أسم الكتاب الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها
اسم المؤلف: د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ
المهنة:أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة
الوفاة 8 أغسطس 2015 الموافق 23 شوال 1436 هـ
عدد الأجزاء: 10
التصنيف: الفقه المقارن
المحتويات
- المطلب الثالث ـ مراتب الفقهاء وكتب الفقه
- الفقهاءعلى سبع مراتب
- المجتهد المستقل
- المجتهد المطلق غير المستقل
- المجتهد المقيد،
- مجتهد التخريج
- مجتهد الترجيح
- مجتهد الفتيا
- طبقة المقلدين
- مراتب كتب الفقه الحنفي
- المطلب الرابع ـ اصطلاحات الفقه والمؤلفين فيه
- رسم المفتي
- المصطلحات الفقهية العامة
- مصطلحات المذهب الحنفي
- مصطلحات المذهب المالكي
- مصطلحات المذهب الشافعي
- مصطلحات المذهب الحنبلي
- المطلب الخامس ـ أسباب اختلاف الفقهاء
- أولا ـ اختلاف معاني الألفاظ العربية
- ثانيا - اختلاف الرواية
- ثالثا ـ اختلاف المصادر
- رابعا ـ اختلاف القواعد الأصولية أحيانا
- خامسا ـ الاجتهاد بالقياس
- سادسا ـ التعارض والترجيح بين الأدلة
- العودة الي كتاب الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ
- المطلب الثالث - مراتب الفقهاء وكتب الفقه:
- لابد للمفتي أن يعلم حال من يفتى بقوله، فيعرف درجته في الرواية وفي
الدراية، وطبقته بين الفقهاء، ليميز بين الآراء المتعارضة، ويرجح أقواها،
والفقهاءعلى سبع مراتب (٢):
١ ً - المجتهد المستقل:
وهوالذي استقل بوضع قواعده لنفسه، يبني عليها الفقه، كأئمة المذاهب الأربعة. وسمى
ابن عابدين هذه الطبقة: (طبقة المجتهدين في الشرع).
٢ً - المجتهد المطلق غير المستقل: وهو الذي وجدت فيه شروط الاجتهاد التي اتصف بها المجتهد المستقل، لكنه لم
يبتكر قواعد لنفسه، بل سلك طريق إمام من أئمة المذاهب في الاجتهاد، فهو مطلق
منتسب، لا مستقل، مثل تلامذة الأئمة السابق ذكرهم كأبي يوسف ومحمد وزفر من
الحنفية، وابن القاسم وأشهب وأسد ابن الفرات من المالكية، والبويطي والمزني من
الشافعية، وأبي بكر الأثرم، وأبي بكر المروذي من الحنابلة، وسمى ابن عابدين هذه
الطبقة: (طبقة المجتهدين في
(١) هذا ... وإني أعلن رجوعي عما كتبته عن
الإباضية في الطبعة السابقة، لتبين الخطأ فيه.
(٢) الرد على من أخلد إلى
الأرض للسيوطي: ص٣٩ - ٤٢، حاشية ابن عابدين: ٧١/ ١ ومابعدها، رسالة رسم المفتي:
ص١١ - ١٢، مالك لأبي زهرة: ص٤٣٨، ٤٤٠ - ٤٥٠، ابن حنبل لأبي زهرة: ص٣٦٨ - ٣٧٢. صفة
الفتوى والمفتي والمستفتي لأحمد بن حمدان الحراني الحنبلي: ص١٦، الفوائد المكية
فيما يحتاجه طلبة الشافعية: ص٣٩.
المذهب): وهم القادرون على
استخراج الأحكام من الأدلة على مقتضى القواعد التي قررها أستاذهم في الأحكام، وإن
خالفوه في بعض أحكام الفروع، لكن يقلدونه في قواعد الأصول.
- وهاتان
المرتبتان قد فقدتا من زمان.
٣ً - المجتهد المقيد، أو مجتهد المسائل
التي لانص فيها عن صاحب المذهب
أو مجتهد التخريج، كالخصاف والطحاوي والكرخي والحلواني والسرخسي والبزدوي وقاضي خان من الحنفية، والأبهري وابن أبي زيد القيرواني من المالكية، وأبي إسحاق الشيرازي والمروذي ومحمد بن جرير وأبي نصر وابن خزيمة من الشافعية، والقاضي أبي يعلى والقاضي أبي علي بن أبي موسى من الحنابلة. وهؤلاء يسمون أصحاب الوجوه؛ لأنهم يخرِّجون مالم ينص عليه على أقوال الإمام، ويسمى ذلك وجهًا في المذهب، أو قولًا فيه، فهي منسوبة للأصحاب، لا لإمام المذهب، وهذا مألوف في المذهبين الشافعي والحنبلي.
٤ً - مجتهد الترجيح: وهو الذي
يتمكن من ترجيح قول لإمام المذهب على قول آخر، أو الترجيح بين ماقاله الإمام
وماقاله تلاميذه أو غيره من الأئمة، فشأنه تفضيل بعض الروايات على بعض، مثل
القدوري والمرغيناني صاحب الهداية من الحنفية، والعلامة خليل من المالكية،
والرافعي والنووي من الشافعية، والقاضي علاء الدين المرداوي منقح مذهب الحنابلة،
وأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني البغدادي (٥١٠هـ) المجتهد في مذهب الحنابلة.
٥ً - مجتهد الفتيا: وهو أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في الواضحات والمشكلات، ويميز بين الأقوى
والقوي والضعيف، والراجح والمرجوح، ولكن عنده ضعف في تقرير أدلته وتحرير أقيسته،
كأصحاب المتون المعتبرة من المتأخرين،
مثل صاحب الكنز، وصاحب
الدر المختار، وصاحب الوقاية، وصاحب مجمع الأنهر من الحنفية، والرملي وابن حجر من
الشافعية.
٦ً - طبقة المقلدين: الذين لايقدرون على ماذكر من التمييز بين القوي وغيره، ولايفرقون بين الغث
والسمين.
- هذا ولم يفرق الجمهور بين المجتهد المقيد، ومجتهد التخريج، وجعل
ابن عابدين طبقة مجتهد التخريج مرتبة رابعة بعد المجتهد المقيد، ومثل له بالرازي
الجصاص (المتوفى سنة ٣٧٠هـ) وأمثاله.
- مراتب كتب الفقه الحنفي: رتب الحنفية كتب الفقه عندهم، ومسائل علمائهم على طبقات ثلاث (١):
١ - مسائل الأصول، وتسمى ظاهر الرواية: وهي مسائل مروية عن أصحاب المذهب، وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، ويلحق بهم
زفر والحسن ابن زياد وغيرهما من تلاميذ الإمام، لكن الغالب الشائع في ظاهر
الرواية أن يكون قول الثلاثة (الإمام وصاحبيه).
- وكتب ظاهر الرواية للإمام
محمد: هي الكتب الستة المعتمدة المروية عن محمد برواية الثقات، بالتواتر أو
الشهرة، وهي المبسوط (٢)، والزيادات، والجامع الصغير، والجامع الكبير، والسير
الكبير، والسير الصغير. وسميت بظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن محمد برواية الثقات.
