المؤلف: محمد بن علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن الحنفي الحصكفي (ت ١٠٨٨ هـ)
التصنيف الفرعي للكتاب: الفقه علي المذهب الحنفي
المحتويات
- كتاب الشهادات
- باب القبول وعدمه
- باب الاختلاف في الشهادة
- باب الشهادة على الشهادة
- باب الرجوع عن الشهادة
- كتاب الوكالة
- باب الوكالة بالبيع والشراء
- فصل لا يعقد وكيل البيع والشراء والإجارة والصرف والسلم ونحوها
- باب الوكالة بالخصومة والقبض
- باب عزل الوكيل
- كتاب الدعوى
- باب التحالف
- فصل في دفع الدعاوى
- باب دعوى الرجلين
- باب دعوى النسب
- العودة الي الكتاب الدر المختار في شرح تنوير الأبصار
كتاب الشهادات
أخرها عن القضاء لأنها كالوسيلة وهو المقصود (هي) لغة خبر
قاطع. وشرعا (إخبار صدق لإثبات حق) فتح. قلت: فإطلاقها على الزور
مجاز كإطلاق اليمين على الغموس (بلفظ الشهادة في مجلس القاضي) ولو بلا دعوى
كما في عتق الأمة. وسبب وجوبها طلب ذي الحق أو خوف فوت حقه بأن لم يعلم بها
ذو الحق وخاف فوته لزمه أن يشهد بلا طلب فتح. (شرطها) أحد وعشرون شرطا
شرائط مكانها واحد. وشرائط التحمل ثلاثة (العقل الكامل) وقت التحمل،
والبصر، ومعاينة المشهود به إلا فيما يثبت بالتسامع (و) شرائط الأداء سبعة
عشر: عشرة عامة وسبعة خاصة، منها (الضبط والولاية) فيشترط الإسلام لو
المدعى عليه مسلما (والقدرة على التمييز) بالسمع والبصر (بين المدعي
والمدعى عليه) ومن الشرائط عدم قرابة ولاد أو زوجية أو عداوة دنيوية أو دفع
مغرم أو جر مغنم كما سيجيء.
(وركنها لفظ أشهد) لا غير لتضمنه
معنى مشاهدة وقسم وإخبار للحال فكأنه يقول: أقسم بالله لقد اطلعت على ذلك
وأنا أخبر به وهذه المعاني مفقودة في غيره فتعين، - حتى لو زاد فيما أعلم بطل
للشك.
وحكمها وجوب الحكم على القاضي بموجبها بعد التزكية بمعنى
افتراضه فورا إلا في ثلاث قدمناها (فلو امتنع) بعد وجود شرائطها (أثم)
لتركه الفرض (واستحق العزل) لفسقه (وعزر) لارتكابه ما لا يجوز شرعا
زيلعي (وكفر إن لم ير الوجوب) أي إن لم يعتقد افتراضه عليه ابن ملك، وأطلق
الكافيجي كفره واستظهر المصنف الأول.
(ويجب أداؤها بالطلب)
ولو حكما كما مر، لكن وجوبه بشروط سبعة مبسوطة في البحر وغيره، منها عدالة قاض
وقرب مكانه وعلمه بقبوله أو بكونه أسرع قبولا وطلب المدعي (لو في حق العبد إن
لم يوجد بدله) أي بدل الشاهد لأنها فرض كفاية تتعين لو لم يكن إلا شاهدان
لتحمل أو أداء، وكذا الكاتب إذا تعين، لكن له أخذ الأجرة لا للشاهد، حتى لو
أركبه بلا عذر لم تقبل وبه تقبل لحديث: «أكرموا الشهود» وجوز الثاني الأكل
مطلقا وبه يفتى بحر، وأقره المصنف.
(و) يجب الأداء (بلا طلب
لو) الشهادة (في حقوق الله تعالى) وهي كثيرة عد منها في الأشباه أربعة
عشر. قال: ومتى أخر شاهد الحسبة شهادته بلا عذر فسق فترد (كطلاق امرأة)
أي بائنا (وعتق أمة) وتدبيرها وكذا عتق عبد وتدبيره شرح وهبانية، وكذا
الرضاع كما مر في بابه، وهل يقبل جرح الشاهد حسبة؟ الظاهر نعم لكونه حقا لله
تعالى أشباه فبلغت ثمانية عشر، وليس لنا مدعي حسبة إلا في الوقف على المرجوح
فليحفظ. (وسترها في الحدود أبر) لحديث: «من ستر ستر» فالأولى الكتمان
إلا لمتهتك بحر.
(و) الأولى أن (يقول) الشاهد (في
السرقة أخذ) إحياء للحق (لا سرق) رعاية للستر.
(ونصابها
للزنا أربعة رجال) ليس منهم ابن زوجها، ولو علق عتقه بالزنا وقع برجلين ولا
حد، ولو شهدا بعتقه ثم أربعة بزناه محصنا فأعتقه القاضي ثم رجمه ثم رجع الكل
ضمن الأولان قيمته لمولاه والأربعة ديته له أيضا لو وارثه (و) لبقية
(الحدود والقود و) منه (إسلام كافر ذكر) لمآلها لقتله بخلاف الأنثى بحر
(و) مثله (ردة مسلم رجلان) إلا المعلق فيقع ولا يحد كما مر (وللولادة
واستهلال الصبي للصلاة عليه) وللإرث عندهما والشافعي وأحمد وهو أرجح فتح
(والبكارة وعيوب النساء فيما لا يطلع عليه الرجال امرأة) حرة مسلمة
والثنتان أحوط، والأصح قبول رجل واحد خلاصة وفي البرجندي عن الملتقط أن المعلم
إذا شهد منفردا في حوادث الصبيان تقبل شهادته ا هـ فليحفظ.
(و)
نصابها (لغيرها من الحقوق سواء كان) الحق (مالا أو غيره كنكاح وطلاق
ووكالة ووصية واستهلال صبي) ولو (للإرث رجلان) إلا في حوادث صبيان المكتب
فإنه يقبل فيها شهادة المعلم منفردا قهستاني عن التجنيس (أو رجل وامرأتان)
ولا يفرق بينهما: {فتذكر إحداهما الأخرى} ولا تقبل شهادة أربع بلا رجل
لئلا يكثر خروجهن، وخصهن الأئمة الثلاثة بالأموال وتوابعها (ولزم في الكل)
من المراتب الأربع (لفظ أشهد) بلفظ المضارع بالإجماع، وكل ما لا يشترط فيه
هذا اللفظ كطهارة ماء ورؤية هلال فهو إخبار لا شهادة (لقبولها والعدالة
لوجوبه) في الينابيع: العدل من لم يطعن عليه في بطن ولا فرج ومنه الكذب
لخروجه من البطن (لا لصحته) خلافا للشافعي رضي الله تعالى عنه (فلو قضى
بشهادة فاسق نفذ) وأثم فتح (إلا أن يمنع منه) أي من القضاء بشهادة الفاسق
(الإمام فلا) ينفذ لما مر أنه يتأقت ويتقيد بزمان ومكان وحادثة وقول معتمد
حتى لا ينفذ قضاؤه بأقوال ضعيفة وما في القنية والمجتبى من قبول ذي المروءة
الصادق فقول الثاني بحر وضعفه الكمال بأنه تعليل في مقابلة النص فلا يقبل وأقره
المصنف.
(وهي) إن (على حاضر يحتاج) الشاهد (إلى الإشارة
إلى) ثلاثة مواضع أعني (الخصمين والمشهود به لو عينا) لا دينا (وإن على
غائب) كما في نقل الشهادة (أو ميت فلا بد) لقبولها (من نسبته إلى جده
فلا يكفي ذكر اسمه واسم أبيه وصناعته إلا إذا كان يعرف بها) أي بالصناعة
(لا محالة) بأن لا يشاركه في المصر غيره (فلو قضى بلا ذكر الجد نفذ)
فالمعتبر التعريف لا تكثير الحروف، حتى لو عرف باسمه فقط أو بلقبه وحده كفى
جامع الفصولين وملتقط.
(ولا يسأل عن شاهد بلا طعن من الخصم إلا
في حد وقود، وعندهما يسأل في الكل) إن جهل بحالهم بحر (سرا وعلنا به
يفتى) وهو اختلاف زمان لأنهما كانا في القرن الرابع، ولو اكتفى بالسر جاز
مجمع وبه يفتى سراجية.
(وكفى في التزكية) قول المزكي (هو
عدل في الأصح) لثبوت الحرية بالدار درر يعني الأصل فيمن كان في دار الإسلام
الحرية فهو بعبارته جواب عن النقض بالعبد وبدلالته عن النقض بالمحدود ابن كمال
(والتعديل من الخصم الذي لم يرجع إليه في التعديل لم يصلح) فلو كان ممن
يرجع إليه في التعديل صح بزازية، والمراد بتعديله تزكيته بقوله هم عدول زاد
لكنهم أخطئوا أو نسوا أو لم يزد (و) أما (قوله صدقوا أو هم عدول صدقة)
فإنه (اعتراف بالحق) فيقضى بإقراره لا بالبينة عند الجحود اختيار. وفي
البحر عن التهذيب: يحلف الشهود في زماننا لتعذر التزكية إذ المجهول لا يعرف
المجهول وأقره المصنف. ثم نقل عنه عن الصيرفية تفويضه للقاضي قلت: ولا تنس
ما مر عن الأشباه.
