أسم الكتاب: أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
اسم المؤلف: عبد الرحمن دمشقية
عدد الأجزاء: 1
التصنيف: التصوف
- الولي وحسن الخاتمة
- مناقشة كلام الكلاباذي
- المصادر
- العودة الي كتاب أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
الولي وحسن الخاتمة
هل يشترط للولاية حسن الخاتمة؟
ذهب الكلاباذي في التعرف إلى أن زوال خوف العاقبة ليس بممتنع بل هو جائز فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأنهم من أهل الجنة، وشهد للعشرة بالجنة، وهذا يوجب الأمن من التغيير وزوال خوف التبديل لا محالة.
قال: ((والروايات التي جاءت في خوف المبشرين([1])لم يكن خوفا من التغيير والتبديل لأن خوف التغيير والتبديل مع شهادة النبي صلى الله عليه وسلم يوجب شكا في إخبار النبي، وهذا كفر))([2]).
مناقشة كلام الكلاباذي
وما ذهب إليه الكلاباذي في حق العشرة المبشرين بالجنة لا فحق لا جدال فيه، وإنما الاعتراض على استدلاله بهم من أجل التوصل إلى أمن عاقبة الولي وضمان حسن خاتمته، وقد قاس الولاية على من شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بحسن الخاتمة والمآل، وهو قياس مع الفارق، إذ فرق بين من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم وبين من لم يشهد له فإنه لم يرتض شهادة أم العلاء. في عثمان بن مظعون أن الله سيكرمه، فعزمت على عدم تزكية أحد يعده أبداء فإذا كان القياس بين عثمان والعشرة المبشرين بالجنة منتفيا فما بالك بمن دونه؟ وهل أخذ أحد من الصحابة بهذا القياس على نفسه أو إخوانه من الصحابة؟ ومثل هذا القياس الذي استعمله الكلاباذي يلغي التخصيص والشهادة النبوية التي شهدها للعشرة ولغيرهم من الصحابة.
ونمضمي مع الكلاباذي فنسأل: بأي شيء نعرف حسن عاقبة الولي وبشراه بالجنة؟ يجيب عن ذلك قائلا: بأن الأولياء إنما يعرفون بما يحدث الله فيهم من اللطائف التي يخص بها أولياءه، وبما يورد على أسرارهم من الأحوال التي هي أعلام ولايتهم([3]) وبمقارنة ذلك مع حال واحد من الصحابة- غير المبشرين بالجنة- نجد التعارض فإن أحدا من الصحابة لم يركن إلى مخاطباته ووارداته وكشوفات الغيب، وإنما كان في خوف مستمر من التغير وسؤ العاقبة بمن فيهم المبشرين بالجنة.
فقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: ((ليتني إذ مت لم أبعث))([4]).
وكان عمر يبكي قبيل موته ويقول: ((ويلي وويل أمي أن يغفر لي))([5])
وكان عبد الله بن رواحة يقرأ قوله تعالى: ((وإن منكم إلا واردها)) ويبكي بكاء شديدا فتسأله امرأته عن سبب بكائه فيقول ((إني أنبئت أني وارد ولم أنبأ أني صادر))([6]) فلم ينبأ أنه صادر عنها بكشف ولا مخاطبة.
وحتى عند النزع الأخير لم يكن الإمام أحمد بن حنبل يأمن على نفسه من الفتنة وسؤ الخاتمة، يروي ذلك ابنه عبدالله فيقول: ((حضرت أبي الوفاة فجلست عنده وبيدي الخرقة وهو في النزع الأشد فكان يغرق حتى نظن أن قد مضى ثم يفيق ويقول: ((لا بعد لا. بعد (يشير بيده) ففعل هذا مرة وثانية فلما كان في الثالثة قلت له: ((يا أبت ايش هذا الذي قد لهجت به في هذا الوقت؟ فقال لي: يا بني ما تدري فقلت: لا. فقال إبليس لعنه الله قام بحذائي عاضا على أنامله يقول فتني يا أحمد. وأنا أقول لا. بعد حتى أموت))([7]). ونظائر ذلك مستفيضة من السلف الصالح، فلم يعرف عن أحد منهم ركونه إلى كشف أو مخاطبة بإعطاء الأمان الأبدي على الوجه الذي أدعاه الصوفية أمثال الشعراني الذي زعم أن مما من الله به عليه على حد قوله ((علمي بسعادتي وشقاوتي وذلك بتخلقي بالصفات التي نهاني الحق عنها وهذه من أكبر نعم الله علي لأنها بشرى من الله لعبده))([8]).