وقد جمعت هذه الكتب الستة في مختصر الكافي لأبي الفضل المروزي المعروف بالحاكم
الشهيد، المتوفى عام-
٢ - مسائل النوادر: وهي المروية عن أصحاب المذهب المذكورين، لافي الكتب المذكورة، بل إما في كتب
أخر لمحمد، كالكيسانيات والهارونيات والجرجانيات، والرِّقيات، والمخارج في الحيل،
وزيادة الزيادات رواية ابن رستم، وهي أمالي محمد في الفقه، ويقال لها: غير ظاهر
الرواية؛ لأنها لم ترو عن محمد بروايات ظاهرة ثابتة صحيحة كالكتب الأولى.
-
وإما في كتب لغير محمد، كالمحرَّر للحسن بن زياد وغيره، وكتب الأمالي المروية عن
أبي يوسف.
- والأمالي جمع إملاء: وهو مايقوله العالم بما فتح الله تعالى
عليه من ظهر قلبه، ويكتبه التلامذة، وكان ذلك عادة السلف.
- وإما برواية
مفردة كرواية ابن سماعة، والمعلى بن منصور وغيرهما في مسائل معينة.
------------------------------
(١)
حاشية ابن عابدين: ٦٤/ ١، رسم المفتي: ص ١٦ ومابعدها.
(٢) ويعرف بالأصل، وهو
أطول وأهم كتب محمد. ٣٤٤هـ، ثم شرحه السرخسي في كتاب المبسوط في ثلاثين جزءًا وهو
كتاب معتمد في نقل المذهب.
- ٣ - الواقعات والفتاوى: وهي مسائل استنبطها المجتهدون المتأخرون لما سئلوا عنها، ولم يجدوا فيها رواية
عن أهل المذهب المتقدمين، وهم أصحاب أبي يوسف ومحمد، وأصحاب أصحابهما، وهم
كثيرون.
- فمن أصحابهما مثل: عصام بن يوسف، وابن رستم، ومحمد بن سماعة، وأبي
سليمان الجرجاني، وأبي حفص البخاري.
- وأما من بعدهم فمثل: محمد بن سلمة،
ومحمد بن مقاتل، ونصر بن يحيى، وأبي النصر القاسم بن سلام، وقد يخالفون أصل
المذهب لدلائل ظهرت لهم.
وأول كتاب جمع الفتاوى: كتاب النوازل
للفقيه أبي الليث السمرقندي. ثم جمع المشايخ بعده كتبًا أُخَر، كمجموع النوازل
والواقعات للناطفي، والواقعات للصدر الشهيد ابن مسعود.
- ثم ذكر المتأخرون
هذه المسائل مختلطة غير متميزة، كما في فتاوى قاضيخان، والخلاصة وغيرهما. وميز
بعضهم، كما في المحيط لرضا الدين السرخسي، فإنه ذكر أولًا مسائل الأصول، ثم
النوادر، ثم الفتاوى.
- وأشهر من امتاز بتدوين ورواية الفقه الحنفي بعد محمد
وأبي يوسف هم: عيسى بن أبان (المتوفى سنة ٢٢٠هـ)، ومحمد بن سماعة (المتوفى سنة
٢٣٣هـ) وهلال بن يحيى الرأي البصري (المتوفى سنة ٢٤٥هـ)، وأحمد بن عمر بن مهير
الخصاف (المتوفى سنة ٢٦١هـ)، وأحمد بن محمد بن سلامة، أبو جعفر الطحاوي (المتوفى
سنة ٣٢١هـ).
- المطلب الرابع - اصطلاحات الفقه والمؤلفين فيه:
- للفقهاء كغيرهم في مختلف العلوم اصطلاحات (١) معينة شائعة، تتردد في
كثير من المناسبات الفقهية، كما أن هناك اصطلاحات في كتب المذاهب، تبين طريق
الأخذ بالقول الراجح في المذهب، وهي المعروفة بـ:
- رسم المفتي: أي العلامة التي تدل المفتي على مايفتي به، وللعلامة ابن عابدين رسالة باسم (رسم المفتي) وهي الرسالة الثانية من رسائله
المشهورة.
(١) الاصطلاح: هو إطلاق لفظ على معنى معين بين فئة من العلماء،
كإرادة هيئة مخصوصة بأقوال وأفعال معينة من لفظ (الصلاة) مع أنها في اللغة هي
الدعاء.
أولًا ـ المصطلحات الفقهية العامة:
- هناك مصطلحات فقهية أو أصولية عامة، هي الفرض، الواجب، المندوب، الحرام،
المكروه تحريمًا، المكروه تنزيهًا، المباح، وهي أنواع الحكم التكليفي (١) عند
الأصوليين من الحنفية، ويلحق بالواجب: الأداء والقضاء والإعادة. والركن والشرط،
والسبب، والمانع، والصحيح، والفاسد، والعزيمة، والرخصة، وهي أنواع الحكم الوضعي
(٢) عند الأصوليين.
١ - الفرض: هو ماطلب الشرع فعله طلبًا جازمًا بدليل قطعي
لاشبهة فيه، كأركان الإسلام الخمسة التي ثبتت بالقرآن الكريم، والثابت بالسنة
المتواترة أو المشهورة كقراءة القرآن في الصلاة، والثابت بالإجماع كحرمة بيع
المطعومات الأربعة (القمح والشعير والتمر والملح) ببعضها نسيئة (٣). وحكمه: لزوم
الإتيان به، مع ثواب فاعله، وعقاب تاركه، ويكفر منكره.
٢ - الواجب: ماطلب
الشرع فعله جازمًا، بدليل ظني فيه شبهة، كصدقة الفطر، وصلاة الوتر والعيدين،
لثبوت إيجابه بدليل ظني، وهو خبر الواحد عن النبي ﷺ. وحكمه كالفرض، إلا أنه
لايكفر منكره.
- والفرض والواجب مترادفان بمعنى واحد عند الجمهور غير
الحنفية: وهو ماطلب الشرع فعله طلبًا جازمًا.
(١) الحكم التكليفي: هو ما
اقتضى طلب فعل من المكلف، أو كفه عن فعل، أو تخييره بين الفعل والترك. وسمي
تكليفيًا؛ لأنه يتضمن التكليف (المطالبة) بفعل أو ترك فعل أو تخيير بينهما.
(٢)
الحكم الوضعي: هو مااقتضى وضع شيء سببًا لشيء أو شرطًا له أو مانعًا منه، أو
صحيحًا أو فاسدًا أو عزيمة أو رخصة. وسمي وضعيًا؛ لأنه يقتضي وضع أمور ترتبط
بالأخرى، كالأسباب للمسببات، والشروط للمشروطات.
(٣) مراتب الإجماع لابن
حزم: ص ٨٥.
٣ - المندوب أو السنة: هو ماطلب الشرع فعله من
المكلف طلبًا غير لازم، أو مايحمد فاعله، ولا يذم تاركه، مثل توثيق الدين
بالكتابة (سند أو غيره)، وحكمه: أنه يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه، وقد يستحق
اللوم والعتاب من الرسول ﷺ.
- ويسمى المندوب عند غير الحنفية سنة ونافلة
ومستحبًا وتطوعًا ومرغبًا فيه، وإحسانًا وحسنًا. وقسم الحنفية المندوب: إلى مندوب
مؤكد، كصلاة الجماعة، ومندوب مشروع، كصيام يومي الاثنين والخميس، ومندوب زائد
كالاقتداء بأكل الرسول وشربه ومشيه ونومه ولبسه ونحو ذلك.
