أسم الكتاب: أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
اسم المؤلف: عبد الرحمن دمشقية
عدد الأجزاء: 1
التصنيف: التصوف
محتويات
الاستغاثة بالمخلوق والاستغناء عن الخالق
وتجد في مقابل ذلك عندهم استغناء عن الله وإعراضا عنه، حتى قال بعضهم ((حقيقة المحبة أن ينسي العبد حظه من الله عز وجل، وينسى حوائجه إليه))([1]).
- وسئل المظفر القرميني عن علامة الفقير فقال ((أن لا يكون له إلى الله حاجة))([2]).
- وأما مقام الرضا عند أبي سليمان الداراني فهو ((أزا لا تسأل الله الجنة ولا تستعيذ به من النار))([3]).
- وقيل للشبلي ((ألا تعلم أنه رحمن؟ فقال بلى ولكن منذ علمته ما سألته أن يرحمني))([4]).
- وقرأ أحدهم قوله تعالى ) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( فقال ((اللهم لا تجعلني منهم))([5]). وذلك لأن فيها كلمة [شغلا]، وهم لا يريدون أن ينشغلوا عن الله بشيء!!
كرامات مسروقة
إن تنافس أصحاب الطرق على المريد جعلهم يروون من عجائب الكرامات ما يغرونه به ليختار طريقتهم، ومن أجل ذلك عمدوا إلى اقتباس الكرامات عن بعض كتب المتصوفة المتقدمين. أو من كتب أصحاب الطرق الأخرى ونسبتها إلى شيوخ طريقتهم لإثبات ولايتهم وكرامتهم، وأن طريقتهم أولى بالإتباع من أصحاب الطرق الأخرى. ولأضرب مثلا على ذلك بسرد أربع كرامات.
* الكرامة الأولى
عن أبي سعيد الخراز قال ((دخلت المسجد الحرام فرأيت فقيرا عليه خرقتان فقلت في نفسي هذا وأشباهه كل على الناس، فناداني وقال: ) اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ
فَاحْذَرُوهُ ( فاستغفرت الله في سري فناداني وقال ) الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ (([6]).
- فهذه القصة ذكرها القشيري ونقلها الغزالي عنه. ثم جاء الكلاباذي فنسبها إلى أبي العباس بن المهتدي ((كنت في البادية فرأيت رجلا يمشي حافي القدم حاسر الرأس ليس معه ركوة))([7]) فقلت في نفسي: كيف يصلي هذا الرجل؟ فالتفت إلي وقال ) اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ( قال: فسقطت مغشيا علي فلما أفقت استغفرت الله.. فالتفت إلي ثم قرأ) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ (([8]).
- ثم يأتي النبهاني ويستعمل سياق القشيري نفسه، وينسبها إلى إبراهيم الخراساني ([9]).
*الكرامة الثانية
قال أبو عبد الله بن الجلاء ((دخلت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي شيء من الفاقة، فتقدمت إلى القبر وسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم على ضجيعيه أبي بكر وعمر ثم قلت: يا رسول الله بي فاقة وأنا ضيفك الليلة. ثم تنحيت ونمت بين القبر والمنبر فإذا أنا بالنبي عليه السلام جاءني ودفع إلي رغيفا فأكلت نصفه فانتبهت فإذا في يدي نصف الرغيف))([10]).
ويستعمل النبهاني السياق نفسه لرجل أخر هو أبو عبد الله بن الجلاء([11]) ويأخذ السياق نفسه وينسبه إلى رجل أخر هو: أبي الخير التيناتي))([12]).
* الكرامة الثالثة
دعا رجل أبا عثمان الحيري إلى ضيافة فلما وافى باب داره قال ((يا أستاذ ليس الآن وقت دخولك وقد ندمت (على الدعوة) فانصرف أبو عثمان ثم دعاه الثانية فجاء، ثم أمره الداعي بالانصراف فانصرف، ثم دعاه الثالثة فرجع وهكذا حتى الرابعة وأبو عثمان ينصرف ويحضر، إلى أن قال له: يا أستاذ أردت اختبارك، وأخذ يعتذر ويمدحه فقال أبو عثمان: لا تمدحني على خلق تجد مثله مع الكلاب، الكلب إذا دعي حضر وإذا زجر أنزجر))([13]) والقصة مأخوذة بحذافيرها ومنسوبة إلى الشيخ أحمد الرفاعي ولكن في أخرها اختلاف في اللفظ وهو ((فقال السيد أحمد: يا ولدي أتستكثر علي خصلة من خصائل الكلب؟))([14]).
* الكرامة الرابعة
وكان لأحد المشايخ تلاميذ فكان يخص واحدا منهم بالإقبال عليه، فاعترضوا على ذلك، فقال: أبين لكم، فدفع إلى كل واحد تلامذته طائرا، وقال له: اذبحه بحيث لا يراك أحد. فمضوا ورجع كل واحد منهم وقد ذبح طائره. أما هذا الطالب فقد جاء بالطائر حيا فقال: هلا ذبحته؟ فقال: أمرتني أن أذبحه بحيث لا يراه أحد ولم أجد موضعا لا يراه فيه أحد فقال الشيخ: لهذا أخصه باقبالي))([15]).
