الكتاب: الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار
المؤلف: محمد بن علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن الحنفي الحصكفي (ت ١٠٨٨ هـ)
التصنيف الفرعي للكتاب: الفقه علي المذهب الحنفي
المحتويات
- كتاب الحظر والإباحة
- فصل في اللبس
- فصل في النظر والمس
- باب الاستبراء وغيره
- فصل في البيع
- كتاب إحياء الموات
- فصل الشرب
- كتاب الأشربة
- كتاب الصيد
- كتاب الرهن
- باب ما يجوز ارتهانه وما لا يجوز
- باب الرهن يوضع على يد عدل
- باب التصرف في الرهن والجناية عليه وجنايته
- فصل في مسائل متفرقة
- العودة الي الكتاب الدر المختار في شرح تنوير الأبصار
كتاب الحظر والإباحة
مناسبته ظاهرة. والحظر لغة: المنع والحبس. وشرعا: ما منع من
استعماله شرعا، والمحظور ضد المباح، والمباح ما أجيز للمكلفين فعله وتركه بلا
استحقاق ثواب وعقاب، نعم يحاسب عليه حسابا يسيرا اختيار. (كل مكروه) أي
كراهة تحريم (حرام) أي كالحرام في العقوبة بالنار (عند محمد) وأما
المكروه كراهة تنزيه فإلى الحل أقرب اتفاقا (وعندهما) وهو الصحيح المختار،
ومثله البدعة والشبهة (إلى الحرام أقرب) فالمكروه تحريما (نسبته إلى الحرام
كنسبة الواجب إلى الفرض) فيثبت بما يثبت به الواجب يعني بظني الثبوت، ويأثم
بارتكابه كما يأثم بترك الواجب، ومثله السنة المؤكدة. وفي الزيلعي في بحث حرمة
الخيل: القريب من الحرام ما تعلق به محذور دون استحقاق العقوبة بالنار، بل
العتاب كترك السنة المؤكدة، فإنه لا يتعلق به عقوبة النار، ولكن يتعلق به الحرمان
عن شفاعة النبي المختار صلى الله عليه وسلم لحديث: «من ترك سنتي لم ينل شفاعتي»
فترك السنة المؤكدة قريب من الحرام، وليس بحرام ا هـ.
(الأكل)
للغذاء والشرب للعطش ولو من حرام أو ميتة أو مال غيره وإن ضمنه (فرض) يثاب
عليه بحكم الحديث، ولكن (مقدار ما يدفع) الإنسان (الهلاك عن نفسه) ومأجور
عليه (و) هو مقدار ما (يتمكن به من الصلاة قائما و) من (صومه) مفاده
جواز تقليل الأكل بحيث يضعف عن الفرض، لكنه لم يجز كما في الملتقى وغيره.
قلت: وفي المبتغى بالغين: الفرض بقدر ما يندفع به الهلاك ويمكن معه الصلاة
قائما ا هـ فتنبه.
(ومباح إلى الشبع لتزيد قوته، وحرام) عبر في
الخانية بيكره (وهو ما فوقه) أي الشبع وهو أكل طعام غلب على ظنه أنه أفسد
معدته، وكذا في الشرب قهستاني (إلا أن يقصد قوة صوم الغد أو لئلا يستحي ضيفه)
أو نحو ذلك، ولا تجوز الرياضة بتقليل الأكل حتى يضعف عن أداء العبادة، ولا بأس
بأنواع الفواكه وتركه أفضل. واتخاذ الأطعمة سرف، وكذا وضع الخبز فوق الحاجة.
و سنة الأكل البسملة أوله والحمد له آخره، وغسل اليدين قبله وبعده، ويبدأ بالشباب
قبله وبالشيوخ بعده ملتقى.
(وكره لحم الأتان) أي الحمارة
الأهلية خلافا لمالك (ولبنها و) لبن (الجلالة) التي تأكل العذرة (و)
لبن (الرمكة) أي الفرس وبول الإبل، وأجازه أبو يوسف للتداوي (و) كره
(لحمهما) أي لحم الجلالة والرمكة، وتحبس الجلالة حتى يذهب نتن لحمها. وقدر
بثلاثة أيام لدجاجة وأربعة لشاة، وعشرة لإبل وبقر على الأظهر. ولو أكلت النجاسة
وغيرها بحيث لم ينتن لحمها حلت كما حل أكل جدي غذي بلبن خنزير لأن لحمه لا يتغير،
وما غذي به يصير مستهلكا لا يبقى له أثر.
(ولو سقي ما يؤكل لحمه
خمرا فذبح من ساعته حل أكله ويكره) زيلعي وصيد وشرح ووهبانية.
(و)
كره (الأكل والشرب والادهان والتطيب من إناء ذهب وفضة للرجل والمرأة) لإطلاق
الحديث (وكذا) يكره (الأكل بملعقة الفضة والذهب والاكتحال بميلهما) وما
أشبه ذلك من الاستعمال كمكحلة ومرآة وقلم ودواة ونحوها؛ يعني إذا استعملت ابتداء
فيما صنعت له بحسب متعارف الناس وإلا فلا كراهة حتى لو نقل الطعام من إناء الذهب
إلى موضع آخر أو صب الماء أو الدهن في كفه لا على رأسه ابتداء ثم استعمله لا بأس
به مجتبى وغيره، وهو ما حرره في الدرر فليحفظ، واستثنى القهستاني وغيره استعمال
البيضة والجوشن والساعدان منهما في الحرب للضرورة وهذا فيما يرجع للبدن وأما
لغيره تجملا بأوان متخذة من ذهب أو فضة وسرير كذلك وفرش عليه من ديباج ونحوه فلا
بأس به بل فعله السلف خلاصة حتى أباح أبو حنيفة توسد الديباج والنوم عليه كما
يأتي ويكره الأكل في نحاس أو صفر والأفضل الخزف قال صلى الله عليه وسلم: «من
اتخذ أواني بيته خزفا زارته الملائكة» اختيار. (لا) يكره ما ذكر (من)
إناء (رصاص وزجاج وبلور وعقيق) خلافا للشافعي
(وحل الشرب من
إناء مفضض) أي مزوق بالفضة (والركوب على سرج مفضض والجلوس على كرسي مفضض)
ولكن بشرط أن (يتقى) أي يجتنب (موضع الفضة) بفم قيل ويد وجلوس سرج ونحوه
وكذا الإناء المضبب بذهب أو فضة والكرسي المضبب بها وحلية مرآة ومصحف بها (كما
لو جله) أي التفضيض (في نصل سيف وسكين أو في قبضتهما أو لجام أو ركاب ولم يضع
يده موضع الذهب والفضة) وكذا كتابه الثوب بذهب أو فضة، وفي المجتبى: لا بأس
بالسكين المفضض والمحابر والركاب وعن الثاني يكره الكل والخلاف في المفضض أما
المطلي فلا بأس به بالإجماع بلا فرق بين لجام وركاب وغيرهما لأن الطلاء مستهلك لا
يخلص فلا عبرة للونه عيني وغيره
(ويقبل قول كافر) ولو مجوسيا
(قال اشتريت اللحم من كتابي فيحل أو قال) اشتريته (من مجوسي فيحرم) ولا
يرده بقول الواحد وأصله أن خبر الكافر مقبول بالإجماع في المعاملات لا في
الديانات وعليه يحمل قول الكنز ويقبل قول الكافر في الحل والحرمة يعني الحاصلين
في ضمن المعاملات لا مطلق الحل والحرمة كما توهمه الزيلعي (و) يقبل قول
(المملوك) ولو أنثى (والصبي في الهدية) سواء أخبر بإهداء المولى غيره أو
نفسه (والإذن) سواء كان بالتجارة أو بدخول الدار مثلا وقيده في السراج بما
إذا غلب على رأيه صدقهم فلو شرى صغير نحو صابون وأشنان لا بأس ببيعه ولو نحو زبيب
وحلوى لا ينبغي بيعه لأن الظاهر كذبه وتمامه فيه (و) يقبل قول الفاسق والكافر
والعبد في (المعاملات) لكثرة وقوعها (كما إذا أخبر أنه وكيل فلان في بيع
كذا فيجوز الشراء منه) إن غلب على الرأي صدقه كما مر وسيجيء آخر الحظر.
(وشرط
العدالة في الديانات) هي التي بين العبد والرب (كالخبر عن نجاسة الماء
فيتيمم) ولا يتوضأ (إن أخبر بها مسلم عدل) منزجر عما يعتقد حرمته (ولو
عبدا) أو أمة (ويتحرى في) خبر (الفاسق) بنجاسة الماء (و) خبر
(المستور ثم يعمل بغالب ظنه، ولو أراق الماء فتيمم فيما إذا غلب على رأيه صدقه
وتوضأ وتيمم فيما إذا غلب) على رأيه (كذبه كان أحوط) وفي الجوهرة: وتيممه
بعد الوضوء أحوط. قلت: وأما الكافر إذا غلب صدقه على كذبه فإراقته أحب
قهستاني وخلاصة وخانية. قلت: لكن لو تيمم قبل إراقته لم يجز تيممه بخلاف خبر
الفاسق لصلاحيته ملزما في الجملة بخلاف الكافر ولو أخبر عدل بطهارته وعدل بنجاسته
حكم بطهارته بخلاف الذبيحة وتعتبر الغلبة في أوان طاهرة ونجسة وذكية وميتة، فإن
الأغلب طاهرا تحرى وبالعكس والسواء لا إلا لعطش وفي الثياب يتحرى مطلقا
(دعي
إلى وليمة وثمة لعب أو غناء قعد وأكل) لو المنكر في المنزل، فلو على المائدة لا
ينبغي أن يقعد بل يخرج معرضا لقوله تعالى: -: {فلا تقعد بعد الذكرى مع
القوم الظالمين} - (فإن قدر على المنع فعل وإلا) يقدر (صبر إن لم يكن ممن
يقتدى به فإن كان) مقتدى (ولم يقدر على المنع خرج ولم يقعد) لأن فيه شين
الدين والمحكي عن الإمام كان قبل أن يصير مقتدى به (وإن علم أولا) باللعب
(لا يحضر أصلا) سواء كان ممن يقتدى به أو لا لأن حق الدعوة إنما يلزمه بعد
الحضور لا قبله ابن كمال. وفي السراج ودلت المسألة أن الملاهي كلها حرام ويدخل
عليهم بلا إذنهم لإنكار المنكر قال ابن مسعود صوت اللهو والغناء ينبت النفاق في
القلب كما ينبت الماء النبات. قلت: وفي البزازية استماع صوت الملاهي كضرب قصب
ونحوه حرام لقوله عليه الصلاة والسلام: «استماع الملاهي معصية والجلوس عليها
فسق والتلذذ بها كفر» أي بالنعمة فصرف الجوارح إلى غير ما خلق لأجله كفر بالنعمة
لا شكر فالواجب كل الواجب أن يجتنب كي لا يسمع لما روي: «أنه عليه الصلاة
والسلام أدخل أصبعه في أذنه عند سماعه» وأشعار العرب لو فيها ذكر الفسق تكره ا هـ
أو لتغليظ الذنب كما في الاختيار أو للاستحلال كما في النهاية. [فائدة] ومن
ذلك ضرب النوبة للتفاخر، فلو للتنبيه فلا بأس به كما إذا ضرب في ثلاثة أوقات
لتذكير ثلاث نفخات الصور لمناسبة بينهما فبعد العصر للإشارة إلى نفخة الفزع، وبعد
العشاء إلى نفخة الموت وبعد نصف الليل إلى نفخة البعث وتمامه فيما علقته على
الملتقى والله أعلم.
فصل في اللبس
(يحرم لبس الحرير
ولو بحائل) بينه وبين بدنه (على المذهب) الصحيح وعن الإمام إنما يحرم إذا
مس الجلد. قال في القنية: وهي رخصة عظيمة في موضع عمت به البلوى (أو في
الحرب) فإنه يحرم أيضا عنده. وقالا يحل في الحرب (على الرجل لا المرأة إلا
قدر أربع أصابع) كأعلام الثوب (مضمومة) وقيل منشورة وقيل بين بين وظاهر
المذهب عدم جمع المتفرق ولو في عمامة كما بسط في القنية وفيها عمامة طرزها قدر
أربع أصابع من إبريسم من أصابع عمر رضي الله عنه وذلك قيس شبرنا يرخص فيه (وكذا
المنسوج بذهب إذا كان هذا المقدار) أربع أصابع (وإلا لا) يحل للرجل
زيلعي. وفي المجتبى: العلم في العمامة في موضعين أو أكثر يجمع، وقيل لا وفيه
وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى عمامة عليها علم من قصب فضة قدر ثلاث أصابع لا بأس
ومن ذهب يكره وقيل لا يكره وفيه تكره الجبة المكفوفة بالحرير. قلت: وبهذا ثبت
كراهة ما اعتاده أهل زماننا من القمص البصرية وفيه المرخص العلم في عرض الثوب.
قلت: ومفاده أن القليل في طوله يكره ا هـ قال المصنف: وبه جزم منلا خسرو وصدر
الشريعة لكن إطلاق الهداية وغيرها يخالفه. وفي السراج عن السير الكبير: العلم
حلال مطلقا صغيرا كان أو كبيرا قال المصنف: وهو مخالف لما مر من التقييد بأربع
أصابع وفيه رخصة عظيمة لمن ابتلي به في زماننا ا هـ. قلت: قال شيخنا وأظن أنه
الراية وما يعقد على الرمح فإنه حلال ولو كبيرا لأنه ليس بلبس وبه يحصل
التوفيق
(ولا بأس بكلة الديباج) هو ما سداه ولحمته إبريسم شرح
وهبانية (للرجال) الكلة بالكسر البشخانة والناموسية لأنه ليس يلبس ونظمه شارح
الوهبانية فقال: وفي كلة الديباج فالنوم جائز وفي قنية والمنتقى ذا مسطر
(وتكره
التكة منه) أي من الديباج هو الصحيح وقيل لا بأس بها (وكذا) تكره
(القلنسوة وإن كانت تحت العمامة والكيس الذي يعلق) قنية.
(واختلف
في عصب الجراحة به) أي بالحرير كذا في المجتبى وفيه أن له أن يزين بيته
بالديباج ويتجمل بأوان ذهب وفضة بلا تفاخر وفي القنية يحسن للفقهاء لف عمامة
طويلة ولبس ثياب واسعة وفيها لا بأس بشد خمار أسود على عينيه من إبريسم لعذر قلت
ومنه الرمد وفي شرح الوهبانية عن المنتقى لا بأس بعروة القميص وزره من الحرير
لأنه تبع وفي التتارخانية عن السير الكبير لا بأس بأزرار الديباج والذهب وفيها عن
مختصر الطحاوي لا يكره علم الثوب من الفضة ويكره من الذهب قالوا وهذا مشكل فقد
رخص الشرع في الكفاف والكفاف قد يكون الذهب
(ويحل توسده وافتراشه)
والنوم عليه وقالا والشافعي ومالك حرام وهو الصحيح كما في المواهب قلت فليحفظ هذا
لكنه خلاف المشهور وأما جعله دثارا أو إزارا فإنه يكره بالإجماع سراج وأما الجلوس
على الفضة فحرام بالإجماع شرح مجمع.
(و) يحل (لبس ما سداه
إبريسم ولحمته غيره) ككتان وقطن وخز لأن الثوب إنما يصير ثوبا بالنسج والنسج
باللحمة فكانت هي المعتبرة دون السدى. قلت: وفي الشرنبلالية عن المواهب يكره
ما سداه ظاهر كالعتابي وقيل لا يكره ونحوه في الاختيار. قلت: ولا يخفى أن
المرجح اعتبار اللحمة كما يعلم من العزمية بل في المجتبى أن أكثر المشايخ أفتوا
بخلافه وفي شرح المجمع الخز صوف غنم البحر ا هـ. قلت: وهذا كان في زمانهم
وأما الآن فمن الحرير وحينئذ فيحرم برجندي وتتارخانية فليحفظ. (و) حل
(عكسه في الحرب فقط) لو صفيقا يحصل به اتقاء العدو فلو رقيقا حرم بالإجماع
لعدم الفائدة سراج وأما خالصه فيكره فيها عنده خلافا لهما ملتقى. قلت: ولم أر
ما لو خلطت اللحمة بإبريسم وغيره والظاهر اعتبار الغالب وفي حاوي الزاهدي: يكره
ما كان ظاهره قز أو خط منه خز وخط منه قز وظاهر المذهب عدم جمع المتفرق إلا إذا
كان خط منه قز وخط منه غيره بحيث يرى كله قزا فأما إذا كان كل واحد مستبينا
كالطراز في العمامة فظاهر المذهب أنه لا يجمع ا هـ وأقره شيخنا. قلت: وقد
علمت أن العبرة للحمة لا للظاهر على الظاهر فافهم
(وكره لبس المعصفر
والمزعفر الأحمر والأصفر للرجال) مفاده أنه لا يكره للنساء (ولا بأس بسائر
الألوان) وفي المجتبى والقهستاني وشرح النقاية لأبي المكارم: لا بأس بلبس
الثوب الأحمر ا هـ. ومفاده أن الكراهة تنزيهية لكن صرح في التحفة بالحرمة فأفاد
أنها تحريمية وهي المحمل عند الإطلاق قاله المصنف. قلت: وللشرنبلالي فيه
رسالة نقل فيها ثمانية أقوال منها: أنه مستحب
(ولا يتحلى) الرجل
(بذهب وفضة) مطلقا (إلا بخاتم ومنطقة وجلية سيف منها) أي الفضة إذا لم
يرد به التزين. وفي المجتبى: لا يحل استعمال منطقة وسطها من ديباج وقيل يحل
إذا لم يبلغ عرضها أربع أصابع وفيها بعد سبع ورق ولا يكره في المنطقة حلقة حديد
أو نحاس وعظم وسيجيء حكم لبس اللؤلؤ (ولا يتختم) إلا بالفضة لحصول الاستغناء
بها فيحرم (بغيرها كحجر) وصحح السرخسي جواز اليشب والعقيق وعمم منلا خسرو
(وذهب وحديد وصفر) ورصاص وزجاج وغيرها لما مر فإذا ثبت كراهة لبسها للتختم
ثبت كراهة بيعها وصيغها لما فيه من الإعانة على ما لا يجوز وكل ما أدى إلى ما لا
يجوز لا يجوز وتمامه في شرح الوهبانية (والعبرة بالحلقة) من الفضة (لا
بالفص) فيجوز من حجر وعقيق وياقوت وغيرها وحل مسمار الذهب في حجر الفص ويجعله
لبطن كفه في يده اليسرى وقيل اليمنى إلا أنه من شعار الروافض فيجب التحرز عنه
قهستاني وغيره. قلت: ولعله كان وبان فتبصر وينقشه اسمه أو اسم الله تعالى لا
تمثال إنسان أو طير ولا محمد رسول الله ولا يزيده على مثقال
(وترك
التختم لغير السلطان والقاضي) وذي حاجة إليه كمتول (أفضل)
(ولا
يشد سنه) المتحرك (بذهب بل بفضة) وجوزهما محمد (ويتخذ أنفا منه) لأن
الفضة تنتنه
(وكره إلباس الصبي ذهبا أو حريرا) فإن ما حرم لبسه
وشربه حرم إلباسه وإشرابه (لا) يكره (خرقة لوضوء) بالفتح بقية بلله (أو
مخاط) أو عرق لو لحاجة ولو للتكبر تكره (و) لا (الرتيمة) هي خيط يربط
بأصبع أو خاتم لتذكر الشيء والحاصل أن كل ما فعل تجبرا كره وما فعل لحاجة لا،
عناية. [فرع في التميمة المكروهة]
في المجتبى: التميمة
المكروهة ما كان بغير العربية.
فصل في النظر والمس
(وينظر
الرجل من الرجل) ومن غلام بلغ حد الشهوة مجتبى ولو أمرد صبيح الوجه وقد مر في
الصلاة والأولى تنكير الرجل لئلا يتوهم أن الأول عين الثاني؛ وكذا الكلام فيما
بعد قهستاني. قلت: وقرينة المقام تكفي فتدبر، ثم نقل عن الزاهدي أنه لو نظر
لعورة غيره بإذنه لم يأثم. قلت: وفيه نظر ظاهر بل لفظ الزاهدي نظر لعورة غيره
وهي غير بادية لم يأثم انتهى فليحفظ. (سوى ما بين سرته إلى ما تحت ركبته)
فالركبة عورة لا السرة.