(و) الشاهد (له أن يشهد بما سمع أو رأى
في مثل البيع) ولو بالتعاطي فيكون من المرئي (والإقرار) ولو بالكتابة
فيكون مرئيا (وحكم الحاكم والغصب والقتل وإن لم يشهد عليه) ولو مختفيا يرى
وجه المقر ويفهمه (ولا يشهد على محجب بسماعه منه إلا إذا تبين القائل) بأن
لم يكن في البيت غيره، لكن لو فسر لا تقبل درر (أو يرى شخصها) أي القائلة
(مع شهادة اثنين بأنها فلانة بنت فلان بن فلان) ويكفي هذا للشهادة على
الاسم والنسب وعليه الفتوى جامع الفصولين.
[فرع]
في
الجواهر عن محمد: لا ينبغي للفقهاء كتب الشهادة لأن عند الأداء يبغضهم المدعى
عليه فيضره (وإذا كان بين الخطين) بأن أخرج المدعي خط إقرار المدعى عليه
فأنكر كونه خطه فاستكتب فكتب وبين الخطين (مشابهة ظاهرة) على أنهما خط كاتب
واحد (لا يحكم عليه بالمال) هو الصحيح خانية، وإن أفتى قارئ الهداية بخلافه
فلا يعول عليه، وإنما يعول على هذا التصحيح لأن قاضي خان من أجل من يعتمد على
تصحيحاته، كذا ذكره المصنف هنا، وفي كتاب الإقرار واعتمده في الأشباه، لكن في
شرح الوهبانية: لو قال هذا خطي لكن ليس علي هذا المال، إن كان الخط على وجه
الرسالة مصدرا معنونا لا يصدق ويلزم بالمال ونحوه في الملتقط وفتاوى قارئ
الهداية فراجع ذلك.
(ولا يشهد على شهادة غيره ما لم يشهد
عليه) وقيده في النهاية بما إذا سمعه في غير مجلس القاضي، فلو فيه جاز وإن لم
يشهده شرنبلالية عن الجوهرة، ويخالفه تصوير صدر الشريعة وغيره، وقولهم لا بد من
التحميل وقبول التحميل وعدم النهي بعد التحميل على الأظهر، نعم الشهادة بقضاء
القاضي صحيحة وإن لم يشهدهما القاضي عليه، وقيده أبو يوسف بمجلس القضاء وهو
الأحوط ذكره في الخلاصة.
(كفى) عدل (واحد) في اثني عشر
مسألة على ما في الأشباه منها إخبار القاضي بإفلاس المحبوس بعد المدة
(للتزكية) أي تزكية السر، وأما تزكية العلانية فشهادة إجماعا (وترجمة
الشاهد) والخصم (والرسالة) من القاضي إلى المزكي والاثنان أحوط، وجاز
تزكية عبد وصبي ووالد، وقد نظم ابن وهبان منها أحد عشر فقال: ويقبل عدل واحد
في تقوم وجرح وتعديل وأرش يقدر وترجمة والسلم هل هو جيد وإفلاسه الإرسال والعيب
يظهر وصوم على ما مر أو عند علة وموت إذا للشاهدين يخبر.
(والتزكية
للذمي) تكون (بالأمانة في دينه ولسانه ويده وأنه صاحب يقظة) فإن لم يعرفه
المسلمون سألوا عنه عدول المشركين اختيار. وفي الملتقط: عدل نصراني ثم أسلم
قبلت شهادته، ولو سكر الذمي لا تقبل.
(ولا يشهد من رأى خطه ولم
يذكرها) أي الحادثة (كذا القاضي والراوي) لمشابهة الخط للخط، وجوزاه لو
في حوزه، وبه نأخذ بحر عن المبتغى (ولا) يشهد أحد (بما لم يعاينه)
بالإجماع (إلا في) عشرة على ما في شرح الوهبانية: منها العتق والولاء عند
الثاني والمهر على الأصح بزازية و (النسب والموت والنكاح والدخول) بزوجته
(وولاية القاضي وأصل الوقف) وقيل وشرائطه على المختار كما مر في بابه
(و) أصله (هو كل ما تعلق به صحته وتوقف عليه) وإلا فمن شرائطه (فله
الشهادة بذلك إذا أخبره بها) بهذه الأشياء (من يثق) الشاهد (به) من
خبر جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب بلا شرط عدالة أو شهادة عدلين إلا في
الموت، فيكفي العدل ولو أنثى وهو المختار ملتقى وفتح، وقيده شارح الوهبانية بأن
لا يكون المخبر منهما كوارث وموصى له (ومن في يده شيء سوى رقيق) علم رقه و
(يعبر عن نفسه) وإلا فهو كمتاع ف (لك أن تشهد) به (أنه له إن وقع في
قلبك ذلك) أي أنه ملكه (وإلا لا) ولو عاين القاضي ذلك جاز له القضاء به
بزازية: أي إذا ادعاه المالك وإلا لا.
(وإن فسر) الشاهد
(للقاضي أن شهادته بالتسامع أو بمعاينة اليد ردت) على الصحيح (إلا في
الوقف والموت إذا) فسرا (و قالا فيه أخبرنا من نثق به) تقبل (على
الأصح) خلاصة، بل في العزمية عن الخانية: معنى التفسير أن يقولا شهدنا لأنا
سمعنا من الناس، أما لو قالا لم نعاين ذلك ولكنه اشتهر عندنا جازت في الكل
وصححه شارح الوهبانية وغيره ا هـ.
باب القبول وعدمه
أي
من يجب على القاضي قبول شهادته ومن لا يجب لا من يصح قبولها، أو لا يصح لصحة
الفاسق مثلا كما حققه المصنف تبعا ليعقوب باشا وغيره. (تقبل من أهل
الأهواء) أي أصحاب بدع لا تكفر كجبر وقدر ورفض وخروج وتشبيه وتعطيل، وكل منهم
اثنتا عشرة فرقة فصاروا اثنتين وسبعين (إلا الخطابية) صنف من الروافض يرون
الشهادة لشيعتهم ولكل من حلف أنه محق فردهم لا لبدعتهم بل لتهمة الكذب ولم يبق
لمذهبهم ذكر بحر (و) من (الذمي) لو عدلا في دينهم جوهرة (على مثله)
إلا في خمس مسائل على ما في الأشباه وتبطل بإسلامه قبل القضاء، وكذا بعده لو
بعقوبة كقود بحر (وإن اختلفا ملة) كاليهود والنصارى (و) الذمي (على
المستأمن لا عكسه) ولا مرتد على مثله في الأصح (وتقبل منه على) مستأمن
(مثله مع اتحاد الدار) لأن اختلاف داريهما يقطع الولاية كما يمنع التوارث
(و) تقبل من عدو بسبب الدين (لأنها من التدين) بخلاف الدنيوية فإنه لا
يأمن من التقول عليه كما سيجيء؛ وأما الصديق لصديقه فتقبل إلا إذا كانت الصداقة
متناهية بحيث يتصرف كل في مال الآخر فتاوى المصنف معزيا لمعين الحكام (و)
من (مرتكب صغيرة) بلا إصرار (إن اجتنب الكبائر) كلها وغلب صوابه على
صغائره درر وغيرها قال: وهو معنى العدالة. وفي الخلاصة: كل فعل يرفض
المروءة والكرم كبيرة، وأقره ابن الكمال. قال: ومتى ارتكب كبيرة سقطت
عدالته (و) من (أقلف) لو لعذر وإلا لا وبه نأخذ بحر والاستهزاء بشيء من
الشرائع كفر ابن كمال (وخصي) وأقطع (وولد الزنا) ولو بالزنا خلافا
لمالك (وخنثى) كأنثى لو مشكلا وإلا فلا إشكال (وعتيق لمعتقه وعكسه) إلا
لتهمة لما في الخلاصة شهدا بعد عتقهما أن الثمن كذا عند اختلاف بائع ومشتر لم
تقبل لجر النفع بإثبات العتق (ولأخيه وعمه ومن محرم رضاعا أو مصاهرة) إلا
إذا امتدت الخصومة وخاصم معه على ما في القنية. وفي الخزانة: تخاصم الشهود
والمدعى عليه تقبل لو عدولا (ومن كافر على عبد كافر مولاه مسلم أو) على
وكيل (حر كافر موكله مسلم لا) يجوز (عكسه) لقيامها على مسلم قصدا وفي
الأول ضمنا. (و) تقبل (على ذمي ميت وصية مسلم إن لم يكن عليه دين
لمسلم) بحر. وفي الأشباه: لا تقبل شهادة كافر على مسلم إلا تبعا كما مر
أو ضرورة في مسألتين: في الإيصاء. شهد كافران على كافر أنه أوصى إلى كافر
وأحضر مسلما عليه حق للميت. وفي النسب شهدا أن النصراني ابن الميت فادعى على
مسلم بحق وهذا استحسان ووجهه في الدرر (والعمال) للسلطان (إلا إذا كانوا
أعوانا على الظلم) فلا تقبل شهادتهم لغلبة ظلمهم كرئيس القرية والجابي
والصراف والمعرفين في المراكب والعرفاء في جميع الأصناف ومحضر قضاة العهد
والوكلاء المفتعلة والصكاك وضمان الجهات كمقاطعة سوق النخاسين حتى حل لعن
الشاهد لشهادته على باطل فتح وبحر. وفي الوهبانية: أمير كبير ادعى فشهد له
عماله ونوابه ورعاياهم لا تقبل كشهادة المزارع لرب الأرض، وقيل أراد بالعمال
المحترفين: أي بحرفة لائقة به وهي حرفة آبائه وأجداده وإلا فلا مروءة له لو
دنيئة، فلا شهادة له لما عرف في حد العدالة فتح وأقره المصنف.
