أسم الكتاب: أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
اسم المؤلف: عبد الرحمن دمشقية
عدد الأجزاء: 1
التصنيف: التصوف
محتويات
- الكرامات والخوارق الشيطانية
- تعريف الكرامة اصطلاحا
- موقف الفلاسفة من الخوارق
- ابن تيمية يبين أنواع الخوارق
- موقف المعتزلة من الكرامة
- المصادر
- العودة الي كتاب أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
الكرامات والخوارق الشيطانية
تعريف الكرامة لغة
قال في القاموس المحيط([1]).
والكرم: ضد اللؤم.
وأكرمه كرمه: عظمه ونزهه، والكريم: الصفوح
ورجل مكرام: مكرم للناس.
وأكرمه يكرمه: ويقال في التعجب: ما أكرمه لي قاله في مختار الصحاح([2]) أضاف ((وهو شاذ لا يطرد في الرباعي، قال الأخفش: وقرأ بعضهم ) وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ(.([3]) بفتح الراء أي من إكرام، وهو مصدر كالمخرج والمدخل انتهى.
بالجملة فالكرامة ضد الإهانة. بدليل الآية السابقة.
تعريف الكرامة اصطلاحا
يعرفها كثير من العلماء وأهل الأصول وغيرهم من المتكلمين كالأشاعرة وغيرهم- بـ ((الأمر الخارق للعادة، ويظهر على يد عبد صالح غير مدع للنبوة غير مقرون بالتحدي([4]). ويفرقون بينها وبين المعجزة بفارق عدم التحدي في كرامة الولي، بخلاف معجزة الرسول المقرونة بالتحدي للدلالة على صدقه.
هذا ما درج عليه الأكثرون. غير أن هذا التعريف لا يخلو من نقد في بعض ثناياه([5]) إذ أنه يفضي إلى نتائج خاطئة. وهذا النقد يتناول ما يلي:
* أن وضع الكرامة والمعجزة بمستوى واحد خطأ، إذ لا بد أن يكون هناك فرق بينهما.
* أن كرامة الولي تكون للتحدي أيضاً، لاسيما إذا تحدى بها الولي الكفار لإثبات دين الإسلام وصدق ما جاء به خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
* أن كثيراً من المعجزات قد حصلت للأنبياء ولنبينا صلى الله عليه وسلم ولم تكن مقرونة بالتحدي كالإخبار عن علامات الساعة وما سيكون في أمته من بعده. وخروج الماء من بين أصابعه وتسليم الحجر عليه وتكليم الجذع في يده.
* أن التوفيق لإتباع السنة واجتناب البدعة والمداومة على العبادة مع الإخلاص فيها هو من أعظم الكرامات. ولهذا روي عن الشاذلي أنه قال: ((ما ثم كرامة أعظم من كرامة الإيمان ومتابعة السنة، فمن أعطيها وجعل يشتاق إلى غيرها فهو مغتر كذاب))([6]) وعن الشافعي وغيره أنهم قالوا: ((لو نظرتم إلى رجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تعلموا متابعته للسنة وحفظه للحدود وأداءه للشريعة)). فهذا هو القانون الذي يميز به الكرامة وبين الخديعة الشيطانية.
موقف الفلاسفة من الخوارق
ويذهب الفلاسفة إلى أن خوارق العادات التي للأنبياء والأولياء عبارة عن قوة نفسية يتصرف بها النبي أو الولي في هيولي العالم كما أن العائن([7]) له قوة نفسانية يؤثر بها في المعين. (أي المصاب).
فالفلاسفة لا يعرفون صراع الجن للإنس وأن الجني يتكلم على لسان الإنسي وأن بينه وبين السحر ارتباطا. ولم يعرفوا الملائكة ولا الجن، فظنوا أن هذه الخوارق من قوى النفس. ثم قالوا بأن الفرق بين النبي والساحر أن نفس النبي زكية تأمر بالخير، وأن نفس الساحر خبيثة تأمر بالشر([8]).
ابن تيمية يبين أنواع الخوارق
وللرد عليهم قسم ابن تيمية أنواع الخوارق إلى ثلاثة أنواع:
منها ما هو من جنس الغناء عن الحاجات البشرية كالاستغناء عن الأكل والشرب مدة.
ومنها ما هو من جنس العلم الخارج عن قوى البشر كالإخبار عن الغيوب.
ومنها ما هو من جنس المقدورات الخارجية عن قدرة البشر كالزلازل ونحوها.
فهذا كله خارج عن قوى النفس.
