الكتاب: الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار
المؤلف: محمد بن علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن الحنفي الحصكفي (ت ١٠٨٨ هـ)
التصنيف الفرعي للكتاب: الفقه علي المذهب الحنفي
المحتويات
- كتاب الهبة
- باب الرجوع في الهبة
- فصل في مسائل متفرقة
- كتاب الإجارة
- باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها
- باب الإجارة الفاسدة
- باب ضمان الأجير
- باب فسخ الإجارة
- كتاب المكاتب
- باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله وما لا يجوز
- باب كتابة العبد المشترك
- باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى
- كتاب الولاء
- فصل في ولاء الموالاة
- كتاب الإكراه
- كتاب الحجر
- فصل (في بلوغ الغلام بالاحتلام والإحبال والإنزال)
- كتاب المأذون
- العودة الي الكتاب الدر المختار في شرح تنوير الأبصار
كتاب الهبة
وجه المناسبة ظاهر (هي) لغة: التفضل على الغير ولو غير مال.
وشرعا: (تمليك العين مجانا) أي بلا عوض لا أن عدم العوض شرط فيه
وأما
تمليك الدين من غير من عليه الدين فإن أمره بقبضه صحت لرجوعها إلى هبة العين
(وسببها
إرادة الخير للواهب) دنيوي كعوض ومحبة وحسن ثناء، وأخروي: قال الإمام أبو
منصور يجب على المؤمن أن يعلم ولده الجود والإحسان كما يجب عليه أن يعلمه التوحيد
والإيمان؛ إذ حب الدنيا رأس كل خطيئة نهاية مندوبة وقبولها سنة قال صلى الله عليه
وسلم: «تهادوا تحابوا».
(وشرائط صحتها في الواهب العقل والبلوغ
والملك) فلا تصح هبة صغير ورقيق، ولو مكاتبا. و) شرائط صحتها (في الموهوب
أن يكون مقبوضا غير مشاع مميزا غير مشغول) كما سيتضح.
(وركنها)
هو (الإيجاب والقبول) كما سيجيء.
(وحكمها ثبوت الملك للموهوب
له غير لازم) فله الرجوع والفسخ (وعدم صحة خيار الشرط فيها) فلو شرطه صحت
إن اختارها قبل تفرقهما، وكذا لو أبرأه صح الإبراء، وبطل الشرط خلاصة. (و)
حكمها (أنها لا تبطل بالشروط الفاسدة) فهبة عبد على أن يعتقه تصح ويبطل
الشرط
(وتصح بإيجاب ك وهبت ونحلت وأطعمتك هذا الطعام ولو) ذلك
(على وجه المزاح) بخلاف أطعمتك أرضي فإنه عارية لرقبتها وإطعام لغلتها بحر
(أو الإضافة إلى ما) أي إلى جزء (يعبر به عن الكل ك وهبت لك فرجها وجعلته
لك) لأن اللام للتمليك بخلاف جعلته باسمك فإنه ليس بهبة وكذا هي لك حلال إلا أن
يكون قبله كلام يفيد الهبة خلاصة (وأعمرتك هذا الشيء وحملتك على هذه الدابة)
ناويا بالحمل الهبة كما مر (وكسوتك هذا الثوب وداري لك هبة) أو عمرى
(تسكنها) لأن قوله: تسكنها مشورة لا تفسير لأن الفعل لا يصلح تفسيرا للاسم
فقد أشار عليه في ملكه بأن يسكنه فإن شاء قبل مشورته، وإن شاء لم يقبل (لا)
لو قال (هبة سكنى أو سكنى هبة) بل تكون عارية أخذا بالمتيقن. وحاصله: أن
اللفظ إن أنبأ عن تملك الرقبة فهبة أو المنافع فعارية أو احتمل اعتبر النية نوازل
وفي البحر أغرسه باسم ابني، الأقرب الصحة
(و) تصح (بقبول) أي
في حق الموهوب له أما في حق الواهب فتصح بالإيجاب وحده؛ لأنه متبرع حتى لو حلف أن
يهب عبده لفلان فوهب ولم يقبل بر وبعكسه حنث بخلاف البيع
(و) تصح
(بقبض بلا إذن في المجلس) فإنه هنا كالقبول فاختص بالمجلس (وبعده به) أي
بعد المجلس بالإذن، وفي المحيط لو كان أمره بالقبض حين وهبه لا يتقيد بالمجلس
ويجوز القبض بعده (والتمكن من القبض كالقبض فلو وهب لرجل ثيابا في صندوق مقفل
ودفع إليه الصندوق لم يكن قبضا) لعدم تمكنه من القبض (وإن مفتوحا كان قبضا
لتمكنه منه) فإنه كالتخلية في البيع اختيار وفي الدرر والمختار صحته بالتخلية
في صحيح الهبة لا فاسدها وفي النتف ثلاثة عشر عقدا لا تصح بلا قبض (ولو نهاه)
عن القبض (لم يصح) قبضه (مطلقا) ولو في المجلس؛ لأن الصريح أقوى من
الدلالة
(وتتم) الهبة (بالقبض) الكامل (ولو الموهوب شاغلا
لملك الواهب لا مشغولا به) والأصل أن الموهوب إن مشغولا بملك الواهب منع
تمامها، وإن شاغلا لا، فلو وهب جرابا فيه طعام الواهب أو دارا فيها متاعه، أو
دابة عليها سرجه وسلمها كذلك لا تصح وبعكسه تصح في الطعام والمتاع والسرج فقط لأن
كلا منها شاغل الملك لواهب لا مشغول به لأن شغله بغير ملك واهبه لا يمنع تمامها
كرهن وصدقة لأن القبض شرط تمامها وتمامه في العمادية
وفي الأشباه:
هبة المشغول لا تجوز إلا إذا وهب الأب لطفله. قلت: وكذا الدار المعارة والتي
وهبتها لزوجها على المذهب لأن المرأة ومتاعها في يد الزوج فصح التسليم وقد غيرت
بيت الوهبانية فقلت: ومن وهبت للزوج دارا لها بها متاع وهم فيها تصح المحرر وفي
الجوهرة، وحيلة هبة المشغول أن يودع الشاغل أولا عند الموهوب له ثم يسلمه الدار
مثلا فتصح لشغلها بمتاع في يده (في) متعلق بتتم (محوز) مفرغ (مقسوم
ومشاع لا) يبقى منتفعا به بعد أن (يقسم) كبيت وحمام صغيرين لأنها (لا)
تتم بالقبض (فيما يقسم ولو) وهبه (لشريكه) أو لأجنبي لعدم تصور القبض
الكامل كما في عامة الكتب فكان هو المذهب وفي الصيرفية عن العتابي وقيل: يجوز
لشريكه، وهو المختار (فإن قسمه وسلمه صح) لزوال المانع
(ولو
سلمه شائعا لا يملكه فلا ينفذ تصرفه فيه) فيضمنه وينفذ تصرف الواهب درر. لكن
فيها عن الفصولين الهبة الفاسدة تفيد الملك بالقبض وبه يفتى ومثله في البزازية
على خلاف ما صححه في العمادية لكن لفظ الفتوى آكد من لفظ الصحيح كما بسطه المصنف
مع بقية أحكام المشاع وهل للقريب الرجوع في الهبة الفاسدة؟ قال في الدرر:
نعم، وتعقبه في الشرنبلالية: بأنه غير ظاهر على القول المفتى به من إفادتها
الملك بالقبض فليحفظ. (والمانع) من تمام القبض (شيوع مقارن) للعقد
(لا طارئ) كأن يرجع في بعضها شائعا فإنه لا يفسد اتفاقا (والاستحقاق)
شيوع (مقارن) لا طارئ فيفسد الكل حتى لو وهب أرضا وزرعا وسلمهما فاستحق الزرع
بطلت في الأرض، لاستحقاق البعض الشائع فيما يحتمل القسمة، والاستحقاق إذا ظهر
بالبينة كان مستندا إلى ما قبل الهبة فيكون مقارنا لها لا طارئا كما زعمه صدر
الشريعة وإن تبعه ابن الكمال فتنبه.
(ولا تصح هبة لبن في ضرع وصوف
على غنم ونخل في أرض وتمر في نخل) لأنه كمشاع (ولو فصله وسلمه جاز) لزوال
المانع وهل يكفي فصل الموهوب له بإذن الواهب؟ ظاهر الدرر: نعم (بخلاف دقيق
في بر ودهن في سمسم وسمن في لبن) حيث لا يصح أصلا؛ لأنه معدوم فلا يملك إلا
بعقد جديد (وملك) بالقبول (بلا قبض جديد لو الموهوب في يد الموهوب له)
ولو بغصب أو أمانة؛ لأنه حينئذ عامل لنفسه، والأصل أن القبضين إذا تجانسا ناب
أحدهما عن الآخر، وإذا تغايرا ناب الأعلى عن الأدنى لا عكسه
(وهبة
من له ولاية على الطفل في الجملة) وهو كل من يعوله فدخل الأخ والعم عند عدم
الأب لو في عيالهم (تتم بالعقد) لو الموهوب معلوما وكان في يده أو يد مودعه،
لأن قبض الولي ينوب عنه، والأصل أن كل عقد يتولاه الواحد يكتفى فيه بالإيجاب
(وإن
وهب له أجنبي يتم بقبض وليه) وهو أحد أربعة: الأب، ثم وصيه، ثم الجد، ثم
وصيه، وإن لم يكن في حجرهم، وعند عدمهم تتم بقبض من يعوله كعمه (وأمه وأجنبي)
ولو ملتقطا (لو في حجرهما) وإلا لا، لفوات الولاية (وبقبضه لو مميزا)
يعقل التحصيل (ولو مع وجود أبيه) مجتبى لأنه في النافع المحض كالبالغ، حتى لو
وهب له أعمى لا نفع له وتلحقه مؤنته لم يصح قبوله أشباه. قلت: لكن في
البرجندي: اختلف فيما لو قبض من يعوله، والأب حاضر فقيل: لا يجوز والصحيح هو
الجواز ا هـ. وظاهر القهستاني ترجيحه، وعزاه لفخر الإسلام وغيره على خلاف ما
اعتمده المصنف في شرحه، وعزاه للخلاصة لكن متنه يحتمله بوصل ولو بأمه والأجنبي
أيضا فتأمل
(وصح رده لها كقبوله) سراجية وفيها حسنات الصبي له
ولأبويه أجر التعليم ونحوه، ويباح لوالديه أن يأكلا من مأكول وهب له، وقيل لا،
انتهى، فأفاد أن غير المأكول لا يباح لهما إلا لحاجة وضعوا هدايا الختان بين يدي
الصبي فما يصلح له كثياب الصبيان فالهدية له، وإلا فإن المهدي من أقرباء الأب أو
معارفه فللأب أو من معارف الأم فللأم، قال هذا لصبي أو لا، ولو قال: أهديت للأب
أو للأم فالقول له، وكذا زفاف البنت خلاصة وفيها: اتخذ لولده أو لتلميذه ثيابا
ثم أراد دفعها لغيره ليس له ذلك ما لم يبين وقت الاتخاذ أنها عارية، وفي
المبتغى: ثياب البدن يملكها بلبسها بخلاف نحو ملحفة ووسادة.
وفي
الخانية لا بأس بتفضيل بعض الأولاد في المحبة لأنها عمل القلب، وكذا في العطايا
إن لم يقصد به الإضرار، وإن قصده فسوى بينهم يعطي البنت كالابن عند الثاني وعليه
الفتوى ولو وهب في صحته كل المال للولد جاز وأثم
وفيها: لا يجوز أن
يهب شيئا من مال طفله ولو بعوض لأنها تبرع ابتداء، وفيها ويبيع القاضي ما وهب
للصغير حتى لا يرجع الواهب في هبته
(ولو قبض زوج الصغيرة) أما
البالغة فالقبض لها (بعد الزفاف ما وهب لها صح) قبضه، ولو بحضرة الأب في
الصحيح لنيابته عنه فصح قبض الأب كقبضها مميزة (وقبله) أي الزفاف (لا)
يصح لعدم الولاية
(وهب اثنان دارا لواحد صح) لعدم الشيوع
(وبقلبه) لكبيرين (لا) عنده للشيوع فيما يحتمل القسمة أما ما لا يحتمله
كالبيت فيصح اتفاقا قيدنا بكبيرين؛ لأنه لو وهب لكبير وصغير في عيال الكبير أو لا
بنية صغير وكبير لم يجز اتفاقا وقيدنا بالهبة لجواز الرهن والإجارة من اثنين
اتفاقا
(وإذا تصدق بعشرة) دراهم (أو وهبها لفقيرين صح) لأن
الهبة للفقير صدقة، والصدقة يراد بها وجه الله - تعالى، وهو واحد فلا شيوع (لا
لغنيين) لأن الصدقة على الغني هبة فلا تصح للشيوع أي لا تملك حتى لو قسمها
وسلمها صح.
[فروع]
وهب لرجلين درهما إن صحيحا صح،
وإن مغشوشا لا لأنه مما يقسم لكونه في حكم العروض. معه درهمان فقال لرجل:
وهبت لك أحدهما أو نصفهما إن استويا لم يجز، وإن اختلفا جاز؛ لأنه مشاع لا يقسم؛
ولذا لو وهب ثلثهما جاز مطلقا. تجوز هبة حائط بين داره ودار جاره لجار، وهبة
البيت من الدار فهذا يدل على كون سقف الواهب على الحائط واختلاط البيت بحيطان
الدار لا يمنع صحة الهبة مجتبى.
باب الرجوع في الهبة
(صح الرجوع فيها بعد القبض) أما قبله فلم تتم الهبة (مع
انتفاع مانعه) الآتي (وإن كره) الرجوع (تحريما) وقيل: تنزيها نهاية
(ولو مع إسقاط حقه من الرجوع) فلا يسقط بإسقاطه خانية. وفي الجواهر لا يصح
الإبراء عن الرجوع ولو صالحه من حق الرجوع على شيء صح وكان عوضا عن الهبة لكن
سيجيء اشتراطه في العقد
(ويمنع الرجوع فيها) حروف (دمع خزقه)
يعني الموانع السبعة الآتية (فالدال الزيادة) في نفس العين الموجبة لزيادة
القيمة (المتصلة) وإن زالت قبل الرجوع كأن شب ثم شاخ لكن في الخانية ما
يخالفه، واعتمده القهستاني فليتنبه له؛ لأن الساقط لا يعود (كبناء وغرس) إن
عدا زيادة في كل الأرض وإلا رجع ولو عدا في قطعة منها امتنع فيها فقط زيلعي
(وسمن) وجمال وخياطة وصبغ وقصر ثوب وكبر صغير وسماع أصم وإبصار أعمى وإسلام
عبد ومداواته وعفو جناية وتعليم قرآن أو كتابة أو قراءة ونقط مصحف بإعرابه، وحمل
تمر من بغداد إلى بلخ مثلا ونحوها. وفي البزازية: والحبل إن زاد خيرا منع
الرجوع وإن نقص لا، ولو اختلفا في الزيادة ففي المتولدة ككبر القول للواهب، وفي
نحو بناء وخياطة وصبغ للموهوب له خانية وحاوي ومثله في المحيط لكنه استثنى ما لو
كان لا يبني في مثل تلك المدة (لا) تمنع الزيادة (المنفصلة كولد وأرش
وعقر) وثمرة فيرجع في الأصل لا الزيادة لكن لا يرجع بالأم حتى يستغني الولد
عنها كذا نقله القهستاني لكن نقل البرجندي وغيره أنه قول أبي يوسف فليتنبه له.
ولو حبلت ولم تلد هل للواهب الرجوع؟ قال في السراج: لا وقال الزيلعي:
نعم. وفي الجوهرة مريض مديون بمستغرق وهب أمة فمات وقد وطئت يردها مع عقرها هو
المختار
والميم موت أحد العاقدين) بعد التسليم فلو قبله بطل، ولو
اختلفا، والعين في يد الوارث فالقول للوارث، وقد نظم المصنف ما يسقط بالموت
فقال: كفارة ديه خراج ورابع ضمان لعتق هكذا نفقات كذاهبة حكم الجميع سقوطها
بموت لما أن الجميع صلات
(والعين العوض) بشرط أن يذكر لفظا يعلم
الواهب أنه عوض كل هبته (فإن قال: خذه عوض هبتك أو بدلها) أو في مقابلتها
ونحو ذلك (فقبضه الواهب سقط الرجوع) ولو لم يذكر أنه عوض رجع كل بهبته
(و) لذا (يشترط فيه شرائط الهبة) كقبض وإفراز وعدم شيوع، ولو العوض
مجانسا أو يسيرا، وفي بعض نسخ المتن بدل الهبة العقد وهو تحريف
(ولا
يجوز للأب أن يعوض عما وهب للصغير من ماله) ولو وهب العبد التاجر ثم عوض فلكل
منهما الرجوع بحر
(ولا يصح تعويض مسلم من نصراني عن هبته خمرا أو
خنزيرا) إذ لا يصح تمليكا من المسلم بحر
(ويشترط أن لا يكون العوض
بعض الموهوب، فلو عوضه البعض عن الباقي) لا يصح (فله الرجوع في الباقي) ولو
الموهوب شيئين فعوضه أحدهما عن الآخر إن كانا في عقدين صح، وإلا لا لأن اختلاف
العقد كاختلاف العين والدراهم تتعين في هبة ورجوع مجتبى (ودقيق الحنطة يصلح
عوضها عنها) لحدوثه بالطحن وكذا لو صبغ بعض الثياب أو لت بعض السويق ثم عوضه صح
خانية. (ولو عوضه ولد إحدى جاريتين موهوبتين وجد) ذلك الولد (بعد الهبة
امتنع الرجوع)
(وصح) العوض (من أجنبي ويسقط حق الواهب في
الرجوع إذا قبضه) كبدل الخلع (ولو) التعويض بغير إذن (الموهوب له) ولا
رجوع ولو بأمره إلا إذا قال: عوض عني على أني ضامن، لعدم وجوب التعويض بخلاف
قضاء الدين (و) الأصل أن (كل ما يطالب به الإنسان بالحبس والملازمة يكون
الأمر بأدائه مثبتا للرجوع من غير اشتراط الضمان وما لا فلا) إلا إذا شرط
الضمان ظهيرية وحينئذ (فلو أمر المديون رجلا بقضاء دينه رجع عليه) وإن لم
يضمن لوجوبه عليه لكن يخرج عن الأصل ما لو قال أنفق على بناء داري أو قال الأسير
اشترني فإنه يرجع فيهما بلا شرط رجوع كفالة خانية مع أنه لا يطالب بهما لا بحبس
ولا بملازمة فتأمل
(وإن استحق نصف الهبة رجع بنصف العوض وعكسه لا،
ما لم يرد ما بقي) لأنه يصلح عوضا ابتداء فكذا بقاء لكنه يخير ليسلم العوض،
ومراده: العوض الغير المشروط أما المشروط فمبادلة كما سيجيء فيوزع البدل على
المبدل نهاية (كما لو استحق كل العوض حيث يرجع في كلها إن كانت قائمة لا إن
كانت هالكة) كما لو استحق العوض وقد ازدادت الهبة لم يرجع خلاصة (وإن استحق
جميع الهبة كان له أن يرجع في جميع العوض إن كان قائما وبمثله إن) العوض
(هالكا وهو مثلي وبقيمته إن قيميا) غاية (ولو عوض النصف رجع بما لم يعوض)
ولا يضر الشيوع لأنه طارئ. [تنبيه] نقل في المجتبى أنه يشترط في العوض أن
يكون مشروطا في عقد الهبة أما إذا عوضه بعده فلا، ولم أر من صرح به غيره، وفروع
المذهب مطلقة كما مر فتدبر.
(والخاء خروج الهبة عن ملك الموهوب
له) ولو بهبة إلا إذا رجع الثاني فللأول الرجوع سواء كان بقضاء أو رضا لما
سيجيء أن الرجوع فسخ حتى لو عادت بسبب جديد بأن تصدق بها الثالث على الثاني أو
باعها منه لم يرجع الأول، ولو باع نصفه رجع في الباقي لعدم المانع، وقيد الخروج
بقوله (بالكلية) بأن يكون خروجا عن ملكه من كل وجه ثم فرع عليه بقوله (فلو
ضحى الموهوب له بالشاة الموهوبة أو نذر التصدق بها، وصارت لحما لا يمنع
الرجوع)، ومثله المتعة والقران والنذر مجتبى. وفي المنهاج وإن وهب له ثوبا
فجعله صدقة لله تعالى فله الرجوع خلافا للثاني (كما لو ذبحها من غير تضحية)
فله الرجوع اتفاقا.
[فرع في عبد عليه دين أو جناية]
عبد
عليه دين أو جناية خطأ فوهبه مولاه لغريمه أو لولي الجناية سقط الدين والجناية،
ثم لو رجع صح استحسانا، ولا يعود الدين والجناية عند محمد، ورواية عن الإمام كما
لا يعود النكاح لو وهبها لزوجها ثم رجع خانية
(والزاي الزوجية وقت
الهبة فلو وهب لامرأة ثم نكحها رجع ولو وهب لامرأته لا) كعكسه.
[فرع
في هبة المولى لأم ولده]
لا تصح هبة المولى لأم ولده، ولو في مرضه
ولا تنقلب وصية؛ إذ لا يد للمحجور، أما لو أوصى لها بعد موته تصح لعتقها بموته
فيسلم لها كافي (والقاف القرابة، فلو وهب لذي رحم محرم منه) نسبا (ولو ذميا
أو مستأمنا لا يرجع) شمني (ولو وهب لمحرم بلا رحم كأخيه رضاعا) ولو ابن عمه
(ولمحرم بالمصاهرة كأمهات النساء والربائب وأخاه وهو عبد لأجنبي أو لعبد أخيه
رجع ولو كانا) أي العبد ومولاه (ذا رحم محرم من الواهب فلا رجوع فيها اتفاقا
على الأصح) لأن الهبة لأيهما وقعت تمنع الرجوع بحر.