(لا)
تقبل (من أعمى) أي لا يقضي بها، ولو قضى صح، وعم قوله (مطلقا) ما لو
عمي بعد الأداء قبل القضاء وما جاز بالسماع خلافا للثاني، وأفاد عدم قبول
الأخرس مطلقا بالأولى.
(ومرتد ومملوك) ولو مكاتبا أو مبعضا
(وصبي) ومغفل ومجنون (إلا) في حال صحته إلا (أن يتحملا في الرق
والتمييز وأديا بعد الحرية) ولو لمعتقه كما مر (و) بعد (البلوغ) وكذا
بعد إبصار وإسلام وتوبة فسق وطلاق زوجة لأن المعتبر حال الأداء شرح تكملة.
وفي البحر: متى حكم برده لعلة ثم زالت فشهد بها لم تقبل إلا أربعة عبد وصبي
وأعمى وكافر على مسلم وإدخال الكمال أحد الزوجين مع الأربعة سهو.
(ومحدود
في قذف) تمام الحد وقيل بالأكثر (وإن تاب) بتكذيبه نفسه فتح، لأن الرد من
تمام الحد بالنص والاستثناء منصرف لما يليه وهو: {وأولئك هم الفاسقون}
(إلا أن يحد كافرا) في القذف (فيسلم) فتقبل وإن ضرب أكثره بعد الإسلام
على الظاهر بخلاف عبد حد فعتق لم تقبل (أو يقيم) المحدود (بينة على
صدقه) إما أربعة على زناه أو اثنين على إقراره به، كما لو برهن قبل الحد
بحر. وفيه: الفاسق إذا تاب تقبل شهادته إلا المحدود بقذف والمعروف بالكذب
وشاهد الزور لو عدلا لا تقبل أبدا ملتقط، لكن سيجيء ترجيح قبولها.
(ومسجون
في حادثة) تقع في (السجن) وكذا لا تقبل شهادة الصبيان فيما يقع في
الملاعب، ولا شهادة النساء فيما يقع في الحمامات وإن مست الحاجات لمنع الشرع
عما يستحق به السجن وملاعب الصبيان وحمامات النساء، فكان التقصير مضافا إليهم
لا إلى الشرع بزازية وصغرى وشرنبلالية، لكن في الحاوي: تقبل شهادة النساء
وحدهن في القتل في الحمام بحكم الدية كي لا يهدر الدم ا هـ فليتنبه عند الفتوى،
وقدمنا قبول شهادة المعلم في حوادث الصبيان.
(والزوجة لزوجها
وهو لها) وجاز عليها إلا في مسألتين في الأشباه (ولو في عدة من ثلاث) لما
في القنية طلقها ثلاثا وهي في العدة لم تجز شهادته لها ولا شهادتها له، ولو شهد
لها ثم تزوجها بطلت خانية، فعلم منع الزوجية عند القضاء لا تحمل أو أداء.
(والفرع
لأصله) وإن علا إلا إذا شهد الجد لابن ابنه على أبيه أشباه. قال: وجاز
على أصله إلا إذا شهد على أبيه لأمه ولو بطلاق ضرتها والأم في نكاحه، وفيها بعد
ثمان ورقات: لا تقبل شهادة الإنسان لنفسه إلا في مسألة القاتل إذا شهد بعفو
ولي المقتول فراجعها (وبالعكس) للتهمة.
(وسيد لعبده ومكاتبه
والشريك لشريكه فيما هو من شركتهما) لأنها لنفسه من وجه. في الأشباه:
للخصم أن يطعن بثلاثة: برق وحد وشركة. وفي فتاوى النسفي: لو شهد بعض أهل
القرية على بعض منهم بزيادة الخراج لا تقبل ما لم يكن خراج كل أرض معينا أو لا
خراج للشاهد، وكذا أهل قرية شهدوا على ضيعة أنها من قريتهم لا تقبل، وكذا أهل
سكة يشهدون بشيء من مصالحه لو غير نافذة، وفي النافذة إن طلب حقا لنفسه لا
تقبل، وإن قال لا آخذ شيئا تقبل وكذا في وقف المدرسة انتهى فليحفظ.
(والأجير
الخاص لمستأجره) مسانهة أو مشاهرة أو الخادم أو التابع أو التلميذ الخاص الذي
يعد ضرر أستاذه ضرر نفسه ونفعه نفع نفسه درر، وهو معنى قوله عليه الصلاة
والسلام: «لا شهادة للقانع بأهل البيت» أي الطالب معاشه منهم، من القنوع لا
من القناعة، ومفاده قبول شهادة المستأجر والأستاذ له (ومخنث) بالفتح (من
يفعل الرديء) ويؤتى. وأما بالكسر فالمتكسر المتلين في أعضائه وكلامه خلقة
فتقبل بحر.
(ومغنية) ولو لنفسها لحرمة رفع صوتها درر، وينبغي
تقييده بمداومتها عليه ليظهر عند القاضي كما في مدمن الشرب على اللهو ذكره
الواني (ونائحة في مصيبة غيرها) بأجر درر وفتح. زاد العيني: فلو في
مصيبتها تقبل وعلله الواني بزيادة اضطرارها وانسلاب صبرها واختيارها فكان
كالشرب للتداوي.
(وعدو بسبب الدنيا) جعله ابن الكمال عكس
الفرع لأصله فتقبل له لا عليه، واعتمد في الوهبانية والمحبية قبولها ما لم يفسق
بسببها. قالوا: والحقد فسق للنهي عنه. وفي الأشباه في تتمة قاعدة: إذا
اجتمع الحرام والحلال: ولو العداوة للدنيا لا تقبل سواء شهد على عدوه أو غيره
لأنه فسق وهو لا يتجزأ. وفي فتاوى المصنف: لا تقبل شهادة الجاهل على العالم
لفسقه بترك ما يجب تعلمه شرعا فحينئذ لا تقبل شهادته على مثله ولا على غيره،
وللحاكم تعزيره على تركه ذلك، ثم قال: والعالم من يستخرج المعنى من التركيب
كما يحق وينبغي.
(ومجازف في كلامه) أو يحلف فيه كثيرا أو
اعتاد شتم أولاده أو غيرهم لأنه معصية كبيرة كترك زكاة أو حج على رواية فوريته
أو ترك جماعة أو جمعة، أو أكل فوق شبع بلا عذر، وخروج لفرجة قدوم أمير وركوب
بحر ولبس حرير، وبول في سوق أو إلى قبلة أو شمس أو قمر أو طفيلي ومسخرة ورقاص
وشتام للدابة وفي بلادنا يشتمون بائع الدابة فتح وغيره. وفي شرح الوهبانية:
لا تقبل شهادة البخيل لأنه لبخله يستقصي فيما يتقرض من الناس فيأخذ زيادة على
حقه، فلا يكون عدلا ولا شهادة الأشراف من أهل العراق لتعصبهم ونقل المصنف عن
جواهر الفتاوى، ولا من انتقل من مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الشافعي رضي الله
تعالى عنه وكذا بائع الأكفان والحنوط لتمنيه الموت، وكذا الدلال والوكيل لو
بإثبات النكاح، أما لو شهد أنها امرأته تقبل والحيلة أنه يشهد بالنكاح ولا يذكر
الوكالة بزازية وتسهيل، واعتمده قدري أفندي في واقعاته، وذكره المصنف في إجارة
معينة معزيا للبزازية؛ وملخصه أنه لا تقبل شهادة الدلالين والصكاكين والمحضرين
والوكلاء المفتعلة على أبوابهم، ونحوه في فتاوى مؤيد زاده، وفيها وصي أخرج من
الوصاية بعد قبولها لم تجز شهادته للميت أبدا، وكذا الوكيل بعدما أخرج من
الوكالة إن خاصم اتفاقا، وإلا فكذلك عند أبي يوسف.