(ومن عرسه وأمته الحلال) له وطؤها فخرج
المجوسية والمكاتبة والمشركة ومنكوحة الغير والمحرمة برضاع أو مصاهرة فحكمها
كالأجنبية مجتبى. ويشكل بالمفضاة فإنه لا يحل له وطؤها وينظر إليها قهستاني.
قلت: وقد يجاب بأنه أغلبي (إلى فرجها) بشهوة وغيرها والأولى تركه لأنه يورث
النسيان
(ومن محرمه) هي من لا يحل له نكاحها أبدا بنسب أو سبب ولو
بزنا (إلى الرأس والوجه والصدر والساق والعضد إن أمن شهوته) وشهوتها أيضا
ذكره في الهداية فمن قصره على الأول فقد قصر ابن كمال (وإلا لا، لا إلى الظهر
والبطن) خلافا للشافعي (والفخذ) وأصله قوله تعالى -: {ولا يبدين زينتهن
إلا لبعولتهن} - الآية وتلك المذكورات مواضع الزينة بخلاف الظهر ونحوه (وحكم
أمة غيره) ولو مدبرة أو أم ولد (كذلك) فينظر إليها كمحرمه
(وما
حل نظره) مما مر من ذكر أو أنثى (حل لمسه) إذا أمن الشهوة على نفسه
وعليها: «لأنه عليه الصلاة والسلام كان يقبل رأس فاطمة» وقال عليه الصلاة
والسلام: «من قبل رجل أمه فكأنما قبل عتبة الجنة» وإن لم يأمن ذلك أو شك، فلا
يحل له النظر والمس كشف الحقائق لابن سلطان والمجتبى (إلا من أجنبية) فلا يحل
مس وجهها وكفها وإن أمن الشهوة؛ لأنه أغلظ ولذا تثبت به حرمة المصاهرة وهذا في
الشابة، أما العجوز التي لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها إذا أمن، ومتى جاز
المس جاز سفره بها ويخلو إذا أمن عليه وعليها وإلا لا وفي الأشباه: الخلوة
بالأجنبية حرام إلا لملازمة مديونة هربت ودخلت خربة أو كانت عجوزا شوهاء أو
بحائل، والخلوة بالمحرم مباحة إلا الأخت رضاعا، والصهرة الشابة وفي الشرنبلالية
معزيا للجوهرة: ولا يكلم الأجنبية إلا عجوزا عطست أو سلمت فيشمتها لا يرد
السلام عليها وإلا لا انتهى، وبه بان أن لفظه لا في نقل القهستاني، ويكلمها بما
لا يحتاج إليه زائدة فتنبه.
(وله مس ذلك) أي ما حل نظره (إذا
أراد الشراء وإن خاف شهوته) للضرورة وقيل لا في زماننا وبه جزم في الاختيار
(وأمة بلغت حد الشهوة لا تعرض) على البيع (في إزار واحد) يستر ما بين
السرة والركبة لأن ظهرها وبطنها عورة.
(و) ينظر (من
الأجنبية) ولو كافرة مجتبى (إلى وجهها وكفيها فقط) للضرورة قيل والقدم
والذراع إذا أجرت نفسها للخبز تتارخانية. (وعبدها كالأجنبي معها) فينظر
لوجهها وكفيها فقط. نعم يدخل عليها بلا إذنها إجماعا، ولا يسافر بها إجماعا
خلاصة وعند الشافعي ومالك ينظر كمحرمه (فإن خاف الشهوة) أو شك (امتنع نظره
إلى وجهها) فحل النظر مقيد بعدم الشهوة وإلا فحرام وهذا في زمانهم، وأما في
زماننا فمنع من الشابة قهستاني وغيره (إلا) النظر لا المس (لحاجة) كقاض
وشاهد يحكم (ويشهد عليها) لف ونشر مرتب لا لتتحمل الشهادة في الأصح (وكذا
مريد نكاحها) ولو عن شهوة بنية السنة لا قضاء الشهوة.
(وشرائها
ومداواتها ينظر) الطبيب (إلى موضع مرضها بقدر الضرورة) إذ الضرورات تتقدر
بقدرها وكذا نظر قابلة وختان وينبغي أن يعلم امرأة تداويها لأن نظر الجنس إلى
الجنس أخف.
(وتنظر المرأة المسلمة من المرأة كالرجل من الرجل)
وقيل كالرجل لمحرمه والأول أصح سراج (وكذا) تنظر المرأة (من الرجل) كنظر
الرجل للرجل (إن أمنت شهوتها) فلو لم تأمن أو خافت أو شكت حرم استحسانا
كالرجل هو الصحيح في الفصلين تتارخانية معزيا للمضمرات (والذمية كالرجل الأجنبي
في الأصح فلا تنظر إلى بدن المسلمة) مجتبى.
(وكل عضو لا يجوز
النظر إليه قبل الانفصال لا يجوز بعده) ولو بعد الموت كشعر عانة وشعر رأسها
وعظم ذراع حرة ميتة وساقها وقلامة ظفر رجلها دون يدها مجتبى وفيه النظر إلى ملاءة
الأجنبية بشهوة حرام وفي اختيار ووصل الشعر بشعر الآدمي حرام سواء كان شعرها أو
شعر غيرها لقوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة
والمستوشمة والواشرة والمستوشرة والنامصة والمتنمصة» النامصة التي تنتف الشعر من
الوجه والمتنمصة التي يفعل بها ذلك
(والخصي والمجبوب والمخنث في
النظر إلى الأجنبية كالفحل) وقيل لا بأس بمجبوب جف ماؤه لكن في الكبرى أن من
جوزه فمن قلة التجربة والديانة. (وجاز عزله عن أمته بغير إذنها وعن عرسه
به) أي بإذن حرة أو مولى أمة وقيل يجوز بدونه لفساد الزمان ذكره ابن
سلطان.
باب الاستبراء وغيره
(من) ملك استمتاع
(أمة) بنوع من أنواع الملك كشراء وإرث سبي ودفع جناية وفسخ بيع بعد القبض
ونحوها وقيدت بالاستمتاع ليخرج شراء الزوجة كما سيجيء (ولو بكرا أو مشرية من
عبد أو امرأة) ولو عبده كمكاتبه ومأذونه لو مستغرقا بالدين وإلا لا استبراء
(أو) من (محرمها) غير رحمها كي لا تعتق عليه (أو من مال صبي) ولو
طفله (حرم عليه وطؤها و) كذا (دواعيه) في الأصح لاحتمال وقوعها في غير
ملكه بظهورها حبلى (حتى يستبرئها بحيضة فيمن تحيض وبشهر في ذات أشهر) وهي
صغيرة وآيسة ومنقطعة حيض ولو حاضت فيه بطل الاستبراء بالأيام ولو ارتفع حيضها بأن
صارت ممتدة الطهر وهي ممن تحيض استبرأها بشهرين وخمسة أيام عند محمد وبه يفتى
والمستحاضة يدعها من أول الشهر عشرة أيام برجندي وغيره فليحفظ (ويوضع الحمل في
الحامل)
(ولا يعتد بحيضة ملكها فيها ولا التي) بعد الملك (قبل
قبضها ولا بولادة حصلت كذلك) أي بعد ملكها قبل قبضها (كما لا يعتد بالحاصل من
ذلك) أي من حيضة ونحوها بعد البيع (قبل إجازة بيع فضولي وإن كانت في يد
المشتري ولا) يعتد أيضا (بالحاصل بعد القبض في الشراء الفاسد قبل أن
يشتريها) شراء (صحيحا) لانتفاء الملك (ويجب بشراء نصيب شريكه) من أمة
مشتركة بينهما لتمام ملكه الآن
(ويجتزئ بحيضة حاضتها وهي مجوسية أو
مكاتبة بأن) اشترى أمة مجوسية أو مسلمة و (كاتبها بعد الشراء) قبل
الاستبراء فحاضت (ثم أسلمت المجوسية أو عجزت المكاتبة لوجودها بعد الملك) ولا
يجب عند عود الآبقة أي في دار الإسلام خانية (ورد المغصوبة) أي إذا لم يصبها
الغاصب خانية (والمستأجرة وفك المرهونة) لعدم استحداث الملك ولو أقال البيع
قبل القبض لا استبراء على البائع كما لو باعها بخيار وقبضت ثم أبطله بخياره لعدم
خروجها عن ملكه وكذا لو باع مدبرته أو أم ولده وقبضت إن لم يطأها المشتري وكذا لو
طلقها الزوج قبل الدخول إن كان زوجها بعد الاستبراء وإن قبله فالمختار وجوبه
زيلعي. قلت: وفي الجلالية شرى معتدة الغير وقبضها ثم مضت عدتها لم يستبرئها
لعدم حل وطئها للبائع وقت وجود السبب.
(ولا بأس بحيلة إسقاط
الاستبراء إذا علم أن البائع لم يقربها في طهرها ذلك وإلا لا) يفعلها به يفتى
(وهي إذا لم تكن تحته حرة) أو أربع إماء (أن ينكحها) ويقبضها (ثم
يشتريها) فتحل له للحال لأنه بالنكاح لا يجب ثم إذا اشترى زوجته لا يجب أيضا
ونقل في الدرر عن ظهير الدين اشتراط وطئه قبل الشراء وذكر وجهه (وإن تحته
حرة) فالحيلة (أن ينكحها البائع) أي يزوجها ممن يثق به كما سيجيء (قبل
الشراء أو) أن ينكحها (المشتري قبل قبضه) لها فلو بعده لم يسقط (من موثوق
به) ليس تحته حرة (أو يزوجها بشرط أن يكون أمرها بيدها) أو بيده يطلقها متى
شاء إن خاف أن لا يطلقها (ثم يشتري) الأمة (ويقبض أو يقبض فيطلق الزوج)
قبل الدخول بعد قبض المشتري فيسقط الاستبراء وقيل المسألة التي أخذ أبو يوسف
عليها مائة ألف درهم أن زبيدة حلفت الرشيد أن لا يشتري عليها جارية ولا يستوهبها
فقال يشتري نصفها ويوهب له نصفها ملتقط (أو يكاتبها) المشتري (بعد
الشراء) والقبض كما يفيده إطلاقهم وعليه فيطلب الفرق بين الكتابة والنكاح بعد
القبض، وقد نقله المصنف عن شيخه بحثا كما سنذكره لكن في الشرنبلالية عن المواهب
التصريح بتقييد الكتابة بكونها قبل القبض فليحرر. قلت: ثم وقفت على البرهان
شرح مواهب الرحمن فلم أر القيد المذكور فتدبر.
(ثم ينفسخ برضاها
فيجوز له الوطء بلا استبراء) لزوال ملكه بالكتابة ثم يجدده بالتعجيز لكن لم
يحدث ملك حقيقة فلم يوجد سبب الاستبراء وهذه أسهل الحيل تتارخانية
(له
أمتان) لا يجتمعان نكاحا (أختان) أم لا (قبلهما) فلو قبل أو وطئ
إحداهما يحل له وطؤها وتقبيلها دون الأخرى (بشهوة) الشهوة في القبلة لا تعتبر
بل في المس والنظر ابن كمال (حرمتا عليه وكذلك) يحرم عليه (الدواعي كالنظر
والتقبيل حتى يحرم فرج إحداهما) عليه ولو بغير فعله كاستيلاء كفار عليها ابن
كمال (بملك) ولو لبعضها بأي سبب كان (أو نكاح) صحيح لا فاسد إلا بالدخول
(أو عتق) ولو لبعضها أو كتابة لأنها تحرم فرجها، بخلاف تدبير ورهن وإجارة.
قلت: والمستحب أن لا يمسها حتى تمضي حيضة على المحرمة كما بسطته في شرح
الملتقى.
(وكره) تحريما قهستاني (تقبيل الرجل) فم الرجل أو
يده أو شيئا منه وكذا تقبيل المرأة المرأة عند لقاء أو وداع قنية وهذا لو عن
شهوة، وأما على وجه البر فجائز عند الكل خانية، وفي الاختيار عن بعضهم لا بأس به
إذا قصد البر وأمن الشهوة كتقبيل وجه فقيه ونحوه (و) كذا (معانقته في إزار
واحد) وقال أبو يوسف لا بأس بالتقبيل والمعانقة في إزار واحد (ولو كان عليه
قميص أو جبة جاز) بلا كراهة بالإجماع وصححه في الهداية وعليه المتون وفي
الحقائق لو القبلة على وجه المبرة دون الشهوة جاز بالإجماع (كالمصافحة) أي
كما تجوز المصافحة لأنها سنة قديمة متواترة لقوله عليه الصلاة والسلام: «من
صافح أخاه المسلم وحرك يده تناثرت ذنوبه» وإطلاق المصنف تبعا للدرر والكنز
والوقاية والنقاية والمجمع والملتقى وغيره يفيد جوازها مطلقا ولو بعد العصر
وقولهم إنه بدعة أي مباحة حسنة كما أفاده النووي في أذكاره وغيره في غيره وعليه
يحمل ما نقله عنه شارح المجمع من أنها بعد الفجر والعصر ليس بشيء توفيقا
فتأمله. وفي القنية: السنة في المصافحة بكلتا يديه وتمامه فيما علقته على
الملتقى.
(ولا يجوز للرجل مضاجعة الرجل وإن كان كل واحد منهما في
جانب من الفراش) قال عليه الصلاة والسلام: «لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب
واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد» وإذا بلغ الصبي أو الصبية عشر
سنين يجب التفريق بينهما بين أخيه وأخته وأمه وأبيه في المضجع لقوله عليه الصلاة
والسلام: «وفرقوا بينهم في المضاجع وهم أبناء عشر» وفي النتف إذا بلغوا ستا كذا
في المجتبى، وفيه الغلام إذا بلغ حد الشهوة كالفحل والكافرة كالمسلمة عن أبي
حنيفة لصاحب الحمام أن ينظر إلى العورة وحجته الختان وقيل في ختان الكبير إذا
أمكنه أن يختن نفسه فعل، وإلا لم يفعل إلا أن لا يمكنه النكاح أو شراء الجارية
والظاهر في الكبير أنه يختن ويكفي قطع الأكثر.
(ولا بأس بتقبيل
يد) الرجل (العالم) والمتورع على سبيل التبرك درر ونقل المصنف عن الجامع
أنه لا بأس بتقبيل يد الحاكم والمتدين (السلطان العادل) وقيل سنة مجتبى
(وتقبيل رأسه) أي العالم (أجود) كما في البزازية (ولا رخصة فيه) أي
في تقبيل اليد (لغيرهما) أي لغير عالم وعادل هو المختار مجتبى وفي المحيط إن
لتعظيم إسلامه وإكرامه جاز وإن لنيل الدنيا كره.
(طلب من عالم أو
زاهد أن) يدفع إليه قدمه و (يمكنه من قدمه ليقبله أجابه وقيل لا) يرخص فيه
كما يكره تقبيل المرأة فم أخرى أو خدها عند اللقاء أو الوداع كما في القنية مقدما
للقيل قال (و) كذا ما يفعله الجهال من (تقبيل يد نفسه إذا لقي غيره) فهو
(مكروه) فلا رخصة فيه وأما تقبيل يد صاحبه عند اللقاء فمكروه بالإجماع
(وكذا) ما يفعلونه من (تقبيل الأرض بين يدي العلماء) والعظماء فحرام
والفاعل والراضي به آثمان لأنه يشبه عبادة الوثن وهل يكفران: على وجه العبادة
والتعظيم كفر وإن على وجه التحية لا و صار آثما مرتكبا للكبيرة، وفي الملتقط
التواضع لغير الله حرام. وفي الوهبانية: يجوز بل يندب القيام تعظيما للقادم
كما يجوز القيام، ولو للقارئ بين يدي العالم وسيجيء نظما. [فائدة] قيل
التقبيل على خمسة أوجه: قبلة المودة للولد على الخد، وقبلة الرحمة لوالديه على
الرأس، وقبلة الشفقة لأخيه على الجبهة وقبلة الشهوة لامرأته وأمته على الفم وقبلة
التحية للمؤمنين على اليد وزاد بعضهم، قبلة الديانة للحجر الأسود جوهرة. قلت:
وتقدم في الحج تقبيل عتبة الكعبة، وفي القنية في باب ما يتعلق بالمقابر تقبيل
المصحف قيل بدعة لكن روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يأخذ المصحف كل غداة ويقبله
ويقول: عهد ربي ومنشور ربي عز وجل وكان عثمان رضي الله عنه يقبل المصحف ويمسحه
على وجهه، وأما تقبيل الخبز فحرر الشافعية أنه بدعة مباحة وقيل حسنة وقالوا يكره
دوسه لا بوسه ذكره ابن قاسم في حاشيته على شرح المنهاج لابن حجر في بحث الوليمة
وقواعدنا لا تأباه وجاء: [لا تقطعوا الخبز بالسكين وأكرموه فإن الله
أكرمه].
فصل في البيع
(كره بيع العذرة) رجيع
الآدمي (خالصة لا) يكره بل يصح بيع (السرقين) أي الزبل خلافا للشافعي
(وصح) بيعها (مخلوطة بتراب أو رماد غلب عليها) في الصحيح (كما صح
الانتفاع بمخلوطها) أي العذرة بل بها خالصة على ما صححه الزيلعي وغيره خلافا
لتصحيح الهداية فقد اختلف التصحيح وفي الملتقى أن الانتفاع كالبيع أي في الحكم
فافهم.
(وجاز أخذ دين على كافر من ثمن خمر) لصحة بيعه
(بخلاف) دين على (المسلم) لبطلانه إلا إذا وكل ذميا ببيعه فيجوز عنده
خلافا لهما وعلى هذا لو مات مسلم وترك ثمن خمر باعه مسلم لا يحل لورثته كما بسطه
الزيلعي وفي الأشباه الحرمة تنتقل مع العلم إلا للوارث إلا إذا علم ربه. قلت:
ومر في البيع الفاسد لكن في المجتبى مات وكسبه حرام فالميراث حلال ثم رمز وقال لا
نأخذ بهذه الرواية وهو حرام مطلقا على الورثة فتنبه.
(و) جاز
(تحلية المصحف) لما فيه من تعظيمه كما في نقش المسجد (وتعشيره ونقطه) أي
إظهار إعرابه وبه يحصل الرفق جدا خصوصا للعجم فيستحسن وعلى هذا لا بأس بكتابة
أسامي السور وعد الآي وعلامات الوقف ونحوها فهي بدعة حسنة درر وقنية وفيها لا بأس
بكواغد أخبار ونحوها في مصحف وتفسير وفقه وتكره في كتب نجوم وأدب ويكره تصغير
مصحف وكتابته بقلم دقيق يعني تنزيها ولا يجوز لف شيء في كاغد فقه ونحوه وفي كتب
الطب يجوز.
(و) جاز (دخول الذمي مسجدا) مطلقا وكرهه مالك
مطلقا وكرهه محمد والشافعي وأحمد في المسجد الحرام. قلنا: النهي تكويني لا
تكليفي وقد جوزوا عبور عابر السبيل جنبا وحينئذ فمعنى لا يقربوا لا يحجوا ولا
يعتمروا عراة بعد حج عامهم هذا عام تسع حين أمر الصديق ونادى علي بهذه السورة
قال: ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك ولا يطوف عريان رواه الشيخان وغيرهما
فليحفظ. قلت: ولا تنس ما مر في فصل الجزية.
(و) جاز
(عيادته) بالإجماع وفي عيادة المجوسي قولان (و) جاز (عيادة فاسق) على
الأصح لأنه مسلم والعيادة من حقوق المسلمين.
(وإنزاء الحمير على
الخيل) كعكسه قهستاني.
(والحقنة) للتداوي ولو للرجل بطاهر لا
بنجس وكذا كل تداو لا يجوز إلا بطاهر وجوزه في النهاية بمحرم إذا أخبره طبيب مسلم
أن فيه شفاء ولم يجد مباحا يقوم مقامه. قلت: وفي البزازية ومعنى قوله عليه
الصلاة والسلام: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» نفي الحرمة عند العلم
بالشفاء دل عليه جواز شربه لإزالة العطش ا هـ وقد قدمناه (و) جاز إساغة
اللقمة بالخمر.