[فرع في هبة
ما لا يقسم]
وهب لأخيه وأجنبي ما لا يقسم فقبضاه له الرجوع في حظ
الأجنبي لعدم المانع درر
(والهاء هلاك العين الموهوبة ولو ادعاه)
أي الهلاك (صدق بلا حلف) لأنه ينكر الرد (فإن قال الواهب: هي هذه)
العين (حلف) المنكر (أنها ليست هذه). خلاصة (كما يحلف) الواهب
(أن الموهوب له ليس بأخيه إذا ادعى) الأخ (ذلك) لأنه يدعي مسبب النسب لا
النسب خانية
(ولا يصح الرجوع إلا بتراضيهما أو بحكم الحاكم)
للاختلاف فيه فيضمن بمنعه بعد القضاء لا قبله (وإذا رجع بأحدهما) بقضاء أو
رضا (كان فسخا) لعقد الهبة (من الأصل وإعادة لملكه) القديم لا هبة للواهب
(ف) لهذا (لا يشترط فيه قبض الواهب)
(وصح) الرجوع (في
الشائع) ولو كان هبة لما صح فيه (وللواهب رده على بائعه مطلقا) بقضاء أو
رضا (بخلاف الرد بالعيب بعد القبض بغير قضاء) لأن حق المشتري في وصف السلامة
لا في الفسخ فافترقا ثم مرادهم بالفسخ من الأصل أن لا يترتب على العقد أثر في
المستقبل لا بطلان أثره أصلا وإلا لعاد المنفصل إلى ملك الواهب برجوعه فصولين
(اتفقا)
الواهب والموهوب له (على) الرجوع في (موضع لا يصح) رجوعه من المواضع
السبعة السابقة (كالهبة لقرابته جاز) هذا الإنفاق منهما جوهرة.
.
وفي المجتبى لا تجوز الإقالة في الهبة والصدقة في المحارم إلا بالقبض؛ لأنها هبة
ثم قال: وكل شيء يفسخه الحاكم إذا اختصما إليه فهذا حكمه، ولو وهب الدين لطفل
المديون لم يجز؛ لأنه غير مقبوض، وفي الدرر قضى ببطلان لان الرجوع لمانع ثم زال
المانع عاد الرجوع
(تلفت) العين (الموهوبة واستحقها مستحق
وضمن) المستحق (الموهوب له لم يرجع على الواهب بما ضمن) لأنها عقد تبرع فلا
يستحق فيه السلامة (والإعارة كالهبة) هنا لأن قبض المستعير كان لنفسه، ولا
غرور لعدم العقد، وتمامه في العمادية (وإذا وقعت الهبة بشرط العوض المعين فهي
هبة ابتداء فيشترط التقابض في العوضين)
(ويبطل) العوض
(بالشيوع) فيما يقسم بيع انتهاء فترد بالعيب وخيار الرؤية، وتؤخذ بالشفعة)
هذا إذا قال: وهبتك على أن تعوضني كذا، أما لو قال: وهبتك بكذا، فهو بيع
ابتداء وانتهاء وقيد العوض بكونه معينا؛ لأنه لو كان مجهولا بطل اشتراطه فيكون
هبة ابتداء وانتهاء.
[فرع]
وهب الواقف أرضا شرط
استبداله بلا شرط عوض لم يجز وإن شرط كان كبيع، ذكره الناصحي. وفي المجمع وأجاز
محمد هبة مال طفله بشرط عوض مساو ومنعاه. قلت: فيحتاج على قولهما إلى الفرق
بين الوقف ومال الصغير انتهى، والله أعلم.
فصل في مسائل متفرقة
(وهب أمة إلا حملها، وعلى أن يردها عليه أو يعتقها أو يستولدها
أو) وهب (دارا على أن يرد عليه شيئا منها) ولو معينا كثلث الدار أو ربعها
(أو على أن يعوض في الهبة والصدقة شيئا عنها صحت) الهبة (وبطل الاستثناء)
في الصورة الأولى (و) بطل (الشرط) في الصور الباقية؛ لأنه بعض أو مجهول
والهبة لا تبطل بالشروط ولا تنس ما مر من اشتراط معلومية العوض. أعتق حمل أمة
ثم وهبها صح ولو دبره ثم وهبها لم يصح) لبقاء الحمل على ملكه فكان مشغولا به
بخلاف الأول
(كما لا يصح) تعليق الإبراء عن الدين بشرط محض كقوله
لمديونه: إذا جاء غد أو إن مت بفتح التاء فأنت بريء من الدين أو إن مت من مرضك
هذا أو إن مت من مرضي هذا فأنت في حل من مهري فهو باطل؛ لأنه مخاطرة وتعليق
(إلا بشرط كائن) ليكون تنجيزا كقوله لمديونه: إن كان لي عليك دين أبرأتك
عنه، صح وكذا إن مت بضم التاء فأنت بريء منه أو في حل جاز وكان وصية خانية (جاز
العمرى) للمعمر له ولورثته بعده لبطلان الشرط (لا) تجوز (الرقبى) لأنها
تعليق بالخطر وإذا لم تصح تكون عارية شمني لحديث أحمد وغيره: «من أعمر عمرى فهي
لمعمره في حياته وموته لا ترقبوا فمن أرقب شيئا فهو سبيل الميراث».
(بعث
إلى امرأته متاعا) هدايا إليها (وبعثت له أيضا) هدايا عوضا للهبة صرحت
بالعوض أو لا (ثم افترقا بعد الزفاف وادعى) الزوج (أنه عارية) لا هبة
وحلف (فأراد الاسترداد وأرادت) هي (الاسترداد) أيضا يسترد كل) منهما
(ما أعطى) إذ لا هبة فلا عوض ولو استهلك أحدهما ما بعثه الآخر ضمنه، لأن من
استهلك العارية ضمنها خانية
(هبة الدين ممن عليه الدين وإبراؤه عنه
يتم من غير قبول) إذ لم يوجب انفساخ عقد صرف أو سلم لكن يرتد بالرد في المجلس
وغيره لما فيه من معنى الإسقاط، وقيل: يتقيد بالمجلس، كذا في العناية لكن في
الصيرفية لو لم يقبل، ولم يرد حتى افترقا ثم بعد أيام رد لا يرتد في الصحيح لكن
في المجتبى: الأصح أن الهبة تمليك، والإبراء إسقاط
(تمليك الدين
ممن ليس عليه الدين باطل إلا) في ثلاث: حوالة، وصية، و (إذا سلطه) أي سلط
المملك غير المديون (على قبضه) أي الدين (فيصح) حينئذ ومنه ما لو وهبت من
ابنها ما على أبيه فالمعتمد الصحة للتسليط، ويتفرع على هذا الأصل لو قضى دين غيره
على أن يكون له لم يجز ولو كان وكيلا بالبيع فصولين (و) ليس منه ما (إذا
أقر الدائن أن الدين لفلان وأن اسمه) في كتاب الدين (عارية) حيث (صح)
إقراره لكونه إخبارا لا تمليكا فللمقر له قبضه بزازية وتمامه في الأشباه من أحكام
الدين وكذا لو قال الدين الذي لي على فلان لفلان بزازية وغيرها. قلت: وهو
مشكل؛ لأنه مع الإضافة إلى نفسه يكون تمليكا، وتمليك الدين ممن ليس عليه باطل،
فتأمله. وفي الأشباه في قاعدة تصرف الإمام معزيا لصلح البزازية اصطلحا أن يكتب
اسم أحدهما في الديوان فالعطاء لمن كتب اسمه إلخ. (والصدقة كالهبة) بجامع
التبرع، وحينئذ (لا تصح غير مقبوضة ولا في مشاع يقسم، ولا رجوع فيها) ولو على
غني؛ لأن المقصود فيها الثواب لا العوض، ولو اختلفا فقال الواهب هبة، والآخر صدقة
فالقول للواهب خانية.
[فروع]
كتب قصة إلى السلطان
يسأله تمليك أرض محدودة فأمر السلطان بالتوقيع فكتب كاتبه جعلتها ملكا له هل
يحتاج إلى القبول في المجلس؟ القياس: نعم لكن لما تعذر الوصول إليه أقيم
السؤال بالقصة مقام حضوره.
أعطت زوجها مالا بسؤاله ليتوسع فظفر به
بعض غرمائه إن كانت وهبته أو أقرضته ليس لها أن تسترد من الغريم، وإن أعطته
ليتصرف فيه على ملكها فلها ذلك لا له.
دفع لابنه مالا ليتصرف فيه
ففعل وكثر ذلك فمات الأب إن أعطاه هبة فالكل له، وإلا فميراث وتمامه في جواهر
الفتاوى.. بعث إليه بهدية في إناء هل يباح أكلها فيه إن كان ثريدا ونحوه مما
لو حوله إلى إناء آخر ذهبت لذته يباح وإلا فإن كان بينهما انبساط يباح أيضا وإلا
فلا.
دعا قوما إلى طعام وفرقهم على أخونة ليس لأهل خوان مناولة أهل
خوان آخر، ولا إعطاء سائل وخادم وهرة لغير رب المنزل ولا كلب، ولو لرب المنزل إلا
أن يناوله الخبز المحترق للإذن عادة، وتمامه في الجوهرة. وفي الأشباه لا جبر
على الصلات إلا في أربع: شفعة ونفقة زوجة وعين موصى بها، ومال وقف
وقد
حررت أبيات الوهبانية على وقف ما في شرحها للشرنبلالي فقلت: وواهب دين ليس يرجع
مطلقا وإبراء ذي نصف يصح المحرر على حجها أو تركه ظلمه لها إذا وهبت مهرا ولم يوف
يخسر معلق تطليق بإبراء مهرها وإنكاح أخرى لو برد فيظفر وإن قبض الإنسان مال
مبيعه فأبرأ يؤخذ منه كالدين أظهر ومن دون أرض في البناء صحيحة وعندي فيه وقفة
فيحرر قلت: وجه توقفي تصريحهم في كتاب الرهن بأن رهن البناء دون الأرض وعكسه لا
يصح؛ لأنه كالشائع فتأمله وأشرت ب " أظهر " لما في العمادية عن خواهر زاده
أنه لا يرجع واختاره بعض المشايخ، فيظفر أي بنكاح ضرتها؛ لأنه برده للإبراء أبطله
فلا حنث فليحفظ ا هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الإجارة
قدم الهبة لكونها تمليك عين، وهذه تمليك منفعة هي) لغة: اسم
للأجرة وهو ما يستحق على عمل الخير ولذا يدعى به، يقال أعظم الله أجرك. وشرعا
(تمليك نفع) مقصود من العين (بعوض) حتى لو استأجر ثيابا أو أواني ليتجمل
بها أو دابة ليجنبها بين يديه أو دارا لا ليسكنها أو عبدا أو دراهم أو غير ذلك لا
ليستعمله بل ليظن الناس أنه له فالإجارة فاسدة في الكل، ولا أجر له لأنها منفعة
غير مقصودة من العين بزازية وسيجيء.
(وكل ما صلح ثمنا) أي بدلا
في البيع (صلح أجرة) لأنها ثمن المنفعة ولا ينعكس كليا، فلا يقال ما لا يجوز
ثمنا لا يجوز أجرة لجواز إجارة المنفعة بالمنفعة إذا اختلفا كما سيجيء.
(وتنعقد
بأعرتك هذه الدار شهرا بكذا)؛ لأن العارية بعوض إجارة بخلاف العكس (أو
وهبتك) أو أجرتك (منافعها) شهرا بكذا؛ أفاد أن ركنها الإيجاب والقبول.
وشرطها كون الأجرة والمنفعة معلومتين؛ لأن جهالتهما تفضي إلى المنازعة. وحكمها
وقوع الملك في البدلين ساعة فساعة وهل تنعقد بالتعاطي؟ ظاهر الخلاصة نعم إن
علمت المدة. وفي البزازية إن قصرت نعم وإلا لا (ويعلم النفع ببيان المدة
كالسكنى والزراعة مدة كذا) أي مدة كانت وإن طالت ولو مضافة كآجرتكها غدا
وللمؤجر بيعها اليوم، وتبطل الإجارة به يفتى خانية
(ولم تزد في
الأوقاف على ثلاث سنين) في الضياع وعلى سنة في غيرها كما مر في بابه. والحيلة
أن يعقد عقودا متفرقة كل عقد سنة بكذا، فيلزم العقد الأول؛ لأنه ناجز، لا الباقي؛
لأنه مضاف، وللمتولي فسخه خانية. وفيها لو شرط الواقف مدة يتبع إلا إذا كانت
إجارتها أكبر نفعا فيؤجرها القاضي لا المتولي؛ لأن ولايته عامة. قلت: وقدمنا
في الوقف أن الفتوى على إبطال الإجارة الطويلة ولو بعقود، وسيجيء متنا فليراجع
وليحفظ (فلو آجرها المتولي أكثر لم تصح) الإجارة وتفسخ في كل المدة؛ لأن
العقد إذا فسد في بعضه فسد في كله فتاوى قارئ الهداية، ورجحه المصنف على ما في
أنفع الوسائل:
وأفاد فساد ما يقع كثيرا من أخذ كرم الوقف أو اليتيم
مساقاة، فيستأجر أرضه الخالية من الأشجار بمبلغ كثير، ويساقي على أشجارها بسهم من
ألف سهم، فالحظ ظاهر في الإجارة لا في المساقاة فمفاده فساد المساقاة بالأولى؛
لأن كلا منهما عقد على حدة. قلت: وقيدوا سراية الفساد في باب البيع الفاسد
بالفاسد القوي المجمع عليه فيسري كجمع بين حر وعبد، بخلاف الضعيف فيقتصر على محله
ولا يتعداه كجمع بين عبد ومدبر فتدبر، وجعلوه أيضا من الفساد الطارئ فتنبه.
ومن
حوادث الروم: وصي زيد باع ضيعة من تركته لدين على أنها ملكه ثم ظهر أن بعضها
وقف مسجد هل يصح البيع في الباقي؟ أجاب فريق بنعم وفريق بلا، وألف بعضهم رسالة
ملخصها ترجيح الأول فتأمل.
وفي جواهر الفتاوى: آجر ضيعة وقفا ثلاث
سنين وكتب في الصك أنه أجر ثلاثين عقدا كل عقد عقيب الآخر لا تصح الإجارة وهو
الصحيح وعليه الفتوى صيانة للأوقاف. ثم قال: ولو قضى قاض بصحتها تجوز ويرتفع
الخلاف ا هـ. قلت: وسيجيء أن المتولي والوصي لو آجر بدون أجرة يلزم المستأجر
تمام أجر المثل وأنه يعمل بالأنفع للوقف. وفي صلح الخانية متى فسد العقد في
البعض بمفسد مقارن يفسد في الكل.
(و) يعلم النفع أيضا ببيان
(العمل كالصياغة والصبغ والخياطة) بما يرفع الجهالة، فيشترط في استئجار
الدابة للركوب بيان الوقت أو الموضع، فلو خلا عنهما فهي فاسدة بزازية. (و)
يعلم أيضا (بالإشارة كنقل هذا الطعام إلى كذا).
(و) اعلم أن
(الأجر لا يلزم بالعقد فلا يجب تسليمه) به (بل بتعجيله أو شرطه في
الإجارة) المنجزة، أما المضافة فلا تملك فيها الأجرة بشرط التعجيل إجماعا.
وقيل تجعل عقودا في كل الأحكام فيفي برواية تملكها بشرط التعجيل للحاجة شرح
وهبانية للشرنبلالي (أو الاستيفاء) للمنفعة (أو تمكنه منه) إلا في ثلاث
مذكورة في الأشباه. ثم فرع على هذا بقوله (فيجب الأجر لدار قبضت ولم تسكن)
لوجود تمكنه من الانتفاع، وهذا (إذا كانت الإجارة صحيحة، أما في الفاسدة فلا)
يجب الأجر (إلا بحقيقة الانتفاع) كما بسط في العمادية، وظاهر ما في الإسعاف
إخراج الوقف فتجب أجرته في الفاسد بالتمكن كذا في الأشباه.
قلت:
وهل مال اليتيم والمعد للاستغلال والمستأجر في البيع وفاء على ما أفتى به علماء
الروم كذلك؟ محل تردد فليراجع، وبقوله (ويسقط الأجر بالغصب) أي بالحيلولة
بين المستأجر والعين؛ لأن حقيقة الغصب لا تجري في العقار، وهل تنفسخ بالغصب؟
قال في الهداية نعم خلافا لقاضي خان، ولو غصب في بعض المدة فبحسابه (إلا إذا
أمكن إخراج الغاصب) من الدار مثلا (بشفاعة أو حماية) أشباه
(ولو
أنكر ذلك) أي الغصب (المؤجر) وادعاه المستأجر (ولا بينة له بحكم الحال)
كمسألة الطاحونة، ولا يقبل قول الساكن؛ لأنه فرد ذخيرة وبقوله (ولا يعتق قريب
المؤجر لو كان أجرة)؛ لأنه لم يملكه بالعقد، والمراد من تمكنه من الاستيفاء
تسليم المحل إلى المستأجر بحيث لا مانع من الانتفاع
(فلو سلمه)
العين المؤجرة (بعد مضي بعض المدة) المؤجرة (فليس لأحدهما الامتناع) من
التسليم والتسلم في باقي المدة (إذا لم يكن في مدة الإجارة وقت يرغب فيها
لأجله، فإن كان فيها) أي في العين المؤجرة (وقت كذلك) كبيوت مكة ومنى
وحوانيتهما زمن الموسم فإنه لا يرغب فيها بعد الموسم، فلو لم يسلم في الوقت الذي
يرغب لأجله (خير في قبض الباقي) كما في البيع كذا في البحر ولو سلمه المفتاح
فلم يقدر على الفتح لضياعه، وإن أمكنه الفتح بلا كلفة وجب الأجر وإلا لا أشباه.
قلت: وكذا لو عجز المستأجر عن الفتح بهذا المفتاح لم يكن تسليما؛ لأن التخلية
لم تصح صيرفية ولو اختلفا بحكم الحال، ولو برهنا فبينة المؤجر ذخيرة وكذا
البيع. وقيل إن قال له اقبض المفتاح وافتح الباب فهو تسليم وإلا لا كما بسطه
المصنف
(وللمؤجر طلب الأجر للدار والأرض) كل يوم (وللدابة كل
مرحلة) إذا أطلقه، ولو بين تعين وللخياطة (ونحوها) من الصنائع (إذا فرغ
وسلمه) فهلكه قبل تسليمه يسقط الأجر، وكذا كل من لعمله أثر، وما لا أثر له
كجمال له الأجر كما فرغ وإن لم يسلم بحر (وإن) وصلية (عمل في بيت المستأجر
نعم لو سرق) بعد ما خاط بعضه أو انهدم ما بناه فله الأجر بحسابه على المذهب بحر
وابن كمال (ثوب خاطه الخياط بأجر ففتقه رجل قبل أن يقبضه رب الثوب فلا أجر
له) بل له تضمين الفاتق (ولا يجبر على الإعادة، وإن كان الخياط هو الفاتق
فعليه الإعادة) كأنه لم يعمل، بخلاف فتق الأجنبي وهل للخياط أجر التفصيل بلا
خياطة؟ الأصح لا أشباه لكن حاشيتها معزيا للمضمرات، المفتى به نعم. وقال
المصنف: ينبغي أن يحكم العرف ا هـ.
ثم رأيت في التتارخانية معزيا
للكبرى أن الفتوى على الأول فتأمل (و) للخباز طلب الأجر (للخبز في بيت
المستأجر بعد إخراجه من التنور)؛ لأن تمامه بذلك وبإخراج بعضه بحسابه جوهرة
(فإن احترق بعده) أي بعد إخراجه بغير فعله (فله الأجر) لتسليمه بالوضع في
بيته (ولا غرم) لعدم التعدي. وقالا يغرم مثل دقيقه ولا أجر وإن شاء ضمن
الخبز وأعطاه الأجر (ولو) احترق (قبله لا أجر له ويغرم) اتفاقا لتقصيره
درر وبحر (وإن لم يكن الخبز فيه) أي في بيت المستأجر سواء كان في بيت الخباز
أو لا (فاحترق) أو سرق (فلا أجر) له لعدم التسليم حقيقة (ولا ضمان)
لو سرق؛ لأنه في يده أمانة خلافا لهما، وهي مسألة الأجير المشترك جوهرة (وإن)
احترق الخبز أو سقط من يده (قبل الإخراج فعليه الضمان) ثم المالك بالخيار،
فإن ضمنه قيمته مخبوزا فله الأجر (وإن ضمنه قيمته دقيقا فلا أجر) له للهلاك
قبل التسليم ولا يضمن الحطب والملح (وللطبخ بعد الغرف) إلا إذا كان لأهل بيته
جوهرة، والأصل في ذلك العرف (فإن أفسده) أي الطعام (الطباخ أو أحرقه أو لم
ينضجه فهو ضامن) للطعام، ولو دخل بنار ليخبز أو ليطبخ بها فوقعت منه شرارة
فاحترق البيت لم يضمن للإذن، ولا يضمن صاحب الدار لو احترق شيء من السكان لعدم
التعدي جوهرة
(ول) ضرب (اللبن بعد الإقامة) وقالا بعد
تشريجه: أي جعل بعضه على بعض، وبقولهما يفتي ابن كمال معزيا للعيون، وهذا إذا
ضربه في بيت المستأجر، فلو في غير بيته فلا حتى يعده منصوبا عنده ومشرجا عندهما
زيلعي.
[فروع في الملبن على اللبان]
الملبن على
اللبان، والتراب على المستأجر، وإدخال الحمل المنزل على الحمال لا صبه في الجوالق
أو صعوده للغرفة إلا بشرط؛ وإيكاف دابة للحمل على المكاري، وكذا الحبال والجوالق
والحبر على الكاتب واشتراط الورق عليه يفسدها ظهيرية.
(ومن) كان
(لعمله أثر في العين كالصباغ والقصار حبسها لأجل الأجر) وهل المراد بالأثر
عين مملوكة للعامل كالنشاء والغراء أم مجرد ما يعاين ويرى؟ قولان أصحهما الثاني
فغاسل الثوب وكاسر الفستق والحطب والطحان والخياط والخفاف وحالق رأس العبد لهم
حبس العين بالأجر على الأصح مجتبى، وهذا (إذا كان حالا أما إذا كان) الأجر
(مؤجلا فلا) يملك حبسها كعمله في بيت المستأجر بتسليمه حكما وتضمن بالتعدي
ولو في بيت المستأجر غاية (فإن حبس فضاع فلا أجر ولا ضمان) لعدم التعدي.
(ومن
لا أثر لعمله كالحمال على ظهر) أو دابة (والملاح) وغاسل الثوب أي لتطهيره
لا لتحسينه مجتبى فليحفظ. (لا يحبس) العين للأجر (فإن حبس ضمن ضمان
الغصب) وسيجيء في بابه (وصاحبها بالخيار إن شاء ضمنه قيمتها) أي بدلها شرعا
(محمولة وله الأجر، وإن شاء غير محمولة ولا أجر) جوهرة (وإذا شرط عمله
بنفسه) بأن يقول له اعمل بنفسك أو بيدك (لا يستعمل غيره إلا الظئر فلها
استعمال غيرها) بشرط وغيره خلاصة (وإن أطلق كان له) أي للأجير أن يستأجر
غيره، أفاد بالاستئجار أنه لو دفع لأجنبي ضمن الأول لا الثاني، وبه صرح في
الخلاصة، وقيد بشرط العمل؛ لأنه لو شرطه اليوم أو غدا فلم يفعل وطالبه مرارا ففرط
حتى سرق لا يضمن. وأجاب شمس الأئمة بالضمان، كذا في الخلاصة (وقوله على أن
تعمل إطلاق) لا تقييد مستصفى، فله أن يستأجر غيره.
