اسم الكتاب: القضاء والقدر ومسألة أفعال العباد
اسم المؤلف: غير معلوم
التصتيف: العقيدة الإسلامية
عدد الأجزاء: واحد
المحتويات
- تعريف القضاء لغة
- تعريف القدر لغة واصطلاحا
- الفرق بين القضاء والقدر
- مسألة أفعال العباد
- رأي أهل السنة والجماعة
- المــــعتزلة وادلتهم
تعريف القضاء لغة
أصل معنى القضاء في اللغة هو : إحكام الشيء وإتقانه, وإلى هذا أشار ابن فارس حيث قال : " القاف و الضاد و الحرف المعتل أصل صحيح , يدل على إحكام أمر و إتقانه وإنفاذه لجهته " .
تعريف القدر لغة
أما القدر فله معان متعددة ؛ كلها ترجع إلى مبلغ الشيء وكنهه و نهايته , يقول ابن فارس : " القاف والدال والراء أصل صحيح يدل على مبلغ الشيء وكنهه ونهايته"
وفي الاصطلاح
فإن معنى القضاء والقدر هو تعلق علم الله تعالى بالكائنات , وإرادته لها أزلاً قبل وجودها , فلا حادث إلا وقد قدره , أي سبق علمه به,وتعلقت به إرادته .
الفرق بين القضاء والقدر
لما كان التفريق بين القضاء و القدر مما لم يرد فيه قول ثابت بنص الكتاب والسنة ؛ فقد اختلف العلماء في تحديد ذلك على أقوال عدة ؛
فالأول: أنه لا فرق بينهما حيث صح إطلاق أحدهما على الآخر , مما يدل على عدم وجود مسوغ للتفريق .
الثاني : القول بالتوقف حيث امتنع التفريق بصريح الأدلة من الكتاب والسنة وعليهما المعول في ما شأنه التوقف.
الثالث : أنه يفرق بينهما , ولهم في توجيه ذلك الفرق عدد من الأقوال :
1 ـ منها ما أورده الحافظ ابن حجر رحمه الله بقوله : " القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل ، والقدر جزيئات ذلك الحكم وتفاصيله ".
2 ـ ومنها ما ذكره بعض العلماء ؛ من أن القضاء هو ما يتحقق وقوعه , أما القدر فهو مما يمكن توقف إنفاذه , فيكون القدر بمثابة العلم الأزلي , والقضاء المشيئة النافذة , وهذا التفريق تبطله الأدلة التي دلت على أن كلا الأمرين قد يتغير فلا يقع , فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يغني حذر من قدر و الدعاء ينفع مما نزل و مما لم ينزل و إن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة).
وكما ورد ما يفيد رفع القدر وتغييره فقد ورد أيضا في القضاء فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء).
وعليه فلا انفكاك لأحدهما عن الآخر, حتى إذا أفرد أحدهما بالذكر دخل فيه الثاني على جهة التضمن أو التلازم ، ولا مشاحة في الاصطلاح .
فالعلاقة بينهما شبيهة بالعلاقة بين الإسلام والإيمان , لذا فإن " جماع القول في هذا الباب ؛ أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر , لأن أحدهما بمنزلة الأساس ، والآخر بمنزلة البناء , فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء و نقضه "
مسألة أفعال العباد
• o الأول: يشير وبصراحة إلى ان كل ما في الكون هو بقدرة الله سبحانه وتعالى وحده, وأنه لا مدخل للقدرة الإنسانية في أي شيء من الأشياء حتى أفعاله نفسها. ويمثل هذا الاتجاه الجبريه .
• o الثاني: يشير إلى أن للإنسان قدرة يستطيع بها ان يقوم بأفعال معينة, مما يثبت للإنسان الفعالية. وخصوصا إذا ما نظر إلى هذه القضية من جانب آخر وهو حساب الإنسان على تلك الأفعال, مما يجعل من اللازم إثبات تلك المقدرة وإلا صرنا إلى نسب الظلم لله عز وجل _تعالى الله عن ذلك علوا كبير_. ويمثل هذا الاتجاه المعتزلة .
رأي أهل السنة والجماعة
• الأول : أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى , فالمعتقد الصحيح في كل ما هو موجود يستند إلى مبدأ الثنائية , تلك الحقيقة التي أشارت إليها الفاتحة في قوله تعالى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين َ) , فأثبتت الرب الواحد , والمربوب وهو العالم بأسره , ولا تخرج أفعال العباد عن أن تكون مربوبة لله تعالى ؛ لعموم ربوبيته , وتدبيره لشؤون خلقه , وهذا ما دل عليه صراحة قوله تعالى : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) , ثم إن أفعال العباد متعلقة بقدرة الله تعالى النافذة في كل ما هو ممكن , قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ٌ ).
