أسم الكتاب: أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
اسم المؤلف: عبد الرحمن دمشقية
عدد الأجزاء: 1
التصنيف: التصوف
محتويات
تعريف الولي والولاية:
تعتمد غالب كتب المتصوفة في تعريف الولي على الرسالة القشيرية والتي جاء فيها تعريف الولي على معنيين:
* أحدهما: فعيل بمعنى مفعول، وهو من يتولى الله سبحانه أمره. قال تعالى: ) وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ( فلا يكله إلى نفسه لحظة، بل يتولى الحق سبحانه رعايته.
* والثاني: فعيل مبالغة من الفاعل، وهو الذي يتولى عبادة الله تعالى وطاعته، فعبادته تجري على التوالي من غير أن يتخللها عصيان.. فلا يخلق له الخذلان الذي هو القدرة على العصيان)).
قال ((وكلا الوصفين واجب حتى يكون الولي وليا... فمن شرط الولي أن يكون محفوظا كما أن من شرط النبي أن يكون معصوماً؟))([1]).
وفي هذين التعريفين ما يفيد اشتراط العصمة للولي.
ففي التعريف الأول: ((لا يتركه الله لنفسه لحظة واحدة)).
وفي الثاني: تتوالى عبادته فلا تنقطع ولا يتخللها عصيان.
ومن هنا يمكن ملاحظة نقطة الاختلاف والتباين بين مفهوم أهل السنة في الولي وبين فهم المتصوفة له.
فأهل السنة لا يرون أحدا معصوما غير النبي لا ولي ولا غيره. في حين أن الصوفية يجعلون العصمة شرطا للولي. ومنهم من ينفي الولاية تماما عمن وقع في زلة أو خطيئة، وأبرزهم في ذلك القشيري نفسه([2]).
الولاية أساس التصوف:
لقد قام التصوف على أساس الولاية والولي حتى قال الهويجري وهو أحد أئمة المتصوفة: ((فاعلم أن أساس التصوف والمعرفة قائم على الولاية))([3]).
وأول من طبق اصطلاح الولاية على أصول التصوف هو الحكيم الترمذي، إذ أن مذهبه كله قائم على الولاية، وأثاره التي خلفها تشهد بذلك منها كتاب ((ختم الأولياء)) ((وسيرة الأولياء))، ((وعمل الأولياء)).
وقد جعل الحكيم الولاية حظاً يختصه الله ويصطفيه لمن يشاء لولايته، كما اصطفى من شاء لنبوته. قال: ((الولي من كتب الله له الولاية وجعل له حظا، فبحظه من الله تعالى بقدر أن يتولاه كما أن النبوة لمن كتب له النبوة وجعل له حظا.
فبحظه من الله تعالى قامت له النبوة... فالمغبوط من تقرب درجته من درجة الأنبياء علوا وارتفاعا.
ثم قال بعد ذلك كلمته التي كانت إحدى بلاياه حين أخرجه أهل بلده من ترمذ. واستغلال الزنادقة لها فقال: ((وقد يكون من الأولياء من أرفع درجة)).
واستدل على مذهبه بقصة لا أصل لها وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطلب من رجل اسمه هلال أن يدعو له ويسأل الله له المغفرة، فكان هلال يكرر سؤاله إلى الله أن يغفر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الترمذي أن النبي أخبر أن هذا الرجل أحد السبعة الذين كانت تقوم بهم الأرض))([4]).
وقد تطورت هذه النظرية عند الترمذي حتى أدت إلى تفضيل الولي على النبي وإحداث رتبة للولي تسمى (خاتم الأولياء) استفادها منه ملاحدة التصوف وفلاسفته أمثال ابن عربي وبن سبعين وغيرهما([5]).
الولاية عند الغزالي والقشيري
وقد قسم الغزالي مراتب الولاية إلى أربع، قائلا ((بل الرتبة العليا للأنبياء ثم الأولياء ثم العلماء الراسخين في العلم ثم للصالحين))([6]).
فقدم الأولياء- وهم العارفون- على الراسخين الذين أثنى الله عليه ) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًا بِالْقِسْطِ ( وقوله ) وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ (([7]).