(استأجره
ليأتي بعياله فمات بعضهم فجاء بمن بقي فله أجره بحسابه)؛ لأنه أوفى بعض المعقود
عليه، وقيد بقوله (لو كانوا) أي عياله (معلومين) أي للعاقدين ليكون الأجر
مقابلا بجملتهم (وإلا) يكونوا معلومين (فكله) أي له كل الأجر. ونقل ابن
الكمال: إن كانت المؤنة تقل بنقصان عددهم فبحسابه وإلا فكله.
(استأجر
رجلا لإيصال قط) أي كتاب (أو زاد إلى زيد، إن رده) أي المكتوب أو الزاد
(لموته) أي زيد (أو غيبته لا شيء له)؛ لأنه نقضه بعوده كالخياط إذا خاط
ثم فتق. وفي الخانية: استأجره ليذهب لموضع كذا ويدعو فلانا بأجر مسمى فذهب
للموضع فلم يجد فلانا وجب الأجر (فإذا دفع القط إلى ورثته) في صورة الموت
(أو من يسلم إليه إذا حضر) في صورة غيبته (وجب الأجر بالذهاب) وهو نصف
الأجر المسمى كذا في الدرر والغرر، وتبعه المصنف، ولكن تعقبه المحشون وعدلوا على
لزوم كل الأجر، لكن في القهستاني عن النهاية أنه إن شرط المجيء بالجواب فنصفه
وإلا فكله فليكن التوفيق (وإن وجده ولم يوصله إليه لم يجب له شيء) لانتفاء
المعقود عليه وهو الإيصال واختلف فيما لو مزقه.
(متولي أرض الوقف
آجرها بغير أجر المثل يلزم مستأجرها) أي مستأجر أرض الوقف لا المتولي كما غلط
فيه بعضهم (تمام أجر المثل) على المفتى به كما في البحر عن التلخيص وغيره،
وكذا حكم وصي وأب كما في مجمع الفتاوى (يفتى بالضمان في غصب عقار الوقف وغصب
منافعه، وكذا يفتى بكل ما هو أنفع للوقف) فيما اختلف فيه العلماء حتى نقضوا
الإجارة عند الزيادة الفاحشة نظرا للوقف وصيانة لحق الله تعالى حاوي القدسي.
(مات
الآجر وعليه ديون) حتى فسخ العقد بعد تعجيل البدل (فالمستأجر) لو العين في
يده ولو بعقد فاسد أشباه (أحق بالمستأجر من غرمائه) حتى يستوفي الأجرة
المعجلة (إلا أنه لا يسقط الدين بهلاكه) أي بهلاك هذا المستأجر؛ لأنه ليس
برهن من كل وجه (بخلاف الرهن) فإنه مضمون بأقل من قيمته ومن الدين كما سيجيء
في بابه مجمع الفتاوى.
[فروع في الزيادة في الأجرة من
المستأجر]
الزيادة في الأجرة من المستأجر تصح في المدة وبعدها.
وأما الزيادة على المستأجر، فإن في الملك ولو ليتيم لم تقبل كما لو رخصت، وإن في
الوقف فإن الإجارة فاسدة آجرها الناظر بلا عرض على الأول لكن الأصل صحتها بأجر
المثل، ولو ادعى رجل أنها بغبن فاحش، فإن أخبر القاضي ذو خبرة أنها كذلك فسخها
وتقبل الزيادة وإن شهدوا وقت العقد أنها بأجر المثل، وإلا فإن كانت إضرارا وتعنتا
لم تقبل، وإن كانت الزيادة أجر المثل فالمختار قبولها فيفسخها المتولي، فإن امتنع
فالقاضي ثم يؤجرها ممن زاد، فإن كانت دارا أو حانوتا أو أرضا فارغة عرضها على
المستأجر، فإن قبلها فهو أحق ولزمه الزيادة من وقت قبولها فقط، وإن أنكر زيادة
أجر المثل وادعى أنها إضرار فلا بد من البرهان عليه، وإن لم يقبلها آجرها
المتولي، وإن كانت مزروعة لم تصح إجارتها لغير صاحب الزرع لكن تضم عليه الزيادة
من وقتها، وإن كان بنى أو غرس، فإن كان استأجرها مشاهرة فإنها تؤجر لغيره إذا فرغ
الشهر إن لم يقبلها لانعقادها عند رأس كل شهر، والبناء يتملكه الناظر بقيمته
مستحق القلع للوقف أو يصبر حتى يتخلص بناؤه وإن كانت المدة باقية لم تؤجر لغيره
وإنما تضم عليه الزيادة كالزيادة وبها زرع.
وأما إذا زاد أجر المثل
في نفسه من غير أن يزيد أحد فللمتولي فسخها وعليه الفتوى، وما لم تفسخ كان على
المستأجر المسمى أشباه معزيا للصغرى. قلت: وظاهر قوله البناء يتملكه الناظر
إلخ أنه يتملكه لجهة الوقف قهرا على صاحبه، وهذا لو الأرض تنقص بالقلع وإلا شرط
رضاه كما في عامة الشروح منها البحر والمنح، وإن صح فيعول عليها؛ لأنها الموضوعة
لنقل المذهب بخلاف نقول الفتاوى.
وفي فتاوى مؤيد زاده معزيا
للفصولين: حانوت وقف بنى فيه ساكنه بلا إذن موليه، إن لم يضر رفعه رفعه وإن ضر
فهو المضيع ماله فليتربص إلى أن يتخلص ماله من تحت البناء ثم يأخذه، ولا يكون
بناؤه مانعا من صحة الإجارة لغيره إذ لا بد له على ذلك حيث لا يملك رفعه ولو
اصطلحوا أن يجعلوا ذلك للوقف بثمن لا يجاوز أقل القيمتين منزوعا ومبنيا فيه صح،
ولو لحق الآجر دين رفع إلى القاضي ليفسخ العقد، وليس للآجر أن يفسخ بنفسه وعليه
الفتوى.
وتجوز بمثل الأجرة أو بأكثر أو بأقل بما يتغابن فيه الناس
لا بما لا يتغابن وتكون فاسدة، فيؤجره إجارة صحيحة إما من الأول أو من غيره بأجر
المثل أو بزيادة بقدر ما يرضى به المستأجر ا هـ. وفي فتاوى الحانوتي: بينة
الإثبات مقدمة وهي التي شهدت بأن الأجرة أولا أجرة المثل وقد اتصل بها القضاء فلا
تنقض. قال: وبه أجاب بقية المذاهب فليحفظ.
باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها
أي في الإجارة (تصح) (إجارة حانوت) أي دكان ودار بلا بيان
ما يعمل فيها) لصرفه للمتعارف (و) بلا بيان (من يسكنها) فله أن يسكنها
غيره بإجارة وغيرها كما سيجيء (وله أن يعمل فيهما) أي الحانوت والدار (كل
ما أراد) فيتد ويربط دوابه ويكسر حطبه ويستنجي بجداره ويتخذ بالوعة إن لم تضر
ويطحن برحى اليد وإن به ضر به يفتى قنية (غير أنه لا يسكن) بالبناء للفاعل أو
المفعول (حدادا أو قصارا أو طحانا من غير رضا المالك أو اشتراطه) ذلك
(في) عقد (الإجارة)؛ لأنه يوهن البناء فيتوقف على الرضا. (وإن اختلفا
في الاشتراط فالقول للمؤجر) كما لو أنكر أصل العقد (وإن أقاما البينة فالبينة
بينة المستأجر) لإثباتها الزيادة خلاصة.
وفيها استأجر للقصارة فله
الحدادة إن اتحد ضررهما، ولو فعل ما ليس له لزمه الأجر، وإن انهدم به البناء ضمنه
ولا أجر؛ لأنهما لا يجتمعان. (وله السكنى بنفسه وإسكان غيره بإجارة وغيرها)
وكذا كل ما لا يختلف بالمستعمل يبطل التقييد؛ لأنه غير مفيد، بخلاف ما يختلف به
كما سيجيء، ولو آجر بأكثر تصدق بالفضل إلا في مسألتين: إذا آجرها بخلاف الجنس
أو أصلح فيها شيئا، ولو آجرها من المؤجر لا تصح وتنفسخ الإجارة في الأصح بحر
معزيا للجوهرة، وسيجيء تصحيح خلافه فتنبه.
(و) تصح إجارة (أرض
للزراعة مع بيان ما يزرع فيها، أو قال على أن أزرع فيها ما أشاء) كي لا تقع
المنازعة وإلا فهي فاسدة للجهالة، وتنقلب صحيحة بزرعها ويجب المسمى وللمستأجر
الشرب والطريق، ويزرع زرعين ربيعا وخريفا ولو لم يمكنه الزراعة للحال لاحتياجها
لسقي أو كري إن أمكنه الزراعة في مدة العقد جاز وإلا لا، وتمامه في القنية.
(آجرها
وهي مشغولة بزرع غيره إن كان الزرع بحق لا تجوز) الإجارة، لكن لو حصده وسلمها
انقلبت جائزة (ما لم يستحصد الزرع) فيجوز ويؤمر بالحصاد والتسليم، به يفتى
بزازية (إلا أن يؤاجرها مضافة) إلى المستقبل فتصح مطلقا (وإن) كان الزرع
(بغير حق صحت) لإمكان التسليم بجبره على قلعه أدرك أو لا، فتاوى قارئ
الهداية
وفي الوهبانية: تصح إجارة الدار المشغولة يعني ويؤمر
بالتفريغ، وابتداء المدة من حين تسليمها وفي الأشباه: استأجر مشغولا وفارغا صح
في الفارغ فقط، وسيجيء في المتفرقات. (و) تصح إجارة أرض (للبناء
والغرس) وسائر الانتفاعات كطبخ آجر وخزف ومقيلا ومراحا حتى تلزم الأجرة
بالتسليم أمكن زراعتها أم لا بحر (فإن مضت المدة قلعهما وسلمها فارغة) لعدم
نهايتهما (إلا أن يغرم له المؤجر قيمته) أي البناء والغرس (مقلوعا) بأن
تقوم الأرض بهما وبدونهما فيضمن ما بينهما اختيار (ويتملكه) بالنصب عطفا على
" يغرم "؛ لأن فيه نظرا لهما. قال في البحر: وهذا الاستثناء من لزوم
القلع على المستأجر، فأفاد أنه لا يلزمه القلع لو رضي المؤجر بدفع القيمة لكن إن
كانت تنقص بتملكها جبرا على المستأجر وإلا فبرضاه (أو يرضى) المؤجر عطفا على
" يغرم " (بتركه) أي البناء والغرس (فيكون البناء والغرس لهذا والأرض
لهذا) وهذا الترك إن بأجر فإجارة وإلا فإعارة، فلهما أن يؤاجراهما لثالث
ويقتسما الأجر على قيمة الأرض بلا بناء وعلى قيمة البناء بلا أرض، فيأخذ كل حصته
مجتبى. وفي وقف القنية: بنى في الدار المسبلة بلا إذن القيم ونزع البناء يضر
بالوقف يجبر القيم على دفع قيمته للباني إلخ.
(ولو استأجر أرض وقف
وغرس فيها) وبنى (ثم مضت مدة الإجارة فللمستأجر استيفاؤها بأجر المثل إذا لم
يكن في ذلك ضرر) بالوقف (ولو أبى الموقوف عليهم إلا القلع ليس لهم ذلك) كذا
في القنية. قال في البحر، وبهذا تعلم مسألة الأرض المحتكرة، وهي منقولة أيضا في
أوقاف الخصاف. والرطبة) لعدم نهايتها (كالشجر) فتقلع بعد مضي المدة، ثم
المراد بالرطبة ما يبقى أصله في الأرض أبدا، وإنما يقطف ورقه ويباع أو زهره.
وأما إذا كان له نهاية معلومة كما في الفجل والجزر والباذنجان فينبغي أن يكون
كالزرع يترك بأجر المثل إلى نهايته كذا حرره المصنف في حواشي الكنز، وقواه بما في
معاملة الخانية فليحفظ. قلت: بقي له نهاية معلومة لكنها بعيدة طويلة كالقصب
فيكون كالشجر كما في فتاوى ابن الجلبي فليحفظ.
(والزرع يترك بأجر
المثل إلى إدراكه) رعاية للجانبين؛ لأن له نهاية كما مر (بخلاف موت أحدهما
قبل إدراكه فإنه يترك بالمسمى) على حاله (إلى الحصاد) وإن انفسخت الإجارة؛
لأن إبقاءه على ما كان أولى ما دامت المدة باقية أما بعدها فبأجر المثل (ويلحق
بالمستأجر المستعير) فيترك إلى إدراكه بأجر المثل (وأما الغاصب فيؤمر بالقلع
مطلقا) لظلمه، ثم المراد بقولهم يترك الزرع بأجر: أي بقضاء أو بعقدهما حتى لا
يجب الأجر إلا بأحدهما كما في القنية فليحفظ بحر.
(و) تصح
(إجارة الدابة للركوب والحمل والثوب للبس لا) تصح إجارة الدابة (ليجنبها)
أي ليجعلها جنيبة بين يديه (ولا يركبها ولا) تصح إجارتها أيضا (ل) أجل أن
(يربطها على باب داره ليراها الناس) فيقولوا له فرس (أو) لأجل أن (يزين
بيته) أو حانوته (بالثوب) لما قدمنا أن هذه منفعة غير مقصودة من العين، وإن
فسدت فلا أجر؛ وكذا لو استأجر بيتا ليصلي فيه أو طيبا ليشمه أو كتابا ولو شعرا
ليقرأه أو مصحفا شرح وهبانية (وإن لم يقيدها براكب ولابس أركب وألبس من شاء)
وتعين أول راكب ولابس، وإن لم يبين من يركبها فسدت للجهالة وتنقلب صحيحة بركوبها
(وإن قيد براكب أو لابس فخالف ضمن إذا عطبت ولا أجر عليه وإن سلم) بخلاف
حانوت أقعد فيه حدادا مثلا حيث يجب الأجر إذا سلم؛ لأنه لما سلم علم أنه لم
يخالف، وأنه مما لا يوهن الدار كما في الغاية؛ لأنه مع الضمان ممتنع (ومثله)
في الحكم (كل ما يختلف بالمستعمل) كالفسطاط (وفيما لا يختلف فيه بطل تقييده
به كما لو شرط سكنى واحد له أن يسكن غيره) لما مر أن التقييد غير مفيد (وإن
سمى نوعا أو قدرا ككر بر له حمل مثله وأخف لا أضر كالملح) والأصل أن من استحق
منفعة مقدرة بالعقد فاستوفاها أو مثلها أو دونها جاز، ولو أكثر لم يجز، ومنه
تحميل وزن البر قطنا لا شعيرا في الأصح.
(ولو أردف من يستمسك
بنفسه وعطبت الدابة يضمن النصف) ولا اعتبار للثقل؛ لأن الآدمي غير موزون، وهذا
(إن كانت) الدابة (تطيق حمل الاثنين وإلا فالكل) بكل حال (كما لو
حمله) الراكب (على عاتقه) فإنه يضمن الكل (وإن كانت تطيق حملهما) لكونه
في مكان واحد (وإن كان) الرديف صغيرا لا يستمسك يضمن بقدر ثقله) كحمله شيئا
آخر ولو من ملك صاحبها كولد الناقة لعدم الإذن، وليس المراد أن الرجل يوزن بل أن
يسأل أهل الخبرة كم يزيد، ولو ركب على موضع الحمل ضمن الكل لما مر؛ وكذا لو لبس
ثيابا كثيرة، ولو ما يلبسه الناس ضمن بقدر ما زاد مجتبى. (وإذا هلكت بعد بلوغ
المقصد وجب جميع الأجر) لركوبه بنفسه (مع التضمين) أي لنصف القيمة لركوب
غيره؛ ثم إن ضمن الراكب لا يرجع، وإن ضمن الرديف رجع لو مستأجرا من المستأجر وإلا
لا، قيد بكونها عطبت؛ لأنها لو سلمت لزم المسمى فقط وبكونه أردفه،؛ لأنه لو أقعده
في السرج صار غاصبا فلا أجر عليه بحر عن الغاية، لكن في السراج عن المشكل ما
يخالفه، فليتأمل عند الفتوى. وكيف في الأشباه وغيرها أن الأجر والضمان لا
يجتمعان.
(وإذا استأجرها ليحمل عليها مقدارا فحمل عليها أكثر منه
فعطبت ضمن ما زاد الثقل) وهذا إذا حملها المستأجر (فإن حملها صاحبها) بيده
(وحده فلا ضمان على المستأجر)؛ لأنه هو المباشر عمادية (وإن حملا) الحمل
(معا) ووضعاه عليها (وجب النصف على المستأجر) بفعله وهدر فعل ربها
مجتبى. (ولو) كان البر مثلا في جوالقين ف (حمل كل واحد) منهما
(جوالقا) أي وعاء كعدل مثلا (وحده) ووضعاه عليها معا أو متعاقبا (لا
ضمان على المستأجر) ويجعل حمل المستأجر ما كان مستحقا بالعقد غاية، ومفاده أنه
لا ضمان على المستأجر سواء تقدم أو تأخر وهو الوجه، ومن ثم عولنا عليه على خلاف
ما في الخلاصة، كذا في شرح المصنف. قلت: وما في الخلاصة هو ما يوجد في بعض
نسخ المتن من قوله (وكذا لا ضمان لو حمل المستأجر أولا ثم رب الدابة، وإن حملها
ربها أو لا ثم المستأجر ضمن نصف القيمة) انتهى فتنبه.
(وهذا)
أي ما مر من الحكم (إذا كانت الدابة) المستأجرة (تطيق مثله، أما إذا كانت
لا تطيق فجميع القيمة لازم) على المستأجر زيلعي ويجب عليه كل الأجر) للحمل،
والضمان للزيادة غاية، وأفاد بالزيادة أنها من جنس المسمى، فلو من غيره ضمن الكل،
كما لو حمل المسمى وحده ثم حمل عليها الزيادة وحدها بحر. قال: ولم يتعرضوا
للأجر إذا سلمت لظهور وجوب المسمى فقط وإن حمله المستأجر؛ لأن منافع الغصب لا
تضمن عندنا، ومنه علم حكم المكاري في طريق مكة.
(وضمن بضربها
وكبحها) بلجامها لتقييد الإذن بالسلامة، حتى لو هلك الصغير بضرب الأب أو الوصي
للتأديب ضمن لوقوعه بزجر وتعريك. وقالا: لا يضمنان بالمتعارف. وفي الغاية
عن التتمة: الأصح رجوع الإمام لقولهما (لا) يضمن (بسوقها) اتفاقا.
وظاهر الهداية أن للمستأجر الضرب للإذن العرفي، وأما ضربه دابة نفسه فقال في
القنية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: لا يضربها أصلا، ويخاصم فيما زاد على
التأديب (و) ضمن (بنزع السرج و) وضع (الإيكاف) سواء وكف بمثله أو لا
(وبالإسراج بما لا يسرج) هذا الحمار (وبمثله جميع قيمته) ولو بمثله أو
أسرجها مكان الإيكاف لا يضمن إلا إذا زاد وزنا فيضمن بحسابه ابن كمال (كما)
يضمن (لو استأجرها بغير لجام فألجمها بلجام لا يلجم مثله) وكذا لو أبدله؛ لأن
الحمار لا يختلف باللجام وغيره غاية (أو سلك طريقا غير ما عينه المالك
تفاوتا) بعدا أو وعرا أو خوفا بحيث لا يسلكه الناس ابن كمال (أو حمله في
البحر إذا قيد بالبر مطلقا) سلكه الناس أو لا لخطر البحر، فلو لم يقيد بالبر لا
ضمان (وإن بلغ) المنزل (فله الأجر) لحصول المقصود.
(وضمن
بزرع رطبة وأمر بالبر) ما نقص من الأرض؛ لأن الرطبة أضر من البر (ولا أجر)؛
لأنه غاصب إلا فيما استثنى كما سيجيء، قيد بزرع الأضر؛ لأنه بالأقل ضررا لا يضمن
ويجب الأجر (و) ضمن (بخياطة قباء) و (أمر بقميص قيمة ثوبه، وله) أي
لصاحب الثوب (أخذ القباء ودفع أجر مثله) لا يجاوز المسمى كما هو حكم الإجارة
الفاسدة (وكذا إذا خاطه سراويل) وقد أمر بالقباء، فإن الحكم كذلك في الأصح)
فتقييد الدرر بالقباء اتفاقي (و) ضمن (بصبغه أصفر وقد أمر بأحمر قيمة ثوب
أبيض، وإن شاء) المالك (أخذه وأعطاه ما زاد الصبغ فيه ولا أجر له، ولو صبغ
رديئا إن لم يكن الصبغ فاحشا لا يضمن) الصباغ (وإن) كان (فاحشا) عند
أهل فنه (يضمن) قيمة ثوب أبيض خلاصة.
[فروع]
قال
للخياط: اقطع طوله وعرضه وكمه كذا فجاء ناقصا، إن قدر أصبع ونحوه عفو، وإن كثر
ضمنه. قال: إن كفاني قميصا فاقطعه بدرهم وخطه فقطعه ثم قال لا يكفيك ضمنه،
ولو قال أيكفيني قميصا؟ فقال نعم فقال اقطعه فقطعه ثم قال لا يكفيك لا يضمن.
نزل الجمال في مفازة ولم يرتحل حتى فسد المال بسرقة أو مطر ضمن لو السرقة والمطر
غالبا خلاصة. وفي الأشباه: استعان برجل في السوق ليبيع متاعه فطلب منه أجرا
فالعبرة لعادتهم، وكذا لو أدخل رجلا في حانوته ليعمل له. وفي الدرر: دفع
غلامه أو ابنه لحائك مدة كذا ليعلمه النسج وشرط عليه كل شهر كذا جاز، ولو لم
يشترط فبعد التعليم طلب كل من المعلم والمولى أجرا من الآخر اعتبر عرف البلدة في
ذلك العمل. وفيها استأجر دابة إلى موضع فجاوز بها إلى آخر ثم عاد إلى الأول
فعطبت ضمن مطلقا في الأصح كما في العارية وهو قولهما وإليه رجع الإمام كما في
مجمع الفتاوى. وفيه: خور المكاري فرجع وأعاد الحمل لمحله الأول لا أجر له،
وينبغي أن يجبر على الإعادة. وفيه: دفع إبريسما إلى صباغ ليصبغه بكذا ثم قال
لا تصبغه ورده علي فلم يرده ثم هلك لا ضمان. وفيه: سئل ظهير الدين عمن استأجر
رجلا ليعمر له في الضيعة فلما خرج نزل المطر فامتنع بسببه هل له الأجر؟ قال
لا. استأجر دابة ليحملها كذا فمرضت دونه هل للمستكري الرجوع بحصته؟ قال لا؛
لأنه رضي بذلك. استأجر رحى فمنعه الجيران عن الطحن لتوهين البناء وحكم القاضي
بمنعه هل تسقط حصته مدة المنع؟ قال لا ما لم يمنع حسا من الطحن. استأجر حماما
سنة فغرق مدة هل يجب كل الأجر؟ قال إنما يجب بقدر ما كان منتفعا به.