فجاء أحد الرفاعيين المتأخرين ((محمد أبو الهدى الصيادي الرفاعي)) ليقتبسَ هذه المنقبة ويجعلها للشيخ أحمد الرفاعي حين كان حديث السن، وزاد في أخرها (فقال الشيخ يا أحمد: لأي شيء جئت بلا ذبح؟ فقال: يا سيدي شرطتم علي خلو المكان وكل موضع ذهبت إليه رأيته مشغولا بالله تعالى وهو حاضر ناظر، وما رأيت مكانا خاليا قط، فلذلك ما ذبحتها))([16]).
فهذه النماذج توضح مدى الكذب الحاصل في روايات الكرامات العجيبة المسطورة في كتب التصوف، ولذا فإن المنكر لهذه الكرامات لا يكون منكراً لكرامات الأولياء، لا سيما إذا كان مقراً بأن من منهج أهل السنة والجماعة إثبات الكرامة، فإن إنكار الكرامة ضلالة وانحراف عن الحق، وإنما يكون منكراً للخرافة التي لا سند لها، بل غالبها مسروق مقتبس على النحو الذي رأيت.
المصادر
([1]) الرسالة القشيرية 145.
([2]) الرسالة القشيرية 125.
([3]) الرسالة القشيرية 90.
([4]) الرسالة القشيرية 100.
([5]) الأنوار القدسسية 1: 32.
([6]) أحياء علوم الدين 3: 25 الرسالة القشيرية 108.
([7]) الركوة ضرورية عند خروج الصوفية للسياحة إلى الله. ولا يأخذون شيئا غيرها لا طعام ولا مال.
([8]) التعرف لمذهب أهل التصوف 151.
([9]) جامع كرامات الأولياء 1: 235.
([10]) التعرف 154 والرسالة القشيرية 178.
([11]) جامع كرامات الأولياء 1: 292.
([12]) جامع كرامات الأولياء 1: 271.
([13]) الرسالة القشيرية 111 الأحياء 2: 71و 4: 358.
([14]) المعارف المحمدية 74 قلادة الجواهر 54.
([15]) الرسالة القشيرية 88.
([16]) قلادة الجواهر 41.
اسم المؤلف: عبد الرحمن دمشقية
عدد الأجزاء: 1
التصنيف: التصوف
محتويات
- الاستغاثة بالمخلوق والاستغناء عن الخالق
- كرامات مسروقة
- الكرامة الأولى
- الكرامة الثانية
- الكرامة الثالثة
- الكرامة الرابعة
- المصادر
- العودة الي كتاب أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
الاستغاثة بالمخلوق والاستغناء عن الخالق
وتجد في مقابل ذلك عندهم استغناء عن الله وإعراضا عنه، حتى قال بعضهم ((حقيقة المحبة أن ينسي العبد حظه من الله عز وجل، وينسى حوائجه إليه))([1]).
- وسئل المظفر القرميني عن علامة الفقير فقال ((أن لا يكون له إلى الله حاجة))([2]).
- وأما مقام الرضا عند أبي سليمان الداراني فهو ((أزا لا تسأل الله الجنة ولا تستعيذ به من النار))([3]).
- وقيل للشبلي ((ألا تعلم أنه رحمن؟ فقال بلى ولكن منذ علمته ما سألته أن يرحمني))([4]).
- وقرأ أحدهم قوله تعالى ) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( فقال ((اللهم لا تجعلني منهم))([5]). وذلك لأن فيها كلمة [شغلا]، وهم لا يريدون أن ينشغلوا عن الله بشيء!!
كرامات مسروقة
إن تنافس أصحاب الطرق على المريد جعلهم يروون من عجائب الكرامات ما يغرونه به ليختار طريقتهم، ومن أجل ذلك عمدوا إلى اقتباس الكرامات عن بعض كتب المتصوفة المتقدمين. أو من كتب أصحاب الطرق الأخرى ونسبتها إلى شيوخ طريقتهم لإثبات ولايتهم وكرامتهم، وأن طريقتهم أولى بالإتباع من أصحاب الطرق الأخرى. ولأضرب مثلا على ذلك بسرد أربع كرامات.
* الكرامة الأولى
عن أبي سعيد الخراز قال ((دخلت المسجد الحرام فرأيت فقيرا عليه خرقتان فقلت في نفسي هذا وأشباهه كل على الناس، فناداني وقال: ) اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ
فَاحْذَرُوهُ ( فاستغفرت الله في سري فناداني وقال ) الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ (([6]).
- فهذه القصة ذكرها القشيري ونقلها الغزالي عنه. ثم جاء الكلاباذي فنسبها إلى أبي العباس بن المهتدي ((كنت في البادية فرأيت رجلا يمشي حافي القدم حاسر الرأس ليس معه ركوة))([7]) فقلت في نفسي: كيف يصلي هذا الرجل؟ فالتفت إلي وقال ) اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ( قال: فسقطت مغشيا علي فلما أفقت استغفرت الله.. فالتفت إلي ثم قرأ) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ (([8]).