وجاز (رزق القاضي) من بيت المال لو بيت المال
حلالا جمع بحق وإلا لم يحل وعبر بالرزق ليفيد تقديره بقدر ما يكفيه وأهله في كل
زمان ولو غنيا في الأصح وهذا لو بلا شرط ولو به كالأجرة فحرام، لأن القضاء طاعة،
فلم تجز كسائر الطاعات قلت: وهل يجري فيه كلام المتأخرين يحرر.
(و)
جاز (سفر الأمة وأم الولد) والمكاتبة والمبعضة (بلا محرم) هذا في زمانهم
أما في زماننا فلا لغلبة أهل الفساد وبه يفتي ابن كمال.
(و) جاز
(شراء ما لا بد للصغير منه وبيعه) أي بيع ما لا بد للصغير منه (لأخ وعم وأم
وملتقط هو في حجرهم) أي في كنفهم وإلا لا (و) جاز (إجارته لأمه فقط) لو
في حجرها وكذا الملتقط على الأصح كذا عزاه المصنف لشرح المجمع ولم أره فيه ويأتي
متنا ما ينافيه فتنبه. وكذا لعمه عند الثاني خلافا للثالث ولو أجر الصغير نفسه
لم يجز إلا إذا فرغ العمل لتمحضه نفعا فيجب المسمى وصح إجارة أب وجد وقاض ولو
بدون أجر المثل في الصحيح كما يعلم من الدرر فتبصر.
(و) جاز
(بيع عصير) عنب (ممن) يعلم أنه (يتخذه خمرا) لأن المعصية لا تقوم
بعينه بل بعد تغيره وقيل يكره لإعانته على المعصية ونقل المصنف عن السراج
والمشكلات أن قوله ممن أي من كافر أما بيعه من المسلم فيكره ومثله في الجوهرة
والباقاني وغيرهما زاد القهستاني معزيا للخانية أنه يكره بالاتفاق.
(بخلاف
بيع أمرد ممن يلوط به وبيع سلاح من أهل الفتنة) لأن المعصية تقوم بعينه ثم
الكراهة في مسألة الأمرد مصرح بها في بيوع الخانية وغيرها واعتمده المصنف على
خلاف ما في الزيلعي والعيني وإن أقره المصنف في باب البغاة. قلت: وقدمنا ثمة
معزيا للنهر أن ما قامت المعصية بعينه يكره بيعه تحريما وإلا فتنزيها. فليحفظ
توفيقا.
(و) جاز تعمير كنيسة و (حمل خمر ذمي) بنفسه أو
دابته (بأجر). لا عصرها لقيام المعصية بعينه.
(و) جاز
(إجارة بيت بسواد الكوفة) أي قراها (لا بغيرها على الأصح) وأما الأمصار
وقرى غير الكوفة فلا يمكنون لظهور شعار الإسلام فيها وخص سواد الكوفة، لأن غالب
أهلها أهل الذمة (ليتخذ بيت نار أو كنيسة أو بيعة أو يباع فيه الخمر) وقالا
لا ينبغي ذلك لأنه إعانة على المعصية وبه قالت الثلاثة زيلعي.
(و)
جاز (بيع بناء بيوت مكة وأرضها) بلا كراهة وبه قال الشافعي وبه يفتى عيني وقد
مر في الشفعة وفي البرهان في باب العشر ولا يكره بيع أرضها كبنائها وبه يعمل وفي
مختارات النوازل لصاحب الهداية لا بأس ببيع بنائها وإجارتها لكن في الزيلعي وغيره
يكره إجارتها وفي آخر الفصل الخامس من التتارخانية وإجارة الوهبانية قالا قال أبو
حنيفة أكره إجارة بيوت مكة في أيام الموسم وكان يفتي لهم أن ينزلوا عليهم في
دورهم -: {سواء العاكف فيه والباد} - ورخص فيها في غير أيام الموسم ا هـ
فليحفظ. قلت: وبهذا يظهر الفرق والتوفيق وهكذا كان ينادي عمر بن الخطاب رضي
الله عنه أيام الموسم ويقول يا أهل مكة لا تتخذوا لبيوتكم أبوابا لينزل البادي
حيث شاء ثم يتلو الآية فليحفظ.
(و) جاز (قيد العبد) تحرزا
عن التمرد والإباق وهو سنة المسلمين في الفساق (وقبول هديته تاجرا وإجابة دعوته
واستعارة دابته) استحسانا (وكره كسوته) أي قبول هدية العبد (ثوبا وإهداؤه
النقدين) لعدم الضرورة.
(واستخدام الخصي) ظاهره الإطلاق وقيل
بل دخوله على الحرم. لو سنه خمسة عشر.
(و) كره (إقراض) أي
إعطاء (بقال) كخباز وغيره (دراهم) أو برا لخوف هلكه لو بقي بيده. يشترط
(ليأخذ) متفرقا (منه) بذلك (ما شاء) ولو لم يشترط حالة العقد لكن
يعلم أنه يدفع لذلك شرنبلالية، لأنه قرض جر نفعا وهو بقاء ماله فلو أودعه لم يكره
لأنه لو هلك لا يضمن وكذا لو شرط ذلك قبل الإقراض ثم أقرضه يكره اتفاقا قهستاني
وشرنبلالية.
(و) كره تحريما (اللعب بالنرد و) كذا
(الشطرنج) بكسر أوله ويهمل ولا يفتح إلا نادرا وأباحه الشافعي وأبو يوسف في
رواية ونظمها شارح الوهبانية فقال: ولا بأس بالشطرنج وهي رواية عن الحبر قاضي
الشرق والغرب تؤثر وهذا إذ لم يقامر ولم يداوم ولم يخل بواجب وإلا فحرام
بالإجماع.
(و) كره (كل لهو) لقوله عليه الصلاة والسلام:
«كل لهو المسلم حرام إلا ثلاثة ملاعبته أهله وتأديبه لفرسه ومناضلته بقوسه».
(و)
كره (جعل الغل) طوق له راية (في عنق العبد) يعلم بإباقه وفي زماننا لا
بأس به لغلبة الإباق خصوصا في السودان وهو المختار كما في شرح المجمع للعيني
(بخلاف القيد) فإنه حلال كما مر.
(و) كره (قوله في دعائه
بمقعد العز من عرشك) ولو بتقديم العين وعن أبي يوسف لا بأس به وبه أخذ أبو
الليث للأثر والأحوط الامتناع لكونه خبر واحد فيما يخالف القطعي إذ المتشابه إنما
يثبت بالقطعي هداية وفي التتارخانية معزيا للمنتقى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة لا
ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من
قوله تعالى -: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} - قال وكذا لا يصلي أحد
على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم.
(و) كره قوله (بحق
رسلك وأنبيائك وأوليائك) أو بحق البيت لأنه لا حق للخلق على الخالق تعالى ولو
قال لآخر بحق الله أو بالله أن تفعل كذا لا يلزمه ذلك وإن كان الأولى فعله درر.
وفي المختارات قال ابن المبارك: سأل لوجه الله أو لحق الله يعجبني أن لا يعطيه
شيئا لأنه عظم ما حقر الله وفيها قرأ القرآن ولم يعمل بموجبه يثاب على قراءته كمن
يصلي ويعصي.
[فرع في رفع الصوت بالذكر والدعاء]
هل
يكره رفع الصوت بالذكر والدعاء؟ قيل نعم وتمامه قبيل جنايات البزازية.
(و)
كره (احتكار قوت البشر) كتبن وعنب ولوز (والبهائم) كتبن وقت (في بلد
يضر بأهله) لحديث: «الجالب مرزوق والمحتكر ملعون» فإن لم يضر لم يكره ومثله
تلقي الجلب (و) يجب أن (يأمره القاضي ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله فإن لم
يبع) بل خالف أمر القاضي (عزره) بما يراه رادعا له (وباع) القاضي
(عليه) طعامه (وفاقا) على الصحيح وفي السراج لو خاف الإمام على أهل بلد
الهلاك أخذ الطعام من المحتكرين وفرق عليهم فإذا وجدوا سعة ردوا مثله وهذا ليس
بحجر بل للضرورة ومن اضطر لمال غيره وخاف الهلاك تناوله بلا رضاه ونقله الزيلعي
عن الاختيار وأقره (ولا يكون محتكرا بحبس غلة أرضه) بلا خلاف (ومجلوبه من
بلد آخر) خلافا للثاني وعند محمد إن كان يجلب منه عادة كره وهو المختار.
(ولا
يسعر حاكم) لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تسعروا فإن الله هو المسعر القابض
الباسط الرازق» (إلا إذا تعدى الأرباب عن القيمة تعديا فاحشا فيسعر بمشورة أهل
الرأي) وقال مالك: على الوالي التسعير عام الغلاء وفي الاختيار ثم إذا سعر
وخاف البائع ضرب الإمام لو نقص لا يحل للمشتري وحيلته أن يقول له: بعني بما تحب
ولو اصطلحوا على سعر الخبز واللحم ووزن ناقصا رجع المشتري بالنقصان في الخبز لا
اللحم لشهرة سعره عادة. قلت: وأفاد أن التسعير في القوتين لا غير وبه صرح
العتابي وغيره، لكنه إذا تعدى أرباب غير القوتين وظلموا على العادة فيسعر عليهم
الحاكم بناء على ما قال أبو يوسف: ينبغي أن يجوز ذكره القهستاني فإن أبا يوسف
يعتبر حقيقة الضرر كما تقرر فتدبر.
(يكره إمساك الحمامات) ولو
في برجها (إن كان يضر بالناس) بنظر أو جلب والاحتياط أن يتصدق بها ثم يشتريها
أو توهب له مجتبى (فإن كان يطيرها فوق السطح مطلعا على عورات المسلمين ويكسر
زجاجات الناس برميه تلك الحمامات عزر ومنع أشد المنع فإن لم يمتنع بذلك ذبحها)
أي الحمامات (المحتسب) وصرح في الوهبانية بوجوب التعزير وذبح الحمامات ولم
يقيده بما مر ولعله اعتمد عادتهم. وأما للاستئناس فمباح كشراء عصافير ليعتقها
إن قال من أخذها فهي له ولا تخرج عن ملكه بإعتاقه، وقيل يكره لأنه تضييع المال
جامع الفتاوى. وفي المختارات سيب دابته وقال هي لمن أخذها لم يأخذها ممن أخذها
ومر في الحج وجاز ركوب الثور وتحميله والكراب على الحمير بلا جهد وضرب إذ ظلم
الدابة أشد من الذمي وظلم الذمي أشد من المسلم.
(ولا بأس
بالمسابقة في الرمي والفرس) والبغل والحمار كذا في الملتقى والمجمع وأقره
المصنف هنا خلافا لما ذكره في مسائل شتى فتنبه (والإبل و) على (الأقدام)
لأنه من أسباب الجهاد فكان مندوبا وعند الثلاثة لا يجوز في الأقدام أي بالجعل أما
بدونه فيباح في كل الملاعب كما يأتي (حل الجعل) وطاب لا أنه يصير مستحقا ذكره
البرجندي وغيره وعلله البزازي بأنه لا يستحق بالشرط شيء لعدم العقد والقبض ا هـ
ومفاده لزومه بالعقد كما يقول الشافعية فتبصر (إن شرط المال) في المسابقة
(من جانب واحد وحرم لو شرط) فيها (من الجانبين) لأنه يصير قمارا (إلا
إذا أدخلا ثالثا) محللا (بينهما) بفرس كفء لفرسيهما يتوهم أن يسبقهما وإلا
لم يجز ثم إذا سبقهما أخذ منهما وإن سبقاه لم يعطهما وفيما بينهما أيهما سبق أخذ
من صاحبه (و) كذا الحكم (في المتفقهة) فإذا شرط لمن معه الصواب صح وإن
شرطاه لكل على صاحبه لا درر ومجتبى. والمصارعة ليست ببدعة إلا للتلهي فتكره
برجندي، وأما السباق بلا جعل فيجوز في كل شيء كما يأتي وعند الشافعية: المسابقة
بالأقدام والطير والبقر والسفن والسباحة والصولجان والبندق ورمي الحجر وإشالته
باليد والشباك والوقوف على رجل ومعرفة ما بيده من زوج أو فرد واللعب بالخاتم وكذا
يحل كل لعب خطر لحاذق تغلب سلامته كرمي لرام وصيد لحية ويحل التفرج عليهم حينئذ
وحديث: «حدثوا عن بني إسرائيل» يفيد حل سماع الأعاجيب والغرائب من كل ما لا
يتيقن كذبه بقصد الفرجة لا الحجة بل وما يتيقن كذبه لكن بقصد ضرب الأمثال
والمواعظ وتعليم نحو الشجاعة على ألسنة آدميين أو حيوانات ذكره ابن حجر.
(ويستحب
قلم أظافيره) إلا لمجاهد في دار الحرب فيستحب توفير شاربه وأظفاره (يوم
الجمعة) وكونه بعد الصلاة أفضل إلا إذا أخره إليه تأخيرا فاحشا فيكره لأن من
كان ظفره طويلا كان رزقه ضيقا وفي الحديث: «من قلم أظافيره يوم الجمعة أعاذه
الله من البلايا إلى الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام» درر وعنه عليه الصلاة
والسلام: «من قلم أظفاره مخالفا لم ترمد عينه أبدا» يعني كقول علي رضي الله
عنه: قلموا أظفاركم بسنة وأدب يمينها خوابس يسارها أوخسب وبيانه وتمامه في
مفتاح السعادة. وفي شرح الغزاوية روي: «أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بمسبحته
اليمنى إلى الخنصر ثم بخنصر اليسرى إلى الإبهام وختم بإبهام اليمنى» وذكر له
الغزالي في الإحياء وجها وجيها ولم يثبت في أصابع الرجل نقل، والأولى تقليمها
كتخليلها. قلت: وفي المواهب اللدنية قال الحافظ ابن حجر: إنه يستحب كيفما
احتاج إليه ولم يثبت في كيفيته شيء ولا في تعيين يوم له عن النبي صلى الله عليه
وسلم وما يعزى من النظم في ذلك للإمام علي ثم لابن حجر قال شيخنا إنه باطل.
(و)
يستحب (حلق عانته وتنظيف بدنه بالاغتسال في كل أسبوع مرة) والأفضل يوم الجمعة
وجاز في كل خمسة عشرة وكره تركه وراء الأربعين مجتبى وفيه حلق الشارب بدعة وقيل
سنة ولا بأس بنتف الشيب، وأخذ أطراف اللحية والسنة فيها القبضة. وفيه: قطعت
شعر رأسها أثمت ولعنت زاد في البزازية وإن بإذن الزوج لأنه لا طاعة لمخلوق في
معصية الخالق، ولذا يحرم على الرجل قطع لحيته، والمعنى المؤثر التشبه بالرجال ا
هـ. قلت: وأما حلق رأسه ففي الوهبانية وقد قيل: حلق الرأس في كل جمعة يحب
وبعض بالجواز يعبر.
(رجل تعلم علم الصلاة أو نحوه ليعلم الناس
وآخر ليعمل به فالأول أفضل) لأنه متعد وروي: «مذاكرة العلم ساعة خير من إحياء
ليلة» وله الخروج لطلب العلم الشرعي بلا إذن والديه لو ملتحيا وتمامه في الدرر
(وإذا كان الرجل يصوم ويصلي ويضر الناس بيده ولسانه فذكره بما فيه ليس بغيبة
حتى لو أخبر السلطان بذلك ليزجره لا إثم عليه) وقالوا إن علم أن أباه يقدر على
منعه أعلمه ولو بكتابة وإلا لا كي لا تقع العداوة وتمامه في الدرر.
(وكذا)
لا إثم عليه (لو ذكر مساوئ أخيه على وجه الاهتمام لا يكون غيبة إنما الغيبة أن
يذكر على وجه الغضب يريد السب) ولو اغتاب أهل قرية فليس بغيبة لأنه لا يريد به
كلهم بل بعضهم وهو مجهول خانية فتباح غيبة مجهول ومتظاهر بقبيح ولمصاهرة ولسوء
اعتقاد تحذيرا منه، ولشكوى ظلامته للحاكم شرح وهبانية (وكما تكون الغيبة
باللسان) صريحا (تكون) أيضا بالفعل وبالتعريض وبالكتابة وبالحركة وبالرمز و
(بغمز العين والإشارة باليد) وكل ما يفهم منه المقصود فهو داخل في الغيبة وهو
حرام؛ ومن ذلك ما قالت عائشة رضي الله عنها: «دخلت علينا امرأة فلما ولت أومأت
بيدي أي قصيرة فقال عليه الصلاة والسلام اغتبتيها» ومن ذلك المحاكاة كأن يمشي
متعارجا أو كما يمشي فهو غيبة بل أقبح لأنه أعظم في التصوير والتفهيم ومن الغيبة
أن يقول: بعض من مر بنا اليوم أو بعض من رأيناه إذا كان المخاطب يفهم شيخا
معينا لأن المحذور تفهيمه دون ما به التفهيم، وأما إذا لم يفهم عينه جاز وتمامه
في شرح الوهبانية، وفيها: الغيبة أن تصف أخاك حال كونه غائبا بوصف يكرهه إذا
سمعه. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال عليه الصلاة والسلام: {أتدرون ما
الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن
كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد
بهته» وإذا لم تبلغه يكفيه الندم وإلا شرط بيان كل ما اغتابه به
(وصلة
الرحم واجبة ولو) كانت (بسلام وتحية وهدية) ومعاونة ومجالسة ومكالمة وتلطف
وإحسان ويزورهم غبا ليزيد حبا بل يزور أقرباءه كل جمعة أو شهر ولا يرد حاجتهم
لأنه من القطيعة في الحديث: «إن الله يصل من وصل رحمه ويقطع من قطعها» وفي
الحديث: «صلة الرحم تزيد في العمر» وتمامه في الدرر.
(ويسلم)
المسلم (على أهل الذمة) لو له حاجة إليه وإلا كره هو الصحيح كما كره للمسلم
مصافحة الذمي كذا في نسخ الشارح وأكثر المتون بلفظ ويسلم فأولتها هكذا ولكن بعض
نسخ المتن. ولا يسلم وهو الأحسن الأسلم فافهم وفي شرح البخاري للعيني في
حديث: «أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم
تعرف» قال وهذا التعميم مخصوص بالمسلمين، فلا يسلم ابتداء على كافر لحديث: «لا
تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه»
رواه البخاري وكذا يخص منه الفاسق بدليل آخر، وأما من شك فيه فالأصل فيه البقاء
على العموم حتى يثبت الخصوص، ويمكن أن يقال إن الحديث المذكور كان في ابتداء
السلام لمصلحة التأليف ثم ورد النهي ا هـ فليحفظ. ولو سلم يهودي أو نصراني أو
مجوسي على مسلم فلا بأس بالرد (و) لكن (لا يزيد على قوله وعليك) كما في
الخانية (ولو سلم على الذمي تبجيلا يكفر) لأن تبجيل الكافر كفر ولو قال
لمجوسي يا أستاذ تبجيلا كفر كما في الأشباه وفيها: لو قال لذمي أطال الله بقاءك
إن نوى بقلبه لعله يسلم أو يؤدي الجزية ذليلا فلا بأس به.
(ولا
يجب رد سلام السائل) لأنه ليس للتحية ولا من يسلم وقت الخطبة خانية. وفيها
وإذا أتى دار إنسان يجب أن يستأذن قبل السلام، ثم إذا دخل يسلم أولا ثم يتكلم،
ولو في قضاء يسلم أولا ثم يتكلم ولو قال: السلام عليك يا زيد لم يسقط برد غيره،
ولو قال يا فلان أو أشار لمعين سقط وشرط في الرد وجواب العطاس إسماعه فلو أصم
يريه تحريك شفتيه ا هـ. قلت: وفي المبتغى ويسقط عن الباقين برد صبي يعقل لأنه
من أهل إقامة الفرض في الجملة بدليل حل ذبيحته وقيل لا. وفي المجتبى: ويسقط
برد العجوز وفي رد الشابة والصبي والمجنون قولان وظاهر التاجية ترجيح عدم السقوط
ويسلم على الواحد بلفظ الجماعة وكذا الرد ولا يزيد الراد على وبركاته.