(ومدمن
الشرب) لغير الخمر لأن بقطرة منها يرتكب الكبيرة فترد شهادته، وما ذكره ابن
الكمال غلط كما حرره في البحر. قال: وفي غير الخمر يشترط الإدمان لأن شربه
صغيرة، وإنما قال (على اللهو) ليخرج الشرب للتداوي فلا يسقط العدالة لشبهة
الاختلاف صدر الشريعة وابن كمال (ومن يلعب بالصبيان) لعدم مروءته وكذبه
غالبا كافي (والطيور) إلا إذا أمسكها للاستئناس فيباح إلا أن يجر حمام غيره
فلا لأكله للحرام عيني وعناية (والطنبور) وكل لهو شنيع بين الناس كالطنابير
والمزامير، وإن يكن شنيعا نحو الحداء وضرب القصب فلا إلا إذا فحش بأن يرقصوا به
خانية لدخوله في حد الكبائر بحر.
(ومن يغني للناس) لأنه
يجمعهم على كبيرة هداية وغيرها، وكلام سعدي أفندي يفيد تقييده بالأجرة
فتأمل.
وأما المغني لنفسه لدفع وحشته فلا بأس به عند العامة
عناية، وصححه العيني وغيره. قال: ولو فيه وعظ وحكمة فجائز اتفاقا، ومنهم من
أجازه في العرس كما جاز ضرب الدف فيه، ومنهم من أباحه مطلقا، ومنهم من كرهه
مطلقا ا هـ. وفي البحر: والمذهب حرمته مطلقا فانقطع الاختلاف، بل ظاهر
الهداية أنه كبيرة ولو لنفسه وأقره المصنف. قال: ولا تقبل شهادة من يسمع
الغناء أو يجلس مجلس الغناء. زاد العيني: أو مجلس الفجور والشراب وإن لم
يسكر لأن اختلاطه بهم وتركه الأمر بالمعروف يسقط عدالته (أو يرتكب ما يحد
به) للفسق، ومراده من يرتكب كبيرة قاله المصنف وغيره (أو يدخل الحمام بغير
إزار) لأنه حرام (أو يلعب بنرد) أو طاب مطلقا قامر أو لا: أما الشطرنج
فلشبهة الاختلاف شرط واحد من ست فلذا قال (أو يقامر بشطرنج أو يترك به
الصلاة) حتى يفوت وقتها (أو يحلف عليه) كثيرا (أو يلعب به على الطريق
أو يذكر عليه فسقا) أشباه أو يداوم عليه ذكره سعدي أفندي معزيا للكافي
والمعراج.
(أو يأكل الربا) قيدوه بالشهرة، ولا يخفى أن الفسق
يمنعها شرعا إلا أن القاضي لا يثبت ذلك إلا بعد ظهوره له فالكل سواء بحر
فليحفظ. (أو يبول أو يأكل على الطريق) وكذا كل ما يخل بالمروءة، ومنه كشف
عورته ليستنجي من جانب البركة والناس حضور وقد كثر في زماننا فتح (أو يظهر سب
السلف) لظهور فسقه، بخلاف من يخفيه لأنه فاسق مستور عيني، قال المصنف:
وإنما قيدنا بالسلف تبعا لكلامهم؛ وإلا فالأولى أن يقال سب مسلم لسقوط العدالة
بسب المسلم وإن لم يكن من السلف كما في السراج والنهاية. وفيها: الفرق بين
السلف والخلف، أن السلف الصالح الصدر الأول من التابعين منهم أبو حنيفة رضي
الله تعالى عنه والخلف: بالفتح من بعدهم في الخير، وبالسكون في الشر بحر،
وفيه عن العناية عن أبي يوسف: لا أقبل شهادة من سب الصحابة وأقبلها ممن تبرأ
منهم لأنه يعتقد دينا وإن كان على باطل فلم يظهر فسقه بخلاف الساب.
شهدا
أن أبيهما أوصى إليه فإن ادعاه (صحت) شهادتهما استحسانا كشهادة دائني الميت
ومديونيه والموصى لهما ووصييه لثالث على الإيصاء (وإن أنكر لا) لأن القاضي
لا يملك إجبار أحد على قبول الوصية عيني (كما) لا تقبل (لو شهدا أن
أبيهما الغائب وكله بقبض ديونه وادعى الوكيل أو أنكر) والفرق أن القاضي لا
يملك نصب الوكيل على الغائب بخلاف الوصي.
(شهد الوصي) أي وصي
الميت (بحق للميت) بعدما عزله القاضي عن الوصاية ونصب غيره أو بعد ما أدرك
الورثة (لا تقبل) شهادته للميت في ماله أو غيره (خاصم أو لا) لحلول
الوصي محل الميت، ولذا لا يملك عزل نفسه بلا عزل قاض فكان كالميت نفسه فاستوى
خصامه وعدمه، بخلاف الوكيل فلذا قال (ولو شهد الوكيل بعد عزله للموكل إن
خاصم) في مجلس القاضي ثم شهد بعد عزله (لا تقبل) اتفاقا للتهمة (وإلا
قبلت) لعدمها خلافا للثاني فجعله كالوصي سراج. وفي قسامة الزيلعي: كل من
صار خصما في حادثة لا تقبل شهادته فيها ومن كان بعرضية أن يصير خصما ولم ينتصب
خصما بعد تقبل وهذان الأصلان متفق عليهما وتمامه فيه، قيدنا بمجلس القاضي لأنه
لو خاصم في غيره ثم عزله قبلت عندهما كما لو شهد في غير ما وكل فيه وعليه جامع
الفتاوى. وفي البزازية: وكله بالخصومة عند القاضي فخاصم المطلوب بألف درهم
عند القاضي ثم عزله فشهد أن لموكله على المطلوب مائة دينار تقبل بخلاف ما لو
وكله عند غير القاضي وخاصم وتمامه فيها. (ك) ما قبلت عندهما خلافا للثاني
(شهادة اثنين بدين على الميت لرجلين ثم شهد المشهود لهما للشاهدين بدين على
الميت) لأن كل فريق يشهد بالدين في الذمة وهي تقبل حقوقا شتى فلم تقع الشركة
له في ذلك، بخلاف الوصية بغير عين كما في وصايا المجمع وشرحه وسيجيء ثمة
(و) ك (شهادة وصيين لوارث كبير) على أجنبي (في غير مال الميت)
فإنها مقبولة في ظاهر الرواية كما لو شهد الوصيان على إقرار الميت بشيء معين
لوارث بالغ تقبل بزازية (ولو) شهدا (في ماله) أي الميت (لا) خلافا
لهما، ولو لصغير لم يجز اتفاقا، وسيجيء في الوصايا.
(كما) لا
تقبل (الشهادة على جرح) بالفتح: أي فسق (مجرد) عن إثبات حق الله
تعالى أو للعبد، فإن تضمنته قبلت وإلا لا (بعد التعديل و) لو (قبله
قبلت) أي الشهادة بل الإخبار ولو من واحد على الجرح المجرد كذا اعتمده المصنف
تبعا لما قرره صدر الشريعة، وأقره منلا خسرو وأدخله تحت قولهم: الدفع أسهل من
الرفع، وذكر وجهه، وأطلق ابن الكمال ردها تبعا لعامة الكتب، وذكر وجهه، وظاهر
كلام الواني وعزمي زاده الميل إليه، وكذا القهستاني حيث قال: وفيه أن القاضي
لم يلتفت لهذه الشهادة ولكن يزكى الشهود سرا وعلنا، فإن عدلوا قبلها وعزاه
للمضمرات وجعله البرجندي على قولهما لا قوله فتنبه.
(مثل أن
يشهدوا على شهود المدعي) على الجرح المجرد (بأنهم فسقة أو زناة أو أكلة
الربا أو شربة الخمر أو على إقرارهم أنهم شهدوا بزور أو أنهم أجراء في هذه
الشهادة أو أن المدعي مبطل في هذه الدعوى أو أنه لا شهادة لهم على المدعى عليه
في هذه الحادثة) فلا تقبل بعد التعديل بل قبله درر، واعتمده المصنف (وتقبل
لو شهدوا على) الجرح المركب (كإقرار المدعي بفسقهم أو إقراره بشهادتهم بزور
أو بأنه استأجرهم على هذه الشهادة) أو على إقرارهم أنهم لم يحضروا المجلس
الذي كان فيه الحق عيني (أو أنهم عبيد أو محدودون بقذف) أو أنه ابن المدعي
أو أبوه عناية أو قاذف والمقذوف يدعيه (أو أنهم زنوا ووصفوه أو سرقوا مني
كذا) وبينه (أو شربوا الخمر ولم يتقادم العهد) كما مر في بابه (أو
قتلوا النفس عمدا) عيني (أو شركاء المدعي) أي والمدعى مال.
(أو
أنه استأجرهم بكذا لها) للشهادة (وأعطاهم ذلك مما كان لي عنده) من المال
ولو لم يقله لم تقبل لدعواه الاستئجار لغيره ولا ولاية له عليه (أو إني
صالحتهم على كذا ودفعته إليهم) أي رشوة وإلا فلا صلح بالمعنى الشرعي، ولو قال
ولم أدفعه لم تقبل (على أن لا يشهدوا علي زورا و) قد (شهدوا زورا) وأنا
أطلب ما أعطيتهم وإنما قبلت في هذه الصور لأنها حق الله تعالى أو العبد فمست
الحاجة لإحيائهما.