- واختار صاحب
الدر المختار وابن عابدين رأي الجمهور، فقالا: لافرق بين المندوب والمستحب والنفل
والتطوع، وتركه خلاف الأولى، وقد يلزم من تركه ثبوت الكراهة (١).
٤ -
الحرام: هو ماطلب الشرع تركه على وجه الحتم والإلزام. وقال الحنفية: هو ماثبت طلب
تركه بدليل قطعي لاشبهة فيه، مثل تحريم القتل وشرب الخمر والزنا والسرقة. وحكمه:
وجوب اجتنابه، وعقوبة فاعله. ويسمى الحرام أيضًا معصية، وذنبًا، وقبيحًا،
ومزجورًا عنه، ومتوعدًا عليه أي من الشرع. ويكفر منكر الحرام.
٥ - المكروه
تحريمًا: وهو عند الحنفية: ماطلب تركه على وجه الحتم والإلزام بدليل ظني، كأخبار
الآحاد، كالبيع على بيع الغير، والخطبة على الخطبة، ولبس الحرير والذهب للرجال.
وحكمه: الثواب على تركه، والعقاب على فعله.
-
(١) حاشية ابن عابدين:
١١٥/ ١. وإذا أطلق المكروه عند الحنفية يراد به المكروه تحريمًا. والمكروه
التحريمي عندهم إلى الحرام أقرب، ولكن لايكفر منكره.
٦ -
المكروه تنزيهًا: وهو عند الحنفية: ماطلب الشرع تركه، طلبًا غير جازم، ولا مشعر
بالعقوبة، كأكل لحوم الخيل، للحاجة إليها في الماضي في الجهاد، والوضوء من سؤر
الهرة وسباع الطير كالصقر والغراب، وترك السنن المؤكدة عمومًا. وحكمه: ثواب
تاركه، ولوم فاعله دون عقاب.
- والمكروه عند غير الحنفية نوع واحد: وهو
ماطلب الشرع تركه لا على وجه الحتم والإلزام، وحكمه: أنه يمدح ويثاب تاركه، ولا
يذم ولا يعاقب فاعله.
٧ - المباح: هو ماخير الشرع المكلف بين فعله وتركه،
كالأكل والشرب. والأصل في الأشياء الإباحة مالم يرد حظر أو تحريم. وحكمه: أنه
لاثواب ولاعتاب على فعله أو تركه، إلا إذا أدى الترك إلى خطر الهلاك، فيجب الأكل
مثلًا ويحرم الترك، حفاظًا على النفس.
٨ - السبب عند جمهور الأصوليين: هو ما
يوجد عنده الحكم، لا به، سواء أكان مناسبًا للحكم، أم لم يكن مناسبًا، مثال
المناسب: الإسكار سبب لتحريم الخمر؛ لأنه يؤدي إلى ضياع العقول، والسفر سبب لجواز
الفطر في رمضان؛ لأنه يودي إلي التيسير ودفع المشقة. ومثال غير المناسب أي بحسب
إدراكنا: دلوك (زوال) الشمس سبب لوجوب الظهر، في قوله تعالى: ﴿أقم الصلاة لدلوك
الشمس﴾ [الإسراء:٧٨/ ١٧]، وعقولنا لا تدرك مناسبة ظاهرة بين السبب والحكم.
٩
- الشرط والركن: الشرط: هو مايتوقف عليه وجود الشيء وكان
خارجًا
عن حقيقته، فالوضوء شرط للصلاة خارج عنها، وحضور الشاهدين في عقد الزواج شرط له
خارج عنه، وتعيين المبيع والثمن في عقد البيع شرط لصحته وليس جزءًا من العقد.
-
والركن عند الحنفية: هو مايتوقف عليه وجود الشيء، وكان جزءًا من حقيقته أو
ماهيته، فالركوع ركن في الصلاة؛ لأنه جزء منها، وكذا القراءة في الصلاة ركن؛
لأنها جزء من حقيقة الصلاة، والإيجاب والقبول في العقد ركن؛ لأنه جزء يتكون به
العقد. والركن عند الجمهور: مايتوقف عليه أساسًا وجود الشيء، وإن كان خارجًا عن
ماهيته.
١٠ - المانع: مايلزم من وجوده عدم الحكم، أو بطلان السبب. مثال
الأول: الدَّين في باب الزكاة مانع من وجوبها عند الحنفية، ومثال الثاني: الأبوة
مانع من القصاص.
١١ - الصحة والفساد والبطلان:
- الصحة: موافقة أمر
الشرع، والصحيح: هو ما استوفى أركانه وشروطه الشرعية. وصحة العبادة عند الفقهاء:
وقوعها مسقطة لطلب الشرع، على وجه يسقط القضاء. وصحةالمعاملات: ترتيب آثارها
الشرعية عليها، فالمراد من صحة العقد هو ترتيب أثره عليه، وهو ماشرع له، كحل
الانتفاع في البيع، والاستمتاع في الزواج.
- والعبادات باتفاق العلماء: إما
صحيحة، أو غير صحيحة، وغير الصحيح منها لافرق فيه بين الباطل والفاسد، فالقسمة
ثنائية.
- أما المعاملات المدنية: فلا فرق فيها أيضًا عند غير الحنفية بين
الفاسد
والباطل، وعند الحنفية تكون القسمة ثلاثية؛ لأن العقد
غير الصحيح إما باطل أو فاسد.
- وغير الصحيح: هو مالم يستوف أركانه وشروطه
المطلوبة شرعًا.
- والباطل عند الحنفية: هو الذي يشتمل على خلل في أصل العقد
أي في أساسه، ركنا ً كان أو غيره، أي في صيغة العقد، أو العاقدين، والمعقود عليه.
ولايترتب عليه أي أثر شرعي، كأن يصدر البيع من مجنون أو صبي غير مميز (دون
السابعة).
- والفاسد عند الحنفية: هو ماكان الخلل فيه في وصف من أوصاف
العقد، بأن كان في شرط من شروطه، لافي ماهيته أو ركنه. ويترتب عليه في المعاملات
بعض الآثار، إذا توافر ركنه وعناصره الأساسية، مثل البيع بثمن مجهول، أو المقترن
بشرط فاسد كانتفاع البائع بالمبيع بعد البيع مدة معلومة، والزواج بغير شهود.
فيثبت الملك خبيثًا في البيع الفاسد إذا قبض المبيع، ويجب المهر، والعدة بعد
الفراق، ويثبت النسب بالدخول في الزواج الفاسد.
- وبه يظهر أن البطلان: هو
مخالفة أمر الشرع المؤدية إلى عدم ترتب الآثار الشرعية المقصودة عادة من العبادة
أو المعاملة. وهو في المعاملات: مخالفة التصرف لنظامه الشرعي في ناحية جوهرية.
والناحية الجوهرية: هي الأساسية.
- والفساد: هو اختلال في العقد المخالف
لنظامه الشرعي في ناحية فرعية متممة يجعله مستحقًا للفسخ. وهو يجعل العقد في
مرتبة متوسطة بين الصحة والبطلان، فلا هوبالباطل غير المنعقد لتوافر الناحية
الجوهرية أو الأساسية المطلوبة شرعًا فيه، ولاهو بالصحيح التام الاعتبار، لوجود
خلل في ناحية فرعية فقط غير
جوهرية. وأسباب الفساد أربعة هي:
الجهالة، والغرر (الاحتمال)، والإكراه (١)، والشرط الممنوع المفسد.
