اسم الكتاب: متن العشماوية في الفقه المالكي
المؤلف: عبدِ البَاري بن أحمد العَشْمَاوِيّ
التصنيف الفرعي للكتاب: فقه مالكي
المحتويات
.بَابٌ فِي الْحَجِّ
وَالْحَجُّ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ اْسَتَطَاعَهُ،مَرَّةً فِي الْعُمْرِ.. وَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ عَنْ أَوَّلِ سَنَةٍ يُمْكِنُهُ الْحَجُّ فِيهَا.. وَقِيلَ لاَ يَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ إِلاَّ إِذَا خَافَ فَوَاتَهُ بِحَادِثٍ أَوْ جَاوَزَ السِّتِّينَ..
وَلَهُ شُرُوطُ وُجُوبٍ،وَأَرْكَانٌ،وَسٌنَنٌ،وَمُسْتَحَبَّاتٌ..
فَأَمَّا شُرُوطُ وُجُوبِهِ فَخَمْسَةٌ: الْبُلُوغُ،وَالْعَقْلُ،وَالْحُرِّيَّةُ،وَالإِسْلاَمٌ،وَالاسْتِطَاعَةُ..
وَأَمَّا فَرَائِضُهُ،أَيْ أَرْكَانُهُ الَّتِي لاَ يَجْبُرُهَا الدَّمُ،وَيَبْطُلُ حَجُّهُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهَا،فَهِيَ خَمْسَةٌ أَيْضًا: النِّيَّةُ،وَالإِحْرَامُ،وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لَيْلاً قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ،وَطَوَافُ الإِفَاضَةِ،وَالَّسْعُي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ..
وَأَمَّا سُنَنُهُ الْمُؤَكَّدَةُ الَّتِي تُجْبَرُ بِالدَّمِ،فَعَشَرَةٌ: إِفْرَادُ الْحَجِّ.. وَالإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ.. وَالتَّلْبِيَةُ،وَأَفْضَلُهَا تَلْبِيَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم،وَهِيَ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ،لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ،إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ،لاَ شَرِيكَ لَكَ".. وَطَوَافُ القُدُومِ.. وَالمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ.. وَرَمْيُ الْجِمَارِ.. وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ.. وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ.. وَالْمَبِيتُ بِمِنَى لَيْلَةَ الرَّمْيِ.. وَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ..
فَلَوْ تَرَكَ الإِفْرَادَ وَتَمَتَّعَ أَوْ قَرَنَ،أَوْ أَحْرَمَ مِنْ غَيْرِ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ،أَوْ تَرَكَ طَوَافَ الْقُدُومِ،أَوْ تَرَكَ غَيْرَهُ مِْنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ الْمَذْكُورَةِ لَزِمَهُ دَمٌ..
الْعُمْرَةُ
وَأَمَّا الْعُمْرَةُ: فَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ،فِي الْعُمْرِ مَرَّةً.. وَلَهَا شُرُوطٌ وَأَرْكَانٌ تَأْتِي عِنْدَ ذِكْرِهَا..
وَأَمَّا بَقِيَّةُ سُنَنِهِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ فَكَثِيرَةٌ،وَسَنَذْكُرُ شَيْئًا مِنْهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى..
الإِحْرَامُ
فَأَمَّا الإِحْرَامُ: فَيَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ الْمَقْرُونَةِ بِقَوْلٍ كَالتَّلْبِيَةِ،أَوْ فِعْلٍ كَالتَّوَجُّهِ لِطَرِيقِ مَكَّةَ.. وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَغْتَسِلَ،وَيَتَجَرَّدَ مِنَ الْمَخِيطِ وَالْمُحِيطِ.. فَيُحْرِمُ إِنْ شَاءَ بِحَجٍّ مُفْرِدًا،أَوْ بِقِرَانٍ،وَإِنْ شِاءِ بِعُمْرَةٍ..
وَصِفَةُ الإِفْرَادِ: أَنْ يَقُولَ نَوَيْتُ الْحَجَّ وَأَحْرَمْتُ بِهِ لِلَّه تَعَالَى.. وَصِفَةُ الْقِرَانِ: أَنْ يَقُولَ نَوَيْتُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ وَأَحْرَمْتُ بِهِمَا لِلَّهِ تَعَالَى.. أَوْ يَنْوِيَ الْعُمْرَةَ وَحْدَهَا ثُمَّ يُرْدِفُ الْحَجَّ عَلَيْهَا،مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ طَوَافِهَا.. وَصِفَةُ الْعُمْرَةِ: أَنْ َيقُولَ نَوَيْتُ الْعُمْرَةَ وَأَحْرَمْتُ بِهَا لِلَّهِ تَعَالَى.. وَلاَ يُشْتَرَطُ التَّلَفُّظُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ،بَلْ لَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ أَجْزَأَهُ..