ثم قسم الروح إلى بهيمية وأمرية. فالبهيمة تختص بالبهائم وبمن هو في مثل حالها من الأنس، والأمرية يختص بها الأنبياء والأولياء، مستدلا على الروح الأمرية بقوله تعالى ) قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي (.
كذلك جعل القشيري طائفة المتصوفة صفوة أولياء الله، فضلهم على كافة عباده بعد رسله وأنبيائه([8]).
أما العلم وطلبه فلم يكن مرغوبا لدى الداعين إلى التصوف، حتى ذموه وجعلوه عائقا عن سلوك طريق القوم. فقد سئل الدقي عن سؤ أدب الفقراء مع الله فقال:انحطاطهم من الحقيقة إلى العلم([9]).
وروى الغزالي عن الجنيد أنه قال: ((أحب للمريد ألا يشغل قلبه بثلاث و إلا تغيرت حاله: التكسب، طلب الحديث، التزوج))([10]) وروى عن أبي سليمان الداراني قوله: ((إذا طلب الرجل الحديث، أو تزوج، أو سافر في طلب المعاش فقد ركن إلى الدنيا))([11]) ونص ابن عجيبة في فتوحاته الإلهية أن قول الغزالي والقشيري متفق على قبوله عند الصوفية))([12]).
الولاية عند السهرودي
ويطلع علينا السهرودي واشراقيته الفلسفية برأي لم ((يسبقه إليه أحد من المتصوفة حيث فرق بين طينة الأولياء والأنبياء من جهة وبين الطينة التي خلق الله منها سائر الخلق من جهة أخرى.
قال: ((لما بعث الله جبريل وميكائيل ليقبضا قبضة من الأرض فأبت، حتى بعث الله عزرائيل فقبض قبضته من الأرض، وكان إبليس قد وطئ الأرض بقدميه، فصار بعض الأرض بين قدميه وبعض الأرض بين موضع أقدامه.
فخلقت النفس مما مس قدم إبليس فصارت مأوى الشر. وبعضها الآخر لم يصل إليه قدم إبليس.
فمن تلك التربة أصل الأنبياء والأولياء ([13]).
ثم وصف الأولياء بأنهم: ((أجساد أرضية بقلوب سماوية وأشباح فرشية بأرواح عرشية، لأرواحهم حول العرش تطوف))([14]).
وهناك سهروردي آخر غير عمر بن محمد- صاحب عوارف المعارف- جعل أحباب الله أقل رتبة من أوليائه إذ قال: ((أن الله تعالى ادخر البلاء لأوليائه كما ادخر الشهادة لأحبابه([15]).
كما أن ابن عجيبة جعل الصالحين في مرتبة أدنى من الأولياء، فالصالحون هم الذين ((صلحت أعمالهم الظاهرة واستقامت أحوالهم الباطنة. أما الأولياء فهم أهل العلم بالله))([16]).
المصادر
([1]) الرسالة القشيرية 117 وانظر 160 وانظر جامع الأولياء وأنواعهم وأوصافهم للكشمخانلي 287.
([2]) انظر لطائف الإشارات 274.
([3]) الحكيم الترمذي ونظريته في الولاية 72.
([4]) نوادر الأصول 157- 158ط. دار صادر- بيروت.
([5]) أنظر فصل ختم الولاية عند أبن عربي وغيره.
([6]) أحياء علوم الدين 1/53 و1/39 وأنظر الأربعين في أصول الدين 195.
([7]) آل عمران 7و18
([8]) الرسالة القشيرية 2.
([9]) الرسالة القشيرية 126.
([10]) الإحياء 4: 239.
([11]) إحياء علوم الدين 1: 61، 4: 24، 2: 237، 4: 229.
([12]) الفتوحات الإلهية 271.
([13]) عوارف المعارف 47 ملحق بالجزء الخامس من كتاب الإحياء ط. المعرفة بيروت.
([14]) عوارف المعارف 42.
([15]) آداب المريدين 125 لعبد القاهر السهرودي ط الوطن العربي. القاهرة.
([16]) معراج التشوف إلى حقيقة التصوف 65.