وعلى افتراض جواز كشف بذلك فليس مما يجب التصديق العام به، فان كثيرا مما يظن به أنه حصل له هذا الكشف يكون ظنا في ذلك ظنا لا يغني من الحق شيئا. وأهل المكاشفات والمخاطبات يصيبون تارة ويخطئون أخرى ولهذا وجب عليهم جميعهم أن يعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله. ولو كان يأتيه من الله ما لا يحتاج إلى عرضه على الكتاب لكان مستغنيا عن الرسول في بعض دينه))([9]).
أما عن مسألة الشهادة لمن شاع له لسان صدق وولاية في الأمة وبحسن العاقبة فهل يشهد له؟ يمكن ذلك بشرط لا يكون قطعا وجزما بخلاف من ثبتت ولايته بالنص فإن أهل السنة يشهدون له بذلك قطعا. وأشترط شرطا آخر للشهادة وهو أن يكون قد شاع له لسان صدق في الأمة بحيث اتفقت على الثناء عليه([10]).
المصادر
([1]) وذكر خوف أبي بكر وعمر وغيرهما.
([2]) التعرف لمذهب أهل التصوف 76- 78، هذا وقد ذهب القشيري إلى جواز أن يكون الولي مأمون العاقبة وأن لا تتغير عاقبته، لكنه نقل قول من أنكر اشتراط حسن الموافاة عند موت الولي واختار جواز تغير عاقبته وجواز الثاني (أنظر الرسالة القشيرية 160 وقد أنكر أبن تيمية اشتراط حسن الموافاة للولي وأنه لايكون وليا ألا من وافاه الله حين الموت بالأيمان والتقوى قائلا: إن العلم بذلك أصعب عليه وعلى غيره)) (انظر دقائق التفسير 3: 221 ومجموعة الرسائل والمسائل 1:52) وأغرب الحكيم الترمذي فزعم أن الأولياء آمنوا فأمنوا كما أن الأنبياء أمنوا فأمنوا (ختم الأولياء 380، 272.
([3]) التعرف 78.
([4]) كتاب الزاهد للإمام وكيع الجراح رقم (162)
([5]) أنظر الحلية 521، وكتاب الزهد للآمام أحمد 147.
([6]) الزهد للإمام أحمد 9: 24.
([7]) الحلية 9: 183.
([8]) (لطائف المنن 620).
([9]) مجموعة الرسائل 1: 53.
([10]) دقائق التفسير 3: 221 مجموعة الرسائل والمسائل 1: 52.
هل يشترط للولاية حسن الخاتمة؟
ذهب الكلاباذي في التعرف إلى أن زوال خوف العاقبة ليس بممتنع بل هو جائز فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأنهم من أهل الجنة، وشهد للعشرة بالجنة، وهذا يوجب الأمن من التغيير وزوال خوف التبديل لا محالة.
قال: ((والروايات التي جاءت في خوف المبشرين([1])لم يكن خوفا من التغيير والتبديل لأن خوف التغيير والتبديل مع شهادة النبي صلى الله عليه وسلم يوجب شكا في إخبار النبي، وهذا كفر))([2]).
مناقشة كلام الكلاباذي
وما ذهب إليه الكلاباذي في حق العشرة المبشرين بالجنة لا فحق لا جدال فيه، وإنما الاعتراض على استدلاله بهم من أجل التوصل إلى أمن عاقبة الولي وضمان حسن خاتمته، وقد قاس الولاية على من شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بحسن الخاتمة والمآل، وهو قياس مع الفارق، إذ فرق بين من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم وبين من لم يشهد له فإنه لم يرتض شهادة أم العلاء. في عثمان بن مظعون أن الله سيكرمه، فعزمت على عدم تزكية أحد يعده أبداء فإذا كان القياس بين عثمان والعشرة المبشرين بالجنة منتفيا فما بالك بمن دونه؟ وهل أخذ أحد من الصحابة بهذا القياس على نفسه أو إخوانه من الصحابة؟ ومثل هذا القياس الذي استعمله الكلاباذي يلغي التخصيص والشهادة النبوية التي شهدها للعشرة ولغيرهم من الصحابة.
ونمضمي مع الكلاباذي فنسأل: بأي شيء نعرف حسن عاقبة الولي وبشراه بالجنة؟ يجيب عن ذلك قائلا: بأن الأولياء إنما يعرفون بما يحدث الله فيهم من اللطائف التي يخص بها أولياءه، وبما يورد على أسرارهم من الأحوال التي هي أعلام ولايتهم([3]) وبمقارنة ذلك مع حال واحد من الصحابة- غير المبشرين بالجنة- نجد التعارض فإن أحدا من الصحابة لم يركن إلى مخاطباته ووارداته وكشوفات الغيب، وإنما كان في خوف مستمر من التغير وسؤ العاقبة بمن فيهم المبشرين بالجنة.
فقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: ((ليتني إذ مت لم أبعث))([4]).
وكان عمر يبكي قبيل موته ويقول: ((ويلي وويل أمي أن يغفر لي))([5])
وكان عبد الله بن رواحة يقرأ قوله تعالى: ((وإن منكم إلا واردها)) ويبكي بكاء شديدا فتسأله امرأته عن سبب بكائه فيقول ((إني أنبئت أني وارد ولم أنبأ أني صادر))([6]) فلم ينبأ أنه صادر عنها بكشف ولا مخاطبة.
وحتى عند النزع الأخير لم يكن الإمام أحمد بن حنبل يأمن على نفسه من الفتنة وسؤ الخاتمة، يروي ذلك ابنه عبدالله فيقول: ((حضرت أبي الوفاة فجلست عنده وبيدي الخرقة وهو في النزع الأشد فكان يغرق حتى نظن أن قد مضى ثم يفيق ويقول: ((لا بعد لا. بعد (يشير بيده) ففعل هذا مرة وثانية فلما كان في الثالثة قلت له: ((يا أبت ايش هذا الذي قد لهجت به في هذا الوقت؟ فقال لي: يا بني ما تدري فقلت: لا. فقال إبليس لعنه الله قام بحذائي عاضا على أنامله يقول فتني يا أحمد. وأنا أقول لا. بعد حتى أموت))([7]). ونظائر ذلك مستفيضة من السلف الصالح، فلم يعرف عن أحد منهم ركونه إلى كشف أو مخاطبة بإعطاء الأمان الأبدي على الوجه الذي أدعاه الصوفية أمثال الشعراني الذي زعم أن مما من الله به عليه على حد قوله ((علمي بسعادتي وشقاوتي وذلك بتخلقي بالصفات التي نهاني الحق عنها وهذه من أكبر نعم الله علي لأنها بشرى من الله لعبده))([8]).
وعلى افتراض جواز كشف بذلك فليس مما يجب التصديق العام به، فان كثيرا مما يظن به أنه حصل له هذا الكشف يكون ظنا في ذلك ظنا لا يغني من الحق شيئا. وأهل المكاشفات والمخاطبات يصيبون تارة ويخطئون أخرى ولهذا وجب عليهم جميعهم أن يعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله. ولو كان يأتيه من الله ما لا يحتاج إلى عرضه على الكتاب لكان مستغنيا عن الرسول في بعض دينه))([9]).
أما عن مسألة الشهادة لمن شاع له لسان صدق وولاية في الأمة وبحسن العاقبة فهل يشهد له؟ يمكن ذلك بشرط لا يكون قطعا وجزما بخلاف من ثبتت ولايته بالنص فإن أهل السنة يشهدون له بذلك قطعا. وأشترط شرطا آخر للشهادة وهو أن يكون قد شاع له لسان صدق في الأمة بحيث اتفقت على الثناء عليه([10]).
المصادر
([1]) وذكر خوف أبي بكر وعمر وغيرهما.
([2]) التعرف لمذهب أهل التصوف 76- 78، هذا وقد ذهب القشيري إلى جواز أن يكون الولي مأمون العاقبة وأن لا تتغير عاقبته، لكنه نقل قول من أنكر اشتراط حسن الموافاة عند موت الولي واختار جواز تغير عاقبته وجواز الثاني (أنظر الرسالة القشيرية 160 وقد أنكر أبن تيمية اشتراط حسن الموافاة للولي وأنه لايكون وليا ألا من وافاه الله حين الموت بالأيمان والتقوى قائلا: إن العلم بذلك أصعب عليه وعلى غيره)) (انظر دقائق التفسير 3: 221 ومجموعة الرسائل والمسائل 1:52) وأغرب الحكيم الترمذي فزعم أن الأولياء آمنوا فأمنوا كما أن الأنبياء أمنوا فأمنوا (ختم الأولياء 380، 272.
([3]) التعرف 78.
([4]) كتاب الزاهد للإمام وكيع الجراح رقم (162)
([5]) أنظر الحلية 521، وكتاب الزهد للآمام أحمد 147.
([6]) الزهد للإمام أحمد 9: 24.
([7]) الحلية 9: 183.
([8]) (لطائف المنن 620).
([9]) مجموعة الرسائل 1: 53.
([10]) دقائق التفسير 3: 221 مجموعة الرسائل والمسائل 1: 52.