اسم الكتاب: رسالة أهل السنة والجماعة في حديث الموتى وأشراط الساعة وبيان مفهوم أهل السنة والجماعة
تأليف العلامة الشيخ محمد هاشم أشعرى الرئيس الأكبر لجمعية نهضة العلماء عفا الله عنه وعن والديه وعن مشايخه وعن جميع المسلمين آمين
الفهرست
- المقدمة من الناشر
- المقدمة من المؤلف
- فصل في بيان السنة والبدعة
- فصل في بيان تمسك أهل جاوى بمذهب أهل السنة والجماعة
- بيان خطة السلف الصالح، وبيان المراد بالسواد الأعظم
- وجوب التقليد لمن ليس له أهلية الإجتهاد
- في لزوم الإختياط في أخذ الدين وأخذ العلم والإنذار عن فتنة أهل البدع والمنافقين والأئمة المضلين
- إثم من دعا إلى ضلالة أو سن سنة سيئة
- افتراق أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ثلاث وسبعين فرقة
- حديث الموتى في السماع والكلام
- أمارات اقتراب الساعة
- العودة الي الفوق
مقدمة وتمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا وتمجيدا لمن قال في كتابه المبين، وهو أصدق القائلين، )هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، صلاة وتسليما على سيدنا وشفيعنا ووسيلتنا إلى ربنا محمد القائل: {أمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثَ كِتَابُ اللّهِ، وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ، وَشَرّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ،وَكُلّ ضَلاَلَةٍ فِي النّارِ}، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، صلاة وسلاما دائمين متلازمين ما اختلف الليل والنهار.
وبعد، فهذا كتاب جليل يحتوي على مقاصد مفيدة ومباحث عديدة، تنفع المسلمين المحتاجين إلى تحقيق العقائد الدينية، وإلى الإجتماع بالفرقة الناجية الذين هم أهل اسنة والجماعة، رد فيه مؤلفه على ضلالات المبتدعين الكاذبين، وصرح فيه شبهات الملحدين الضالين.
فهو إذًا حجة وبرهان، وتوضيح وبيان، فيه للمسلمين عزة وكرامة، ولهم فيه نجاة وسلامة، إذ حقق فيه مؤلفه العقائد الصحيحة على طريقة أهل السنة والجماعة.
ومعشر المسلمين اليوم أشد حاجة إلى ذلك، وقد اختلط فيهم الأفاضل بالأراذل، والتبس عليهم الحق بالباطل، وتصدر للفتوى كل جاهل، ممن يقصر إدراكه عن فهم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فجاء الكتاب بالإيضاح والتدقيق، بعيدا عن التلبيس والتزويق، ليبتعدوا عن مواقع الجهل والضلال، ويكونوا موفقين في الأقوال والأفعال.
وكيف لا، وقد كان مؤلفه العلامة الشيخ محمد هاشم أشعري رحمه الله تعالى من أكابر علماء إندونيسيا ومن مؤسسى جمعية نهضة العلماء، وهي جمعية معروفة بقوة تمسكهم بسنة خاتم النبيين وشدة اعتمادهم على خطة أسلافهم الصالحين.
فجزى الله تالى مؤلفه خيرا كثيرا، وغفر له ولأصوله وفروعه إنه كان غفارا، ونفع به وبعلومه المسلمين، وجعل عمله من إحياء سنة سيد المرسلين. هذا، وصلى الله على سيدنا مجمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
تبوئرنج، 1 رجب 1418
كتبه سبط المؤلف
محمد عصام حاذق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله شكرا على نواله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله. وبعد، فهذا كتاب أودعت فيه شيئا من حديث الموتى و أشراط الساعة، وشيئا من الكلام على بيان السنة والبدعة، وشيئا من الأحاديث بقصد النصيحة، وإلى الله الكريم أمد أكف الإبتهال، أن ينفع به نفسي وأمثالي من الجهال، وأن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم، انه جواد رؤوف رحيم. وهذا أوان الشروع في المقصود، بعون الملك المعبود.
(فصل) في بيان السنة والبدعة
السنة بالضم والتشديد كما قال أبو البقاء في كلياته: لغة الطريقة ولو غير مرضية. وشرعل اسم للطريقة المرضية المسلوكة في الدين سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره ممن هو علم في الدين كالصحابة رضي الله عنهم لقوله صلى الله عليه وسلم: {عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِيْ وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَاشِدِيْنَ مِنْ بَعْدِيْ}. وعرفا ما واظب عليه مقتدي نبيا كان أو وليا. والسني منسوب إلى السنة حذف التاء للنسبة.
والبدعة كما قال الشيخ زروق في عدة المريد: شرعا إحداث أمر في الدين يشبه أن يكون منه وليس منه سواء كان بالصورة أو بالحقيقة لقوله صلى الله عليه وسلم: {مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: {وَكُلّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ}. وقد بين العلماء رحمهم الله أن المعنى في الحديثين المذكورين راجع لتغيير الحكم باعتقاد ما ليس بقربة قربةً لا مطلق الإحداث، إذ قد تناولته الشريعة بأصولها فيكون راجعا إليها أو بفروعها فيكون مقيسا عليها.
