عنوان الكتاب: أسنى المطالب في شرح روض الطالب و حاشية الرملي الكبير
المؤلف: زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري - شهاب أحمد الرملي - محمد بن أحمد الشوبري
تحقيق: زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان الطبعة: الثالثة، 1412هـ / 1991م
الموضوع: الفقه علي مذهب الإمام الشافعي
عدد الأجزاء: 12 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
عدد المجلدات: 4
عدد الصفحات: 2072
[بَابُ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]
(بَابُ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) زَمَانًا وَمَكَانًا (الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْحَجِّ مِنْ شَوَّالٍ إلَى فَجْرِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) كَمَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] أَيْ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِهِ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ إذَا فَعَلَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَشْهُرٍ وَأَطْلَقَ الْأَشْهُرَ عَلَى شَهْرَيْنِ وَبَعْضَ شَهْرٍ تَنْزِيلًا لِلْبَعْضِ مَنْزِلَةَ الْكُلِّ أَوْ إطْلَاقًا لِلْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور: 26] أَيْ عَائِشَةُ وَصَفْوَانُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ إذَا ضَاقَ زَمَنُ الْوُقُوفِ عَنْ إدْرَاكِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْجُمُعَةِ لِبَقَاءِ الْحَجِّ حَجًّا بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ.
(وَ) الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ (لِلْعُمْرَةِ جَمِيعُ السَّنَةِ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فِي ذِي الْقِعْدَةِ أَوْ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ وَأَنَّهُ اعْتَمَرَ عُمْرَةً فِي رَجَبٍ» كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَإِنْ أَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ عَائِشَةُ وَأَنَّهُ قَالَ «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «حَجَّةً مَعِي» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ فِي رَمَضَانَ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ» (لَا لِحَاجٍّ) فَيَمْتَنِعُ إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ (قَبْلَ نَفْرِهِ) أَمَّا قَبْلَ تَحَلُّلِهِ فَلِامْتِنَاعِ إدْخَالِهَا عَلَى الْحَجِّ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِاشْتِغَالِهِ بِالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ التَّشَاغُلِ بِعِلْمِهَا؛ وَلِأَنَّ بَقَاءَ حُكْمِ الْإِحْرَامِ كَبَقَائِهِ وَفِي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ امْتِنَاعُ حِجَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا صِحَّةُ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ إذَا قَصَدَ تَرْكَ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمَّا إحْرَامُهُ بِهَا بَعْدَ نَفْرِهِ فَصَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُ الرَّمْيِ بَعْدَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بَاقِيًا؛ لِأَنَّهُ بِالنَّفْرِ خَرَجَ مِنْ الْحَجِّ وَصَارَ كَمَا لَوْ مَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لَا خِلَافَ فِيهِ.
(وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ، وَلَوْ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ فَلَا تُكْرَهُ فِي وَقْتٍ، وَلَا يُكْرَهُ تَكْرِيرُهَا فَقَدْ «أَعْمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ وَاعْتَمَرَتْ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ» أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَفِي رِوَايَةِ «ثَلَاثَ عُمَرَ» وَاعْتَمَرَ ابْنُ عُمَرَ أَعْوَامًا مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُنْدَبُ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفِي رَمَضَانَ. قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْعُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي بَاقِي السَّنَةِ لِخَبَرِ «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي» قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَفِعْلُهَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَيْسَ بِفَاضِلٍ كَفَضْلِهِ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُ الْحَجِّ فِيهَا
(فَرْعٌ مَتَى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ) فِيهِمَا (انْعَقَدَ عُمْرَةً مُجْزِئَةً عَنْ الْفَرْضِ) أَيْ فَرْضِهَا وَإِنْ كَانَ عَالِمًا لِشِدَّةِ لُزُومِ الْإِحْرَامِ لِانْعِقَادِهِ مَعَ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
كِتَابُ الْمَوَاقِيتِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) (قَوْلُهُ الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْحَجِّ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا وَقْتُ الْحَجِّ مَعَ إمْكَانِهِ فِي بَقِيَّةِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مِصْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ لَا يَنْعَقِدُ الْحَجُّ بِلَا شَكٍّ قَالَهُ فِي الْخَادِمِ قَالَ وَفِي انْعِقَادِهِ عُمْرَةً تَرَدُّدٌ وَالْأَرْجَحُ نَعَمْ (قَوْلُهُ وَمِنْ شَوَّالٍ إلَى فَجْرِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ إلَى الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ دَاوُد بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْأَيَّامَ فَلْيَقُلْ وَتِسْعَةٌ أَوْ اللَّيَالِي فَهِيَ عَشْرٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي جَمِيعًا وَغَلَبَ التَّأْنِيثُ فِي الْعَدَدِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ جَوَابٌ عَنْ السُّؤَالِ، وَهُوَ إخْرَاجُ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ، وَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِإِرَادَةِ الْأَيَّامِ، وَلَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِ التَّأْنِيثِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَعَ ذِكْرِ الْمَعْدُودِ فَمَعَ حَذْفِهِ يَجُوزُ الْأَمْرَانِ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالسُّؤَالُ مَعَهُ بَاقٍ فِي إخْرَاجِ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ. اهـ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فَفِي جَوَابِ السُّؤَالِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ جَوَابٌ عَنْهُ ثَانٍ وَأَمَّا اللَّيْلَةُ الْعَاشِرَةُ فَقَدْ أَفَادَهَا قَوْلُهُ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَخْ.
(فَرْعٌ) مَنْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ الْحَجَّ إنْ كَانَتْ مِنْ شَوَّالٍ، وَإِلَّا فَالْعُمْرَةُ فَبَانَتْ مِنْ شَوَّالٍ فَحَجٌّ، وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ يَعْتَقِدُ تَقَدُّمَهُ عَلَى وَقْتِهِ فَبَانَ فِيهِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ أَخْطَأَ الْوَقْتَ كُلُّ الْحَجِيجِ فَهَلْ يُغْتَفَرُ كَخَطَأِ الْوُقُوفِ أَوْ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً وَجْهَانِ الْأَوْفَقُ الثَّانِي (قَوْلُهُ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] الْحَجُّ هُوَ الْفِعْلُ فَلَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَشْهُرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ، وَلَا يَجُوزُ إضْمَارُ وَقْتِ فِعْلِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ فِي أَشْهُرٍ بَلْ يُفْعَلُ فِي أَيَّامٍ، وَلَا أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَشْهُرُ كَمَا قَالَ الزَّجَّاجُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَشْهُرٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] أَيْ عَقَدَ، وَأَوْجَبَ أَيْ أَحْرَمَ (قَوْلُهُ إذَا ضَاقَ زَمَنُ الْوُقُوفِ عَنْ إدْرَاكِهِ) كَأَنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَلَمْ يَبْقَ زَمَنُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يَصِحُّ مَعَهُ إدْرَاكُهُ
(قَوْلُهُ لَا لِحَاجٍّ قَبْلَ نَفْرِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمِنًى
(قَوْلُهُ، وَلَا يُكْرَهُ تَكْرِيرُهَا) أَيْ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ فَجَازَ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ كَالصَّلَاةِ.
[فَرْعٌ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ]
(قَوْلُهُ انْعَقَدَ عُمْرَةً مُجْزِئَةً إلَخْ) ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ مُتَضَمِّنَةٌ لِنِيَّةِ الْعُمْرَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى أَفْعَالِهَا كَمَا أَنَّ نِيَّةَ الظُّهْرِ تَتَضَمَّنُ النَّفَلَ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَسَيُصْبِحُ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْعَالِمِ التَّلَاعُبِ - وَهُوَ فِي الْحَجِّ - لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ حَجٌّ وَأَحْرَمَ بِغَيْرِهِ عَامِدًا انْصَرَفَ إلَى مَا عَلَيْهِ.
(1/458)
سَيَأْتِي فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الْوَقْتُ مَا أَحْرَمَ بِهِ انْصَرَفَ إلَى مَا يَقْبَلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ قَصْدُ الْحَجِّ بَقِيَ مُطْلَقُ الْإِحْرَامِ، وَالْعُمْرَةُ تَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ هَذَا فِي الْحَلَالِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ بِحَجٍّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ عُمْرَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ عَلَى الْعُمْرَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَلَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَهُوَ عُمْرَةٌ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ إحْرَامُهُ فِي أَشْهُرِهِ أَوْ قَبْلَهَا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ كَانَ حَجًّا؛ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ إحْرَامَهُ الْآنَ وَيَشُكُّ فِي تَقَدُّمِهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قِيلَ: وَالْأَوْلَى الِاحْتِيَاطُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، ثُمَّ نَسِيَهُ (وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا) أَيْ الْعُمْرَةُ (عَنْ سَنَتِهِ) أَيْ الْحَجِّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ.
