أسم الكتاب: أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
اسم المؤلف: عبد الرحمن دمشقية
عدد الأجزاء: 1
التصنيف: التصوف
محتويات
- موقف الأشاعرة من الكرامة
- مفهوم خرق العادة عندهم
- مناقشة هذه التعريفات
- المصادر
- العودة الي كتاب أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
موقف الأشاعرة من الكرامة
ومفهوم خرق العادة عندهم
ثم جاء الأشاعرة بعد المعتزلة فوافقوا أهل السنة في أصل ثبوت الكرامة لكن لم يفرقوا بينها وبين المعجزة من جهة، وبينها وبين السحر من جهة أخرى، جاعلين الكل خرق عادة، فقيل لهم: فميزوا بين هذا وبين المعجزات فقالوا لا فرق([1]) ثم حاولوا بعد ذلك التفريق بفروق ضعيفة لا يحصل بها التفريق مثل قولهم:
* الفرق بين المعجزات والكرامات أن الأنبياء مأمورون بإظهارها والولي يجب عليه سترها([2]) قال أبو علي الروزباري ((كما فرض الله تعالى على الأنبياء إظهار المعجزات: فرض على الأولياء كتمان الكرامات([3]).
* ولهم تفريق آخر وهو أن ((معجزات الأنبياء واجبة لأنهم مبعوثون إلى الخلق فالناس في حاجة إلى معرفة صدقهم ولا يعرف صدقهم إلا بالمعجزة([4]).
* وقال القاضيان أبو بكر وأبو يعلى ومعظم المتكلمين أن معجزة النبي يتحدى بها فلا يكون له معارض مشترطين لذلك بشرطين:
* أحدهما: أن تكون معجزة النبي مقترنة بدعوى النبوة فإن ادعاها كاذب لم تكن له معجزة. تفريقاً بينها وبين ا لكرامات.
* وثانيهما: أن لا يقوى أحد على معارضتها. تفريقاً بينها وبين السحر.
مناقشة هذه التعريفات
* فالتعريف الأول وهو ستر الولي للكرامة غير لازم بالضرورة، بل يتعارض مع أحوال كثير من الصحابة والتابعين وغيرهم ممن حصلت لهم كرامات أظهروها مثل ما وقع لخالد بن الوليد حين شرب السم أمام الناس، ومثل مناداة عمر لسارية وهو يخطب أمام الناس، وكذلك دخول أبي مسلم الخولاني النار علانية أمام الناس فصيرها الله له برداً وسلاماً. ومشي العلاء بن الحضرمي على الماء أمام الناس، وكذلك الغلام الذي أتى الراهب وترك الساحر([5]).
* أما التعريف الثاني وهو أن معجزات الأنبياء واجبة لتصديقهم، وأن صدقهم لا يعرف إلا بها: جاعلين من وجوب المعجزة فرقاً بينها وبين الكرامة التي ليست واجبة فيقال: إن هذا لا يلزم اشتراطه أيضاً، فكم من نبي لم تظهر على يديه معجزة. مثل لوط ونوح وغيرهما. وإنما حصلت المعجزة الإلهية بإهلاك قومهما من غير أن يمهلوا حتى يروها ليصدقوا، بل كان هلاكهم بها.
ثم إن كثيرين آمنوا بنبينا صلى الله عليه وسلم من غير حاجة إلى معجزة لتصديقه، فقد آمن به النجاشي ولم يكن رآه بعد، وكذلك هرقل بعد السؤال عن صفاته وسيرته، وكان بعضهم يأتيه ويقول: ألله أرسلك؟ فيقول له: نعم، فيؤمن به ويرجع إلى قومه فيسلمون جميعهم وهم لم يروا معجزة.
* أما التعريف الثالث وهو أن النبوة مقرونة بالتحدي وأن الكرامة غير مقرونة بالتحدي، فمن المعجزات النبوية ما لم يكن مقرونا بالتحدي كإخباره بالمغيبات ((لا تقوم الساعة حتى.. ويأتي على الناس زمان...)) وإخباره عن البقرة التي ستتكلم، وقد حصل ذلك بعد موته وعلامات الساعة وكذلك تسبيح الحصى في يده وتكثير الطعام وانتقال الشجرة وحنين الجذع بين يديه.
* ثم إن نزول القرآن في أول الأمر (وهو أعظم المعجزات وأدومها) لم يكن مقرونا بالتحدي فإن أول آيات ) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ( فلما قالوا إنه افتراه تحداهم([6])، وقال ) فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ( )فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ (.
* ومن الكرامات التي وقعت للصحابة والتابعين ما كان للتحدي كشرب خالد بن الوليد للسم إذ لم يضره ذلك، وكانت سببا في دخول كثيرين في الدين.
فثبت أن دعوى التفريق بضابط التحدي ممتنع فلا يحصل به تفريق ولا يوافق قرائن أحوال نبينا والصحابة وغيرهم.
