المؤلف: محمد بن علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن الحنفي الحصكفي (ت ١٠٨٨ هـ)
التصنيف الفرعي للكتاب: الفقه علي المذهب الحنفي
المحتويات
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
حمدا لك يا من شرحت صدورنا بأنواع الهداية سابقا، ونورت بصائرنا
بتنوير الأبصار لاحقا، وأفضت علينا من أشعة شريعتك المطهرة بحرا رائقا، وأغدقت
لدينا من بحار منحك الموفرة نهرا فائقا، وأتممت نعمتك علينا حيث يسرت ابتداء
تبييض هذا الشرح المختصر تجاه وجه منبع الشريعة والدرر، وضجيعيه الجليلين أبي بكر
وعمر، بعد الإذن منه صلى الله عليه وسلم.
وعلى آله وصحبه الذين
حازوا من منح فتح كشف فيض فضلك الوافي حقائقا. وبعد: فيقول فقير ذي اللطف
الخفي. محمد علاء الدين الحصكفي ابن الشيخ علي الإمام بجامع بني أمية ثم المفتي
بدمشق المحمية الحنفي: لما بيضت الجزء الأول من خزائن الأسرار، وبدائع الأفكار،
في شرح تنوير الأبصار وجامع البحار، قدرته في عشر مجلدات كبار، فصرفت عنان
العناية نحو الاختصار، وسميته بالدر المختار، في شرح تنوير الأبصار، الذي فاق كتب
هذا الفن في الضبط والتصحيح والاختصار، ولعمري لقد أضحت روضة هذا العلم به مفتحة
الأزهار، مسلسلة الأنهار، من عجائبه ثمرات التحقيق تختار، ومن غرائبه ذخائر تدقيق
تحير الأفكار، لشيخ شيخنا شيخ الإسلام محمد بن عبد الله التمرتاشي الحنفي الغزي
عمدة المتأخرين الأخيار.
فإني أرويه عن شيخنا الشيخ عبد النبي
الخليلي، عن المصنف عن ابن نجيم المصري بسنده إلى صاحب المذهب أبي حنيفة، بسنده
إلى النبي صلى الله عليه وسلم المصطفى المختار، عن جبريل، عن الله الواحد القهار،
كما هو مبسوط في إجازاتنا بطرق عديدة، عن المشايخ المتبحرين الكبار.
وما
كان في الدرر والغرر لم أعزه إلا ما ندر، وما زاد وعز نقله عزوته لقائله وما
للاختصار، ومأمولي من الناظر فيه أن ينظر بعين الرضا والاستبصار، وأن يتلافى
تلافه بقدر الإمكان، أو يصفح ليصفح عنه عالم الإسرار والإضمار، ولعمري إن السلامة
من هذا الخطر لأمر يعز على البشر.
ولا غرو فإن النسيان من خصائص
الإنسانية، والخطأ والزلل من شعائر الآدمية، وأستغفر الله مستعيذا به من حسد يسد
باب الإنصاف، ويرد عن جميل الأوصاف. ألا وإن الحسد حسك من تعلق به هلك، وكفى
للحاسد ذما آخر سورة الفلق، في اضطرامه بالقلق، لله در الحسد ما أعدله، بدأ
بصاحبه فقتله. وما أنا من كيد الحسود بآمن ولا جاهل يزري ولا يتدبر ولله در
القائل: هم يحسدوني وشر الناس كلهم من عاش في الناس يوما غير محسود إذ لا يسود
سيد بدون ودود يمدح، وحسود يقدح، لأن من زرع الإحن، حصد المحن؛ فاللئيم يفضح،
والكريم يصلح.
لكن يا أخي بعد الوقوف على حقيقة الحال، والاطلاع على
ما حرره المتأخرون كصاحب البحر والنهر والفيض والمصنف وجدنا المرحوم وعزمي زاده
وأخي زاده وسعدي أفندي والزيلعي والأكمل والكمال وابن الكمال، مع تحقيقات سنح بها
البال، وتلقيتها عن فحول الرجال ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من
اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه، ومع هذا فمن أتقن كتابي هذا فهو الفقيه
الماهر، ومن ظفر بما فيه، فسيقول بملء فيه: كم ترك الأول للآخر ومن حصله فقد
حصل له الحظ الوافر، لأنه هو البحر لكن بلا ساحل، ووابل القطر غير أنه متواصل
بحسن عبارات ورمز إشارات وتنقيح معاني، وتحرير مباني، وليس الخبر كالعيان، وستقر
به بعد التأمل العينان، فخذ ما نظرت من حسن روضه الأسمى، ودع ما سمعت عن الحسن
وسلمى: خذ ما نظرت ودع شيئا سمعت به في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل.
هذا
وقد أضحت أعراض المصنفين أغراض سهام ألسنة الحساد، ونفائس تصانيفهم معرضة بأيديهم
تنتهب فوائدها ثم ترميها بالكساد: أخا العلم لا تعجل بعيب مصنف ولم تتيقن زلة
منه تعرف فكم أفسد الراوي كلاما بعقله وكم حرف الأقوال قوم وصحفوا وكم ناسخ أضحى
لمعنى مغيرا وجاء بشيء لم يرده المصنف وما كان قصدي من هذا أن يدرج ذكري بين
المحررين. من المصنفين والمؤلفين. بل القصد رياض القريحة وحفظ الفروع
الصحيحة. مع رجاء الغفران. ودعاء الإخوان، وما علي من إعراض الحاسدين عنه حال
حياتي فسيتلقونه بالقبول إن شاء الله تعالى بعد وفاتي، كما قيل: ترى الفتى ينكر
فضل الفتى لؤما وخبثا فإذا ما ذهب لج به الحرص على نكتة يكتبها عنه بماء الذهب
فهاك مؤلفا مهذبا بمهمات هذا الفن، مظهرا لدقائق استعملت الفكر فيها إذا ما الليل
جن، متحريا أرجح الأقوال وأوجز العبارة، معتمدا في دفع الإيراد ألطف الإشارة؛
فربما خالفت في حكم أو دليل فحسبه من لا اطلاع له ولا فهم عدولا عن السبيل، وربما
غيرت تبعا لما شرح عليه المصنف كلمة أو حرفا، وما درى أن ذلك لنكتة تدق عن نظره
وتخفى.
وقد أنشدني شيخي الحبر السامي والبحر الطامي. واحد زمانه
وحسنة أوانه. شيخ الإسلام الشيخ خير الدين الرملي أطال الله بقاءه: قل لمن لم
ير المعاصر شيئا ويرى للأوائل التقديما إن ذاك القديم كان حديثا وسيبقى هذا
الحديث قديما على أن المقصود والمراد، ما أنشدنيه شيخي رأس المحققين النقاد محمد
أفندي المحاسني وقد أجاد: لكل بني الدنيا مراد ومقصد وإن مرادي صحة وفراغ لأبلغ
في علم الشريعة مبلغا يكون به لي في الجنان بلاغ ففي مثل هذا فلينافس أولو النهى
وحسبي من الدنيا الغرور بلاغ فما الفوز إلا في نعيم مؤبد به العيش رغد والشراب
يساغ.
مقدمة حق على من حاول علما أن يتصوره بحده أو رسمه ويعرف
موضوعه وغايته واستمداده. فالفقه لغة: العلم بالشيء ثم خص بعلم الشريعة، وفقه
بالكسر فقها علم، وفقه بالضم فقاهة صار فقيها. واصطلاحا: عند الأصوليين العلم
بالأحكام الشرعية الفرعية المكتسب من أدلتها التفصيلية وعند الفقهاء: حفظ
الفروع وأقله ثلاث. وعند أهل الحقيقة: الجمع بين العلم والعمل لقول الحسن
البصري: إنما الفقيه المعرض عن الدنيا، الزاهد في الآخرة، البصير بعيوب نفسه
وموضوعه: فعل المكلف ثبوتا أو سلبا. واستمداده: من الكتاب والسنة والإجماع
والقياس. وغايته: الفوز بسعادة الدارين.
وأما فضله: فكثير
شهير، ومنه ما في الخلاصة وغيرها النظر في كتب أصحابنا من غير سماع أفضل من قيام
الليل وتعلم الفقه أفضل من تعلم باقي القرآن وجميع الفقه لا بد منه. وفي
الملتقط وغيره من محمد: لا ينبغي للرجل أن يعرف بالشعر والنحو؛ لأن آخر أمره
إلى المسألة وتعليم الصبيان، ولا بالحساب لأن آخر أمره إلى مساحة الأرضين، ولا
بالتفسير؛ لأن آخر أمره إلى التذكير والقصص بل يكون علمه في الحلال والحرام وما
لا بد منه من الأحكام، كما قيل: إذا ما اعتز ذو علم بعلم فعلم الفقه أولى
باعتزاز فكم طيب يفوح ولا كمسك وكم طير يطير ولا كبازي وقد مدحه الله تعالى
بتسميته خيرا بقوله تعالى -: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} - وقد
فسر الحكمة زمرة أرباب التفسير بعلم الفروع الذي هو علم الفقه ومن هنا قيل:
وخير علوم علم فقه لأنه يكون إلى كل العلوم توسلا فإن فقيها واحدا متورعا على ألف
ذي زهد تفضل واعتلى وهما مأخوذان مما قيل للإمام محمد الفقيه: تفقه فإن الفقه
أفضل قائد إلى البر والتقوى وأعدل قاصد وكن مستفيدا كل يوم زيادة من الفقه واسبح
في بحور الفوائد فإن فقيها واحدا متورعا أشد على الشيطان من ألف عابد ومن كلام
علي رضي الله عنه: ما الفضل إلا لأهل العلم أنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
ووزن كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء ففز بعلم ولا تجهل به أبدا
الناس موتى وأهل العلم أحياء وقد قيل: العلم وسيلة إلى كل فضيلة، العلم يرفع
المملوك إلى مجالس الملوك، لولا العلماء لهلك الأمراء. وإنما العلم لأربابه
ولاية ليس لها عزل إن الأمير هو الذي يضحى أميرا عند عزله إن زال سلطان الولاية
كان في سلطان فضله.
واعلم أن تعلم العلم يكون فرض عين وهو بقدر ما
يحتاج لدينه. وفرض كفاية، وهو ما زاد عليه لنفع غيره. ومندوبا، وهو التبحر في
الفقه وعلم القلب. وحراما، وهو علم الفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وعلوم
الطبائعيين والسحر والكهانة، ودخل في الفلسفة المنطق، ومن هذا القسم علم الحرف
وعلم الموسيقى. ومكروها وهو أشعار المولدين من الغزل والبطالة، ومباحا كأشعارهم
- - التي لا يستخف فيها كذا في فوائد شتى من الأشباه والنظائر.
ثم
نقل مسألة الرباعيات، ومحطها أن الفقه هو ثمرة الحديث، وليس ثواب الفقيه أقل من
ثواب المحدث، وفيها كل إنسان غير الأنبياء لا يعلم ما أراد الله تعالى له وبه؛
لأن إرادته تعالى غيب إلا الفقهاء فإنهم علموا إرادته تعالى بهم بحديث الصادق
المصدوق: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» وفيها: كل شيء يسأل عنه العبد
يوم القيامة إلا العلم؛ لأنه طلب من نبيه أن يطلب الزيادة منه -: {وقل رب
زدني علما} - فكيف يسأل عنه؟.
وفيها إذا سئلنا عن مذهبنا ومذهب
مخالفنا قلنا وجوبا: مذهبنا صواب يحتمل الخطأ ومذهب مخالفنا خطأ يحتمل
الصواب. وإذا سئلنا عن معتقدنا ومعتقد خصومنا. قلنا وجوبا الحق ما نحن عليه
والباطل ما عليه خصومنا.
وفيها: العلوم ثلاثة: علم نضج وما
احترق، وهو علم النحو والأصول. وعلم لا نضج ولا احترق، وهو علم البيان
والتفسير. وعلم نضج واحترق، وهو علم الحديث والفقه. وقد قالوا: الفقه زرعه
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وسقاه علقمة، وحصده إبراهيم النخعي، وداسه حماد،
وطحنه أبو حنيفة، وعجنه أبو يوسف وخبزه محمد، فسائر الناس يأكلون من خبزه، وقد
نظم بعضهم فقال: الفقه زرع ابن مسعود وعلقمة حصاده ثم إبراهيم دواس نعمان طاحنه
يعقوب عاجنه محمد خابز والآكل الناس وقد ظهر علمه بتصانيفه كالجامعين والمبسوط
والزيادات والنوادر، حتى قيل إنه صنف في العلوم الدينية تسعمائة وتسعة وتسعين
كتابا. ومن تلامذته الشافعي رضي الله عنه. وتزوج بأم الشافعي وفوض إليه كتبه
وماله فبسببه صار الشافعي فقيها. ولقد أنصف الشافعي حيث قال: من أراد الفقه
فليلزم أصحاب أبي حنيفة، فإن المعاني قد تيسرت لهم، والله ما صرت فقيها إلا بكتب
محمد بن الحسن.
وقال إسماعيل بن أبي رجاء: رأيت محمدا في المنام
فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، ثم قال: لو أردت أن أعذبك ما
جعلت هذا العلم فيك، فقلت له: فأين أبو يوسف؟ قال: فوقنا بدرجتين قلت:
فأبو حنيفة؟ قال: هيهات، ذاك في أعلى عليين. كيف وقد صلى الفجر بوضوء
العشاء أربعين سنة، وحج خمسا وخمسين حجة، ورأى ربه في المنام مائة مرة، ولها قصة
مشهورة. وفي حجته الأخيرة استأذن حجبة الكعبة بالدخول ليلا فقام بين العمودين
على رجله اليمنى ووضع اليسرى على ظهرها حتى ختم نصف القرآن ثم ركع وسجد ثم قام
على رجله اليسرى ووضع اليمنى على ظهرها حتى ختم القرآن، فلما سلم بكى وناجى ربه
وقال: إلهي ما عبدك هذا العبد الضعيف حق عبادتك لكن عرفك حق معرفتك، فهب نقصان
خدمته لكمال معرفته، فهتف هاتف من جانب البيت: يا أبا حنيفة قد عرفتنا حق
المعرفة وخدمتنا فأحسنت الخدمة، قد غفرنا لك ولمن اتبعك ممن كان على مذهبك إلى
يوم القيامة.
وقيل لأبي حنيفة: بم بلغت ما بلغت؟ قال: ما بخلت
بالإفادة، وما استنكفت عن الاستفادة. قال مسافر بن كدام: من جعل أبا حنيفة
بينه وبين الله رجوت أن لا يخاف. وقال فيه: حسبي من الخيرات ما أعددته يوم
القيامة في رضا الرحمن دين النبي محمد خير الورى ثم اعتقادي مذهب النعمان وعنه
عليه الصلاة والسلام: «إن آدم افتخر بي وأنا أفتخر برجل من أمتي اسمه نعمان
وكنيته أبو حنيفة، هو سراج أمتي» وعنه عليه الصلاة والسلام: «إن سائر الأنبياء
يفتخرون بي وأنا أفتخر بأبي حنيفة، من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني» كذا
في التقدمة شرح مقدمة أبي الليث. قال في الضياء المعنوي: وقول ابن الجوزي إنه
موضوع تعصب؛ لأنه روي بطرق مختلفة.