اسم المؤلف: عبد الرحمن دمشقية
عدد الأجزاء: 1
التصنيف: التصوف
محتويات
- الولاية عند الصوفية
- تعريف الولي والولاية
- الولاية أساس التصوف
- الولاية عند الغزالي والقشيري
- الولاية عند السهرودي
- المصادر
- العودة الي كتاب أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
تعريف الولي والولاية:
تعتمد غالب كتب المتصوفة في تعريف الولي على الرسالة القشيرية والتي جاء فيها تعريف الولي على معنيين:
* أحدهما: فعيل بمعنى مفعول، وهو من يتولى الله سبحانه أمره. قال تعالى: ) وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ( فلا يكله إلى نفسه لحظة، بل يتولى الحق سبحانه رعايته.
* والثاني: فعيل مبالغة من الفاعل، وهو الذي يتولى عبادة الله تعالى وطاعته، فعبادته تجري على التوالي من غير أن يتخللها عصيان.. فلا يخلق له الخذلان الذي هو القدرة على العصيان)).
قال ((وكلا الوصفين واجب حتى يكون الولي وليا... فمن شرط الولي أن يكون محفوظا كما أن من شرط النبي أن يكون معصوماً؟))([1]).
وفي هذين التعريفين ما يفيد اشتراط العصمة للولي.
ففي التعريف الأول: ((لا يتركه الله لنفسه لحظة واحدة)).
وفي الثاني: تتوالى عبادته فلا تنقطع ولا يتخللها عصيان.
ومن هنا يمكن ملاحظة نقطة الاختلاف والتباين بين مفهوم أهل السنة في الولي وبين فهم المتصوفة له.
فأهل السنة لا يرون أحدا معصوما غير النبي لا ولي ولا غيره. في حين أن الصوفية يجعلون العصمة شرطا للولي. ومنهم من ينفي الولاية تماما عمن وقع في زلة أو خطيئة، وأبرزهم في ذلك القشيري نفسه([2]).
الولاية أساس التصوف:
لقد قام التصوف على أساس الولاية والولي حتى قال الهويجري وهو أحد أئمة المتصوفة: ((فاعلم أن أساس التصوف والمعرفة قائم على الولاية))([3]).
وأول من طبق اصطلاح الولاية على أصول التصوف هو الحكيم الترمذي، إذ أن مذهبه كله قائم على الولاية، وأثاره التي خلفها تشهد بذلك منها كتاب ((ختم الأولياء)) ((وسيرة الأولياء))، ((وعمل الأولياء)).
وقد جعل الحكيم الولاية حظاً يختصه الله ويصطفيه لمن يشاء لولايته، كما اصطفى من شاء لنبوته. قال: ((الولي من كتب الله له الولاية وجعل له حظا، فبحظه من الله تعالى بقدر أن يتولاه كما أن النبوة لمن كتب له النبوة وجعل له حظا.
فبحظه من الله تعالى قامت له النبوة... فالمغبوط من تقرب درجته من درجة الأنبياء علوا وارتفاعا.
ثم قال بعد ذلك كلمته التي كانت إحدى بلاياه حين أخرجه أهل بلده من ترمذ. واستغلال الزنادقة لها فقال: ((وقد يكون من الأولياء من أرفع درجة)).
واستدل على مذهبه بقصة لا أصل لها وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطلب من رجل اسمه هلال أن يدعو له ويسأل الله له المغفرة، فكان هلال يكرر سؤاله إلى الله أن يغفر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الترمذي أن النبي أخبر أن هذا الرجل أحد السبعة الذين كانت تقوم بهم الأرض))([4]).
وقد تطورت هذه النظرية عند الترمذي حتى أدت إلى تفضيل الولي على النبي وإحداث رتبة للولي تسمى (خاتم الأولياء) استفادها منه ملاحدة التصوف وفلاسفته أمثال ابن عربي وبن سبعين وغيرهما([5]).
الولاية عند الغزالي والقشيري
وقد قسم الغزالي مراتب الولاية إلى أربع، قائلا ((بل الرتبة العليا للأنبياء ثم الأولياء ثم العلماء الراسخين في العلم ثم للصالحين))([6]).
فقدم الأولياء- وهم العارفون- على الراسخين الذين أثنى الله عليه ) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًا بِالْقِسْطِ ( وقوله ) وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ (([7]).