ولذلك عدل الشهرستاني عن هذه الطريقة وانتقدها في كتاب ((الملل)) معتبرا أن الله يظهر المعجزة على يد أنبيائه سواء تحدوا أم لم يتحدوا، وأن التحدي لا معنى له([7]) ثم جوز أن يخلق الله الآيات على يد الكذابين المدعين للنبوة وهذا ما جوزه ابن تيمية أيضا ذاهبا إلى أنه ((يمكن أن يخلق الله على يد الكاذب ما يدل على صدقه وليس بدليل، مثل خوارق السحرة والكهان كما كان يجري لمسيلمة والعنسي وغيرهما، لكنها ليست دليلا على النبوة لوجودها معتادة لغير الأنبياء، وليست خارقة لعادة غير الأنبياء؛ بل هي معتادة للسحرة والكهان)).
فالتفريط ممن ظنها دليلا لا سيما وأنها دليل على كذب صاحبها فإن الشياطين لا تقترن إلا بكاذب([8]) كما قال تعالى: ) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ 221 تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (([9]).
وعند الأشاعرة أن الساحر أو الكاهن إذا أتى الخوارق يدعي بها النبوة فإن الله يمنعه منها، أما إذا لم يدع النبوة فخوارقه مثل معجزات النبي، اللهم إلا ما منع منه دليل سمعي كامتناع أن يقلب الساحر العصا حية حقيقة([10]). ثم قالوا ((لو أدعى الساحر والكاهن النبوة لكان الله ينسيه الكهانة والسحر و لكان له من يعارضه لأن السحر والكهانة معجزة عندهم([11]).
وهذا الكلام لا رصيد له في الواقع، بل الواقع يخالفه، فلماذا لم يمنع الأسود العنسي وبابا الرومي ومسيلمة ومكحول الحلبي والحارث الدمشقي من مخاريقهم التي لبسوا بها على الجهال؟([12]).
وكيف يمضي الدجال غدا بمخاريقه التي تجعل الناس يلتفون حوله ويتبعونه؟ .
ثم هب أن واحدا ادعى النبوة وأتى بالمخاريق، هل نؤمن بنبوته؟.
ذكر ابن تيمية أنه ((لو ادعى رجل النبوة وأتى بالخوارق فإنه يصير نبيا عندهم. لكن هذا الكذب لا يمكن أن يحصل، بل يمكنه ادعاء الألوهية ولكنه لا يقدر على ادعاء النبوة مع الإتيان بالخوارق([13]).
* فالقسم الثاني من التعريف الثالث وهو ((الخلو عن المعارضة)) وزعمهم أن جميع خوارق السحرة والكهان يجوز أن تكون معجزة لنبي لكن إذا كانت المعجزة له لم يمكن معارضتها ([14]) وإذا دعاها كاذب قيض الله له من يعارضه.
وهذا معارض بادعاء مسيلمة والعنسي وغيرهما فإنه لم يكن من معارض لهم ثم متى يتم تقييض المعارض؟ فقد يطول ظهور المعارض كما كان الأمر لمسيلمة والعنسي، وكما سيكون للدجال، فهل نعتبر من آمنوا بهم واتبعوهم قبل ظهور المعارض معذورين في هذا الإتباع؟
إن هذا اعتقادهم هذا مفض إلى مخاطر جسيمة لا سيما إذا ابتلاهم الله بظهور الدجال الذي يدعي النبوة أولا ثم الألوهية ثانيا مع أنها ستكون مقرونة حينئذ بالخوارق وتخلو من المعارضة ولو إلى فترة مؤقتة قد يموت خلالها من اتبعه قبل مجيء المعارضة.
أمر آخر وهو أن صاحب المعجزة الكاذب قد يأتي بخوارق لا يقدر من حوله على معارضتها. ربما كانت معتادة وغير خارقة في مكان آخر أو زمان آخر، وهذا عندهم لا يعتبر معارضة.
((فأن المعتبر عندهم خرق عادة من أرسل إليهم، وعلى هذا فإذا أرسل لرسول، إلى بني إسرائيل ففعل ما لم يقدروا عليه كان آية، وإن كان ذلك مما يقدر عليه العرب ويقدر عليه السحرة والكهان، وصرحوا بأن السحر الذي قال الله فيه ) وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ(([15]) أنه يجوز أن يكون من معجزات الأنبياء إذا لم يعارض))([16]).
ولهذا كان في كلامهم تعطيل للنبوة وإزراء بمعجزاتها، فإن في ذلك التسوية الكاملة بينها وبين ما يأتيه الساحر والكاهن، اللهم إلا اشتراط شرطين لا وزن لهما.
وهذا ما دعا ابن تيمية إلى القول بأن ((ما يأتي به السحرة والكهان يمتنع أن يكون آية لنبي بل هو آية على الكفر فكيف يكون أية للنبوة وهو مقدور للشياطين؟
ثم عقب ابن تيمية على أقوالهم هذه فقال ((وفي هذه الأقوال من الفساد عقلا وشرعا ومن المناقضة لدين الإسلام وللحق ما يطول وصفه، ولا ريب أن قول من أنكر وجود هذه الخوارق أقل فسادا من هذا، ولهذا يشنع عليهم ابن حزم بالشناعات العظيمة([17]).