ورد
السلام وتشميت العاطس على الفور ويجب رد جواب كتاب التحية كرد السلام. ولو قال
لآخر: أقرئ فلانا السلام يجب عليه ذلك، ويكره السلام على الفاسق لو معلنا وإلا
لا كما يكره على عاجز عن الرد حقيقة كآكل أو شرعا كمصل وقارئ ولو سلم لا يستحق
الجواب ا هـ وقدمنا في باب ما يفسد الصلاة كراهته في نيف وعشرين موضعا وأنه لا
يجب رد سلام عليكم بجزم الميم ولو دخل ولم ير أحدا يقول السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين.
[فرع في إعطاء سائل المسجد]
يكره
إعطاء سائل المسجد إلا إذا لم يتخط رقاب الناس في المختار كما في الاختيار ومتن
مواهب الرحمن لأن عليا تصدق بخاتمه في الصلاة فمدحه الله بقوله -: {ويؤتون
الزكاة وهم راكعون} -..
(أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله
وعبد الرحمن) وجاز التسمية بعلي ورشيد من الأسماء المشتركة ويراد في حقنا غير
ما يراد في حق الله تعالى لكن التسمية بغير ذلك في زماننا أولى لأن العوام
يصغرونها عند النداء كذا في السراجية وفيها (ومن كان اسمه محمدا لا بأس بأن
يكنى أبا القاسم) لأن قوله عليه الصلاة والسلام: «سموا باسمي ولا تكنوا
بكنيتي» قد نسخ لأن عليا رضي الله عنه كنى ابنه محمد بن الحنفية أبا القاسم.
(ويكره
أن يدعو الرجل أباه وأن تدعو المرأة زوجها باسمه) ا هـ بلفظه..
(و)
فيها يكره (الكلام في المسجد وخلف الجنازة وفي الخلاء وفي حالة الجماع) وزاد
أبو الليث: في البستان وعند قراءة القرآن، وزاد في الملتقى تبعا للمختار:
وعند التذكير فما ظنك به عند الغناء الذي يسمونه وجدا. (للعربية فضل على سائر
الألسن وهو لسان أهل الجنة من تعلمها أو علمها غيره فهو مأجور) وفي الحديث:
«أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة في الجنة
عربي»..
وفيها (تطيين القبور لا يكره في المختار) وقيل يكره
وقال البزدوي: لو احتيج للكتابة كي لا يذهب الأثر ولا يمتهن لا بأس به ذكر
المصنف في آخر باب الوصية للأقارب وقدمناه في الجنائز.
(يكره تمنى
الموت) لغضب أو ضيق عيش (إلا لخوف الوقوع في معصية) أي فيكره لخوف الدنيا
لا الدين لحديث: «فبطن الأرض خير لكم من ظهرها» خلاصة.
(ولا بأس
بلبس الصبي اللؤلؤ وكذا البالغ) كذا في شرح الوهبانية معزيا للمنية وقاس عليه
الطرسوسي بقية الأحجار كياقوت وزمرد ونازعه ابن وهبان بأنه يحتاج إلى نقل صريح،
وجزم في الجوهرة بحرمة اللؤلؤ. قلت: وحمل المصنف ما في المنية على قوله:
وما في الجوهرة على قولهما قال، وقد رجحوا قولهما. ففي الكافي قولهما أقرب إلى
عرف ديارنا فيفتى به، ثم قال المصنف، وعليه فالمعتمد في المذهب حرمة لبس اللؤلؤ
ونحوه على الرجال لأنه من حلي النساء.
(ويكره) للولي إلباس
(الخلخال أو السوار لصبي) ولا بأس بثقب أذن البنت والطفل استحسانا ملتقط.
قلت: وهل يجوز الخزام في الأنف، لم أره، ويكره للذكر والأنثى الكتابة بالقلم
المتخذ من الذهب أو الفضة أو من دواة كذلك سراجية. ثم قال: لا بأس بتمويه
السلاح بذهب وفضة ولا بأس بسرج ولجام وثفر من الذهب عند أبي حنيفة خلافا لأبي
يوسف.
(وجارية لزيد قال بكر وكلني زيد ببيعها حل لعمرو شراؤها
ووطؤها) لقبول قول بكر إن أكبر رأيه صدقه كما مر وإن أكبر رأيه كذبه لا يقبل
قوله ولا يشتري منه ولو لم يخبره إن ذلك الشيء لغيره فلا بأس بشرائه منه.
(كما
حل وطء من زفت إليه وقال النساء هي امرأتك و) حل (نكاح من قالت طلقني زوجي
وانقضت عدتي أو كنت أمة لفلان وأعتقني) إن وقع في قلبه صدقها وتمامه في
الخانية. قلت: وحاصله أنه متى أخبرت بأمر محتمل، فإن ثقة أو وقع في قلبه
صدقها لا بأس بتزوجها، وإن بأمر مستنكر لا ما لم يستفسرها.
[فروع]
كتب
أما قول الشافعي يكتب جواب أبي حنيفة. وإذا كتب المفتي يدين يكتب ولا يصدق قضاء
ليقضي القاضي بحنثه. الترجيع بالقرآن والأذان بالصوت الطيب طيب إن لم يزد فيه
الحروف وإن زاد كره له ولمستمعه، وقوله أحسنت إن لسكوته فحسن وإن لتلك القراءة
يخشى عليه الكفر.
المناظرة في العلم لنصرة الحق عبادة ولأحد ثلاثة
حرام لقهر مسلم وإظهار علم ونيل دنيا أو مال أو قبول. التذكير على المنابر
للوعظ والاتعاظ سنة الأنبياء والمرسلين ولرياسة ومال وقبول عامة من ضلالة اليهود
والنصارى.
قراءة القرآن بقراءة معروفة وشاذة دفعة واحدة مكروه كما
في الحاوي القدسي.
يستحب للرجل خضاب شعره ولحيته ولو في غير حرب في
الأصح، والأصح أنه عليه الصلاة والسلام لم يفعله، ويكره بالسواد، وقيل لا مجمع
الفتاوى والكل من منح المصنف.
الكتب التي لا ينتفع بها يمحى عنها
اسم الله وملائكته ورسله ويحرق الباقي ولا بأس بأن تلقى في ماء جار كما هي أو
تدفن وهو أحسن كما في الأنبياء.
القصص المكروه أن يحدثهم بما ليس له
أصل معروف أو يعظهم بما لا يتعظ به أو يزيد وينقص يعني في أصله، أما للتزين
بالعبارات اللطيفة المرققة والشرح لفوائده فذلك حسن. والأفضل مشاركة أهل محلته
في إعطاء النائبة لكن في زماننا أكثرها ظلم فمن تمكن من دفعه عن نفسه فحسن، وإن
أعطى فليعط من عجز. ليس لذي الحق أن يأخذ غير جنس حقه وجوزه الشافعي وهو
الأوسع.
معلم طلب من الصبيان أثمان الحصر فجمعها فشرى ببعضها وأخذ
بعضها له ذلك لأنه تمليك له من الآباء.
لا بأس بوطء المنكوحة
بمعاينة الأمة دون عكسه. وجد ما لا قيمة له لا بأس بالانتفاع به ولو له قيمة
وهو غني تصدق به. لا بأس بالجماع في بيت فيه مصحف للبلوى. لا تركب مسلمة على
سرج للحديث. هذا لو للتلهي، ولو لحاجة غزو أو حج أو مقصد ديني أو دنيوي لا بد
لها منه فلا بأس به.
تغنى بالقرآن ولم يخرج بألحانه عن قدر هو صحيح
في العربية مستحسن. ذكر الله من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس أولى من قراءة
القرآن، وتستحب القراءة عند الطلوع أو الغروب.
لا بأس للإمام عقب
الصلاة بقراءة آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة والإخفاء أفضل. قراءة الفاتحة
بعد الصلاة جهرا للمهمات بدعة قال أستاذنا: لكنها مستحسنة للعادة والآثار.
الرشوة
لا تملك بالقبض. لا بأس بالرشوة إذا خاف على دينه والنبي عليه الصلاة
والسلام. كان يعطي الشعراء ولمن يخاف لسانه وكفى بسهم المؤلفة من الصدقات دليلا
على أمثاله.
جمع أهل المحلة للإمام فحسن ومن السحت ما يؤخذ على كل
مباح كملح وكلأ وماء ومعادن وما يأخذه غاز لغزو وشاعر لشعر ومسخرة وحكواتي قال
تعالى -: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} - وأصحاب معازف وقواد وكاهن
ومقامر وواشمة وفروعه كثيرة.
قيل له يا خبيث ونحوه جاز له الرد في
كل شتيمة لا توجب الحد وتركه أفضل.
كره قول الصائم المتطوع إذا سئل
أصائم حتى أنظر فإنه نفاق أو حمق.
من له أطفال ومال قليل لا يوصي
بنفل. من صلى أو تصدق يرائي به الناس لا يعاقب بتلك الصلاة ولا يثاب بها قيل
هذا في الفرائض وعممه الزاهدي للنوافل لقولهم الرياء لا يدخل الفرائض.
غزل
الرجل على هيئة غزل المرأة يكره. يكره للمرأة سؤر الرجل وسؤرها له.
وله
ضرب زوجته على ترك الصلاة على الأظهر. لا يجب على الزوج تطليق الفاجرة.
لا
يجوز الوضوء من الحياض المعدة للشرب في الصحيح ويمنع من الوضوء منه وفيه وحمله
لأهله إن مأذونا به جاز وإلا لا.
الكذب مباح لإحياء حقه ودفع الظلم
عن نفسه والمراد التعريض لأن عين الكذب حرام قال: وهو الحق قال تعالى -:
{قتل الخراصون} - الكل من المجتبى وفي الوهبانية قال: - وللصلح جاز الكذب
أو دفع ظالم وأهل الترضي والقتال ليظفروا ويكره في الحمام تغميز خادم ومن شاء
تنويرا فقالوا ينور ويفسق معتاد المرور بجامع ومن علم الأطفال فيه ويوزر ومن قام
إجلالا لشخص فجائز وفي غير أهل العلم بعض يقرر وجوز نقل الميت البعض مطلقا وعن
بعضهم ما فوق ميلين يحظر - وللزوجة التسمين لا فوق شبعها ومن ذكرها التعويذ للحب
تحظر ويكره أن تسقى لإسقاط حملها وجاز لعذر حيث لا يتصور وإن أسقطت ميتا ففي
السقط غرة لوالده من عاقل الأم تحضر وفي يوم عاشوراء يكره كحلهم ولا بأس بالمعتاد
خلطا ويؤجر - - وبعضهم المختار في الكحل جائز لفعل رسول الله فهو المقرر وضرب
عبيد الغير جاز بأمره وما جاز في الأحرار والأب يأمر وأثوب من ذكر القران استماعه
وقالوا ثواب الطفل للطفل يحصر - ودرسك باقي الذكر أولى من الصلا ة نفلا ودروس
العلم أولى وأنظر وقد كرهوا والله أعلم ونحوه لإعلام ختم الدرس حين يقرر.
كتاب
إحياء الموات
لعل مناسبته أن فيه ما يكره وما لا يكره. الحياة
نوعان: حاسة ونامية، والمراد هنا النامية وسمي مواتا لبطلان الانتفاع به
وإحياؤه ببناء أو غرس أو كرب أو سقي (إذا أحيا مسلم أو ذمي أرضا غير منتفع بها
- وليست بمملوكة لمسلم ولا ذمي) فلو مملوكة لم تكن مواتا فلو لم يعرف مالكها
فهي لقطة يتصرف فيها الإمام ولو ظهر مالكها ترد إليه ويضمن نقصانها إن نقصت
بالزرع (وهي بعيدة من القرية إذا صاح من بأقصى العامر) وهو جهوري الصوت
بزازية (لا يسمع بها صوته ملكها عند أبي يوسف) وهو المختار كما في المختار
وغيره واعتبر محمد عدم ارتفاق أهل القرية به وبه وقالت الثلاثة. قلت: وهذا
ظاهر الرواية وبه يفتى كما في زكاة الكبرى ذكره القهستاني وكذا في البرجندي عن
المنصورية عن قاضي خان: أن الفتوى على قول محمد فالعجب من الشرنبلالي كيف لم
يذكر ذلك فليحفظ. (إن أذن له الإمام في ذلك) وقالا يملكها بلا إذنه وهذا لو
مسلما فلو ذميا شرط الإذن اتفاقا ولو مستأمنا لم يملكها أصلا اتفاقا - -
قهستاني.
(ولو تركها بعد الإحياء وزرعها غيره فالأول أحق بها)
في الأصح.
(ولو أحيا أرضا ميتة ثم أحاط الإحياء بجوانبها الأربعة
من أربعة نفر على التعاقب تعين طريق الأول في الأرض الرائعة).
(ومن
حجر أرضا) أي منع غيره منها (بوضع علامة من حجر أو غيره ثم أهملها ثلاث سنين
دفعت إلى غيره وقبلها هو أحق بها وإن لم يملكها) لأنه إنما يملكها بالإحياء
والتعمير لا بمجرد التحجير.
(ولو كربها أو ضرب عليها المسناة أو
شق لها نهرا أو بذرها فهو إحياء) مبسوط.
(ولا يجوز إحياء ما قرب
من العامر) بل يترك مرعى لهم ومطرحا لحصائدهم لتعلق حقهم به فلم يكن مواتا وكذا
لو كان محتطبا.
(و) اعلم أنه (ليس للإمام أن يقطع ما لا غنى
للمسلمين عنه) من المعادن الظاهرة وهي ما كان جوهرها الذي أودعه الله في جواهر
الأرض بارزا (ك) معادن (الملح) والكحل والقار والنفط. (والآبار التي
يستقي منها الناس) زيلعي يعني التي لم تملك بالاستنباط والسعي، فلو أقطع هذه
المعادن الظاهرة لم يكن لإقطاعها حكم بل المقطع وغيره سواء، فلو منعهم المقطع كان
بمنعه متعديا وكان لما أخذه مالكا لأنه متعد بالمنع لا بالأخذ وكف عن المنع وصرف
عن مداومة العمل لئلا يشتبه إقطاعه بالصحة أو يصير معه في حكم الأملاك المستقرة
ذكره العلامة قاسم في رسالته أحكام إجارة إقطاع الجندي.
(وحريم
بئر الناضح) وهي التي ينزع الماء منها بالبعير (كبئر العطن) وهي التي ينزع
الماء منها باليد، والعطن مناخ الإبل حول البئر (أربعون ذراعا من كل جانب)
وقالا: إن للناضح فستون. وفي الشرنبلالية عن شرح المجمع: لو عمق البئر فوق
أربعين يزاد عليها ا هـ. - لكن نسبه القهستاني لمحمد ثم قال: ويفتى بقول
الإمام وعزاه للتتمة. ثم قال: وقيل التقدير في بئر وعين بما ذكر في أراضيهم
لصلابتها، وفي أراضينا رخاوة فيزاد لئلا ينتقل الماء إلى الثاني وعزاه للهداية،
وعزاه البرجندي للكافي فليحفظ. (إذا حفرها في موات بإذن الإمام) فلو في غير
موات أو فيه بلا إذن الإمام لم يكن الحكم كذلك كذا ذكره المصنف. وعبارة
القهستاني: وفيه رمز إلى أنه لو حفر في ملك الغير لا يستحق الحريم، فلو حفر في
ملكه فله من الحريم ما شاء وإلى أن الماء لو غلب على أرض تركها الملاك أو ماتوا
أو انقرضوا لم يجز إحياؤها فلو تركها الماء بحيث لا يعود إليها ولم تكن حريما
لعامر جاز إحياؤها وعزاه للمضمرات.
(وحريم العين خمسمائة) ذراع
(من كل جانب) كما في الحديث. والذراع هو المكسرة وهو ست قبضات وكان ذراع
الملك أي ملك الأكاسرة سبع قبضات فكسر منه قبضة (ويمنع غيره من الحفر) وغيره
(فيه) لأنه ملكه فلو حفر فللأول ردمه أو تضمينه وتمامه في الدرر (ولو حفر
الثاني بئرا في منتهى حريم البئر الأولى بإذن الإمام فذهب ماء البئر الأولى وتحول
إلى الثانية فلا شيء عليه) لأنه غير متعد والماء تحت الأرض لا يملك فلا مخاصمة
كمن بنى حانوتا بجنب حانوت غيره فكسدت الحانوت الأولى بسببه فإنه لا شيء عليه درر
وزيلعي، وفيه لو هدم جدار غيره فلصاحبه أن يؤاخذ بقيمته لا ببناء الجدار هو
الصحيح (وللحافر الثاني الحريم من الجوانب الثلاثة دون جانب الأولى) لسبق ملك
الأول فيه.
(وللقناة) هي مجرى الماء تحت الأرض (حريم بقدر ما
يصلحه) لإلقاء الطين ونحوه. وعن محمد كالبئر ولو ظهر الماء فكالعين. وفي
الاختيار فوضه لرأي الإمام أي لو بإذنه، وإلا فلا شيء له ذكره البرجندي.
(وحريم
شجر يغرس في الأرض الموات خمسة أذرع من كل جانب) فليس لغيره أن يغرس فيه، ويلحق
ما امتنع عود دجلة والفرات إليه بالموات (إذا لم يكن) ذلك (حريما) لعامر
(فإن) كان حريما أو (جاز عوده لم يجز إحياؤه) لأنه ليس بموات.
(والنهر
في ملك الغير لا حريم - له إلا ببرهان) وقالا له مسناة النهر لمشيه ولقي
طينه. وقدره محمد بقدر عرض النهر من كل جانب، وهو أرفق ملتقى. وقدره أبو يوسف
بنصف بطن النهر وعليه الفتوى قهستاني معزيا للكرماني، وفيه معزيا للاختيار،
والحوض على هذا الاختلاف. وفيه معزيا للكافي، ولو كان النهر صغيرا يحتاج إلى
كريه في كل حين فله حريم بالاتفاق وفيه معزيا للكرماني أن الخلاف في نهر مملوك له
مسناة فارغة بلزقها أرض لغير صاحب النهر فالمسناة له عندهما ولصاحب الأرض عنده
وفيه معزيا للتتمة الصحيح أن له حريما بالاتفاق بقدر ما يحتاج إليه لإلقاء الطين
ونحوه ا هـ قلت: وممن نقل الاتفاق الشرنبلالي عن الاختيار وشرح المجمع.
فصل
في الشرب
هو لغة (نصيب الماء) وشرعا نوبة الانتفاع بالماء سقيا
للزراعة والدواب (والشفة شرب بني آدم والبهائم) بالشفاء (ولكل حقها في كل
ماء لم يحرز بإناء) أو حب (و) لكل (سقي أرضه من بحر أو نهر عظيم كدجلة
والفرات ونحوهما) لأن الملك بالإحراز ولا إحراز لأن قهر الماء يمنع قهر غيره
(و) لكل (شق نهر لسقي أرضه منها أو لنصب الرحى إن لم يضر بالعامة) لأن
الانتفاع بالمباح إنما يجوز إذا لم يضر بأحد كالانتفاع بشمس وقمر وهواء (لا سقي
دوابه إن خيف تخريب النهر لكثرتها)
(ولا) سقي (أرضه وشجره
وزرعه ونصب دولاب) ونحوها (من نهر غيره وقناته وبئره إلا بإذنه) لأن الحق
له فيتوقف على إذنه.
(وله سقي شجر أو خضر زرع في داره حملا إليه
بجراره) وأوانيه (في الأصح) وقيل لا إلا بإذنه
(والمحرز في
كوز وحب) بمهملة مضمومة الخانية (لا ينتفع به إلا بإذن صاحبه) لملكه
بإحرازه.
(ولو كانت البئر أو الحوض أو النهر في ملك رجل فله أن
يمنع مريد الشفقة من الدخول في ملكه إذا كان يجد ماء بقربه فإن لم يجد يقال له)
أي لصاحب البئر ونحوه (إما أن تخرج الماء إليه أو تتركه) ليأخذ الماء (بشرط
أن لا يكسر ضفته) أي جانب النهر ونحوه (لأن له حينئذ حق الشفة) لحديث
أحمد: «المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلإ والنار»
(وحكم
الكلإ كحكم الماء فيقال للمالك إما أن تقطع وتدفع إليه وإلا تتركه ليأخذ قدر ما
يريد) زيلعي.