١٢ -
الأداء والقضاء والإعادة:
- هذه الأمور تبحث عادة مع الواجب الموسع: وهو
الذي يتسع وقته له ولغيره من جنسه، كأوقات الصلوات المفروضة، فإن كل وقت يسع
الفريضة صاحبة الوقت، وأداء صلاة أخرى.
- والأداء: هو فعل الواجب في الوقت
المقدر له شرعًا.
- والإعادة: فعل الواجب ثانيًا في الوقت، كإعادة الصلاة مع
الجماعة.
- والقضاء: فعل الواجب بعد انتهاء الوقت. وقضاء الصلاة المفروضة
أمر واجب، لما رواه أنس في الصحيحين أن الرسول ﷺ قال: «من نام عن صلاة أو نسيها،
فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك» ويقاس على الناسي والنائم من باب أولى:
تارك الصلاة كسلًا، أو عمدًا بغير عذر مشروع؛ لاستقرار وجوب الصلاة دينًا في
الذمة، ولاتبرأ الذمة إلا بفعل الواجب.
- ثانيًا - المصطلحات الخاصة
بالمذاهب:
- هناك مصطلحات مكررة في كل مذهب، دعا إليها إيثار الاختصار، وملل
التكرار، وضرورة معرفة المعتمد الراجح من بين الأقوال وهي مايلي:
(١)
الجهالة أربعة أنواع: إما في المعقود عليه، أو في العوض، أو في الأجل، أو في
وسائل التوثيق المشروطة في العقد، كالرهن والكفالة.
والغرر: أن يعتمد
التعاقد على أمر موهوم غير موثوق، وهو نوعان: إما في أصل المعقود عليه، كبيع
الحمل في بطن أمه، وإما في أوصاف العقد الفرعية ومقاديره، كادعاء مقدار معين
لحليب شاة.
والإكراه: حمل الغير على أن يفعل مالا يرضاه ولايختار مباشرته،
لو خلي ونفسه (راجع المدخل الفقهي للأستاذ مصطفى الزرقاء: ف: ٣٧١ - ٣٧٦).
مصطلحات المذهب الحنفي:
أـ ظاهر الرواية: يراد به في الغالب الشائع - كما عرفنا - القول الراجح
لأئمة الحنفية الثلاثة (أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد).
ب - الإمام: هو أبو
حنيفة، والشيخان: هما أبو حنيفة وأبو يوسف، والطرفان: هما أبو حنيفة ومحمد،
والصاحبان: هما أبو يوسف ومحمد. والثاني: هو أبو يوسف. والثالث: هو محمد، ولفظ
(له) أي لأبي حنيفة، ولفظ (لهما) أو (عندهما) أو (مذهبهما) أي مذهب الصاحبين،
وإذا قالوا: أصحابنا، فالمشهور إطلاق ذلك على الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة وصاحبيه،
وأما المشايخ: فالمراد بهم في الاصطلاح: من لم يدرك الإمام.
جـ - يفتي قطعًا
بم ااتفق عليه أبو حنيفة وأصحابه في الروايات الظاهرة، فإن اختلفوا: فإنه يفتى
بقول الإمام أبي حنيفة على الإطلاق، وخصوصًا في العبادات، ولا يرجح قول صاحبيه أو
أحدهما إلا لموجب: وهو - كما قال ابن نجيم - إما ضعف دليل الإمام، وإما للضرورة
والتعامل، كترجيح قولهما في المزارعة والمساقاة (المعاملة) وإما بسبب اختلاف
العصر والزمان.
ويفتى بقول أبي يوسف في القضاء والشهادات والمواريث، لزيادة
تجربته. كما يفتى بقول محمد في جميع مسائل ذوي الأرحام، ويفتى بقول زفر في سبع
عشرة مسألة (١).
د - إذا لم يوجد رواية للإمام في المسألة: يفتى بقول أبي
يوسف، ثم بقول محمد، ثم بقول زفر، والحسن بن زياد.
(١) انظر رد المحتار لابن
عابدين: ٦٥/ ١ - ٧٠، ٣١٥/ ٤، رسالة المفتي في مجموع رسائل ابن عابدين: ٣٥/ ١ -
٤٠.
هـ - إذا كان في مسألة قياس واستحسان، فالعمل على الاستحسان
إلا في مسائل معدودة مشهورة، هي اثنتان وعشرون مسألة (١).
وإذا لم تذكر
المسألة في ظاهر الرواية، وثبتت في رواية أخرى، تعين المصير إليها.
وإذا
اختلفت الروايات عن الإمام، أو لم يوجد عنه ولا عن أصحابه رواية أصلًا، يؤخذ في
الحالة الأولى بأقواها حجة، ويؤخذ في الحالة الثانية بما اتفق عليه المشايخ
المتأخرون، فإن اختلفوا يؤخذ بقول الأكثرين، فإن لم يوجد منهم قول أصلًا، نظر
المفتي في المسألة نظرة تأمل وتدبر واجتهاد، ليجد فيها مايقرب من الخروج عن
العهدة، ولايتكلم فيها جزافًا، ويخشى الله تعالى ويراقبه، لأن الجرأة على الفتيا
بدون دليل أمر عظيم لايتجاسر عليه إلا كل جاهل شقي.
وـ إذا تعارض التصحيح
والفتوى، فقيل: الصحيح كذا، والمفتى به كذا، فالأولى العمل بما وافق المتون، فإن
لم توجد موافقة لها، فيؤخذ بالمفتى به؛ لأن لفظ الفتوى آكد (أقوى) من لفظ الصحيح
والأصح والأشبه وغيرها. وإذا ورد في المسألة قولان مصححان جاز القضاء والإفتاء
بأحدهما. ويرجح أحدهما بما هو أوفق للزمن أو العرف أو أنفع للوقف أو للفقراء، أو
كان دليله أوضح وأظهر؛ لأن الترجيح بقوة الدليل.
ولفظ: (به يفتى) آكد من لفظ
«الفتوى عليه»؛ لأن الأول يفيد الحصر.
ولفظ (الأصح) آكد من (الصحيح)
و(الأحوط) آكد من (الاحتياط).
ز - المراد بكلمة «المتون»: أي متون الحنفية
المعتبرة، مثل كتاب مختصر
(١) رسم المفتي: ص ٣٥،٤٠.
القدوري،
والبداية، والنقاية، والمختار، والوقاية، والكنز، والملتقى فإنها وضعت لنقل ظاهر
الرواية والأقوال المعتمدة.
ح - لايجوز العمل بالضعيف من الرواية، ولو في حق
نفسه، بدون فرق بين المفتي والقاضي، إلا أن المفتي مخبر عن الحكم الشرعي، والقاضي
ملزم به. وصح عن أبي حنيفة أنه قال: «إذا صح الحديث فهو مذهبي»، ونقل مثل ذلك
غيره من أئمة المذاهب (١). لكن يجوز الإفتاء بالقول الضعيف للضرورة تيسيرًا على
الناس.
ط - الحكم الملفق عند الحنفية باطل، كما أن الرجوع عن التقليد بعد
العمل باطل، على ماهو المختار في المذهب، فمن صلى ظهرًا بمسح الرأس مقلدًا
للحنفي، فليس له إبطال صلاته باعتقاده لزوم مسح كل الرأس مقلدًا للمالكي.
