى بواحدة وتطلق بها المرأة بخلاف اللعان( )
الدليل الحادي والعشرون: قوله: أنت طالق ثلاثا: كذب، لأنه لم يطلق ثلاثا، ولم يطلق إلا واحدة. ( )
الرد: الكذب الإخبار بخلاف الواقع وهو أخبر بواقع الحال حيث طلقها ثلاثا مع النية فهو قاصد اللفظ فالمراد من قوله طالق ثلاثا أي طلقتك ثلاث طلقات( ) والعبرة بالمقصود و المعاني لا بالألفاظ و المباني والقائلون بعدم وقوع الثلاث ليست العلة عندهم الجمع فهم لا يوقعون طلاق الثلاث ولو مفرقا كقوله أنت طالق طالق طالق