أسم الكتاب: أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
اسم المؤلف: عبد الرحمن دمشقية
عدد الأجزاء: 1
التصنيف: التصوف
محتويات
- الأولياء العلماء أفضل من مجرد العباد
- من أفضل الأولياء؟
- اجتماع الولاية والعداواة
- المصادر
- العودة الي كتاب أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
الأولياء العلماء أفضل من مجرد العباد
نوع أخر من الأولياء لهم الأفضلية على من سواهم حيث أضاف ابن تيمية طبقة أخرى من الأولياء قد لا تتميز بكثرة نوافل لكنها تتقرب إلى الله بكثرة التعلم والتعليم ودعوة الخلق إلى الهدى واقتفاء الأثر والنهي عن المحدثات. فإنه بعد أن ذكر طبقة السابقين المتقربين إلى الله بالنوافل، صرح بأن من كان داعيا غيره إلى الله هاديا للخلق ((كان أفضل من غيره من أولياء الله كما قال تعالى: ) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ( ([1]).قال ابن عباس: ((للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة)). وقال ((العلماء ورثة الأنبياء. لأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر))([2]) قال ابن تيمية: ((فمن كان جاهلا بما أمر الله به وما نهاه عنه لم يكن من أولياء الله، وإن كان فيه زهادة وعبادة لم يأمر الله بهما ورسوله، كالزهد والعبادة التي كانت في الخوارج والرهبان.)) ويضرب لذلك مثلا بارعا فيقول: ((كما أن من كان عالما بأمر الله ونهيه ولم يكن عاملا بذلك لم يكن من أولياء الله بل قد يكون فاسقا فاجرا.)). ((ويقال: ما اتخذ الله وليا جاهلا، أي جاهلا بما أمره به ونهاه عنه)) ([3]).
ثم يوضح بعد ذلك أن من جمع بين العلم بما أمر الله به ونهى عنه وعمل بذلك فهو ولي الله حقا وأن ((من لم يقرأ القرآن كله، لم يحسن أن يفتي الناس ويقضي بينهم)) ([4]). وهذه العبارة الأخيرة دالة على بعد نظره، فقد يفهم من العبارة السابقة نفي الولاية عن عوام الناس الذين يعلمون الدين بشكل أجمالي فجاءت العبارة الثانية مفصلة لما قد يلتبس.
من أفضل الأولياء؟
أفضلهم أنبياؤهم، وأفضل أنبيائهم رسلهم، أفضل رسلهم صاحب الحوض والشفيع المشفع، سيد الأولين والآخرين محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهو أفضل أولي العزم منهم.
ومن قال: أن الأولياء أفضل من جميع الخلق، فقوله أظهر عند جميع أهل الملل من أن يشك في كذبه، بل هو معلوم بالضرورة أنه باطل، فإن الرسل أفضل الأنبياء وأولوا العزم أفضل الرسل... ومحمد صلى الله عليه وسلم سيد آدم على الإطلاق. وليس يحتاج هذا إلى أن يثبت بحديث ولا أثر، فقد رتب الله سبحانه وتعالى خلقه فقال: ) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ ( ([5]) فرتبهم على أربع طبقات ([6]) ولعله تعقيب منه على ما قاله الحكيم الترمذي وغيره من ((ارتفاع درجة بعض الأولياء فوق الأنبياء)) ([7]).
قال ابن تيمية مبيناً مراتب الأنبياء والرسل ((ومن كان رسولا فقد اجتمعت فيه ثلاثة أصناف، الرسالة، والنبوة، والولاية. ومن كان نبيا فقد اجتمع فيه الصفتان، ومن كان وليا فقط لم يكن فيه إلا صفة واحدة.
ثم يفرق بين النبوة والرسالة من جهة وبين الولاية، بأن الرسول أو النبي يجب أتباعهم ولا يجب أتباع الولي، وأن من يسب النبي يستوجب الكفر، بينما لا يكفر من سب وليا من الأولياء ([8]).
وأما غير الأنبياء فأفضلهم أعظمهم معرفة بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعا له، ولا أجدر بهاتين الصفتين من الشيخين أبى بكر وعمر رضي الله عنهما، فإنهما أكمل معرفة بما جاء به وأعظم أتباعا له فهما أفضل أولياء الله في هذه الأمة التي هي أفضل الأمم فكانا الأفضل من الأمم جميعا.