وفي
الوهبانية: ويسقط في وقت العمارة مثل ما لو انهد بعض الدار فالهدم يحزر وخالف
في قدر العمارة آمر يقدم فيها قوله لا المعمر قلت: ومفاده رجوع المستأجر بما
ثبت على المؤجر بمجرد الأمر، يعني إلا في تنور وبالوعة فلا بد من شرط الرجوع
عليه، ولو خربت الدار سقط كل الأجر، ولا تنفسخ به ما لم يفسخها المستأجر بحضرة
المؤجر هو الأصح، وإذا بنيت لا خيار له، وفي سكنى عرصتها لا يجب الأجر قاله ابن
الشحنة. قلت: وفي نفيه نظر، ولعله أريد المسمى، أما أجرة المثل أو حصة العرصة
فلا مانع من لزومها فتأمله، وسيجيء في فسخها ما يفيده فتنبه، والله تعالى
أعلم.
استأجر حماما وشرط حط أجرة شهرين للعطلة، فإن شرط حطه قدر
العطلة صح بزازية. أجرة السجن والسجان في زماننا يجب أن تكون على رب الدين
خزانة الفتاوى.
انقضت مدة الإجارة ورب الدار غائب فسكن المستأجر بعد
ذلك سنة لا يلزمه الكراء لهذه السنة؛ لأنه لم يسكنها على وجه الإجارة، وكذلك لو
انقضت المدة والمستأجر غائب والدار في يد امرأته؛؛ لأن المرأة لم تسكنها بأجرة.
آجر داره كل شهر بكذا فلكل الفسخ عند تمام الشهر، فلو غاب المستأجر قبل تمام
الشهر وترك زوجته ومتاعه فيها لم يكن للآجر الفسخ مع المرأة؛ لأنها ليست بخصم،
والحيلة إجارتها لآخر قبل تمام الشهر، فإذا تم تنفسخ الأولى فتنفذ الثانية فتخرج
منها المرأة وتسلم للثاني خانية ا هـ.
باب الإجارة الفاسدة
(الفاسد) من العقود (ما كان مشروعا بأصله دون وصفه، والباطل
ما ليس مشروعا أصلا) لا بأصله ولا بوصفه (وحكم الأول) وهو الفاسد (وجوب
أجر المثل بالاستعمال) لو المسمى معلوما ابن كمال (بخلاف الثاني) وهو
الباطل فإنه لا أجر فيه بالاستعمال حقائق (ولا تملك المنافع بالإجارة الفاسدة
بالقبض، بخلاف البيع الفاسد) فإن المبيع يملك فيه بالقبض، بخلاف فاسد الإجارة،
حتى لو قبضها المستأجر ليس له أن يؤجرها، ولو آجرها وجب أجر المثل ولا يكون
غاصبا، وللأول نقض الثانية بحر معزيا للخلاصة وفي الأشباه: المستأجر فاسدا لو
آجر صحيحا جاز وسيجيء
(تفسد الإجارة بالشروط المخالفة لمقتضى العقد
فكل ما أفسد البيع) مما مر (يفسدها) كجهالة مأجور أو أجرة أو مدة أو عمل،
وكشرط طعام عبد وعلف دابة ومرمة الدار أو مغارمها وعشر أو خراج أو مؤنة رد
أشباه
(و) تفسد أيضا (بالشيوع) بأن يؤجر نصيبا من داره أو
نصيبه من دار مشتركة من غير شريكه أو من أحد شريكيه أنفع الوسائل وعمادية من
الفصل الثلاثين. واحترز بالأصلي عن الطارئ فلا يفسد على الظاهر، كأن آجر الكل
ثم فسخ في البعض أو آجرا لواحد فمات أحدهما أو بالعكس وهو الحيلة في إجارة
المشاع، كما لو قضى بجوازه (إلا إذا آجر) كل نصيبه أو بعضه (من شريكه)
فيجوز، وجوازه بكل حال، وعليه الفتوى زيلعي وبحر معزيا للمغني، لكن رده العلامة
قاسم في تصحيحه بأن ما في المغني شاذ مجهول القائل فلا يعول عليه. قلت: وفي
البدائع: لو آجر مشاعا يحتمل القسمة فقسمه وسلم جاز لزوال المانع، ولو أبطلها
الحاكم ثم قسم وسلم لم يجز ويفتى بجوازه لو البناء لرجل والعرصة لآخر فصولين من
الفصل الحادي والعشرين يعني الوسط منه
(و) تفسد (بجهالة
المسمى) كله أو بعضه كتسمية ثوب أو دابة أو مائة درهم على أن يرمها المستأجر
لصيرورة المرمة من الأجرة فيصير الأجر مجهولا (و) تفسد (بعدم التسمية)
أصلا أو بتسمية خمر أو خنزير (فإن فسدت بالأخيرين) بجهالة المسمى وعدم
التسمية (وجب أجر المثل) يعني الوسط منه ولا ينقص عن المسمى لا بالتمكين بل
(باستيفاء المنفعة) حقيقة كما مر (بالغا ما بلغ) لعدم ما يرجع إليه ولا
ينقص عن المسمى (وإلا) تفسد بهما بل بالشروط أو الشيوع مع العلم بالمسمى لم
يزد) أجر المثل (على المسمى) لرضاهما به (وينقص عنه) لفساد التسمية.
واستثنى الزيلعي ما لو استأجر دارا على أن لا يسكنها فسدت، ويجب إن سكنها أجر
المثل بالغا ما بلغ، وحمله في البحر على ما إذا جهل المسمى لكن أرجعه قاضي خان في
شرح الجامع إلى جهالة المسمى فافهم، وعلى كل فلا استثناء فتنبه. قلت: وينبغي
استثناء الوقف؛ لأن الواجب فيه أجر المثل بالغا ما بلغ فتأمل.
(فإن
آجر داره) تفريع على جهالة المسمى (بعبد مجهول فسكن مدة ولم يدفعه فعليه
للمدة أجر المثل بالغا ما بلغ، وتفسخ في الباقي) من المدة.
(آجر
حانوتا كل شهر بكذا صح في واحد فقط) وفسد في الباقي لجهالتها، والأصل أنه متى
دخل كل فيما لا يعرف منتهاه تعين أدناه، وإذا مضى الشهر فلكل فسخها بشرط حضور
الآخر لانتهاء العقد الصحيح (وفي كل شهر سكن في أوله) هو الليلة الأولى
ويومها عرفا وبه يفتى (صح العقد فيه) أيضا، وليس للمؤجر إخراجه حتى ينقضي إلا
بعذر، كما لو عجل أجرة شهرين فأكثر لكونه كالمسمى زيلعي (إلا أن يسمي الكل)
أي جملة شهور معلومة فيصح لزوال المانع
(وإذا آجرها سنة بكذا صح وإن
لم يسم أجر كل شهر) وتقسم سوية (وأول المدة ما سمى) إن سمى (وإلا فوقت
العقد) هو أولها (فإن كان) العقد (حين يهل) بضم ففتح: أي يبصر
الهلال، والمراد اليوم الأول من الشهر شمتي (اعتبر الأهلة وإلا فالأيام) كل
شهر ثلاثون، وقالا يتم الأول بالأيام والباقي بالأهلة
(استأجر عبدا
بأجر معلوم وبطعامه لم يجز) لجهالة بعض الأجر كما مر. (وجاز إجارة
الحمام): «لأنه عليه الصلاة والسلام دخل حمام الجحفة» وللعرف. وقال عليه
الصلاة والسلام: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن». قلت: والمعروف
وقفه على ابن مسعود كما ذكره ابن حجر (و) جاز (بناؤه للرجال والنساء) هو
الصحيح للحاجة، بل حاجتهن أكثر لكثرة أسباب اغتسالهن، وكراهة عثمان محمول على ما
فيه كشف عورة زيلعي. وفي إحكامات الأشباه: ويكره لها دخول الحمام في قول،
وقيل إلا لمريضة أو نفساء، والمعتمد أن لا كراهة مطلقا. قلت: وفي زماننا لا
شك في الكراهة لتحقق كشف العورة وقد مر في النفقة (والحجام): «لأنه عليه
الصلاة والسلام احتجم وأعطى الحجام أجرته» وحديث النهي عن كسبه منسوخ.
(والظئر)
بكسر فهمز: المرضعة (بأجر معين) لتعامل الناس، بخلاف بقية الحيوانات لعدم
التعارف (و) كذا (بطعامها وكسوتها) ولها الوسط، وهذا عند الإمام لجريان
العادة بالتوسعة على الظئر شفقة على الولد (وللزوج أن يطأها) خلافا لمالك
(لا في بيت المستأجر)؛ لأنه ملكه فلا يدخله (إلا بإذنه، و) الزوج (له
في نكاح ظاهر) أي معلوم بغير الإقرار (فسخها مطلقا) شانه إجارتها أو لا في
الأصح (ولو غير ظاهر) بأن علم بإقرارهما (لا) يفسخها؛ لأن قولهما لا يقبل
في حق المستأجر (وللمستأجر فسخها بحبلها ومرضها وفجورها) فجورا بينا ونحو ذلك
من الأعذار لا بكفرها)؛ لأنه لا يضر بالصبي، ولو مات الصبي أو الظئر انتقضت
الإجارة ولو مات أبوه لا، وعليها غسل الصبي وثيابه وإصلاح طعامه ودهنه بفتح
الدال: أي طليه بالدهن للعرف وهو معتبر فيما لا نص فيه، ولا يلزمها ثمن شيء من
ذلك، وما ذكره محمد من أن الدهن والريحان عليها فعادة أهل الكوفة (وهو) أي
ثمنه وأجرة عملها (على أبيه) إن لم يكن للصغير مال وإلا ففي ماله؛ لأنه
كالنفقة
(فإن أرضعته بلبن شاة أو غذته بطعام ومضت المدة لا أجر
لها)؛ لأن الصحيح أن المعقود عليه هو الإرضاع والتربية لا اللبن والتغذية عناية
(بخلاف ما لو دفعته إلى خادمتها حتى أرضعته) أو استأجرت من أرضعته حيث تستحق
الأجرة إلا إذا شرط إرضاعها على الأصح شرنبلالية عن الذخيرة ولو آجرت نفسها لذلك
لقوم آخرين ولم يعلم الأولون فأرضعتهما وفرغت أثمت، ولها الأجر كاملا على
الفريقين لشبهها بالأجير الخاص والمشترك، وتمامه في العناية
(لا تصح
الإجارة لعسب التيس) وهو نزوه على الإناث (و) لا (لأجل المعاصي مثل
الغناء والنوح والملاهي) ولو أخذ بلا شرط يباح (و) لا لأجل الطاعات مثل
(الأذان والحج والإمامة وتعليم القرآن والفقه) ويفتى اليوم بصحتها لتعليم
القرآن والفقه والإمامة والأذان. ويجبر المستأجر على دفع ما قبل) فيجب المسمى
بعقد وأجر المثل إذا لم تذكر مدة شرح وهبانية من الشركة (ويحبس به) به يفتى
(ويجبر على) دفع (الحلوة المرسومة) هي ما يهدى للمعلم على رءوس بعض سور
القرآن، سميت بها؛ لأن العادة إهداء الحلاوى.
(ولو) (دفع غزلا
لآخر لينسجه له بنصفه) أي بنصف الغزل (أو استأجر بغلا ليحمل طعامه ببعضه أو
ثورا ليطحن بره ببعض دقيقه) فسدت في الكل؛ لأنه استأجره بجزء من عمله، والأصل
في ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان وقدمناه في بيع الوفاء. والحيلة
أن يفرز الأجر أولا أو يسمي قفيزا بلا تعيين ثم يعطيه قفيزا منه فيجوز،
ولو
استأجره ليحمل له نصف هذا الطعام بنصفه الآخر لا أجر له أصلا لصيرورته شريكا، وما
استشكله الزيلعي أجاب عنه المصنف. قال: وصرحوا بأن دلالة النص لا عموم لها
فلا يخصص عنها شيء بالعرف كما زعمه مشايخ بلخ (أو) استأجر (خبازا ليخبز له
كذا) كقفيز دقيق (اليوم بدرهم) فسدت عند الإمام لجمعه بين العمل والوقت ولا
ترجيح لأحدهما فيفضي للمنازعة، حتى لو قال في اليوم أو على أن تفرغ منه اليوم
جازت إجماعا (أو أرضا بشرط أن يثنيها) أي يحرثها (أو يكري أنهارها)
العظام أو يسرقنها) لبقاء أثر هذه الأفعال لرب الأرض، فلو لم تبق لم تفسد
(أو) بشرط (أن يزرعها بزراعة أرض أخرى) لما يجيء أن الجنس بانفراده يحرم
النساء، وقوله (فسدت) جواب الشرط وهو قوله ولو دفع إلخ (وصحت لو استأجرها
على أن يكريها ويزرعها أو يسقيها ويزرعها)؛ لأنه شرط يقتضيه العقد
(ولو)
استأجره (لحمل طعام) مشترك (بينهما فلا أجر له)؛ لأنه لا يعمل شيئا
لشريكه إلا ويقع بعضه لنفسه فلا يستحق الأجر (كراهن استأجر الرهن من المرتهن)
فإنه لا أجر له لنفعه بملكه.
وفي جواهر الفتاوى: ولو استأجر حماما
فدخل المؤجر مع بعض أصدقائه الحمام لا أجر؛ لأنه يسترد بعض المعقود عليه وهو
منفعة الحمام في المدة، ولا يسقط شيء من الأجرة؛ لأنه ليس بمعلوم. (استأجر
أرضا ولم يذكر أنه يزرعها أو أي شيء يزرعها) فسدت إلا أن يعم، بخلاف الدار
لوقوعه على السكنى كما مر، وإذا فسدت، (فزرعها فمضى الأجل) عاد صحيحا (فله
المسمى) استحسانا، وكذا لو لم يمض الأجل لارتفاع الجهالة بالزراعة قبل تمام
العقد. قلت: فلو حذف قوله فمضى الأجل كقاضي خان في شارح الجامع لكان أولى
(وإن
استأجر حمارا إلى بغداد ولم يسم حمله فحمله المعتاد فهلك) الحمار (لم يضمن)
لفساد الإجارة، فالعين أمانة كما في الصحيحة (فإن بلغ فله المسمى) لما مر في
الزراعة (فإن تنازعا قبل الزرع) في مسألة الزراعة (أو الحمل) في مسألتنا
(فسخت الإجارة دفعا للفساد) لقيامه بعد.
(استأجر دابة ثم جحد
الإجارة في بعض الطريق وجب عليه أجر ما ركب قبل الإنكار، ولا يجب لما بعده) عند
أبي يوسف؛ لأنه بالجحود صار غاصبا والأجر والضمان لا يجتمعان، وعند محمد يجب
المسمى درر وكأنه لا قول للإمام. وفي الأشباه: قصر الثوب المجحود، فإن قبله
فله الأجر وإلا لا وكذا الصباغ والنساج.
(إجارة المنفعة بالمنفعة
تجوز إذا اختلفا) جنسا كاستئجار سكنى دار بزراعة أرض (وإذا اتحدا لا) تجوز
كإجارة السكنى بالسكنى واللبس باللبس والركوب ونحو ذلك، لما تقرر أن الجنس
بانفراده يحرم النساء فيجب أجر المثل باستيفاء النفع كما مر لفساد العقد.
(استأجره
ليصيد له أو يحتطب له، فإن) وقت لذلك (وقتا جاز) ذلك (وإلا لا) فلو لم
يوقت وعين الحطب فسد (إلا إذا عين الحطب وهو) أي الحطب (ملكه فيجوز)
مجتبى، وبه يفتي صيرفية.
[فروع]
استأجر امرأته لتخبز
له خبزا للأكل لم يجز، وللبيع جاز صيرفية. أجرت دارها لزوجها فسكناها فلا أجر
أشباه وخانية. قلت: لكن في حاشيتها تنوير البصائر عن المضمرات معزيا للكبرى
قال قاضي خان: هنا الفتوى على الصحة لتبعيتها له في السكنى فليحفظ. وجاز
إجارة الماشطة لتزين العروس إن ذكر العمل والمدة بزازية. وجاز إجارة القناة
والنهر مع الماء به يفتى لعموم البلوى مضمرات ا هـ.
باب ضمان الأجير
(الأجراء على ضربين: مشترك وخاص، فالأول من يعمل لا لواحد)
كالخياط ونحوه (أو يعمل له عملا غير مؤقت) كأن استأجره للخياطة في بيته غير
مقيدة بمدة كان أجيرا مشتركا وإن لم يعمل لغيره (أو موقتا بلا تخصيص) كأن
استأجره ليرعى غنمه شهرا بدرهم كان مشتركا، إلا أن يقول: ولا ترعى غنم غيري
وسيتضح.
وفي جواهر الفتاوى: استأجر حائكا لينسج ثوبا ثم آجر
الحائك نفسه من آخر للنسج صح كلا العقدين؛ لأن المعقود عليه العمل لا المنفعة
(ولا يستحق المشترك الأجر حتى يعمل كالقصار ونحوه) كفتال وحمال ودلال وملاح،
وله خيار الرؤية في كل عمل يختلف باختلاف المحل مجتبى (ولا يضمن ما هلك في يده
وإن شرط عليه الضمان)؛ لأن شرط الضمان في الأمانة باطل كالمودع (وبه يفتى)
كما في عامة المعتبرات، وبه جزم أصحاب المتون فكان هو المذهب خلافا للأشباه.
وأفتى المتأخرون بالصلح على نصف القيمة، وقيل إن الأجير مصلحا لا يضمن، وإن
بخلافه يضمن، وإن مستور الحال يؤمر بالصلح عمادية. قلت: وهل يجبر عليه؟ حرر
في تنوير البصائر نعم كمن تمت مدته في وسط البحر أو البرية تبقى الإجارة
بالجبر
(و) يضمن (ما هلك بعمله كتخريق الثوب من دقه وزلق الحمال
وغرق السفينة) من مده جاوز المعتاد أم لا بخلاف الحجام ونحوه كما يأتي
عمادية. والفرق في الدرر وغيره على خلاف ما بحثه صدر الشريعة فتأمل، لكن قوى
القهستاني قول صدر الشريعة فتنبه.
وفي المنية هذا إذا لم يكن رب
المتاع أو وكيله في السفينة فإن كان لا يضمن إذا لم يتجاوز المعتاد؛ لأن محل
العمل غير مسلم إليه. وفيها حمل رب المتاع متاعه على الدابة وركبها فساقها
المكاري فعثرت وفسد المتاع لا يضمن إجماعا وقدمنا. قلت عن الأشباه معزيا
للزيلعي: إن الوديعة بأجر مضمونة فليحفظ. (ولا يضمن به بني آدم مطلقا ممن
غرق في السفينة أو سقط عن الدابة وإن كان بسوقه أو وقوده)؛ لأن الآدمي لا يضمن
بالعقد بل بالجناية ولا جناية لإذنه فيه (وإن انكسر دن في الطريق) إن شاء
المالك (ضمن الحمال قيمته في مكان حمله ولا أجر أو في موضع الكسر وأجره
بحسابه) وهذا لو انكسر بصنعه وإلا بأن زاحمه الناس فانكسر فلا ضمان خلافا
لهما.
(ولا ضمان على حجام وبزاغ) أي بيطار (وفصاد لم يجاوز
الموضع المعتاد، فإن جاوز) المعتاد (ضمن الزيادة كلها إذا لم يهلك) المجني
عليه (وإن هلك ضمن نصف دية النفس) لتلفها بمأذون فيه وغير مأذون فيه فيتنصف،
ثم فرع عليه بقوله: فلو قطع الختان الحشفة وبرئ المقطوع تجب عليه دية كاملة)؛
لأنه لما برئ كان عليه ضمان الحشفة وهي عضو كامل كاللسان (وإن مات فالواجب عليه
نصفها) لحصول تلف النفس بفعلين أحدهما مأذون فيه وهو قطع الجلدة والآخر غير
مأذون فيه وهو قطع الحشفة فيضمن النصف ولو شرط على الحجام ونحوه العمل على وجه لا
يسري لا يصح؛ لأنه ليس في وسعه إلا إذا فعل غير المعتاد فيضمن عمادية. وفيها
سئل صاحب المحيط عن فصاد قال له غلام أو عبد: أفصدني ففصد فصدا معتادا فمات
بسببه. قال: تجب دية الحر وقيمة العبد على عاقلة الفصاد؛ لأنه خطأ. وسئل عن
من فصد نائما وتراكه حتى مات من السيلان قال يجب القصاص
(والثاني)
وهو الأجير (الخاص) ويسمى أجير وحد (وهو من يعمل لواحد عملا مؤقتا بالتخصيص
ويستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة وإن لم يعمل كمن استؤجر شهرا للخدمة أو)
شهرا (لرعي الغنم) المسمى بأجر مسمى بخلاف ما لو آجر المدة بأن استأجره للرعي
شهرا حيث يكون مشتركا إلا إذا شرط أن لا يخدم غيره ولا يرعى لغيره فيكون خاصا
وتحقيقه في الدرر وليس للخاص أن يعمل لغيره، ولو عمل نقص من أجرته بقدر ما عمل
فتاوى النوازل
(وإن) (هلك في المدة نصف الغنم أو أكثر) من
نصفه (فله الأجرة كاملة) ما دام يرعى منها شيئا، لما مر أن المعقود عليه
تسليم نفسه جوهرة، وظاهر التعليل بقاء الأجرة لو هلك كلها وبه صرح في العمادية
(ولا
يضمن ما هلك في يده أو بعمله) كتخريق الثوب من دقه إلا إذا تعمد الفساد فيضمن
كالمودع.