قال: وموازينها ثلاثة:
(الأول) أن ينظر في الأمر المحدث، فإن شهد له معظم الشريعة وأصلها فليس ببدعة، وإن كان مما يأبى ذلك بكل وجه فهو باطل وضلال، وإن كان مما تراجعت فيه الأدلة وتناولته الشبهة واستوت فيه الوجوه اعتبرت وجوهه، فما ترجح من ذلك رجعت إليه.
(الميزان الثاني) اعتبار قواعد الأئمة وسلف الأمة العاملين بطريق السنة، فما خالفها بكل وجه فلا عبرة به، وما وافق أصولهم فهو حق وإن اختلفوا فيه فرعا وأصلا، فكل يتبع أصله ودليله، وقد وقع من قواعدهم أن ما عمل به السلف وتبعهم الخلف لا يصح أن يكون بدعة ولا مذموما، وما تركوه بكل وجه واضح لا يصح أن يكون سنة ولا محمودا، وما أثبتوا أصله ولم يرد عنهم فعله فقال مالك بدعة لأنهم لم يتركوه إلا لأمر عندهم فيه. وقال الشافعي ليس ببدعة وإن لم يعمل به السلف لأن تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام بهم في الوقت أو لما هو أفضل منه، والأحكام مأخوذة من الشارع وقد أثبته. واختلفوا أيضا فيما لم يرد له من السنة معارض ولا شبهة، فقال مالك بدعة، وقال الشافعي ليس ببدعة، واستند لحديث {مَا تَرَكْتُهُ لَكُمْ فَهُوَ عَفْوٌ}، قال وعلى هذا اختلافهم في ضرب الإدارة والذكر بالجهر والجمع والدعاء، إذ ورد في الحديث الترغيب فيه ولم يرد عن السلف فعله. ثم كل قائل لا يكون مبتدعا عند القائل بمقابله لحكمه بما أداه اجتهاده الذي لا يجوز تعديه، ولا يصح له القول ببطلان مقابله لقيام شبهته، ولو قيل بذلك لأدى إلى تبديع الأمة كلها، وقد عرف أن حكم الله تعالى في مجتهد الفروع ما أداه إليه اجتهاده، سواء قلنا المصيب واحد أو متعدد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَدْرَكَهُمْ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا بِالعَجَلَةِ، وَصَلُّوْا فِيْ الطَرِيْقِ، وَقَالَ آخَرُوْنَ أُمِرْنَا بِالصَلاَةِ هُنَاكَ، فَأَخَّرُوْا، وَلَمْ يعب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَىْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ}، فدل ذلك على صحة العمل بما فهم من الشارع إذا لم يكن عن هوى.
(الميزان الثالث) ميزان التمييز بشواهد الأحكام وهو تفصيلي ينقسم إلى أقسام الشريعة الستة، أعنى الوجوب والندب والتحريم والكراهة وخلاف الأولى والإباحة، فكل ما انحاز لأصل بوجه صحيح واضح لا بعد فيه الحق به، وما لا فهو بدعة. وعلى هذا الميزان جرى كثير من المحققين واعتبرها من حيث اللغة للتقريب. والله أعلم.
ثم قال: وأقسامها ثلاثة، البدع الصريحة، وهي ما أثبتت من غير أصل شرعي في مقابلة ما ثبت شرعا من واجب أو سنة أو مندوب أو غيره فأماتت سنة أو أبطلت حقا، وهذه شر البدع، وإن كان لها ألف مستند من الأصول أو الفروع فلا عبرة به. الثاني البدع الإضافية، وهي التي لأمر لو سلم منها لم تصح المنازعة في كونه سنة أو غير بدعة بلا خلاف أو على خلاف مما تقدم. الثالث البدع الخلافية، وهي المبنية على أصلين يتجاذبها كل منهما، فمن قال بهذا قال: بدعة، ومن قال بمقابله قال: سنة، كما تقدم في ضرب الإدارة وذكر الجماعة.
وقال العلامة محمد ولي الدين الشبشيري في شرح الأربعين النووية على قوله صلى الله عليه وسلم: {مَنْ أحْدَثَ حَدَثاً أوْ آوَى مُحْدِثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَة الله} ودخل في الحديث العقود الفاسدة، والحكم مع الجهل والجور ونحو ذلك مما لا يوافق الشرع. وخرج عنه ما لا يخرج عن دليل الشرع، كالمسائل الإجتهادية التي ليس بينها وبين أدلتها رابط إلا ظن المجتهد، وكتابة المصحف وتحرير المذاهب وكتب النحو والحساب، ولذا قسم ابن عبد السلام الحوادث إلى الأحكام الخمسة، فقال: البدعة فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة كتعلم النحو وغريب الكتاب والسنة مما يتوقف فهم الشريعة عليه، ومحرّمة كمذهب القدرية والجبرية والمجسمة، ومندوبة كإحداث الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول، ومكروهة كزخزفة المساجد وتزويق المصاحف، ومباحة كالمصافحة عقب صلاة الصبح والعصر والتوسع في المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك.
وإذا عرفت ما ذكر تعلم أن ما قيل: إنه بدعة كاتخاذ السبحة، والتلفظ بالنية، والتهليل عند التصدق عن الميت مع عدم المانع عنه، وزيارة القبور، ونحو ذلك ليس ببدعة. وإن ما أحدث من أخذ أموال الناس بالأسواق الليلية، واللعب بالكورة وغير ذلك من شر البدع.