وروى الجرجاني في مناقبه بسنده
لسهل بن عبد الله التستري أنه قال " لو كان في أمتي موسى وعيسى مثل أبي حنيفة
لما تهودوا ولما تنصروا " ومناقبه أكثر من أن تحصى، وصنف فيها سبط بن الجوزي
مجلدين كبيرين، وسماه الانتصار لإمام أئمة الأمصار وصنف غيره أكثر من ذلك
والحاصل
أن أبا حنيفة النعمان من أعظم معجزات المصطفى بعد القرآن، وحسبك من مناقبه اشتهار
مذهبه ما قال قولا إلا أخذ به إمام من الأئمة الأعلام، وقد جعل الله الحكم
لأصحابه وأتباعه من زمنه إلى هذه الأيام، إلى أن يحكم بمذهبه عيسى عليه السلام،
وهذا يدل على أمر عظيم اختص به من بين سائر العلماء العظام، كيف لا وهو كالصديق
رضي الله عنه، له أجره وأجر من دون الفقه وألفه وفرع أحكامه على أصوله العظام،
إلى يوم الحشر والقيام. وقد اتبعه على مذهبه كثير من الأولياء الكرام، ممن اتصف
بثبات المجاهدة، وركض في ميدان المشاهدة كإبراهيم بن أدهم وشقيق البلخي ومعروف
الكرخي وأبي يزيد البسطامي وفضيل بن عياض وداود الطائي، وأبي حامد اللفاف وخلف بن
أيوب وعبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح وأبي بكر الوراق، وغيرهم ممن لا يحصى
لبعده أن يستقصى، فلو وجدوا فيه شبهة ما اتبعوه، ولا اقتدوا به ولا وافقوه.
وقد
قال الأستاذ أبو القاسم القشيري في رسالته مع صلابته في مذهبه وتقدمه في هذه
الطريقة: سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: أنا أخذت هذه الطريقة من أبي
القاسم النصراباذي. وقال أبو القاسم: أنا أخذتها من الشبلي، وهو أخذها من
السري السقطي، وهو من معروف الكرخي، وهو من داود الطائي. وهو أخذ العلم
والطريقة من أبي حنيفة، وكل منهم أثنى عليه وأقر بفضله. فعجبا لك يا أخي: ألم
يكن لك أسوة حسنة في هؤلاء السادات الكبار؟ أكانوا متهمين في هذا الإقرار
والافتخار، وهم أئمة هذه الطريقة، وأرباب الشريعة والحقيقة، ومن بعدهم في هذا
الأمر فلهم تبع، وكل ما خالف ما اعتمدوه مردود ومبتدع. وبالجملة فليس أبو حنيفة
في زهده وورعه وعبادته وعلمه وفهمه بمشارك ومما قال فيه ابن المبارك رضي الله
عنه: لقد زان البلاد ومن عليها إمام المسلمين أبو حنيفه بأحكام وآثار وفقه
كآيات الزبور على صحيفه فما في المشرقين له نظير ولا في المغربين ولا بكوفه يبيت
مشمرا سهر الليالي وصام نهاره لله خيفه فمن كأبي حنيفة في علاه إمام للخليفة
والخليقه رأيت العائبين له سفاها خلاف الحق مع حجج ضعيفه وكيف يحل أن يؤذى فقيه
له في الأرض آثار شريفه وقد قال ابن إدريس مقالا صحيح النقل في حكم لطيفه بأن
الناس في فقه عيال على فقه الإمام أبي حنيفه فلعنة ربنا أعداد رمل على من رد قول
أبي حنيفه وقد ثبت أن ثابتا والد الإمام أدرك الإمام علي بن أبي طالب فدعا له
ولذريته بالبركة.
وصح أن أبا حنيفة سمع الحديث من سبعة من الصحابة
كما بسط في أواخر منية المفتي، وأدرك بالسن نحو عشرين صحابيا كما بسط في أوائل
الضياء. وقد ذكر العلامة شمس الدين محمد أبو النصر بن عرب شاه الأنصاري الحنفي
في منظومته الألفية المسماة بجواهر العقائد ودرر القلائد ثمانية من الصحابة ممن
روى عنهم الإمام الأعظم أبو حنيفة حيث قال: معتقدا مذهب عظيم الشان أبي حنيفة
الفتى النعمان التابعي سابق الأئمه بالعلم والدين سراج الأمه جمعا من أصحاب النبي
أدركا أثرهم قد اقتفى وسلكا طريقة واضحة المنهاج سالمة من الضلال الداجي وقد روى
عن أنس. وجابر وابن أبي أوفى كذا عن عامر أعني أبا الطفيل ذا ابن واثله وابن
أنيس الفتى وواثله عن ابن جزء قد روى الإمام وبنت عجرد هي التمام فرضي الله
الكريم دائما عنهم وعن كل الصحاب العظما وتوفي ببغداد قيل في السجن ليلي القضاء
وله سبعون سنة بتاريخ خمسين ومائة، قيل ويوم توفي ولد الإمام الشافعي رضي الله
عنه فعد من مناقبه. وقد قيل: الحكمة في مخالفة تلامذته له أنه رأى صبيا يلعب
في الطين فحذره من السقوط، فأجابه بأن: احذر أنت السقوط، فإن في سقوط العالم
سقوط العالم، فحينئذ قال لأصحابه: إن توجه لكم دليل فقولوا به، فكان كل يأخذ
برواية عنه ويرجحها، وهذا من غاية احتياطه وورعه -.
وعلم بأن
الاختلاف من آثار الرحمة، فمهما كان الاختلاف أكثر كانت الرحمة أوفر، لما
قالوا: رسم المفتي أن ما اتفق عليه أصحابنا في الروايات الظاهرة يفتى به
قطعا. واختلف فيما اختلفوا فيه، والأصح كما في السراجية وغيرها أنه يفتي بقول
الإمام على الإطلاق، ثم بقول الثاني، ثم بقول الثالث، ثم بقول زفر والحسن بن
زياد، وصحح في الحاوي القدسي قوة المدرك
وفي وقف البحر وغيره: متى
كان في المسألة قولان مصححان جاز القضاء والإفتاء بأحدهما. وفي أول المضمرات:
أما العلامات للإفتاء فقوله وعليه الفتوى، وبه يفتى، وبه نأخذ، وعليه الاعتماد،
وعليه عمل اليوم وعليه عمل الأمة، وهو الصحيح، أو الأصح، أو الأظهر، أو الأشبه،
أو الأوجه، أو المختار، ونحوها مما ذكر في حاشية البزدوي ا هـ وقال شيخنا الرملي
في فتاويه: وبعض الألفاظ آكد من بعض، فلفظ الفتوى آكد من لفظ الصحيح، والأصح
والأشبه وغيرها، ولفظ وبه يفتى آكد من الفتوى عليه، والأصح آكد من الصحيح،
والأحوط آكد من الاحتياط انتهى. قلت: لكن في شرح المنية للحلبي عند قوله:
ولا يجوز مس مصحف إلا بغلافه إذا تعارض إمامان معتبران عبر أحدهما بالصحيح والآخر
بالأصح، فالأخذ بالصحيح أولى؛ لأنهما اتفقا على أنه صحيح، والأخذ بالمتفق أوفق
فليحفظ.
ثم رأيت في رسالة آداب المفتي: إذا ذيلت رواية في كتاب
يعتمد بالأصح أو الأولى، أو الأوفق أو نحوها، فله أن يفتي بها وبمخالفها أيضا أيا
شاء، وإذا ذيلت بالصحيح أو المأخوذ به، أو وبه يفتى، أو عليه الفتوى - لم يفت
بمخالفه إلا إذا كان في الهداية مثلا هو الصحيح. وفي الكافي بمخالفه هو الصحيح
فيخير فيختار الأقوى عنده والأليق والأصلح ا هـ فليحفظ.
وحاصل ما
ذكره الشيخ قاسم في تصحيحه: أنه لا فرق بين المفتي والقاضي إلا أن المفتي مخبر
عن الحكم والقاضي ملزم به، وأن الحكم والفتيا بالقول المرجوح جهل وخرق للإجماع،
وأن الحكم الملفق باطل بالإجماع، وأن الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاقا،
وهو المختار في المذهب، وأن الخلاف خاص بالقاضي المجتهد، وأما المقلد فلا ينفذ
قضاؤه، بخلاف مذهبه أصلا كما في القنية. قلت: ولا سيما في زماننا، فإن
السلطان ينص في منشوره على نهيه عن القضاء بالأقوال الضعيفة، فكيف بخلاف مذهبه
فيكون معزولا بالنسبة لغير المعتمد من مذهبه، فلا ينفذ قضاؤه فيه وينقض كما بسط
في قضاء الفتح والبحر والنهر وغيرها. قال في البرهان: وهذا صريح الحق الذي
يعض عليه بالنواجذ، نعم أمر الأمير متى صادف فصلا مجتهدا فيه نفذ أمره، كما في
سير التتارخانية وشرح السير الكبير فليحفظ.
وقد ذكروا أن المجتهد
المطلق قد فقد، وأما المقيد فعلى سبع مراتب مشهورة. وأما نحن فعلينا اتباع ما
رجحوه وما صححوه كما لو أفتوا في حياتهم. فإن قلت: قد يحكون أقوالا بلا
ترجيح، وقد يختلفون في الصحيح. قلت: يعمل بمثل ما عملوا من اعتبار تغير العرف
وأحوال الناس، وما هو الأوفق وما ظهر عليه التعامل وما قوي وجهه، ولا يخلو الوجود
عمن يميز هذا حقيقة لا ظنا، وعلى من لم يميز أن يرجع لمن يميز لبراءة ذمته، فنسأل
الله تعالى التوفيق والقبول، بجاه الرسول، كيف لا وقد يسر الله تعالى ابتداء
تبييضه في الروضة المحروسة، والبقعة المأنوسة، تجاه وجه صاحب الرسالة، وحائز
الكمال والبسالة، وضجيعيه الجليلين الضرغامين الكاملين رضي الله عنهما، وعن سائر
الصحابة أجمعين، ووالدينا ومقلديهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم تجاه الكعبة الشريفة
تحت الميزاب، وفي الحطيم والمقام، والله الميسر للتمام.
كتاب الطهارة
قدمت العبادات على غيرها اهتماما بشأنها، والصلاة تالية للإيمان
والطهارة مفتاحها بالنص، وشرط بها مختص، لازم لها في كل الأركان، وما قيل قدمت
لكونها شرطا لا يسقط أصلا، ولذا فاقد الطهورين يؤخر الصلاة، وما أورد من أن النية
كذلك مردود كل ذلك أما النية ففي القنية وغيرها: من توالت عليه الهموم تكفيه
النية بلسانه. وأما الطهارة، ففي الظهيرية وغيرها من قطعت يداه ورجلاه وبوجهه
جراحة يصلي بلا وضوء ولا تيمم ولا يعيد، قال بعض الأفاضل في الأصح. وأما فاقد
الطهورين، ففي الفيض وغيره أنه يتشبه عندهما، وإليه صح رجوع الإمام وعليه
الفتوى. قلت: وبه ظهر أن تعمد الصلاة بلا طهر غير مكفر كصلاته لغير القبلة أو
مع ثوب نجس، وهو ظاهر المذهب كما في الخانية، وفي سير الوهبانية: وفي كفر من
صلى بغير طهارة مع العمد خلف في الروايات يسطر ثم هو مركب إضافي مبتدأ أو خبر أو
مفعول لفعل محذوف، فإن أريد التعداد بني على السكون وكسر تخلصا من الساكنين
وإضافته لامية لا ميمية. وهل يتوقف حده لقبا على معرفة مفرديه؟ الراجح نعم،
فالكتاب مصدر بمعنى الجمع لغة، جعل شرعا عنوانا لمسائل مستقلة. بمعنى
المكتوب. والطهارة مصدر طهر بالفتح ويضم: بمعنى النظافة لغة، ولذا أفردها.
وشرعا النظافة عن حدث أو خبث ومن جمع نظر لأنواعها وهي كثيرة. وحكمها شهيرة.
وحكمها استباحة ما لا يحل بدونها
(وسببها) أي سبب وجوبها (ما لا
يحل) فعله فرضا كان أو غيره كالصلاة ومس المصحف (إلا بها) أي بالطهارة.
صاحب البحر قال بعد سرد الأقوال ونقل كلام الكمال: الظاهر أن السبب هو الإرادة
في الفرض والنفل، لكن بترك إرادة النفل يسقط الوجوب ذكره الزيلعي في الظهار.
وقال العلامة قاسم في نكته: الصحيح أن سبب وجوب الطهارة وجوب الصلاة أو إرادة
ما لا يحل إلا بها (وقيل) سببها (الحدث) في الحكمية، وهو وصف شرعي يحل في
الأعضاء يزيل الطهارة. ما قيل إنه مانعية شرعية قائمة بالأعضاء إلى غاية
استعمال المزيل فتعريف بالحكم (والخبث) في الحقيقة وهو عين مستقذرة شرعا،
وقيل سببها القيام إلى الصلاة، ونسبا إلى أهل الظاهر وفسادهما ظاهر. واعلم أن
أثر الخلاف إنما يظهر في نحو التعاليق، نحو: إن وجب عليك طهارة فأنت طالق دون
الإثم للإجماع على عدمه بالتأخير عن الحدث، ذكره في التوشيح، وبه اندفع ما في
السراج من إثبات الثمرة من جهة الإثم، بل وجوبها موسع بدخول الوقت كالصلاة، فإذا
ضاق الوقت صار الوجوب فيهما مضيقا.
وشرائطها ثلاثة عشر على ما في
الأشباه شرائط وجوبها تسعة، وشرائط صحتها أربعة، ونظمها شيخ شيخنا العلامة علي
المقدسي شارح نظم الكنز فقال: شرط الوجوب العقل والإسلام وقدرة ماء والاحتلام
وحدث ونفي حيض وعدم نفاسها وضيق وقت قد هجم وشرط صحة عموم البشره بمائه الطهور ثم
في المره فقد نفاسها وحيضها وأن يزول كل مانع عن البدن وجعلها بعضهم أربعة: شرط
وجودها الحسي وجود المزيل والمزال عنه، والقدرة على الإزالة. وشرط وجودها
الشرعي كون المزيل مشروع الاستعمال في مثله. وشرط وجوبها التكليف والحدث.