(ولو منعه الماء وهو يخاف على نفسه ودابته العطش
كان له أن يقاتله بالسلاح) لأثر عمر رضي الله عنه (وإن كان محرزا في الأواني
قاتله بغير السلاح) كالطعام عند المخمصة درر (إذا كان فيه فضل عن حاجته)
لملكه بالإحراز فصار نظير الطعام، وقيل في البئر ونحوها فالأولى أن يقاتله بغير
سلاح، لأنه ارتكب معصية فكان كالتعزير كاف.
(وكري نهر) أي حفره
(غير مملوك من بيت المال فإن لم يكن ثمة) أي في بيت المال (شيء يجبر الناس
على كريه إن امتنعوا عنه) دفعا للضرر (وكري) النهر (المملوك على أهله
ويجبر من أبى منهم) على ذلك - (وقيل في الخاص لا يجبر) وهل يرجعون إن أمر
القاضي نعم.
(ومؤنة كري النهر المشترك عليهم من أعلاه فإذا جازوا
أرض رجل) منهم (برئ) من مؤنة الكري وقالا: عليهم كريه من أوله إلى آخره
بالحصص كما يستوون في استحقاق الشفعة ولا كري (وعلى أهل الشفعة تصح دعوى الشرب
بغير أرضه) استحسانا.
(وإذا كان لرجل أرض ولآخر فيها نهر وأراد
رب الأرض أن لا يجري النهر في أرضه لم يكن ذلك ويتركه على حاله وإن لم يكن في يده
ولم يكن جاريا فيها) أي في الأرض (فعليه البيان أن هذا النهر له وأنه قد كان
له مجراه في هذا النهر مسوق لسقي أراضيه، وعلى هذا المصب في نهر أو على سطح أو
الميزاب أو الممشى كل ذلك في دار غيره فحكم الاختلاف فيه نظيره في الشرب)
زيلعي.
(نهر بين قوم اختصموا في الشرب فهو بينهم على قدر
أراضيهم) لأنه المقصود (بخلاف اختلافهم في الطريق فإنهم يستوون في ملك
رقبته) بلا اعتبار سعة الدار وضيقها لأن المقصود الاستطراق (وليس لأحد من
الشركاء) في النهر (أن يشق منه نهرا أو ينصب عليه رحى) إلا رحى وضع في ملكه
ولا يضر بنهر ولا بماء وقاية (أو دالية كناعورة أو جسر) أو قنطرة (أو يوسع
فم النهر أو يقسم بالأيام و) الحال أنه (قد كانت القسمة بالكوى) بكسر الكاف
جمع كوة بفتحها الثقب لأن القديم يترك على قدمه لظهور الحق فيه (أو يسوق نصيبه
إلى أرض له أخرى ليس له منه) أي من النهر (شرب بلا رضاهم) يتعلق بالجميع
ولهم نقضه بعد الإجازة ولورثتهم من بعدهم، وليس لأهل الأعلى سكر النهر بلا رضاهم،
وإن لم تشرب أرضه بدونه ملتقى (كطريق مشترك أراد أحدهم أن يفتح فيه بابا إلى
دار أخرى ساكنها غير ساكن هذه الدار التي مفتحها في هذا الطريق بخلاف ما إذا كان
ساكن الدارين واحدا حيث لا يمنع) لأن المارة لا تزداد.
(ويورث
الشرب ويوصى بالانتفاع به) أما الإيصاء ببيعه فباطل (ولا يباع) الشرب
(ولا يوهب ولا يؤجر ولا يتصدق به) لأنه ليس بمال متقوم في ظاهر الرواية وعليه
الفتوى كما سيجيء (ولا يوصى بذلك) أي ببيعه وأخويه
(ولا يصلح)
الماء (بدل خلع وصلح عن دم عمه ومهر نكاح وإن صحت هذه العقود) لأنها لا تبطل
بالشرط الفاسد لأن الشرب لا يملك بسبب ما حتى لو مات وعليه دين لم يبع الشرب بلا
أرض فلو لم يكن له أرض قيل يجمع الماء في كل نوبة في حوض فيباع الماء إلى أن
ينقضي دينه وقيل ينظر الإمام لأرض لا شرب لها فيضمه إليها فيبيعها برضا ربها
فينظر لقيمة الأرض بلا شرب ولقيمتها معه فيصرف تفاوت ما بينهما لدين الميت وتمامه
في الزيلعي
(ولا يضمن من ملأ أرضه ماء فنزت أرض جاره أو غرقت)
لأنه متسبب غير متعد وهذا إذا سقاها سقيا معتادا تتحمله أرضه عادة وإلا فيضمن
وعليه الفتوى. وفي الذخيرة وهذا إذا سقى في نوبته مقدار حقه وأما إذا سقى في
غير نوبته أو زاد على حقه يضمن على ما قال إسماعيل الزاهد قهستاني (ولا يضمن من
سقى أرضه) أو زرعه (من شرب غيره بغير إذنه) في رواية الأصل وعليه الفتوى
شرح وهبانية وابن الكمال عن الخلاصة لما مر أنه غير متقوم ولو تصدق بنزله فحسن
لبقاء الماء الحرام فيه بخلاف العلف المغصوب فإن الدابة إذا سمنت به انعدم وصار
شيئا آخر قهستاني (فإن تكرر ذلك منه) لا ضمان و (أدبه الإمام بالضرب والحبس
إن رأى) الإمام (ذلك) خانية وتمامه في شرح الوهبانية قال وجوز بعض مشايخ
بلخ بيع الشرب لتعامل أهل بلخ والقياس يترك للتعامل، ونوقض بأنه تعامل أهل بلدة
واحدة وأفتى الناصحي بضمانه ذكره في جواهر الفتاوى قال: وينفذ الحكم بصحة بيعه
فليحفظ. قلت: وفي الهداية وشروحها من البيع الفاسد أنه يضمن بالإتلاف فلو سقى
أرض نفسه بماء غيره ضمنه وبه جزم في النقاية هنا فافهم. قلت: وقد مر ما عليه
الفتوى فتنبه. وفي الوهبانية: وساق بشرب الغير ليس بضامن وضمنه بعض وما مر
أظهر وما جوزوا أخذ التراب الذي على جوانب نهر دون إذن يقرر ولو حفروا نهرا
وألقوا ترابه فلو في حريم ليس بالنقل يؤمر.
كتاب الأشربة
هي جمع شراب (والشراب) لغة: كل مائع يشرب واصطلاحا
(ما يسكر والمحرم منها أربعة) أنواع. (الأول: الخمر وهي النيء) بكسر
النون فتشديد الياء (من ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف) أي رمى (بالزبد)
أي الرغوة ولم يشترطا قذفه وبه قالت الثلاثة وبه أخذ أبو حفص الكبير، وهو الأظهر
كما في الشرنبلالية عن المواهب ويأتي ما يفيده وقد تطلق الخمر على غير ما ذكر
مجازا. ثم شرع في أحكامها العشرة فقال (وحرم قليلها وكثيرها) بالإجماع
(لعينها) أي لذاتها وفي قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر} الآية عشر
دلائل على حرمتها مبسوطة في المجتبى وغيره (وهي نجسة نجاسة مغلظة كالبول ويكفر
مستحلها وسقط تقومها) في حق المسلم (لا ماليتها) في الأصح
(وحرم
الانتفاع بها) ولو لسقي دواب أو لطين أو نظر للتلهي، أو دواء أو دهن أو طعام أو
غير ذلك إلا لتخليل أو لخوف عطش بقدر الضرورة فلو زاد فسكر حد مجتبى
(ولا
يجوز بيعها) لحديث مسلم: «إن الذي حرم شربها حرم بيعها» (ويحد شاربها وإن
لم يسكر منها و) يحد (شارب غيرها إن سكر ولا يؤثر فيها الطبخ) إلا أنه لا
يحد فيه ما لم يسكر منه لاختصاص الحد بالنيء ذكره الزيلعي، واستظهره المصنف وضعف
ما في القنية والمجتبى ثم نقل عن ابن وهبان أنه لا يلتفت لما قاله صاحب القنية
مخالفا للقواعد ما لم يعضده نقل من غيره ا هـ وفيه كلام لابن الشحنة
(ولا
يجوز بها التداوي) على المعتمد قاله المصنف. قلت: ولو باحتقان أو إقطار في
إحليل نهاية (ولا يجوز تحليلها ولو بطرح شيء فيها) خلافا للشافعي.
(و)
الثاني (الطلاء) بالكسر (وهو العصير يطبخ حتى يذهب أقل من ثلثيه) ويصير
مسكرا وصوب المصنف أن هذا يسمى الباذق، وأما الطلاء فما ذكره بقوله (وقيل ما
طبخ من ماء العنب حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه) وصار مسكرا (وهو الصواب) كما
جرى عليه صاحب المحيط وغيره، يعني في التسمية لا في الحكم، لأن حل هذا المثلث
المسمى بالطلاء على ما في المحيط ثابت لشرب كبار الصحابة رضي الله عنهم كما في
الشرنبلالية. قال: وسمي بالطلاء لقول عمر رضي الله عنه: ما أشبه هذا الطلاء
البعير وهو القطران الذي يطلى به البعير الجربان (ونجاسته) أي الطلاء على
التفسير الأول كذا قاله المصنف (كالخمر) به يفتى
(و) الثالث
(السكر) بفتحتين (وهو النيء من ماء الرطب) إذا اشتد وقذف بالزبد
(و)
الرابع (نقيع الزبيب، وهو النيء من ماء الزبيب) بشرط أن يقذف بالزبد بعد
الغليان (والكل) أي الثلاثة المذكورة (حرام إذا غلى واشتد) وإلا اتفاقا،
وإن قذف حرم اتفاقا، وظاهر كلامه فبقية المتون أنه اختار هاهنا قولهما قاله
البرجندي، نعم قال القهستاني: وترك القيد هنا لأنه اعتمد على السابق ا هـ
فتنبه؛ ولم يبين حكم نجاسة السكر والنقيع؛ ومفاد كلامه أنها خفيفة وهو مختار
السرخسي، واختار في الهداية أنها غليظة (وحرمتها دون حرمة الخمر فلا يكفر
مستحلها) لأن حرمتها بالاجتهاد.
(والحلال منها) أربعة
أنواع: الأول (نبيذ التمر والزبيب إن طبخ أدنى طبخة) يحل شربه (وإن
اشتد) وهذا (إذا شرب) منه (بلا لهو وطرب) فلو شرب للهو فقليله وكثيره
حرام (وما لم يسكر) فلو شرب ما يغلب على ظنه أنه مسكر فيحرم، لأن السكر حرام
في كل شراب. (و) الثاني (الخليطان) من الزبيب والتمر إذا طبخ أدنى
طبخة، وإن اشتد يحل بلا لهو. (و) الثالث (نبيذ العسل والتين والبر
والشعير والذرة) يحل سواء (طبخ أو لا) بلا لهو وطرب. (و) الرابع
(المثلث) العنبي وإن اشتد، وهو ما طبخ من ماء العنب حتى يذهب ثلثاه ويبقى
ثلثه إذا قصد به استمراء الطعام والتداوي والتقوي على طاعة الله تعالى، ولو للهو
لا يحل إجماعا حقائق.
(وصح بيع غير الخمر) مما مر، ومفاده صحة
بيع الحشيشة والأفيون. قلت: وقد سئل ابن نجيم عن بيع الحشيشة هل يجوز؟ فكتب
لا يجوز، فيحمل على أن مراده بعدم الجواز عدم الحل. قال المصنف (وتضمن) هذه
الأشربة (بالقيمة لا بالمثل) لمنعنا عن تملك عينه وإن جاز فعله، بخلاف الصليب
حيث تضمن قيمته صليبا لأنه مال متقوم في حقه وقد أمرنا بتركهم وما يدينون
زيلعي. (وحرمها محمد) أي الأشربة المتخذة من العسل والتين ونحوهما قاله
المصنف (مطلقا) قليلها وكثيرها (وبه يفتى) ذكره الزيلعي وغيره؛ واختاره
شارح الوهبانية، وذكر أنه مروي عن الكل ونظمه فقال: وفي عصرنا فاختير حد
وأوقعوا طلاقا لمن من مسكر الحب يسكر وعن كلهم يروى وأفتى محمد بتحريم ما قد قل
وهو المحرر قلت: وفي طلاق البزازية: وقال محمد ما أسكر كثيره فقليله حرام،
وهو نجس أيضا، ولو سكر منها المختار في زماننا أنه يحد. زاد في الملتقى: وقوع
طلاق من سكر منها تابع للحرمة، والكل حرام عند محمد وبه يفتى، والخلاف إنما هو
عند قصد التقوي. أما عند قصد التلهي فحرام إجماعا ا هـ، وتمامه فيما علقته
عليه. زاد في القهستاني: أن لبن الإبل إذا اشتد لم يحل عند محمد خلافا لهما،
والسكر منه حرام بلا خلاف، والحد والطلاق على الخلاف، وكذا لبن الرماك: أي
الفرسة إذا اشتد لم يحل، وصحح في الهداية حله. وفي الخزانة أنه يكره تحريما عند
عامة المشايخ على قوله.
(وحل الانتباذ) اتخاذ النبيذ (في
الدباء) جمع دباءة وهو القرع (والحنتم) جرة خضراء (والمزفت) المطلي
بالزفت: أي القير (والنقير) الخشبة المنقورة، وما ورد من النهي نسخ.
(وكره
شرب دردي الخمر) أي عكره (والامتشاط) بالدردي لأن فيه أجزاء الخمر، وقليله
ككثيره كما مر (و) لكن (لا يحد شاربه) عندنا (بلا سكر) وبه يحد
إجماعا.
(ويحرم أكل البنج والحشيشة) هي ورق القتب
(والأفيون) لأنه مفسد للعقل ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة (لكن دون حرمة
الخمر، فإن أكل شيئا من ذلك لا حد عليه وإن سكر) منه (بل يعزر بما دون
الحد) كذا في الجوهرة، وكذا تحرم جوزة الطيب لكن دون حرمة الحشيشة قاله
المصنف. ونقل عن الجامع وغيره أن من قال بحل البنج والحشيشة فهو زنديق مبتدع؛
بل قال نجم الدين الزاهدي: إنه يكفر ويباح قتله. قلت: ونقل شيخنا النجم
الغزي الشافعي في شرحه على منظومة أبيه البدر المتعلقة بالكبائر والصغائر عن ابن
حجر المكي أنه صرح بتحريم جوزه الطيب بإجماع الأئمة الأربعة وأنها مسكرة. ثم
قال شيخنا النجم: والتتن الذي حدث وكان حدوثه بدمشق في سنة خمسة عشر بعد الألف
يدعي شاربه أنه لا يسكر وإن سلم له فإنه مفتر وهو حرام لحديث أحمد عن أم سلمة
قالت: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر» قال: وليس من
الكبائر تناوله المرة والمرتين، ومع نهي ولي الأمر عنه حرم قطعا، على أن استعماله
ربما أضر بالبدن، نعم الإصرار عليه كبيرة كسائر الصغائر ا هـ بحروفه. وفي
الأشباه في قاعدة: الأصل الإباحة أو التوقف، ويظهر أثره فيما أشكل حاله
كالحيوان المشكل أمره والنبات المجهول سمته ا هـ. قلت: فيفهم منه حكم النبات
الذي شاع في زماننا المسمى بالتتن فتنبه، وقد كرهه شيخنا العمادي في هديته إلحاقا
له بالثوم والبصل بالأولى فتدبر، وممن جزم بحرمة الحشيشة شارح الوهبانية في
الحظر، ونظمه فقال: وأفتوا بتحريم الحشيش وحرقه وتطليق محتش لزجر وقرروا لبائعه
التأديب والفسق أثبتوا وزندقة للمستحل وحرروا.
كتاب الصيد
لعل
مناسبته أن كلا منهما مما يورث السرور (هو مباح) بخمسة عشر شرطا مبسوطة في
العناية، وسنقرره في أثناء المسائل (إلا) لمحرم في غير المحرم أو
(للتلهي) كما هو ظاهر (أو حرفة) على ما في الأشباه. قال المصنف:
وإنما زدته تبعا له، وإلا فالتحقيق عندي إباحة اتخاذه حرفة لأنه نوع من الاكتساب،
وكل أنواع الكسب في الإباحة سواء على المذهب الصحيح كما في البزازية وغيرها.
(نصب
شبكة للصيد ملك ما تعقل بها، بخلاف ما إذا نصبها للجفاف) فإنه لا يملك ما تعقل
بها (وإن وجد) المقلش أو غيره (خاتما أو دينارا مضروبا) بضرب أهل الإسلام
(لا) يملكه ويجب تعريفه. اعلم أن أسباب الملك ثلاثة: ناقل كبيع وهبة
وخلافة كإرث وأصالة، وهو الاستيلاء حقيقة بوضع اليد أو حكما بالتهيئة كنصب الصيد
لا لجفاف على المباح الخالي عن مالك، فلو استولى في مفازة على حطب غيره لم يملكه
ولم يحل للمقلش ما يجده بلا تعريف، وتمام التفريع في المطولات.
(ويحل
الصيد بكل ذي ناب ومخلب) تقدما في الذبائح (من كلب وباز ونحوهما بشرط قابلية
التعليم و) بشرط (كونه ليس بنجس العين). ثم فرع على ما مهد من الأصل
بقوله (فلا يجوز الصيد بدب وأسد) لعدم قابليتهما التعليم فإنهما لا يعملان
للغير، الأسد لعلو همته، والدب لخساسته. وألحق بعضهم بالدب الحدأة لخساستها
(ولا بخنزير) لنجاسة عينه، وعليه فلا يجوز بالكلب على القول بنجاسة عينه،
وإلا أن يقال إن النص ورد فيه فتنبه.
وبه يندفع قول القهستاني: إن
الكلب نجس العين عند بعضهم، والخنزير ليس بنجس العين عند أبي حنيفة على ما في
التجريد وغيره فتأمل (بشرط علمهما) علم ذي ناب ومخلب (وذا بترك الأكل)
أما الشرب من دم الصيد فلا يضر قهستاني ويأتي (ثلاثا في الكلب) ونحوه
(وبالرجوع إذا دعوته في البازي) ونحوه (و) بشرط (جرحهما في أي موضع
منه) على الظاهر وبه يفتى، وعن الثاني يحل بلا جرح، وبه قال الشافعي (و)
بشرط (إرسال مسلم أو كتابي).
(و) بشرط (التسمية عند
الإرسال) ولو حكما، فالشرط عدم تركها عمدا (على حيوان ممتنع) أي قادر على
الامتناع بقوائمه أو بجناحيه (متوحش) فالذي وقع في الشبكة أو سقط في البئر أو
استأنس لا يتحقق فيه الحكم المذكور ولذا قال (يؤكل) لأن الكلام في صيد الأكل
وإن حل صيد غيره كما سيجيء، أو أعم لحل الانتفاع بالجلد مثلا كما يأتي
فتأمل.
(و) بشرط (أن لا يشرك الكلب المعلم كلب لا يحل صيده
ككلب) غير معلم وكلب (مجوسي) أو لم يرسل أو لم يسم عليه (و) بشرط أن
(لا تطول وقفته بعد إرساله) ليكون الاصطياد مضافا للإرسال (بخلاف ما إذا
كمن) واستخفى (كالفهد) أي كما يكمن الفهد على وجه الحيلة لا للاستراحة.
وللفهد خصال حسنة ينبغي لكل عاقل العمل بها كما بسطه المصنف، فإن أكل منه البازي
أكل لأن تعليمه ليس بترك أكله.
(وإن أكل الكلب) ونحوه (لا)
يؤكل مطلقا عندنا (كأكله منه) أي كما لا يؤكل الصيد الذي أكل الكلب منه
(بعد تركه) للأكل (ثلاث مرات) لأنه علامة الجهل (وكذا) لا يأكل (ما
صاد بعده حتى يتعلم) ثانيا بترك الأكل ثلاثا (أو) ما صاده (قبله لو بقي
في ملكه) فإن ما أتلفه من الصيد لا تظهر فيه الحرمة اتفاقا لفوات المحل، وفيه
إشكال ذكره القهستاني (كصقر فر من صاحبه فمكث حينا ثم رجع إليه فأرسله) فصاد
لم يؤكل لتركه ما صار به معلما فيكون كالكلب إذا أكل.