وأجاز
بعض الحنفية التقليد بعد العمل، كما إذا صلى ظانًا صحة صلاته على مذهبه، ثم تبين
بطلانها في مذهبه، وصحتها على مذهب غيره فله تقليده، ويجتزئ بتلك الصلاة، على
ماقال في الفتاوى البزازية: روي عن أبي يوسف أنه صلى الجمعة مغتسلًا من الحمام،
ثم أخبر بفأرة ميتة في بئر الحمام، فقال: نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة: «إذا
بلغ الماء قُلَّتين (٢٧٠ ليترًا أو ١٥ تنكة)، لم يحمل خبثًا».
ي - أجاز بعض
الحنفية: أن المقلد إذا قضى بمذهب غيره، أو برواية ضعيفة، أو بقول ضعيف، نفذ،
وليس لغيره نقضه.
ك - تعتبر حاشية ابن عابدين (١٢٥٢هـ) علامة الشام وهي (رد
المحتار على الدر المختار) خاتمة التحقيقات والترجيحات في المذهب الحنفي.
(١)
انظر الميزان للشعراني: ٥٤/ ١ - ٦٣، أعلام الموقعين: ٢٦٠/ ٢ - ٢٧٤، ط محي الدين
عبد الحميد.
مصطلحات المذهب المالكي:
المذهب المالكي كغيره من المذاهب يتميز بكثرة الأقوال، مراعاة لمصالح
الناس وأعرافهم المختلفة.
والمفتي يفتي بالراجح الذي يكون صالحًا في موضوع
المسألة. وغير المفتي الذي لم يستكمل شروط الاجتهاد يأخذ بالمتفق عليه، أو
المشهور من المذهب، أو ما رجحه الأقدمون، فإن لم يعرف أرجحية قول، قيل كما ذكر
الشيخ عليش (١٢٩٩هـ): إنه يأخذ بالقول الأشد؛ لأنه أحوط، وقيل: يختار أخف الأقوال
وأيسرها، لأن ذلك أليق بالشرع الإسلامي؛ لأن النبي ﷺ جاء بالحنيفية السمحة، وقيل:
إنه يتخير، فيأخذ بأيها شاء؛ لأنه لاتكليف إلا بما يطاق (١).
أـ رتب بعض
المالكية الترجيح بين روايات الكتب، والروايات عن المشايخ، فقال: قول مالك في
المدونة أولى من قول ابن القاسم فيها، فإنه الإمام الأعظم، وقول ابن القاسم فيها
أولى من قول غيره فيها، لأنه أعلم بمذهب مالك، وقول غيره فيها أولى من قول ابن
القاسم في غيرها، وذلك لصحتها. وإذا لم يذكر قول في المدونة، فإنه يرجع إلى أقوال
المخرجين.
ب - إذا قيل: (المذهب) يراد به مذهب مالك، وإذا قيل: (المشهور)
فيعني مشهور مذهب مالك، وفي ذلك إشعار بخلاف في المذهب.
والمعتمد أن المراد
(بالمشهور): ماكثر قائله.
جـ - إذا قيل: «قيل كذا» أو «اختلف في كذا» أو «في
كذا قولان فأكثر» أي أن هناك اختلافًا في المذهب.
(١) كتاب مالك لأبي زهرة:
ص ٤٥٧ وما بعدها.
د - إذا ذكر (روايتان) أي عن مالك. وقد جرى
مؤلفو الكتب عند المالكية على أن الفتوى تكون بالقول المشهور، أو الراجح من
المذهب. وأما القول الشاذ والمرجوح أي الضعيف فلا يفتى بهما، ولا يجوز العمل به
في خاصة النفس، بل يقدم العمل بقول الغير عليه؛ لأن قول الغير، قوي في مذهبه
(١).
هـ - في التلفيق في العبادة الواحدة من مذهبين طريقتان: المنع: وهو
طريقة المصريين، والجواز: وهو طريق المغاربة، ورجحت، وقال الدسوقي قائلًا عن
مشايخه: إن الصحيح جوازه، وهو فسحة (٢).
وـ يعتبر متن العلامة الشيخ خليل
(٧٦٧هـ) ومدرسته من الشراح الكثيرين الذين شرحوه هو المعتمد عند المالكية، في
تحرير الأقوال والروايات، وبيان الراجح منها (٣).
مصطلحات المذهب الشافعي:
نقل عن الشافعي في بضع عشرة مسألة قولان فأكثر، كما في خيار الرؤية الذي
ذكر فيه قول بجوازه وقول بمنعه رجع فيه عن الأول، وكما في وجوب الزكاة على المدين
بدين مساو لما في يده، وكما في إقرار المفلس بدين له لآخر، هل يدخل المقر له مع
الغرماء أم لا، وكما في تغرير الزوج بزوجته، بأن يذكر لها نسبًا غير نسبه، هل لها
الخيار بفسخ الزواج، أو أن الزواج باطل، ونحو ذلك، مما جعل بعض المغرضين يتخذون
من تعدد أقوال الشافعي سبيلًا للنيل منه، والطعن في اجتهاده، وزعم نقص علمه.
والحق
أن التردد بين القولين عند تعارض الأقيسة،
(١) حاشية الدسوقي على الشرح
الكبير للدردير: ٢٠/ ١
(٢) المرجع والمكان السابق.
(٣) تجوز الأجرة على
الفتيا عند المالكية إن لم تتعين.
وتصادم الأدلة، ليس دليل
النقص، ولكنه دليل الكمال في العقل، فهو لايهجم باليقين في مقام الظن، ودليل على
كمال الإخلاص في طلب الحق والقصد، فهو لايجزم بالحكم إلا إذا توافرت لديه أسباب
الترجيح، وإن لم تتوافر الأسباب لذلك، ألقى بتردده (١).
وعلى المفتي إذا وجد
قولين للشافعي أن يختار مارجحه المخرجون السابقون (٢)، وإلا توقف كما يقول
النووي. وإذا كانت المسألة ذات أوجه للمجتهدين من أصحاب الشافعي أو طرق نقل
مختلفة، فيأخذ المفتي بما رجحه المجتهدون السابقون: وهو ماصححه الأكثر، ثم
الأعلم، ثم الأورع، فإن لم يجد ترجيحًا، يقدم مارواه البويطي والربيع المرادي
والمزني عن الشافعي (٣) ويعتبر الشيخ أبو زكريا، يحيى بن شرف النووي (٦٧٦هـ) بحق
مُحرِّر المذهب الشافعي أي منقحه، ومبين الراجح من الأقوال فيه، وذلك في كتابه
(منهاج الطالبين، وعمدة المفتين)، وهو المعتمد لدى الشافعية، حتى بالنسبة لبعض
كتب النووي الأخرى كالروضة، وقد اعتمد في تأليفه على مختصر (المحرّر) للإمام أبي
القاسم الرافعي (المتوفى سنة ٦٢٣هـ)، ثم اختصر الشيخ زكريا الأنصاري المنهاج إلى
المنهج. والفتوى على ماقاله النووي في المنهاج وما ذكره الشارح في نهاية المحتاج
للرملي، وتحفة المحتاج لا بن حجر، ثم ماذكره الشيخ زكريا.