• الثاني : الإيمان التام بقدرة العبد على الفعل وتأثيرها في إيجاده على جهة السببية
يقول شيخ الإسلام رحمه الله مفصلاً منهج السلف الكرام في قضية السبب : " الذي عليه السلف وأتباعهم , وأئمة أهل السنة وجمهور الإسلام المثبتون للقدر المخالفون للمعتزلة إثبات الأسباب , وأن قدرة العبد مع فعله لها تأثير كتأثير سائر الأسباب في مسبباتها , والله تعالى خلق الأسباب والمسببات , والأسباب ليست مستقلة بالمسببات , بل لا بد لها من أسباب أخر تعاونها , ولها مع ذلك أضداد تمانعها , والمسبب لا يكون حتى يخلق الله جميع أسبابه , ويدفع عنه أضداده المعارضة له , وهو سبحانه يخلق جميع ذلك بمشيئته وقدرته , كما يخلق سائر المخلوقات , فقدرة العبد سبب من الأسباب , وفعل العبد لا يكون بها وحدها , بل لابد من الإرادة الجازمة مع القدرة .."
وبهذا تثبت حقيقة الشرع الذي نسبه المولى تعالى لنفسه في محكم التنزيل , والإيمان بما يقتضيه الإقرار به من التكليف , وما يستلزمه من صحة نسبة القدرة على الفعل للعبد , بل وتأثيرها فيه على جهة الحقيقة , وذلك ضمن دائرة السببية , قال تعالى : { إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا }(الإنسان :2) .
• الثالث / الإيمان التام بالقدر دون طلب للكيف وسؤال عن الكنه , فالتسليم بالقدر دون جدال ومراء من أعظم أسس الإيمان بهذا الركن العظيم من أركان الإيمان ذلكم أنه قد نهي عن الجدال في القدر والخوض فيه بلا علم فالله تعالى لم يأمر عباده ولم يتعبدهم بكيفية القدر ؛ ولكن تعبدهم بالتسليم له ، مع عدم ضرب نصوص الدين بعضها ببعض ,
يقول الإمام الطحاوي: " وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب , ولا نبي مرسل , والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان , وسلم الحرمان , ودرجة الطغيان , فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة , فإن الله طوى علم القدر عن الأنام , ونهاهم عن مرامه , كما قال تعالى في كتابه : { لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } (الأنبياء:23) , فمن سأل : لم فعل فقد رد حكم الكتاب , ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين " [3]
المــــعتزلة وادلتهم
فقد ذهب المعتزلة إلى أن الإنسان خالق لفعله بمعنى انه يوجده بقدرته وإرادته مستقلا بذلك عن القدرة والإرادة الإلهية فالله سبحانه وتعالى لا يريد من العبد المعاصي ومع ذلك فهي تقع من العبد بإرادته وحده وهكذا يمكن على حسب قولهم وقوع ما لاير يده الله سبحانه وتعالى في ملكوته وقد انطلق المعتزلة في قولهم هذا من ان الله سبحانه وتعالى حكيم ولا يصح أن يفعل عبثا, وخلقه للعالم بلا غرض ولا حكمة نوع من العبث لا يجوز عليه.
ولا شك أن المسلك الخاطئ الذي التزمته في الاستدلال على ما يجب في حق الله تعالى وما يمتنع عنه ؛ كان له أكبر الأثر فيما وقعت فيه من مخالفة النهج القويم المستمد من الكتاب والسنة , فقياس الشاهد على الغائب حملها على رد كل ما استقبحته من الأفعال المشاهدة من العباد وقاست عليها أفعال الرب تعالى دون أدنى تفريق أو إعمال لداعي الفطرة الذي يهتف بأنه الرب سبحانه ليس كمثله أحد , وبهذا طعنت في أعظم حقيقة عرفها الوجود وهي انفراد الرب تعالى بالخلق والتدبير .
• إن الشبهة التي اعتمدها المعتزلة هي عدم إمكان وجود فعل بقدرتين, وأرجعت الفعل إلى قدرة العبد على جهة الاستقلال ؛ استنادا إلى الضرورة العقلية التي تشهد بأن الفعل صادر عن إرادة الإنسان , يقول القاضي عبد الجبار : " إن هذه التصرفات يجب وقوعها بحسب قصودنا ودواعينا , ويجب انتفاؤها بحسب كراهتنا وصارفنا مع سلامة الأحوال إما محققاً وإما مقدراً , فلولا أنها محتاجة إلينا ومتعلقة بنا وإلا لما وجب ذلك فيها ؛ لأن هذه الطريقة تثبت احتياج الشيء إلى غيره , كما يعلم احتياج المتحرك إلى الحركة والساكن إلى السكون , وهذه هي الدلالة المعتمدة ".
• ويعتقد إلى جانب هذا أن في القول بخلق الأفعال طعنا في جانب التكليف , المتمثل بإرسال الرسل , وإنزال الكتب بما فيها من أوامر ونواه ؛ حتى يؤدي ذلك إلى نسبة العبث المنافي لتمام الحكمة والعدل للرب تعالى .