فَإِذَا دَخَلَ فِي الإِحْرَامِ،حَرُمَ عَلَيْهِ: لَبْسُ الثِّيَابِ،وَالنَّعْلِ،وَالْمُحِيطِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَخِيطِ.. وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْمَخِيطَ عَلَى ظَهْرِهِ مُلْتَحِفًا بِهِ..
وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ: لَبْسُ الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ وَالْمُوَرَّسَ مِنَ الثِّيَابِ،وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا دَهْنُ اللَّحْيَةِ وَالرَّأْسِ.. وَلاَ يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلاَ يَمْشُطُهُ وَلاَ يُغَطِّيهِ..
وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ: فِي وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا: وَتُغَطِّي رَأْسَهَا بِلاَ غَرْزٍ وَلاَ خِيَاطَةٍ،وَتَسْدِلُ شَيْئًا عَلَى وَجْهِهَا لِلسَّتْرِ..
وَلاَ يَطْرَحُ الْقِرَادَ عَنْ دَابَّتِهِ.. وَلاَ يَحُكُّ مَا لاَ يَرَاهُ مِنْ بَدَنِهِ إِلاَّ بِرِفْقٍ لِئَلاَّ يَقْتُلَ الدَّوَابَّ.. وَلاَ قَلْمُ أَظْفَارِهِ،فَإِنْ قَلَّمَ وَاحِدًا بِغَيْرِ كَسْرٍ أَطْعَمَ حِفْنَةً.. وَلاَ يُزِيلُ شَعْثًا وَلاَ وَسَخًا.. وَلاَ يَقْتُلُ قَمْلَةً وَلاَ بَرْغُوثًا،وَلاَ يَطْرَحُهَا عَنْ نَفْسِهِ وَلاَ عَنْ غَيْرِهِ،وَلَهُ طَرْحُ الْبَرْغُوثِ وَالْعَلَقِ.. وَلاَ يَدَّهِنُ بِدُهْنٍ مُطَيّبٍ.. وَلاَ يَكْتَحِلُ إِلاَّ مِنْ ضَرُورَةٍ بِكُحْلٍ لاَ طِيبَ فِيهِ.. وَلاَ يَصْطَحِبُ طِيبًا،وَلاَ يَسْتَدِيمُ شَمَّهُ.. وَلاَ يَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فِي الْحَرَمِ وَلاَ فِي غَيْرِهِ.. وَلاَ يَذْبَحُ صَيْدًا صَادَهُ حَلاَلٌ أَوْ مُحْرِمٌ.. وَلَهُ ذَبْحُ الطَّيْرِ الَّذِي لاَ يَطِيرُ،كَالإِوَزِّ وَالدَّجَاجِ ..
فَإِنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنَ الصَّيْدِ: فَعَلَيْهِ جَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ،يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ.. أَوْ كَفَّارَةُ ذَلِكَ طَعَامُ مَسَاكِينَ.. أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا..
وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْمَمْنُوعَاتِ الَّتِي لاَ تُفْسِدُ الْحَجَّ،كَلَبْسِ ثِيَابِهِ أَوْ تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ أَوْ حَلْقِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ،فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وُجُوبًا..
وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ،إِلاَّ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَظُنَّ أَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ مُبَاحٌ.. الثاني: أَنْ يَقَعَ التَّعَدُّدُ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ،كَأَنْ يَلْبَسَ وَيُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَيُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَيَقْتُلَ الْقَمْلَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ دُفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ.. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَنْوِيَ التَّكْرَارَ،فَإِنْ نَوَاهُ فَلاَ تَتَكَرَّرُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ بَعْدَ مَا بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ.. الرَّابِعَةُ: أَلاَّ يَحْصُلَ بِالْفِعْلِ الثَّانِي انْتِفَاعٌ زَائِدٌ عَلَى الأَوَّلِ،كَأَنْ يُقَدِّمَ الثَّوْبَ عَلَى السَّرَاوِيلَ،أَوْ الْقَلَنْسُوَةَ عَلَى الْعِمَامَةِ،أَمَّا لَوْ قَدَّمَ السَّرَاوِيلَ أَوْ الْعِمَامَةَ لَتَكَرَّرَتْ.. وَيُشْتَرَطُ فِي اللَّبْسِ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِهِ انْتِفَاعٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ،فَإِنْ نَزَعَهُ مَكَانَهُ فَلاَ فِدْيَةَ..