(ولو أخذ)
الصياد (الصيد من الكلب وقطع منه بضعة وألقاها إليه فأكلها أو خطف الكلب منه
وأكله أكل ما بقي؛ كما لو شرب الكلب من دمه) لأنه من غاية علمه.
(ولو
نهش الصيد فقطع منه بضعة فأكلها ثم أدركه فقتله ولم يأكل منه لا يؤكل) لأكله
حالة الاصطياد. (ولو ألقى ما نهشه واتبع الصيد فقتله ولم يأكل منه حتى أخذه
صاحبه ثم أكل ما ألقى حل) لأنه حينئذ لو أكل من نفس الصيد لم يضر كما مر.
(وإذا
أدرك) المرسل أو الرامي (الصيد حيا) بحياة فوق ما في المذبوح (ذكاه)
وجوبا (وشرط لحله بالرمي التسمية) ولو حكما كما مر (و) شرط (الجرح)
ليتحقق معنى الذكاة (و) شرط (أن لا يقعد عن طلبه لو غاب) الصيد
(متحاملا بسهمه) فما دام في طلبه يحل، وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتا لا
لاحتمال موته بسبب آخر: وشرط في الخانية لحله أن لا يتوارى عن بصره، وفيه كلام
مبسوط في الزيلعي وغيره. (فإن أدركه الرامي أو المرسل حيا ذكاه) وجوبا فلو
تركها حرم وسيجيء (والحياة المعتبرة هنا ما) يكون (فوق ذكاة المذبوح) بأن
يعيش يوما، وروي أكثره مجمع. أما مقدارها وهو ما لا يتوهم بقاؤه كما في الملتقى
يعتبر هاهنا، حتى لو وقع في ماء لم يحرم.
(و) المعتبر (في
المتردية وأخواتها) كنطيحة وموقوذة وما أكل السبع (والمريضة) مطلق
(الحياة وإن قلت) كما أشرنا إليه (وعليه الفتوى) وتقدم في الذبائح (فإن
تركها) أي الذكاة (عمدا) مع القدرة عليها (فمات) حرم، وكذا يحرم لو عجز
عن التذكية في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يحل وهو قول الشافعي، قال
المصنف: وفي متني ومتن الوقاية إشارة إلى حله، والظاهر ما سمعته ا هـ. قلت:
ووجه الظاهر أن العجز عن التذكية في مثل هذا لا يحل الحرام.
(أو
أرسل مجوسي كلبا فزجره مسلم فانزجر أو قتله معراض بعرضه) وهو سهم لا ريش له،
سمي به لإصابته بعرضه؛ ولو لرأسه حدة فأصاب بحده حل (أو بندقة ثقيلة ذات حدة)
لقتلها بالثقل لا بالحد، ولو كانت خفيفة بها حدة حل؛ لقتلها بالجرح، ولو لم يجرحه
لا يؤكل مطلقا. وشرط في الجرح الإدماء، وقيل لا. ملتقى، وتمامه فيما علقته
عليه (أو رمى صيدا فوقع في ماء) لاحتمال قتله بالماء فتحرم، ولو الطير مائيا
فوقع فيه، فإن انغمس جرحه فيه حرم وإلا حل ملتقى (أو وقع على سطح أو جبل فتردى
منه إلى الأرض حرم) في المسائل كلها، لأن الاحتراز عن مثل هذا ممكن (فإن وقع
على الأرض ابتداء) إذ الاحتراز عنه غير ممكن فيحل
(أو أرسل مسلم
كلبه فزجره) أي أغراه بصياحه (مجوسي فانزجر) إذ الزجر دون الإرسال والفعل
يرفع بما هو فوقه أو مثله كنسخ الحديث (أو لم يرسله أحد فزجره مسلم فانزجر)
إذ الزجر إرسال حكما (أو أخذ غير ما أرسل إليه) لأن غرضه أخذ كل صيد يتمكن
منه، حتى لو أرسله على صيود كثيرة بتسمية واحدة فقتل الكل أكل الكل (أكل) في
الوجوه المذكورة لما ذكرنا (كصيد رمي فقطع عضو منه) فإنه يؤكل (لا العضو)
خلافا للشافعي. ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: «ما أبين من الحي فهو ميتة»
ولو قطعه ولم يبنه، فإن اشتمل التئامه أكل العضو أيضا وإلا لا ملتقى (وإن
قطعه) الرامي (أثلاثا وأكثره مع عجزه أو قطع نصف رأسه أو أكثره أو قده نصفين
أكل كله) لأن في هذه الصور لا يمكن حياة فوق حياة المذبوح فلم يتناوله الحديث
المذكور، بخلاف ما لو كان أكثره مع رأسه للإمكان المذكور.
(وحرم
صيد مجوسي ووثني ومرتد) ومحرم لأنهم ليسوا من أهل الزكاة، بخلاف كتابي لأن ذكاة
الاضطرار كذكاة الاختيار.
(وإن رمى صيدا فلم يثخنه فرماه آخر
فقتله فهو للثاني وحل، وإن أثخنه) الأول بأن أخرجه عن حيز الامتناع وفيه من
الحياة ما يعيش (ف) الصيد (للأول وحرم) لقدرته على ذكاة الاختيار، فصار
قائلا له فيحرم (وضمن الثاني للأول قيمته) كلها وقت إتلافه (غير ما نقصته
جراحته)
(وحل اصطياد ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل) لحمه لمنفعة
جلده أو شعره أو ريشه أو لدفع شره، وكله مشروع لإطلاق النص. وفي القنية يجوز
ذبح الهرة والكلب لنفع ما (والأولى ذبح الكلب إذا أخذته حرارة الموت، وبه يطهر
لحم غير نجس العين) كخنزير فلا يطهر أصلا (وجلده) وقيل يطهر جلده لا لحمه
وهذا أصح ما يفتى به كما في الشرنبلالية عن المواهب هنا ومر في الطهارة
(أخذ
الطير ليلا مباح والأولى عدم فعله) خانية (يكره تعليم البازي بالطير الحي)
لتعذيبه
(سمع) الصائد (حس إنسان، أو غيره من الأهليات) كفرس
وشاة (فرمى إليه فأصاب صيدا لم يحل بخلاف ما إذا سمع حس أسد) أو خنزير
(فرمى إليه) وأرسل كلبه (فإذا هو صيد حلال الأكل حل) ولو لم يعلم أن الحس
حس صيد أو غيره لم يحل جوهرة، لأنه إذا اجتمع المبيح والمحرم غلب المحرم.
(رمى
ظبيا فأصاب قرنه أو ظلفه فمات، إن أدماه أكل) لوجود الجرح (وإلا لا، والعبرة
بحالة الرمي فحل الصيد بردته) إذا رمى مسلما (لا بإسلامه ووجب الجزاء بحله)
إذا رمى محرما (لا بإحرامه) وسيجيء قبيل كتاب الديات.
[فرع في
لو أن بازيا معلما أخذ صيدا فقتله]
لو أن بازيا معلما أخذ صيدا
فقتله ولا يدرى أرسله إنسان أو لا لا يؤكل لوقوع الشك في الإرسال ولا إباحة
بدونه، وإن كان مرسلا فهو مال الغير فلا يجوز تناوله إلا بإذن صاحبه زيلعي.
قلت: وقد وقع في عصرنا حادثة الفتوى، وهي أن رجلا وجد شاته مذبوحة ببستانه هل
يحل له أكلها أم لا؟ ومقتضى ما ذكرناه أنه لا يحل لوقوع الشك في أن الذابح ممن
تحل ذكاته أم لا، وهل سمى الله تعالى عليها أم لا. لكن في الخلاصة من اللقطة:
قوم أصابوا بعيرا مذبوحا في طريق البادية، إن لم يكن قريبا من الماء ووقع في
القلب أن صاحبه فعل ذلك إباحة للناس لا بأس بالأخذ والأكل لأن الثابت بالدلالة
كالثابت بالصريح ا هـ، فقد أباح أكلها بالشرط المذكور، فعلم أن العلم بكون الذابح
أهلا للذكاة ليس بشرط قاله المصنف. قلت: قد يفرق بين حادثة الفتوى واللقطة
بأن الذابح في الأول غير المالك قطعا وفي الثاني يحتمل. ورأيت بخط ثقة: سرق
شاة فذبحها بتسمية فوجد صاحبها هل تؤكل؟ الأصح لا لكفره بتسميته على الحرام
القطعي بلا تملك ولا إذن شرعي ا هـ فليحرر. وفي الوهبانية: وما مات لا تطعمه
كلبا فإنه خبيث حرام نفعه متعذر وتمليك عصفور لواجده أجز وإعتاقه بعض الأئمة ينكر
وإن يلقه مع غيره جاز أخذه كقشر لرمان رماه المقشر وفي معاياتها: وأي حلال لا
يحل اصطياده صيودا وما صيدت ولا هي تنفر
كتاب الرهن
مناسبته أن كلا من الرهن والصيد سبب لتحصيل المال.
(هو) لغة: حبس الشيء. وشرعا (حبس شيء مالي) أي جعله محبوسا لأن
الحابس هو المرتهن بحق يمكن استيفاؤه) أي أخذه (منه) كلا أو بعضا كأن كان
قيمة المرهون أقل من الدين (كالدين) كاف الاستقصاء لأن العين لا يمكن
استيفاؤها من الرهن إلا إذا صار دينا حكما كما سيجيء (حقيقة) وهو دين واجب
ظاهرا وباطنا أو ظاهرا فقط كثمن عبد أو خل وجد حرا أو خمرا (أو حكما)
كالأعيان (المضمونة بالمثل أو القيمة) (كما سيجيء) كونه.
(وينعقد
بإيجاب وقبول)
حال (غير لازم) وحينئذ فللرهن تسليمه والرجوع عنه
كما في الهبة (فإذا سلمه وقبضه المرتهن) حال كونه (محوزا) لا متفرقا كثمر
على شجر (مفرغا) لا مشغولا بحق الراهن كشجر بدون الثمر (مميزا) لا مشاعا
ولو حكما بأن اتصل المرهون بغير المرهون خلقة كالشجر وسيتضح (لزم) أفاد أن
القبض شرط اللزوم كما في الهبة، وصحح في المجتبى أنه شرط الجواز (والتخلية)
بين الرهن والمرتهن (قبض) حكما على الظاهر (كالبيع) فإنها فيه أيضا
قبض
(وهو مضمون إذا هلك بالأقل من قيمته ومن الدين) وعند الشافعي
هو أمانة (والمعتبر قيمته يوم القبض) لا يوم الهلاك كما توهمه في الأشباه
لمخالفته للمنقول كما حرره المصنف.
(المقبوض على سوم الرهن إذا لم
يبين المقدار) أي مقدار ما يريد أخذه من الدين (ليس بمضمون في الأصح) كذا
في القنية والأشباه (فإن) هلك و (ساوت قيمته الدين صار مستوفيا) دينه
(حكما، أو زادت كان الفضل أمانة) فيضمن بالتعدي (أو نقصت سقط بقدره ورجع)
المرتهن (بالفضل) لأن الاستيفاء بقدر المالية (وضمن) المرتهن (بدعوى
الهلاك بلا برهان مطلقا) سواء كان من أموال ظاهرة أو باطنة، وخصه مالك بالباطنة
(وله طلب دينه من راهنه، وله حبسه به وإن كان الرهن في يده لأن) الحبس جزاء
مطله (وله حبس رهنه بعد الفسخ) للعقد (حتى يقبض دينه أو يبرئه) لأن الرهن
لا يبطل بمجرد الفسخ بل يبقى رهنا ما بقي القبض والدين معا فإذا فات أحدهما لم
يبق رهنا زيلعي ودرر وغيرهما
(لا انتفاع به مطلقا) لا باستخدام،
ولا سكنى ولا لبس ولا إجارة ولا إعارة، سواء كان من مرتهن أو راهن (إلا بإذن)
كل للآخر، وقيل لا يحل للمرتهن لأنه ربا، وقيل إن شرطه كان ربا وإلا لا. وفي
الأشباه والجواهر: أباح الراهن للمرتهن أكل الثمار أو سكنى الدار أو لبن الشاة
المرهونة فأكلها لم يضمن وله منعه، ثم أفاد في الأشباه أنه يكره للمرتهن الانتفاع
بذلك، وسيجيء آخر الرهن. (ماتت الشاة في يد المرتهن قسم الدين على قيمة الشاة
ولبنها الذي شربه، فحظ الشاة يسقط وحظ اللبن يأخذه المرتهن، فلو فعل) الانتفاع
قبل إذنه (صار متعديا ولم يبطل) الرهن (به).
(وإذا طلب)
المرتهن (دينه أمر بإحضار رهنه) لئلا يصير مستوفيا مرتين إلا إذا كان له حمل
أو عند العدل لأنه لم يأتمنه شرح مجمع (فإن أحضر سلم) له (كل دينه أولا
ثم) سلم المرتهن (رهنه) تحقيقا للتسوية (وإن طلب) دينه (في غير بلد
العقد) للرهن (فكذلك) الحكم (إن لم يكن للرهن مؤنة، وإن كان) لحمله
مؤنة (سلم دينه وإن لم يحضره) لأن الواجب عليه التسليم بمعنى التخلية لا
النقل من مكان إلى مكان. ونقل القهستاني عن الذخيرة أنه لو لم يقدر على إحضاره
أصلا مع قيامه لم يؤمر به ا هـ فليحفظ.
(و) لكن (للراهن أن
يحلفه بالله ما هلك) وهذا كله إذا ادعى الراهن هلاكه، أما إذا لم يدع فلا فائدة
في إحضاره، وكذا الحكم عند كل نجم حل كما حرره ابن الشحنة وقال نظما: ولا دفع
ما لم يحضر الرهن أو يكن بغير مكان العقد والحمل يعسر كذا النجم أولا دون دعوى
مدينه هلاكا وهذا في النهاية يذكر
(ولا يكلف مرتهن) قد (طلب
دينه إحضار رهن قد وضع عند العدل بأمر الراهن ولا) إحضار (ثمن رهن باعه
المرتهن بأمره) أي بأمر الراهن (حتى يقبضه) لإذنه بذلك (و) حينئذ ف
(إذا قبضه) أي الثمن (يكلف إحضاره) لقيام البدل مقام المبدل
(ولا)
يكلف (مرتهن معه رهنه تمكين الراهن من بيعه ليقضي دينه) بثمنه لأن حكم الرهن
الحبس الدائم حتى يقبض دينه
(ولا) يكلف (من قضي بعض دينه) أو
أبرأ بعضه (تسليم بعض رهنه حتى يقبض البقية من الدين) أو يبرئها اعتبارا بحبس
المبيع.
(ويجب) على المرتهن (أن يحفظه بنفسه وعياله) كما في
الوديعة (وضمن إن حفظ بغيرهم) كما مر فيها
(و) ضمن
(بإيداعه) وإعارته وإجارته واستخدامه (وتعديه كل قيمته) فيسقط الدين
بقدره (وكذا) يضمن (كل قيمته بجعل خاتم الرهن في خنصره) سواء جعل فصه
لبطن كفه أو لا، وبه يفتى برجندي (اليسرى أو اليمنى) على ما اختاره الرضي لكن
قدمنا في الحظر عن البرجندي هنا أنه شعار الروافض وأنه يجب التحرز عنه فتنبه.
قلت: ولكن جرت العادة في زماننا بلبسه كذلك فينبغي لزوم الضمان قياسا على مسألة
السيف الآتية فليحرر لا يجعله في أصبع أخرى إلا إذا كان المرتهن امرأة فتضمن لأن
النساء يلبسن كذلك فيكون استعمالا لا حفظا ابن كمال معزيا للزيلعي (و) مثله
(تقلد سيفي الرهن لا الثلاثة) فإن الشجعان يتقلدون في العادة بسيفين لا
الثلاثة (و) في (لبس خاتمه) أي خاتم الرهن (فوق آخر يرجع إلى العادة)
فإن كان ممن يتجمل بلبس خاتمين ضمن وإلا كان حافظا فلا يضمن (ثم إن قضى بها)
أي بالقيمة المذكورة (من جنس الدين يلتقيان قصاصا بمجرده) أي بمجرد القضاء
بالقيمة (إذا كان الدين حالا وطالب) المرتهن (الراهن بالفضل إن كان) ثمة
فضل (وإن) كان الدين (مؤجلا يضمن المرتهن قيمته وتكون رهنا عنده، فإذا حل
الأجل أخذه بدينه وإن قضى بالقيمة من خلاف جنسه كان الضمان رهنا عنده إلى قضاء
دينه) لأنه بدل الرهن فأخذ حكمه.
(وأجرة بيت حفظه وحافظه)
ومأوى الغنم (على المرتهن وأجرة راعيه) لو حيوانا (ونفقة الرهن والخراج)
والعشر (على الراهن) والأصل فيه أن كل ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن بنفسه
وتبقيته فعلى الراهن لأنه ملكه، وكل ما كان لحفظه فعلى المرتهن لأن حبسه له.
واعلم أنه لا يلزم شيء منه لو اشترط على الراهن قهستاني عن الذخيرة
وأما
مؤنة رده كجعل آبق (أو رد جزء منه) كمداواة جريح (إلى يده) أي إلى يد
المرتهن (فتنقسم على المضمون والأمانة فالمضمون على المرتهن والأمانة مضمونة
على الراهن) لو قيمته أكثر من الدين وإلا فعلى المرتهن، وكذا معالجة أمراض
وقروح وفداء جناية (وكل ما وجب على أحدهما فأداه الآخر كان متبرعا إلا أن يأمره
القاضي به ويجعله دينا على الآخر) فحينئذ يرجع عليه، وبمجرد أمر القاضي بلا
تصريح يجعله دينا عليه لا يرجع كما في الملتقط. وعن الإمام لا يرجع لو صاحبه
حاضرا مطلقا خلافا للثاني، وهي فرع مسألة الحجر زيلعي.
(قال
الراهن الرهن غير هذا وقال المرتهن بل هذا هو الذي رهنته عندي فالقول للمرتهن)
لأنه القابض، بخلاف ما لو ادعى المرتهن رده على الراهن بعد قبضه فإن القول للراهن
لأنه المنكر، فإن برهنا فللراهن أيضا ويسقط الدين لإثباته الزيادة، ولو قبل قبضه
فالقول للمرتهن لإنكاره دخوله في ضمانه، وإن برهنا فللراهن لإثباته الضمان
بزازية.
يجوز له السفر به) بالرهن (إذا كان الطريق أمنا) كما
في الوديعة (وإن كان له حمل ومؤنة) وكذا الانتقال عن البلد، وكذا العدل الذي
الرهن في يده كما في العمادية معزيا للعدة على خلاف ما في فتاوى القاضيين، ولعل
ما في العدة قول الإمام، وما في الفتاوى قولهما كما يفيده كلام القنية.
[فائدة]
في الحديث: «إذا عمى الرهن فهو بما فيه» قالوا: معناه إذا اشتبهت قيمته بعد
هلاكه بأن قال كل لا أدري كم كانت قيمته ضمن بما فيه من الدين كذا ذكره المصنف
أول الباب.
باب ما يجوز ارتهانه وما لا يجوز
(لا يصح
رهن مشاع) لعدم كونه مميزا كما مر (مطلقا) مقارنا أو طارئا من شريكه أو
غيره بقسم أو لا، ثم الصحيح إنه فاسد يضمن بالقبض، وجوزه الشافعي. وفي
الأشباه: ما قبل البيع قبل الرهن إلا في أربعة: المشاع والمشغول والمتصل
بغيره والمعلق عتقه بشرط قبل وجوده غير المدبر فيجوز بيعها لا رهنها
:
وفيها: الحيلة في جواز رهن المشاع أن يبيعه النصف بالخيار: ثم يرهنه النصف ثم
يفسخ البيع. قال المصنف: وفيه نظر ولعله مفرع على الضعيف في الشيوع الطارئ.
قلت: بل ولا عليه، لأنه بالخيار لا يخلو إما أن يبقى في ملكه أو يعود لملكه.