ثم قسم الروح إلى بهيمية وأمرية. فالبهيمة تختص بالبهائم وبمن هو في مثل حالها من الأنس، والأمرية يختص بها الأنبياء والأولياء، مستدلا على الروح الأمرية بقوله تعالى ) قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي (.
كذلك جعل القشيري طائفة المتصوفة صفوة أولياء الله، فضلهم على كافة عباده بعد رسله وأنبيائه([8]).
أما العلم وطلبه فلم يكن مرغوبا لدى الداعين إلى التصوف، حتى ذموه وجعلوه عائقا عن سلوك طريق القوم. فقد سئل الدقي عن سؤ أدب الفقراء مع الله فقال:انحطاطهم من الحقيقة إلى العلم([9]).
وروى الغزالي عن الجنيد أنه قال: ((أحب للمريد ألا يشغل قلبه بثلاث و إلا تغيرت حاله: التكسب، طلب الحديث، التزوج))([10]) وروى عن أبي سليمان الداراني قوله: ((إذا طلب الرجل الحديث، أو تزوج، أو سافر في طلب المعاش فقد ركن إلى الدنيا))([11]) ونص ابن عجيبة في فتوحاته الإلهية أن قول الغزالي والقشيري متفق على قبوله عند الصوفية))([12]).
الولاية عند السهرودي
ويطلع علينا السهرودي واشراقيته الفلسفية برأي لم ((يسبقه إليه أحد من المتصوفة حيث فرق بين طينة الأولياء والأنبياء من جهة وبين الطينة التي خلق الله منها سائر الخلق من جهة أخرى.
قال: ((لما بعث الله جبريل وميكائيل ليقبضا قبضة من الأرض فأبت، حتى بعث الله عزرائيل فقبض قبضته من الأرض، وكان إبليس قد وطئ الأرض بقدميه، فصار بعض الأرض بين قدميه وبعض الأرض بين موضع أقدامه.
فخلقت النفس مما مس قدم إبليس فصارت مأوى الشر. وبعضها الآخر لم يصل إليه قدم إبليس.
فمن تلك التربة أصل الأنبياء والأولياء ([13]).
ثم وصف الأولياء بأنهم: ((أجساد أرضية بقلوب سماوية وأشباح فرشية بأرواح عرشية، لأرواحهم حول العرش تطوف))([14]).
وهناك سهروردي آخر غير عمر بن محمد- صاحب عوارف المعارف- جعل أحباب الله أقل رتبة من أوليائه إذ قال: ((أن الله تعالى ادخر البلاء لأوليائه كما ادخر الشهادة لأحبابه([15]).
كما أن ابن عجيبة جعل الصالحين في مرتبة أدنى من الأولياء، فالصالحون هم الذين ((صلحت أعمالهم الظاهرة واستقامت أحوالهم الباطنة. أما الأولياء فهم أهل العلم بالله))([16]).
المصادر
([1]) الرسالة القشيرية 117 وانظر 160 وانظر جامع الأولياء وأنواعهم وأوصافهم للكشمخانلي 287.
([2]) انظر لطائف الإشارات 274.
([3]) الحكيم الترمذي ونظريته في الولاية 72.
([4]) نوادر الأصول 157- 158ط. دار صادر- بيروت.
([5]) أنظر فصل ختم الولاية عند أبن عربي وغيره.
([6]) أحياء علوم الدين 1/53 و1/39 وأنظر الأربعين في أصول الدين 195.
([7]) آل عمران 7و18
([8]) الرسالة القشيرية 2.
([9]) الرسالة القشيرية 126.
([10]) الإحياء 4: 239.
([11]) إحياء علوم الدين 1: 61، 4: 24، 2: 237، 4: 229.
([12]) الفتوحات الإلهية 271.
([13]) عوارف المعارف 47 ملحق بالجزء الخامس من كتاب الإحياء ط. المعرفة بيروت.
([14]) عوارف المعارف 42.
([15]) آداب المريدين 125 لعبد القاهر السهرودي ط الوطن العربي. القاهرة.
([16]) معراج التشوف إلى حقيقة التصوف 65.