ثم طالب الفلاسفة بالدليل على كون هذه الآثار من قوى النفس، وذكر بأن من هذه الآثار أموراً كثيرة يعترفون بأنه يمتنع كونها من آثار النفوس كالخوارق الخارجة عن قوى النفس، مثل إحياء الموتى من الآدميين والبهائم، فإن قوى النفس عندهم لا تفعل شيئا كهذا، وكذلك الطوفان الذي أغرق أهل الأرض. وإرسال الريح العقيم سبع ليال وثمانية أيام حسوما. وأما سبب انقلاب العصا حية، وخروج الناقة من الأرض فهم معترفون أيضا بأنه غير ممكن ولا يمكنهم إحالة سببه على قوى النفس ([9]) وكما نرى فإن هذه النظرية تنم عن قصور فهم بالطبيعات والبديهيات وجهل بالدين، وتؤدي التكذيب بمعجزات الأنبياء، مثلما أدت إلى تكذيب الوحي الحقيقي، واعتباره خيالات نفسية.
موقف المعتزلة من الكرامة
وقد أنكر المعتزلة كرامات الأولياء جملة وتفصيلا، وفي مقدمتهم القاضي عبد الجبار وكذلك الجبائي، وذلك انسجاماً مع عقليتيهما الاعتزالية فقال الأول منهما ((فلا كرامة لولي أو صحابي([10]) وذلك كرد فعل مفرط في مقابل إفراط الصوفية في ادعاء الكرامات.
ويذكر لنا أحد المعتزلة المحدثين أن سلفه من المعتزلة ((بلغت بهم عقلانيتهم حداً أنكروا معها بعض المعجزات التي حدثت لنبينا صلى الله عليه وسلم و منها معجزة انشقاق القمر الأمر الذي أثار الجدل والخلاف بين النظام والقاضي حيث شك النظام([11]) في إمكانية وقوعها من خلال الواقع التجريبي الذي يؤكد الظواهر وارتباطها الزمني كحدث عام، مؤكدا أنه لو أنشق القمر كما قيل لعلم بذلك عموم الناس غربا وشرقا لمشاهدتهم له([12]).
ورد القاضي عليه بأنه يمكن القول بأن الغيوم قد حجبت الناس عن رؤية الانشقاق([13]). ومع هذا فقد جعل إنكار المعتزلة للكرامات يتسم بقدر كبير من الموضوعية والعقلانية في تخليص الفكر الإسلامي من ميثولوجيا السلف الصوفي، كما أنها تعزز النبوة بما تمثله من التعاليم الشرعية وما تقوم عليه من تأسيس إعجازي ينفرد بذاته لا يقبل المشاركة معه([14]).
وفي قوله نظر، فإن إنكار الكرامات لا يعزز النبوة بل يطعن بما جاءت به من عند الله كقصة مريم التي حكى القرآن أنه كانت تأتيها فاكهة الشتاء في فصل الصيف، وغيره مما وقع للصحابة.
وقد كان بالإمكان معالجة إفراط المتصوفة بطريقة لا تؤدي إلى التفريط من جانب آخر.
لقد ظن المعتزلة أن لا خارق للعادة إلا لنبي، لكونه الآية على صدقه، فالتزموا إنكار الخوارق التي تقع للصالحين وأنكروا أن يكون للسحر تأثير خارج عن العادة مثل أن يموت ويمرض بلا مباشرة شيء، وأنكروا الكهانة وأن تكون الجن تخبر ببعض المغيبات([15]). ثم اضطروا إلى إنكار وتكذيب ما يأتي به الدجال من المخاريق قائلين: ما معه إلا التمويه كما قالوا في السحر والكهانة([16]).
المصادر
([1]) القاموس المحيط 4: 17- 172.
([2]) مختار الصحاح 568.
([3]) الحج 18.
([4]) الفقه الأكبر 74، المواقف في علم الكلام للايجي 370 ط، علام الكتب، لوامع الأنوار البهية 2: 392 ط مكتبة أسامة، الإرشاد للجويني 302 ط الخانجي، التعريفات 161 للجرجاني.
([5]) وأفضل كتاب يتضمن نقداً علمياً لهذا التعريف هو كتاب النبوات لابن تيمية.
([6]) نور التحقيق من أعمال الطريق 133، طبقات الشعراني 2: 7.
([7]) أي صاحب العين الحاسدة.
([8]) أنظر الصفدية 1: 7 و143 والنبوات 210.
([9]) الصفدية 1: 181- 186.
([10]) المغني التنبؤات والمعجزات 15: 414 وانظر 16: 152- 414.
([11]) هو القاضي عبد الجبار من كبار المعتزلة.
([12]) العقل والحرية 350-351 د. عبد الستار الراوي ط . المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت .
([13]) نفس المصدر والصفحة.
([14]) نفس المصدر 349.
([15]) أنظر النبوات 102 ط. الكتب العلمية –بيروت.
([16]) أنظر النبوات 216.