وشرط صحتها صدور الطهر من أهله في محله مع فقد مانعه، ونظمها فقال: نعلم شروطا
للوضوء مهمة مقسمة في أربع وثمان فشرط وجود الحس منها ثلاثة سلامة أعضاء وقدرة
إمكان لمستعمل الماء القراح وهو معا وشرط وجود الشرع خذها بإمعان فمطلق ماء مع
طهارته ومع طهورية أيضا ففز ببيان وشرط وجوب وهو إسلام بالغ مع الحدث التمييز
بالعقل ياعاني وشرط لتصحيح الوضوء زوال ما يبعد إيصال المياه من إدران كشمع ورمص
ثم لم يتخلل الوضوء مناف يا عظيم ذوي الشان وزيد على هذين أيضا تقاطر مع الغسلات
ليس هذا لدى الثاني
وصفتها فرض للصلاة وواجب للطواف، قيل ومس المصحف
للقول بأن المطهرين الملائكة، وسنة للنوم، ومندوب في نيف وثلاثين موضعا ذكرتها في
الخزائن: منها بعد كذب وغيبة وقهقهة وشعر وأكل جزور وبعد كل خطيئة، وللخروج من
خلاف العلماء. وركنها: غسل ومسح وزوال نجس. وآلتها: ماء وتراب ونحوهما.
ودليلها آية -: {إذا قمتم إلى الصلاة} - وهي مدنية إجماعا. وأجمع أهل
السير أن الوضوء والغسل فرضا بمكة مع فرض الصلاة بتعليم جبريل عليه السلام، وأنه
عليه الصلاة والسلام لم يصل قط إلا بوضوء، بل هو شريعة من قبلنا، بدليل: «هذا
وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي» وقد تقرر في الأصول أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا
قصه الله تعالى ورسوله من غير إنكار ولم يظهر نسخه ففائدة نزول الآية تقرير الحكم
الثابت، وتأتي اختلاف العلماء الذي هو رحمة. كيف وقد اشتملت على نيف وسبعين
حكما مبسوط في تيمم الضياء عن فوائد الهداية، وعلى ثمانية أمور كلها مثنى
طهارتين: الوضوء والغسل ومطهرين: الماء والصعيد، وحكمين: الغسل والمسح،
وموجبين: الحدث والجنابة، ومبيحين: المرض والسفر ودليلين: التفصيلي في
الوضوء والإجمالي في الغسل، وكنايتين: الغائط والملامسة، وكرامتين: تطهير
الذنوب وإتمام النعمة أي بموته شهيدا، لحديث: «من داوم على الوضوء مات شهيدا»
ذكره في الجوهرة. وإنما قال آمنوا بالغيبة دون آمنتم ليعم كل من آمن إلى يوم
القيامة قاله في الضياء، وكأنه مبني على أن في الآية التفاتا، والتحقيق خلافه.
وأتى في الوضوء بإذا التحقيقية، وفي الجنابة بإن التشككية للإشارة إلى أن الصلاة
من الأمور اللازمة والجنابة من الأمور العارضة، وصرح بذكر الحدث في الغسل والتيمم
دون الوضوء ليعلم أن الوضوء سنة وفرض والحدث شرط للثاني لا للأول، فيكون الغسل
على الغسل والتيمم عبثا والوضوء على الوضوء نور على نور.
أركان
الوضوء أربعة عبر بالأركان؛ لأنه أفيد مع سلامته عما يقال إن أريد بالفرض القطعي
يرد تقدير المسموح بالربع، وإن أريد العملي يرد المغسول، وإن أجيب عنه بما لخصناه
في شرح الملتقى. ثم الركن ما يكون فرضا داخل الماهية، وأما الشرط فما يكون
خارجها، فالفرض أعم منهما، وهو ما قطع بلزومه حتى يكفر جاحده كأصلي مسح الرأس.
وقد يطلق على العملي وهو ما تفوت الصحة بفواته، كالمقدار الاجتهادي في الفروض فلا
يكفر جاحده: (غسل الوجه) أي إسالة الماء مع التقاطر ولو قطرة. وفي الفيض
أقله قطرتان في الأصح (مرة) لأن الأمر لا يقتضي التكرار (وهو) مشتق من
المواجهة، واشتقاق الثلاثي من المزيد إذا كان أشهر في المعنى شائع كاشتقاق الرعد
من الارتعاد واليم من التيمم (من مبدإ سطح جبهته) أي المتوضئ بقرينة المقام
(إلى أسفل ذقنه) أي منبت أسنانه السفلى (طولا) كان عليه شعر أو لا، عدل
عن قولهم من قصاص شعره الجاري على الغالب إلى المطرد ليعم الأغم والأصلع والأنزع
(وما بين شحمتي الأذنين عرضا) وحينئذ (فيجب غسل المياقي) وما يظهر من
الشفة عند انضمامها (وما بين العذار والأذن) لدخوله في الحد وبه يفتى (لا
غسل باطن العينين) والأنف والفم وأصول شعر الحاجبين واللحية والشارب وونيم ذباب
للحرج
(وغسل اليدين) أسقط لفظ فرادى لعدم تقييد الفرض بالانفراد
(والرجلين) الباديتين السليمتين، فإن المجروحتين والمستورتين بالخف وظيفتهما
المسح (مرة) لما مر (مع المرفقين والكعبين) على المذهب وما ذكروا من أن
الثابت بعبارة النص غسل يد ورجل والأخرى بدلالته، ومن البحث في إلى وفي القراءتين
في -: {أرجلكم} - قال في البحر لا طائل تحته بعد انعقاد الإجماع على ذلك
(ومسح ربع الرأس مرة) فوق الأذنين ولو بإصابة مطر أو بلل باق بعد غسل على
المشهور لا بعد مسح إلا أن يتقاطر، ولو مد أصبعين لم يجز. إلا أن يكون مع الكف
أو بالإبهام والسبابة مع ما بينهما أو بمياه، ولو أدخل رأسه الإناء أو خفه أو
جبيرته وهو محدث أجزأه ولم يصر الماء مستعملا وإن نوى اتفاقا على الصحيح كما في
البحر عن البدائع.
(وغسل جميع اللحية فرض) يعني عمليا
(أيضا) على المذهب الصحيح المفتى به المرجوع إليه، وما عدا هذه الرواية مرجوع
عنه كما في البدائع. ثم لا خلاف أن المسترسل لا يجب غسله ولا مسحه بل يسن، وأن
الخفيفة التي ترى بشرتها يجب غسل ما تحتها كذا في النهر. وفي البرهان: يجب
غسل بشرة لم يسترها الشعر كحاجب وشارب وعنفقة في المختار
(ولا يعاد
الوضوء) بل ولا بل المحل (بحلق رأسه ولحيته كما لا يعاد) الغسل للمحل ولا
الوضوء (بحلق شاربه وحاجبه وقلم ظفره) وكشط جلده (وكذا لو كان على أعضاء
وضوئه قرحة) كالدملة (وعليها جلدة رقيقة فتوضأ وأمر الماء عليها ثم نزعها لا
يلزمه إعادة غسل على ما تحتها) وإن تألم بالنزع على الأشبه لعدم البدلية، بخلاف
نزع الخف، فصار كما لو مسح خفه ثم حته أو قشره.
[فروع في
الأعضاء]
في أعضائه شقاق غسله إن قدر وإلا مسحه وإلا تركه ولو بيده،
ولا يقدر على الماء تيمم، ولو قطع من المرفق غسل محل القطع. ولو خلق له يدان
ورجلان، فلو يبطش بهما غسلهما، ولو بإحداهما فهي الأصلية فيغسلها، وكذا الزائدة
إن نبتت من محل الفرض، كأصبع وكف زائدين وإلا فما حاذى منهما محل الفرض غسله وما
لا فلا، لكن يندب مجتبى.
[وسننه] أفاد أنه لا واجب للوضوء ولا
للغسل وإلا لقدمه، وجمعها لأن كل سنة مستقلة بدليل وحكم. وحكمها ما يؤجر على
فعله ويلام على تركه، وكثيرا ما يعرفون به لأنه محط مواقع أنظارهم. وعرفها
الشمني بما ثبت بقوله عليه الصلاة والسلام أو بفعله وليس بواجب ولا مستحب لكنه
تعريف لمطلقها، والشرط في المؤكدة المواظبة مع ترك ولو حكما، لكن شأن الشروط أن
لا تذكر في التعاريف. وأورد عليه في البحر المباح بناء على ما هو المنظور من أن
الأصل في الأشياء التوقف، إلا أن الفقهاء كثيرا ما يلهجون بأن الأصل الإباحة
فالتعريف بناء عليه.
(البداية بالنية) أي نية عبادة لا تصح إلا
بالطهارة كوضوء أو رفع حدث أو امتثال أمر وصرحوا أنها بدونها ليس بعبادة، ويأثم
بتركها، وبأنها فرض في الوضوء المأمور به، وفي التوضؤ بسؤر حمار ونبيذ تمر
كالتيمم.
وبأن وقتها عند غسل الوجه. وفي الأشباه: ينبغي أن تكون
عند غسل اليدين للرسغين لينال ثواب السنن. قلت: لكن في القهستاني: ومحلها
قبل سائر السنن كما في التحفة، فلا تسن عندنا قبيل غسل الوجه، كما تفرض عند
الشافعي. ا هـ. وفيها سبع سؤالات مشهورة نظمها العراقي فقال: سبع سؤالات
لذي الفهم أتت تحكى لكل عالم في النيه حقيقة حكم محل زمن وشرطها والقصد والكيفيه
(و) البداءة (بالتسمية) قولا، وتحصل بكل ذكر، لكن الوارد عنه عليه الصلاة
والسلام: «باسم الله العظيم، والحمد لله على دين الإسلام» (قبل الاستنجاء
وبعده) إلا حال انكشاف وفي محل نجاسة فيسمي بقلبه؛ ولو نسيها فسمى في خلاله لا
تحصل السنة، بل المندوب.
وأما الأكل فتحصل السنة في باقيه لا فيما
فات، وليقل: بسم الله أوله وآخره.
(و) البداءة (بغسل
اليدين) الطاهرتين ثلاثا قبل الاستنجاء وبعده، وقيد الاستيقاظ اتفاقي؛ ولذا لم
يقل قبل إدخالهما الإناء لئلا يتوهم اختصاص السنة بوقت الحاجة لأن مفاهيم الكتب
حجة، - بخلاف أكثر مفاهيم النصوص، كذا في النهر وفيه من الحد المفهوم معتبر في
الروايات اتفاقا، ومنه أقوال الصحابة. قال: وينبغي تقييده بما يدرك بالرأي لا
ما لا يدرك به. ا هـ. وفي القهستاني عن حدود النهاية: المفهوم معتبر في نص
العقوبة كما في قوله تعالى -: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} - وأما
اعتباره في الرواية فأكثري لا كلي (إلى الرسغين) بالضم، مفصل الكف بين الكوع
والكرسوع، وأما البوع ففي الرجل. قال: وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي لخنصره
الكرسوع والرسغ في الوسط وعظم يلي إبهام رجل ملقب ببوع فخذ بالعلم واحذر من الغلط
ثم إن لم يمكن رفع الإناء أدخل أصابع يسراه مضمومة وصب عليها اليمنى لأجل
التيامن. ولو أدخل الكف إن أراد الغسل صار الماء مستعملا، وإن أراد الاغتراف
لا، ولو لم يمكنه الاغتراف بشيء ويداه نجستان تيمم وصلى ولم يعد. (وهو) سنة
كما أن الفاتحة واجبة (ينوب عن الفرض) ويسن غسلها أيضا مع الذراعين.
(والسواك)
سنة مؤكدة كما في الجواهر عند المضمضة، وقيل: قبلها، وهو للوضوء عندنا إلا إذا
نسيه فيندب للصلاة؛ كما يندب لاصفرار سن وتغير رائحة وقراءة قرآن؛ وأقله ثلاث في
الأعالي وثلاث في الأسافل (بمياه) ثلاثة.
(و) ندب إمساكه
(بيمناه) وكونه لينا، مستويا بلا عقد، في غلظ الخنصر وطول شبر. ويستاك عرضا
لا طولا، ولا مضطجعا؛ فإنه يورث كبر الطحال، ولا يقبضه؛ فإنه يورث الباسور، ولا
يمصه؛ فإنه يورث العمى، ثم يغسله، وإلا فيستاك الشيطان به، ولا يزاد على الشبر،
وإلا فالشيطان يركب عليه، ولا يضعه بل ينصبه، وإلا فخطر الجنون قهستاني. ويكره
بمؤذ، ويحرم بذي سم. ومن منافعه أنه شفاء لما دون الموت، ومذكر للشهادة عنده.
وعند فقده أو فقد أسنانه تقوم الخرقة الخشنة أو الأصبع مقامه، كما يقوم العلك
مقامه للمرأة مع القدرة عليه.
(وغسل الفم) أي استيعابه، ولذا
عبر بالغسل - - أو للاختصار (بمياه) ثلاثة (والأنف) ببلوغ الماء المارن
(بمياه) وهما سنتان مؤكدتان مشتملتان على سنن خمس: الترتيب، والتثليث،
وتجديد الماء، وفعلهما باليمنى (والمبالغة فيهما) بالغرغرة، ومجاوزة المارن
(لغير الصائم) لاحتمال الفساد؛ وسر تقديمهما اعتبار أوصاف الماء؛. لأن لونه
يدرك بالبصر، وطعمه بالفم، وريحه بالأنف. ولو عنده ماء يكفي للغسل مرة معهما
وثلاثا بدونهما غسل مرة.
ولو أخذ ماء فمضمض ببعضه واستنشق بباقيه
أجزأه، وعكسه لا. وهل يدخل أصبعه في فمه وأنفه؟ الأولى نعم قهستاني.
(وتخليل
اللحية) لغير المحرم بعد التثليث، ويجعل ظهر كفه إلى عنقه
(و)
تخليل (الأصابع) اليدين بالتشبيك والرجلين بخنصر يده اليسرى بادئا بخنصر رجله
اليمنى، وهذا بعد دخول الماء خلالها، فلو منضمة فرض
(وتثليث
الغسل) المستوعب؛ ولا عبرة للغرفات، ولو اكتفى بمرة إن اعتاده أثم، وإلا لا،
ولو زاد لطمأنينة القلب أو لقصد الوضوء على الوضوء لا بأس به، وحديث " فقد تعدى
" محمول على الاعتقاد، ولعل كراهة تكراره في مجلس تنزيهية، بل في القهستاني
معزيا للجواهر الإسراف في الماء الجاري جائز لأنه غير مضيع، فتأمل.
(ومسح
كل رأسه مرة) مستوعبة، فلو تركه ودوام عليه أثم (وأذنيه) معا ولو
(بمائه) - - لكن لو مس عمامته فلا بد من ماء جديد (والترتيب) المذكور في
النص. وعند الشافعي رضي الله عنه فرض، وهو مطالب بالدليل (والولاء) بكسر
الواو: غسل المتأخر أو مسحه قبل جفاف الأول بلا عذر. حتى لو فني ماؤه فمضى
لطلبه لا بأس به، ومثله الغسل والتيمم، وعند مالك فرض؛ ومن السنن: الدلك، وترك
الإسراف، وترك لطم الوجه بالماء، وغسل فرجها الخارج.