(شهد عدل فلم يبرح) عن مجلس القاضي ولم يطل
المجلس ولم يكذبه المشهود له (حتى قال أوهمت) أخطأت (بعض شهادتي ولا
مناقضة قبلت) شهادته بجميع ما شهد به لو عدلا ولو بعد القضاء وعليه الفتوى
خانية وبحر. قلت: لكن عبارة الملتقى تقتضي قبول قوله أوهمت وأنه يقضي بما
بقي وهو مختار السرخسي وغيره، وظاهر كلام الأكمل وسعدي ترجيحه فتنبه وتبصر
(وإن) قاله الشاهد (بعد قيامه عن المجلس لا) تقبل على الظاهر احتياطا
وكذا لو وقع الغلط في بعض الحدود أو النسب هداية
(بينة أنه) أي
المجروح (مات من الجرح أولى من بينة الموت بعد البرء) ولو (أقام أولياء
مقتول بينة على أن زيدا جرحه وقتله وأقام زيد بينة على أن المقتول قال إن زيدا
لم يجرحني ولم يقتلني فبينة زيد أولى من بينة أولياء المقتول) مجموع
الفتاوى.
(وبينة الغبن) من يتيم بلغ (أولى من بينة كون
القيمة) أي قيمة ما اشتراه من وصيه في ذلك الوقت (مثل الثمن) لأنها تثبت
أمرا زائدا ولأن بينة الفساد أرجح من بينة الصحة درر خلافا لما في الوهبانية،
أما بدون البينة فالقول لمدعي الصحة منية (وبينة كون المتصرف) في نحو تدبير
أو خلع أو خصومة (ذا عقل أولى من بينة) الورثة مثلا (كونه مخلوط العقل أو
مجنونا) ولو قال الشهود لا ندري كان في صحة أو مرض فهو على المرض، ولو قال
الوارث كان يهذي يصدق حتى يشهدا أنه كان صحيح العقل بزازية (وبينة الإكراه)
في إقراره (أولى من بينة الطوع) إن أرخا واتحد تاريخهما، فإن اختلفا أو لم
يؤرخا فبينة الطوع أولى ملتقط وغيره، واعتمده المصنف وابنه وعزمي زاده.
[فروع
في بينة الفساد أولى من بينة الصحة]
بينة الفساد أولى من بينة
الصحة شرح وهبانية. وفي الأشباه: اختلف المتبايعان في الصحة والبطلان
فالقول لمدعي البطلان، وفي الصحة والفساد لمدعي الصحة إلا في مسألة الإقالة.
وفي الملتقط اختلفا في البيع والرهن فالبيع أولى، اختلفا في البتات والوفاء
فالوفاء أولى استحسانا شهادة قاصرة يتمها غيرهم تقبل كأن شهدا بالدار بلا ذكر
أنها في يد الخصم فشهد به آخران أو شهدا بالملك بالمحدود وآخران بالحدود أو
شهدا على الاسم والنسب ولم يعرفا الرجل بعينه فشهد آخران أنه المسمى به درر،
شهد واحد فقال الباقون: نحن نشهد كشهادته لم تقبل حتى يتكلم كل شاهد بشهادته
وعليه الفتوى، شهادة النفي المتواتر مقبولة. الشهادة إذا بطلت في البعض بطلت
في الكل إلا في عبد بين مسلم ونصراني فشهد نصرانيان عليهما بالعتق قبلت في حق
النصراني فقط أشباه. قلت: وزاده محشيها خمسة أخرى معزية للبزازية.
باب
الاختلاف في الشهادة
مبنى هذا الباب على أصول مقررة منها أن الشهادة
على حقوق العباد لا تقبل بلا دعوى، بخلاف حقوقه تعالى. ومنها أن الشهادة
بأكثر من المدعى باطلة، بخلاف الأقل للاتفاق فيه. ومنها أن الملك المطلق أزيد
من المقيد لثبوته من الأصل والملك بالسبب مقتصر على وقت السبب. ومنها موافقة
الشهادتين لفظا ومعنى، وموافقة الشهادة الدعوى معنى فقط وسيتضح. (تقدم
الدعوى في حقوق العباد شرط قبولها) لتوقفها على مطالبتهم ولو بالتوكيل، بخلاف
حقوق الله تعالى لوجوب إقامتها على كل أحد فكل أحد خصم فكأن الدعوى موجودة
(فإذا وافقتها) أي وافقت الشهادة الدعوى (قبلت وإلا) توافقها (لا)
تقبل وهذا أحد الأصول المتقدمة (فلو ادعى ملكا مطلقا فشهدا به بسبب) كشراء
أو إرث (قبلت) لكونها بالأقل مما ادعى فتطابقا معنى كما مر (وعكسه) بأن
ادعى بسبب وشهدا بمطلق (لا) تقبل لكونها بالأكثر كما مر. قلت: وهذا في
غير دعوى إرث ونتاج وشراء من مجهول كما بسطه الكمال، واستثنى في البحر ثلاثة
وعشرين.
(وكذا تجب مطابقة الشهادتين لفظا ومعنى) إلا في
اثنتين وأربعين مسألة مبسوطة في البحر وزاد ابن المصنف في حاشيته على الأشباه
ثلاثة عشر أخر تركتها خشية التطويل (بطريق الوضع) لا التضمن، واكتفيا
بالموافقة المعنوية وبه قالت الأئمة الثلاثة (ولو شهد أحدهما بالنكاح والآخر
بالتزويج قبلت) لاتحاد معناهما (كذا الهبة والعطية ونحوهما، ولو شهد أحدهما
بألف والآخر بألفين أو مائة ومائتين أو طلقة وطلقتين أو ثلاث ردت) لاختلاف
المعنيين (كما لو ادعى غصبا أو قتلا فشهد أحدهما به والآخر بالإقرار به) لم
تقبل، ولو شهدا بالإقرار به قبلت.
(وكذا) لا تقبل (في كل
قول جمع مع فعل) بأن ادعى ألفا فشهد أحدهما بالدفع والآخر بالإقرار بها لا
تسمع للجمع بين قول وفعل قنية، إلا إذا اتحدا لفظا كشهادة أحدهما ببيع أو قرض
أو طلاق أو عتاق والآخر بالإقرار به فتقبل لاتحاد صيغة الإنشاء والإقرار، فإنه
يقول في الإنشاء بعت واقترضت وفي الإقرار كنت بعت واقترضت فلم يمنع القبول،
بخلاف شهادة أحدهما بقتله عمدا بسيف والآخر به بسكين لم تقبل لعدم تكرار الفعل
بتكرر الآلة محيط وشرنبلالية (وتقبل على ألف في) شهادة أحدهما (بألف و)
الآخر (بألف ومائة إن ادعى) المدعي (الأكثر) لا الأقل إلا أن يوفق
باستيفاء أو إبراء ابن كمال، وهذا في الدين (وفي العين تقبل على الواحد كما
لو شهد واحد أن هذين العبدين له وآخر أن هذا له قبلت على) العبد (الواحد)
الذي اتفقا عليه اتفاقا درر.
(وفي العقد لا) تقبل (مطلقا)
سواء كان المدعى أقل المالين أو أكثرهم عزمي زاده. ثم فرع على هذا الأصل
بقوله (فلو شهد واحد بشراء عبد أو كتابته على ألف وآخر بألف وخمسمائة ردت)
لأن المقصود إثبات العقد، وهو يختلف باختلاف البدل فلم يتم العدد على كل واحد
(ومثله العتق بمال والصلح عن قود والرهن والخلع إن ادعى العبد والقاتل
والراهن والمرأة) لف ونشر مرتب إذ مقصودهم إثبات العقد كما مر (وإن ادعى
الآخر) كالمولى مثلا (فكدعوى الدين) إذ مقصودهم المال فتقبل على الأقل إن
ادعى الأكثر كما مر.
(والإجارة كالبيع) لو (في أول المدة)
للحاجة لإثبات العقد (وكالدين بعدها) لو المدعي المؤجر، ولو المستأجر فدعوى
عقد اتفاقا (وصح النكاح) بالأقل أي (بألف) مطلقا (استحسانا) خلافا
لهما (ولزم) في صحة الشهادة (الجر بشهادة إرث) بأن يقولا مات وتراكه
ميراثا للمدعي (إلا أن يشهدا بملكه) عند موته (أو يده أو يد من يقوم
مقامه) كمستأجر ومستعير وغاصب ومودع فيغني ذلك عن الجر، لأن الأيدي عند الموت
تنقلب يد ملك بواسطة الضمان، فإذا ثبت الملك ثبت الجر ضرورة (ولا بد مع
الجر) المذكور (من بيان سبب الوراثة و) بيان (أنه أخوه لأبيه وأمه أو
لأحدهما) ونحو ذلك ظهيرية، وبقي شرط ثالث (و) هو (قول الشاهد لا
وارث) أو لا أعلم (له) وارثا (غيره) ورابع، وهو أن يدرك الشاهد الميت
وإلا فباطلة لعدم معاينة السبب ذكرهما البزازي (وذكر اسم الميت ليس بشرط وإن
شهدا بيد حي) سواء قالا (مذ شهر) أو لا (ردت) لقيامها بمجهول لتنوع
يد الحي (بخلاف ما لو شهدا أنها كانت ملكه أو أقر المدعى عليه بذلك أو شهد
شاهدان أنه أقر أنه كان في يد المدعي) دفع للمدعي لمعلومية الإقرار، وجهالة
المقر به لا تبطل الإقرار: والأصل أن الشهادة بالملك المنقضي مقبولة لا باليد
المنقضية لتنوع اليد لا الملك بزازية، ولو أقر أنه كان بيد المدعي بغير حق هل
يكون إقرارا له باليد؟ المفتى به: نعم جامع الفصولين.
