أسم الكتاب: أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
اسم المؤلف: عبد الرحمن دمشقية
عدد الأجزاء: 1
التصنيف: التصوف
محتويات
- كشف (مكاشفة) الولي ووحيه عند الصوفية
- مخاطبة الله
- يشمون رائحة المعاصي
- الغزالي وموقفه من الكشف
- تعقيب ابن تيمية على القائلين بالكشف
- المصادر
- العودة الي كتاب أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
كشف (مكاشفة) الولي ووحيه عند الصوفية
قال الشعراني (ومما يتميز به الصوفية عن الفقهاء: الكشف الصحيح عن الأمور المستقبلية وغير ذلك فيعرفون ما في بطون الأمهات أذكر هو أم أنثى أم خنثى ويعرفون ما يخطر ببال الناس وما يفعلونه في قعور بيوتهم))([1]).
وذكر من شروط الولي الصادق ((أن يكون عنده علم يكشف به الحقائق ينظر أحوال مريده في اللوح المحفوظ يعلم ما جاز وما وجب وما استحال، يلاحظ مريده من حين كان في عالم الذر قبل وروده وهبوطه إلى أصلاب الآباء وبطون الأمهات))([2]).
مخاطبة الله
ويؤكد بأن ((الولي المتصل بالله تعالى يناجي ربه كما كان موسى عليه السلام يناجي ربه))([3]).
وقال الغزالي ((واطوِ الطرق، فإنك بالواد المقدس طوى، واستمع بسير قلبك لما يوحى، فلعلك تجد على النار هدى، ولعلك من سًرادقات العرش تُنادى بما نودي به موسى إني أنا ربك))([4]).
ومثله السهروردي المقتول الذي بلغ به غلوه أن قال ((لا أموت حتى يقال لي: )قم فأنذر(([5]).
ويذكر الكشمخانلي أن طبقة من الأولياء هي طبقة (الرحمانيين) الإلهيين ((وهم ثلاثة أيضا عند الوحي والحوادث يجلسون عرايا على حجر مليح يسمعون الوحي ويفهمون المراد منه([6]).
وصرح عماد الدين الأموي بأن السالكين إذا قطعوا مفاوز الطريق أشرفوا على رؤية الملكوت الأعظم مثل اللوح المحفوظ والقلم واليمين الكاتبة وملائكة الله، وهي تطوف حول العرش ثم يتخطون ذلك إلى معرفة الخالق، للكل فتغشاهم الأنوار وتتجلى لقلوبهم الحقائق المحتجبة ويشاهدون مالا يشاهده غيرهم من تصريف الرب))([7]).
يشمون رائحة المعاصي
* ولهم إطلاع حتى على المعاصي. فالشيخ أحمد النجاتي ((أطلعه الله على معاصي العباد فكل من لقي من العصاة بصق عليه))([8]).
قال الشعراني ((ومما منّ الله تبارك وتعالى به علي: شمي لروائح المعاصي إذا وقعت في معصية من معاصي أهل الطريق، فأشم نتان كل معصية على حسب تناولها في القبح من كبائر وصغائر ومكروهات، وأشم رائحة ((خلاف الأولى))([9])؟ وذكر أن شيخه على الخواص كان إذا نظر في الميضأة التي يتوضأ منها الناس يعرف جميع الذنوب التي غفرت وخرت في الماء من غسالتها، ويعرف أهل تلك الذنوب على التعيين ويميز بين غسالة كل ذنب عن آخر من كبائر وصغائر ومكروهات وخلاف الأولى))([10]).
قال أحد مريدي الشيخ أبي بكر بن عيسى ((ومما وقع لي أني كنت أرى شيخي يطلع على ما يصدر مني حال غيبتي، فإذا اشتغلت بطاعة قابلني يوجه مسرور وإذا اشتغلت بلعب قابلني بضد ذلك))([11]).
وعن أبي سعيد الخراز قال ((دخلت المسجد الحرام فرأيت فقيرا عليه خرقتان فقلت في نفسي هذا وأشباهه كل على الناس، فناداني وقال: )والله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه( فاستغفرت الله في سري فناداني وقال )وهو الذي يقبل التوبة عن عباد(([12]).
أما فينقل عن الداراني أنه كان يصف أبا عدى الأنطاكي والسري السقطي وبشر بن الحارث أنهم ((جواسيس القلوب))([13]). ويقول كلاما عجيباً وفيه ((أن الله يفتح للعارف وهو على فراشه مالا يفتح لغيره وهو قائم يصلي))([14]).