ويليهما الثمانية المبشرون بالجنة وباقي الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وهم داخلون في قوله تعالى: ) وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ( ([9])ولئن كان العلماء هم ورثة الأنبياء فإن أول الوارثين أبو بكر ثم عمر لكونهما الأرسخ في العلم ممن سواهما. فالعلماء الراسخون- من صحابة وغيرهم- مرتبتهم في الولاية تلي مرتبة الأنبياء.
غير أن الغزالي جعل الرتبة الأولى للأنبياء، والثانية للأولياء، والثالثة للعلماء الراسخين في العلم!! ([10]) كذلك جعل القشيري الصوفية صفوة الأولياء وأفضلهم وأن الله تعالى فضلهم على كافة عباده بعد رسله وأنبيائه !!! ([11]).
أما التفاضل بعد ذلك في الولاية فيكون بحسب الإيمان والتقوى، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى، فمن كان أكمل إيمانا وتقوى كان أكمل ولاية لله ([12]) فالناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى، كذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق كما قال تعالى: ) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ( ([13]).
اجتماع الولاية والعداواة
الحق والباطل يتصارعان في الإسلام وليس خارج المجتمع المسلم فقط كما قد يظن بعض المسلمين. فالشيطان يحشد للمسلم من جنده ما لا يفعل لغيره بغية إخراجه من الحق الذي هو عليه. أو إبعاده عنه قدر الإمكان. ولذلك تجد في المسلمين من يجتمع فيه إسلام وشرك من رياء ونحوه أو يجتمع فيه إيمان ونفاق، أو إسلام وفسق. وبحسب انقياده للشيطان ومكابدته له تزداد نسبة ذلك أو تنقص. فمن الناس من يكون فيه إيمان وشعبة من النفاق، لأن الإيمان شعب كما هو مقرر في معتقد أهل السنة والجماعة. وقد تذهب شعبة من شعب الإيمان وتحل مكانها شعبة من شعب النفاق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((أربع من كن فيه كان منافقا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أئتمن خان، وإذا عاهد غدر)) ([14]).
وقد يجتمع في المرء إسلام وجاهلية، وتكون في مقابل إسلامه جزءا يسيرا كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: ((أنك امرؤ فيك جاهلية)) ([15]) وقوله: ((أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة)) ([16]).
وقد يجتمع في المرء إيمان وعمل صالح من وجه وفسق من وجه آخر، فلا يقتضي وجود الثاني ذهاب الأول، كما في قصة شارب الخمر الذي كان يؤتى به دائما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيحد من شرب الخمر، وفي مرة أتي به وأقيم عليه الحد فقال رجل من القوم ((اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله))([17]) وفي رواية: ((فقال القوم: أخزاك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان؛ ولكن قولوا، اللهم ارحمه اللهم تب عليه)) ([18]) وفي رواية: ((لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم)) ([19]) ((فوصفه بأنه أخ لهم مع شربه للخمر، وأثبت له محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكان من حبه للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يدخل طرفة المدينة إلا اشترى منها شيئا ولو بالدين ليهديه إلى النبي صلى الله عليه وسلم))([20]) والله لا يحب الخمر ولا شاربها لكن إن اجتمع في العبد صلاح وفسق فيحب الله فيه الصلاح ويبغض الفسق منه. ومثاله قوله صلى الله عليه وسلم ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))([21]) فوصفه بأنه ((مسلم)) وأن فيه فسقا وكفرا ليس على معنى كفر الردة. فإن الردة مخرجة عن الإسلام. وإنما الكفر الوارد هنا كناية عن إنكار المقاتل حق أخيه المسلم عليه من حرمة ماله ودمه أو أن تكون كفرا غير مخرج من الملة كما أثر عن ابن عباس ((كفر دون كفر)) ([22])وعليه فقد يجتمع بالمسلم إسلام وكفر ليس كفر الردة. وقد يجتمع فيه إسلام ونفاق ليس نفاق محادة الله ورسوله. وقد يجتمع إسلام وشرك: ليس الشرك، الأكبر المخرج من أصل التوحيد.
وبهذا يثبت اجتماع ولاية في المسلم من وجه وعداوة من وجه أخر. وذلك بخلاف المعتزلة والخوارج والمرجئة الذين تواطأت عقيدتهم على اعتبار أن الإيمان شيء واحد وألزمهم ذلك اعتبار نظيره في الولاية ([23]). وحتى في الثواب والعقاب فإنه عندهم شيء واحد. فإما نار لا خروج منها وإما جنة، وذلك باستثناء طوائف المرجئة.