(قوله:
والولاء) اسم مصدر والمصدر الموالاة. قال الحموي: لا تتحقق الموالاة إلا
بعد غسل الوجه ا هـ وفيه تأمل، إذ ما ذكره إنما يتجه أن لو كانت الموالاة معتبرة
في جانب فرائض الوضوء فقط، وهو خلاف الظاهر ط عن أبي السعود (قوله: بكسر
الواو) أي مع المد، وهو لغة: التتابع. قال ط: وأما بفتحها فهو صفة توجب
لمن قامت به التعصيب لمن أعتقه مثلا (قوله: غسل المتأخر إلخ) عرفه الزيلعي
بغسل العضو الثاني قبل جفاف الأول. زاد الحدادي مع اعتدال الهواء والبدن وعدم
العذر. وعرفه الأكمل في التقرير بالتتابع في الأفعال من غير أن يتخللها جفاف
عضو مع اعتدال الهواء، وظاهره أنه لو جف العضو الأول بعد غسل الثاني لم يكن
ولاء. وعلى الأول يكون ولاء، قال في البحر: وهو الأولى. وفي النهر:
الظاهر لا يكون ولاء، لما في المعراج عن الحلواني أن تجفيف الأعضاء قبل غسل
القدمين فيه ترك الولاء فيحمل الثاني في كلام الزيلعي على ما بعد الأول ا هـ أي
فيراد بالثاني جميع ما بعد الأول لا ما يليه فقط، ولا يخفى يعده؛ لما في
السراج. حده أن لا يجف الماء عن العضو قبل أن يغسل ما بعده. وفي شرح
المنية: هو أن يغسل كل عضو على أثر الذي قبله ولا يفصل بينهما بحيث يجف
السابق. ولا يخفى أيضا أن ما مر عن الحلواني صادق على التعريفين، وأن حمل
التعريف الثاني على الأول أقرب من عكسه، بأن يراد من قوله من غير أن يتخللها جفاف
عضو: أي من غير أن يجف عضو قبل غسل ما بعده، وكذا قال في غرر الأفكار: هو غسل
عضو قبل جفاف متقدمه ا هـ وعليه يحمل كلام الشارح بدليل قوله تبعا لابن كمال أو
مسحه، فإنه كما يشمل مسح الخف يشمل مسح الرأس، فلا يمكن حمل المتأخر في كلامه على
جميع ما بعد الأول حقيقة فافهم، نعم ما مشى عليه في النهر هو المتبادر من تعريف
الدرر. هذا وقد عرفه في البدائع بأن لا يشتغل بين أفعال الوضوء بما ليس منه.
ولا يخفى أن هذا أعم من التعريفين السابقين من وجه، ثم قال: وقيل: هو أن لا
يمكث في أثنائه مقدار ما يجف فيه العضو. أقول: يمكن جعل هذا توضيحا لما مر،
بأن يقال: المراد جفاف العضو حقيقة أو مقداره، وحينئذ فيتجه ذكر المسح، فلو مكث
بين مسح الجبيرة أو الرأس وبين ما بعده بمقدار ما يجف فيه عضو مغسول كان تاركا
للولاء، ويؤيده اعتبارهم الولاء في التيمم أيضا كما يأتي قريبا مع أنه لا غسل
فيه، فاغتنم هذا التحرير (قوله: حتى لو فني ماؤه إلخ) بيان للعذر
(قوله: لا بأس به) أي على الصحيح سراج (قوله: ومثله الغسل والتيمم)
أي إذا فرق بين أفعالهما لعذر لا بأس به كما في السراج، ومفاده اعتبار سنية
الموالاة فيهما (قوله: ومن السنن) أتى بمن للإشارة إلى أنه بقي غيرها:
ففي الفتح: ومن السنن الترتيب بين المضمضة والاستنشاق، والبداءة من مقدم الرأس
ومن رءوس الأصابع في اليدين والرجلين. ا هـ. وذكر في المواهب بدل الأول
التيامن ومسح الرقبة، ثم قال: وقيل الأربعة مستحبة (قوله: الدلك) أي
بإمرار اليد ونحوها على الأعضاء المغسولة حلية: وعده في الفتح من المندوبات،
ولم يتابعه عليه في البحر والنهر، نعم تابعه المصنف فيما سيأتي (قوله: وترك
الإسراف) عده في الفتح من المندوبات أيضا، ولم يتابع أيضا بل صرح في النهر
بضعفه، وقال: إنه سنة مؤكدة لإطلاق النهي عن الإسراف. ا هـ. ويأتي تمامه
(قوله: وترك لطم الوجه بالماء) جعله في الفتح أيضا من المندوبات، وسيصرح
المصنف كالزيلعي بكراهته. قال في البحر: فيكون تركه سنة لا أدبا، لكن قال في
النهر إنه مكروه تنزيها (قوله: وغسل فرجها الخارج) أقول: في تقييده
بالمرأة نظر، فقد عد في المنية الاستنجاء من سنن الوضوء. وفي النهاية إنه من
سنن الوضوء. بل أقواها لأنه مشروع لإزالة النجاسة الحقيقية، وسائر السنن لإزالة
الحكمية. وجعل في البدائع سنن الوضوء على أنواع: نوع يكون قبله، ونوع في
ابتدائه، ونوع في أثنائه، وعد من الأول الاستنجاء بالحجر، ومن الثاني الاستنجاء
بالماء.
(ومستحبه) ويسمى مندوبا وأدبا وفضيلة، وهو ما فعله
النبي صلى الله عليه وسلم مرة وتركه أخرى، وما أحبه السلف: (التيامن) في
اليدين والرجلين ولو مسحا، لا الأذنين والخدين، فيلغز، أي عضوين لا يستحب التيامن
فيهما؟.
(ومسح الرقبة) بظهر يديه (لا الحلقوم) لأنه
بدعة.
(ومن آدابه) عبر بمن لأن له آدابا أخر أوصلها في الفتح
إلى نيف وعشرين وأوصلتها في الخزائن إلى نيف وستين (استقبال القبلة، ودلك
أعضائه) في المرة الأولى (وإدخال خنصره) المبلولة (صماخ أذنيه) عند
مسحهما (وتقديمه على الوقت لغير المعذور)، وهذه إحدى المسائل الثلاث
المستثناة من قاعدة الفرض أفضل من النفل، لأن الوضوء قبل الوقت مندوب، وبعده
فرض. الثانية: إبراء المعسر مندوب أفضل من إنظاره الواجب. الثالثة:
الابتداء بالسلام سنة أفضل من رده، وهو فرض، ونظمه من قال: الفرض أفضل من تطوع
عابد حتى ولو قد جاء منه بأكثر إلا التطهر قبل وقت وابتداء للسلام كذاك إبرا معسر
(وتحريك خاتمه الواسع) ومثله القرط، وكذا الضيق إن علم وصول الماء، وإلا
فرض
(وعدم الاستعانة بغيره) إلا لعذر. وأما استعانته عليه
الصلاة والسلام بالمغيرة فلتعليم الجواز (و) عدم (التكلم بكلام الناس)
إلا لحاجة تفوته (والجلوس في مكان مرتفع) تحرزا عن الماء المستعمل. وعبارة
الكمال: وحفظ ثيابه من التقاطر، وهي أشمل (والجمع بين نية القلب وفعل
اللسان) هذه رتبة وسطى بين من سن التلفظ بالنية ومن كرهه لعدم نقله عن السلف
(والتسمية) كما مر (عند غسل كل عضو)، وكذا الممسوح (والدعاء بالوارد
عنده) أي عند كل عضو، وقد رواه ابن حبان وغيره عنه عليه الصلاة والسلام من
طرق. قال محقق الشافعية الرملي: فيعمل به في فضائل الأعمال وإن أنكره
النووي. [فائدة] شرط العمل بالحديث الضعيف عدم شدة ضعفه، وأن يدخل تحت أصل
عام، وأن لا يعتقد سنية ذلك الحديث. وأما الموضوع فلا يجوز العمل به بحال ولا
روايته، إلا إذا قرن ببيانه (والصلاة والسلام على النبي بعده) أي بعد الوضوء،
لكن في الزيلعي أي بعد كل عضو (وأن يقول بعده) أي الوضوء (اللهم اجعلني من
التوابين واجعلني من المتطهرين، وأن يشرب بعده من فضل وضوئه) كماء زمزم
(مستقبل القبلة قائما) أو قاعدا، وفيما عداهما يكره قائما تنزيها؛ وعن ابن
عمر " كنا نأكل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام
" ورخص للمسافر شربه ماشيا.
ومن الآداب تعاهد موقيه وكعبيه
وعرقوبيه وأخمصيه، وإطالة غرته وتحجيله، وغسل رجليه بيساره، وبلهما عند ابتداء
الوضوء في الشتاء والتمسح بمنديل، وعدم نفض يده، وقراءة سورة القدر، وصلاة
ركعتين، في غير وقت كراهة.
(ومكروهه: لطم الوجه) أو غيره
(بالماء) تنزيها، والتقتير (والإسراف) ومنه الزيادة على الثلاث (فيه)
تحريما ولو بماء النهر، والمملوك له. أما الموقوف على من يتطهر به، ومنه ماء
المدارس، فحرام (وتثليث المسح بماء جديد) أما بماء واحد فمندوب أو
مسنون.
ومن منهياته: التوضؤ بفضل ماء المرأة وفي موضع نجس؛ لأن
لماء الوضوء حرمة، أو في المسجد، إلا في إناء، أو في موضع أعد لذلك، وإلقاء
النخامة، والامتخاط في الماء.
(وينقضه) خروج منه كل خارج
(نجس) بالفتح ويكسر (منه) أي من المتوضئ الحي معتادا أو لا، من السبيلين
أو لا (إلى ما يطهر) بالبناء للمفعول: أي يلحقه حكم التطهير. ثم المراد
بالخروج من السبيلين مجرد الظهور وفي غيرهما عين السيلان ولو بالقوة، لما
قالوا: لو مسح الدم كلما خرج ولو تركه لسال نقض وإلا لا، كما لو سال في باطن
عين أو جرح أو ذكر ولم يخرج، وكدمع وعرق إلا عرق مدمن الخمر فناقض على ما سيذكره
المصنف، ولنا فيه كلام (و) خروج غير نجس مثل (ريح أو دودة أو حصاة من دبر
لا) خروج ذلك من جرح، ولا خروج (ريح من قبل) غير مفضاة، أما هي فيندب لها
الوضوء، وقيل: يجب، وقيل: لو منتنة (وذكر) لأنه اختلاج؛ حتى لو خرج ريح
من الدبر وهو يعلم أنه لم يكن من الأعلى فهو اختلاع فلا ينقض، وإنما قيد بالريح؛
لأن خروج الدودة والحصاة منهما ناقض إجماعا، كما في الجوهرة (ولا) خروج
(دودة من جرح أو أذن أو أنف) أو فم (وكذا لحم سقط منه) لطهارتها وعدم
السيلان فيما عليهما وهو مناط النقض (والمخرج) بعصر.
(والخارج)
بنفسه (سيان) في حكم النقض على المختار كما في البزازية، قال لأن في الإخراج
خروج فصار كالفصد. وفي الفتح عن الكافي أنه الأصح، واعتمده القهستاني. وفي
القنية وجامع الفتاوى أنه الأشبه، ومعناه أنه الأشبه بالمنصوص رواية والراجح
دراية؛ فيكون الفتوى عليه.
(و) ينقضه (قيء ملأ فاه) بأن
يضبط بتكلف (من مرة) بالكسر: أي صفراء (أو علق) أي سوداء؛ وأما العلق
النازل من الرأس فغير ناقض (أو طعام أو ماء) إذا وصل إلى معدته وإن لم يستقر،
وهو نجس مغلظ، ولو من صبي ساعة ارتضاعه، هو الصحيح لمخالطة النجاسة، ذكره
الحلبي. ولو هو في المريء فلا نقض اتفاقا كقيء حية أو دود كثير لطهارته في نفسه
كماء فم النائم، فإنه طاهر مطلقا به يفتى، بخلاف ماء فم الميت فإنه نجس، كقيء عين
خمر أو بول، وإن لم ينقض لقلته لنجاسته بالأصالة لا بالمجاورة (لا) ينقضه قيء
من (بلغم) على المعتمد (أصلا) إلا المخلوط بطعام فيعتبر الغالب، ولو
استويا فكل على حدة (و) ينقضه (دم) مائع من جوف أو فم (غلب على بزاق)
حكما للغالب (أو ساواه) احتياطا (لا) ينقضه (المغلوب بالبزاق) والقيح
كالدم والاختلاط بالمخاط كالبزاق.
(وكذا ينقضه علقة مصت عضوا
وامتلأت من الدم، ومثلها القراد) كان (كبيرا) لأنه حينئذ (يخرج منه دم
مسفوح) سائل (وإلا) تكن العلقة والقراد كذلك (لا) ينقض (كبعوض
وذباب) كما في الخانية لعدم الدم المسفوح. وفي القهستاني: لا نقض ما لم
يتجاوز الورم؛ ولو شد بالرباط إن نفذ البلل للخارج نقض (ويجمع متفرق القيء)
ويجعل كقيء واحد (لاتحاد السبب) وهو الغثيان عند محمد وهو الأصح؛ لأن الأصل
إضافة الأحكام إلى أسبابها إلا لمانع كما بسط في الكافي.
(و) كل
(ما ليس بحدث) أصلا بقرينة زيادة الباء كقيء قليل ودم لو ترك لم يسل (ليس
بنجس) عند الثاني، وهو الصحيح رفقا بأصحاب القروح خلافا لمحمد. وفي
الجوهرة: يفتى بقول محمد لو المصاب مائعا. (و) ينقضه حكما (نوم يزيل
مسكته) أي قوته الماسكة بحيث تزول مقعدته من الأرض، وهو النوم على أحد جنبيه أو
وركيه أو قفاه أو وجهه (وإلا) يزل مسكته (لا) يزل مسكته (لا) ينقض
وإن تعمده في الصلاة أو غيرها على المختار كالنوم قاعدا ولو مستندا إلى ما لو
أزيل لسقط على المذهب، وساجدا على الهيئة المسنونة ولو في غير الصلاة على المعتمد
ذكره الحلبي، أو متوركا أو محتبيا، ورأسه على ركبتيه أو شبه المنكب أو في محمل أو
سرج أو إكاف ولو الدابة عريانا، فإن حال الهبوط نقض وإلا لا.
ولو
نام قاعدا بتمايل فسقط، إن انتبه حين سقط فلا نقض به يفتى كناعس يفهم أكثر ما قيل
عنده. والعته لا ينقض كنوم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهل ينقض إغماؤهم
وغشيهم؟ ظاهر كلام المبسوط نعم.
(و) ينقضه (إغماء) ومنه
الغشي (وجنون وسكر) بأن يدخل في مشيه تمايل ولو بأكل الحشيشة (وقهقهة) هي
ما يسمع جيرانه (بالغ) ولو امرأة سهوا (يقظان) فلا يبطل وضوء صبي ونائم
بل صلاتهما به يفتى (يصلي) ولو حكما كالباني (بطهارة صغرى) ولو تيمما
(مستقلة) فلا يبطل وضوء في ضمن الغسل؛ لكن رجح في الخانية والفتح والنهر
النقض عقوبة له وعليه الجمهور، كما في الذخائر الأشرفية (صلاة كاملة) ولو عند
السلام عمدا، فإنها تبطل الوضوء لا الصلاة، خلافا لزفر كما حرره في
الشرنبلالية.