(فَصْلٌ الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْمَكِّيِّ) أَيْ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا (مَكَّةُ لَا سَائِرُ الْحَرَمِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ الْآتِي حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ وَقِيسَ بِأَهْلِهَا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ هُوَ بِهَا (فَإِنْ فَارَقَ بُنْيَانَهَا وَأَحْرَمَ) خَارِجَهَا، وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ (أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ) كَمُجَاوِزِ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ نَعَمْ إنْ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا إسَاءَةَ، وَلَا دَمَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ، ثُمَّ رَأَيْت الْمُحِبَّ الطَّبَرِيَّ نَبَّهَ عَلَيْهِ بَحْثًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ الْإِسَاءَةِ فِيمَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى مِيقَاتٍ، وَإِلَّا فَلَا إسَاءَةَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي سُقُوطِ دَمِ التَّمَتُّعِ بِذَلِكَ (فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا) قَبْلَ الْوُقُوفِ (سَقَطَ) الدَّمُ نَعَمْ إنْ وَصَلَ فِي خُرُوجِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ بِذَلِكَ بَلْ بِوُصُولِهِ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي لِلْآفَاقِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ.
(وَإِحْرَامُهُ) أَيْ الْمَكِّيِّ (مِنْ بَابِ دَارِهِ أَفْضَلُ) مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ الْآتِي «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ» (فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ) الْحَرَامَ (مُحْرِمًا) وَإِحْرَامُهُ مِنْ بَابِهِ يَكُونُ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إذْ الْإِحْرَامُ لَا يُسَنُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ بَلْ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ مُحْرِمًا لِطَوَافِ الْوَدَاعِ لَا لِلصَّلَاةِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ: إنَّهُ إذَا اُسْتُحِبَّ لَهُ فِعْلُ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ أَشْكَلَ ذَلِكَ بِتَصْحِيحِ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ بَابِ دَارِهِ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ لِرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ قِيلَ: وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ مِيقَاتُهُ قَرْيَتُهُ أَوْ حِلَّتُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الطَّرَفِ الْأَبْعَدِ مِنْ مَكَّةَ لِيَقْطَعَ الْبَاقِي مُحْرِمًا إنَّ الْمَكِّيَّ يُحْرِمُ مِنْ طَرَفِهَا الْأَبْعَدِ عَنْ مَقْصِدِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَاكَ قَاصِدٌ لِمَكَانٍ أَشْرَفَ مِمَّا هُوَ فِيهِ، وَهَذَا بِعَكْسِهِ.
(وَالْمُتَمَتِّعُ الْآفَاقِيُّ إنْ أَحْرَمَ) بِالْحَجِّ (خَارِجَ مَكَّةَ، وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ) أَوْ إلَى مِثْلِهِ مَسَافَةً (أَوْ إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ دَمَانِ) : دَمُ الْإِسَاءَةِ وَدَمُ التَّمَتُّعِ، وَلَوْ قَالَ: وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهَا أَوْ إلَى الْمِيقَاتِ كَانَ أَخْصَرَ وَخَرَجَ بِالْآفَاقِيِّ الْمَكِّيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا دَمُ الْإِسَاءَةِ (وَمَنْ كَانَ) مَسْكَنُهُ (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ مَكَّةَ (وَبَيْنَ الْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ قَرْيَتُهُ أَوْ حِلَّتُهُ) أَوْ مَنْزِلُهُ الْمُنْفَرِدُ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ الْآتِي «فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ» (وَأَمَّا الْآفَاقِيُّ) فَلَهُ مَوَاقِيتُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النَّوَاحِي (فَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ) وَهِيَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: أَبْيَارُ عَلِيٍّ قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ عَلَى مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ عَلَى سَبْعَةٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ تَزِيدُ قَلِيلًا.
قَالَ الشَّيْخَانِ وَهِيَ عَلَى نَحْوِ عَشْرَةِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ فَهِيَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ (وَلِلشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ) أَيْ لِأَهْلِهَا (الْجُحْفَةُ) وَيُقَالُ لَهَا مَهْيَعَةُ بِوَزْنِ مَرْتَبَةٍ وَمَهْيَعَةُ بِوَزْنِ مَعِيشَةُ، وَهِيَ قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَقَدْ خَرِبَتْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهِيَ عَلَى نَحْوِ خَمْسِينَ فَرْسَخًا مِنْ مَكَّةَ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثَةِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْحَلَةَ ثَمَانِيَةُ فَرَاسِخَ فَيَكُونُ جُمْلَةُ الْمَرَاحِلِ عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا، وَالْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ وَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَسُمِّيَتْ جُحْفَةً؛ لِأَنَّ السَّيْلَ اجْتَحَفَهَا وَحَمَلَ أَهْلَهَا (وَلِلْيَمَنِ) أَيْ لِأَهْلِ تِهَامَةَ (يَلَمْلَمُ) وَيُقَالُ أَلَمْلَمُ، وَهُوَ أَصْلُهُ قُلِبَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً وَيَرَمْرَمُ بِرَاءَيْنِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (وَلِنَجْدِيٍّ الْحِجَازُ وَالْيَمَنُ) أَيْ لِأَهْلِهِمَا (قَرْنُ) بِسُكُونِ الرَّاءِ وَيُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ، وَهُوَ جَبَلٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَوَهَمَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَحْرِيكِ الرَّاءِ وَفِي قَوْلِهِ: إنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى قَرْنٍ قَبِيلَةٌ مِنْ مُرَادٍ كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ (وَلِلْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ) أَيْ لِأَهْلِهِمَا (ذَاتُ عِرْقٍ) وَهِيَ قَرْيَةٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَقَدْ خَرِبَتْ.
(وَالْعَقِيقُ) ، وَهُوَ وَادٍ فَوْقَ ذَاتِ عِرْقٍ (لَهُمْ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَصْلٌ الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْمَكِّيِّ]
قَوْلُهُ الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْمَكِّيِّ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ عَشْرَةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْت الْمُحِبَّ الطَّبَرِيَّ نَبَّهَ عَلَيْهِ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْأَصَحُّ كَبَقِيَّةِ الْمَوَاقِيتِ.
(قَوْلُهُ إنَّ الْمَكِّيَّ يُحْرِمُ مِنْ طَرَفِهَا الْأَبْعَدِ إلَخْ) لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ قَصْدِ الْمَشْيِ إلَيْهَا (قَوْلُهُ وَهَذَا بِعَكْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَاتٍ كَانَ قَاصِدًا لِلْمَحَلِّ فَهُوَ مُنْتَقِلٌ مِنْ الْأَفْضَلِ إلَى غَيْرِ الْأَفْضَلِ فَكَيْفَ يُقَاسَ الْحِلُّ بِالْحَرَمِ حَتَّى يُسْتَحَبَّ قَصْدُهُ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ.
(قَوْلُهُ فَمِيقَاتُهُ قَرْيَتُهُ أَوْ حِلَّتُهُ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مِيقَاتَيْنِ كَمَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ قَالَا فَإِنْ كَانَ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَمَامَهُ وَالْآخَرُ وَرَاءَهُ كَذِي الْحُلَيْفَةِ وَالْحُجْفَةِ فَمَنْ كَانَ عَلَى جَادَّةِ الْمَغْرِبِ وَالشَّامِ كَأَهْلِ بَدْرٍ وَالصَّفْرَاءِ فَمِيقَاتُهُمْ الْجُحْفَةُ أَمَامَهُمْ وَمَنْ كَانَ عَلَى جَادَّةِ الْمَدِينَةِ وَعَلَى طَرِيقِ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَأَهْلِ الْأَبْوَاءِ وَالْعَرَجِ فَمِيقَاتُهُمْ مَوْضِعُهُمْ اعْتِبَارًا بِذِي الْحُلَيْفَةِ لِكَوْنِهِمْ عَلَى جَادَّتِهَا وَمَنْ كَانَ بَيْنَ الْجَادَّتَيْنِ فَإِنْ كَانُوا إلَى جَادَّةِ الْمَدِينَةِ أَقْرَبُ أَحْرَمُوا مِنْ مَوْضِعِهِمْ وَإِنْ كَانُوا إلَى جَادَّةِ الشَّامِ أَقْرَبَ أَحْرَمُوا مِنْ الْجُحْفَةِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُحْرِمُونَ مِنْ مَوْضِعِهِمْ وَالثَّانِي مِنْهُ أَوْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَإِنْ شَاءُوا. اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا ضَابِطُ مُجَاوَزَتِهِ الْمُوجِبَةِ لِلدَّمِ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ قَصْرُ الصَّلَاةِ وَلَا عِبْرَةَ بِمُجَاوَزَتِهِ وَمَا دُونَهُ مِنْ الْقَرْيَةِ أَوْ الْحِلَّةِ.