وروى يوسف النبهاني أن الشيخ القناوي كان إذا شاوره إنسان في شيء يقول (أمهلني حتى أستأذن لك فيه جبريل عليه السلام. فيمهله ساعة ثم يقول: افعل أو لا تفعل على حسب ما يملي عليه جبريل))([15]).
* فهذا الغيب والوحي الذي يدعيه هؤلاء، كالإطلاع على المستور والمكنون ومعرفة الأحداث المستقبلية هو من الكهانة التي اشتهر بها أحبار اليهود والنصارى.
لذا كان هؤلاء كهان أمة محمد فإنهم يزعمون أنهم يكاشفون مريديهم بما في صدورهم، ويطلعون على حملة العرش وما في اللوح المحفوظ. وكثير من مريديهم يقلعون عن المعاصي ويتوبون مخافة أن يطلع مشايخهم على حالهم.
الغزالي وموقفه من الكشف
وقد كان الغزالي أبرز من تكلم عن الكشف عند الصوفية كما هو واضح في كتابه الإحياء فإنه جعل الكشف هو الفرقان بين الحق والباطل وهو الميزان في قبول أو رد ما وقع فيه الاختلاف بين الأمة. وقد دعا إلى فض الاختلاف بالاحتكام إلى الكشف فما وافقه الكشف فهو الصحيح الذي نأخذ به، وما خالفه فهو باطل مردود))([16]).
والكشف يبتدئ ببداية سلوك طريق التصوف ((ومن أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد))([17]).
فأهل التصوف لهم ((ميل إلى الألهية دون التعليمية، ولذلك لم يتعلموا ولم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون))([18]).
أضاف الغزالي ((بل قد تتمثل للأنبياء والأولياء صورة جميلة محاكية لجوهر الملائكة وينتهي إليهم الوحي والإلهام فيتلقون من أمر الغيب ما يتلقاه غيرهم في النوم وذلك لشدة صفاء باطنهم))([19]). ولم لا فإن ((لقلب الولي باباً مفتوحاً إلى عالم الملكوت وهو اللوح المحفوظ))([20]).
ويأتي الشعراني ويصرح بأن طريق القوم ((ذوق لا نقل)) وأن كل من كان علمه مستفاداً من النقل فليس بعالم))([21]).
فالكشف صار عند الغزالي والصوفية مصدرا من مصادر تلقي الدين وتعلم العقيدة كما قال البيجوري عندما ذكر طرق تعلم المقيدة ((ويقوم مقام ذلك ما لو عرف المقائد بالكشف))([22]) أي تعلم أصول العقيدة وتخريج الأحاديث بالكشف. فقد يصح الحديث الضعيف بالكشف وربما العكس أيضا. فيجتمع الولي الصوفي برسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأله عن حديث صحيح في البخاري: هل قلت هذا الحديث يا رسول الله؟ فيقول: لا لم أقله. وربما سأله عن الحديث الموضوع هل قلته يا رسول الله؟ فيقول: نعم قلته.
ولهذا ذكر البيجوري أنه صح عند أهل الكشف حديث إحياء الله لوالدي النبي صلى الله عليه وسلم فآمنا ثم أماتهما ([23]).
ويبكي أبو يزيد أسفا على أهل الحديث وطلبة العلم لأنهم ((مساكين، أخذوا علمهم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت))([24]). جاعلا ما نزل به جبريل من عند الله كالجنة الهامدة، وما تلقاه أهل الكشف عن الشياطين روحا تبث فيها الحركة والحياة، وانتهى أمرهم إلى أن صاروا ينفرون من العلم وطلب الحديث ويذمون الفقه والفقهاء، وكأن من أراد الله به شرا [في نظرهم] يفقهه في الدين.
وهذا التماس للهدى من غير الطريق التي أمرنا الله أن نعتصم بها وأمرنا رسوله صلى الله عليه وسلم أن نعض عليها بالنواجذ. وحري بمن التمس الهدى من غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يضله الله. ثم ما فائدة جهود علماء الحديث إن كان تخريج الحديث يتم مباشرة من الله بدلا من متابعة الرواة وأسانيد الرجال!.
تعقيب ابن تيمية على القائلين بالكشف
وقد رد ابن تيمية على قول أبي يزيد قائلا:
((فيقال له: بأمر من تأمر؟ فأن قال: بأمر الله، قيل له: بأمر الله الذي بعث به رسوله وأنزل به القرآن أم يأمر وقع في قلبك؟
فإن قال بالأول ظهر كذبه..