وهذه طريقة النووي
في حكاية الأقوال وبيان الأوجه المخرجة للأصحاب، وكيفية الترجيح بينها، علمًا
بأنه يسمي آراء الشافعي أقوالًا، وآراء أصحابه
(١) الشافعي لأبي زهرة: ص
(١٧٢ - ١٧٥).
(٢) ويرجح المجتهدون ما رجحه الشافعي هو، فإن لم يكن له ترجيح
رجحوا المتأخر على المتقدم، فإن لم يعرف التأخر، وذلك نادر رجحوا أقربها إلى
أصوله.
(٣) الشافعي: (ص ٣٦٨ وما بعدها).
أوجهًا، واختلاف
رواة المذهب في حكاية مذهب الشافعي طرقًا، فالاختلافات ثلاثة: الأقوال: وهي
المنسوبة للشافعي، والأوجه: وهي الآراء التي يستنبطها فقهاء الشافعية بناء على
قواعده وأصوله، والطرق: وهي اختلاف الرواة في حكاية المذهب (١).
أـ
(الأظهر): أي من قولين أو أقوال للشافعي رحمه الله تعالى، قوي الخلاف فيهما أو
فيها، ومقابله (ظاهر) لقوة مدرك كلٍ (٢).
ب - (المشهور): أي من قولين أو
أقوال للشافعي لم يقو الخلاف فيهما أو فيها، ومقابله (غريب) لضعف مدركه.
فكل
من الأظهر والمشهور: من قولين للشافعي.
جـ - (الأصح): أي من وجهين أو أوجه
استخرجها الأصحاب من كلام الشافعي، بناء على أصوله، أو استنبطوهامن قواعده، وقد
قوي الخلاف فيما ذكر، ومقابله صحيح.
د - (الصحيح): أي من وجهين أو أوجه،
ولكن لم يقو الخلاف بين الأصحاب، ومقابله ضعيف لفساد مدركه.
فكل من الأصح
والصحيح: من وجهين أو أوجه للأصحاب.
هـ - (المذهب) من الطريقتين أو الطرق:
وهي اختلاف الأصحاب في حكاية المذهب، كأن يحكي بعضهم في المسألة قولين، أو وجهين
لمن تقدم، ويقطع
(١) الشافعي: ص ٣٦١، الفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة
الشافعية: ص٣٥ وما بعدها.
(٢) انظر في هذا وما يأتي مقدمة كتاب المنهاج
للنووي.
بعضهم بأحدهما، وعلى كل قد يكون قول القطع هو الراجح،
وقد يكون غيره. ومدلول هذا التعبير (المذهب): أن المفتى به هو ماعبر عنه
بالمذهب.
وـ (النص) أي نص الشافعي، ومقابله وجه ضعيف أو مخرَّج (١)، وعلى كل
قد يكون الإفتاء بغير النص.
ز - (الجديد): هو مقابل المذهب القديم، والجديد:
هو ماقاله الشافعي في مصر تصنيفًا أو إفتاء، ورواته: البويطي والمزني والربيع
المرادي وحرملة ويونس بن عبد الأعلى، وعبد الله بن الزبير المكي، ومحمد بن عبد
الله بن عبد الحكم وغيرهم. والثلاثة الأول: هم الذين قاموا بالعبء، والباقون نقلت
عنهم أمور محصورة.
ح - (القديم): ماقاله الشافعي في العراق تصنيفًا في كتابه
(الحجة) أو أفتى به. ورواته جماعة أشهرهم: الإمام أحمد بن حنبل، والزعفراني
والكرابيسي، وأبو ثور. وقد رجع الشافعي عنه، ولم يحل الشافعي الإفتاء به، وأفتى
الأصحاب به في نحو سبع عشرة مسألة.
وأما ماوجد بين مصر والعراق، فالمتأخر
جديد، والمتقدم قديم.
وإذا كان في المسألة: قديم وجديد، فالجديد هو المعمول
به، إلا في مسائل يسيرة نحو السبع عشرة، أفتي فيها بالقديم (٢).
(١)
التخريج: أن يجيب الشافعي بحكمين مختلفين في صورتين متشابهتين، ولم يظهر مايصلح
للفرق بينهما، فينقل الأصحاب جواب الشافعي في كل صورة إلى الأخرى، فيحصل في كل
صورة منهما قولان: منصوص ومخرج، المنصوص في مسألة مخرج في الأخرى، والمنصوص في
الأخرى مخرج في الأولى، فيقال: فيهما قولان بالنقل والتخريج، والأصح أن القول
المخرّج لا ينسب للشافعي؛ لأنه ربما روجع فيه، فذكر فرقًا.
(٢) أوصل
الشافعية هذه المسائل إلى اثنتين وعشرين مسألة، مثل عدم مضي وقت المغرب بمضي خمس
ركعات (انظر بجيرمي الخطيب: ٤٨/ ١).
ط - (قولا الجديد): يعمل
بآخرهما إن علم، فإن لم يعلم، وعمل الشافعي بأحدهما، كان إبطالًا للآخر أو
ترجيحًا لما عمل به.
وكلمة (قيل) تعني وجود وجه ضعيف، والصحيح أو الأصح
خلافه.
و(الشيخان) هما الرافعي والنووي.
ي - قال ابن حجر: ولايجوز
العمل بالضعيف في المذهب، ويمتنع التلفيق في مسألة، كأن قلد مالكًا في طهارة
الكلب، والشافعي في مسح بعض الرأس في صلاة واحدة، وأما في مسألة بتمامها بجميع
معتبراتها فيجوز، ولو بعد العمل، كأن أدى عبادته صحيحة عند بعض الأربعة دون غيره،
فله تقليده فيها، حتى لايلزمه قضاؤها، ويجوز الانتقال من مذهب لغيره، ولو بعد
العمل (١).
مصطلحات المذهب الحنبلي:
كثرت الأقوال والروايات في مذهب أحمد كثرة عظيمة، إما بسبب اطلاعه على
الحديث بعد الإفتاء بالرأي، أو بسبب اختلاف الصحابة على رأيين في المسألة، أو
لمراعاته الظروف والملابسات في الوقائع المستفتى فيها.
وقد اختلف علماء
المذهب في طرق الترجيح بين الأقوال والروايات على فريقين:
أحدهما - الاهتمام
بنقل الأقوال، لأن ذلك دليل كمال في الدين.
والثاني - الميل إلى توحيد رأي
الإمام، بالترجيح بالتاريخ إن علم تاريخ القولين، أو بالموازنة بين القولين،
والأخذ بأقواهما دليلًا، وأقربهما إلى منطق
(١) بجيرمي الخطيب: ٥١/ ١.
الإمام
وقواعد مذهبه، فإن تعذر الترجيح كان في المذهب قولان، عند الاضطرار إليه، ويخير
المقلد بينهما في الأظهر، لأن الأصل في المجتهد أن يكون له رأي واحد في اجتهاده،
وإن لم يكن له رأي واحد في المسألة، لا يكون له اجتهاد فيها (١).
والقول
الواحد الذي يذكره المؤلفون: هو ما رجحه أهل الترجيح من أئمة المذهب، كالقاضي
علاء الدين، علي بن سليمان السعدي المرداوي، المجتهد في تصحيح المذهب، في كتبه
الإنصاف، وتصحيح الفروع، والتنقيح (٢).