ولو قهقه إمامه أو أحدث عمدا ثم قهقه المؤتم - ولو
مسبوقا فلا نقض، بخلافها بعد كلامه عمدا في الأصح.
ومن مسائل
الامتحان - ولو نسي الباني المسح فقهقه قبل قيامه للصلاة انتقض لا بعده لبطلانها
بالقيام إليها (ومباشرة فاحشة) بتماس الفرجين ولو بين المرأتين والرجلين مع
الانتشار (للجانبين) المباشر والمباشر، ولو بلا بلل على المعتمد. (لا)
ينقضه (مس ذكر) لكن يغسل يده ندبا (وامرأة) وأمرد، لكن يندب للخروج من
الخلاف لا سيما للإمام، لكن بشرط عدم لزوم ارتكاب مكروه، مذهبه
(كما)
لا ينقض (لو خرج من أذنه) ونحوها كعينه وثديه (قيح) ونحوه كصديد وماء سرة
وعين (لا بوجع) وإن خرج (به) أي بوجع (نقض) لأنه دليل الجرح، فدمع من
بعينه رمد أو عمش ناقض، فإن استمر صار ذا عذر مجتبى، والناس عنه غافلون.
(كما)
ينقض (لو حشا إحليله بقطنة وابتل الطرف الظاهر) هذا لو القطنة عالية أو
محاذية لرأس الإحليل وإن متسفلة عنه لا ينقض وكذا الحكم في الدبر والفرج الداخل
(وإن ابتل) الطرف (الداخل لا) ينقض ولو سقطت؛ فإن رطبه انتقض، وإلا لا؛
وكذا لو أدخل أصبعه في دبره ولم يغيبها، فإن غيبها أو أدخلها عند الاستنجاء بطل
وضوءه وصومه.
[فروع استحباب الاحتشاء]
يستحب للرجل
أن يحتشي إن رابه الشيطان، ويجب إن كان لا ينقطع إلا به قدر ما يصلي. باسوري
خرج دبره، إن أدخله بيده انتقض وضوءه، وإن دخل بنفسه لا؛ وكذا لو خرج بعض الدودة
فدخلت. من لذكره رأسان فالذي لا يخرج منه البول المعتاد بمنزلة الجرح. الخنثى
غير المشكل فرجه الآخر كالجرح، والمشكل ينتقض وضوءه بكل.
منكر
الوضوء هل يكفر إن أنكر الوضوء للصلاة؟ نعم، ولغيرها لا.
شك في
بعض وضوئه أعاد ما شك في تعيينه، غسل رجله اليسرى لأنه آخر العمل.
ولو
علم أنه لم يغسل عضوا وشك في تعيينه غسل رجله اليسرى؛ لأنه آخر العمل. ولو أيقن
بالطهارة وشك بالحدث أو بالعكس أخذ باليقين، ولو تيقنهما وشك في السابق فهو متطهر
ومثله المتيمم. - ولو شك في نجاسة ماء أو ثوب أو طلاق أو عتق لم يعتبر، وتمامه
في الأشباه.
(وفرض الغسل) أراد به ما يعم العملي كما مر،
وبالغسل المفروض كما في الجوهرة، وظاهره عدم شرطية غسل فمه وأنفه في المسنون كذا
البحر، يعني عدم فرضيتها فيه وإلا فهما شرطان في تحصيل السنة (غسل) كل
(فمه) ويكفي الشرب عبا؛ لأن المج ليس بشرط في الأصح (وأنفه) حتى ما تحت
الدرن (و) باقي (بدنه) لكن في المغرب وغيره: البدن من المنكب إلى
الألية، وحينئذ فالرأس والعنق واليد والرجل خارجة لغة داخلة تبعا شرعا (لا
دلكه) لأنه متمم، فيكون مستحبا لا شرطا، خلافا لمالك
(ويجب) أي
يفرض (غسل) كل ما يمكن من البدن بلا حرج مرة كأذن و (سرة وشارب وحاجب و)
أثناء (لحية) وشعر رأس ولو متبلدا لما في -: {فاطهروا} - من المبالغة
(وفرج خارج) لأنه كالفم لا داخل؛ لأنه باطن، ولا تدخل أصبعها في قبلها به
يفتي.
(لا) يجب (غسل ما فيه حرج كعين) وإن اكتحل بكحل نجس
(وثقب انضم و) لا (داخل قلفة) يندب هو الأصح قاله الكمال، وعلله بالحرج
فسقط الإشكال. وفي المسعودي إن أمكن فسخ القلفة بلا مشقة يجب وإلا لا (وكفى،
بل أصل ضفيرتها) أي شعر المرأة المضفور للحرج، أما المنقوض فيفرض غسل كله
اتفاقا ولو لم يبتل أصلها يجب نقضها مطلقا هو الصحيح، ولو ضرها غسل رأسها تركته،
وقيل تمسحه ولا تمنع نفسها عن زوجها وسيجيء في التيمم (لا) يكفي بل
(ضفيرته) فينقضها وجوبا (ولو علويا أو تركيا) لإمكان حلقه.
(ولا
يمنع) الطهارة (ونيم) أي خرء ذباب وبرغوث لم يصل الماء تحته (وحناء)
ولو جرمه به يفتى (ودرن ووسخ) عطف تفسير وكذا دهن ودسومة (وتراب) وطين
ولو (في ظفر مطلقا) أي قرويا أو مدنيا في الأصح بخلاف نحو عجين.
(و)
لا يمنع (ما على ظفر صباغ و) لا (طعام بين أسنانه) أو في سنه المجوف به
يفتى. وقيل إن صلبا منع، وهو الأصح.
(ولو) كان (خاتمه ضيقا
نزعه أو حركه) وجوبا (كقرط، ولو لم يكن بثقب أذنه قرط فدخل الماء فيه) أي
الثقب (عند مروره) على أذنه (أجزاه كسرة وأذن دخلهما الماء وإلا) يدخل
(أدخله) ولو بإصبعه، ولا يتكلف بخشب ونحوه، والمعتبر غلبة ظنه بالوصول.
[فروع
في نسيان المضمضة]
نسي المضمضة أو جزءا من بدنه فصلى ثم تذكر، فلو
نفلا لم يعد لعدم صحة شروعه. عليه غسل وثمة رجال لا يدعه وإن رأوه، والمرأة بين
رجال أو رجال ونساء تؤخره لا بين نساء فقط. واختلف في الرجل بين رجال ونساء أو
نساء فقط كما بسطه ابن الشحنة. وينبغي لها أن تتيمم وتصلي لعجزها شرعا عن
الماء، وأما الاستنجاء فيترك مطلقا، والفرق لا يخفى.
(وسننه)
كسنن الوضوء سوى الترتيب. وآدابه كآدابه سوى استقبال القبلة؛ لأنه يكون غالبا
مع كشف عورة وقالوا: لو مكث في ماء جار أو حوض كبير أو مطر قدر الوضوء
والغسل. فقد أكمل السنة (البداءة بغسل يديه وفرجه) وإن لم يكن به خبث
اتباعا للحديث (وخبث بدنه إن كان) عليه خبث لئلا يشيع (ثم يتوضأ) أطلقه
فانصرف إلى الكامل، فلا يؤخر قدميه ولو في مجمع الماء لما أن المعتمد طهارة الماء
المستعمل، على أنه لا يوصف بالاستعمال إلا بعد انفصاله عن كل البدن لأنه في الغسل
كعضو واحد، فحينئذ لا حاجة إلى غسلهما ثانيا إلا إذا كان ببدنه خبث ولعل القائلين
بتأخير غسلها إنما استحبوه ليكون البدء والختم بأعضاء الوضوء، وقالوا: لو توضأ
أولا لا يأتي به ثانيا؛ لأنه لا يستحب وضوءان للغسل اتفاقا، أما لو توضأ بعد
الغسل واختلف المجلس على مذهبنا أو فصل بينهما بصلاة كقول الشافعية فيستحب (ثم
يفيض الماء) على كل بدنه ثلاثا مستوعبا من الماء المعهود في الشرع للوضوء
والغسل وهو ثمانية أرطال، وقيل: المقصود عدم الإسراف. وفي الجواهر لا إسراف
في الماء الجاري؛ لأنه غير مضيع وقد قدمناه عن القهستاني (بادئا بمنكبه الأيمن
ثم الأيسر ثم رأسه) على (بقية بدنه مع دلكه) ندبا، وقيل يثني بالرأس، وقيل
يبدأ بالرأس وهو الأصح. وظاهر الرواية والأحاديث. قال في البحر وبه يضعف
تصحيح الدرر.
(وصح نقل بلة عضو إلى) عضو (آخر فيه) بشرط
التقاطر (لا في الوضوء) لما مر أن البدن كله كعضو واحد.
(وفرض)
الغسل (عند) خروج (مني) من العضو وإلا فلا يفرض اتفاقا؛ لأنه في حكم
الباطن (منفصل عن مقره) هو صلب الرجل وترائب المرأة، ومنيه أبيض ومنيها أصفر،
فلو اغتسلت فخرج منها مني، وإن منيها أعادت الغسل لا الصلاة وإلا لا (بشهوة)
أي لذة ولو حكما كمحتلم، ولم يذكر الدفق ليشمل مني المرأة؛ لأن الدفق فيه غير
ظاهر، وأما إسناده إليه أيضا في قوله: {خلق من ماء دافق} الآية، فيحتمل
التغليب فالمستدل بها كالقهستاني تبعا لأخي جلبي غير مصيب تأمل؛ ولأنه ليس بشرط
عندهما خلافا للثاني ولذا قال (وإن لم يخرج) من رأس الذكر (بها) وشرطه
أبو يوسف، وبقوله يفتى في ضيف خاف ريبة أو استحى كما في المستصفى. وفي
القهستاني والتتارخانية معزيا للنوازل: وبقول أبي يوسف نأخذ؛ لأنه أيسر على
المسلمين قلت ولا سيما في الشتاء والسفر. وفي الخانية: خرج مني بعد البول
وذكره منتشر لزمه الغسل. قال في البحر: ومحله إن وجد الشهوة، وهو تقييد قولهم
بعدم الغسل بخروجه بعد البول.
(و) عند (إيلاج حشفة) هي ما
فوق الختان (آدمي) احتراز عن الجني يعني إذا لم تنزل وإذا لم يظهر لها في
صورة الآدمي كما في البحر (أو) إيلاج (قدرها من مقطوعها) ولو لم يبق منه
قدرها. قال في الأشباه: لم يتعلق به حكم، لم أره (في أحد سبيلي آدمي) حي
(يجامع مثله) سيجيء محترزه (عليهما) أي الفاعل والمفعول (لو) كان
(مكلفين) ولو أحدهما مكلفا فعليه فقط دون المراهق، لكن يمنع من الصلاة حتى
يغتسل، ويؤمر به ابن عشر تأديبا (وإن) وصلية (لم ينزل) منيا بالإجماع،
يعني لو في دبر غيره، أما في دبر نفسه فرجح في النهر عدم الوجوب إلا بالإنزال:
ولا يرد الخنثى المشكل فإنه لا غسل عليه بإيلاجه في قبل أو دبر ولا على من جامعه
إلا بالإنزال؛ لأن الكلام في حشفة وسبيلين محققين.
(و) عند
(رؤية مستيقظ) خرج رؤية السكران والمغمى عليه المذي منيا أو مذيا (وإن لم
يتذكر الاحتلام) إلا إذا علم أنه مذي أو شك أنه مذي أو ودي أو كان ذكره منتشرا
قبيل النوم فلا غسل عليه اتفاقا كالودي، لكن في الجواهر إلا إذا نام مضطجعا أو
تيقن أنه مني أو تذكر حلما فعليه الغسل والناس عنه غافلون (لا) يفترض (إن
تذكر ولو مع اللذة) والإنزال (ولم ير) على رأس الذكر (بللا) إجماعا
(وكذا المرأة) مثل الرجل على المذهب. ولو وجد بين الزوجين ماء ولا مميز ولا
تذكر ولا نام قبلهما غيرهما اغتسلا.
(أولج حشفته) أو قدرها
(ملفوفة بخرقة، إن وجد لذة) الجماع (وجب) الغسل (وإلا لا) على الأصح
والأحوط الوجوب.
(و) عند (انقطاع حيض ونفاس) هذا وما قبله
الحكم إلى الشرط: أي يجب عنده لا به، بل بوجوب الصلاة أو إرادة ما لا يحل كما
مر.
(لا) عند (مذي أو ودي) بل الوضوء منه ومن البول جميعا
على الظاهر (و) لا عند (إدخال إصبع ونحوه) كذكر غير آدمي وذكر خنثى وميت
وصبي لا يشتهي وما يصنع من نحو خشب (في الدبر أو القبل) على المختار (و)
لا عند (وطء بهيمة أو ميتة أو صغيرة غير مشتهاة) بأن تصير مفضاة بالوطء وإن
غابت الحشفة ولا ينتقض الوضوء، فلا يلزم إلا غسل الذكر قهستاني عن النظم، وسيجيء
أن رطوبة الفرج طاهرة عنده فتنبه. (بلا إنزال) لقصور الشهوة أما به فيحال
عليه.
(كما) لا غسل (لو أتى عذراء ولم يزل عذرتها) بضم
فسكون البكارة فإنها تمنع التقاء الختانين إلا إذا حبلت لإنزالها، وتعيد ما صلت
قبل الغسل كذا قالوا، وفيه نظر؛ لأن خروج منيها من فرجها الداخل شرط لوجوب الغسل
على المفتى به ولم يوجد قاله الحلبي.
(ويجب) أي يفرض (على
الأحياء) المسلمين (كفاية) إجماعا (أن يغسلوا) بالتخفيف (الميت)
المسلم إلا الخنثى المشكل فييمم.
(كما يجب على من أسلم جنبا أو
حائضا) أو نفساء ولو بعد الانقطاع على الأصح كما في الشرنبلالية عن البرهان،
وعلله ابن الكمال ببقاء الحدث الحكمي (أو بلغ لا بسن) بل بإنزال أو حيض، أو
ولدت ولم تر دما أو أصاب كل بدنه نجاسة أو بعضه وخفي مكانها (في الأصح) راجع
للجميع. وفي التتارخانية معزيا للعتابية والمختار وجوبه على مجنون أفاق.
قلت: وهو يخالف ما يأتي متنا، إلا أن يحمل أنه رأى منيا وهل السكران والمغمى
عليه كذلك؟ يراجع (وإلا) بأن أسلم طاهرا أو بلغ بالسن (فمندوب).
(وسن
لصلاة جمعة و) لصلاة (عيد) هو الصحيح كما في غرر الأذكار وغيره. وفي
الخانية لو اغتسل بعد صلاة الجمعة لا يعتبر إجماعا؛ ويكفي غسل واحد لعيد وجمعة
اجتمعا مع جنابة كما لفرضي جنابة وحيض (و) لأجل (إحرام و) في جبل
(عرفة) بعد الزوال.