ثم فرع على هذا الأصل بقوله (فلا ضمان على ظئر في صبي
ضاع في يدها أو سرق ما عليه) من الحلي لكونها أجير وحد وكذا لا ضمان على حارس
السوق وحافظ الخان
(وصح ترديد الأجر بالترديد في العمل) كإن خطه
فارسيا بدرهم أو روميا بدرهمين (وزمانه في الأول) كذا بخط المصنف ملحقا ولم
يشرحه وسيتضح. قال شيخنا الرملي: ومعناه يجوز في اليوم الأول دون الثاني كإن
خطه اليوم فبدرهم أو غدا فبنصفه (ومكانه) كإن سكنت هذه الدار فبدرهم أو هذه
فبدرهمين (والعامل) كإن سكنت عطارا فبدرهم أو حدادا فبدرهمين (والمسافة)
كإن ذهبت للكوفة فبدرهم أو للبصرة فبدرهمين (والحمل) كإن حملت شعيرا فبدرهم
أو برا فبدرهمين وكذا لو خيره بين ثلاثة أشياء ولو بين أربعة لم يجز كما في البيع
ويجب أجر ما وجد إلا في تخيير الزمان فيجب بخياطته في الأول ما سمى وفي الغد أجر
المثل لا يزاد على درهم ولو خاطه بعد غد لا يزاد على نصف درهم وفيه خلافهما
(بنى
المستأجر تنورا أو دكانا) عبارة الدرر أو كانونا (في الدار المستأجرة فاحترق
بعض بيوت الجيران أو الدار لا ضمان عليه مطلقا) سواء بنى بإذن رب الدار أو لا
(إلا أن يجاوز ما يصنعه الناس) في وضعه وإيقاد نار لا يوقد مثلها في التنور
والكانون.
(استأجر حمارا فضل عن الطريق، إن علم أنه لا يجده بعد
الطلب لا يضمن، كذا راع ند من قطيعه شاة فخاف على الباقي) الهلاك (إن
تبعها)؛ لأنه إنما ترك الحفظ بعذر فلا يضمن كدفع الوديعة حال الغرق. وقالا إن
كان الراعي مشتركا ضمن، ولو خلط الغنم إن أمكنه التمييز لا يضمن. والقول له في
تعيين الدواب أنها لفلان، إن لم يمكنه ضمن قيمتها يوم الخلط والقول له في قدر
القيمة عمادية؛ وليس للراعي أن ينزي على شيء منها بلا إذن ربها، فإن فعل فعطبت
ضمن وإن نزى بلا فعله فلا ضمان جوهرة.
(ولا يسافر بعبد استأجره
للخدمة) لمشقته (إلا بشرط)؛ لأن الشرط أملك عليك أم لك، وكذا لو عرف
بالسفر؛ لأن المعروف كالمشروط (بخلاف العبد الموصى بخدمته فإن له أن يسافر به
مطلقا)؛ لأن مؤنته عليه (ولو) (سافر) المستأجر (به فهلك) (ضمن)
قيمته؛ لأنه غاصب (ولا أجر عليه وإن سلم)؛ لأن الأجر والضمان لا يجتمعان.
وعند الشافعي له أجر المثل.
(ولا يسترد مستأجر من عبد) أو صبي
(محجور) أجرا دفعه إليه (ل) أجل (عمله) لعودها بعد الفراغ صحيحة
استحسانا
(ولا يضمن غاصب عبد ما أكل) الغاصب (من أجره) الذي
آجر العبد نفسه به لعدم تقومه عند أبي حنيفة (كما) لا يضمن اتفاقا (لو آجره
الغاصب)؛ لأن الأجر له لا لمالكه (وجاز للعبد قبضها) لو آجر نفسه لا لو
آجره المولى إلا بوكالة؛ لأنه العاقد عناية (فلو وجدها مولاه) قائمة (في
يده أخذها) لبقاء ملكه كمسروق بعد القطع.
(استأجر عبدا شهرين
شهرا بأربعة وشهرا بخمسة صح) على الترتيب المذكور، حتى لو عمل في الأول فقط فله
أربعة وبعكسه خمسة (اختلفا) الآجر والمستأجر (في إباق العبد أو مرضه أو جري
ماء الرحى حكم الحال فيكون القول قول من يشهد له) الحال (مع يمينه كما)
يحكم الحال.
(لو باع شجرا فيه ثمر واختلفا في بيعه) أي الثمر
(معها) أي الشجر (فالقول قول من في يده الثمر) الأصل أن القول لمن يشهد
له الظاهر. وفي الخلاصة: انقطع ماء الرحى سقط من الأجر بحسابه ولو عاد عادت،
ولو اختلفا في قدر الانقطاع فالقول للمستأجر ولو في نفسه حكم الحال
(والقول
قول رب الثوب) بيمينه (في القميص والقباء والحمرة والصفرة وكذا في الأجر
وعدمه) وقال أبو يوسف: إن كان الصانع معاملا له فله الأجر وإلا فلا
(وقيل) أي وقال محمد (إن كان الصانع معروفا بهذه الصنعة بالأجر وقيام حاله
بها) أي بهذه الصنعة (كان بيمين القول قوله) بشهادة الظاهر (وإلا فلا،
وبه يفتى) زيلعي وهذا بعد العمل، أما قبله فيتحالفان اختيار.
[فروع
في فعل الأجير]
فعل الأجير في كل الصنائع يضاف لأستاذه فما أتلفه
يضمنه أستاذه. اختيار، يعني ما لم يتعد فيضمنه هو عمادية. وفي الأشباه:
ادعى نازل الخان وداخل الحمام وساكن المعد للاستغلال الغصب لم يصدق والأجر
واجب. قلت: وكذا مال اليتيم على المفتى به فتنبه.
وفيها الأجرة
للأرض كالخراج على المعتمد، فإذا استأجرها للزراعة فاستلم الزرع آفة وجب منه لما
قبل الاصطلام وسقط ما بعده. قلت: وهو ما اعتمده في الولوالجية، لكن جزم في
الخانية برواية عدم سقوط شيء حيث قال: أصاب الزرع آفة فهلك أو غرق ولم ينبت لزم
الأجر؛ لأنه قد زرع، ولو غرقت قبل أن يزرع فلا أجر عليه ا هـ.
باب فسخ الإجارة
تفسخ بالقضاء أو الرضا (بخيار شرط ورؤية) كالبيع خلافا للشافعي
(و) بخيار (عيب) حاصل قبل العقد أو بعده بعد القبض أو قبله (يفوت النفع
به) صفة عيب (كخراب الدار وانقطاع ماء الرحى و) انقطاع (ماء الأرض)
وكذا لو كانت تسقى بماء السماء فانقطع المطر فلا أجر خانية أي وإن لم تنفسخ على
الأصح كما مر.
وفي الجوهرة لو جاء من الماء ما يزرع بعضها فالمستأجر
بالخيار إن شاء فسخ الإجارة كلها أو ترك ودفع بحساب ما روى منها. وفي
الولوالجية: لو استأجرها بغير شربها فانقطع ماء الزرع على وجه لا يرجى فله
الخيار، وإن انقطع قليلا قليلا ويرجى منه السقي فالأجر واجب.
وفي
لسان الحكام استأجر حماما في قرية ففزعوا ورحلوا سقط الأجر عنه، وإن نفر بعض
الناس لا يسقط الأجر (أو يخل) عطف على يفوت (به) أي بالنفع بحيث ينتفع به
في الجملة (كمرض العبد ودبر الدابة) أي قرحتها وبسقوط حائط دار.
وفي
التبيين: لو انقطع ماء الرحى والبيت مما ينتفع به لغير الطحن فعليه من الأجر
بحصته لبقاء بعض المعقود عليه، فإذا استوفاه لزمته حصته (فإن لم يخل العيب به
أو أزاله المؤجر) أو انتفع بالمخل (سقط خياره) لزوال السبب.
(وعمارة
الدار) المستأجرة (وتطيينها وإصلاح الميزاب وما كان من البناء على رب
الدار) وكذا كل ما يخل بالسكنى (فإن أبى صاحبها) أن يفعل (كان للمستأجر
أن يخرج منها إلا أن يكون) المستأجر (استأجرها وهي كذلك وقد رآها) لرضاه
بالعيب.
(وإصلاح بئر الماء والبالوعة والمخرج على صاحب الدار)
لكن (بلا جبر عليه)؛ لأنه لا يجبر على إصلاح ملكه (فإن فعله المستأجر فهو
متبرع) وله أن يخرج إن أبى ربها خانية: أي إلا إذا رآها كما مر وفي
الجوهرة: وله أن ينفرد بالفسخ بلا قضاء ولو استأجر دارين فسقطت أو تعيبت
إحداهما فله تركهما لو عقد عليهما صفقة واحدة. قلت: وفي حاشية الأشباه معزيا
للنهاية، إن العذر ظاهرا ينفرد، وإن مشتبها لا ينفرد وهو الأصح (وبعذر) عطف
على بخيار شرط (لزوم ضرر لم يستحق بالعقد إن بقي) العقد كما في سكون ضرس
استؤجر لقلعه وموت عرس أو اختلاعها استؤجر) طباخ (لطبخ وليمتها)
(و)
بعذر (لزوم دين) سواء كان ثابتا (بعيان) من الناس (أو بيان) أي بينة
(أو إقرار و) الحال أنه (لا مال له غيره) أي غير المستأجر؛ لأنه يحبس به
فيتضرر إلا إذا كانت الأجرة المعجلة تستغرق قيمتها أشباه (و) بعذر (إفلاس
مستأجر دكان ليتجر و) بعذر (إفلاس خياط يعمل بماله) لا بإبرته. (استأجر
عبدا ليخيط فترك عمله و) بعذر (بداء مكتري دابة من سفر) ولو في نصف الطريق
فله نصف الأجر إن استويا صعوبة وسهولة وإلا فبقدره شرح وهبانية وخانية (بخلاف
بداء المكاري) فإنه ليس بعذر إذ يمكنه إرسال أجيره.
وفي
الملتقى: ولو مرض فهو عذر في رواية الكرخي دون رواية الأصل، قلت: وبالأولى
يفتى، ثم قال: ولو استأجر دكانا لعمل الخياطة فتركه لعمل آخر فعذر وكذا لو
استأجر عقارا ثم أراد السفر ا هـ. وفي القهستاني: سفر مستأجر دار للسكنى عذر
دون سفر مؤجرها، ولو اختلفا فالقول للمستأجر فيحلف بأنه عزم على السفر. وفي
الولوالجية: تحوله عن صنعته إلى غيرها عذر وإن لم يفلس حيث لم يمكنه أن
يتعاطاها فيه. وفي الأشباه: لا يلزم المكاري الذهاب معها ولا إرسال غلام
وإنما يجب الأجر بتخليتها (و) بخلاف (ترك خياطة مستأجر) عبد ليخيط
(ليعمل) متعلق بترك (في الصرف) لإمكان الجمع (و) بخلاف (بيع ما
آجره) فإنه أيضا ليس بدون لحوق دين كما مر ويوقف بيعه إلى انقضاء مدتها هو
المختار، لكن لو قضى بجوازه نفذ وتمامه في شرح الوهبانية. وفيه معزيا
للخانية: لو باع الآجر المستأجر فأراد المستأجر أن يفسخ بيعه لا يملكه هو
الصحيح، ولو باع الراهن الرهن للمرتهن فسخه.
(وتنفسخ) بلا حاجة
إلى الفسخ (بموت أحد عاقدين) عندنا لا بجنونه مطبقا (عقدها لنفسه) إلا
لضرورة كموته في طريق مكة ولا حاكم في الطريق فتبقى إلى مكة، فيرفع الأمر إلى
القاضي ليفعل الأصلح فيؤجرها له لو أمينا أو يبيعها بالقيمة ويدفع له أجرة الإياب
إن برهن على دفعها وتقبل البينة هنا بلا خصم؛ لأنه يريد الأخذ من ثمن ما في يده
أشباه
وفي الخانية: استأجر دارا أو حماما أو أرضا شهرا فسكن شهرين
هل يلزمه أجر الثاني: إن معدا للاستغلال نعم، وإلا لا، وبه يفتى. قلت: فكذا
الوقف ومال اليتيم، وكذا لو تقاضاه المالك وطالبه بالأجر فسكت يلزمه الأجر بسكناه
بعده ولو سكن المستأجر بعد موت المؤجر هل يلزمه أجر ذلك؟ قيل: نعم لمضيه على
الإجارة وقيل هو كالمسألة الأولى، وينبغي أن لا يظهر الانفساخ هنا ما لم يطالب
الوارث بالتفريغ أو بالتزام أجر آخر ولو معدا للاستغلال؛ لأنه فصل مجتهد فيه، وهل
يلزم المسمى أو أجر المثل؟ ظاهر القنية الثاني، وتمامه في شرح الوهبانية..
وفي المنية: مات أحدهما والزرع بقل بقي العقد بالمسمى حتى يدرك، وبعد المدة
بأجر المثل. وفي جامع الفصولين: لو رضي الوارث وهو كبير ببقاء الإجارة ورضي
به المستأجر جاز ا هـ أي فيجعل الرضا بالبقاء إنشاء عقد: أي لجوازها بالتعاطي
فتأمله.
وفي حاشية الأشباه: المستأجر والمرتهن والمشتري أحق
بالعين من سائر الغرماء لو العقد صحيحا، ولو فاسدا فأسوة الغرماء فليحفظ.
(فإن عقدها لغيره لا تنفسخ كوكيل) أي بالإجارة. وأما الوكيل بالاستئجار إذا
مات تبطل الإجارة؛ لأن التوكيل بالاستئجار توكيل بشراء المنافع فصار كالتوكيل
بشراء الأعيان فيصير مستأجرا لنفسه ثم يصير مؤجرا للموكل، فهو معنى قولنا: إن
الموكل بالاستئجار بمنزلة المالك، كذا نقله المصنف عن الذخيرة. قلت: ومثله في
شرح المجمع والبزازية والعمادية، ثم قال المصنف قلت: هذا يستقيم على ما ذكره
الكرخي من أن الملك يثبت للوكيل ثم ينتقل إلى الموكل. وأما على ما قاله أبو
طاهر من أنه يثبت للموكل ابتداء، وبه جزم في الكنز، وهو الأصح كما في البحر لا
يستقيم، والله - تعالى - أعلم ا هـ. قلت: وتعقبه شيخنا بأنه غير مستقيم على
ما ذكره الكرخي أيضا لاتفاقهم على عدم عتق قريب الوكيل؛ لأن ملكه غير مستقر
والموجب للعتق والفساد الملك المستقر. ثم قال: والحاصل أن الأصح أن الإجارة
لا تنفسخ بموت المستأجر والنقل به مستفيض ا هـ، والله أعلم.
(ووصي)
وأب وجد وقاض (ومتولي الوقف) لبقاء المستحق له والمستحق عليه، حتى لو مات
المعقود له بطلت درر، إلا إذا كان متولي وقف خاص به وجميع غلاته له كما في وقف
الأشباه معزيا للوهبانية. قال: وإطلاق المتون بخلافه. قلت: وبإطلاق
المتون أفتى قارئ الهداية، فكان هو المذهب المعتمد كما قاله المصنف في حاشيته على
الأشباه، ولذا قال في الأشباه بعد أربع أوراق: لا تنفسخ الإجارة بموت مؤجر
الوقف إلا في مسألتين فيما إذا آجرها الواقف ثم ارتد ثم مات لبطلان الوقف بردته،
وفيما إذا آجر أرضه ثم وقفها على معين ثم مات تنفسخ. وفي وقف فتاوى ابن نجيم
سئل إذا آجر الناظر ثم مات فأجاب لا تنفسخ الإجارة في الوقف بموت المؤجر
والمستأجر كذا رأيته في عدة نسخ لكنه مخالف لما في إجارة فتاوى قارئ الهداية
فتنبه. وفيها أيضا لا تنفسخ بموت المتولي ولو الغلة له بمفرده فتنبه. وفي
الفيض الواقف لو آجر الوقف بنفسه ثم مات، ففي الاستحسان لا تبطل؛ لأنه آجر لغيره
ا هـ. ومثله في البزازية. وفي السراجية: وحكم عزل القاضي والمتولي كالموت
فلا تنفسخ.
(و) تنفسخ أيضا (بموت أحد مستأجرين أو مؤجرين في
حصته) أي حصة الميت لو عقدها لنفسه (فقط) وبقيت في حصة الحي.
[فرع
في وقف الأشباه]
تخلية البعيد باطلة، فلو استأجر قرية وهو بالمصر لم
يصح تخليتها على الأصح، فينبغي للمتولي أن يذهب إلى القرية مع المستأجر أو غيره،
فيخلي بينه وبينها أو يرسل وكيله أو رسوله إحياء لمال الوقف فليحفظ. قلت: لكن
نقل محشيها ابن المصنف في زواهر الجواهر عن بيوع فتاوى قارئ الهداية أنه متى مضى
مدة يتمكن من الذهاب إليها والدخول فيها كان قابضا وإلا فلا فتنبه ا هـ.
مسائل
شتى (أحرق حصائد) أي بقايا أصول قصب محصود (في أرض مستأجرة أو مستعارة)
ومثله أرض بيت المال المعدة لحط القوافل والأحمال ومرعى الدواب وطرح الحصائد
قلت: وحاصله أنه إن لم يكن له حق الانتفاع في الأرض يضمن ما أحرقته في مكانه
بنفس الوضع لا ما نقلته الريح على ما عليه الفتوى قاله شيخنا (فاحترق شيء من
أرض غيره لم يضمن)؛ لأنه تسبب لا مباشرة (إن لم تضطرب الرياح) فلو كانت
مضطربة ضمن؛ لأنه يعلم أنها لا تستقر في أرضه فيكون مباشرا
(وكذا كل
موضع كان للواضع حق الوضع فيه) أي في ذلك الموضع (لا يضمن على كل حال إذا تلف
بذلك الموضوع شيء) سواء تلف به وهو في مكانه أو بعد ما زال عنه (بخلاف ما إذا
لم يكن للواضع فيه حق الوضع) حيث يضمن الواضع إذا تلف به شيء وهو في مكانه،
وكذا بعد ما زال، لا بمزيل كوضع جرة في الطريق ثم آخر أخرى فتدحرجتا فانكسرتا ضمن
كل جرة صاحبه، وإن زال بمزيل كريح وسيل لا يضمن الواضع، هذا هو الأصل في هذه
المسائل كما حققه في الخانية.
ثم فرع عليه بقوله (فلو وضع جمرة في
الطريق فاحترق بذلك شيء ضمن) لتعديه بالوضع (وكذا) يضمن (في كل موضع ليس
له فيه حق المرور إلا إذا هبت به) أي بالوضع (الريح فلا ضمان) لنسخها فعله،
وكذا لو دحرج السيل الحجر (وبه يفتى) خانية، ولو أخرج الحداد الحديد من الكير
في دكانه ثم ضربه بمطرقة فخرج الشرار إلى الطريق وأحرق شيئا ضمن، ولو لم يضربه
وأخرجه الريح لا زيلعي
(سقى أرضه سقيا لا تحتمله فتعدى) الماء
(إلى أرض جاره) فأفسدها (ضمن)؛ لأنه مباشر لا متسبب. (أقعد خياط أو
صباغ في حانوته من يطرح عليه العمل بالنصف) سواء اتحد العمل أو اختلف كخياط مع
قصار (صح) استحسانا لأنه شركة الصنائع، فهذا بوجاهته يقبل وهذا بحذاقته يعمل
(كاستئجار جمل ليحمل عليه محملا وراكبين إلى مكة وله المحمل المعتاد ورؤيته
أحب) وكذا إذا لم ير الطراحة واللحاف. وفي الولوالجية: ولو تكارى إلى مكة
إبلا مسماة بغير أعيانها جاز ويحمل المعقود عليه حملا في ذمة المكاري والإبل آلة
وجهالتها لا تفسد. قلت: فما يفعله الحجاج من الإجارة للحمل أو الركوب إلى مكة
بلا تعيين الإبل صحيح، والله تعالى أعلم
(استأجر جملا لحمل مقدار من
الزاد فأكل منه رد عوضه) من زاد ونحوه (قال لغاصب داره فرغها وإلا فأجرتها كل
شهر بكذا فلم يفرغ وجب) على الغاصب (المسمى)؛ لأن سكوته رضا (إلا إذا
أنكر الغاصب ملكه وإن أثبته ببينة)؛ لأنه إذا أنكره لم يكن راضيا بالإجارة
(أو أقر) عطف على أنكر (به) أي يملكه (ولكن لم يرض بالأجرة)؛ لأنه
صرح بعدم الرضا، في الأشباه السكوت في الإجارة رضا وقبول، فلو قال للساكن: اسكن
بكذا وإلا فانتقل أو قال الراعي: لا أرضى بالمسمى، بل بكذا فسكت لزم ما سمى.
بقي لو سكت ثم لما طالبه قال: لم أسمع كلامك هل يصدق إن به صمم؟ نعم وإلا لا
عملا بالظاهر
(للمستأجر أن يؤجر المؤجر) بعد قبضه قيل وقبله (من
غير مؤجره، وأما من مؤجره فلا) يجوز وإن تخلل ثالث به يفتى للزوم تمليك المالك،
وهل تبطل الأولى بالإجارة للمالك؟ الصحيح لا وهبانية. قلت: وصححه قاضي خان
وغيره. وفي المضمرات: وعليه الفتوى، وقدمنا عن البحر معزيا للجوهرة الأصح
نعم، وأقره المصنف ثمة، ونقل هنا عن الخلاصة ما يفيد أنه إن قبضه منه بعد ما
استأجره بطلب وإلا لا فليكن التوفيق فتأمل؛ وهل تسقط الأجرة ما دام في يد
المؤجر؟ خلاف مبسوط في شرح الوهبانية. (وكله باستئجار عقار ففعل) الوكيل
(وقبض ولم يسلمها) أي لم يسلم الوكيل العين المؤجرة (إليه) أي إلى الموكل
(حتى مضت المدة) فالأجر على الوكيل؛ لأنه أصيل في الحقوق و (رجع الوكيل
بالأجرة على الآمر) لنيابته عنه في القبض فصار قابضا حكما (وكذا) الحكم
(إن شرط) الوكيل (تعجيل الأجر وقبض) الدار (ومضت المدة ولم يطلب
الآمر) الدار منه فإنه يرجع أيضا لصيرورة الآمر قابضا بقبضه ما لم يظهر المنع
(وإن طلب) الآمر الدار (وأبى) الوكيل (ليعجل) الأجر (لا) يرجع؛
لأنه لما حبس الدار بحق لم تبق يده يد نيابة فلم يضر الموكل قابضا حكما فلا يلزمه
الأجر.