(1/459)
لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ (أَفْضَلُ) مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَقَالَ: هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» خَبَرُ الشَّافِعِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةَ» وَخَبَرُ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» (وَالطَّرَفُ الْأَبْعَدُ عَنْ مَكَّةَ مِنْ كُلِّ مِيقَاتٍ) أَيْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ (أَفْضَلُ) مِنْ الْإِحْرَامِ مِنْ وَسَطِهِ وَآخِرِهِ لِيَقْطَعَ الْبَاقِيَ مُحْرِمًا قَالَ السُّبْكِيُّ إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ (وَهِيَ) أَيْ الْمَوَاقِيتُ الْمَذْكُورَةُ (لِأَهْلِهِمَا وَلِمَنْ سَلَكَهَا) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ إلَّا النَّائِبُ فَيُحْرِمُ كَمَا مَرَّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِ مُنِيبِهِ (وَالْعِبْرَةُ) فِي هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ (بِالْبُقْعَةِ لَا مَا بُنِيَ) ، وَلَوْ (قَرِيبًا مِنْهَا) ، وَلَوْ بِنَقْضِهَا وَإِنْ سُمِّيَ بِاسْمِهَا.
(وَمَنْ سَلَكَ) طَرِيقًا (غَيْرَ) طَرِيقِ (الْمِيقَاتِ أَحْرَمَ بِمُحَاذَاتِهِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُسَامَتَتِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْبَرِّ أَمْ فِي الْبَحْرِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا وَإِنَّا إنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ عُمَرُ ذَاتِ عِرْقٍ» ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ (فَإِنْ أَشْكَلَ) عَلَيْهِ الْمِيقَاتُ أَوْ مَوْضُوعُ مُحَاذَاتِهِ (احْتَاطَ) ، الَّذِي فِي الْأَصْلِ تَحَرَّى، وَطَرِيقُ الِاحْتِيَاطِ لَا يَخْفَى، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ اجْتَهَدَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَظْهِرَ خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ حَيْثُ أَوْجَبَ الِاسْتِظْهَارَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ تَحَيَّرَ فِي اجْتِهَادِهِ تَعَيَّنَ الِاسْتِظْهَارُ جَزْمًا إنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ أَوْ كَانَ قَدْ تَضَيَّقَ عَلَيْهِ (وَلَوْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ) وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَبْعَدَ إلَى مَكَّةَ إذْ لَوْ كَانَ أَمَامَهُ مِيقَاتٌ فَإِنَّهُ مِيقَاتُهُ وَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَبْعَدَ فَكَذَا مَا هُوَ بِقُرْبِهِ (فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ) إلَيْهِ (فَأَبْعَدُهُمَا مِنْ مَكَّةَ) يُحْرِمُ مِنْهُ وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا كَأَنْ كَانَ الْأَبْعَدُ مُنْحَرِفًا أَوْ وَعْرًا (فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ) إلَيْهِ (فَكِلَاهُمَا مِيقَاتُهُ قُلْنَا: لَا بَلْ مِيقَاتُهُ الْأَبْعَدُ إلَى مَكَّةَ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا لَوْ جَاوَزَهُمَا مُرِيدًا لِلنُّسُكِ، وَلَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَ الْمُحَاذَاةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْأَبْعَدِ أَوْ إلَى) مِثْلِ (مَسَافَتِهِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ لَا) إنْ رَجَعَ (إلَى الْآخَرِ) فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِمَا وَإِلَيْهِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِمَا إنْ لَمْ يُحَاذِ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَمِنْ مُحَاذَاةِ الْأَوَّلِ يَنْتَظِرُ مُحَاذَاةَ الْآخَرَ كَمَا لَيْسَ لِلْمَارِّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ إلَى الْجُحْفَةِ (فَإِنْ لَمْ يُحَاذِ شَيْئًا) مِنْ الْمَوَاقِيتِ (أَحْرَمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الْمَوَاقِيتِ أَقَلُّ مَسَافَةً مِنْ هَذَا الْقَدْرِ.
(فَرْعٌ وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ) إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ (غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ، ثُمَّ عَنَّ) أَيْ عَرَضَ (لَهُ) قَصْدُ النُّسُكِ (فَذَلِكَ) أَيْ مَحَلُّ عُرُوضِ ذَلِكَ لَهُ (مِيقَاتُهُ) ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا شَمَلَ ذَلِكَ قَوْلَهُ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ» وَأَشَارَ إلَيْهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ.
(فَصْلٌ وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ غَيْرَ مُحْرِمٍ) ، وَلَمْ يَنْوِ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ مِنْ مِيقَاتٍ آخَرَ (أَسَاءَ) لِلْإِجْمَاعِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَلَزِمَهُ الْعَوْدُ) إلَيْهِ مُحْرِمًا أَوْ لِيُحْرِمَ مِنْهُ تَدَارُكًا لِمَا فَوَّتَهُ (وَأَثِمَ بِتَرْكِهِ) أَيْ الْعَوْدِ (إلَّا لِعُذْرٍ) كَضِيقِ الْوَقْتِ وَخَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ الِانْقِطَاعِ عَنْ الرُّفْقَةِ وَسَهْوِهِ وَجَهْلِهِ فَلَا عَوْدَ عَلَيْهِ، وَلَا إثْمَ لِعُذْرِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إذَا كَانَ مَاشِيًا، وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِالْمَشْيِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا قُلْنَا فِي الْحَجِّ مَاشِيًا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَلِوَجْهِ لُزُومِ الْعَوْدِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ لِمَا تَعَدَّى فِيهِ فَأَشْبَهَ وُجُوبَ قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ (فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْعَوْدِ) ، الْأَوْلَى وَلَمْ يَعُدْ (وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا) فِي ذَلِكَ (لَزِمَهُ دَمٌ) لِإِسَاءَتِهِ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهَذَا حَقٌّ قَالَ فِي الْخَادِمِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ إذَا كَانَ بِالْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَفِيهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَفْضَلَ إحْرَامُهُ عَقِبَ الصَّلَاةِ وَهُوَ جَالِسٌ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَسْجِدُ فِي وَسَطِ الْمِيقَاتِ أَوْ طَرَفِهِ الْآخَرِ إلَى مَكَّةَ
(قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ اجْتَهَدَ) أَيْ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ، وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ فِي الِاجْتِهَادِ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ كَالْأَعْمَى (قَوْلُهُ وَلَوْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ عَلَى التَّرْتِيبِ) أَحْرَمَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مَعًا.