[فروع]
شهدا
بألف وقال أحدهما قضى خمسمائة قبلت بألف إلا إذا شهد معه آخر، ولا يشهد من علمه
حتى يقر المدعي به. شهدا بسرقة بقرة واختلفا في لونها قطع خلافا لهما،
واستظهر صدر الشريعة قولهما، وهذا إذا لم يذكر المدعي لونها ذكره الزيلعي.
ادعى المديون الإيصال متفرقا وشهدا به مطلقا أو جملة لم تقبل وهبانية. شهدا
في دين الحي بأنه كان عليه كذا تقبل إلا إذا سألهما الخصم عن بقائه الآن فقالا
لا ندري، وفي دين الميت لا تقبل مطلقا حتى يقولا مات وهو عليه بحر. قلت:
ويخالفه ما في معين الحكام من ثبوته بمجرد بيان سببه وإن لم يقولا مات وعليه
دين ا هـ والاحتياط لا يخفى. ادعى ملكا في الماضي وشهدا به في الحال لم تقبل
في الأصح كما لو شهدا بالماضي أيضا جامع الفصولين.
باب الشهادة على الشهادة
(هي مقبولة) وإن كثرت استحسانا في كل
حق على الصحيح (إلا في حد وقود) لسقوطهما بالشبهة وجاز الإشهاد مطلقا، لكن
لا تقبل إلا (بشرط تعذر حضور الأصل بموت) أي موت الأصل، وما نقله القهستاني
عن قضاء النهاية فيه كلام فإنه نقله عن الخانية عنها، وهو خطأ والصواب ما هنا
(أو مرض أو سفر) واكتفى الثاني بغيبته بحيث يتعذر أن يبيت بأهله، واستحسنه
غير واحد. وفي القهستاني والسراجية، وعليه الفتوى وأقره المصنف (أو كون
المرأة مخدرة) لا تخالط الرجال وإن خرجت لحاجة وحمام قنية. وفيها لا يجوز
الإشهاد لسلطان وأمير، وهل يجوز لمحبوس إن من غير حاكم الخصومة، نعم ذكره
المصنف في الوكالة وقوله (عند الشهادة) عند القاضي قيد للكل لإطلاق جواز
الإشهاد لا الأداء كما مر (و) بشرط (شهادة عدد) نصاب ولو رجلا
وامرأتين، وما في الحاوي غلط بحر (عن كل أصل) ولو امرأة (لا تغاير فرعي
هذا وذاك) خلافا للشافعي.
(و) كيفيتها أن (يقول الأصل
مخاطبا للفرع) ولو ابنه بحر (اشهد على شهادتي أني أشهد بكذا) ويكفي سكوت
الفرع، ولو رده ارتد قنية، ولا ينبغي أن يشهد على شهادة من ليس بعدل عنده حاوي
(ويقول الفرع أشهد أن فلانا أشهدني على شهادته بكذا وقال لي اشهد على شهادتي
بذلك) هذا أوسط العبارات وفيه خمس شينات، والأقصر أن يقول اشهد على شهادتي
بكذا ويقول الفرع أشهد على شهادته، وكذا فتوى السرخسي وغيره ابن كمال وهو الأصح
كما في القهستاني عن الزاهدي. (ويكفي تعديل الفرع لأصله) إن عرف الفروع
بالعدالة وإلا لزم تعديل الكل (ك) ما يكفي تعديل (أحد الشاهدين صاحبه)
في الأصح لأن العدل لا يتهم بمثله (وإن سكت) الفرع (عنه نظر) القاضي
(في حاله) وكذا لو قال لا أعرف على الصحيح شرنبلالية وشرح المجمع، وكذا لو
قال ليس بعدل على ما في القهستاني عن المحيط فتنبه.
(وتبطل
شهادة الفرع) بأمور بنهيهم عن الشهادة على الأظهر خلاصة وسيجيء متنا ما
يخالفه، وبخروج أصله عن أهليتها كفسق وخرس وعمى و (بإنكار أصله الشهادة)
كقولهم ما لنا شهادة أو لم نشهدهم أو أشهدناهم وغلطنا، ولو سئلوا فسكتوا قبلت
خلاصة.
(شهدا على شهادة اثنين على فلانة بنت فلان الفلانية
وقالا أخبرانا بمعرفتها وجاء المدعي بامرأة لم يعرفا أنها هي قيل له هات شاهدين
أنها هي فلانة) ولو مقرة (ومثله الكتاب الحكمي) وهو كتاب القاضي إلى
القاضي لأنه كالشهادة على الشهادة، فلو جاء المدعي برجل لم يعرفاه كلف إثبات
أنه هو ولو مقرا لاحتمال التزوير بحر، ويلزم مدعي الاشتراك البيان كما بسطه
قاضي خان (ولو قالا فيهما التميمية لم تجز حتى ينسباها إلى فخذها) كجدها،
ويكفي نسبتها لزوجها، والمقصود الإعلام (أشهده على شهادته ثم نهاه عنها لم
يصح) أي نهيه، فله أن يشهد على ذلك درر وأقره المصنف هنا، لكنه قدم ترجيح
خلافه عن الخلاصة. (كافران شهدا على شهادة مسلمين لكافر على كافر لم تقبل
كذا شهادتهما على القضاء لكافر على كافر؛ وتقبل شهادة رجل على شهادة أبيه وعلى
قضاء أبيه) في الصحيح درر خلافا للملتقط.
(من ظهر أنه شهد
بزور) بأن أقر على نفسه ولم يدع سهوا أو غلطا كما حرره ابن الكمال، ولا يمكن
إثباته بالبينة لأنه من باب النفي (عزر بالتشهير) وعليه الفتوى سراجية،
وزاد ضربه وحبسه مجمع. وفي البحر: وظاهر كلامهم أن للقاضي أن يسحم وجهه إذا
رآه سياسة، وقيل إن رجع مصرا ضرب إجماعا، وإن تائبا لم يعزر إجماعا، وتفويض مدة
توبته لرأي القاضي على الصحيح لو فاسقا، ولو عدلا أو مستورا لا تقبل شهادته
أبدا. قلت: وعن الثاني تقبل، وبه يفتى عيني وغيره، والله أعلم.
باب
الرجوع عن الشهادة
(هو أن يقول رجعت عما شهدت به ونحوه، فلو
أنكرها لا) يكون رجوعا (و) الرجوع (شرطه مجلس القاضي) ولو غير الأول
لأنه فسخ أو توبة وهي بحسب الجناية كما قال عليه الصلاة والسلام: «السر بالسر
والعلانية بالعلانية» (فلو ادعى) المشهود عليه (رجوعهما عند غيره
وبرهن) أو أراد يمينهما (لا يقبل) لفساد الدعوى، بخلاف ما لو ادعى وقوعه
عند قاض وتضمينه إياهما ملتقى أو برهن أنهما أقرا برجوعهما عند غير القاضي قبل
وجعل إنشاء للحال ابن ملك (فإن رجعا قبل الحكم بها سقطت ولا ضمان) وعزر ولو
عن بعضها لأنه فسق نفسه جامع الفصولين (وبعده لم يفسخ) الحكم (مطلقا)
لترجيحه بالقضاء (بخلاف ظهور الشاهد عبدا أو محدودا في قذف) فإن القضاء
يبطل ويرد ما أخذ وتلزم الدية لو قصاصا، ولا يضمن الشهود لما مر أن الحاكم إذا
أخطأ فالغرم على المقضي له شرح تكملة (وضمنا ما أتلفاه للمشهود عليه)
لتسببهما تعديا مع تعذر تضمين المباشر لأنه كالملجأ إلى القضاء (قبض المدعي
المال أو لا به يفتى) بحر وبزازية وخلاصة وخزانة المفتين، وقيده في الوقاية
والكنز والدرر والملتقى بما إذا قبض المال لعدم الإتلاف قبله، وقيل إن المال
عينا فكالأول، وإن دينا فكالثاني وأقره القهستاني.