وعلى كل يكون رهن المشاع ابتداء كما بسطه في تنوير البصائر فتنبه. قلت:
والحيلة الصحيحة ما في حيل منية المفتي: أراد رهن نصف داره مشاعا ببيع نصفها من
طالب الرهن ويقبض منه الثمن على أن المشتري بالخيار ويقبض الدار ثم ينقض بحكم
الخيار فتبقى في يده بمنزلة الرهن بالثمن، واعتمده ابن المصنف في زواهر
الجواهر
وفيها الشيوع الثابت ضرورة لا يضر، لما في الولوالجية: ولو
جاء بثوبين وقال خذ أحدهما رهنا والآخر بضاعة عندك، فإن نصف كل منهما يصير رهنا
بالدين، لأن - أحدهما ليس بأولى من الآخر فيشيع الرهن فيهما بالضرورة فلا
يضر.
(و) لا رهن (ثمرة على نخل دونه و) لا (زرع أرض أو
نخل) أو بناء (بدونها وكذا عكسها) كرهن الشجر لا الثمر والأرض لا النخل.
والأصل أن المرهون متى اتصل بغير المرهون خلقة لا يجوز لامتناع قبض المرهون وحده
درر. وعن الإمام جواز رهن الأرض بلا شجر. ولو رهن الشجر بمواضعها أو الدار
بما فيها جاز ملتقى لأنه اتصال مجاورة. وفي القنية: رهن دارا والحيطان مشتركة
بينه وبين الجيران صح في العرصة، ولا يضر اتصال السقف بالحيطان المشتركة لكونه
تبعا (و) لا (رهن الحر والمدبر والمكاتب وأم الولد) والوقف.
ثم
لما ذكر ما لا يجوز رهنه ذكر ما لا يجوز الرهن به فقال (و) لا
(بالأمانات) كوديعة وأمانة (و) لا (بالدرك) خوف استحقاق المبيع
فالرهن به باطل، بخلاف الكفالة - كما مر (و) لا بعين مضمونة بغيرها: أي
بغير مثل أو قيمة مثل (المبيع في يد البائع) فإنه مضمون بالثمن فإذا هلك ذهب
بالثمن (و) ولا (بالكفالة بالنفس و) لا (بالقصاص مطلقا) في نفس وما
دونها (بخلاف الجناية خطأ) لإمكان استيفاء الأرش من الرهن (ولا بالشفعة
وبأجرة النائحة والمغنية وبالعبد الجاني أو المديون) وإذا لم يصح الرهن في هذه
الصور فللراهن أخذه، فلو هلك عند المرتهن قبل الطلب هلك مجانا إذ لا حكم للباطل
فبقي القبض بإذن المالك صدر الشريعة وابن كمال (و) لا (رهن خمر وارتهانها
من مسلم أو ذمي للمسلم) أي لا يجوز للمسلم أن يرهن خمرا أو يرتهنها من مسلم أو
ذمي (ولا يضمن له) أي للمسلم (مرتهنها) حال كونه (ذميا، وفي عكسه
الضمان) لتقومها عندهم ولا عندنا.
وصح) الرهن (بعين مضمونة
بنفسها) أي بالمثل أو بالقيمة (كالمغصوب وبدل الخلع والمهر وبدل الصلح عن
عمد) اعلم أن الأعيان ثلاثة: عين غير مضمونة أصلا كالأمانات. وعين غير
مضمونة ولكنها تشبه المضمونة كمبيع في يد البائع. وعين مضمونة بنفسها كالمغصوب
ونحوه وتمامه في الدرر.
(و) صح (بالدين ولو موعودا بأن رهن
ليقرضه كذا) كألف مثلا، فلو دفع له البعض وامتنع لأجبر أشباه (فإذا هلك)
هذا الرهن (في يد المرتهن كان مضمونا عليه بما وعد) من الدين فيسلم الألف
للراهن جبرا (إذا كان الدين مساويا للقيمة أو أقل، أما إذا كان أكثر فهو مضمون
بالقيمة) هذا إذا سمى قدر الدين، فإن لم يسمه بأن رهنه على أن يعطيه شيئا فهلك
في يده هل يضمن خلاف بين الإمامين مذكور في البزازية وغيرها. والأصح أنه غير
مضمون، وقد تقدم أن المقبوض على سوم الرهن إذ لم يبين المقدار غير مضمون في
الأصح.
(و) صح (برأس مال السلم وممن الصرف والمسلم فيه، فإن
هلك) الرهن (في المجلس) ثم الصرف والسلم و (صار) المرتهن (مستوفيا)
حكما خلافا للثلاثة (وإن افترقا قبل نقد وهلاك بطلا) أي السلم والصرف، وأما
المسلم فيه فيصح مطلقا، فإن هلك الرهن ثم العقد وصار عوضا للمسلم فيه (ولو)
لم يهلك ولكن (تفاسخا السلم، وبالمسلم فيه رهن فهو رهن برأس المال) استحسانا
لأنه بدله فقام مقامه (وإن هلك) الرهن (بعد الفسخ) المذكور (هلك به)
أي بالمسلم فيه فيلزم رب السلم دفع مثل المسلم فيه لبقاء الرهن حكما إلى أن
يهلك.
(وللأب أن يرهن بدين) كائن (عليه عبدا لطفله) لأن له
إيداعه، فهذا أولى لهلاكه مضمونا الوديعة أمانة (والوصي كذلك) وقال أبو
يوسف: لا يملكان ذلك، ثم إذا هلك ضمنا قدر الدين للصغير لا الفضل لأنه أمانة،
وقال التمرتاشي: يضمن الوصي القيمة لأن للأب أن ينتفع بمال الصبي، بخلاف الوصي،
لكن جزم في الذخيرة وغيرها بالتسوية بينهما
(وله) أي للأب (رهن
ماله عند ولده الصغير بدين له) أي للصغير (عليه) أي على الأب (ويحبسه
لأجله) أي لأجل الصغير (بخلاف الوصي) فإنه لا يملك ذلك سراجية (وكذا
عكسه) فللأب رهن متاع طفله من نفسه، لأنه لوفور شفقته جعل كشخصين وعبارتين
كشرائه مال طفله، - بخلاف الوصي لأنه وكيل محض فلا يتولى طرف العقد في رهن ولا
بيع، وتمامه في الزيلعي
(و) صح (بثمن عبد أو خل أو ذكية إن ظهر
العبد حرا والخل خمرا والذكية ميتة، و) صح (ببدل صلح عن إنكار إن أقر) بعد
ذلك (أن لا دين عليه) والأصل ما مر أن وجوب الدين ظاهرا يكفي لصحة الرهن
والكفيل
(و) صح (رهن الحجرين والمكيل والموزون، فإن رهن)
المذكور بخلاف جنسه هلك بقيمته وهو ظاهر، وإن (بجنسه وهلك، هلك بمثله) وزنا
أو كيلا لا قيمة خلافا لهما (من الدين، ولا عبرة بالجودة) عند المقابلة
بالجنس. ثم إن تساويا فظاهر، وإن الدين أزيد فالزائد في ذمة الراهن، وإن الرهن
أزيد فالزائد أمانة درر وصدر شريعة.
(باع عبدا على أن يرهن
المشتري بالثمن شيئا بعينه أو يعطي كفيلا كذلك) بعينه (صح، ولا يجبر)
المشتري (على الوفاء) لما مر أنه غير لازم (وللبائع فسخه) لفوات الوصف
المرغوب (إلا أن يدفع المشتري الثمن حالا) أو يدفع (قيمة الرهن) المشروط
(رهنا) لحصول المقصود (وإن قال) المشتري (لبائعه) وقد أعطاه شيئا غير
مبيعه (أمسك هذا حتى أعطيك الثمن فهو رهن) لتلفظه بما يفيد الرهن، والعبرة
للمعاني خلافا للثاني والثلاثة، و (لو كان) ذلك الشيء الذي قال له المشتري
أمسكه هو (المبيع) الذي اشتراه بعينه لو (بعد قبضه) لأنه حينئذ يصلح أن
يكون رهنا بثمنه (ولو قبله لا) يكون رهنا لأنه محبوس بالثمن كما مر. بقي لو
كان المبيع مما يفسد بمكثه كلحم وجمد فأبطأ المشتري وخاف البائع تلفه جاز بيعه
وشراؤه، ولو باعه - بأزيد تصدق به لأن فيه شبهة.
(رهن) رجل
(عينا عند رجلين بدين لكل منهما صح وكله رهن من كل منهما) ولو غير شريكين
(فإن تهايأ فكل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر) هذا لو مما لا
يتجزأ، وإن مما يتجزأ فعلى كل حبس النصف فلو دفع له كله ضمن عنده خلافا لهما،
وأصله مسألة الوديعة زيلعي. (ولو هلك ضمن كل حصته) لتجزئ الاستيفاء (فإن
قضى دين أحدهما فكله رهن الآخر) لما مر أن كل العين رهن في يد كل منهما بلا
تفرق
(وإن رهنا رجلا رهنا) واحدا (بدين عليهما صح بكل الدين
ويمسكه إلى استيفاء كل الدين) إذ لا شيوع. (ولو رهن عبدين بألف لا يأخذ
أحدهما بقضاء حصته) لحبس الكل بكل الدين كالمبيع في يد البائع - - فإن سمى لكل
واحد منهما شيئا من الدين له أن يقبض أحدهما إذا أدى ما سمى له بخلاف البيع)
لتعدد العقد بتفصيل الثمن في الرهن لا البيع هو الأصح (وبطل بينة كل منهما)
أي من رجلين (على رجل أنه) أي أن كل واحد (رهنه هذا الشيء) كعبد مثلا
عنده (وقبضه) لاستحالة كون كله رهنا لهذا وكله رهنا لذاك في آن واحد ولا يمكن
تنصيفه للزوم الشيوع - فتهاترتا وحينئذ فتهلك أمانة إذ الباطل لا حكم له هذا
(إن لم يؤرخا، فإن أرخا كان صاحب التاريخ الأقدم أولى وكذا إذا كان) الرهن
(في يد أحدهما كان) ذو اليد (أحق) لقرينة سبقه. (ولو مات راهنه) أي
راهن العبد مثلا (و) الحال أن (الرهن معهما) أي في أيديهما (أو لا)
أي أو ليس العبد معهما فإن الحكم واحد زيلعي (فبرهن كل كذلك) كما وصفنا
(كان في يد كل واحد منهما نصفه) أي العبد (رهنا بحقه) استحسانا لانقلابه
بالموت استيفاء والشائع يقبله.
(أخذ عمامة المديون لتكون رهنا
عنده لم تكن رهنا) وإذا هلكت تهلك هلاك المرهون. قال: وهذا ظاهر إذا رضي
المطلوب بتركه رهنا عمادية، ومفاده أنه إن رضي بتركه كان رهنا وإلا لا، وعليه
يحمل إطلاق السراجية وغيرها كما أفاده المصنف. وفي المجتبى لرب المال مسك مال
المديون رهنا بلا إذنه، وقيل إذا أيس فله أخذه مكان حقه قضاء عن دينه وأقره
المصنف.
(دفع ثوبين فقال خذ أيهما شئت رهنا بكذا فأخذهما لم يكن
واحد منهما رهنا قبل أن يختار أحدهما) سراجية.
[فروع في غصب
الرهن]
غصب الرهن كهلاكه إلا إذا غصب في حال انتفاع مرتهن بإذن راهن
أمره بدفعه للدلال فدفع فهلك لم يضمن.
حمامي. وضع المصحف الرهن في
صندوقه ووضع عليه قصعة ماء للشرب فانصب الماء على المصحف فهلك ضمن ضمان الرهن لا
الزيادة، والمودع لا يضمن شيئا قنية.
الأجل في الرهن يفسده.
سلطه
ببيع الرهن ومات للمرتهن بيعه بلا محضر وارثه.
غاب الراهن غيبة
منقطعة فرفع المرتهن أمره للقاضي ليبيعه بدينه ينبغي أن يجوز. ولو مات ولا يعلم
له وارث فباع القاضي داره جاز، كذا في متفرقات بيوع النهر. وفي الذخيرة: ليس
للمرتهن بيع ثمرة الرهن وإن خاف تلفها لأن له ولاية الحبس لا البيع ويمكن رفعه
إلى القاضي، حتى لو كان في موضع لا يمكنه الرفع للقاضي، أو كان بحال يفسد قبل أن
يرفع جاز له أن يبيعه، والله تعالى أعلم.
باب الرهن يوضع على يد
عدل
سمي به لعدالته في زعم الراهن والمرتهن إذا وضعا الرهن على يد عدل
صح ويتم بقبضه ولا يأخذه أحدهما منه، وضمن لو دفع إلى أحدهما) لتعلق حقهما به،
فلو دفعه فتلف ضمن لتعديه وأخذا منه قيمته وجعلها عنده أو عند غيره، وليس للعدل
جعلها رهنا في يده لئلا يصير قاضيا ومقضيا، وهل للعدل الرجوع مبسوط في
المطولات. (وإذا هلك يهلك من ضمان المرتهن)،
(فإن وكل)
الراهن (المرتهن أو) وكل (العدل أو غيرهما ببيعه عند حلول الأجل صح)
توكيله (لو) الوكيل (أهلا لذلك) أي للبيع (عند التوكيل وإلا) يكن
أهلا لذلك عند التوكيل (لا) تصح الوكالة وحينئذ (فلو وكل بيعه صغيرا) لا
يعقل (فباعه بعد بلوغه لم يصح) خلافا لهما (فإن شرطت) الوكالة (في عقد
الرهن لم ينعزل بعزله - و) لا (بموت الراهن و) لا (المرتهن) للزومها
بلزوم العقد، فهي تخالف الوكالة المفردة من وجوه: أحدها هذا (و) الثاني أن
الوكيل هنا (يجبر على البيع عند الامتناع) وكذا لو شرطت بعد الرهن في الأصح
زيلعي على خلاف ظاهر الرواية وإن صححها قاضي خان وغيره على ما نقله القهستاني
وغيره فتنبه، بخلاف الوكالة المفردة، (و) الثالث أنه (يملك بيع الولد
والأرش و) الرابع (إذا باع بخلاف جنس الدين كان له أن يصرفه إلى جنسه) أي
الدين، بخلاف الوكالة المفردة (و) الخامس (إذا كان عبدا وقتله عبد خطأ فدفع
- بالجناية كان له بيعه، بخلاف المفردة) متعلق بالجميع (وله بيعه في غيبة
ورثته) أي ورثة الراهن (كما كان له حال حياته البيع بغير حضرته) أي حضرة
الراهن وتبطل الوكالة (بموت الوكيل مطلقا) وعن الثاني أن وصيه يخلفه لكنه
خلاف جواب الأصل.
(ولو أوصى إلى آخر ببيعه لم يصح) إلا إذا كان
مشروطا له ذلك في الوكالة (ولا يملك راهن ولا مرتهن بيعه بغير رضا الآخر)،
(فإن حل الأجل وغاب الراهن أجبر الوكيل على بيعه كما هو) الحكم (في الوكيل
بالخصومة) إذا غاب موكله وأباها فإنه يجبر عليها بأن يحبسه أياما ليبيع، فإن لح
بعد ذلك باع القاضي دفعا للضرر (وإن باعه العدل فالثمن رهن) كالثمن (فيهلك
كهلكه، فإن أوفى ثمنه) بعد بيعه (المرتهن فاستحق الرهن) وضمن (فإن) كان
المبيع (هالكا في يد المشتري ضمن المستحق الراهن قيمته) إن شاء لأنه غاصب
(و) حينئذ (صح البيع والقبض) لتملكه بضمانه (أو) ضمن المستحق
(العدل) لتعديه بالبيع (ثم هو) أي العدل (يضمن الراهن وصحا) أيضا
(أو) ضمن (المرتهن ثمنه الذي) أداه إليه (وهو) أي الثمن (له) أي
العدل لأنه بدل ملكه (ويرجع المرتهن على راهنه بدينه) ضرورة بطلان قبضه
(وإن) كان الرهن (قائما) في يد مشتريه (أخذه المستحق من مشتريه ورجع
هو) أي المشتري (على العدل بثمنه) لأنه العاقد (ثم) يرجع (هو) أي
العدل (على الراهن به) أي بثمنه (و) إذا رجع عليه (صح القبض) وسلم
الثمن للمرتهن (أو) رجع العدل (على المرتهن بثمنه ثم) رجع (هو) أي
المرتهن (على الراهن به) أي بدينه. زاد هنا في الدرر والوقاية: وإن شرطت
الوكالة بعد الرهن رجع العدل عن الراهن فقط سواء قبض المرتهن ثمنه أو لا (فإن
هلك الرهن عند المرتهن فاستحق) الرهن (وضمن الراهن قيمته هلك) الرهن
(بدينه، وإن ضمن المرتهن) القيمة (يرجع على الراهن بقيمته) التي ضمنها
لضرره (وبدينه) لانتقاض قبضه.
[فرع في الولوالجية]
ذهبت
عين دابة المرتهن يسقط ربع الدين وسيجيء.
باب التصرف في الرهن
والجناية عليه وجنايته
أي الرهن على غيره (توقف بيع الراهن رهنه على
إجازة مرتهنه أو قضاء دينه، فإن وجد أحدهما نفذ وصار ثمنه رهنا) في صورة
الإجازة (وإن لم يجز) المرتهن البيع (وفسخ) بيعه (لا ينفسخ) بفسخه في
الأصح (و) إذا بقي موقوفا ف (المشتري) بالخيار (إن شاء صبر إلى فكاك
الرهن أو رفع الأمر إلى القاضي ليفسخ البيع) وهذا إذا اشتراه ولم يعلم أنه رهن
ابن كمال.
(ولو باعه الراهن من رجل ثم باعه) الراهن أيضا
(من) رجل (آخر قبل أن يجيز المرتهن) البيع (فالثاني موقوف أيضا على
إجازته) إذ الموقوف لا يمنع توقف الثاني (فأيهما أجاز لزم ذلك وبطل
الآخر)
(ولو باعه) الراهن (ثم أجره أو رهنه أو وهبه من غيره
فأجاز المرتهن الإجارة أو الرهن أو الهبة جاز البيع الأول) لحصول النفع بتحول
حقه للثمن على ما تقرر وفي محله تحرر (دون غيره من هذه العقود) إذ لا منفعة
للمرتهن فيها فكانت إجازته إسقاطا لحقه فزال المانع فينفذ البيع. وفي
الأشباه: باع الراهن الرهن من زيد ثم باعه من المرتهن انفسخ الأول
(وصح
إعتاقه وتدبيره واستيلاده) أي نفذ إعتاق الراهن (رهنه، فإن) كان (غنيا
و) كان (دينه) أي المرتهن (حالا أخذ) المرتهن (دينه من الراهن، وإن
مؤجلا أخذ قيمته للرهن بدله إلى) زمان (حلوله) فإن حل استوفى حقه لو من
جنسه ورد الفضل (وإن) كان الراهن (معسرا) ففي العتق سعى العبد في الأقل
من قيمته ومن الدين ويرجع على سيده غنيا، وفي التدبير والاستيلاد (سعى كل في كل
الدين) بلا رجوع لأن كسب المدبر وأم الولد ملك المولى
(فإذا
أتلف) الراهن (الرهن فحكمه حكم ما إذا أعتقه غنيا) كما مر (و) الرهن
(إن أتلفه أجنبي) أي غير الراهن (فالمرتهن يضمنه) أي المتلف (قيمته يوم
هلك وتكون) القيمة (رهنا عنده) كما مر. وأما ضمانه على المرتهن فتعتبر
قيمته يوم القبض لأنه مضمون بالقبض السابق زيلعي
(وبإعارته) أي
المرتهن الرهن (من راهنه يخرج من ضمانه) تسميتها عارية مجازا.
فلو
هلك) الرهن (في يد الراهن هلك مجانا) حتى لو كان أعطاه به كفيلا لم يلزم
الكفيل شيء لخروجه من الرهن، نعم لو كان الراهن أخذه بغير رضا المرتهن جاز ضمان
الكفيل تتارخانية. (فإن عاد) قبضه (عاد ضمانه وللمرتهن استرداده منه إلى
يده، فلو مات الراهن قبل ذلك) أي قبل الاسترداد (فالمرتهن أحق من سائر
الغرماء) لبقاء حكم الرهن.