قال ابن تيمية رحمه الله: ((وأما الظالم لنفسه فهو من أهل الإيمان، فمعه ولاية بقدر إيمانه وتقواه كما معه من ولاية الشيطان بقدر فجوره، إذ الشخص الواحد يجتمع فيه الحسنات والسيئات حتى يمكن أن يثاب ويعاقب، وهذا قول جميع الصحابة وأئمة الإسلام وأهل السنة، بخلاف الخوارج والمعتزلة القائلين بأنه لا يخرج من النار من دخلها من أهل القبلة([24]) كما أن التقوى لا تنتفي بوقوع سيئة من السيئات إلا أن تكون شركا أكبرا، فإن مفهوم أهل السنة والجماعة لقوله تعالى: ) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ( ليس من شرط أولياء الله المتقين أن لا يكونوا مخطئين في بعض الأشياء خطأ مغفورا لهم ولا ترك الصغائر مطلقا ولا ترك الكبائر أو الكفر الذي تعقبه التوبة، فقد قال تعالى: ) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (([25]) فوصفهم بالتقوى ثم قال: ) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (([26]) فوصف أعمالهم بأن فيها سيء وأسوأ وأثبت لهم التقوى. وهذا من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة وهو أنهم لا يخرجون عن التقوى من أتى ذنبا صغيرا لم يصر عليه ولا بإتيان ذنب كبير إذا تاب منه))([27]).
المصادر
([1]) المجادلة 11.
([2]) رواه الترمذي (2682) وابن ماجة 1: 47 قال في مجمع الزوائد ((رواه البزار ورجاله موثوقون 1: 126 وقال الحافظ ابن حجر ذكره البخاري في صحيحه بغير إسناد (أنظر البخاري كتاب العلم 1: 25 باب العلم قبل القول والعمل.
([3]) العبارة مأثورة عن الرفاعي أراد بها الرد على بعض المتصوفة المستخفين بالعلم، كان يقول: عظموا شأن الفقهاء والعلماء... ما أتخذ الله وليا جاهلا، الولي لا يكون جاهلاً في دينه (البرهان المؤيد 57-53 تحقيق صلاح عزام).
([4]) أنظر مختصر الفتاوى المصرية 559-558.
([5]) النساء 69.
([6]) مختصر الفتاوى المصرية 560- 559، وأنظر شرح العقيدة الأصفهانية 122، الصفدية 1: 262.
([7]) أنظر نوادر الأصول 157.
([8]) شرح عقيدة الأصفهانية 122- 121. مختصر الفتاوى المصرية 560.
([9]) الفرقان 71.
([10]) أحياء علوم الدين 1: 53.
([11]) الرسالة القشيرية2.
([12]) التوبة 37.
([13]) مجموع الفتاوى 11: 175.
([14]) أخرجه البخاري في الإيمان 141 باب علامات المنافق، ومسلم رقم (58) في الإيمان وأبو داود (4688) في السنة، والنسائي في الإيمان 8: 116 ، واحمد في مسنده 2: 189.
([15]) أخرجه البخاري في الإيمان 131 باب المعاصي من أمر الجاهلية وفي الدب 857 باب ما ينهى من السباب واللعن ومسلم في الإيمان رقم (1661) باب أطعام المملوك مما يأكل وأحمد في المسند 5: 161.
([16]) أخرجه مسلم رقم (934) في الجنائز: باب التشديد في النياحة وأحمد في المسند 5: 342 -344 والحاكم 1: 383 وقال: ((صحيح على شرط الشيخين)).
([17]) أخرجه البخاري في الحدود 8: 13 باب ما يكره من لعن شارب خمر وأبو داود رقم (4477) والبيهقي 8: 312.
([18]) رواه أحمد 2: 300.
([19]) فتح الباري 11: 67.
([20]) نفس المصدر 11: 77.
([21]) أخرجه البخاري في الفتن باب قول النبي ((لا ترجعوا بعدي كفارا)) وفي الأدب ما ينهى من السباب واللعن ومسلم رقم (64) في الإيمان والنسائي 7: 122 ورواه البيهقي 8: 20 وأحمد 1: 385.
([22]) تفسير الدر المنثور 2: 286، تفسير الطبري المجلد الرابع 6: 165- 166، والبغوي 2: 41- 40.
([23]) أنظر مقالات الإسلاميين 266- 265.
([24]) مختصر الفتاوى 590.
([25]) الزمر 44-33.
([26]) أنظر مجموعة الرسائل والمسائل 1: 54 ودقائق التفسير 3: 222- 221.
([27]) أنظر جامع الرسل 1: 268 تحقيق د. محمد رشاد سالم.