(والعبرة فيه
لمن بقي) من الشهود (لا لمن رجع فإن رجع أحدهما ضمن النصف، وإن رجع أحد
ثلاثة لم يضمن، وإن رجع آخر ضمنا النصف، وإن رجعت امرأة من رجل وامرأتين ضمنت
الربع، وإن رجعتا فالنصف، وإن رجع ثمان نسوة من رجل وعشر نسوة لم يضمن، فإن
رجعت أخرى ضمن) التسع (ربعه) لبقاء ثلاثة أرباع النصاب (فإن رجعوا
فالغرم بالأسداس) وقالا عليهن النصف كما لو رجعن فقط.
(ولا
يضمن راجع في النكاح شهد بمهر مثلها) أو أقل إذ الإتلاف بعوض كلا إتلاف
(وإن زاد عليه ضمناها) لو هي المدعية وهو المنكر عزمي زاده.
(ولو
شهدا بأصل النكاح بأقل من مهر مثلها فلا ضمان) على المعتمد لتعذر المماثلة
بين البضع والمال (بخلاف ما لو شهدا عليها بقبض المهر أو بعضه ثم رجعا)
ضمنا لها لإتلافهما المهر (وضمنا في البيع والشراء ما نقص عن قيمة المبيع)
لو لشهادة على البائع (أو زاد) لو الشهادة على المشتري للإتلاف بلا عوض،
ولو شهدا بالبيع وبنقد الثمن، فلو في شهادة واحدة ضمنا القيمة، ولو في شهادتين
ضمنا الثمن عيني..
(ولو شهدا على البائع بالبيع بألفين إلى
سنة وقيمته ألف، فإن شاء ضمن الشهود قيمته حالا، وإن شاء أخذ المشتري إلى سنة
وأياما اختار برئ الآخر) وتمامه في خزانة المفتين (وفي الطلاق قبل وطء
وخلوة ضمنا نصف المال) المسمى (أو المتعة) إن لم يسم (ولو شهدا أنه
طلقها ثلاثا وآخران أنه طلقها واحدة قبل الدخول ثم رجعوا فضمان نصف المهر على
شهود الثلاث لا غير) للحرمة الغليظة (ولو بعد وطء أو خلوة فلا ضمان) ولو
شهدا بالطلاق قبل الدخول وآخران بالدخول ثم رجعوا ضمن شهود الدخول ثلاثة أرباع
المهر وشهود الطلاق ربعه اختيار.
(ولو شهدا بعتق فرجعا ضمنا
القيمة) لمولاه (مطلقا) ولو معسرين لأنه ضمان إتلاف (والولاء للمعتق)
لعدم تحول العتق إليهما بالضمان فلا يتحول الولاء هداية (وفي التدبير ضمنا ما
نقصه) وهو ثلث قيمته، ولو مات المولى عتق من الثلث ولزمهما بقية قيمته،
وتمامه في البحر (وفي الكتابة يضمنان قيمته) كلها، وإن شاء اتبع المكاتب
(ولا يعتق حتى يؤدي ما عليه إليهما) وتصدقا بالفضل والولاء لمولاه، ولو عجز
عاد لمولاه ورد قيمته على الشهود (وفي الاستيلاد يضمنان نقصان قيمتها) بأن
تقوم قنة وأم ولد لو جاز بيعها فيضمنان ما بينهما (فإن مات المولى عتقت
وضمنا) بقية (قيمتها) أمة (للورثة) وتمامه في العيني (وفي القصاص
الدية) في مال الشاهدين وورثاه (ولم يقتصا) لعدم المباشرة، ولو شهدا
بالعفو لم يضمنا لأن القصاص ليس بمال اختيار (وضمن شهود الفرع برجوعهم)
لإضافة التلف إليهم (لا شهود الأصل بقولهم) بعد القضاء (لم نشهد الفروع
على شهادتنا أو أشهدناهم وغلطنا) وكذا لو قالوا رجعنا عنها لعدم إتلافهم ولا
الفروع لعدم رجوعهم (ولا اعتبار بقول الفروع) بعد الحكم (كذب الأصول أو
غلطوا) فلا ضمان، ولو رجع الكل ضمن الفرع فقط (وضمن المزكون) ولو الدية
(بالرجوع) عن التزكية (مع علمهم بكونهم عبيدا) خلافا لهما (أما مع
الخطأ فلا) إجماعا بحر (وضمن شهود التعليق) قيمة القن ونصف المهر لو قبل
الدخول (لا شهود الإحصان) لأنه شرط، بخلاف التزكية لأنها علة (والشرط)
ولو وحدهم على الصحيح عيني. قال: وضمن شاهدا الإيقاع لا التفويض لأنه علة
والتفويض سبب ا هـ.
كتاب الوكالة
مناسبته أن كلا من
الشاهد والوكيل ساع في تحصيل مراد غيره (التوكيل صحيح) بالكتاب والسنة، قال
تعالى: {فابعثوا أحدكم بورقكم}: «ووكل عليه الصلاة والسلام حكيم بن
حزام بشراء أضحية»، وعليه الإجماع، وهو خاص وعام كأنت وكيلي في كل شيء عم الكل
حتى الطلاق قال الشهيد: وبه يفتى، وخصه أبو الليث بغير طلاق وعتاق ووقف،
واعتمده في الأشباه، وخصه قاضي خان بالمعاوضات، فلا يلي العتق والتبرعات وهو
المذهب كما في تنوير البصائر وزواهر الجواهر، وسيجيء أن به يفتى، واعتمده في
الملتقط فقال: وأما الهبات والعتاق فلا يكون وكيلا عند أبي حنيفة خلافا
لمحمد. وفي الشرنبلالية: ولو لم يكن للموكل صناعة معروفة فالوكالة باطلة
(وهو إقامة الغير مقام نفسه) ترفها أو عجزا (في تصرف جائز معلوم، فلو جهل
ثبت الأدنى وهو الحفظ ممن يملكه) أي التصرف نظرا إلى أصل التصرف، وإن امتنع
في بعض الأشياء بعارض النهي ابن كمال
(فلا يصح توكيل مجنون وصبي
لا يعقل مطلقا وصبي يعقل بتصرف) ضار (نحو طلاق وعتاق وهبة وصدقة، وصح بما
ينفعه) بلا إذن وليه (كقبول هبة، و) صح (بما تردد بين ضرر ونفع كبيع
وإجارة إن مأذونا وإلا توقف على إجازة وليه) كما لو باشره بنفسه
(ولا
يصح توكيل عبد محجور وصح لو مأذونا أو مكاتبا، وتوقف توكيل مرتد، فإن أسلم نفذ،
وإن مات أو لحق أو قتل لا). خلافا لهما (و) صح (توكيل مسلم ذميا ببيع
خمر أو خنزير) وشرائهما كما مر في البيع الفاسد (ومحرم حلالا ببيع صيد وإن
امتنع عنه الموكل لعارض) النهي كما قدمنا فتنبه.
ثم ذكر شرط
التوكيل فقال (إذا كان الوكيل يعقل العقد ولو صبيا أو عبدا محجورا) لا يخفى
أن الكلام الآن في صحة الوكالة لا في صحة بيع الوكيل فلذا لم يقل ويقصده تبعا
للكنز.
ثم ذكر ضابط الموكل فيه فقال (بكل ما يباشره) الموكل
(بنفسه) لنفسه فشمل الخصومة فلذا قال (فصح بخصومة في حقوق العباد برضا
الخصم) وجوزاه بلا رضاه، وبه قالت الثلاثة، وعليه فتوى أبي الليث وغيره،
واختاره العتابي. وصححه في النهاية، والمختار للفتوى تفويضه للحاكم درر
(إلا أن يكون) الموكل (مريضا) لا يمكنه حضور مجلس الحكم بقدميه ابن
كمال (أو غائبا مدة سفر أو مريدا له) ويكفي قوله أنا أريد السفر ابن كمال
(أو مخدرة) لم تخالط الرجال كما مر (أو حائضا) أو نفساء (والحاكم
بالمسجد) إذا لم يرض الطالب بالتأخير بحر (أو محبوسا من غير حاكم) هذه
(الخصومة) فلو منه فليس بعذر بزازية بحثا (أو لا يحسن الدعوى) خانية
(لا) يكون من الأعذار (إن كان) الموكل (شريفا خاصم من دونه) بل
الشريف وغيره سواء بحر (وله الرجوع عن الرضا قبل سماع الحاكم الدعوى) لا
بعده قنية (ولو اختلفا في كونها مخدرة إن من بنات الأشراف فالقول لها
مطلقا) ولو ثيبا فيرسل أمينه ليحلفها مع شاهدين بحر وأقره المصنف (وإن من
الأوساط فالقول لها لو بكرا، وإن) هي (من الأسافل فلا في الوجهين) عملا
بالظاهر بزازية.
(و) صح (بإيفائها و) كذا ب (باستيفائها
إلا في حد وقود) بغيبة موكله عن المجلس ملتقى (وحقوق عقد لا بد من
إضافته) أي ذلك العقد (إلى الوكيل كبيع وإجارة وصلح، عن إقرار يتعلق به)
ما دام حيا ولو غائبا ابن ملك (إن لم يكن محجورا) (كتسليم مبيع وقبضه
وقبض ثمن ورجوع به عند استحقاقه وخصومة في عيب بلا فصل بين حضور موكله
وغيبته)؛ لأنه العاقد حقيقة وحكما، لكن في الجوهرة: لو حضرا فالعهدة على
آخذ الثمن لا العاقد في أصح الأقاويل، ولو أضاف العقد إلى الموكل تتعلق الحقوق
بالموكل اتفاقا ابن ملك فليحفظ، فقوله: لا بد، فيه ما فيه ولذا قال ابن
الكمال يكتفي بالإضافة إلى نفسه فافهم.