(وندب لمجنون أفاق) وكذا المغمى عليه،
كذا في غرر الأذكار، وهل السكران كذلك؟ لم أره (وعند حجامة وفي ليلة براءة)
وعرفة (وقدر) إذا رآها (وعند الوقوف بمزدلفة غداة يوم النحر) للوقوف
(وعند دخول منى يوم النحر) لرمي الجمرة (و) كذا لبقية الرمي، و (عند
دخول مكة لطواف الزيارة ولصلاة كسوف) وخسوف (واستسقاء وفزع وظلمة وريح
شديد) وكذا لدخول المدينة، ولحضور مجمع الناس، ولمن لبس ثوبا جديدا أو غسل ميتا
أو يراد قتله ولتائب من ذنب، ولقادم من سفر، ولمستحاضة انقطع دمها
(ثمن
ماء اغتسالها ووضوئها عليه) أي الزوج لو غنية كما في الفتح؛ لأنه لا بد لها منه
فصار كالشرب، فأجرة الحمام عليه. ولو كان الاغتسال لا عن جنابة وحيض بل لإزالة
الشعث والتفث قال شيخنا الظاهر لا يلزمه.
(ويحرم بالحدث)
(الأكبر دخول مسجد) لا مصلى عيد وجنازة ورباط ومدرسة، ذكره المصنف وغيره في
الحيض وقبيل الوتر، لكن في وقف القنية: المدرسة إذا لم يمنع أهلها الناس من
الصلاة فيها فهي مسجد (ولو للعبور) خلافا للشافعي (إلا لضرورة) حيث لا
تيمم ندبا، وإن مكث لخوف فوجوبا، ولا يصلي ولا يقرأ.
(و) يحرم
به (تلاوة القرآن) ولو دون آية على المختار (بقصده) فلو قصد الدعاء أو
الثناء أو افتتاح أمر أو التعليم ولقن كلمة كلمة حل في الأصح، حتى لو قصد
بالفاتحة الثناء في الجنازة لم يكره إلا إذا قرأ المصلي قاصدا الثناء فإنها
تجزيه؛ لأنها في محلها، فلا يتغير حكمها بقصده (ومسه) مستدرك بما بعده، وهو
وما قبله ساقط من نسخ الشرح، وكأنه لأنه ذكره في الحيض.
(و)
يحرم به (طواف) لوجوب الطهارة فيه
(و) يحرم (به) أي
بالأكبر (وبالأصغر) مس مصحف: أي ما فيه آية كدرهم وجدار، وهل مس نحو
التوراة كذلك؟ ظاهر كلامهم لا (إلا بغلاف متجاف) غير مشرز أو بصرة به يفتى،
وحل قلبه بعود. واختلفوا في مسه بغير أعضاء الطهارة وبما غسل منها وفي القراءة
بعد المضمضة، والمنع أصح.
(ولا يكره النظر إليه) أي القرآن
(لجنب وحائض ونفساء) لأن الجنابة لا تحل العين (ك) ما لا تكره
(أدعية) أي تحريما، وإلا فالوضوء لمطلق الذكر مندوب، وتركه خلاف الأولى، وهو
مرجع كراهة التنزيه.
(ولا) يكره (مس صبي لمصحف ولوح) ولا
بأس بدفعه إليه وطلبه منه للضرورة إذ الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر.
(و)
لا تكره (كتابة قرآن والصحيفة أو اللوح على الأرض عند الثاني) خلافا لمحمد.
وينبغي أن يقال إن وضع على الصحيفة ما يحول بينها وبين يده يؤخذ بقول الثاني وإلا
فبقول الثالث قاله الحلبي.
(ويكره له قراءة توراة وإنجيل وزبور)
لأن الكل كلام الله وما بدل منها غير معين. وجزم العيني في شرح المجمع بالحرمة
وخصها في النهر بما لم يبدل (لا) قراءة (قنوت) ولا أكله وشربه بعد غسل يد
وفم، ولا معاودة أهله قبل اغتساله إلا إذا احتلم لم يأت أهله. قال الحلبي:
ظاهر الأحاديث إنما يفيد الندب لا نفي الجواز المفاد من كلامه. (والتفسير
كمصحف لا الكتب الشرعية) فإنه رخص مسها باليد لا التفسير كما في الدرر عن مجمع
الفتاوى. وفي السراج: المستحب أن لا يأخذ الكتب الشرعية بالكم أيضا تعظيما،
لكن في الأشباه من قاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام رجح الحرام. وقد جوز
أصحابنا مس كتب التفسير للمحدث، ولم يفصلوا بين كون الأكثر تفسيرا أو قرآنا، ولو
قيل به اعتبارا للغالب لكان حسنا قلت: لكنه يخالف ما مر فتدبر.
[فروع
في دفن المصحف]
المصحف إذا صار بحال لا يقرأ فيه يدفن كالمسلم،
ويمنع النصراني من مسه، وجوزه محمد إذا اغتسل ولا بأس بتعليمه القرآن والفقه عسى
يهتدي. ويكره وضع المصحف تحت رأسه إلا للحفظ والمقلمة على الكتاب إلا
للكتابة. ويوضع النحو ثم التعبير ثم الكلام ثم الفقه ثم الأخبار والمواعظ ثم
التفسير. تكره إذابة درهم عليه آية إلا إذا كسره رقية في غلاف متجاف لم يكره
دخول الخلاء به، والاحتراز أفضل. يجوز رمي براية القلم الجديد، ولا ترمى براية
القلم المستعمل لاحترامه كحشيش المسجد وكناسته لا يلقى في موضع يخل بالتعظيم.
ولا يجوز لف شيء في كاغد فيه فقه، وفي كتب الطب يجوز، ولو فيه اسم الله أو الرسول
فيجوز محوه ليلف فيه شيء، ومحو بعض الكتابة بالريق يجوز، وقد ورد النهي في محو
اسم الله بالبزاق، وعنه عليه الصلاة والسلام: «القرآن أحب إلى الله تعالى من
السموات والأرض ومن فيهن». يجوز قربان المرأة في بيت فيه مصحف مستور. بساط أو
غيره كتب عليه الملك لله يكره بسطه واستعماله لا تعليقه للزينة. وينبغي أن لا
يكره كلام الناس مطلقا، وقيل: يكره مجرد الحروف والأول أوسع، وتمامه في البحر،
وكراهية القنية. قلت: وظاهر انتفاء الكراهة بمجرد تعظيمه وحفظه علق أو لا زين
به أو لا، وهل ما يكتب على المراوح وجدر الجوامع كذا يحرر.
باب المياه
جمع ماء بالمد ويقصر، أصله موه قلبت الواو ألفا والهاء همزة، وهو
جسم لطيف سيال به حياة كل نام (يرفع الحدث) مطلقا (بماء مطلق) هو ما
يتبادر عند الإطلاق (كماء سماء وأودية وعيون وآبار وبحار وثلج مذاب) بحيث
يتقاطر وبرد وجمد وندا، هذا تقسيم باعتبار ما يشاهد وإلا فالكل من السماء:
{ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء} الآية، والنكرة ولو مثبتة في مقام
الامتنان تعم (وماء زمزم) بلا كراهة وعن أحمد يكره (وبماء قصد تشميسه بلا
كراهة) وكراهته عند الشافعي طبية، وكره أحمد المسخن بالنجاسة.
(و)
يرفع (بماء ينعقد به ملح لا بماء) حاصل بذوبان (ملح) لبقاء الأول على
طبيعته الأصلية، وانقلاب الثاني إلى طبيعة الملحية (و) لا (بعصير نبات)
أي معتصر من شجر أو ثمر؛ لأنه مقيد (بخلاف ما يقطر من الكرم) أو الفواكه
(بنفسه) فإنه يرفع الحدث، وقيل لا وهو الأظهر كما في الشرنبلالية عن البرهان
واعتمده القهستاني فقال: والاعتصار يعم الحقيقي والحكمي كماء الكرم وكذا ماء
الدابوغة والبطيخ بلا استخراج وكذا نبيذ التمر
(و) لا بماء
(مغلوب ب) شيء (طاهر) الغلبة إما بكمال الامتزاج بتشرب نبات أو بطيخ بما
لا يقصد به التنظيف، وإما بغلبة المخالط، فلو جامدا فبثخانة ما لم يزل الاسم
كنبيذ تمر ولو مائعا، فلو مباينا لأوصافه فبتغير أكثرها، أو موافقا كلبن فبأحدها
أو مماثلا كمستعمل فبالأجزاء، فإن المطلق أكثر من النصف جاز التطهير بالكل وإلا
لا، وهذا يعم الملقى والملاقي، ففي الفساقي يجوز التوضؤ ما لم يعلم تساوي
المستعمل على ما حققه في البحر والنهر المنح. قلت: لكن الشرنبلالي في شرحه
للوهبانية فرق بينهما، فراجعه متأملا.
(ويجوز) رفع الحدث (بما
ذكر وإن مات فيه) أي الماء ولو قليلا (غير دموي كزنبور) وعقرب وبق: أي
بعوض، وقيل: بق الخشب. وفي المجتبى: الأصح في علق مص الدم أنه يفسد ومنه
يعلم حكم بق، وقراد وعلق. وفي الوهبانية دود القز وماؤه وبزره وخرؤه طاهر كدودة
متولدة من نجاسة (ومائي مولد) ولو كلب الماء وخنزيره (كسمك وسرطان) وضفدع
إلا بريا له دم سائل، وهو ما لا سترة له بين أصابعه، فيفسد في الأصح كحية برية،
إن لها دم وإلا لا (وكذا) الحكم (لو مات) ما ذكر (خارجه وبقي فيه) في
الأصح، فلو تفتت فيه نحو ضفدع جاز الوضوء به لا شربه لحرمة لحمه.
(وينجس)
الماء القليل (بموت مائي معاش بري مولد) في الأصح (كبط وإوز) وحكم سائر
المائعات كالماء في الأصح، حتى لو وقع بول في عصير عشر في عشر لم يفسد، ولو سال
دم رجله مع العصير لا ينجس خلافا لمحمد ذكره الشمني وغيره (وبتغير أحد
أوصافه) من لون أو طعم أو ريح (ينجس) الكثير ولو جاريا إجماعا، أما القليل
فينجس وإن لم يتغير خلافا لمالك (لا لو تغير) بطول (مكث) فلو علم نتنه
بنجاسة لم يجز، ولو شك فالأصل الطهارة والتوضؤ من الحوض أفضل من النهر رغما
للمعتزلة.
وكذا يجوز بماء خالطه طاهر جامد مطلقا (كأشنان
وزعفران) لكن في البحر عن القنية: إن أمكن الصبغ به لم يجز كنبيذ تمر
(وفاكهة وورق شجر) وإن غير كل أوصافه (الأصح إن بقيت رقته) أي واسمه لما
مر.
(و) يجوز (بجار وقعت فيه نجاسة و) الجاري (هو ما يعد
جاريا) عرفا، وقيل ما يذهب بتبنة، والأول أظهر، والثاني (وإن) وصلية (لم
يكن جريانه بمدد) في الأصح، فلو سد النهر من فوق فتوضأ رجل بما يجري بلا مدد
جاز؛ لأنه جار، وكذا لو حفر نهرا من حوض صغير أو صب رفيقه الماء في طرف ميزاب
وتوضأ فيه وعند طرفه الآخر إناء يجتمع فيه الماء جاز توضؤه به ثانيا وثم وثم
وتمامه في البحر (إن لم ير) أي يعلم (أثره) فلو فيه جيفة أو بال فيه رجال
فتوضأ آخر من أسفله جاز ما لم ير في الجرية أثره (وهو) إما (طعم أو لون أو
ريح) ظاهره يعم الجيفة وغيرها، وهو ما رجحه الكمال. وقال تلميذه قاسم إنه
المختار، وقواه في النهر، وأقره المصنف. وفي القهستاني عن المضمرات عن
النصاب: وعليه الفتوى، وقيل إن جرى عليها نصفه فأكثر لم يجز وهو أحوط.
وألحقوا بالجاري حوض الحمام لو الماء نازلا والغرف متدارك، كحوض صغير يدخله الماء
من جانب ويخرج من آخر يجوز التوضؤ من كل الجوانب مطلقا، به يفتى، وكعين هي خمس في
خمس ينبع الماء منه، به يفتى قهستاني معزيا للتتمة.
(وكذا) يجوز
(براكد) كثير (كذلك) أي وقع فيه نجس لم ير أثره ولو في موضع وقوع
المرئية، به يفتى بحر.
(والمعتبر) في مقدار الراكد (أكبر رأي
المبتلى به فيه، فإن غلب على ظنه عدم خلوص) أي وصول (النجاسة إلى الجانب
الآخر جاز وإلا لا) هذا ظاهر الرواية عن الإمام، وإليه رجع محمد، وهو الأصح كما
في الغاية وغيرها، وحقق في البحر أنه المذهب، وبه يعمل، وأن التقدير بعشر في عشر
لا يرجع إلى أصل يعتمد عليه، ورد ما أجاب به صدر الشريعة، لكن في النهر: وأنت
خبير بأن اعتبار العشر أضبط ولا سيما في حق من لا رأي له من العوام، فلذا أفتى به
المتأخرون الأعلام: أي في المربع بأربعين، وفي المدور بستة وثلاثين، وفي المثلث
من كل جانب خمسة عشر وربعا وخمسا بذراع الكرباس، ولو له طول لا عرض لكنه يبلغ
عشرا في عشر جاز تيسيرا، ولو أعلاه عشرا وأسفله أقل جاز حتى يبلغ الأقل، ولو
بعكسه فوقع فيه نجس لم يجز حتى يبلغ العشر. ولو جمد ماؤه فثقب، إن الماء منفصلا
عن الجمد جاز؛ لأنه كالمسقف، وإن متصلا لا لأنه كالقصعة حتى لو ولغ فيه كلب تنجس
لا لو وقع فيه فمات لتسفله. ثم المختار طهارة المتنجس بمجرد جريانه وكذا البئر
وحوض الحمام. هذا، وفي القهستاني: والمختار: ذراع الكرباس وهو سبع قبضات
فقط، فيكون ثمانيا في ثمان بذراع زماننا ثمان قبضات وثلاث أصابع على القول المفتى
به بالمعشر أي ولو حكما ليعم ما له طول بلا عرض في الأصح، وكذا بئر عمقها عشر في
الأصح، وحينئذ فلو ماؤها بقدر العشر لم ينجس كما في المنية، وحينئذ فعمق خمس
أصابع تقريبا ثلاثة آلاف وثلثمائة واثنا عشر منا من الماء الصافي، ويسعه غدير كل
ضلع منه طولا وعرضا وعمقا ذراعان وثلاثة أرباع ذراع ونصف إصبع تقريبا كل ذراع
أربع وعشرون إصبعا. ا هـ. قلت وفيه كلام إذ المعتمد عدم اعتبار العمق وحده
فتبصر.