أـ إذا أطلقت كلمة (الشيخ) أو (شيخ
الإسلام) عند المتأخرين من علماء الحنابلة: فيراد به أبو العباس، أحمد تقي الدين
بن تيمية الحراني (٦٦١ - ٧٢٨هـ) الذي كان له في رسائله وفتاويه واختياراته فضل في
نشر مذهب أحمد، كما كان لتلميذه ابن القيم صاحب إعلام الموقعين (المتوفى عام ٧٥١)
فضل أيضًا في ذلك.
ب - إذا أطلق المتأخرون قبل ابن تيمية كصاحب الفروع
والفائق والاختيارات وغيرهم: (الشيخ) أرادوا به الشيخ العلامة موفق الدين أبا
محمد عبد الله بن قدامة المقدسي (المتوفى سنة ٦٢٠هـ) صاحب المغني والمقنع،
والكافي والعمدة ومختصر الهداية في الفقه.
جـ - وإذا قيل (الشيخان): فالموفق
والمجد أي ابن قدامة الآنف الذكر، ومجد الدين أبو البركات (المتوفى سنة ٦٥٢هـ)
صاحب (المحرر في الفقه) على مذهب الإمام أحمد.
(١) ابن حنبل لأبي زهرة: ص
١٨٩ - ١٩٣، ومقدمة كشاف القناع: ١٩/ ١.
(٢) كشاف القناع: ١٧/ ١، المدخل إلى
مذهب أحمد: ص ٢٠٤.
د - وإذا قيل: (الشارح) فهو الشيخ شمس الدين،
أبو الفرج، عبد الرحمن ابن الشيخ أبي عمر المقدسي (٦٨٢هـ)، وهو ابن أخ الموفق
وتلميذه، ومتى قال الحنابلة: قال في الشرح، كان المراد به هذا الكتاب، وقد استمد
من المغني، واسمه: الشرح الكبير، أو (الشافي) شرح (المقنع) في عشر مجلدات أو (١٢)
جزءًا، والكتب المعتمدة عند الحنابلة هي: المغني والشرح الكبير، وكشاف القناع
لمنصور البُهُوتي، وشرح منتهى الإرادات للبُهُوتي. والعمل في الفتوى والقضاء في
السعودية على كتابي البهوتي، وعلى شرح الزاد وشرح الدليل.
هـ - إذا أطلق
(القاضي) فالمراد به القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء (المتوفى سنة
٤٥٨هـ).
وإذا أطلق (أبو بكر) يراد به المرُّوذي (٢٧٤هـ) تلميذ الإمام
أحمد.
وـ وإذا قيل: (وعنه) أي عن الإمام أحمد ﵀. وقولهم: (نصًا) معناه نسبته
إلى الإمام أحمد.
وأخيرًا أريد في هذا الكتاب بكلمة الجمهور: المذاهب
الثلاثة، في مواجهة المذهب الرابع، ويعرف من هم الجمهور من تحديد المذهب المخالف
المقابل لهم. وإذا قلت: اتفق الفقهاء، أردت أئمة المذاهب الأربعة دون التفات
للآراء الشاذة.
المطلب الخامس - أسباب اختلاف الفقهاء:
لاحظنا فيما سبق ظاهرة اختلاف المذاهب في تقرير الأحكام الشرعية، ليس فيما
بين المذاهب فقط، وإنما في دائرة المذهب الواحد، وقد يستغرب الشخص العادي غير
المتخصص في الدراسات الفقهية مثل هذا الاختلاف، لاعتقاده أن
الدين
واحد، والشرع واحد، والحق واحد لايتعدد، والمصدر واحد وهو الوحي الإلهي، فلماذا
التعدد في الأقوال، ولم لايوحد بين المذاهب، فيؤخذ بقول واحد يسير عليه المسلمون،
باعتبارهم أمة واحدة؟! وقد يتوهم أن اختلاف المذاهب اختلاف يؤدي إلى تناقض في
الشرع، أو المصدر التشريعي، أو أنه اختلاف في العقيدة كاختلاف فرق غير المسلمين
من أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت، والعياذ بالله!!
وهذا كله وهم باطل، فإن
اختلاف المذاهب الإسلامية رحمة ويسر بالأمة، وثروة تشريعية كبرى محل اعتزاز
وفخار، واختلاف في مجرد الفروع والاجتهادات العملية المدنية الفقهية، لافي الأصول
والمبادئ أو الاعتقاد، ولم نسمع في تاريخ الإسلام أن اختلاف المذاهب الفقهية أدى
إلى نزاع أو صدام مسلح هدد وحدة المسلمين، أو ثبط همتهم في لقاء أعدائهم؛ لأنه
اختلاف جزئي لايضر، أما الاختلاف في العقيدة فهو الذي يعيبها ويفرق بين أبنائها،
ويمزق شملها، ويضعف كيانها، لهذا فإن العودة إلى العمل بالفقه الإسلامي،
والاعتماد على تقنين موحد مستمد منه سبيل لتدعيم وحدة الأمة الإسلامية ونبذ
خلافاتها.
وبه يتبين أن اختلاف الفقهاء محصور فقط بين المأخوذ من مصادر
الشريعة، بل هو ضرورة اجتهادية يمليها الاجتهاد نفسه في فهم الحكم من الأدلة
الشرعية مباشرة، كما هو الشأن في تفسير نصوص القوانين، واختلاف الشراح فيما
بينهم، وذلك إما بسبب طبيعة اللغة العربية المجملة أو المحتملة ألفاظها أحيانًا
أكثر من معنى واحد محدد، وإما بسبب رواية الحديث وطريق وصوله إلى المجتهد قوة
وضعفًا، وإما بسبب التفاوت بين المجتهدين في كثرة أو قلة الاعتماد على مصدر
تشريعي، أو لمراعاة المصالح والحاجات والأعراف المتجددة المتطورة.
ومنبع
الاختلاف: هو تفاوت الأفكار والعقول البشرية في فهم النصوص واستنباط الأحكام،
وإدراك أسرار التشريع وعلل الأحكام الشرعية.
وذلك كله لاينافي وحدة المصدر
التشريعي، وعدم وجود تناقض في الشرع نفسه، لأن الشرع لاتناقض فيه، وإنما الاختلاف
بسبب عجز الإنسان، لكن يجوز العمل بأحد الآراء المختلفة، رفعًا للحرج عن الناس
الذين لايجدون سبيلًا آخر بعد انقطاع الوحي إلا الأخذ بما غلب على ظن هذا المجتهد
أو ذاك، مما فهمه من الأدلة الظنية، والظن مثار اختلاف الأفهام، وقد قال النبي ﷺ:
«إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» (١).
أما الأدلة
القطعية التي تدل على الحكم يقينًا وقطعًا بسبب قطعية ثبوتها وقطعيةدلالتها
المستنبطة منها، كالقرآن والسنة المتواترة أو المشهورة (٢)، فلا مجال أصلًا
لاختلاف الفقهاء في الأحكام المستفادة منها.
وأهم أسباب اختلاف الفقهاء في
استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة الظنية هو مايأتي (٣):
(١) متفق عليه من
حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة، ورواه بقية أصحاب الكتب الستة.
(٢) السنة
عند الحنفية أنواع ثلاثة: متواترة ومشهورة وآحاد، والمتواترة: هي مارواها عن
الرسول جمع يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب، وذلك في العصور الثلاثة الأولى: عصر
الصحابة والتابعين. والمشهورة: هي ما كان من الأخبار آحاديًا في الأصل ثم انتشر
في القرن الثاني بعد الصحابة. وسنة الآحاد: هي مارواها عن الرسول واحد أو اثنان
فصاعدًا دون المشهور والمتواتر من العصو ر الثلاثة الأولى.