(قَوْلُهُ وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ) أَيْ إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ أَمَّا إذَا جَاوَزَهُ إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَأَحْرَمَ مِنْ مِثْلِ مِيقَاتِ بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقِيَاسُهُ أَنَّ لِلْمَكِّيِّ أَنْ يُجَاوِزَ إلَى غَيْرِ جِهَةِ عَرَفَةَ ثُمَّ يُحْرِمَ مُحَاذِيًا لِمَكَّةَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الطَّبَرِيُّ وَعَنْ الْبَيَانِ أَنَّ ظَاهِرَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّا حَيْثُ أَسْقَطْنَا عَنْهُ الدَّمَ بِالْعَوْدِ لَا تَكُونُ الْمُجَاوَزَةُ حَرَامًا حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ شَرْطُ انْتِفَاءِ التَّحْرِيمِ أَنْ تَكُونَ الْمُجَاوَزَةُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ وَقَالَ فِي التَّوَسُّطِ إذَا أَخَذَ عَنْ يَمِينِ الْمِيقَاتِ أَوْ يَسَارِهِ لَمْ نَقُلْ جَاوَزَهُ وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ
[فَصْلٌ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَلَمْ يَنْوِ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ]
(قَوْلُهُ أَوْ الِانْقِطَاعُ عَنْ الرُّفْقَةِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ عُذْرٌ مَعَ الْأَمْنِ لِمَشَقَّةِ الِاسْتِيحَاشِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ دَمٌ) أَيْ الْبَالِغُ الْحُرُّ أَمَّا الصَّبِيُّ وَالرَّقِيقُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَمُلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقِيَاسُهُ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ كَذَلِكَ لِافْتِقَارِ إحْرَامِهَا إذْنَ الْغَيْرِ فَلَوْ جَاوَزَتْ الْمِيقَاتَ مُرِيدَةً لِلنُّسُكِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَلَا دَمَ عَلَيْهَا هَكَذَا بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ
(1/460)
مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادِهِ صَحِيحٍ وَشَرْطُ لُزُومِهِ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ وَأَنْ يُحْرِمَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ إنَّمَا هُوَ لِنُقْصَانِ النُّسُكِ لَا بَدَلَ مِنْهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ إحْرَامَ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ دُونَهُ يَكُنْ كَالْمُسْلِمِ فِيمَا ذُكِرَ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ حَجِّ الصَّبِيِّ (وَيَسْقُطُ) عَنْهُ الدَّمُ (مَتَى عَادَ) ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْمَسَافَةَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا وَأَدَّى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا بَعْدَهُ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْهُ سَوَاءٌ أَكَانَ دَخَلَ مَكَّةَ أَمْ لَا (لَا) إنْ عَادَ (بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ وَلَوْ طَوَافَ الْقُدُومِ) فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ لِتَأَدِّي النُّسُكِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ.
(، وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي تَصْحِيحِهِ عَكْسَهُ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ بِحَجَّتِهِ وَبِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّ فِي مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ بِالتَّقْدِيمِ عُسْرًا، وَتَغْرِيرًا بِالْعِبَادَةِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، وَإِنَّمَا جَازَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ لَا قَبْلَ الزَّمَانِيِّ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْعِبَادَةِ بِالْوَقْتِ أَشَدُّ مِنْهُ بِالْمَكَانِ، وَلِأَنَّ الْمَكَانِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ بِخِلَافِ الزَّمَانِيِّ.
(فَصْلٌ مِيقَاتُ الْعُمْرَةِ مِيقَاتُ الْحَجِّ) لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ «مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ» (إلَّا لِمَنْ فِي الْحَرَمِ) مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (فَمِيقَاتُهُ الْوَاجِبُ أَدْنَى الْحِلِّ) فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ، وَلَوْ بِقَلِيلٍ مِنْ أَيْ جَانِبٍ شَاءَ لِلْجَمْعِ فِيهَا بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْجَمْعِ فِي الْحَجِّ بَيْنَهُمَا بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَائِشَةَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْخُرُوجُ لَأَحْرَمَتْ مِنْ مَكَانِهَا لِضِيقِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَحِيلِ الْحَاجِّ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " الْوَاجِبُ " مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْأَفْضَلُ) مِنْ بِقَاعُ الْحِلِّ لِإِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ (الْجِعْرَانَةُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهِيَ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِ الْعَيْنِ وَتَثْقِيلِ الرَّاءِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى الثَّانِي ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَهِيَ فِي طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ (ثُمَّ التَّنْعِيمُ) لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي عِنْدَ الْمَسَاجِدِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَلَى يَمِينِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نُعَيْمٌ وَعَلَى شِمَالِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نَاعِمٌ وَالْوَادِي نُعْمَانُ (ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ أَفْصَحُ مِنْ تَثْقِيلِهَا وَهِيَ اسْمٌ لِبِئْرٍ هُنَاكَ بَيْنَ طَرِيقِ جُدَّةَ وَطَرِيقِ الْمَدِينَةِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ وَذَلِكَ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهَا فَصَدَّهُ الْكُفَّارُ فَقَدَّمَ فِعْلَهُ، ثُمَّ أَمْرَهُ، ثُمَّ هَمَّهُ» كَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كَانَ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إلَّا أَنَّهُ هَمَّ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «وَإِنَّمَا أَعْمَرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ» وَمَعَ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَفْضَلُ لِضِيقِ الْوَقْتِ، أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَلَيْسَ التَّفْضِيلُ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فَإِنَّ الْجِعْرَانَةَ وَالْحُدَيْبِيَةَ مَسَافَتُهُمَا إلَى مَكَّةَ وَاحِدَةٌ: سِتَّةُ فَرَاسِخَ وَالتَّنْعِيمُ مَسَافَتُهُ إلَيْهَا فَرْسَخٌ كَمَا مَرَّ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْهُمَا فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ نُدِبَ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ بَطْنَ وَادٍ، ثُمَّ يُحْرِمَ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا وَحَكَاهُ فِي الْإِبَانَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَإِذَا أَحْرَمَ بِهَا مِنْ مَكَّةَ وَتَمَّمَ) أَفْعَالَهَا (وَلَمْ يَخْرُجْ) إلَى الْحِلِّ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ مِنْهَا (أَجْزَأَهُ) مَا أَحْرَمَ بِهِ (وَلَزِمَهُ الدَّمُ) لِأَنَّ الْإِسَاءَةَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ إنَّمَا تَقْتَضِي لُزُومَ الدَّمِ لَا عَدَمَ الْإِجْزَاءِ (وَمَتَى عَادَ) يَعْنِي خَرَجَ إلَى الْحِلِّ (قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِفَرْضٍ سَقَطَ) عَنْهُ الدَّمُ لِمَا مَرَّ.
(بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِهَا (الْإِفْرَادُ، ثُمَّ التَّمَتُّعُ، ثُمَّ الْقِرَانُ أَفْضَلُ) عَلَى الْأَصَحِّ مَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي إحْرَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ.
(قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى إلَخْ) فَإِنْ كَانَ النُّسُكُ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ عُمْرَةً لَزِمَهُ الدَّمُ سَوَاءٌ اعْتَمَرَ فِي سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ أَمْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ مَتَى عَادَ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الدَّمَ وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ بِالْعَوْدِ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْحَاوِي وَصَحَّحَ أَعْنِي الْمَاوَرْدِيَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِفَوَاتِ الْعَوْدِ كَمَا لَوْ جَاوَزَ، وَلَمْ يُحْرِمْ فَإِنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَجِبُ بِفَوَاتِ الْعَوْدِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِسَاءَةَ هُنَا تَأَكَّدَتْ بِالْإِحْرَامِ، وَلِهَذَا لَا يَنْفَعُهُ الْعَوْدُ عَلَى وَجْهٍ وَقِيلَ إنَّهُ يُرَاعَى إنْ لَمْ يَعُدْ تَبَيَّنَ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا تَبَيَّنَ عَدَمُهُ وَإِذَا سَقَطَ بِالدَّمِ عَنْ الْمُجَاوِزِ بِالْعَوْدِ بَانَ أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ لَمْ تَكُنْ حَرَامًا جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَحَلِّيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَحَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ شَرْطُ انْتِفَاءِ التَّحْرِيمِ أَنْ تَكُونَ الْمُجَاوَزَةُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ بَعِيدٌ وَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ لَهُ الْمُجَاوَزَةَ ثُمَّ يَعُودُ وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُجَاوَزَةِ فَالصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ مُسِيءٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرُوهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْإِسَاءَةِ ارْتَفَعَ بِرُجُوعِهِ وَتَوْبَتِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ خِلَافٌ
(قَوْلُهُ وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) لَكِنْ لَوْ نَذَرَهُ مِنْهَا لَزِمَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَكَمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ.
[فَصْلٌ مِيقَاتُ الْعُمْرَةِ]
(قَوْلُهُ فَمِيقَاتُهُ الْوَاجِبُ أَدْنَى الْحِلِّ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ خَطَا بِإِحْدَى قَدَمَيْهِ إلَى الْحِلِّ وَبَاقِيهِ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِدًا عَلَى الْبَاقِي فِي الْحَرَمِ أَوْ عَلَى الْقَدَمَيْنِ مَعًا فَلَيْسَ بِخَارِجٍ وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِدًا عَلَى الْقَدَمِ الْخَارِجِ فَقَطْ فَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا انْتَهَى وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ خَارِجٌ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ الْجِعْرَانَةُ إلَخْ) قَالَ يُوسُفُ بْنَ وَأَسْحُتٌ اعْتَمَرَ مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ نَبِيٍّ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالصَّوَابُ إلَخْ) يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ هَمَّ أَوَّلًا بِالِاعْتِمَارِ مِنْهَا ثُمَّ بَعْدَ إحْرَامِهِ هَمَّ بِالدُّخُولِ مِنْهَا.