- ثم يأتي النبهاني ويستعمل سياق القشيري نفسه، وينسبها إلى إبراهيم الخراساني ([9]).
*الكرامة الثانية
قال أبو عبد الله بن الجلاء ((دخلت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي شيء من الفاقة، فتقدمت إلى القبر وسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم على ضجيعيه أبي بكر وعمر ثم قلت: يا رسول الله بي فاقة وأنا ضيفك الليلة. ثم تنحيت ونمت بين القبر والمنبر فإذا أنا بالنبي عليه السلام جاءني ودفع إلي رغيفا فأكلت نصفه فانتبهت فإذا في يدي نصف الرغيف))([10]).
ويستعمل النبهاني السياق نفسه لرجل أخر هو أبو عبد الله بن الجلاء([11]) ويأخذ السياق نفسه وينسبه إلى رجل أخر هو: أبي الخير التيناتي))([12]).
* الكرامة الثالثة
دعا رجل أبا عثمان الحيري إلى ضيافة فلما وافى باب داره قال ((يا أستاذ ليس الآن وقت دخولك وقد ندمت (على الدعوة) فانصرف أبو عثمان ثم دعاه الثانية فجاء، ثم أمره الداعي بالانصراف فانصرف، ثم دعاه الثالثة فرجع وهكذا حتى الرابعة وأبو عثمان ينصرف ويحضر، إلى أن قال له: يا أستاذ أردت اختبارك، وأخذ يعتذر ويمدحه فقال أبو عثمان: لا تمدحني على خلق تجد مثله مع الكلاب، الكلب إذا دعي حضر وإذا زجر أنزجر))([13]) والقصة مأخوذة بحذافيرها ومنسوبة إلى الشيخ أحمد الرفاعي ولكن في أخرها اختلاف في اللفظ وهو ((فقال السيد أحمد: يا ولدي أتستكثر علي خصلة من خصائل الكلب؟))([14]).
* الكرامة الرابعة
وكان لأحد المشايخ تلاميذ فكان يخص واحدا منهم بالإقبال عليه، فاعترضوا على ذلك، فقال: أبين لكم، فدفع إلى كل واحد تلامذته طائرا، وقال له: اذبحه بحيث لا يراك أحد. فمضوا ورجع كل واحد منهم وقد ذبح طائره. أما هذا الطالب فقد جاء بالطائر حيا فقال: هلا ذبحته؟ فقال: أمرتني أن أذبحه بحيث لا يراه أحد ولم أجد موضعا لا يراه فيه أحد فقال الشيخ: لهذا أخصه باقبالي))([15]).
فجاء أحد الرفاعيين المتأخرين ((محمد أبو الهدى الصيادي الرفاعي)) ليقتبسَ هذه المنقبة ويجعلها للشيخ أحمد الرفاعي حين كان حديث السن، وزاد في أخرها (فقال الشيخ يا أحمد: لأي شيء جئت بلا ذبح؟ فقال: يا سيدي شرطتم علي خلو المكان وكل موضع ذهبت إليه رأيته مشغولا بالله تعالى وهو حاضر ناظر، وما رأيت مكانا خاليا قط، فلذلك ما ذبحتها))([16]).
فهذه النماذج توضح مدى الكذب الحاصل في روايات الكرامات العجيبة المسطورة في كتب التصوف، ولذا فإن المنكر لهذه الكرامات لا يكون منكراً لكرامات الأولياء، لا سيما إذا كان مقراً بأن من منهج أهل السنة والجماعة إثبات الكرامة، فإن إنكار الكرامة ضلالة وانحراف عن الحق، وإنما يكون منكراً للخرافة التي لا سند لها، بل غالبها مسروق مقتبس على النحو الذي رأيت.
المصادر
([1]) الرسالة القشيرية 145.
([2]) الرسالة القشيرية 125.
([3]) الرسالة القشيرية 90.
([4]) الرسالة القشيرية 100.
([5]) الأنوار القدسسية 1: 32.
([6]) أحياء علوم الدين 3: 25 الرسالة القشيرية 108.
([7]) الركوة ضرورية عند خروج الصوفية للسياحة إلى الله. ولا يأخذون شيئا غيرها لا طعام ولا مال.
([8]) التعرف لمذهب أهل التصوف 151.
([9]) جامع كرامات الأولياء 1: 235.
([10]) التعرف 154 والرسالة القشيرية 178.
([11]) جامع كرامات الأولياء 1: 292.
([12]) جامع كرامات الأولياء 1: 271.
([13]) الرسالة القشيرية 111 الأحياء 2: 71و 4: 358.
([14]) المعارف المحمدية 74 قلادة الجواهر 54.
([15]) الرسالة القشيرية 88.
([16]) قلادة الجواهر 41.