وَلَهُ قَتْلُ الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ،كَالأَسَدِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْغُرَابِ وَالْحَدَأَةِ وَالزَّنْبُورِ.. وَيَجُوزُ لَهُ صَيْدُ الْبَحْرِ مُطْلَقًا..
وَلاَ يَقْرَبُ النِّسَاءَ،وَلاَ يَخْطِبُ امْرَأَةً لِنَفْسِهِ وَلاَ لِغَيْرِهِ،وَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ..
بطلان الحج
وَيَفْسُدُ حَجُّهُ بِالْجِمَاعِ، وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَبِاسْتِدْعَاءِ الْمَنِيِّ وَلَوْ بِالنَّظَرِ،وَبِالْمَذْيِ..
وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَقَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ،أَوْ بِتَرْكِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ،وَيُعَاوِدُ التَّلْبِيَةَ فِي كُلِّ صُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَمُلاَقَاةِ رُفْقَةٍ..
وَيُكْرَهُ الإِلْحَاحُ بِهَا جِدًّا،وَالزِّيَادَةُ عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم،وَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي لِدُخُولِ بُيُوتِ مَكَّةَ أَوْ لِلطَّوَافِ - عَلَى الْخِلاَفِ فِي ذَلِكَ -،هَذَا إِنْ أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ.. فَإِنْ أَحْرَمَ مِنَ الْجُعْرَانَةِ أَوْ التَّنْعِيمِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إِذَا وَصَلَ لِبُيُوتِ مَكَّةَ،ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْ كُدَاءِ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ إِنْ جَاءَ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ،وَيُلاَحِظُ بِقَلْبِهِ جَلاَلَةَ الْبُقْعَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا،يَمْهَدُ عَلَى مَنْ زَاحَمَهُ،وَمَا نُزِعَتْ الرَّحْمَةُ إِلاَّ مِنْ قَلْبٍ شَقِيٍّ،ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ،وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَي،وَيَتَعَوَّذُ،وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم،وَيَسْتَحْضِرُ عِنْدَ رُؤْيَا الْبَيْتِ مَا أَمْكَنَهُ مِنَ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ،فَيَقْصِدُ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ وَيَسْتَلِمُهُ إِنْ أَمْكَنَهُ،وَيَطُوفُ وَيَنْوِي طَوَافَ الْقُدُومِ إِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ قِرَانٍ.. وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ نَوَى طَوَافَ الْعُمْرَةِ،وَيَبْتَدِئُ الطَّوَافَ مِنَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ،فَيَسْتَلِمُهُ إِنْ أَمْكَنَهُ،وَيَطُوفُ..
شروط الطواف
وَيُشْتَرَطُ فِي الطَّوَافِ: طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ،وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ كَالصَّلاَةِ،وَكَمَالُ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ،وَمُوَالاَتُهُ،وَكَوْنُهُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ،خَارِجًا عَنْ مِقْدَارِ سِتَّةِ أَذْرْعٍ مِنَ الْحِجْرِ – بِكَسْرِ الْحَاءِ – وَعَنِ الشَّاذَرْوَانِ،وَكَوْنُ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ..
فَإِذَا تَمَّ طَوَافُهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِأَيِّ مَكَانٍ مِنَ الْمَسْجِدِ،وَالأَحْسَنُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ،ثُمَّ يَخْرُجُ لِلصَّفَا مِنْ بَابِ الصَّفَا وَفِي قَلْبِهِ صَفَا،وَيَرْقَى عَلَيْهَا،وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ،وَيَدْعُو بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ،ثُمَّ يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ "ثَلاَثًا"،وَيُثْنِي عَلَى اللهِ،وَيُصَلِّي عَلَى رَسُولِهِ،وَيَنْحَدِرُ نَحْوَ الْمَرْوَةِ مُشْتَغِلاً بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .. فَإِذَا وَصَلَ إِلَى بَطْنِ الْمَسِيلِ،وَذَلِكَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الأَخْضَرَيْنِ خَبَّ – وَالْخَبُّ فَوْقَ الرَّمَلِ وَدُونَ الْجَرْيِ -،فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الْعَمُودِ الثَّانِي تَرَكَ الْخَبَبَ،يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الأَشْوَاطِ..
فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الْمَرْوَةَ رَقَى عَلَيْهَا،وَفَعَلَ مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّفَا،ثُمَّ يَنْحَدِرُ إِلَى الصَّفَا دَاعِيًا وَمُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا فَعَلَ فِي الشَّوْطِ الأَوَّلِ،فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الصَّفَا فَذَلِكَ شَوْطٌ ثَانٍ،وَهَكَذَا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ.. فَيَكْمُلُ لَهُ أَرْبَعُ وَقَفَاتٍ عَلَى الصَّفَا وَأَرْبَعٌ عَلَى الْمَرْوَةِ،وَيَخْتِمُ بِهَا..
وَشُرُوطُ السَّعْيِ: إِكْمَالُ سَبْعَةَ أََشْوَاطٍ،وَالْبَدَاءَةُ بِالصَّفَا،وِتَقَدُّمُ طَوَافٍ صَحِيحٍ عَلَيْهِ.. فَإِذَا تَمَّ سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ تَحَلَّلَ حِينَئِذٍ إِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ،بِنَحْوِ هَدْيٍ أَوْ حَلْقِ رَأْسِهِ..
وَأَفْضَلُ الْهَدْيِ: الإِبِلُ،ثُمَّ الْبَقَرُ،ثُمَّ الضَّأْنُ،ثُمَّ الْمَعْزُ.. وَحُكْمُهَا فِي السِّنِّ وَالسَّلاَمَةِ مِنَ الْعُيُوبِ حُكْمَ الضَّحَايَا..
وَيَجُوزُ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا،إِلاَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ: الصَّيْدِ،وَفِدْيَةِ الأَذَى،وَنَذْرِ المَسَاكِينِ،وَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إِذَا عَطُبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ..
وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ قِرَانٍ عَاوَدَ التَّلْبِيَةَ،وَيُكْثِرُ مِنَ الطَّوَافِ وَشُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ.. وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ أَوِ الْحَرَمِ فَلاَ يَطُوفُ وَلاَ يَسْعَى حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ عَرَفَةَ..
فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهَ الإِمَامُ وَالنَّاسُ إِلَى مِنَى بِقَدْرِ مَا يُدْرِكُونَ بِهَا الظُّهْرَ،وَلَوْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ..
فَإِذَا وَصَلَ إِلَى مِنَى نَزَلَ بِهَا حَيْثُ شَاءَ.. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبِيتَ بِهَا وَلاَ يَرْتَحِلُ مِنْهَا لِطُلُوعِ الشَّمْسِ،وَهَذِهِ السُّنَّةُ قَدْ تَرَكَهَا أَكْثَرُ النَّاسِ الْيَوْمَ،فَإِذَا وَصَلَ إِلَى عَرَفَةَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْزِلَ بِنَمِرَةَ،وَهَذِهِ السُّنَّةُ قَدْ تُرِكَتْ أَيْضًا،وَإِنَّمَا يَنْزِلُ النَّاسُ الْيَوْمَ فِي مَوْضِعِ الْوُقُوفِ،فَلْيُحَافِظْ عَلَى إِحْيَائِهَا..
فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَلْيَرْجِعْ إِلَى مَسْجِدِ نَمِرَةَ.. وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَئِذٍ،وَلاَ يُلَبِّي بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ،ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا وَقَصْرًا،لِكُلِّ صَلاَةٍ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ،وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَ الإِمَامِ جَمَعَ وَقَصَرَ فِي رَحْلِهِ،ثُمَّ يَأْتِي لِلْمَوْقِفِ،وَعَرَفُة كُلُّهَا مَوْقِفٌ..
فَيَقِفُ رَاكِبًا مُسْتَقْبِلاً مُتَضَرِّعًا خَاضِعًا يَدْعُو إِلَى الْغُرُوبِ،فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ دَابَّةٌ وَقَفَ قَائِمًا،فَإِذاَ تَعِبَ جَلَسَ،فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ الإِمَامُ وَالنَّاسُ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ..
فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمْعًا وَقَصْرًا،وَالنُّزُولُ بِمُزْدَلِفَةَ وَاجِبٌ, وَالْمَبِيتُ بِهَا سُنَّةٌ،فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى الصُّبْحَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا،ثُمَّ يَقِفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ،وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ،ثُمَّ يَنْصَرِفُ..
فَإِذَا وَصَلَ إِلَى مِنَى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ،فَلْيَرْمِهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ،وَقَدْ حَصَلَ لَهُ بِهَذَا الرَّمْيِ التَّحَلُّلُ الأَصْغَرُ،فَيَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّسَاءُ وَالصَّيْدُ،وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ،ثُمَّ يَحْلِقُ رَأْسَهُ..
ثُمَّ يَأْتِي مَكَّةَ فَيَطُوفُ طَوَافَ الإِفَاضَةِ،وَيَسْعَى إِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى أَوّلاً،بِأَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنَ الْحَرَمِ أَوْ مِنَ الْحِلِّ وَلَمْ يَسْعَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ،وَقَدْ حَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ الأَكْبَرٌ،فَيَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ،حَتَّى النِّسَاءُ وَالصَّيْدُ.. ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مِنَى فَيَبِيتُ بِهَا ثَلاَثَ لَيَالٍ إِنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ،وَلَيْلَتَيْنِ إِنْ تَعَجَّلَ
فَإِذَا زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي رَمَى الْجِمَارَ الثَّلاَثَ.. فَيَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الأُولًى،وَهِيَ الَّتِي عَلَى مَسْجِدِ مِنَى،ثُمًّ الْوُسْطَى،ثُمَّ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.. ثُمَّ يَرْجِعُ إِلِى رَحْلِهِ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ..
فَإَذَا زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مِنَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلاَثَ أَيْضًا مِثْلَمَا صَنَعَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي،ثُمَّ إِنْ شَاءَ تَعَجَّلَ وَسَقَطَ عَنْهُ الْمَبِيتُ وَرَمْيُ جِمَارِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ..
وَمَتَى غَرَبَتْ الشَّمْسُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ لَزِمَهُ الْمَبِيتُ،وَلَزِمَهُ رَمْيُ الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ،وَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ..
فَإِذَا أَتَى مَكَّةَ وَكَانَ آفَاقِيًّا وَقَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ،قَالَ مَالِكٌ: هِيَ آكَدُ مِنَ الْوِتْرِ،وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَخَّصَ فِي تَرْكِهَا.. وَذَهَبَ ابْنُ الْجُهْمِ وَابْنُ حَبِيبٍ إِلَى وُجُوبِهَا..
وَيكُرَهُ تَكْرَارُهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ،وَقِيلَ لاَ تُكْرَهُ،وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لاَ بَأْسَ بِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ..
وَيَجِبُ فِي الإِحْرَامِ بِهَا مَا يَجِبُ فِي الإِحْرَامِ بِالْحَجِّ: مِنَ التَّجَرُّدِ وَالنِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ وَاجْتِنَابِ النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ.. وَيَجِبُ لَهَا الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ بِشُرُوطِهِمَا السَّابِقَةِ..
وَبِتَمَامِ السَّعْيِ قَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ.. فَيَتَحَلَّلُ مِنْهَا بِفِعْلِ مَا تَقَدَّمَ،ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى شَأْنِهِ،وَيُكْثِرُ مِنَ الذِّكْرِ وَتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ وَمُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ وَكَثْرَةِ الطَّوَافِ وَشُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ،وَيَغْتَنِمُ فِي إِقَامَتِهِ تِلْكَ الأَيَّامِ الثَّلاَثِ القَلاَئِلِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الأَمَاكِنِ..
وَلَيْسَ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْوُقُوفِ دُعَاءٌ مُخْتَصٌّ بِهِ،وَأَحْسَنُ مَا يَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى بِهِ الْعَافِيَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ،وَالأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ.. وَالثَّابِتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.. وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ..
وَقَدْ تَمَّ مَا أَلْحَقَهُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ الْقَدِيرِ،أَحْمَدُ بْنُ تُرْكِيِّ،عَلَى مُقَدِّمَةِ الشَّيْخِ الإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلاَّمَةِ سَيِّدِي عَبْدِ البَارِي العَشْمَاوِيِّ رَحِمَهُ اللهُ.. وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.. آمِينَ.