المؤلف: زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري - شهاب أحمد الرملي - محمد بن أحمد الشوبري
تحقيق: زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان الطبعة: الثالثة، 1412هـ / 1991م
الموضوع: الفقه علي مذهب الإمام الشافعي
عدد الأجزاء: 12 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
عدد المجلدات: 4
عدد الصفحات: 2072
[بَابُ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]
(بَابُ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) زَمَانًا وَمَكَانًا (الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْحَجِّ مِنْ شَوَّالٍ إلَى فَجْرِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) كَمَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] أَيْ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِهِ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ إذَا فَعَلَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَشْهُرٍ وَأَطْلَقَ الْأَشْهُرَ عَلَى شَهْرَيْنِ وَبَعْضَ شَهْرٍ تَنْزِيلًا لِلْبَعْضِ مَنْزِلَةَ الْكُلِّ أَوْ إطْلَاقًا لِلْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور: 26] أَيْ عَائِشَةُ وَصَفْوَانُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ إذَا ضَاقَ زَمَنُ الْوُقُوفِ عَنْ إدْرَاكِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْجُمُعَةِ لِبَقَاءِ الْحَجِّ حَجًّا بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ.
(وَ) الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ (لِلْعُمْرَةِ جَمِيعُ السَّنَةِ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فِي ذِي الْقِعْدَةِ أَوْ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ وَأَنَّهُ اعْتَمَرَ عُمْرَةً فِي رَجَبٍ» كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَإِنْ أَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ عَائِشَةُ وَأَنَّهُ قَالَ «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «حَجَّةً مَعِي» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ فِي رَمَضَانَ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ» (لَا لِحَاجٍّ) فَيَمْتَنِعُ إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ (قَبْلَ نَفْرِهِ) أَمَّا قَبْلَ تَحَلُّلِهِ فَلِامْتِنَاعِ إدْخَالِهَا عَلَى الْحَجِّ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِاشْتِغَالِهِ بِالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ التَّشَاغُلِ بِعِلْمِهَا؛ وَلِأَنَّ بَقَاءَ حُكْمِ الْإِحْرَامِ كَبَقَائِهِ وَفِي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ امْتِنَاعُ حِجَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا صِحَّةُ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ إذَا قَصَدَ تَرْكَ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمَّا إحْرَامُهُ بِهَا بَعْدَ نَفْرِهِ فَصَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُ الرَّمْيِ بَعْدَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بَاقِيًا؛ لِأَنَّهُ بِالنَّفْرِ خَرَجَ مِنْ الْحَجِّ وَصَارَ كَمَا لَوْ مَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لَا خِلَافَ فِيهِ.
(وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ، وَلَوْ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ فَلَا تُكْرَهُ فِي وَقْتٍ، وَلَا يُكْرَهُ تَكْرِيرُهَا فَقَدْ «أَعْمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ وَاعْتَمَرَتْ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ» أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَفِي رِوَايَةِ «ثَلَاثَ عُمَرَ» وَاعْتَمَرَ ابْنُ عُمَرَ أَعْوَامًا مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُنْدَبُ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفِي رَمَضَانَ. قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْعُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي بَاقِي السَّنَةِ لِخَبَرِ «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي» قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَفِعْلُهَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَيْسَ بِفَاضِلٍ كَفَضْلِهِ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُ الْحَجِّ فِيهَا
(فَرْعٌ مَتَى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ) فِيهِمَا (انْعَقَدَ عُمْرَةً مُجْزِئَةً عَنْ الْفَرْضِ) أَيْ فَرْضِهَا وَإِنْ كَانَ عَالِمًا لِشِدَّةِ لُزُومِ الْإِحْرَامِ لِانْعِقَادِهِ مَعَ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
كِتَابُ الْمَوَاقِيتِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) (قَوْلُهُ الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْحَجِّ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا وَقْتُ الْحَجِّ مَعَ إمْكَانِهِ فِي بَقِيَّةِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مِصْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ لَا يَنْعَقِدُ الْحَجُّ بِلَا شَكٍّ قَالَهُ فِي الْخَادِمِ قَالَ وَفِي انْعِقَادِهِ عُمْرَةً تَرَدُّدٌ وَالْأَرْجَحُ نَعَمْ (قَوْلُهُ وَمِنْ شَوَّالٍ إلَى فَجْرِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ إلَى الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ دَاوُد بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْأَيَّامَ فَلْيَقُلْ وَتِسْعَةٌ أَوْ اللَّيَالِي فَهِيَ عَشْرٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي جَمِيعًا وَغَلَبَ التَّأْنِيثُ فِي الْعَدَدِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ جَوَابٌ عَنْ السُّؤَالِ، وَهُوَ إخْرَاجُ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ، وَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِإِرَادَةِ الْأَيَّامِ، وَلَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِ التَّأْنِيثِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَعَ ذِكْرِ الْمَعْدُودِ فَمَعَ حَذْفِهِ يَجُوزُ الْأَمْرَانِ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالسُّؤَالُ مَعَهُ بَاقٍ فِي إخْرَاجِ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ. اهـ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فَفِي جَوَابِ السُّؤَالِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ جَوَابٌ عَنْهُ ثَانٍ وَأَمَّا اللَّيْلَةُ الْعَاشِرَةُ فَقَدْ أَفَادَهَا قَوْلُهُ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَخْ.
(فَرْعٌ) مَنْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ الْحَجَّ إنْ كَانَتْ مِنْ شَوَّالٍ، وَإِلَّا فَالْعُمْرَةُ فَبَانَتْ مِنْ شَوَّالٍ فَحَجٌّ، وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ يَعْتَقِدُ تَقَدُّمَهُ عَلَى وَقْتِهِ فَبَانَ فِيهِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ أَخْطَأَ الْوَقْتَ كُلُّ الْحَجِيجِ فَهَلْ يُغْتَفَرُ كَخَطَأِ الْوُقُوفِ أَوْ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً وَجْهَانِ الْأَوْفَقُ الثَّانِي (قَوْلُهُ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] الْحَجُّ هُوَ الْفِعْلُ فَلَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَشْهُرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ، وَلَا يَجُوزُ إضْمَارُ وَقْتِ فِعْلِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ فِي أَشْهُرٍ بَلْ يُفْعَلُ فِي أَيَّامٍ، وَلَا أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَشْهُرُ كَمَا قَالَ الزَّجَّاجُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَشْهُرٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] أَيْ عَقَدَ، وَأَوْجَبَ أَيْ أَحْرَمَ (قَوْلُهُ إذَا ضَاقَ زَمَنُ الْوُقُوفِ عَنْ إدْرَاكِهِ) كَأَنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَلَمْ يَبْقَ زَمَنُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يَصِحُّ مَعَهُ إدْرَاكُهُ
(قَوْلُهُ لَا لِحَاجٍّ قَبْلَ نَفْرِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمِنًى
(قَوْلُهُ، وَلَا يُكْرَهُ تَكْرِيرُهَا) أَيْ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ فَجَازَ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ كَالصَّلَاةِ.
[فَرْعٌ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ]
(قَوْلُهُ انْعَقَدَ عُمْرَةً مُجْزِئَةً إلَخْ) ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ مُتَضَمِّنَةٌ لِنِيَّةِ الْعُمْرَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى أَفْعَالِهَا كَمَا أَنَّ نِيَّةَ الظُّهْرِ تَتَضَمَّنُ النَّفَلَ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَسَيُصْبِحُ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْعَالِمِ التَّلَاعُبِ - وَهُوَ فِي الْحَجِّ - لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ حَجٌّ وَأَحْرَمَ بِغَيْرِهِ عَامِدًا انْصَرَفَ إلَى مَا عَلَيْهِ.
(1/458)
سَيَأْتِي فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الْوَقْتُ مَا أَحْرَمَ بِهِ انْصَرَفَ إلَى مَا يَقْبَلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ قَصْدُ الْحَجِّ بَقِيَ مُطْلَقُ الْإِحْرَامِ، وَالْعُمْرَةُ تَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ هَذَا فِي الْحَلَالِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ بِحَجٍّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ عُمْرَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ عَلَى الْعُمْرَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَلَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَهُوَ عُمْرَةٌ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ إحْرَامُهُ فِي أَشْهُرِهِ أَوْ قَبْلَهَا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ كَانَ حَجًّا؛ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ إحْرَامَهُ الْآنَ وَيَشُكُّ فِي تَقَدُّمِهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قِيلَ: وَالْأَوْلَى الِاحْتِيَاطُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، ثُمَّ نَسِيَهُ (وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا) أَيْ الْعُمْرَةُ (عَنْ سَنَتِهِ) أَيْ الْحَجِّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ.