ولهذا يقضي أكابر فضلائهم مدة يطلبون الفرق بين المعجزات والسحر فلا يجدون.
قال ابن تيمية: ((ولهذا كان منتهى كلامهم في هذا الباب إلى التعطيل، وهذا ما جعل الغزالي وغيره يعدلون عن طريقة الأشاعرة في الاستدلال بالمعجزات على أصولهم، لأنها لا تدل على نبوة نبي))([18]).
* قال: ((وآيات الأنبياء لا يقدر عليها جن ولا إنس ([19]) فهي خارجة عن قدرة الجن والإنس ولله الحمد والمنة.
* ومقدورات الجن هي من جنس مقدورات الإنس لكن يختلف في المواضع، فإن الإنسي يقدر على أن يضرب غيره حتى يمرض أو يموت، بل يقدر أن يكلمه بكلام يمرض به أو يموت، فما يقدر عليه الساحر من سحر بعض الناس حتى يمرض أو يموت هو من مقدور الجن، وهو جنس مقدور الإنس ([20]).
* وما يأتي به السحرة والكهان من العجائب فذلك جنس معتاد لغير الأنبياء وأتباعهم.. فهو خارق لغير أهله))([21]).
ومن ثم يقرر ابن تيمية أنه ((ما من ساحر أو كاهن أو متنبي أتى بخوارق إلا كان مقدورا على الإتيان بمثلها في مكان أو زمان آخر من العالم، فهذا ليس بخارق للعادة وإنما الخارق الحقيقي هو الذي قال الله فيه ) قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (([22]).([23]). قلت ولذلك فإن الذين يكذبون رسلهم ينسبونهم إلى السحر والكهانة فإن تعلمه معتاد فهو مهارة وحذلقة واستعانة بالجن وكذلك الكهانة ومن يختارها يحصل عليها بخلاف النبوة فإنها اختيار الله واصطفاؤه ومعجزاتها خارقة للسحر والكهانة، ولو كان السحر خارقا حقيقة لما نسبوهم إليه فالساحر لا يخرق عادة ساحر مثله، بل الثاني خبير بسحر الأول فضلا عن أن يخرق بعادته معجزات الأنبياء.
قد يقول قائل: فهل معنى ذلك أن نقرر أنه لا يجوز استعماله هذا المصطلح ((خوارق العادة)) إلا على الأنبياء وأتباعهم؟
يجيب ابن تيمية على هذا السؤال بقوله (((فالذين سموا هذه الآيات خوارق للعادات وعجائب ومعجزات:إذا جعلوا ذلك شرطا فيها وصفة لازمة لها بحيث لا تكون الآيات إلا كذلك فهذا صحيح.
وأما إذا جعلوا ذلك حدا لها وضابطا: فلا بد أن يقيدوا كلامهم مثل أن يقولوا ((خوارق العادات التي تختص بالأنبياء)) ويقولوا: ((خوارق عادات الناس كلهم غير الأنبياء))، فان آياتهم لابد أن تخرق عادة كل أمة من الأمم))([24]).
ثم يخلص إلى أن هذا اللفظ محدث ولم يستعمل في كتاب ولا في السنة ((ولهذا لم يكن في كلام الله ورسوله وسلف الأمة وأئمتها وصف آيات الأنبياء بمجرد كونها خارقة للعادة، ولا يجوز أن يجعل مجرد خرق العادة هو الدليل، فإن هذا لا ضابط له وهو مشترك بين الأنبياء وغيرهم([25]).([26]).
المصادر
([1]) النبوات 102.
([2]) الرسالة القشيرية 158- 159 قاله أبو بكر بن فورك.
([3]) الرسالة القشيرية 159 جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم 277.
([4]) الرسالة القشيرية 159.
([5]) انظر النبوات 4.
([6]) انظر النبوات 196.
([7]) الملل والنحل للشهرستاني 3: 25.
([8]) النبوات 244.
([9]) الشعراء 222.
([10]) النبوات 194- 195.
([11]) النبوات 197.
([12]) راجع النبوات 106.
([13]) النبوات 104.
([14]) النبوات 195.
([15]) البقرة.
([16]) النبوات 197.
([17]) النبوات 197- 198.
([18]) النبوات 198.
([19]) النبوات 198.
([20]) النبوات 258.
([21]) النبوات 107.
([22]) الأسراء 88.
([23]) النبوات 216.
([24]) النبوات 213.
([25]) النبوات 14.
([26]) لقد ذكر أبن تيمية في خاتمة كتابه (النبوات) عشرة أدلة في التفريق بين المعجزة وبين الكرامة وبينها وبين السحر فليرجع إليها (النبوات 279- 286).