وإن قال: بأمر وقع في قلبي لم يكذب. ولكن يقال له: من أين لك أن هذا رحماني، ولما لا يكون الشيطان هو الذي أمرك بهذا؟))([25]).
وله رد أخر يقول فيه أما ما نقله الثقات عن المعصوم فهو حق، ولولا النقل المعصوم لكنت أنت وأمثالك إما من المشركين وإما من اليهود والنصارى))([26]).
* ثم يعقب ابن تيمية على قول الغزالي قائلا بأن ((هذا الكلام مضمونه أنه لا يستفاد من خبر الرسول شيء من الأمور العلمية بل أنما يدرك ذلك كل إنسان بما حصل له من المشاهدة والنور والمكاشفة))([27]) ويجعل مصدر أقوال الغزالي في المكاشفة من المتفلسفة والقرامطة الباطنية الذين يجعلون النبوة مكتسبة بعد استعداد الإنسان لها بالرياضة والتصفية فيفيض عليه حينذاك ما فاض على الأنبياء من قبله))([28]).
* قال ((ومعلوم أن أفضل أولياء الله بعد الرسل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما عبر الرؤيا ((أصبت بعضا وأخطأت بعضا))([29]).
* وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بأنه ملهم هذه الأمة كما في الحديث ((إن يكن من بعدي محدثون([30]) فعمر منهم([31]) ومع هذا فقد كان كثير الاستشارة للصحابة بل كانت تخفى عليه بعض الأحكام))([32]) ولم يكن يستدل بين على كشوفاته في الدين شيئا، بل كان يقول ((إن الناس أنما كانوا يؤخذون بالوحي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم))([33]) فلم يكن يأخذ الناس بما استتر من أعمالهم ومعاصيهم كما يدعي الشعراني وغيره من الصوفية. غير أن لفظ المحدثين له عند الترمذي الحكيم مفهوم آخر. فالمحدثون (أي الملهمون) لهم منازل. فمنهم من أعطي ثلث النبوة، ومنهم من أعطي نصفها، ومنهم من له الزيادة))([34]).
المصادر
([1]) جامع كرامات الأولياء 2: 325.
([2]) لطائف المنن463.
([3]) طبقات الشعراني 1: 181.
([4]) إحياء علوم الدين 4: 251.
([5]) درء تعارض العقل والنقل 1: 318 وعوارف المعارف 5: 56 ملحق بالإحياء.
([6]) جامع أصول في الأولياء وأنواعهم 133.
([7]) حياة القلوب في كيفية الوصول إلى المحبوب 2: 275 على هامش قوت القلوب ط صادر.
([8]) جامع كرامات الأولياء 1: 327.
([9]) لطائف المنن 689.
([10]) لطائف المنن 50.
([11]) جامع كربات الأولياء 1: 267.
([12]) أحياء علوم الدين 3: 25 الرسالة القشيرية 108.
([13]) الرسالة القشيرية 18.
([14]) الرسالة القشيرية 142.
([15]) جامع كرامات الأولياء 2: 68 طبقات الصوفية للشعراني 1: 157.
([16]) إحياء علوم الدين 1: 104.
([17]) المنقذ من الضلال 50.
([18]) الإحياء 3: 19.
([19]) فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة 130 (ضمن مجموعة القصور العوالي).
([20]) الإحياء 3: 20.
([21]) الأنوار القدسية 1: 82.
([22]) شرح جوهرة التوحيد للبيجوري 22.
([23]) شرح جوهرة التوحيد 43.
([24]) تلبيس إبليس 321.
([25]) الفرقان بين الحق والباطل 1: 162- 164 (ضمن مجموعة الرسائل الكبرى).
([26]) الفرقان بين الحق والباطل 561.
([27]) درء تعارض العقل والنقل 5: 348 تحقيق د محمد رشاد سالم.
([28]) درء تعارض العقل والنقل 5: 357 وشرح العقيدة الأصفهانية 135 وأنظر كتابي الغزالي والتصوف 163- 197 ففيه تفصيل الكشف عند الغزالي.
([29]) رواه مسلم (2269) وأبو داود (4632) والترمذي (2294).
([30]) أي مفهمون.
([31]) أخرجه البخاري رقم (3689) ومسلم (2398).
([32]) أنظر الصفدية 1: 253 ومجموعة الرسائل والمسائل 2: 70 والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 52- 53.
([33]) قال الحافظ أبن حجر ((أخرجه البخاري)) التلخيص الحبير 4: 192.
([34]) ختم الولاية 347.