(فَصْلٌ الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْمَكِّيِّ) أَيْ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا (مَكَّةُ لَا سَائِرُ الْحَرَمِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ الْآتِي حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ وَقِيسَ بِأَهْلِهَا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ هُوَ بِهَا (فَإِنْ فَارَقَ بُنْيَانَهَا وَأَحْرَمَ) خَارِجَهَا، وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ (أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ) كَمُجَاوِزِ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ نَعَمْ إنْ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا إسَاءَةَ، وَلَا دَمَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ، ثُمَّ رَأَيْت الْمُحِبَّ الطَّبَرِيَّ نَبَّهَ عَلَيْهِ بَحْثًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ الْإِسَاءَةِ فِيمَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى مِيقَاتٍ، وَإِلَّا فَلَا إسَاءَةَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي سُقُوطِ دَمِ التَّمَتُّعِ بِذَلِكَ (فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا) قَبْلَ الْوُقُوفِ (سَقَطَ) الدَّمُ نَعَمْ إنْ وَصَلَ فِي خُرُوجِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ بِذَلِكَ بَلْ بِوُصُولِهِ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي لِلْآفَاقِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ.
(وَإِحْرَامُهُ) أَيْ الْمَكِّيِّ (مِنْ بَابِ دَارِهِ أَفْضَلُ) مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ الْآتِي «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ» (فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ) الْحَرَامَ (مُحْرِمًا) وَإِحْرَامُهُ مِنْ بَابِهِ يَكُونُ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إذْ الْإِحْرَامُ لَا يُسَنُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ بَلْ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ مُحْرِمًا لِطَوَافِ الْوَدَاعِ لَا لِلصَّلَاةِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ: إنَّهُ إذَا اُسْتُحِبَّ لَهُ فِعْلُ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ أَشْكَلَ ذَلِكَ بِتَصْحِيحِ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ بَابِ دَارِهِ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ لِرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ قِيلَ: وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ مِيقَاتُهُ قَرْيَتُهُ أَوْ حِلَّتُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الطَّرَفِ الْأَبْعَدِ مِنْ مَكَّةَ لِيَقْطَعَ الْبَاقِي مُحْرِمًا إنَّ الْمَكِّيَّ يُحْرِمُ مِنْ طَرَفِهَا الْأَبْعَدِ عَنْ مَقْصِدِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَاكَ قَاصِدٌ لِمَكَانٍ أَشْرَفَ مِمَّا هُوَ فِيهِ، وَهَذَا بِعَكْسِهِ.
(وَالْمُتَمَتِّعُ الْآفَاقِيُّ إنْ أَحْرَمَ) بِالْحَجِّ (خَارِجَ مَكَّةَ، وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ) أَوْ إلَى مِثْلِهِ مَسَافَةً (أَوْ إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ دَمَانِ) : دَمُ الْإِسَاءَةِ وَدَمُ التَّمَتُّعِ، وَلَوْ قَالَ: وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهَا أَوْ إلَى الْمِيقَاتِ كَانَ أَخْصَرَ وَخَرَجَ بِالْآفَاقِيِّ الْمَكِّيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا دَمُ الْإِسَاءَةِ (وَمَنْ كَانَ) مَسْكَنُهُ (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ مَكَّةَ (وَبَيْنَ الْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ قَرْيَتُهُ أَوْ حِلَّتُهُ) أَوْ مَنْزِلُهُ الْمُنْفَرِدُ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ الْآتِي «فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ» (وَأَمَّا الْآفَاقِيُّ) فَلَهُ مَوَاقِيتُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النَّوَاحِي (فَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ) وَهِيَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: أَبْيَارُ عَلِيٍّ قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ عَلَى مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ عَلَى سَبْعَةٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ تَزِيدُ قَلِيلًا.
قَالَ الشَّيْخَانِ وَهِيَ عَلَى نَحْوِ عَشْرَةِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ فَهِيَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ (وَلِلشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ) أَيْ لِأَهْلِهَا (الْجُحْفَةُ) وَيُقَالُ لَهَا مَهْيَعَةُ بِوَزْنِ مَرْتَبَةٍ وَمَهْيَعَةُ بِوَزْنِ مَعِيشَةُ، وَهِيَ قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَقَدْ خَرِبَتْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهِيَ عَلَى نَحْوِ خَمْسِينَ فَرْسَخًا مِنْ مَكَّةَ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثَةِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْحَلَةَ ثَمَانِيَةُ فَرَاسِخَ فَيَكُونُ جُمْلَةُ الْمَرَاحِلِ عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا، وَالْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ وَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَسُمِّيَتْ جُحْفَةً؛ لِأَنَّ السَّيْلَ اجْتَحَفَهَا وَحَمَلَ أَهْلَهَا (وَلِلْيَمَنِ) أَيْ لِأَهْلِ تِهَامَةَ (يَلَمْلَمُ) وَيُقَالُ أَلَمْلَمُ، وَهُوَ أَصْلُهُ قُلِبَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً وَيَرَمْرَمُ بِرَاءَيْنِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (وَلِنَجْدِيٍّ الْحِجَازُ وَالْيَمَنُ) أَيْ لِأَهْلِهِمَا (قَرْنُ) بِسُكُونِ الرَّاءِ وَيُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ، وَهُوَ جَبَلٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَوَهَمَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَحْرِيكِ الرَّاءِ وَفِي قَوْلِهِ: إنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى قَرْنٍ قَبِيلَةٌ مِنْ مُرَادٍ كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ (وَلِلْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ) أَيْ لِأَهْلِهِمَا (ذَاتُ عِرْقٍ) وَهِيَ قَرْيَةٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَقَدْ خَرِبَتْ.
(وَالْعَقِيقُ) ، وَهُوَ وَادٍ فَوْقَ ذَاتِ عِرْقٍ (لَهُمْ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَصْلٌ الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْمَكِّيِّ]
قَوْلُهُ الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْمَكِّيِّ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ عَشْرَةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْت الْمُحِبَّ الطَّبَرِيَّ نَبَّهَ عَلَيْهِ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْأَصَحُّ كَبَقِيَّةِ الْمَوَاقِيتِ.
(قَوْلُهُ إنَّ الْمَكِّيَّ يُحْرِمُ مِنْ طَرَفِهَا الْأَبْعَدِ إلَخْ) لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ قَصْدِ الْمَشْيِ إلَيْهَا (قَوْلُهُ وَهَذَا بِعَكْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَاتٍ كَانَ قَاصِدًا لِلْمَحَلِّ فَهُوَ مُنْتَقِلٌ مِنْ الْأَفْضَلِ إلَى غَيْرِ الْأَفْضَلِ فَكَيْفَ يُقَاسَ الْحِلُّ بِالْحَرَمِ حَتَّى يُسْتَحَبَّ قَصْدُهُ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ.
(قَوْلُهُ فَمِيقَاتُهُ قَرْيَتُهُ أَوْ حِلَّتُهُ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مِيقَاتَيْنِ كَمَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ قَالَا فَإِنْ كَانَ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَمَامَهُ وَالْآخَرُ وَرَاءَهُ كَذِي الْحُلَيْفَةِ وَالْحُجْفَةِ فَمَنْ كَانَ عَلَى جَادَّةِ الْمَغْرِبِ وَالشَّامِ كَأَهْلِ بَدْرٍ وَالصَّفْرَاءِ فَمِيقَاتُهُمْ الْجُحْفَةُ أَمَامَهُمْ وَمَنْ كَانَ عَلَى جَادَّةِ الْمَدِينَةِ وَعَلَى طَرِيقِ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَأَهْلِ الْأَبْوَاءِ وَالْعَرَجِ فَمِيقَاتُهُمْ مَوْضِعُهُمْ اعْتِبَارًا بِذِي الْحُلَيْفَةِ لِكَوْنِهِمْ عَلَى جَادَّتِهَا وَمَنْ كَانَ بَيْنَ الْجَادَّتَيْنِ فَإِنْ كَانُوا إلَى جَادَّةِ الْمَدِينَةِ أَقْرَبُ أَحْرَمُوا مِنْ مَوْضِعِهِمْ وَإِنْ كَانُوا إلَى جَادَّةِ الشَّامِ أَقْرَبَ أَحْرَمُوا مِنْ الْجُحْفَةِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُحْرِمُونَ مِنْ مَوْضِعِهِمْ وَالثَّانِي مِنْهُ أَوْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَإِنْ شَاءُوا. اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا ضَابِطُ مُجَاوَزَتِهِ الْمُوجِبَةِ لِلدَّمِ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ قَصْرُ الصَّلَاةِ وَلَا عِبْرَةَ بِمُجَاوَزَتِهِ وَمَا دُونَهُ مِنْ الْقَرْيَةِ أَوْ الْحِلَّةِ.