(يستحق القاضي الأجر على كتب الوثائق) والمحاضر والسجلات
(قدر ما يجوز لغيره كالمفتي) فإنه يستحق أجر المثل على كتابة الفتوى؛ لأن
الواجب عليه الجواب باللسان دون الكتابة بالبنان، ومع هذا الكف أولى احترازا عن
القيل والقال وصيانة لماء الوجه عن الابتذال بزازية، وتمامه في قضاء الوهبانية
وفي الصيرفية: حكم وطلب أجرة ليكتب شهادته جاز، وكذا المفتي لو في البلدة غيره،
وقيل مطلقا؛ لأن كتابته ليست بواجبة عليه. وفيها: استأجره ليكتب له تعويذا
لأجل السحر جاز إن بين قدر الكاغد والخط وكذا المكتوب
(المستأجر لا
يكون خصما لمدعي الإيجار والرهن والشراء)؛ لأن الدعوى لا تكون إلا على مالك
العين (بخلاف المشتري) والموهوب له لملكهما العين، وهل يشترط حضور الآجر مع
المشتري قولان. (وتصح الإجارة وفسخها والمزارعة والمعاملة والمضاربة والوكالة
والكفالة والإيصاء والوصية والقضاء والإمارة) والطلاق (والعتاق والوقف) حال
كون كل واحد مما ذكر (مضافا) إلى الزمان المستقل كأجرتك أو فاسختك رأس الشهر
صح بالإجماع (لا) يصح مضافا للاستقبال كل ما كان تمليكا للحال مثل (البيع
وإجازته وفسخه والقسمة والشركة والهبة والنكاح والرجعة والصلح عن مال وإبراء
الدين) وقد مر في متفرقات البيوع
(زاد أجر المثل في نفسه من غير
أن يزيد أحد فللمتولي فسخها وما لم يفسخ كان على المستأجر المسمى) به يفتى
(فسخ العقد بعد تعجيل البدل فللمعجل حبس المبدل حتى يستوفي ماله من المبدل)
وصحيحا كان العقد أو فاسدا لو العين في يد المستأجر فليحفظ.
(استأجر
مشغولا وفارغا صح في الفارغ فقط) لا المشغول كما مر، لكن حرر محشي الأشباه أن
الراجح صحة إجارة المشغول، ويؤمر بالتفريغ والتسليم ما لم يكن فيه ضرر فله الفسخ
فتنبه.
(استأجر شاة لإرضاع ولده أو جدية لم يجز) لعدم العرف
(. المستأجر فاسدا إذا آجر صحيحا جازت) لو بعد قبضه في الأصح منية (وقيل
لا) وتقدم الكل، والكل في الأشباه.
[فروع في المقاطعة بشروط
الإجارة]
اعلم أن المقاطعة إذا وقعت بشروط الإجارة فهي صحيحة؛ لأن
العبرة للمعاني وقدمناه في الجهاد. صح استئجار قلم ببيان الأجر والمدة
استأجر
شيئا لينتفع به خارج المصر فانتفع به في المصر، فإن كان ثوبا لزم الأجر، وإن كان
دابة لا. ساقها ولم يركبها لزم الأجر إلا لعذر بها
أخطأ الكاتب في
البعض، إن الخطأ في كل ورقة خير إن شاء أخذه وأعطى أجر مثله أو تركه عليه وأخذ
منه القيمة، وإن في البعض أعطاه بحسابه من المسمى. الصيرفي بأجر، إذا ظهرت
الزيافة في الكل استرد الأجرة، وفي البعض بحسابه. إن دلني على كذا فله كذا فدله
فله أجر مثله إن مشى لأجله من دلني على كذا فله كذا فهو باطل ولا أجر لمن دله إلا
إذا عين الموضع
استأجره لحفر حوض عشرة في عشرة وبين العمق فحفر خمسة
في خمسة كان له ربع الأجر الكل من الأشباه. وفيها: جاز استئجار طريق للمرور
إن بين المدة. قلت: وفي حاشيتها هذا قولهما وهو المختار شرح مجمع وفي
الاختيار: من دلنا على كذا جاز؛ لأن الأجر يتعين بدلالته. وفي الغاية: داري
لك إجارة هبة صحت غير لازمة فلكل فسخها ولو بعد القبض فليحفظ. وفي لزوم الإجارة
المضافة تصحيحان أريد عدم لزومها بأن عليه الفتوى. وفي المجتبى لا تجوز إجارة
البناء. وعن محمد تجوز لو منتفعا به كجدار وسقف وبه يفتى ومنه إجارة بناء مكة
وكره إجارة أرضها وفي الوهبانية. وفي الكلب والبازي قولان والبنا كأم القرى أو
أرضها ليس تؤجر ولو دفع الدلال ثوبا لتاجر يقلبه لو راح ليس يخسر ومن قال قصدي أن
أسافر فافسخن فحلفه أو فاسأل رفاقا ليذكروا ويفسخ من ترك التجارة ما اكترى ولو
كان في بعض الطريق ومؤجر له فسخها لو مات منها معين وأطلق يعقوب وبالضعف يذكر
وإيجار ذي ضعف من الكل جائز ولو أن أجر المثل من ذاك أكثر ومن مات مديونا وأجر
عقاره توفاه للمستأجر الحيس أجدر.
كتاب المكاتب
مناسبته للإجارة أن في كل منهما الرقبة لشخص والمنفعة لغيره.
(الكتابة لغة من الكتب) وهو جمع الحروف سمي به لأن فيه ضم حرية اليد إلى حرية
الرقبة. وشرعا (تحرير المملوك يدا) أي من جهة اليد (حالا ورقبة مآلا)
يعني عند أداء البدل، حتى لو أداه حالا عتق حالا (وركنها الإيجاب والقبول)
بلفظ الكتابة أو ما يؤدي معناه (وشرطها كون البدل) المذكور فيها (معلوما)
قدره وجنسه، وكون الرق في المحل قائما لا كونه منجما أو مؤجلا لصحتها بالحال،
وحكما في جانب العبد انتفاء الحجر في الحال، وثبوت الحرية في حق اليد لا الرقبة
إلا بالأداء. وفي جانب المولى ثبوت ولاية مطالبة البدل في الحال إن كانت حالة
والملك في البدل إذا قبضه وعود ملكه إذا عجز.
(كاتب قنه ولو)
القن (صغيرا يعقل بمال حال) أي نقد كله (أو مؤجل) كله (أو منجم) أي
مقسط على أشهر معلومة أو قال جعلت عليك ألفا تؤديه نجوما أولها كذا وآخرها كذا،
فإن أديته فأنت حر، وإن عجزت فقن وقبل العبد ذلك صح وصار مكاتبا لإطلاق قوله
تعالى -: {فكاتبوهم} - والأمر للندب على الصحيح، والمراد بالخيرية أن لا
يضر بالمسلمين بعد العتق، فلو يضر فالأفضل تركه، ولو فعل صح. ولو كاتب نصف عبده
جاز ونصفه الآخر مأذون له في التجارة، ولو أراد منعه ليس له ذلك كي لا يبطل على
العبد حق العتق، وتمامه في التتارخانية: وإذا صحت الكتابة خرج من يده دون ملكه
حتى يؤدي كل البدل لحديث أبي داود: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم».
ثم
فرع عليه بقوله (وغرم المولى العقر إن وطئ مكاتبته) لحرمته عليه (أو جنى
عليها) فإنه يغرم أرشها (أو جنى على ولدها أو أتلف) المولى (مالها)
لأنه بعقد الكتابة صار كل منهما كالأجنبي، نعم لا حد ولا قود على المولى للشبهة
شمني
(ولو أعتقه عتق مجانا) لإسقاط حقه
(و) فسد
(إن) كاتبه (على خمر وخنزير) لعدم ماليته في حق المسلم، فلو كانا ذميين
جاز (أو على قيمته) أي قيمة نفس العبد لجهالة القدر (أو على عين) معينة
(لغيره) لعجزه عن تسليم ملك الغير (أو على مائة دينار ليرد سيده عليه
وصيفا) غير معين لجهالة القدر (فهو) أي عقد الكتابة (فاسد) في الكل لما
ذكرنا (فإن أدى) المكاتب (الخمر عتق) بالأداء (وكذا الخنزير)
لماليتهما في الجملة (وسعى في قيمته) بالغة ما بلغت، يعني قبل أن يترافعا
للقاضي ابن كمال (و) اعلم أنه متى سمي مالا وفسدت الكتابة بوجه من الوجوه
(لم ينقص من المسمى بل يزاد عليه)
(ولو) كاتبه (على ميتة
ونحوها) كالدم (بطل) العقد لعدم ماليتهما أصلا عند أحد، فلا يعتق بالأداء
إلا إذا علقه بالشرط صريحا فيعتق للشرط لا للعقد.
(وصح) العقد
(على حيوان بين جنسه فقط) أي لا نوعه وصفته (ويؤدي الوسط أو قيمته) ويجبر
على قبولها (و) صح أيضا (من كافر كاتب قنا كافرا مثله على خمر) لماليته
عندهم (معلومة) أي مقدرة ليعلم البدل (وأي) من المولى والعبد (أسلم فله
قيمة الخمر وعتق بقبضها) لتعليق عتقه بأداء الخمر لكن مع ذلك يسعى في قيمته كما
مر (و) صح أيضا (على خدمته شهرا له) أي للمولى (أو لغيره أو حفر بئر أو
بناء دار إذا بين قدر المعمول والآجر بما يرفع النزاع) لحصول الركن
والشرط.
(لا تفسد الكتابة بشرط) لشبهها بالنكاح ابتداء لأنها
مبادلة بغير مال وهو التصرف (إلا أن يكون الشرط في صلب العقد) فتفسد لشبهها
بالبيع انتهاء لأنه في البدل هذا هو الأصل.
باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله وما لا يجوز
(للمكاتب البيع والشراء ولو بمحاباة) يسيرة (والسفر وإن
شرط) المولى (عدمه وتزويج أمته وكتابة عبده والولاء له إن أدى) الثاني
(بعد عتقه وإلا) بأن أداه قبله أو أديا معا (فلسيده لا التزوج بغير إذن
مولاه و) لا (الهبة ولو بعوض، و) لا (التصدق إلا بيسير منهما و) لا
(التكفل مطلقا) ولو بإذن بنفس لأنه تبرع (و) لا (الإقراض وإعتاق عبده
ولو بمال، وبيع نفسه منه وتزويج عبده) لنقصه بالمهر والنفقة (وأب ووصي وقاض
وأمينه في رقيق صغير) تحت حجرهم (كمكاتب) فيما ذكر (بخلاف مضارب ومأذون
وشريك) ولو مفاوضة على الأشبه لاختصاص تصرفهم بالتجارة.
(ولو
اشترى أباه أو ابنه) (تكاتب عليه) تبعا له، والمراد قرابة الولاد لا غير
(ولو)
اشترى (محرما) غير الولاد (كالأخ والعم لا) يكاتب عليه خلافا لهما.
(ولو
اشترى أم ولده مع ولده منها) وكذا لو شراها ثم شراه. جوهرة (لم يجز
بيعها) لتبعيتها لولدها (ولكن لا تدخل في كتابته) ثم فرع عليه بقوله (فلا
تعتق بعتقه ولا ينفسخ نكاحه) لأنه لم يملكها (فجاز له أن يطأها) بملك
النكاح فكذا المكاتبة إذا اشترت بعلها غير أن لها بيعه مطلقا لأن الحرية لم تثبت
من جهتها (ولو ملكها بدونه) أي بدون الولد (جاز له بيعها) خلافا لهما
(وإن
ولد له من أمته ولد) فادعاه (تكاتب عليه) تبعا له (و) كان (كسبه
له) لأنه كسب كسبه.
(زوج) المكاتب (أمته من عبده فكاتبهما
فولدت دخل في كتابتها وكسبه) وقيمته لو قتل (لها) لأن تبعيتها أرجح.
(مكاتب
أو مأذون نكح أمة زعمت أنها حرة بإذن مولاه) متعلق بنكح (فولدت منه ثم استحقت
فالولد رقيق) فليس له أخذه بالقيمة خلافا لمحمد لأنه ولد المغرور، وخصا المغرور
بالحر بإجماع الصحابة، واستشكله الزيلعي.
(ولو اشترى المكاتب أمة
شراء ينظر فاسدا فوطئها ثم ردها للفساد) لشرائها (أو) شراها (صحيحا
فاستحقت وجب عليه العقر في حالة الكتابة) قبل عتقه لدخوله في كتابته، لأن الإذن
بالشراء إذن بالوطء (ولو) وطئها (بنكاح) بلا إذنه (أخذ به) بالعقر
(منذ عتق) أي بعد عتقه لعدم دخوله فيها كما مر (والمأذون كالمكاتب فيهما)
في الفصلين.
(وإذا ولدت مكاتبة من سيدها) فلها الخيار إن شاءت
(مضت على كتابتها) وتأخذ العقر منه (أو) إن شاءت (عجزت) نفسها (وهي
أم ولده) ويثبت نسبه بلا تصديقها لأنها ملكه رقبة.
(ولو كاتب
شخص أم ولده أو مدبره صح وعتقت أم الولد) مجانا بموته بالاستيلاد (وسعى
المدبر في ثلثي قيمته إن شاء أو سعى في كل البدل بموت سيده فقيرا) لم يترك
غيره
(ولو دبر مكاتبه صح فإن عجز بقي مدبرا وإلا سعى في ثلثي
قيمته) إن شاء (أو في ثلثي البدل بموته) أي المولى (معسرا) لم يترك
غيره (وإن كان) مات (موسرا بحيث يخرج) المدبر (من الثلث عتق)
بالتدبير (وسقط عنه بدل الكتابة، كما لو أعتق المولى مكاتبه) فإنه يعتق مجانا
لقيام ملكه.
(كاتبه على ألف مؤجل ثم صالحه على نصفه حالا صح)
استحسانا.
(مريض كاتب عبده على ألفين إلى سنة فمات) المريض
(و) الحال أن (قيمة المكاتب ألف) درهم (ولم تجز الورثة التأجيل) ولم
يترك غيره (أدى) المكاتب (ثلثي البدل) وعند محمد ثلثي القيمة حالا
والباقي إلى أجله (أو رد رقيقا) لقيام البدل مقام الرقبة فتنفذ في ثلثه
(وإن كاتبه على ألف إلى سنة و) الحال أن (قيمته ألفان ولم يجيزوا أدى ثلثي
القيمة حالا) وسقط الباقي (أو رد رقيقا) اتفاقا لوقوع المحاباة في القدر
والتأخير فتنفذ بالثلث.
(حر قال لمولى عبد كاتب عبدك فلانا)
الغائب (على ألف درهم على أني إن أديت إليك ألفا فهو حر فكاتبه المولى على هذا
الشرط وقبل) المولى (ثم أدى) الحر (ألفا عتق) العبد بحكم الشرط، وكذا
لو لم يقل إن أديت فأدى يعتق استحسانا لنفوذ تصرف الفضولي في كل ما ليس بضرر، ولا
يرجع الحر على العبد لأنه متبرع (وإذا بلغ العبد) هذا الأمر (فقبل صار
مكاتبا) إنما يحتاج لقبوله لأجل لزوم البدل عليه.
(قال عبد حاضر
لسيده كاتبني على نفسي وعن فلان الغائب فكاتبهما فقبل العبد الحاضر صح) العقد
استحسانا في الحاضر أصالة والغائب تبعا (وأيهما أدى بدل الكتابة عتقا جميعا)
بلا رجوع (ويجبر المولى على القبول) للبدل من أحدهما (ولا يطالب) العبد
(الغائب بشيء) لعدم التزامه (وقبوله) للكتابة (لغو) لا يعتبر (كرده
إياها) ولو حرره سقط عن الحاضر حصته، ولو حرر الحاضر أو مات أدى الغائب حصته
حالا وإلا رد قنا، ولو أبرأ الحاضر أو وهبه له عتقا جميعا.
(وإن
كاتب الأمة على نفسها وعن ابنين صغيرين لها) وقبلت (صح) استحسانا لما مر
(وأي أدى) ممن ذكر (لم يرجع) على الآخر لأنه متبرع، ويجبر المولى على
القبول إلى آخر ما مر.
[فرع في مكاتبة نصف العبد]
كاتب
نصف عبده فأدى الكتابة عتق نصفه وسعى في بقية قيمته. وقالا: العبد كله مكاتب
على ذلك المال، وبه نأخذ حاوي القدسي.
باب كتابة العبد المشترك
(عبد الشريكين أذن أحدهما لصاحبه) في (أن يكاتب حظه بألف
ويقبض بدل الكتابة فكاتب الشريك المأذون له نفذ في حظه فقط) عند الإمام لتجزي
الكتابة عنده وليس لشريكه فسخه لإذنه (وإذا أقبض بعضه) بعض الألف (فعجز
فالمقبوض) كله (للقابض) لأنه له بالقبض فيكون متبرعا، ولو قبض الألف عتق حظ
القابض.
(أمة بين شريكين كاتباها فوطئها أحدهما فولدت فادعاه)
الواطئ (ثم وطئها) الشريك (الآخر فولدت فادعاه) الواطئ الثاني صحت دعوته
لقيام ملكه ظاهرا خلافا لهما (فإن عجزت) بعد ذلك جعلت الكتابة كأن لم تكن،
وحينئذ (فهي) في الحقيقة (أم ولد للأول) لزوال المانع من الانتقال ووطؤه
سابق (وضمن) الأول (لشريكه نصف قيمتها ونصف عقرها وضمن شريكه عقرها)
كاملا لوطئه أم ولد الغير حقيقة (وقيمة الولد) أيضا (وهو ابنه) لأنه
بمنزلة المغرور (وأي) من الشريكين (دفع العقر إلى المكاتبة صح) أي قبل
العجز لاختصاصها بمنافعها فإذا عجزت ترده للمولى (وإن دبر الثاني ولم يطأها)
والمسألة بحالها (فعجزت بطل التدبير وضمن الأول لشريكه نصف قيمتها ونصف عقرها،
والولد للأول) وهي أم ولده (وإن كاتباها فحررها أحدهما موسرا فعجزت ضمن
المعتق لشريكه نصف قيمتها ورجع الضامن به عليها) لما تقرر أن الساكت إذا ضمن
المعتق يرجع عنده لا عندهما ا هـ.
[فرع في عبد لرجلين]
عبد
لرجلين دبره أحدهما ثم حرره الآخر غنيا أو عكسا أعتق المدبر إن شاء أو استسعى في
الصورتين، أو ضمن شريكه في الأولى فقط، والله أعلم.
باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى
(مكاتب عجز عن أداء) نجم (إن كان له مال سيصل إليه لم يعجزه
الحاكم إلى ثلاثة أيام) لأنها مدة ضربت لإبلاء الأعذار (وإلا عجزه) الحاكم
في الحال (وفسخها بطلب مولاه أو فسخ مولاه برضاه، ولو) كانت الكتابة
(فاسدة) فالمولى (له الفسخ بغير رضاه ويملك المكاتب فسخها مطلقا في الجائزة
والفاسدة) وإن لم يرض المولى (وعاد رقه) بفسخها (وما في يده لمولاه)
(و)
المكاتب (إذا مات وله مال) يفي بالبدل (لم تفسخ، وتؤدى كتابته من ماله وحكم
بعتقه في آخر) جزء من أجزاء (حياته، كما يحكم بعتق أولاده) المولودين في
كتابته لا قبلها (والباقي من ماله ميراث لورثته، ولو) لم يترك مالا و (ترك
ولدا) ولد (في كتابته ولا وفاء بقيت كتابته وسعى) الابن في كتابة أبيه
(على نجومه) المقسطة (فإذا أدى حكم بعتق أبيه قبل موته وبعتقه تبعا ولو ترك
ولدا اشتراه) في كتابته (أدى البدل حالا أو رد إلى حاله رقيقا) وسويا
بينهما وأما الأبوان فيردان للرق كما مات وقالا: إن أديا حالا عتقا وإلا
لا.
(اشترى) المكاتب (ابنه فمات عن وفاء ورثه ابنه) لموته
حرا عن ابن حر كما مر (وكذا) يرثه (لو كان هو) أي المكاتب (وابنه)
الكبير (مكاتبين كتابة واحدة) لصيرورتهما كشخص واحد ضرورة اتحاد العقد.
(فإن
ترك) المكاتب (ولدا من حرة) أي معتقة (وترك دينا يفي ببدلها فجنى الولد
فقضي به) بما جنى (على عاقلة أمه) ضرورة أن الأب لم يعتق بعد (لم يكن
ذلك) القضاء (تعجيزا لأبيه) لعدم المنافاة ولا رجوع، قيد بالدين لأن في
العين لا يتأتى القضاء بالإلحاق بالأم لإمكان الوفاء في الحال. (ولو قضي
به) بالولاء (لقوم أمه بعد خصومتهم مع قوم الأب في ولائه فهو) أي القضاء
بما ذكر (تعجيز) لأنه في فصل مجتهد فيه (وطاب لسيده وإن لم يكن مصرفا)
للصدقة (ما أدى إليه من الصدقات فعجز) لتبدل الملك، وأصله حديث بريرة: «هي
لك صدقة ولنا هدية» (كما في وارث) شخص (فقير مات عن صدقة أخذها وارثه
الغني) كما في (ابن سبيل أخذها ثم وصل إلى ماله وهي في يده) أي الزكاة،
وكفقير استغنى، وهي في يده فإنها تطيب له، بخلاف فقير أباح لغني أو هاشمي عين
زكاة أخذها لا يحل لأن الملك لم يتبدل.
(فإن جنى عبد وكاتبه سيده
جاهلا بجنايته أو) جنى (مكاتب فلم يقض به) بما جنى (فعجز) فإن شاء
المولى (دفع) العبد (أو فدى) لزوال المانع بالعجز (وإن قضي به عليه)
حال كونه (مكاتبا فعجز بيع فيه) لانتقال الحق من رقبته إلى قيمته بالقضاء،
قيد بالعجز لأن جنايات المكاتب عليه في كسبه ويلزمه الأقل من قيمته ومن الأرش،
وإن تكررت قبل القضاء فعليه قيمة واحدة، ولو بعده فقيم ولو أقر بجناية خطأ لزمته
في كسبه بعد الحكم بها ولو لم يحكم عليه حتى عجز بطلت
(وإن مات
السيد لم تنفسخ الكتابة كالتدبير، وأمومية الولد) وكأجل الدين إذا مات الطالب
(ويؤدي المال إلى ورثته على نجومه) كأجل الدين بخلاف المطلوب لخراب ذمته هذا
إذا كاتبه وهو صحيح ولو في مرضه لا يصح تأجيله إلا من الثلث (وإن حرروه) أي
كل الورثة (في مجلس واحد عتق مجانا) استحسانا، ويجعل إبراء اقتضاء (فإن
حرره بعضهم) في مجلس والآخر في آخر (لم ينفذ عتقه) على الصحيح لأنه لم
يملكه، ولو عجز بعد موت المولى، عاد رقه.
(مكاتب تحته أمة طلقها
ثنتين فملكها لا يحل له أن يطأها حتى تنكح زوجا غيره) وكذا الحر كما تقرر في
محله.
(كاتبا عبدا كتابة واحدة) أي بعقد واحد (وعجز المكاتب
لا يعجزه القاضي حتى يجتمعا) لأنهما كواحد بخلاف الورثة لأن القاضي يعجزه بطلب
أحدهم مجتبى وفيه: كاتب عبديه بمرة فعجز أحدهما فرده المولى في الرق. أو
القاضي ولم يعلم بكتابة الآخر لم يصح فإن غاب هذا المردود وجاء الآخر ثم عجز فليس
للآخر رده في الرق.