(٣) راجع بداية
المجتهد لابن رشد الحفيد: ٥/ ١ ومابعدها، حجة الله البالغة للدهلوي:
(١١٥/
١) وما بعدها، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، الباب الثالث والسادس، الباب
الخامس والعشرون، والسادس والعشرون، الموافقات للشاطبي: (٢١١/ ٤ - ٢١٤)، رفع
الملام عن الأئمة الأعلام لابن تيمية، أسباب اختلاف الفقهاء للشيخ علي الخفيف،
مقارنة المذاهب في الفقه للشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد علي السايس، مالا يجوز
فيه الخلاف للشيخ عبد الجليل عيسى، الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت
الاختلاف بين المسلمين في آرائهم لابن السيد البطليوسي.
أولًا - اختلاف معاني الألفاظ العربية:
إما بسبب كون اللفظ مجملًا، أو مشتركًا، أو مترددًا بين العموم والخصوص، أو بين
الحقيقة والمجاز، أو بين الحقيقة والعرف، أو بسبب إطلاق اللفظ تارة وتقييده تارة.
أو بسبب اختلاف الإعراب، أو الاشتراك في الألفاظ إما في اللفظ المفرد: كلفظ
القُرْء الذي يطلق على الأطهار وعلى الحيضات، ولفظ الأمر: هل يحمل على الوجوب أو
على الندب، ولفظ النهي: هل يحمل على التحريم أو الكراهية؟
وإما في اللفظ
المركب: مثل قوله تعالى بعد آية حد القذف: ﴿إليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح
يرفعه﴾ [فاطر:١٠/ ٣٥]، اختلف في الفاعل، هل هو الكلم، أو العمل.
وإما في
الأحوال العارضة، نحو: ﴿ولا يضارَّ كاتب ولا شهيد﴾ [البقرة:٢/ ٢٨٢]، فإنه يحتمل
لفظ (يضار) وقوع الضرر منهما أو عليهما.
ومثال التردد بين العموم والخصوص:
﴿لا إكراه في الدين﴾ [البقرة:٢/ ٢٥٦]، هل هو خبر بمعنى النهي، أو هو خبر
حقيقي؟.
والمجاز له أنواع: إما الحذف، وإما الزيادة، وإما التقديم وإما
التأخير.
والتردد بين الإطلاق والتقييد: نحو إطلاق كلمة الرقبة في العتق في
كفارة اليمين، وتقييدها بالإيمان في كفارة القتل الخطأ.
ثانيًا - اختلاف الرواية:
وله أسباب ثمانية، كأن يصل الحديث إلى أحدهم ولايصل إلى غيره، أو يصل من طريق
ضعيف لايحتج به، ويصل إلى آخر من
طريق صحيح، أو يصل من طريق
واحد، ويرى أحدهم أن في بعض رواته ضعفًا لايعتقده غيره، أو لايراه مانعًا من قبول
الرواية، وهذا مبني على الاختلاف في طريق التعديل والترجيح.
أو يصل إليهما
من طريق متفق عليه، غير أن أحدهما يشترط في العمل به شروطًا لا يشترطها الآخر،
كالحديث المرسل (وهو مارواه غير الصحابي بدون سند إلى الرسول ﷺ.
ثالثًا - اختلاف المصادر: وهناك أدلة اختلفوا في مدى الاعتماد عليها، كالاستحسان والمصالح المرسلة وقول
الصحابي والاستصحاب، والذرائع ونحوها من دعوى البراءة أو الإباحة وعدمها.
رابعًا - اختلاف القواعد الأصولية أحيانًا: كقاعدة العام المخصوص ليس بحجة، والمفهوم ليس بحجة، والزيادة على النص القرآني
نسخ أم لا، ونحو ذلك.
خامسًا - الاجتهاد بالقياس: هو أوسع الأسباب اختلافًا، فإن له أصلًا وشروطًا وعلة، وللعلة شروطًا ومسالك، وفي كل ذلك مجال للاختلاف، والاتفاق بالذات على أصل القياس ومايجري فيه الاجتهاد ومالايجري أمر يكاد يكون غير متحقق. كما أن تحقيق المناط (وهو التحقق من وجود العلة في الفرع) من أهم أسباب اختلاف الفقهاء.
سادسًا - التعارض والترجيح بين الأدلة: وهو باب واسع اختلفت فيه الأنظار وكثر فيه الجدل. وهويتناول دعوى التأويل
والتعليل والجمع والتوفيق والنسخ وعدمه. والتعارض إما بين النصوص أو بين الأقيسة
مع بعضها، والتعارض في
السنة قد يكون في الأقوال أو في الأفعال،
أو في الإقرارات، وقد يكون الاختلاف بسبب وصف تصرف الرسول سياسة أو إفتاء، ويزال
التعارض بأسباب من أهمها الاحتكام إلى مقاصد الشريعة، وإن اختلفت النظرة إلى
ترتيب المقاصد.
وبهذا يعلم أن اجتهادات أئمة المذاهب جزاهم الله خيرًا
لايمكن أن تمثل كلها (شرع الله المنزل على رسوله صلّى الله عليه وسلموإن كان يجوز
أو يجب العمل بأحدها، والحق أن أكثرها مسائل اجتهادية وآراء ظنية تحترم وتقدر على
السواء، ولايصح أن تكون ذريعة للعصبية والعداوة والفرقة الممقوتة بين المسلمين
الموصوفين في قرآنهم بأنهم إخوة، والمأمورين بالاتفاق والاعتصام بحبل الله. وقد
كان المجتهد من الصحابة يتحاشى أن يسمى اجتهاده: حكم الله أو شرع الله، وإنما كان
يقول: هذا رأيي، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، والله
ورسوله منه بريء. وكان مما يوصي به النبي ﷺ أمير الجيش أو السرية قوله: «وإذا
حاصرت حصنًا فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلاتنزلهم على حكم الله، ولكن
أنزلهم على حكمك، فإنك لاتدري، أتصيب حكم الله فيهم أم لا» (١).
وهو يدل على
أن الأصح في قضية الإصابة والخطأ في الاجتهاد في الفروع الفقهية، هو مذهب
المخطئة، وهم جمهور المسلمين، منهم الشافعية، والحنفية على التحقيق، الذين يقولون
بأن المصيب في اجتهاده واحد من المجتهدين، وغيره مخطئ؛ لأن الحق لايتعدد. ويقولون
أيضًا: إن الله تعالى في كل واقعة حكمًا معينًا، فمن أصابه فهو المصيب، ومن أخطأه
فهو المخطئ. لكن بالنظر إلى العمل بثمرة الاجتهاد، لاشك أن حكم كل مجتهد هو حكم
الله، لتعذر معرفته بيقين.
وأخيرًا تظل عقدة المسلمين الجاثمة فيهم في عصرنا
هي العمل، العمل
(١) رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه عن سليمان بن بريدة
عن أبيه.
بشريعتهم عقيدة وعبادة والتزامًا وتطبيقًا لأحكام
الإسلام في العبادات والمعاملات والجنايات والعلاقات الخارجية على حد سواء.