(1/459)
لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ (أَفْضَلُ) مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَقَالَ: هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» خَبَرُ الشَّافِعِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةَ» وَخَبَرُ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» (وَالطَّرَفُ الْأَبْعَدُ عَنْ مَكَّةَ مِنْ كُلِّ مِيقَاتٍ) أَيْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ (أَفْضَلُ) مِنْ الْإِحْرَامِ مِنْ وَسَطِهِ وَآخِرِهِ لِيَقْطَعَ الْبَاقِيَ مُحْرِمًا قَالَ السُّبْكِيُّ إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ (وَهِيَ) أَيْ الْمَوَاقِيتُ الْمَذْكُورَةُ (لِأَهْلِهِمَا وَلِمَنْ سَلَكَهَا) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ إلَّا النَّائِبُ فَيُحْرِمُ كَمَا مَرَّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِ مُنِيبِهِ (وَالْعِبْرَةُ) فِي هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ (بِالْبُقْعَةِ لَا مَا بُنِيَ) ، وَلَوْ (قَرِيبًا مِنْهَا) ، وَلَوْ بِنَقْضِهَا وَإِنْ سُمِّيَ بِاسْمِهَا.
(وَمَنْ سَلَكَ) طَرِيقًا (غَيْرَ) طَرِيقِ (الْمِيقَاتِ أَحْرَمَ بِمُحَاذَاتِهِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُسَامَتَتِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْبَرِّ أَمْ فِي الْبَحْرِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا وَإِنَّا إنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ عُمَرُ ذَاتِ عِرْقٍ» ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ (فَإِنْ أَشْكَلَ) عَلَيْهِ الْمِيقَاتُ أَوْ مَوْضُوعُ مُحَاذَاتِهِ (احْتَاطَ) ، الَّذِي فِي الْأَصْلِ تَحَرَّى، وَطَرِيقُ الِاحْتِيَاطِ لَا يَخْفَى، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ اجْتَهَدَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَظْهِرَ خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ حَيْثُ أَوْجَبَ الِاسْتِظْهَارَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ تَحَيَّرَ فِي اجْتِهَادِهِ تَعَيَّنَ الِاسْتِظْهَارُ جَزْمًا إنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ أَوْ كَانَ قَدْ تَضَيَّقَ عَلَيْهِ (وَلَوْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ) وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَبْعَدَ إلَى مَكَّةَ إذْ لَوْ كَانَ أَمَامَهُ مِيقَاتٌ فَإِنَّهُ مِيقَاتُهُ وَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَبْعَدَ فَكَذَا مَا هُوَ بِقُرْبِهِ (فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ) إلَيْهِ (فَأَبْعَدُهُمَا مِنْ مَكَّةَ) يُحْرِمُ مِنْهُ وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا كَأَنْ كَانَ الْأَبْعَدُ مُنْحَرِفًا أَوْ وَعْرًا (فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ) إلَيْهِ (فَكِلَاهُمَا مِيقَاتُهُ قُلْنَا: لَا بَلْ مِيقَاتُهُ الْأَبْعَدُ إلَى مَكَّةَ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا لَوْ جَاوَزَهُمَا مُرِيدًا لِلنُّسُكِ، وَلَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَ الْمُحَاذَاةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْأَبْعَدِ أَوْ إلَى) مِثْلِ (مَسَافَتِهِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ لَا) إنْ رَجَعَ (إلَى الْآخَرِ) فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِمَا وَإِلَيْهِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِمَا إنْ لَمْ يُحَاذِ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَمِنْ مُحَاذَاةِ الْأَوَّلِ يَنْتَظِرُ مُحَاذَاةَ الْآخَرَ كَمَا لَيْسَ لِلْمَارِّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ إلَى الْجُحْفَةِ (فَإِنْ لَمْ يُحَاذِ شَيْئًا) مِنْ الْمَوَاقِيتِ (أَحْرَمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الْمَوَاقِيتِ أَقَلُّ مَسَافَةً مِنْ هَذَا الْقَدْرِ.
(فَرْعٌ وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ) إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ (غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ، ثُمَّ عَنَّ) أَيْ عَرَضَ (لَهُ) قَصْدُ النُّسُكِ (فَذَلِكَ) أَيْ مَحَلُّ عُرُوضِ ذَلِكَ لَهُ (مِيقَاتُهُ) ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا شَمَلَ ذَلِكَ قَوْلَهُ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ» وَأَشَارَ إلَيْهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ.
(فَصْلٌ وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ غَيْرَ مُحْرِمٍ) ، وَلَمْ يَنْوِ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ مِنْ مِيقَاتٍ آخَرَ (أَسَاءَ) لِلْإِجْمَاعِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَلَزِمَهُ الْعَوْدُ) إلَيْهِ مُحْرِمًا أَوْ لِيُحْرِمَ مِنْهُ تَدَارُكًا لِمَا فَوَّتَهُ (وَأَثِمَ بِتَرْكِهِ) أَيْ الْعَوْدِ (إلَّا لِعُذْرٍ) كَضِيقِ الْوَقْتِ وَخَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ الِانْقِطَاعِ عَنْ الرُّفْقَةِ وَسَهْوِهِ وَجَهْلِهِ فَلَا عَوْدَ عَلَيْهِ، وَلَا إثْمَ لِعُذْرِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إذَا كَانَ مَاشِيًا، وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِالْمَشْيِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا قُلْنَا فِي الْحَجِّ مَاشِيًا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَلِوَجْهِ لُزُومِ الْعَوْدِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ لِمَا تَعَدَّى فِيهِ فَأَشْبَهَ وُجُوبَ قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ (فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْعَوْدِ) ، الْأَوْلَى وَلَمْ يَعُدْ (وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا) فِي ذَلِكَ (لَزِمَهُ دَمٌ) لِإِسَاءَتِهِ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهَذَا حَقٌّ قَالَ فِي الْخَادِمِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ إذَا كَانَ بِالْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَفِيهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَفْضَلَ إحْرَامُهُ عَقِبَ الصَّلَاةِ وَهُوَ جَالِسٌ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَسْجِدُ فِي وَسَطِ الْمِيقَاتِ أَوْ طَرَفِهِ الْآخَرِ إلَى مَكَّةَ
(قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ اجْتَهَدَ) أَيْ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ، وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ فِي الِاجْتِهَادِ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ كَالْأَعْمَى (قَوْلُهُ وَلَوْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ عَلَى التَّرْتِيبِ) أَحْرَمَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مَعًا.
(قَوْلُهُ وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ) أَيْ إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ أَمَّا إذَا جَاوَزَهُ إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَأَحْرَمَ مِنْ مِثْلِ مِيقَاتِ بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقِيَاسُهُ أَنَّ لِلْمَكِّيِّ أَنْ يُجَاوِزَ إلَى غَيْرِ جِهَةِ عَرَفَةَ ثُمَّ يُحْرِمَ مُحَاذِيًا لِمَكَّةَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الطَّبَرِيُّ وَعَنْ الْبَيَانِ أَنَّ ظَاهِرَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّا حَيْثُ أَسْقَطْنَا عَنْهُ الدَّمَ بِالْعَوْدِ لَا تَكُونُ الْمُجَاوَزَةُ حَرَامًا حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ شَرْطُ انْتِفَاءِ التَّحْرِيمِ أَنْ تَكُونَ الْمُجَاوَزَةُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ وَقَالَ فِي التَّوَسُّطِ إذَا أَخَذَ عَنْ يَمِينِ الْمِيقَاتِ أَوْ يَسَارِهِ لَمْ نَقُلْ جَاوَزَهُ وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ
[فَصْلٌ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَلَمْ يَنْوِ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ]
(قَوْلُهُ أَوْ الِانْقِطَاعُ عَنْ الرُّفْقَةِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ عُذْرٌ مَعَ الْأَمْنِ لِمَشَقَّةِ الِاسْتِيحَاشِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ دَمٌ) أَيْ الْبَالِغُ الْحُرُّ أَمَّا الصَّبِيُّ وَالرَّقِيقُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَمُلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقِيَاسُهُ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ كَذَلِكَ لِافْتِقَارِ إحْرَامِهَا إذْنَ الْغَيْرِ فَلَوْ جَاوَزَتْ الْمِيقَاتَ مُرِيدَةً لِلنُّسُكِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَلَا دَمَ عَلَيْهَا هَكَذَا بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ
(1/460)
مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادِهِ صَحِيحٍ وَشَرْطُ لُزُومِهِ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ وَأَنْ يُحْرِمَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ إنَّمَا هُوَ لِنُقْصَانِ النُّسُكِ لَا بَدَلَ مِنْهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ إحْرَامَ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ دُونَهُ يَكُنْ كَالْمُسْلِمِ فِيمَا ذُكِرَ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ حَجِّ الصَّبِيِّ (وَيَسْقُطُ) عَنْهُ الدَّمُ (مَتَى عَادَ) ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْمَسَافَةَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا وَأَدَّى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا بَعْدَهُ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْهُ سَوَاءٌ أَكَانَ دَخَلَ مَكَّةَ أَمْ لَا (لَا) إنْ عَادَ (بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ وَلَوْ طَوَافَ الْقُدُومِ) فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ لِتَأَدِّي النُّسُكِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ.
(، وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي تَصْحِيحِهِ عَكْسَهُ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ بِحَجَّتِهِ وَبِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّ فِي مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ بِالتَّقْدِيمِ عُسْرًا، وَتَغْرِيرًا بِالْعِبَادَةِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، وَإِنَّمَا جَازَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ لَا قَبْلَ الزَّمَانِيِّ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْعِبَادَةِ بِالْوَقْتِ أَشَدُّ مِنْهُ بِالْمَكَانِ، وَلِأَنَّ الْمَكَانِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ بِخِلَافِ الزَّمَانِيِّ.
(فَصْلٌ مِيقَاتُ الْعُمْرَةِ مِيقَاتُ الْحَجِّ) لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ «مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ» (إلَّا لِمَنْ فِي الْحَرَمِ) مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (فَمِيقَاتُهُ الْوَاجِبُ أَدْنَى الْحِلِّ) فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ، وَلَوْ بِقَلِيلٍ مِنْ أَيْ جَانِبٍ شَاءَ لِلْجَمْعِ فِيهَا بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْجَمْعِ فِي الْحَجِّ بَيْنَهُمَا بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَائِشَةَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْخُرُوجُ لَأَحْرَمَتْ مِنْ مَكَانِهَا لِضِيقِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَحِيلِ الْحَاجِّ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " الْوَاجِبُ " مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْأَفْضَلُ) مِنْ بِقَاعُ الْحِلِّ لِإِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ (الْجِعْرَانَةُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهِيَ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِ الْعَيْنِ وَتَثْقِيلِ الرَّاءِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى الثَّانِي ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَهِيَ فِي طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ (ثُمَّ التَّنْعِيمُ) لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي عِنْدَ الْمَسَاجِدِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَلَى يَمِينِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نُعَيْمٌ وَعَلَى شِمَالِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نَاعِمٌ وَالْوَادِي نُعْمَانُ (ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ أَفْصَحُ مِنْ تَثْقِيلِهَا وَهِيَ اسْمٌ لِبِئْرٍ هُنَاكَ بَيْنَ طَرِيقِ جُدَّةَ وَطَرِيقِ الْمَدِينَةِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ وَذَلِكَ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهَا فَصَدَّهُ الْكُفَّارُ فَقَدَّمَ فِعْلَهُ، ثُمَّ أَمْرَهُ، ثُمَّ هَمَّهُ» كَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كَانَ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إلَّا أَنَّهُ هَمَّ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «وَإِنَّمَا أَعْمَرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ» وَمَعَ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَفْضَلُ لِضِيقِ الْوَقْتِ، أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَلَيْسَ التَّفْضِيلُ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فَإِنَّ الْجِعْرَانَةَ وَالْحُدَيْبِيَةَ مَسَافَتُهُمَا إلَى مَكَّةَ وَاحِدَةٌ: سِتَّةُ فَرَاسِخَ وَالتَّنْعِيمُ مَسَافَتُهُ إلَيْهَا فَرْسَخٌ كَمَا مَرَّ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْهُمَا فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ نُدِبَ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ بَطْنَ وَادٍ، ثُمَّ يُحْرِمَ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا وَحَكَاهُ فِي الْإِبَانَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَإِذَا أَحْرَمَ بِهَا مِنْ مَكَّةَ وَتَمَّمَ) أَفْعَالَهَا (وَلَمْ يَخْرُجْ) إلَى الْحِلِّ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ مِنْهَا (أَجْزَأَهُ) مَا أَحْرَمَ بِهِ (وَلَزِمَهُ الدَّمُ) لِأَنَّ الْإِسَاءَةَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ إنَّمَا تَقْتَضِي لُزُومَ الدَّمِ لَا عَدَمَ الْإِجْزَاءِ (وَمَتَى عَادَ) يَعْنِي خَرَجَ إلَى الْحِلِّ (قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِفَرْضٍ سَقَطَ) عَنْهُ الدَّمُ لِمَا مَرَّ.
(بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِهَا (الْإِفْرَادُ، ثُمَّ التَّمَتُّعُ، ثُمَّ الْقِرَانُ أَفْضَلُ) عَلَى الْأَصَحِّ مَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي إحْرَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ.
(قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى إلَخْ) فَإِنْ كَانَ النُّسُكُ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ عُمْرَةً لَزِمَهُ الدَّمُ سَوَاءٌ اعْتَمَرَ فِي سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ أَمْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ مَتَى عَادَ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الدَّمَ وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ بِالْعَوْدِ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْحَاوِي وَصَحَّحَ أَعْنِي الْمَاوَرْدِيَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِفَوَاتِ الْعَوْدِ كَمَا لَوْ جَاوَزَ، وَلَمْ يُحْرِمْ فَإِنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَجِبُ بِفَوَاتِ الْعَوْدِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِسَاءَةَ هُنَا تَأَكَّدَتْ بِالْإِحْرَامِ، وَلِهَذَا لَا يَنْفَعُهُ الْعَوْدُ عَلَى وَجْهٍ وَقِيلَ إنَّهُ يُرَاعَى إنْ لَمْ يَعُدْ تَبَيَّنَ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا تَبَيَّنَ عَدَمُهُ وَإِذَا سَقَطَ بِالدَّمِ عَنْ الْمُجَاوِزِ بِالْعَوْدِ بَانَ أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ لَمْ تَكُنْ حَرَامًا جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَحَلِّيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَحَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ شَرْطُ انْتِفَاءِ التَّحْرِيمِ أَنْ تَكُونَ الْمُجَاوَزَةُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ بَعِيدٌ وَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ لَهُ الْمُجَاوَزَةَ ثُمَّ يَعُودُ وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُجَاوَزَةِ فَالصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ مُسِيءٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرُوهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْإِسَاءَةِ ارْتَفَعَ بِرُجُوعِهِ وَتَوْبَتِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ خِلَافٌ
(قَوْلُهُ وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) لَكِنْ لَوْ نَذَرَهُ مِنْهَا لَزِمَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَكَمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ.
[فَصْلٌ مِيقَاتُ الْعُمْرَةِ]
(قَوْلُهُ فَمِيقَاتُهُ الْوَاجِبُ أَدْنَى الْحِلِّ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ خَطَا بِإِحْدَى قَدَمَيْهِ إلَى الْحِلِّ وَبَاقِيهِ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِدًا عَلَى الْبَاقِي فِي الْحَرَمِ أَوْ عَلَى الْقَدَمَيْنِ مَعًا فَلَيْسَ بِخَارِجٍ وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِدًا عَلَى الْقَدَمِ الْخَارِجِ فَقَطْ فَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا انْتَهَى وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ خَارِجٌ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ الْجِعْرَانَةُ إلَخْ) قَالَ يُوسُفُ بْنَ وَأَسْحُتٌ اعْتَمَرَ مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ نَبِيٍّ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالصَّوَابُ إلَخْ) يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ هَمَّ أَوَّلًا بِالِاعْتِمَارِ مِنْهَا ثُمَّ بَعْدَ إحْرَامِهِ هَمَّ بِالدُّخُولِ مِنْهَا.