(ولا يجوز بماء) بالمد (زال طبعه) وهو السيلان
والإرواء والإنبات (بسبب) (طبخ كمرق) وماء باقلاء إلا بما قصد به التنظيف
كأشنان وصابون فيجوز إن بقي رقته
(أو) بماء (استعمل ل) أجل
(قربة) أي ثواب ولو مع رفع حدث أو من مميز أو حائض لعادة أو عبادة أو غسل ميت
أو يد لأكل أو منه بنية السنة (أو) لأجل (رفع حدث) ولو مع قربة كوضوء
محدث ولو للتبرد، فلو توضأ متوضئ لتبرد أو تعليم أو لطين بيده لم يصر مستعملا
اتفاقا كزيادة على الثلاث بلا نية قربة، وكغسل نحو فخذ أو ثوب طاهر أو دابة تؤكل
(أو) لأجل (إسقاط فرض) هو الأصل في الاستعمال كما نبه عليه الكمال، بأن
يغسل بعض أعضائه أو يدخل يده أو رجله في جب لغير اغتراف ونحوه فإنه يصير مستعملا
لسقوط الفرض اتفاقا وإن لم يزل حدث عضوه أو جنابته ما لم يتم لعدم تجزيهما زوالا
وثبوتا على المعتمد قلت: وينبغي أن يزاد أو سنة ليعم المضمضة والاستنشاق،
فتأمل.
(إذا انفصل عن عضو وإن لم يستقر) في شيء على المذهب،
وقيل إذا استقر، ورجح للحرج. ورد بأن ما يصيب منديل المتوضئ وثيابه عفو اتفاقا
وإن كثر (وهو طاهر) ولو من جنب وهو الظاهر، لكن يكره شربه والعجن به تنزيها
للاستقذار، وعلى رواية نجاسته تحريما (و) حكمه أنه (ليس بطهور) لحدث بل
لخبث على الراجح المعتمد.
[فرع]
اختلف في محدث انغمس
في بئر لدلو أو تبرد مستنجيا بالماء ولا نجس عليه ولم ينو ولم يتدلك والأصح أنه
طاهر والماء مستعمل لاشتراط الانفصال للاستعمال، والمراد أن ما اتصل بأعضائه
وانفصل عنها مستعمل لا كل الماء على ما مر.
(وكل إهاب) ومثله
المثانة والكرش. قال القهستاني: فالأولى وما (دبغ) ولو بشمس (وهو
يحتملها طهر) فيصلى به ويتوضأ منه (وما لا) يحتملها (فلا) وعليه (فلا
يطهر جلد حية) صغيرة ذكره الزيلعي، أما قميصها فطاهر (وفأرة) كما أنه لا
يطهر بذكاة لتقيدهما بما يحتمله (خلا) جلد (خنزير) فلا يطهر، وقدم؛ لأن
المقام للإهانة (وآدمي) فلا يدبغ لكرامته، ولو دبغ طهر وإن حرم استعماله، حتى
لو طحن عظمه في دقيق لم يؤكل في الأصح احتراما. وأفاد كلامه طهارة جلد كلب وفيل
وهو المعتمد.
(وما) أي إهاب (طهر به) بدباغ (طهر بذكاة)
على المذهب (لا) يطهر (لحمه على) قول (الأكثر إن) كان (غير
مأكول) هذا أصح ما يفتى به وإن قال في الفيض الفتوى على طهارته (وهل يشترط)
لطهارة جلده (كون ذكاته شرعية) بأن تكون من الأهل في المحل بالتسمية (قيل
نعم، وقيل لا، والأول أظهر)؛ لأن ذبح المجوسي وتارك التسمية عمدا كلا ذبح
(وإن صحح الثاني) صححه الزاهدي في القنية والمجتبى، وأقره في البحر.
[فرع
في ما يخرج من دار الحرب]
ما يخرج من دار الحرب كسنجاب إن علم دبغه
بطاهر فطاهر، أو بنجس فنجس، وإن شك فغسله أفضل.
(وشعر الميتة)
غير الخنزير على المذهب (وعظمها وعصبها) على المشهور (وحافرها وقرنها)
الخالية عن الدسومة وكذا كل ما لا تحله الحياة حتى الإنفحة واللبن على الراجح
(وشعر
الإنسان) غير المنتوف (وعظمه) وسنه مطلقا على المذهب. واختلف في أذنه،
ففي البدائع نجسة، وفي الخانية لا، وفي الأشباه: المنفصل من الحي كميتته إلا في
حق صاحبه فطاهر وإن كثر. ويفسد الماء بوقوع قدر الظفر من جلده لا بالظفر (ودم
سمك طاهر)
واعلم أنه (ليس الكلب بنجس العين) عند الإمام وعليه
الفتوى وإن رجح بعضهم النجاسة كما بسطه ابن الشحنة، فيباع ويؤجر ويضمن، ويتخذ
جلده مصلى ودلوا، ولو أخرج حيا ولم يصب فمه الماء لا يفسد ماء البئر ولا الثوب
بانتفاضه ولا بعضه ما لم ير ريقه ولا صلاة حامله ولو كبيرا، وشرط الحلواني شد
فمه. ولا خلاف في نجاسة لحمه وطهارة شعره.
(والمسك طاهر حلال)
فيؤكل بكل حال (وكذا نافجته) طاهرة (مطلقا على الأصح) فتح، وكذا الزباد
أشباه لاستحالته إلى الطيبية.
(وبول مأكول) اللحم (نجس)
نجاسة مخففة، وطهره محمد (ولا يشرب) بوله (أصلا) لا للتداوي ولا لغيره
عند أبي حنيفة..
[فروع في التداوي بالمحرم]
اختلف
في التداوي بالمحرم وظاهر المذهب المنع كما في رضاع البحر، لكن نقل المصنف ثمة
وهنا عن الحاوي: وقيل يرخص إذا علم فيه الشفاء ولم يعلم دواء آخر كما رخص الخمر
للعطشان وعليه الفتوى.
فصل في البئر
(إذا وقعت نجاسة) ليست بحيوان ولو مخففة أو قطرة بول أو دم أو
ذنب فأرة لم يشمع، فلو شمع ففيه ما في الفأرة (في بئر دون القدر الكثير) على
ما مر، ولا عبرة للعمق على المعتمد (أو مات فيها) أو خارجها وألقي فيها ولو
فأرة يابسة على المعتمد إلا الشهيد النظيف والمسلم المغسول، أما الكافر فينجسها
مطلقا كسقط (حيوان دموي) غير مائي لما مر (وانتفخ) أو تمعط (أو تفسخ)
ولو تفسخه خارجها ثم وقع فيها ذكره الوالي (ينزح كل مائها) الذي كان فيها وقت
الوقوع ذكره ابن الكمال (بعد إخراجه) لا إذا تعذر كخشبة أو خرقة متنجسة فبنزح
الماء إلى حد لا يملأ نصف الدلو يطهر الكل تبعا؛ ولو نزح بعضه ثم زاد في الغد نزح
قدر الباقي في الصحيح خلاصة، قيد بالموت؛ لأنه لو أخرج حيا وليس بنجس العين ولا
به حدث أو خبث لم ينزح شيء إلا أن يدخل فمه الماء فيعتبر بسؤره، فإن نجسا نزح
الكل وإلا لا هو الصحيح، نعم يندب عشرة من المشكوك لأجل الطهورية كذا في الخانية،
زاد التتارخانية: وعشرين في الفأرة، وأربعين في سنور ودجاجة مخلاة كآدمي محدث،
ثم هذا إن لم تكن الفأرة هاربة من هر، ولا الهر هاربا من كلب، ولا الشاة من سبع،
فإن كان نزح كله مطلقا كما في الجوهرة، لكن في النهر عن المجتبى الفتوى على
خلافه؛ لأن في بولها شكا (وإن تعذر) نزح كلها لكونها معينا (فبقدر ما
فيها) وقت ابتداء النزح قاله الحلبي (يؤخذ ذلك بقول رجلين عدلين لهما بصارة
بالماء) به يفتى، وقيل يفتى بمائة إلى ثلثمائة وهذا أيسر، وذاك أحوط.
(فإن
أخرج الحيوان غير منتفخ ولا متفسخ) ولا متمعط (فإن) كان (كآدمي) وكذا
سقط وسخلة وجدي وإوز كبير (نزح كله، وإن) كان (كحمامة) وهرة (نزح
أربعون من الدلاء) وجوبا إلى ستين ندبا (وإن) كان (كعصفور) وفأرة
(فعشرون) إلى ثلاثين كما مر، وهذا يعم المعين وغيرها، بخلاف نحو صهريج وحب
حيث يهراق الماء كله لتخصيص الآبار بالآثار بحر ونهر. قال المصنف في حواشيه على
الكنز: ونحوه في النتف؛ ونقل عن القنية أن حكم الركية كالبئر. وعن الفوائد أن
الحب المطمور أكثره في الأرض كالبئر، وعليه فالصهريج والزير الكبير ينزح منه
كالبئر فاغتنم هذا التحرير. ا هـ (بدلو وسط) وهو دلو تلك البئر، فإن لم يكن
فما يسع صاعا وغيره تحتسب به ويكفي ملء أكثر الدلو ونزح ما وجد وإن قل وجريان
بعضه وغوران قدر الواجب (وما بين حمامة وفأرة) في الجثة (كفأرة) في الحكم
(كما أن ما بين دجاجة وشاة كدجاجة) فألحق بطريق الدلالة بالأصغر كما أدخل
الأقل في الأكثر كفأرة مع هرة، ونحو الهرتين كشاة اتفاقا ونحو الفأرتين كفأرة،
والثلاث إلى الخمس كهرة، والست كشاة على الظاهر.
(ويحكم
بنجاستها) مغلظة (من وقت الوقوع إن علم، وإلا فمذ يوم وليلة إن لم ينتفخ ولم
يتفسخ) وهذا (في حق الوضوء) والغسل؛ وما عجن به فيطعم للكلاب؛ وقيل يباع من
شافعي، أما في حق غيره كغسل ثوب فيحكم بنجاسته في الحال وهذا لو تطهر عن حدث أو
غسل عن خبث، وإلا لم يلزم شيء إجماعا جوهرة. (ومذ ثلاثة أيام) بلياليها
(إن انتفخ أو تفسخ) استحسانا. وقالا: من وقت العلم فلا يلزمهم شيء قبله،
قيل وبه يفتى.
[فرع]
وجد في ثوبه منيا أو بولا أو
دما أعاد من آخر احتلام وبول ورعاف. ولو وجد في جبته فأرة ميتة، فإن لا ثقب
فيها أعاد مذ وضع القطن وإلا فثلاثة أيام لو منتفخة أو ناشفة، وإلا فيوم
وليلة:.
(ولا نزح) في بول فأرة في الأصح فيض، ولا (بخرء
حمام وعصفور) وكذا سباع طير في الأصح لتعذر صونها عنه (و) لا (بتقاطر بول
كرءوس إبر وغبار نجس) للعفو عنهما.
(وبعرتي إبل وغنم، كما)
يعفى (لو وقعتا في محلب) وقت الحلب (فرميتا) فورا قبل تفتت وتلون،
والتعبير بالبعرتين اتفاقي؛ لأن ما فوق ذلك كذلك، ذكره في الفيض وغيره، ولذا قال
(قيل القليل المعفو عنه ما يستقله الناظر والكثير بعكسه وعليه الاعتماد) كما
في الهداية وغيرها؛ لأن أبا حنيفة لا يقدر شيئا بالرأي.
[فرع في
البعد بين البئر والبالوعة]
البعد بين البئر والبالوعة بقدر ما لا
يظهر للنجس أثر (ويعتبر سؤر بمسئر) اسم فاعل من أسأر: أي أبقى لاختلاطه
بلعابه (فسؤر آدمي مطلقا) ولو جنبا أو كافرا أو امرأة، نعم يكره سؤرها للرجل
كعكسه للاستلذاذ واستعمال ريق الغير، وهو لا يجوز مجتبى.
(ومأكول
لحم) ومنه الفرس في الأصح ومثله ما لا دم له (طاهر الفم) قيد للكل
(طاهر) طهور بلا كراهة.
(و) سؤر (خنزير وكلب وسباع
بهائم) ومنه الهرة البرية (وشارب خمر فور شربها) ولو شاربه طويلا لا
يستوعبه اللسان فنجس ولو بعد زمان (وهرة فور أكل فأرة نجس) مغلظ.
(و)
سؤر هرة (ودجاجة مخلاة) وإبل وبقر جلالة، فالأحسن ترك دجاجة ليعم الإبل
والبقر والغنم قهستاني
(وسباع طير) لم يعلم ربها طهارة منقارها
(وسواكن بيوت) طاهر للضرورة (مكروه) تنزيها في الأصح إن وجد غيره وإلا لم
يكره أصلا كأكله لفقير.
(و) سؤر (حمار) أهلي ولو ذكرا في
الأصح (وبغل) أمه حمارة؛ فلو فرسا أو بقرة فطاهر كمتولد من حمار وحشي وبقرة،
ولا عبرة بغلبة الشبه لتصريحهم بحل أكل ذئب ولدته شاة اعتبارا للأم، وجواز الأكل
يستلزم طهارة السؤر كما لا يخفى، وما نقله المصنف عن الأشباه من تصحيح عدم الحل
قال شيخنا: إنه غريب (مشكوك في طهوريته لا في طهارته) حتى لو وقع في ماء
قليل اعتبر بالأجزاء، وهل يطهر النجس؟ قولان (فيتوضأ به) أو يغتسل
(ويتيمم) أي يجمع بينهما احتياطا في صلاة واحدة لا في حالة واحدة (إن فقد
ماء) مطلقا (وصح تقديم أيهما شاء) في الأصح. ولو تيمم وصلى ثم أراقه لزمه
إعادة التيمم والصلاة لاحتمال طهوريته..
(ويقدم التيمم على نبيذ
التمر على المذهب) المصحح المفتى به؛ لأن المجتهد إذا رجع عن قول لا يجوز الأخذ
به: (و) حكم (عرق كسؤر) فعرق الحمار إذا وقع في الماء صار مشكلا على
المذهب كما في المستصفى. وفي المحيط: عرق الجلالة عفو في الثوب والبدن. وفي
الخانية أنه طاهر على الظاهر.
باب التيمم
ثلث به تأسيا بالكتاب وهو من خصائص هذه الأمة بلا ارتياب.
(هو) لغة: القصد. وشرعا (قصد صعيد) شرط القصد؛ لأنه النية (مطهر)
خرج الأرض المتنجسة إذا جفت فإنها كالماء المستعمل (واستعماله) حقيقة أو حكما
ليعم التيمم بالحجر الأملس (بصفة مخصوصة) هذا يفيد أن الضربتين ركن، وهو
الأصح الأحوط (ل) أجل (إقامة القربة) خرج التيمم للتعليم فإنه لا يصلى
به. وركنه شيئان: الضربتان، والاستيعاب. وشرطه ستة: النية، والمسح، وكونه
بثلاث أصابع فأكثر، والصعيد، وكونه مطهرا، وفقد الماء.