(ولو أعاره) أو أودعه (أحدهما
أجنبيا بإذن الآخر سقط ضمانه ولكل منهما أن يعيده رهنا) كما كان (بخلاف
الإجارة والبيع والهبة) والرهن (من المرتهن أو من أجنبي إذا باشرها أحدهما
بإذن الآخر) حيث يخرج عن الرهن ثم لا يعود إلا بعقد مبتدأ لأنها عقود لازمة،
بخلاف العارية، وبخلاف بيع المرتهن من الراهن لعدم لزومها. بقي لو مات الراهن
قبل رهنه ثانيا فالمرتهن أسوة الغرماء.
(ولو أذن الراهن للمرتهن
في استعماله أو إعارته للعمل فهلك) الرهن (قبل أن يشرع في العمل أو بعد
الفراغ منه هلك) بالدين لبقاء عقد الرهن. (ولو هلك في حالة العمل)
والاستعمال (هلك أمانة) لثبوت يد العارية حينئذ. (لو اختلفا في وقته)
أي وقت هلاكه فقال المرتهن هلك في وقت العمل وقال الراهن في غيره (فالقول
للمرتهن) لأنه منكر (والبينة للراهن) لأنهما اتفقا على زوال يد الرهن فلا
يصدق الراهن في عوده إلا بحجة بزازية.
وفيها: أذن للمرتهن في لبس
ثوب الرهن يوما فجاء به المرتهن متخرقا وقال تخرق في لبس ذلك اليوم وقال الراهن
ما لبسته فيه ولا تخرق فيه فالقول للراهن، وإن أقر الراهن باللبس فيه ولكن قال
تخرق قبل لبسه أو بعده فالقول للمرتهن في قدر ما عاد من الضمان.
[فروع
في جواز رهن الأب من مال طفله شيئا بدين على نفسه]
رهن الأب من مال
طفله شيئا بدين على نفسه جاز، فلو الرهن قيمته أكثر من الدين فهلك ضمن الأب قدر
الدين دون الزيادة بخلاف الوصي فإنه يضمن قيمته. والفرق أن للأب أن ينتفع بمال
الصغير عند الحاجة ولا كذلك الوصي. ولو أدرك الابن ومات الأب ليس للابن أخذه
قبل قضاء الدين، ويرجع الابن في مال الأب إن كان رهنه لنفسه لأنه مضطر كمعير
الرهن.
ولو رهن شيئا ثم أقره بالرهن لغيره لا يصدق في حق المرتهن
ويؤمر بقضاء الدين ورده إلى المقر له.
ولو رهن دار غيره فأجاز
صاحبها جاز، وبينة الراهن على قيمة الرهن أولى.
وزوائد الرهن كولد
وثمرة رهن لا غلة دار وأرض وعبد فلا يصير رهنا. والرهن الفاسد كالصحيح في
ضمانه.
(وصح استعارة شيء ليرهنه فيرهن بما شاء) إذا أطلق ولم
يقيد بشيء (وإن قيده بقدر أو جنس أو مرتهن أو بلد تقيد به) وحينئذ (فإن
خالف) ما قيده به المعير - ضمن) المعير (المستعير أو المرتهن) لتعدي كل
منهما (إلا إذا خالف إلى خير بأن عين له أكثر من قيمته فرهنه بأقل من ذلك) لم
يضمن لمخالفته إلى خير (فإن ضمن) المعير (المستعير تم عقد الرهن) لتملكه
بالضمان (وإن ضمن المرتهن يرجع بما ضمن وبالدين على الراهن) كما مر في
الاستحقاق (فإن وافق وهلك عند المرتهن صار) المرتهن (مستوفيا لدينه ووجب
مثله) أي مثل الدين (للمعير على المستعير) وهو الراهن لقضاء دينه به (إن
كان كله مضمونا وإلا) يكن كله مضمونا (ضمن قدر المضمون والباقي أمانة) وكذا
لو تعيب فيذهب من الدين بحسابه ويجب مثله للمعير.
(ولو افتكه)
أي الرهن (المعير أجبر المرتهن على القبول ثم يرجع) المعير (على الراهن)
لأنه غير متبرع لتخليص ملكه بخلاف الأجنبي (بما أدى) بأن ساوى الدين القيمة،
وإن الدين أزيد فالزائد تبرع، وإن أقل فلا جبر درر، لكن استشكله الزيلعي وغيره،
وأقره المصنف فلذا لم يعرج عليه في متنه مع متابعته للدرر فتدبر.
(ولو
هلك الرهن المستعار مع الراهن قبل رهنه أو بعد فكه لم يضمن، وإن استخدمه أو
ركبه) ونحو ذلك (من قبل) لأنه أمين خالف ثم عاد إلى الوفاق فلا يضمن خلافا
للشافعي، لكن في الشرنبلالية عن العمادية: المستأجر أو المستعير إذا خالفا ثم
عاد إلى الوفاق لا يبرأ عن الضمان على ما عليه الفتوى ا هـ.
بقي لو
اختلفا فالقول للراهن لأنه ينكر الإيفاء بماله، ولو اختلفا في قدر ما أمره بالرهن
به فالقول للمعير هداية. اختلفا في الدين والقيمة بعد الهلاك فالقول للمرتهن في
قدر الدين وقيمة الرهن. شرح تكملة.
(ولو مات مستعيره مفلسا)
مديونا (فالرهن) باق (على حاله فلا يباع إلا برضا المعير) لأنه ملكه
(ولو أراد المعير بيعه وأبى الراهن) البيع (بيع بغير رضاه إن كان به) أي
بالرهن (وفاء وإلا لا) يباع (إلا برضاه) أي المرتهن
(ولو
مات المعير مفلسا وعليه دين أمر الراهن بقضاء دين نفسه ويرد الرهن) ليصل كل ذي
حق حقه (وإن عجز لفقره فالرهن على حاله) كما لو كان المعير حيا (ولورثته)
أي ورثة المعير (أخذه) أي الرهن (بعد قضاء دينه) كمورث (فإن طلب غرماء
المعير من ورثته بيعه، فإن به وفاء بيع وإلا فلا) يباع (إلا برضا المرتهن)
كما مر لما مر.
(و) اعلم أن (جناية الراهن على الرهن) كلا
أو بعضا (مضمونة كجناية المرتهن عليه ويسقط من دينه) أي دين المرتهن
(بقدرها) أي الجناية لأنه أتلف ملك غيره فلزمه ضمانه وإذا لزمه وقد حل الدين
سقط بقدره - ولزمه الباقي بالإتلاف لا بالرهن، وهذا لو الدين من جنس الضمان وإلا
لم يسقط منه شيء. والجناية على المرتهن وللمرتهن أن يستوفي دينه، لكن لو اعور
عينه يسقط نصف دينه عنه قهستاني وبرجندي.
(وجناية الرهن عليهما)
أي على الراهن أو المرتهن (وعلى ما لهما هدر) أي باطل (إذا كانت) الجناية
(غير موجبة للقصاص) في النفس دون الأطراف، إذ لا قود بين طرفي عبد وحر (وإن
كانت موجبة للقصاص فمعتبرة) فيقتص منه ويبطل الدين خانية. وعبارة القهستاني
وشرح المجمع يبطل الرهن (كجنايته) أي الرهن - على ابن الراهن أو على ابن
المرتهن) فإنها معتبرة في الصحيح حتى يدفع بها أو يفدي وإن كانت على المال
فيباع كما لو جنى على الأجنبي إذ هو أجنبي لتباين الأملاك زيلعي.
(ولو
رهن عبدا يساوي ألفا بألف مؤجل فرجعت قيمته إلى مائة فقتله رجل وغرم مائة وحل
الأجل فالمرتهن يقبضها) أي المائة قضاء لحقه (ولا يرجع على الراهن بشيء)
كموته بلا قتل، والأصل أن نقصان السعر لا يوجب سقوط الدين بخلاف نقصان العين،
فإذا كان الدين باقيا، ويد المرتهن يد استيفاء فيصير مستوفيا للكل من الابتداء.
(ولو باعه) أي العبد المذكور (بمائة بأمر الراهن قبض المائة قضاء لحقه ورجع
بتسعمائة) لأنه لما كان الدين باقيا وقد أذن ببيعه بمائة كان الباقي في ذمته
كأنه استرده وباعه لنفسه.
ولو قتله عبد قيمته مائة فدفع به افتكه)
الراهن وجوبا (بكل الدين وهو الألف) لقيام الثاني مقام الأول لحما ودما.
وقال محمد: إن شاء افتكه بكل دينه أو تركه على المرتهن بدينه وهو المختار كما
في الشرنبلالية عن المواهب، لكن عامة المتون والشروح على الأول
(فإن
جنى) ترك التفريع أولى (الرهن خطأ فداه المرتهن) لأنه ملكه (ولم يرجع)
على الراهن بشيء (ولا) يملك أن (يدفعه إلى ولي الجناية) لأنه لا يملك
التمليك (فإن أبى) المرتهن من الفداء (دفعه الراهن) إن شاء (أو فداه
ويسقط الدين) بكل منهما (لو أقل من قيمة الرهن أو مساويا ولو أكثر يسقط قدر
قيمة العبد) فقط، و (لا) يسقط (الباقي) من الدين، ولو استهلك ما لا
يستغرق رقبته فداه المرتهن، فإن أبى باعه الراهن أو فداه.
ولو قتل
ولد الرهن إنسانا أو استهلك مالا دفعه الراهن وخرج عن الرهن أو فداه وبقي رهنا مع
أمه. وأما جناية الدابة فهدر ويصير كأنه هلك بآفة سماوية وتمامه في
الخانية.
(مات الراهن باع وصيه رهنه بإذن مرتهنه وقضى دينه)
لقيامه مقامه (فإن لم يكن له وصي نصب القاضي له وصيا وأمره ببيعه) لأن نظره
عام وهذا لو ورثته صغارا، فلو كبارا خلفوا الميت في المال فكان عليهم تخليصه
جوهرة.
[فروع]
رهن الوصي بعض التركة لدين على الميت
عند غريم من غرمائه توقف على رضا البقية ولهم رده، فإن قضى دينهم قبل الرد نفذ،
ولو اتحد الغريم جاز وبيع في دينه. وإذا ارتهن بدين للميت على آخر جاز درر.
وفي معين المفتي للمصنف: لا يبطل الرهن بموت الراهن ولا بموت المرتهن ولا
بموتهما ويبقى الرهن رهنا عند الورثة.
فصل في مسائل متفرقة
(رهن
عصيرا قيمته عشرة بعشرة فتخمر ثم تخلل وهو يساوي العشرة فهو رهن بعشرة) كما
كان، ثم المعتبر في الزيادة والنقصان القدر لا القيمة على ما أفاده ابن الكمال
وعليه الفتوى، فإن انتقص شيء من قدره سقط بقدره وإلا فلا.
(ولو
رهن شاة قيمتها عشرة بعشرة) هذا قيد لا بد منه، لأنه لو كان قيمتها أكثر من
الدين يكون الجلد أيضا بعضه أمانة بحسابه فتنبه (فماتت) بلا ذبح (فدبغ
جلدها بما لا قيمة له) فلو له قيمة ثبت للمرتهن حق حبسه بما زاد دباغه، وهل
يبطل الرهن؟ قولان (وهو) أي الجلد (يساوي درهما فهو رهن به، بخلاف ما إذا
ماتت الشاة المبيعة قبل القبض فدبغ جلدها) حيث لا يعود البيع بقدره على
المشهور. والفرق أن الرهن يتقرر بالهلاك والبيع قبل القبض يفسخ به.
(ولو
أبق عبد الرهن وجعل) العبد (بالدين ثم عاد يعود الدين والرهن) خلافا
لزفر
(ونماء الرهن) كالولد والثمر واللبن والصوف والوبر والأرش
ونحو ذلك (للراهن) لتولده من ملكه (وهو رهن مع الأصل) تبعا له (بخلاف
ما هو بدل عن المنفعة كالكسب والأجرة) وكذا الهبة والصدقة (فإنها غير داخلة
في الرهن وتكون للراهن) الأصل أن كل ما يتولد من عين الرهن يسري إليه حكم الرهن
وما لا فلا مجمع الفتاوى.
(وإذا هلك النماء) المذكور (هلك
مجانا) لأنه لم يدخل تحت العقد مقصود (وإذا بقي) النماء أي ولو حكما بأن
أكل بالإذن فإنه لا يسقط حصة ما أكل منه فيرجع به على الراهن، كما إذا هلك الأصل
بعد الأكل فإنه يقسم الدين على قيمتهما قهستاني ذكره بقوله (بعد هلاك الأصل فك
بحصته) من الدين لأنه صار مقصودا بالفكاك، والتبع يقابله شيء إذا كان مقصودا
(و) حينئذ (يقسم الدين على قيمته يوم الفكاك وقيمة الأصل يوم القبض، ويسقط
من الدين حصة الأصل وفك النماء بحصته) كما لو كان الدين عشرة وقيمة الأصل يوم
القبض عشرة وقيمة النماء يوم الفك خمسة فثلثا العشرة حصة الأصل فيسقط وثلث العشرة
حصة النماء فيفك به
(ولو أذن الراهن للمرتهن في أكل الزوائد) أي
أكل زوائد الرهن بأن قال له مهما زاد فكله (فأكلها) ظاهره يعم أكل ثمنها، وبه
أفتى المصنف. قال: إلا أن يوجد نقل يخصص حقيقة الأكل فيتبع (فلا ضمان
عليه) أي على المرتهن، لأنه أتلفه بإذن المالك والإطلاق يجوز تعليقه بالشرط
والخطر، بخلاف التمليك (ولا يسقط شيء من الدين) قال في الجواهر: رجل رهن
دارا وأباح السكنى للمرتهن فوقع بسكناه خلل وخرب البعض لا يسقط شيء من الدين لأنه
لما أباح له السكنى أخذ حكم العارية، حتى لو أراد منعه كان له ذلك. وفي
المضمرات: ولو رهن شاة فقال له الراهن كل ولدها واشرب لبنها فلا ضمان عليه،
وكذا لو أذن له في ثمرة البستان فصار أكله كأكل الراهن ثم نقل عن التهذيب أنه
يكره للمرتهن أن ينتفع بالرهن وإن أذن له الراهن. قال المصنف: وعليه يحمل ما
عن محمد بن أسلم من أنه لا يحل للمرتهن ذلك ولو بالإذن لأنه ربا. - قلت:
وتعليله يفيد أنها تحريمية فتأمله
(وإن لم يفتك) الراهن
(الرهن) بل بقي عند المرتهن على حاله (حتى لو هلك) الرهن كما في يد
المرتهن (قسم الدين على قيمة النماء) أي الزيادة (التي أكلها المرتهن وعلى
قيمة الأصل، فما أصاب الأصل سقط وما أصاب الزيادة أخذه المرتهن من الراهن) كما
في الهداية والكافي والخانية وغيرها. وفي الجواهر الأصل أن الإتلاف بإذن الراهن
كإتلاف الراهن بنفسه لتسليطه، وفيها أباح للمرتهن نفعه هل للمرتهن أن يؤجره؟
قال لا، قيل فلو أجره ومضت المدة فالأجرة له أم للراهن؟ قال له إن أجره بلا
إذن، وإن بإذن فللمالك وبطل الرهن. وفيها: رهن كرما وتسلمه المرتهن ثم دفعه
للراهن ليسقيه ويقوم بمصالحه لا يبطل الرهن. رهن كرما وأباح ثمره ثم باع الكرم
فقبض المرتهن الثمن، إن ثمره حصل بعد البيع فللمشتري، وإن قبله. فللراهن إن قضى
دين المرتهن وإلا يكون رهنا ويجعل البيع رجوعا عن الإباحة فإنها تقبل الرجوع كما
مر. وفيها: زرع المرتهن أرض الرهن، إن أبيح له الانتفاع لا يجب شيء، وإن لم
يبح لزمه نقصان الأرض وضمان الماء لو من قناة مملوكة فليحفظ.
زرعها
الراهن أو غرسها بإذن المرتهن ينبغي أن تبقى رهنا ولا يبطل الرهن فتنبه.
استحق
الرهن ليس للمرتهن طلب غيره مقامه. استحق بعضه إن شائعا يبطل الرهن فيما بقي،
وإن مفروزا بقي فيما بقي ويحبس بكل الدين لكن هلكه بحصته. آجر داره لغيره ثم
رهنها منه صح وبطلت الإجارة، ولو ارتهن ثم آجره من راهنه - فالإجارة باطلة.
أبق
الرهن سقط الدين كهلاكه، فإن عاد سقط بحساب نقصه لأن الإباق عيب حدث فيه.
ثم
لما فرغ من الزيادة الضمنية ذكر الزيادة القصدية فقال (والزيادة في الرهن
تصح) وتعتبر قيمتها يوم القبض أيضا (وفي الدين لا) تصح خلافا للثاني.
والأصل أن الإلحاق بأصل العقد إنما يتصور إذا كانت الزيادة في معقود به أو عليه
والزيادة في الدين ليست منهما (فإن رهن). نسخ المتن والشرح بالفاء مع أنه
نبه في شرحه على أنه إنما عطفها بالواو لا بالفاء ليفيد أنها مسألة مستقلة لا فرع
للأولى فتنبه.
(عبدا بألف فدفع عبدا آخر رهنا مكان الأول وقيمة
كل) من العبدين (ألف فالأول رهن حتى رده إلى الراهن. والمرتهن في الآخر
أمين حتى يجعل مكان الأول) بأن يرد الأول إلى الراهن فحينئذ يصير الثاني
مضمونا.
(أبرأ المرتهن الراهن عن الدين أو وهبه منه ثم هلك الرهن
في يد المرتهن هلك بغير شيء) استحسانا لسقوط - الدين إلا إذا منعه من صاحبه
فيصير غاصبا بالمنع.
(ولو قبض المرتهن دينه) كله (أو بعضه من
راهنه أو غيره) كمتطوع (أو شرى) المتهم (بالدين عينا أو صالح عنه) أي
عن دينه (على شيء) لأنه استيفاء (أو أحال الراهن مرتهنه بدينه على آخر ثم
هلك رهنه معه) أي في يد المرتهن (هلك بالدين ورد ما قبض إلى من أدى) في
صورة إيفاء راهن أو متطوع أو شراء أو صلح (وبطلت الحوالة وهلك الرهن بالدين)
لأنه في معنى الإبراء بطريق الأداء هداية، ومفاده عدم بطلان الصلح وأن الدين ليس
بأكثر من قيمة الرهن وإلا فينبغي أن لا تبطل الحوالة في قدر الزيادة قهستاني
(وكذا)
أي كما يهلك الرهن بالدين في الصور المذكورة يهلك به أيضا (لو تصادقا على أن لا
دين) عليه (ثم هلك) الرهن بالدين لتوهم وجوب الدين بتصادقهما على قيامه
فتكون المطالبة به باقية، بخلاف الإبراء فإنه يسقط الدين أصلا.
(كل
حكم) عرف (في الرهن الصحيح فهو الحكم في الرهن الفاسد) كما في العمادية.
قال: وذكر الكرخي أن المقبوض بحكم الرهن الفاسد يتعلق به الضمان. وفيها أيضا
(وفي كل موضع كان الرهن مالا والمقابل به مضمونا إلا أنه فقد بعض شرائط
الجواز) كرهن المشاع (ينعقد الرهن) لوجود شرط الانعقاد لكن (بصفة
الفساد) كالفاسد من البيوع (وفي كل موضع لم يكن) الرهن (كذلك) أي لم
يكن مالا ولم يكن المقابل به مضمونا (لا ينعقد الرهن أصلا) وحينئذ (فإذا
هلك هلك بغير شيء) بخلاف الفاسد فإنه يهلك بالأقل من قيمته ومن الدين ومن مات
وله غرماء فالمرتهن أحق به كما في الرهن الصحيح.
[فرع في رهن
الرهن]
رهن الرهن باطل كما حررناه في العارية معزيا للوهبانية:
وفي معاياتها قال: وأي رهين لا يرام انفكاكه ومجنيه لو مات بالموت يشطر - هذا
تفسير -: {كل نفس بما كسبت رهينة} - والمعنى كل نفس ترتهن بكسبها عند الله
تعالى ا هـ.