[فروع في الاختلاف في قدر البدل]
اختلف
المولى والمكاتب في قدر البدل فالقول للمكاتب عندنا، ولا يحبس المكاتب في دين
مولاه في الكتابة وفيما سوى دين الكتابة قولان سراجية قلت: وفي عتاق
الوهبانية: وفي غير جنس الحق يحبس سيدا مكاتبه والعبد فيها مخير ولاء لأولاد
لزوجين حررا لمولى أبيهم ليس للأم معبر توفي وما وفى فإما لميت من الولد بع والحي
تسعى وتحضر. أي وإن لم يكن معها ولد بيعت، وإن كان استسعيت على نجومه صغيرا كان
ولدها أو كبيرا وعندهما تسعى مطلقا والله أعلم.
كتاب الولاء
(هو) لغة: النصرة والمحبة مشتق من الولي، وهو القرب، وشرعا:
(عبارة عن التناصر بولاء العتاقة أو بولاء الموالاة) زيلعي (ومن آثاره
الإرث والعقل) وولاية النكاح وبهذا علم أن الولاء ليس نفس الميراث بل قرابة
حكمية تصلح سببا للإرث (وسببه العتق على ملكه) لا الإعتاق لأن بالاستيلاد
وإرث القريب يحصل العتق بلا إعتاق، وأما حديث: «الولاء لمن أعتق» فجري على
الغالب.
(من عتق) أي حصل له عتق (بإعتاق) فولاؤه ولو من
وصية (أو بفرع له) ككتابة وتدبير واستيلاد (أو بملك قريب) فولاؤه لسيده
(ولو امرأة أو ذميا أو ميتا حتى تنفذ وصاياه وتقضى ديونه) منه (ولو شرط
عدمه) لمخالفته للشرع فيبطل.
(ومن أعتق أمته و) الحال (أن
زوجها قن) الغير (فولدت) لأقل من نصف حول مذ عتقت (لا ينتقل ولاء
الحمل) الموجود عند العتق (عن موالي الأم أبدا وكذا لو ولدت ولدين أحدهما
لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر منه، وبينهما أقل من نصف حول) ضرورة كونهما
توأمين (فإذا ولدته بعد عتقها لأكثر من نصف حول فولاؤه لموالي الأم) أيضا
لتعذر تبعيته للأب لرقه (فإن عتق) القن - وهو الأب - قبل موت الولد لا بعده
(جر ولاء ابنه إلى مواليه) لزوال المانع هذا إذا لم تكن معتدة فلو معتدة
فولدت لأكثر من نصف حول من العتق ولدون حولين من الفراق لا ينتقل لموالي
الأب.
(عجمي له مولى موالاة) أو لم يكن له ذلك، وقيد بالعجمي
لأن ولاء الموالاة لا يكون في العرب لقوة أنسابهم. (نكح معتقته) ولو لعربي
(فولدت منه فولاء ولدها لمولاها) لقوة ولاء العتاقة حتى اعتبر فيه الكفاءة لا
في العجم وولاء الموالاة
(والمعتق مقدم على الرد و) مقدم (على
ذوي الأرحام مؤخر عن العصبة النسبية) لأنه عصبة سببية (فإن مات المولى ثم
المعتق ولا وارث له) نسبي (فميراثه لأقرب عصبة المولى) الذكور وسنحققه في
بابه.
(وليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن) كما في الحديث
المذكور في الدرر وغيرها لكن قال العيني وغيره: إنه حديث منكر لا أصل له وسيجيء
الجواب عنه في الفرائض. ثم فرع على الأصل المذكور بقوله (فلو مات المعتق ولم
يترك إلا ابنة معتقه فلا شيء لها) أي لابنة المعتق (ويوضع ماله في بيت
المال) هذا ظاهر الرواية وذكر الزيلعي معزيا للنهاية: أن بنت المعتق ترث في
زماننا لفساد بيت المال وكذا ما فضل عن فرض أحد الزوجين يرد عليه وكذا المال يكون
للابن أو البنت رضاعا كذا في فرائض الأشباه وأقره المصنف وغيره
(وإذا
ملك الذمي عبدا) ولو مسلما (وأعتقه فولاؤه له) لأن الولاء كالنسب فيتوارثون
به عند عدم الحاجب كالمسلمين فلو مسلما لا يرثه ولا يعقل عنه، وبهذا اتضح فساد
القول بأن الولاء هو الميراث حق الاتضاح.
(ولو أعتق حربي في دار
الحرب عبدا حربيا لا يعتق) بمجرد إعتاقه (إلا أن يخلي سبيله فإذا خلاه عتق
حينئذ ولا ولاء له) حتى لو خرجا إلينا مسلمين لا يرثه خلافا للثاني (وكان له
أن يوالي من شاء لأنه لا ولاء لأحد) عليه.
(ولو دخل مسلم في دار
الحرب فاشترى عبدا ثمة وأعتقه بالقول عتق بلا تخلية لو كان العبد مسلما فأعتقه
مسلم أو حربي) في دار الإسلام (فولاؤه له) أي لمعتقه.
[فروع]
ادعيا
ولاء ميت وبرهن كل أنه أعتقه يقضى بالميراث والولاء لهما. المولى يستحق الولاء
أولا حتى تنفذ منه وصاياه وتقضى منه ديونه. الكفاءة تعتبر في ولاء العتاقة
فمعتقة التاجر كفء لمعتق العطار دون الدباغ. الأم إذا كانت حرة الأصل بمعنى عدم
الرق في أصلها فلا ولاء على ولدها والأب إذا كان كذلك فلو عربيا لا ولاء عليه
مطلقا، ولو عجميا لا ولاء عليه لقوم الأب ويرثه معتق الأم وعصبته خلافا لأبي
يوسف، والله أعلم.
فصل في ولاء الموالاة
(أسلم رجل) مكلف (على يد آخر ووالاه أو) والى (غيره)
الشرط كونه عجميا لا مسلما على ما مر وسيجيء (على أن يرثه) إذا مات (ويعقل
عنه) إذا جنى (صح) هذا العقد (وعقله عليه وإرثه له) وكذا لو شرط الإرث
من الجانبين.
(ولو والى صبي عاقل بإذن أبيه أو وصيه صح) لعدم
المانع (كما لو والى العبد بإذن سيده آخر) فإنه يصح ويكون وكيلا عن سيده بعقد
الموالاة (وأخر) إرثه (عن) إرث (ذي الرحم) لضعفه (وله النقل عنه
بمحضره إلى غيره إن لم يعقل عنه أو عن ولده، فإن عقل عنه أو عن ولده لا ينتقل)
لتأكيده (ولا يوالي معتق أحدا) للزوم ولاء العتاقة.
(امرأة
والت ثم ولدت) مجهول النسب (يتبعها المولود فيما عقدت) وكذا لو أقرت بعقد
الموالاة أو أنشأته والولد معها لأنه نفع محض في حق صغير لم يدر له أب.
(و)
عقد الموالاة (شرطه أن يكون حرا مجهول النسب) بأن لا ينسب إلى غيره أما نسبة
غيره إليه فغير مانع، عناية (و) الثاني: (أن لا يكون عربيا و)
الثالث: (أن لا يكون له ولاء عتاقة ولا ولاء موالاة مع أحد وقد عقل عنه)
والرابع: أن لا يكون عقل عنه بيت المال، والخامس: أن يشترط العقل والإرث،
وأما الإسلام فليس بشرط فتجوز موالاة المسلم الذمي وعكسه والذمي الذمي وإن أسلم
الأسفل لأن الموالاة كالوصية كما بسط في البدائع، وفي الوهبانية: ومعتق عبد عن
أبيه ولاؤه له وأبوه بالمشيئة يؤجر يعني أعتق عبده عن أبيه الميت، فالولاء له
والأجر للأب إن شاء الله تعالى من غير أن ينقص من أجر الابن شيء وكذا الصدقات
والدعوات لأبويه وكل مؤمن يكون الأجر لهم من غير أن ينقص من أجر الابن شيء
مضمرات.
كتاب الإكراه
(هو لغة حمل الإنسان على) شيء يكرهه وشرعا (فعل يوجد من
المكره فيحدث في المحل معنى يصير به مدفوعا إلى الفعل الذي طلب منه) وهو نوعان
تام وهو الملجئ بتلف نفس أو عضو أو ضرب مبرح وإلا فناقص وهو غير الملجئ.
(وشرطه) أربعة أمور: (قدرة المكره على إيقاع ما هدد به سلطانا أو لصا)
أو نحوه (و) الثاني (خوف المكره) بالفتح (إيقاعه) أي إيقاع ما هدد به
(في الحال) بغلبة ظنه ليصير ملجأ (و) الثالث: (كون الشيء المكره به
متلفا نفسا أو عضوا أو موجبا غما يعدم الرضا) وهذا أدنى مراتبه وهو يختلف
باختلاف الأشخاص فإن الأشراف يغمون بكلام خشن، والأراذل ربما لا يغمون إلا بالضرب
المبرح ابن كمال (و) الرابع: (كون المكره ممتنعا عما أكره عليه قبله)
إما (لحقه) كبيع ماله (أو لحق) شخص (آخر) كإتلاف مال الغير (أو لحق
الشرع) كشرب الخمر والزنا
(فلو أكره بقتل أو ضرب شديد) متلف لا
بسوط أو سوطين إلا على المذاكير والعين بزازية (أو حبس) أو قيد مديدين بخلاف
حبس يوم أو قيده أو ضرب غير شديد إلا لذي جاه درر (حتى باع أو اشترى أو أقر أو
آجر فسخ) ما عقد ولا يبطل حق الفسخ بموت أحدهما ولا بموت المشتري، ولا بالزيادة
المنفصلة، وتضمن بالتعدي وسيجيء أنه يسترد وإن تداولته الأيدي (أو أمضى) لأن
الإكراه الملجئ، وغير الملجئ يعدمان الرضا، والرضا شرط لصحة هذه العقود وكذا لصحة
الإقرار فلذا صار له حق الفسخ والإمضاء ثم إن تلك العقود نافذة عندنا (و)
حينئذ (يملكه المشتري إن قبض فيصح إعتاقه) وكذا كل تصرف لا يمكن نقضه
(ولزمه قيمته) وقت الإعتاق ولو معسرا، زاهدي لإتلافه بعقد فاسد.
(فإن
قبض ثمنه أو سلم) المبيع (طوعا) قيد للمذكورين (نفذ) يعني لزم لما مر
أن عقود المكره نافذة عندنا، والمعلق على الرضا والإجازة لزومه لإنفاذه إذ اللزوم
أمر وراء النفاذ كما حققه ابن الكمال. قلت: والضابط أن ما لا يصح مع الهزل
ينعقد فاسدا فله إبطاله وما يصح فيضمن الحامل كما سيجيء (وإن) (قبض)
الثمن (مكرها لا) يلزم (ورده) ولم يضمن إن هلك الثمن لأنه أمانة درر
(إن بقي) في يده لفساد العقد (لكنه يخالف البيع الفاسد في أربع صور يجوز
بالإجازة) القولية والفعلية (و) الثاني: أنه (ينقض تصرف المشتري منه)
وإن تداولته الأيدي (و) الثالث: (تعتبر القيمة وقت الإعتاق دون وقت القبض
و) الرابع: (الثمن والمثمن أمانة في يد المكره) لأخذه بإذن المشتري فلا
ضمان بلا تعد بخلافها في الفاسد بزازية.
(أمر السلطان إكراه وإن
لم يتوعده، وأمر غيره لا إلا أن يعلم المأمور بدلالة الحال أنه لو لم يمتثل أمره
يقتله أو يقطع يده أو يضربه ضربا يخاف على نفسه أو تلف عضوه) منية المفتي، وبه
يفتى. وفي البزازية: الزوج سلطان زوجته فيتحقق منه الإكراه.
(أكره
المحرم على قتل صيد فأبى حتى قتل كان مأجورا) عند الله تعالى أشباه.
(ولو
أكره البائع) على البيع (لا المشتري وهلك المبيع في يده ضمن قيمته للبائع)
بقبضه بعقد فاسد (و) البائع المكره (له أن يضمن أيا شاء) من المكره -
بالكسر - والمشتري (فإن ضمن المكره رجع على المشتري بقيمته، وإن ضمن المشتري
نفذ) يعني جاز لما مر (كل شراء بعده ولا ينفذ ما قبله) لو ضمن المشتري
الثاني مثلا لصيرورته ملكه فيجوز ما بعده لا ما قبله فيرجع المشتري الضامن بالثمن
على بائعه بخلاف ما إذا أجاز المالك أحد البياعات حيث يجوز الجميع ويأخذ الثمن من
المشتري الأول لزوال المانع بالإجازة.
(فإن أكره على أكل ميتة أو
دم أو لحم خنزير أو شرب خمر بإكراه) غير ملجئ (بحبس أو ضرب أو قيد لم يحل)
إذ لا ضرورة في إكراه غير ملجئ. نعم لا يحد للشرب للشبهة
(و) إن
أكره بملجئ (بقتل أو قطع) عضو أو ضرب مبرح ابن كمال (حل) الفعل بل فرض
(فإن صبر فقتل أثم) إلا إذا أراد مغايظة الكفار فلا بأس به وكذلك لو لم يعلم
الإباحة بالإكراه لا يأثم لخفائه فيعذر بالجهل، كالجهل بالخطاب في أول الإسلام أو
في دار الحرب (كما في المخمصة) كما قدمناه في الحج.
(و) إن
أكره (على الكفر) بالله تعالى أو سب النبي صلى الله عليه وسلم مجمع، وقدوري
(بقطع أو قتل رخص له أن يظهر ما أمر به) على لسانه، ويوري (وقلبه مطمئن
بالإيمان) ثم إن ورى لا يكفر وبانت امرأته قضاء لا ديانة وإن خطر بباله التورية
ولو يور كفر، وبانت ديانة وقضاء، نوازل، وجلالية (ويؤجر لو صبر) لتركه
الإجراء المحرم ومثله سائر حقوقه تعالى كإفساد صوم وصلاة وقتل صيد حرم أو في
إحرام وكل ما ثبتت فرضيته بالكتاب اختيار (ولم يرخص) الإجراء (بغيرهما)
بغير القطع والقتل يعني بغير الملجئ ابن كمال إذ التكلم بكلمة الكفر لا يحل
أبدا.
(ورخص له إتلاف مال مسلم) أو ذمي اختيار (بقتل أو
قطع) ويؤجر لو صبر ابن مالك (وضمن رب المال المكره) بالكسر لأن المكره -
بالفتح - كالآلة (لا) يرخص (قتله) أو سبه أو قطع عضوه وما لا يستباح بحال
اختيار.
(ويقاد في) القتل (العمد المكره) بالكسر لو مكلفا
على ما في المبسوط خلافا لما في النهاية (فقط) لأن القاتل كالآلة وأوجبه
الشافعي عليهما ونفاه أبو يوسف عنهما للشبهة
(ولو أكره على الزنا لا
يرخص له) لأن فيه قتل النفس بضياعها لكنه لا يحد استحسانا، بل يغرم المهر - ولو
طائعة - لأنهما لا يسقطان جميعا. شرح وهبانية (وفي جانب المرأة يرخص) لها
الزنا (بالإكراه الملجئ) لأن نسب الولد لا ينقطع فلم يكن في معنى القتل من
جانبها بخلاف الرجل (لا بغيره لكنه يسقط الحد في زناها لا زناه) لأنه لما لم
يكن الملجئ رخصة له لم يكن غير الملجئ شبهة له.
[فرع في حكم
اللواطة]
ظاهر تعليلهم أن حكم اللواطة كحكم المرأة لعدم الولد فترخص
بالملجئ إلا أن يفرق بكونها أشد حرمة من الزنا لأنها لم تبح بطريق ما ولكون قبحها
عقليا ولذا لا تكون في الجنة على الصحيح قاله المصنف.
(وصح نكاحه
وطلاقه وعتقه) لو بالقول لا بالفعل كشراء قريبه ابن كمال (ورجع بقيمة العبد
ونصف المسمى إن لم يطأ ونذره، ويمينه، وظهاره، ورجعته، وإيلاؤه وفيؤه فيه) أي
في الإيلاء بقول أو فعل (وإسلامه) ولو ذميا كما هو إطلاق كثير من المشايخ وما
في الخانية من التفصيل فقياس، والاستحسان صحته مطلقا فليحفظ. (بلا قتل لو
رجع) للشبهة، كما مر في باب المرتد (وتوكيله بطلاق وعتاق) وما في الأشباه
من خلافه فقياس والاستحسان وقوعه، والأصل عندنا أن كل ما يصح مع الهزل يصح مع
الإكراه لأن ما يصح مع الهزل لا يحتمل الفسخ وكل ما لا يحتمل الفسخ لا يؤثر فيه
الإكراه وعدها أبو الليث في خزانة الفقه ثمانية عشر وعديناها في باب الطلاق نظما
عشرين.
(لا) يصح مع الإكراه (إبراؤه مديونه أو) إبرائه
(كفيله) بنفس أو مال لأن البراءة لا تصح مع الهزل، وكذا لو أكره الشفيع أن
يسكت عن طلب الشفعة فسكت لا تبطل شفعته (و) لا (ردته) بلسانه وقلبه مطمئن
بالإيمان (فلا تبين زوجته) لأنه لا يكفر به والقول له استحسانا. قلت:
وقدمنا على النوازل خلافه فلعله قياس فتأمل.
(أكره القاضي رجلا
ليقر بسرقة أو بقتل رجل بعمد أو) ليقر (بقطع يد رجل بعمد فأقر بذلك فقطعت يده
أو قتل) على ما ذكر (إن كان المقر موصوفا بالصلاح اقتص من القاضي وإن متهما
بالسرقة معروفا بها وبالقتل لا) يقتص من القاضي استحسانا للشبهة خانية.
(قيل
له: إما أن تشرب هذا الشراب أو تبيع كرمك فهو إكراه إن كان شرابا لا يحل)
كالخمر (وإلا فلا) قنية قال: وكذا الزنا وسائر المحرمات.
(صادره
السلطان ولم يعين بيع ماله فباعه صح) لعدم تعينه، والحيلة أن يقول: من أين
أعطي ولا مال لي؟ فإذا قال الظالم: بع كذا فقد صار مكرها فيه بزازية.
(خوفها
الزوج بالضرب حتى وهبته مهرها لم تصح) الهبة (إن قدر الزوج على الضرب) وإن
هددها بطلاق أو تزوج عليها أو تسر فليس بإكراه خانية وفي مجمع الفتاوى: منع
امرأته المريضة عن المسير إلى أبويها إلا أن تهبه مهرها فوهبته بعض المهر فالهبة
باطلة، لأنها كالمكره. قلت: ويؤخذ منه جواب حادثة الفتوى: وهي زوج بنته
البكر من رجل فلما أرادت الزفاف منعها الأب إلا أن يشهد عليها أنها استوفت منه
ميراث أمها فأقرت ثم أذن لها بالزفاف فلا يصح إقرارها لكونها في معنى المكرهة وبه
أفتى أبو السعود مفتي الروم قاله المصنف في شرح منظومته تحفة الأقران في بحث
الهبة.
(المكره بأخذ المال لا يضمن) ما أخذه (إذا نوى)
الآخذ وقت الأخذ (أنه يرد على صاحبه وإلا يضمن وإذا اختلفا) أي المالك
والمكره (في النية فالقول للمكره مع يمينه) ولا يضمن مجتبى. وفيه المكره
على الأخذ والدفع إنما يبيعه ما دام حاضرا عنده المكره، وإلا لم يحل لزوال القدرة
والإلجاء بالبعد منه وبهذا تبين أنه لا عذر لأعوان الظلمة في الأخذ عند غيبة
الأمير أو رسوله فليحفظ.
[فروع]
أكره على أكل طعام
نفسه إن جائعا لا رجوع وإن شبعانا رجع بقيمته على المكره لحصول منفعة الأكل له في
الأول لا الثاني. قال أهل الحرب لنبي أخذوه: إن قلت لست بنبي تركناك وإلا
قتلناك لا يسعه قول ذلك وإن قيل لغير نبي: إن قلت هذا ليس بنبي تركنا نبيك وإن
قلت نبي قتلناه وسعه لامتناع الكذب على الأنبياء. قال حربي لرجل: إن دفعت
جاريتك لأزني بها دفعت لك ألف أسير لم يحل. أقر بعتق عبده مكرها لم يعتق في
الأصح، وهل الإكراه بأخذ المال معتبر شرعا؟ ظاهر القنية نعم وفي الوهبانية:
إن يقل المديون إني مرافع لتبرئ فالإكراه معنى مصور وصح قوله إني مرافع إلخ قد
غيرت بيت الوهبانية إلى قولي: وإن يقل المديون إن لم تهبه لي أرافعك فالإكراه
معنى مصور في الاستحسان إسلام مكره ولا قتل إن يرتد بعد ويجبر ا هـ منه.
كتاب
الحجر
(هو) لغة: المنع مطلقا وشرعا: (منع من نفاذ تصرف
قولي) لا فعلي لأن الفعل بعد وقوعه لا يمكن رده فلا يتصور الحجر عنه. قلت:
يشكل عليه الرقيق لمنع نفاذ فعله في الحال بل بعد العتق كما صرح به في البدائع
اللهم إلا أن يقال: الأصل فيه ذلك لكنه أخر لعتقه لقيام المانع فتأمل.
(وسببه صغر وجنون) يعم القوي والضعيف كما في المعتوه وحكمه كمميز كما سيجيء
في المأذون (ورق فلا يصح طلاق صبي ومجنون مغلوب) أي لا يفيق بحال وأما الذي
يجن ويفيق فحكمه كمميز نهاية (و) لا (إعتاقهما وإقرارهما) نظرا
لهما.
(وصح طلاق عبد وإقراره في حق نفسه فقط) لا سيده (فلو
أقر بمال أخر إلى عتقه) لو لغير مولاه ولو له هدر (وبحد وقود أقيم في
الحال) لبقائه على أصل الحرية في حقهما.
(ومن عقد) عقدا يدور
بين نفع وضر كما سيجيء في المأذون (منهم). من هؤلاء المحجورين (وهو
يعقله) يعرف أن البيع سالب للملك والشراء جالب (أجاز وإليه، أو رد) وإن لم
يعقله فباطل نهاية.