وسننه
ثمانية: الضرب بباطن كفيه، وإقبالهما، وإدبارهما، ونفضهما؛ وتفريج أصابعه،
وتسمية، وترتيب وولاء. وزاد ابن وهبان في الشروط الإسلام، فزدته وضممت سننه
الثمانية في بيت آخر، وغيرت شطر بيته الأول فقلت: والإسلام شرط عذر ضرب ونية
ومسح وتعميم صعيد مطهر وسننه سمي وبطن وفرجن ونفض ورتب وال أقبل تدبر
(من
عجز) مبتدأ خبره تيمم (عن استعمال الماء) المطلق الكافي لطهارته لصلاة تفوت
إلى خلف (لبعده) ولو مقيما في المصر (ميلا) أربعة آلاف ذراع، وهو أربع
وعشرون أصبعا، وهي ست شعيرات ظهر لبطن، وهي ست شعرات بغل (أو لمرض) يشتد أو
يمتد بغلبة ظن أو قول حاذق مسلم ولو بتحرك، أو لم يجد من توضئه، فإن وجد ولو
بأجرة مثل وله ذلك لا يتيمم في ظاهر المذهب كما في البحر. وفيه: لا يجب على
أحد الزوجين توضيء صاحبه وتعهده، وفي مملوكه يجب (أو برد) يهلك الجنب أو
يمرضه ولو في المصر إذا لم تكن له أجرة حمام ولا ما يدفئه، وما قيل إنه في زماننا
يتحيل بالعدة فمما لم يأذن به الشرع، نعم إن كان له مال غائب يلزمه الشراء نسيئة
وإلا لا (أو خوف عدو) كحية أو نار على نفسه ولو من فاسق أو حبس غريم أو ماله
ولو أمانة: ثم إن نشأ الخوف بسبب وعيد عبد أعاد الصلاة وإلا لا؛ لأنه سماوي
(أو عطش) ولو لكلبه أو رفيق القافلة حالا أو مآلا، وكذا العجين، أو إزالة نجس
كما سيجيء: وقيد ابن الكمال عطش دوابه بتعذر حفظ الغسالة بعدم الإناء. وفي
السراج للمضطر أخذه قهرا وقتاله، فإن قتل رب الماء فهدر وإن المضطر ضمن بقود أو
دية (أو عدم آلة) طاهرة يستخرج بها الماء ولو شاشا وإن نقص بإدلائه أو شقه
نصفين قدر قيمة الماء، كما لو وجد من ينزل إليه بأجر (تيمم) لهذه الأعذار
كلها، حتى لو تيمم لعدم الماء ثم مرض مرضا يبيح التيمم لم يصل بذلك التيمم؛ لأن
اختلاف أسباب الرخصة يمنع الاحتساب بالرخصة الأولى وتصير الأولى كأن لم تكن، جامع
الفصولين فليحفظ.
(مستوعبا وجهه) حتى لو ترك شعره أو وترة منخره
لم يجز (ويديه) فينزع الخاتم والسوار أو يحرك به يفتى (مع مرفقيه) فيمسحه
الأقطع (بضربتين) ولو من غيره أو ما يقوم مقامهما، لما في الخلاصة وغيرها
:
لو حرك رأسه أو أدخله في موضع الغبار بنية التيمم جاز والشرط وجود الفعل منه
(ولو جنبا أو حائضا) طهرت لعادتها (أو نفساء بمطهر من جنس الأرض وإن لم يكن
عليه نقع) أي غبار، فلو لم يدخل بين أصابعه لم يحتج إلى ضربة ثالثة للتخلل.
وعن محمد يحتاج إليها، نعم لو يمم غيره يضرب ثلاثا للوجه واليمنى واليسرى قهستاني
(وبه مطلقا) عجز عن التراب أو لا؛ لأنه تراب رقيق.
(فلا
يجوز) بلؤلؤ ولو مسحوقا لتولده من حيوان البحر، ولا بمرجان لشبهه بالنبات لكونه
أشجارا نابتة في قعر البحر على ما حرره المصنف، ولا (بمنطبع) كفضة وزجاج
(ومترمد) بالاحتراق إلا رماد الحجر فيجوز كحجر مدقوق أو مغسول، وحائط مطين أو
مجصص، وأوان من طين غير مدهونة، وطين غير مغلوب بماء لكن، لا ينبغي التيمم به قبل
خوف فوات وقت لئلا يصير مثلة بلا ضرورة (ومعادن) في محالها فيجوز التراب
عليها، وقيده الإسبيجابي بأن يستبين أثر التراب بمد يده عليه، وإن لم يستبن لم
يجز؛ وكذا كل ما لا يجوز التيمم عليه كحنطة وجوخة فليحفظ.
(والحكم
للغالب) لو اختلط تراب بغيره كذهب وفضة ولو مسبوكين وأرض محترقة، فلو الغلبة
لتراب جاز وإلا لا خانية، ومنه علم حكم التساوي.
(وجاز قبل الوقت
ولأكثر من فرض، و) جاز (لغيره) كالنفل؛ لأنه بدل مطلق عندنا لا
ضروري:.
(و) جاز (لخوف فوت صلاة جنازة) أي كل تكبيراتها
ولو جنبا أو حائضا، ولو جيء بأخرى إن أمكنه التوضؤ بينهما ثم زال تمكنه أعاد
التيمم وإلا لا به يفتى (أو) فوت (عيد) بفراغ إمام أو زوال شمس (ولو)
كان يبني (بناء) بعد شروعه متوضئا وسبق حدثه (بلا فرق بين كونه إماما أو
لا) في الأصح؛ لأن المناط خوف الفوت لا إلى بدل فجاز لكسوف وسنن رواتب ولو سنة
فجر خاف فوتها وحدها، ولنوم وسلام ورده وإن لم تجز الصلاة به. قال في البحر:
وكذا لكل ما لا تشترط له الطهارة؛ لما في المبتغى. وجاز لدخول مسجد مع وجود
الماء وللنوم فيه وأقره المصنف، لكن في النهر: الظاهر أن مراد المبتغى للجنب
فسقط الدليل. قلت: وفي المنية وشرحها: تيممه لدخول مسجد ومس مصحف مع وجود
الماء ليس بشيء بل هو عدم؛ لأنه ليس لعبادة يخاف فوتها، لكن في القهستاني عن
المختار: المختار جوازه مع الماء لسجدة التلاوة، لكن سيجيء تقييده بالسفر لا
الحضر. ثم رأيت في الشرعة وشروحها ما يؤيد كلام البحر، قال: فظاهر البزازية
جوازه لتسع مع وجود الماء وإن لم تجز الصلاة به. قلت: بل لعشر بل أكثر، لما
مر من الضابط أنه يجوز لكل ما لا تشترط الطهارة له ولو مع وجود الماء؛ وأما ما
تشترط له فيشترط فقد الماء كتيمم لمس مصحف فلا يجوز لواجد الماء. وأما للقراءة،
فإن محدثا فكالأول أو جنبا فكالثاني. وقالوا: لو تيمم لدخول مسجد أو لقراءة
ولو من مصحف أو مسه أو كتابته أو تعليمه أو لزيارة قبور أو عيادة مريض أو دفن ميت
أو أذان أو إقامة أو إسلام أو سلام أو رده لم تجز الصلاة به عند العامة، بخلاف
صلاة جنازة أو سجدة تلاوة فتاوى شيخنا خير الدين الرملي قلت: وظاهره أنه يجوز
فعل ذلك فتأمل.
(لا) يتيمم (لفوت جمعة ووقت) ولو وترا
لفواتها إلى بدل، وقيل يتيمم لفوات الوقت. قال الحلبي: فالأحوط أن يتيمم
ويصلي ثم يعيده. (ويجب) أي يفترض (طلبه) ولو برسوله (قدر غلوة)
ثلثمائة ذراع من كل جانب، ذكره الحلبي. وفي البدائع: الأصح طلبه قدر ما لا
يضر بنفسه ورفقته بالانتظار (إن ظن) ظنا قويا (قربه) دون ميل بأمارة أو
إخبار عدل (وألا) يغلب على ظنه قربه (لا) يجب بل يندب إن رجا وإلا لا؛
ولو صلى بتيمم وثمة من يسأله ثم أخبره بالماء أعاد وإلا لا..
(وشرط
له) أي للتيمم في حق جواز الصلاة به (نية عبادة) ولو صلاة جنازة أو سجدة
تلاوة لا شكر في الأصح (مقصودة) خرج دخول مسجد ومس مصحف (لا تصح) أي لا
تحل ليعم قراءة القرآن للجنب (بدون طهارة) خرج السلام ورده (فلغا تيمم كافر
لا وضوءه)؛ لأنه ليس بأهل للنية، فما يفتقر إليها لا يصح منه: وصح تيمم جنب
بنية الوضوء به يفتى..
(وندب لراجيه) رجاء قويا (آخر
الوقت) المستحب، ولو لم يؤخر وتيمم وصلى جاز إن كان بينه وبين الماء ميل وإلا
لا.
(صلى) من ليس في العمران بالتيمم - (ونسي الماء في
رحله) وهو مما ينسى عادة (لا إعادة عليه) ولو ظن فناء الماء أعاد اتفاقا
كما لو نسيه في عنقه أو ظهره أو في مقدمه راكبا أو مؤخره سائقا أو نسي ثوبه وصلى
عريانا أو في ثوب نجس أو مع نجس ومعه ما تزيله أو توضأ بماء نجس أو صلى محدثا ثم
ذكر أعاد إجماعا.
(ويطلبه) وجوبا على الظاهر من رفيقه (ممن هو
معه، فإن منعه) ولو دلالة بأن استهلكه (تيمم) لتحقق عجزه. (وإن لم يعطه
إلا بثمن مثله) أو بغبن يسير (وله ذلك) فاضلا عن حاجته (لا يتيمم ولو
أعطاه بأكثر) يعني بغبن فاحش وهو ضعف قيمته في ذلك المكان (أو ليس له) ثمن
(ذلك تيمم). وأما للعطش فيجب على القادر شراؤه بأضعاف قيمته إحياء لنفسه،
وإنما يعتبر المثل في تسعة عشر موضعا مذكورة في الأشباه، وقبل طلبه الماء (لا
يتيمم على الظاهر) أي ظاهر الرواية عن أصحابنا؛ لأنه مبذول عادة كما في البحر
عن المبسوط وعليه الفتوى؛ فيجب طلب الدلو والرشاء، وكذا الانتظار لو قال له حتى
أستقي، وإن خرج الوقت، ولو كان في الصلاة إن ظن الإعطاء قطع، وإلا لا، لكن في
القهستاني عن المحيط: إن ظن إعطاء الماء أو الآلة وجب الطلب وإلا لا..
(والمحصور
فاقد) الماء والتراب (الطهورين) بأن حبس في مكان نجس ولا يمكنه إخراج تراب
مطهر، وكذا العاجز عنهما لمرض (يؤخرها عنده: وقالا: يتشبه) بالمصلين
وجوبا، فيركع ويسجد إن وجد مكانا يابسا وإلا يومئ قائما ثم يعيد كالصوم (به
يفتى وإليه صح رجوعه) أي الإمام كما في الفيض، وفيه أيضا (مقطوع اليدين
والرجلين إذا كان بوجهه جراحة يصلي بغير طهارة) ولا يتيمم (ولا يعيد على
الأصح) وبهذا ظهر أن تعمد الصلاة بلا طهر غير مكفر فليحفظ.
وقد مر
وسيجيء في صلاة المريض.
[فروع في تيمم المحبوس]
صلى المحبوس بالتيمم، إن في المصر أعاد وإلا لا. هل يتيمم
لسجدة؟ إن في السفر نعم وإلا لا..
الماء المسبل في الفلاة لا
يمنع التيمم ما لم يكن كثيرا، فيعلم أنه للوضوء أيضا ويشرب ما للوضوء. الجنب
أولى بمباح من حائض أو محدث وميت، ولو لأحدهم فهو أولى ولو مشتركا ينبغي صرفه
للميت. جاز تيمم جماعة من محل واحد.
حيلة جواز تيمم من معه ماء
زمزم ولا يخاف العطش أن يخلطه بما يغلبه أو يهبه على وجه يمنع الرجوع.
(وناقضه
ناقض الأصل) ولو غسلا، فلو تيمم للجنابة ثم أحدث صار محدثا لا جنبا، فيتوضأ
وينزع خفيه ثم بعده يمسح عليه ما لم يمر بالماء، فمع في عبارة صدر الشريعة بمعنى
بعد كما في: {إن مع العسر يسرا} فافهم. (وقدرة ماء) ولو إباحة في
صلاة (كاف لطهره) ولو مرة مرة (فضل عن حاجته) كعطش وعجن وغسل نجس مانع
ولمعة جنابة؛ لأن المشغول بالحاجة وغير الكافي كالمعدوم.
(لا)
تنقضه (ردة وكذا) ينقضه (كل ما يمنع وجوده التيمم إذا وجد بعده)؛ لأن ما
جاز بعذر بطل بزواله، فلو تيمم لمرض بطل ببرئه أو لبرد بطل بزواله والحاصل أن كل
ما يمنع وجوده التيمم نقض وجوده التيمم (وما لا) يمنع وجوده التيمم في
الابتداء (فلا) ينقض وجوده بعد ذلك التيمم؛ ولو قال وكذا زوال ما أباحه: أي
التيمم لكان أظهر وأخصر، وعليه فلو تيمم لبعد ميل فسار فانتقص انتقض فليحفظ.
(ومرور
ناعس) متيمم عن حدث أو نائم غير متمكن متيمم عن جنابة (على ماء) كاف
(كمستيقظ) فينتقض، وأبقيا تيممه وهو الرواية المصححة عنه المختارة للفتوى؛
كما لو تيمم وبقربه ماء لا يعلم به كما في البحر وغيره، وأقره المصنف (تيمم
لو) كان (أكثره) أي أكثر أعضاء الوضوء عددا وفي الغسل مساحة (مجروحا)
أو به جدري اعتبارا للأكثر (وبعكسه يغسل) الصحيح ويمسح الجريح (و) كذا
(إن استويا غسل الصحيح) من أعضاء الوضوء، ولا رواية في الغسل (ومسح
الباقي) منها (وهو) الأصح؛ لأنه (أحوط) فكان أولى وصحح في الفيض وغيره
التيمم، كما يتيمم لو الجرح بيديه وإن وجد من يوضئه خلافا لهما.
(ولا
يجمع بينهما) أي تيمم وغسل كما لا يجمع بين حيض وحبل أو استحاضة أو نفاس، ولا
بين نفاس واستحاضة أو حيض، ولا زكاة وعشر أو خراج أو فطرة، ولا عشر مع خراج، ولا
فدية وصوم أو قصاص، ولا ضمان وقطع أو أجر، ولا جلد مع رجم أو نفي، ولا مهر ومتعة
وحد أو ضمان إفضائها أو موتها من جماعة، ولا مهر مثل وتسمية، ولا وصية وميراث
وغيرها مما سيجيء في محله - إن شاء الله تعالى. (من به وجع رأس لا يستطيع معه
مسحه) محدثا ولا غسله جنبا ففي الفيض عن غريب الرواية يتيمم، وأفتى قارئ
الهداية أنه (يسقط) عنه (فرض مسحه) ولو عليه جبيرة، ففي مسحها قولان،
وكذا يسقط غسله فيمسحه ولو على جبيرة إن لم يضره، وإلا سقط أصلا وجعل عادما لذلك
العضو حكما كما في المعدوم حقيقة.