(وإن أتلفوا) أي هؤلاء المحجورين سواء عقلوا
أو لا درر (شيئا) مقوما من مال أو نفس (ضمنوا) إذ لا حجر في الفعلي لكن
ضمان العبد بعد العتق على ما مر. وفي الأشباه: الصبي المحجور مؤاخذ بأفعاله
فيضمن ما أتلفه من المال للحال وإذا قتل فالدية على عاقلته إلا في مسائل: لو
أتلف ما اقترضه وما أودع عنده بلا إذن وليه وما أعير له وما بيع منه بلا إذن
ويستثنى من إيداعه ما إذا أودع صبي محجور مثله - وهي ملك غيرهما - فللمالك تضمين
الدافع والآخذ.
(ولا يحجر حر مكلف بسفه) هو تبذير المال وتضييعه
على خلاف مقتضى الشرع أو العقل درر ولو في الخير كأن يصرفه في بناء المساجد ونحو
ذلك فيحجر عليه عندهما وتمامه في فوائد شتى في الأشباه (وفسق ودين) وغفلة
(بل) يمنع (مفت ماجن) يعلم الحيل الباطلة كتعليم الردة لتبين من زوجها أو
لتسقط عنها الزكاة (وطبيب جاهل ومكار مفلس وعندهما يحجر على الحر بالسفه و)
الغفلة و (به) أي بقولهما (يفتى) صيانة لماله وعلى قولهما المفتى به
(فيكون في أحكامه كصغير) ثم هذا الخلاف في تصرفات تحتمل الفسخ ويبطلها الهزل
وأما ما لا يحتمله ولا يبطله الهزل فلا يحجر عليه بالإجماع فلذا قال (إلا في
نكاح وطلاق وعتاق واستيلاد وتدبير ووجوب زكاة) وفطرة (وحج وعبادات وزوال
ولاية أبيه أو جده وفي صحة إقراره بالعقوبات وفي الإنفاق وفي صحة وصاياه بالقرب
من الثلث فهو) أي في هذه (كبالغ) وفي كفارة كعبد أشباه. والحاصل أن كل ما
يستوي فيه الهزل والجد ينفذ من المحجور وما لا فلا إلا بإذن القاضي خانية.
(فإن
بلغ) الصبي (غير رشيد لم يسلم إليه ماله حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة فصح تصرفه
قبله) أي قبل المقدار المذكور من المدة (وبعده يسلم إليه) وجوبا يعني لو
منعه منه بعد طلبه ضمن وقبل طلبه لا ضمان كما يفيده كلام المجتبى وغيره قاله
شيخنا (وإن لم يكن رشيدا) وقالا: لا يدفع حتى يؤنس رشده ولا يجوز تصرفه فيه
(والرشد) المذكور في قوله تعالى: {فإن آنستم منهم رشدا} (هو كونه
مصلحا في ماله فقط) ولو فاسقا قاله ابن عباس.
(والقاضي يحبس
الحر المديون ليبيع ماله لدينه وقضى دراهم دينه من دراهمه) يعني بلا أمره، وكذا
لو كان دنانير (وباع دنانيره بدراهم دينه وبالعكس استحسانا) لاتحادهما في
الثمنية (لا) يبيع القاضي (عرضه ولا عقاره) للدين (خلافا لهما وبه)
أي بقولهما ببيعهما للدين (يفتى) اختيار وصححه في تصحيح القدوري، ويبيع كل ما
لا يحتاجه في الحال ولو أقر بمال يلزمه بعد الديون ما لم يكن ثابتا ببينة أو علم
قاض فيزاحم الغرماء كمال استهلكه إذ لا حجر في الفعل كما مر..
(أفلس
ومعه عرض شراه فقبضه بالإذن) من بائعه ولم يؤد ثمنه (فباعه أسوة الغرماء)
في ثمنه (فإن أفلس قبل قبضه أو بعده) لكن (بغير إذن بائعه كان له
استرداده) وحبسه (بالثمن) وقال الشافعي: للبائع الفسخ.
(حجر
القاضي عليه ثم رفع إلى) قاض (آخر فأطلقه) وأجاز ما صنع المحجور كذا في
الخانية وهو ساقط من الدرر والمنح (جاز إطلاقه) وما صنع المحجور في ماله من
بيع أو شراء قبل إطلاق الثاني أو بعده كان جائزا لأن حجر الأول مجتهد فيه فيتوقف
على إمضاء قاض آخر.
[فروع في الحجر على الغائب]
يصح
الحجر على الغائب لكن لا ينحجر ما لم يعلم خانية، ولا يرتفع الحجر بالرشد بل
بإطلاق القاضي، ولو ادعى الرشد وادعى خصمه بقاءه على السفه وبرهنا ينبغي تقديم
بينة بقاء السفه أشباه، وفي الوهبانية: ومن يدعي إقراره قبل يحجر فمن يدعيه
وقته فهو أجدر ولو باع والقاضي أجاز وقال لا تؤد فما أداه من بعد يخسر.
فصل [في بلوغ الغلام بالاحتلام والإحبال والإنزال]
(بلوغ الغلام بالاحتلام والإحبال والإنزال) والأصل هو الإنزال
(والجارية بالاحتلام والحيض والحبل) ولم يذكر الإنزال صريحا لأنه قلما يعلم
منها (فإن لم يوجد فيهما) شيء (فحتى يتم لكل منهما خمس عشرة سنة به يفتى)
لقصر أعمار أهل زماننا (وأدنى مدته له اثنتا عشرة سنة ولها تسع سنين) هو
المختار كما في أحكام الصغار (فإن راهقا) بأن بلغا هذا السن (فقالا:
بلغنا؛ صدقا إن لم يكذبهما الظاهر) كذا قيده في العمادية وغيرها فبعد ثنتي عشرة
سنة يشترط شرط آخر لصحة إقراره بالبلوغ وهو أن يكون بحال يحتلم مثله وإلا لا يقبل
قوله شرح وهبانية (وهما) حينئذ (كبالغ حكما) فلا يقبل جحوده البلوغ بعد
إقراره مع احتمال حاله فلا تنقض قسمته ولا بيعه وفي الشرنبلالية: يقبل قول
المراهقين " قد بلغنا " مع تفسير كل بماذا بلغ بلا يمين. وفي الخزانة أقر
بالبلوغ فقبل اثنتي عشرة سنة لا تصح البينة وبعده تصح ا هـ.
كتاب المأذون
(الإذن) لغة: الإعلام وشرعا (فك الحجر) أي في التجارة لأن
الحجر لا ينفك عن العبد المأذون في غير باب التجارة ابن كمال (وإسقاط الحق)
المسقط هو المولى لو المأذون رقيقا والولي لو صبيا وعند زفر والشافعي هو توكيل
وإنابة (ثم يتصرف) العبد (لنفسه بأهليته فلا يتوقت) بوقت ولا يتخصص بنوع
تفريع على كونه إسقاطا (ولا يرجع بالعهدة على سيده) لفكه الحجر (فلو أذن
لعبده) تفريع على فك الحجر (يوما) أو شهرا (صار مأذونا مطلقا حتى يحجر
عليه)؛ لأن الإسقاطات لا تتوقت (ولم يتخصص بنوع فإذا أذن في نوع عم إذنه في
الأنواع كلها) لأنه فك الحجر لا توكيل. ثم اعلم أن الإذن بالتصرف النوعي إذن
بالتجارة وبالشخصي استخدام
(ويثبت) الإذن (دلالة فعبد رآه سيده
يبيع ملك أجنبي) فلو ملك مولاه لم يجز حتى يأذن بالنطق بزازية ودرر عن الخانية
لكن سوى بينهما الزيلعي وغيره وجزم بالتسوية ابن الكمال وصاحب الملتقى ورجحه في
الشرنبلالية بأن ما في المتون والشروح أولى بما في كتب الفتاوى فليحفظ.
(ويشتري) ما أراد (وسكت) السيد (مأذون) خبر المبتدأ إلا إذا كان
المولى قاضيا أشباه ولكن (لا) يكون مأذونا (في) بيع (ذلك الشيء) أو
شرائه فلا ينفذ على المولى بيع ذلك المتاع؛ لأنه يلزم أن يصير مأذونا قبل أن يصير
مأذونا وهو باطن. قلت: لكن قيده القهستاني معزيا للذخيرة بالبيع دون الشراء
من مال مولاه. أي فيصح فيه أيضا وعليه فيفتقر إلى الفرق والله تعالى
الموفق.
(و) يثبت (صريحا فلو أذن مطلقا) بلا قيد (صح كل
تجارة منه إجماعا) أما لو قيد فعندنا يعم خلافا للشافعي (فيبيع ويشتري ولو
بغبن فاحش) خلافا لهما (ويوكل بهما ويرهن ويرتهن ويعير الثوب والدابة)؛
لأنه من عادة التجار
(ويصالح عن قصاص وجب على عبده ويبيع من مولاه
بمثل القيمة و) أما (بأقل) منها ف (لا و) يبيع (مولاه منه بمثل
القيمة أو أقل وللمولى حبس المبيع لقبض ثمنه) من العبد (ويبطل الثمن) خلافا
لما صححه شارح المجمع معزيا للمحيط (لو سلم) المبيع (قبل قبضه)؛ لأنه لا
يجب له على عبده دين فخرج مجانا حتى لو كان الثمن عرضا لم يبطل لتعينه بالعقد،
وهذا كله لو المأذون مديونا وإلا لم يجز بينهما بيع نهاية (ولو باع المولى منه
بأكثر منه حط الزائد أو فسخ العقد) أي يؤمر السيد بأن يفعل واحدا منهما لحق
الغرماء (فيما كان من التجارة وتقبل الشهادة عليه) أي على العبد المأذون بحق
ما (وإن لم يحضر مولاه) ولو محجورا لا تقبل يعني لا تقبل على مولاه بل عليه
فيؤاخذ به بعد العتق ولو حضرا معا فإن الدعوى باستهلاك مال أو غصبه قضى على
المولى وإن باستهلاك وديعة أو بضاعة على المحجور تسمع على العبد. وقيل على
المولى ولو شهدوا على إقرار العبد بحق لم يقض على المولى مطلقا وتمامه في
العمادية
(ويأخذ الأرض إجارة ومساقاة ومزارعة ويشتري بذرا يزرعه)
ويؤاجر ويزارع (ويشارك عنانا) لا مفاوضة ويستأجر ويؤجر ولو نفسه ويقر بوديعة
وغصب ودين ولو عليه دين (لغير زوج وولد ووالد) وسيد فإن إقراره لهم بالدين
باطل عنده خلافا لهما درر ولو بعين صح إن لم يكن مديونا وهبانية
(ويهدي
طعاما يسيرا) بما لا يعد سرفا ومفاده أنه لا يهدي من غير المأكول أصلا ابن كمال
وجزم به ابن الشحنة والمحجور لا يهدي شيئا وعن الثاني: إذا دفع للمحجور قوت
يومه فدعا بعض رفقائه للأكل معه فلا بأس بخلاف ما لو دفع إليه قوت شهر، ولا بأس
للمرأة أن تتصدق من بيت سيدها أو زوجها باليسير كرغيف ونحوه ملتقى، ولو علم منه
عدم الرضا لم يجز (ويضيف من يطعمه) ويتخذ الضيافة اليسيرة بقدر ماله
(ويحط
من الثمن بعيب قدر ما يحط التجار) ويحابي ويؤجل مجتبى (ولا يتزوج) إلا بإذن
(ولا يتسرى) وإن أذن له المولى
(ولا يزوج رقيقه) وقال أبو
يوسف: يزوج الأمة (ولا يكاتبه) إلا أن يجيزه المولى ولا دين عليه وولاية
القبض للمولى (ولا يعتق بمال) إلا أن يجيزه المولى إلى آخر ما مر (ولا
بغيره ولا يقرض ولا يهب ولو بعوض ولا يكفل مطلقا) بنفس أو مال (ولا يصالح عن
قصاص وجب عليه ولا يعفو عن القصاص) ويصالح عن قصاص وجب على عبده خزانة الفقه
(وكل
دين وجب عليه بتجارة أو بما هو في معناها) أمثلة الأول (كبيع وشراء وإجارة
واستئجار و) أمثلة الثاني (غرم وديعة وغصب وأمانة جحدهما) عبارة الدرر
وغيرها جحدها بلا ميم فتنبه.
(وعقر وجب بوطء مشرية بعد
الاستحقاق) كل ذلك (يتعلق برقبته) كدين الاستهلاك والمهر ونفقة الزوجة
(يباع فيه) ولهم استسعاؤه أيضا زيلعي ومفاده أن زوجته لو اختارت استسعاءه
لنفقة كل يوم أن يكون لها ذلك أيضا بحر من النفقة (بحضرة مولاه) أو نائبه
لاحتمال أن يفديه بخلاف بيع الكسب، فإنه لا يحتاج لحضور المولى؛ لأن العبد خصم
فيه (ويقسم ثمنه بالحصص و) يتعلق (بكسب حصل قبل الدين أو بعده) ويتعلق
(بما وهب له وإن لم يحضر) مولاه هذا قيد للكسب والإنهاب لكن يشترط حضور
العبد؛ لأنه الخصم في كسبه، ثم إنما يبدأ بالكسب وعند عدمه يستوفى من الرقبة.
قلت: وأما الكسب الحاصل قبل الإذن فحق للمولى فله أخذه مطلقا. قال شيخنا:
ومفاده أنه لو اكتسب المحجور شيئا وأودعه عند آخر وهلك في يد المودع للمولى
تضمينه؛ لأنه كمودع الغاصب فتأمله (لا) يتعلق الدين (بما أخذه مولاه منه
قبل الدين وطولب) المأذون (بما بقي) من الدين زائدا عن كسبه وثمنه (بعد
عتقه) ولا يباع ثانيا.
(ولمولاه أخذ غلة مثله بوجود دينه وما
زاد للغرماء) يعني لو كان المولى يأخذ من العبد كل شهر عشرة دراهم مثلا قبل
لحوق الدين كان له أن يأخذها بعد لحوقه استحسانا؛ لأنه لو منع منها يحجر عليه
فينسد باب الاكتساب.
(وينحجر بحجره إن علم هو) نفسه لدفع الضرر
عنه (وأكثر أهل سوقه إن كان) الإذن (شائعا، أما إذا لم يعلم به) أي
بالإذن (إلا العبد) وحده (كفى في حجره علمه) به (فقط) ولا يشترط مع
ذلك علم أكثر أهل سوقه لانتفاء الضرر. وفي البزازية: باع عبده المأذون إن لم
يكن عليه دين صار محجورا عليه علم أهل سوقه ببيعه أم لا لصحة البيع وإن عليه دين
لا ما لم يقبضه المشتري لفساد البيع، وهل للغرماء فسخه إن ديونهم حالة؟ نعم إلا
إذا كان بالثمن وفاء أو أبرءوا العبد أو أدى المولى وتمامه في السراجية (وبموت
سيده وجنونه مطبقا ولحوقه) وكذا بجنون المأذون ولحوقه أيضا (بدار الحرب مرتدا
وإن لم يعلم أحد به)؛ لأنه موت حكما (و) ينحجر حكما (بإباقه) وإن لم
يعلم أحد كجنونه (ولو عاد منه) أو أفاق من جنونه (لم يعد الإذن) في
الصحيح زيلعي وقهستاني
(وباستيلادها) بأن ولدت منه فادعاه كان
حجرا دلالة ما لم يصرح بخلافه (لا) تنحجر (بالتدبير وضمن بهما قيمتهما)
فقط (للغرماء لو عليهما دين) محيط. (إقراره) مبتدأ (بعد حجره إن ما
معه أمانة أو غصب أو دين عليه) لآخر (صحيح) خبر (فيقبضه منه) وقال لا
يصح.
(أحاط دينه بماله ورقبته لم يملك سيده ما معه فلم يعتق عبد
من كسبه بتحرير مولاه) وقالا يملكه فيعتق وعليه قيمته موسرا ولو معسرا فلهم أن
يضمنوا العبد المعتق ثم يرجع على المولى ابن كمال (ولو اشترى ذا رحم محرم من
المولى لم يعتق) ولو ملكه لعتق (ولو أتلف المولى ما في يده من الرقيق ضمن)
ولو ملكه لم يضمن خلافا لهما بناء على ثبوت الملك وعدمه (وإن لم يحط) دينه
بماله ورقبته (صح تحريره) إجماعا
(و) صح (إعتاقه) حال كون
(المأذون مديونا) ولو بمحيط (وضمن المولى للغرماء الأقل من دينه وقيمته)
وإن شاءوا اتبعوا العبد بكل ديونهم وباتباع أحدهما لا يبرأ الآخر فهما ككفيل مع
مكفول عنه (وطولب بما بقي) من دينهم إذا لم تف به قيمته (بعد عتقه)
لتقرره في ذمته وصح تدبيره ولا ينحجر ويخير الغرماء كعتقه إلا أن من اختار أحد
الشيئين ليس له الرجوع شرح تكملة. وفي الهداية: ولو كان المأذون مدبرا أو أم
ولد لم يضمن قيمتهما؛ لأن حق الغرماء لم يتعلق برقبتهما؛ لأنهما لا يباعان
بالدين، ولو أعتقه المولى بإذن الغرماء فلهم تضمين مولاه زيلعي
(و)
المأذون (إن باعه سيده) بأقل من الديون (وغيبه المشتري) قيد به؛ لأن
الغرماء إذا قدروا على العبد كان لهم فسخ البيع كما مر (ضمن الغرماء البائع
قيمته) لتعديه (فإن رد) العبد (عليه بعيب قبل القبض) مطلقا أو بخيار
رؤية أو شرط (أو بعده بقضاء رجع) السيد (بقيمته على الغرماء وعاد حقهم في
العبد) لزوال المانع (وإن رد بعد القبض لا بقضاء فلا سبيل لهم على العبد
للمولى ولا لعبد على القيمة)؛ لأن الرد بالتراضي إقالة وهي بيع في حق غيرهما
(وإن فضل من دينهم شيء رجعوا به على العبد بعد الحرية) كما مر (أو ضمنوا
مشتريه) عطف على البائع أي إن شاءوا ضمنوا المشتري ويرجع المشتري بالثمن على
البائع (أو أجازوا البيع وأخذوا الثمن) لا قيمة العبد
(وإن
باعه) السيد (معلما بدينه) يعني مقرا به لا منكرا كما سيجيء لتحقق المخاصمة
ويسقط خيار المشتري لا الغرماء (فللغرماء رد البيع) إن لم يصل ثمنه إليهم؛
لأن قبضهم الثمن دليل الرضا للبيع إلا إذا كان فيه محاباة فإما أن ترفع أو ينقض
البيع ابن كمال وقال المصنف: هذا إذا كان الدين حالا وكان البيع بلا طلب
الغرماء والثمن لا يفي بدينهم وإلا فالبيع نافذ لزوال المانع (وإن غاب
المانع) وقد قبضه المشتري (فالمشتري ليس بخصم لهم) أو منكرا دينه خلافا
للثاني ولو مقرا فخصم كما مر (ولو بقلبه) بأن غاب المشتري والبائع حاضر
(فالحكم كذلك) أي لا خصومة (إجماعا) يعني حتى يحضر المشتري لكن لهم تضمين
البائع قيمته أو إجازة البيع وأخذ الثمن.
(عبد قدم مصرا وقال أنا
عبد فلان مأذون في التجارة فباع واشترى) فهو مأذون وحينئذ (لزمه كل شيء من
التجارة وكذا) الحكم (لو اشترى) العبد (وباع ساكتا عن إذنه وحجره) كان
مأذونا استحسانا لضرورة التعامل وأمر المسلم محمول على الصلاح فيحمل عليه ضرورة
شرح الجامع ومفاده تقييد المسألة بالمسلم ابن كمال (و) لكن (لا يباع
لدينه) إذا لم يف كسبه (إلا إذا أقر مولاه به) أي بالإذن أو أثبته الغريم
بالبينة
(وتصرف الصبي والمعتوه) الذي يعقل البيع والشراء (إن
كان نافعا) محضا (كالإسلام والاتهاب صح بلا إذن وإن ضارا كالطلاق والعتاق)
والصدقة والقرض (لا وإن أذن به وليهما وما تردد) من العقود (بين نفع وضرر
كالبيع والشراء توقف على الإذن) حتى لو بلغ فأجازه نفذ (فإن أذن لهما الولي
فهما في شراء وبيع كعبد مأذون) في كل أحكامه. (والشرط) لصحة الإذن (أن
يعقلا البيع سالبا للملك) عن البائع (والشراء جالبا له) زاد الزيلعي: وأن
يقصد الربح ويعرف الغبن اليسير من الفاحش وهو ظاهر
(ووليه أبوه ثم
وصيه) بعد موته ثم وصي وصيه كما في القهستاني عن العمادية (ثم) بعدهم
(جده) الصحيح وإن علا (ثم وصيه) ثم وصي وصيه قهستاني زاد القهستاني
والزيلعي ثم الوالي بالطريق الأولى (ثم القاضي أو وصيه) أيهما تصرف يصح فلذا
لم يصح ثم (دون الأم أو وصيها) هذا في المال بخلاف النكاح كما مر في
بابه.
(رأى القاضي الصبي أو المعتوه أو عبدهما) أو عبد نفسه كما
مر (يبيع ويشتري فسكت لا يكون) سكوته (إذنا في التجارة و) القاضي (له
أن يأذن لليتيم والمعتوه إذا لم يكن له ولي ولعبدهما إذا كان لكل واحد منهما)
من الصبي والمعتوه (ولي وامتنع) الولي من (الإذن عند طلب ذلك منه) أي من
القاضي زيلعي. قلت: وفي البرجندي عن الخزانة لو أبى أبوه أو وصيه صح إذن
القاضي له زاد شارح الوهبانية ولا ينحجر بعد ذلك أصلا؛ لأنه حكم إلا بحجر قاض آخر
فتدبر.
[فروع]
لو أقر الإنسان بما معهما من كسب أو
إرث صح على الظاهر كمأذون درر.
المأذون لا يكون مأذونا قبل العلم به
إلا في مسألة ما إذا قال بايعوا عبدي فإني أذنت له فبايعوه وهو لا يعلم صار
مأذونا، بخلاف قوله بايعوا ابني الصغير لا يصح الإذن للآبق والمغصوب المجحود ولا
بينة، ولا يصير محجورا بما على الصحيح أشباه وفي الوهبانية: ولو أذن القاضي
لطفل وقد أبى أبوه يصح الإذن منه فيتجر وضمن يعقوب الصغير وديعة وتحليفه يفتى به
حيث ينكر ولو رهن المحجور أو باع أو شرى وجوزه المولى فما يتغير لتوقف تصرف
المحجور على الإجازة فلو لم يجز بل أذن له في التجارة فأجازها العبد جاز استحسانا
ولو لم يأذن له فأعتقه فأجازها لم تصح إجازته قال وكذا الصبي المميز. قلت:
ولا يخفى أن ما هو تبرع ابتداء ضار فلا يصح بإذن ولي الصغير كالقرض انتهى، والله
أعلم.