(وشرط) الموكل (عدم
تعلق الحقوق به) أي بالوكيل (لغو) باطل جوهرة (والملك يثبت للموكل
ابتداء) في الأصح (فلا يعتق قريب الوكيل بشرائه ولا يفسد نكاح زوجته به
و) لكن (هما) ثابتان (على الموكل لو اشترى وكيله قريب موكله وزوجته)؛
لأن الموجب للعتق والفساد الملك المستقر (وفي كل عقد لا بد من إضافته إلى
موكله) يعني لا يستغني عن الإضافة إلى موكله، حتى لو أضافه إلى نفسه لا يصح
ابن كمال (كنكاح وخلع وصلح عن دم عمد أو عن إنكار وعتق على مال وكتابة وهبة
وتصدق وإعارة وإيداع ورهن وإقراض) وشركة ومضاربة عيني (تتعلق بموكله) لا
به لكونه فيها سفيرا محضا، حتى لو أضافه لنفسه وقع النكاح له فكان كالرسول
(فلا مطالبة عليه) في النكاح (بمهر وتسليم) للزوجة (وللمشتري الإباء
عن دفع الثمن للموكل وإن دفع) له (صح ولو مع نهي الوكيل) استحسانا (ولا
يطالبه الوكيل ثانيا) لعدم الفائدة، نعم تقع المقاصة بدين الوكيل لو وحده
ويضمنه لموكله بخلاف وكيل يتيم وصرف عيني (ومثله) أي مثل الوكيل عبد
(مأذون لا دين عليه مع مولاه) فلا يملك قبض ديونه، ولو قبض صح استحسانا ما
لم يكن عليه دين؛ لأنه للغرماء بزازية.
[فرع في التوكيل
بالاستقراض]
التوكيل بالاستقراض باطل لا الرسالة درر، والتوكيل
بقبض القرض صحيح فتنبه.
باب الوكالة بالبيع والشراء
الأصل
أنها إن عمت أو علمت أو جهلت جهالة يسيرة وهي جهالة النوع المحض كفرس صحت وإن
فاحشة وهي جهالة الجنس كدابة بطلت، وإن متوسطة كعبد، فإن بين الثمن أو الصفة
كتركي صحت وإلا لا. (وكله بشراء ثوب هروي أو فرس أو بغل صح) بما يحتمله
حال الآمر زيلعي فراجعه (وإن لم يسم) ثمنا؛ لأنه من القسم الأول (وبشراء
دار أو عبد جاز إن سمى) الموكل (ثمنا يخصص) نوعا أو لا بحر (أو نوعا
كحبشي) زاد في البزازية: أو قدرا ككذا قفيزا (وإلا) يسم ذلك (لا)
يصح.
وألحق بجهالة الجنس (و) هي ما لو وكله (بشراء ثوب أو
دابة) (لا) يصح وإن سمى ثمنا للجهالة الفاحشة (وبشراء طعام وبين قدره
أو دفع ثمنه وقع) في عرفنا (على المعتاد) المهيأ (للأكل) من كل مطعوم
يمكن أكله بلا إدام (كلحم مطبوخ أو مشوي) وبه قالت الثلاثة، وبه يفتى عيني
وغيره اعتبارا للعرف كما في اليمين (وفي الوصية له) أي لشخص (بطعام يدخل
كل مطعوم) ولو دواء به حلاوة كسكنجبين بزازية
(وللوكيل الرد
بالعيب ما دام المبيع في يده) لتعلق الحقوق به (ولوارثه أو وصيه ذلك بعد
موته) موت الوكيل (فإن لم يكونا فلموكله ذلك) أي الرد بالعيب وكذا الوكيل
بالبيع وهذا إذا لم يسلمه (فلو سلمه إلى موكله امتنع رده إلا بأمره)
لانتهاء الوكالة بالتسليم بخلاف وكيل باع فاسدا فله الفسخ مطلقا لحق الشرع
قنية
(و) للوكيل (حبس المبيع بثمن دفعه) الوكيل (من ماله
أو لا) بالأولى؛ لأنه كالبائع
(ولو اشتراه) الوكيل (بنقد ثم
أجله البائع كان للوكيل المطالبة به حالا) وهي الحيلة خلاصة، ولو وهبه كل
الثمن رجع بكله، ولو بعضه رجع بالباقي؛ لأنه حط بحر.
(هلك
المبيع من يده قبل حبسه هلك من مال موكله ولم يسقط الثمن)؛ لأن يده كيده
(ولو) هلك (بعد حبسه فهو كمبيع) فيهلك بالثمن، وعند الثاني كرهن (ولا
اعتبار بمفارقة الموكل) ولو حاضرا كما اعتمده المصنف تبعا للبحر خلافا للعيني
وابن ملك (بل بمفارقة الوكيل) ولو صبيا (في صرف وسلم فيبطل العقد
بمفارقته صاحبه قبل القبض)؛ لأنه العاقد، والمراد بالسلم الإسلام لا قبول
السلم؛ لأنه لا يجوز ابن كمال (والرسول فيهما) أي الصرف والسلم (لا تعتبر
مفارقته بل مفارقة مرسله)؛ لأن الرسالة في العقد لا القبض، واستفيد صحة
التوكيل بهما.
(وكله بشراء عشرة أرطال لحم بدرهم فاشترى ضعفه
بدرهم مما يباع منه عشرة بدرهم لزم الموكل منه عشرة بنصف درهم) خلافا لهما
والثلاثة. قلنا إنه مأمور بأرطال مقدرة فينفذ الزائد على الوكيل، ولو شرى ما
لا يساوي ذلك وقع للوكيل إجماعا كغير موزون
(ولو وكله بشراء شيء
بعينه) بخلاف الوكيل بالنكاح إذا تزوجها لنفسه صح منية، والفرق في الواني
(غير الموكل لا يشتريه لنفسه) ولا لموكل آخر بالأولى (عند غيبته حيث لم
يكن مخالفا دفعا للغرر)
فلو اشتراه بغير النقود (أو بخلاف ما
سمى) الموكل (له من الثمن وقع) الشراء (للوكيل) لمخالفته أمره وينعزل
في ضمن المخالفة عيني (وإن) بشراء شيء (بغير عينه فالشراء للوكيل إلا إذا
نواه للموكل) وقت الشراء (أو شراه بماله) أي بمال الموكل، ولو تكاذبا في
النية حكم بالنقد إجماعا، ولو توافقا أنها لم تحضره فروايتان.
(زعم
أنه اشترى عبدا لموكله فهلك وقال موكله بل شريته لنفسك، فإن) كان العبد
(معينا وهو حي) قائم (فالقول للمأمور مطلقا إجماعا نقد الثمن أو لا)
لإخباره عن أمر يملك استئنافه (وإن ميتا و) الحال أن (الثمن منقود
فكذلك) الحكم (وإلا) يكن منقودا (فالقول للموكل)؛ لأنه ينكر الرجوع
عليه (وإن) العبد (غير معين) وهو حي أو ميت (فكذا) أي يكون للمأمور
(إن الثمن منقودا)؛ لأنه أمين (وإلا فللآمر) للتهمة خلافا لهما.
(قال:
بعني هذا لعمرو فباعه ثم أنكر الأمر) أي أنكر المشتري أن عمرا أمره بالشراء
(أخذه عمرو ولغا إنكاره) الأمر لمناقضته لإقراره بتوكيله بقوله بعني لعمرو
(إلا أن يقول عمرو لم آمره به) أي بالشراء (فلا) يأخذه عمرو؛ لأن إقرار
المشتري ارتد برده (إلا أن يسلمه المشتري إليه) أي إلى عمرو؛ لأن التسليم
على وجه البيع بيع بالتعاطي، وإن لم يوجد نقد الثمن للعرف.
(أمره
بشراء شيئين معينين) أو غير معينين إذا نواه للموكل كما مر بحر (و) الحال
أنه (لم يسم ثمنا فاشترى له أحدهما بقدر قيمته أو بزيادة) يسيرة (يتغابن
الناس فيها) (صح) عن الآمر (وإلا لا) إذ ليس للوكيل الشراء بغبن فاحش
إجماعا، بخلاف وكيل البيع كما سيجيء (و) كذا (بشرائهما بألف وقيمتهما
سواء فاشترى أحدهما بنصفه أو أقل صح و) لو (بالأكثر) ولو يسيرا (لا)
يلزم الآمر (إلا أن يشتري الثاني) من المعينين مثلا (بما بقي) من الألف
(قبل الخصومة) لحصول المقصود، وجوزاه إن بقي ما يشترى بمثله الآخر
(و)
لو أمر رجل مديونه (بشراء شيء) معين (بدين له عليه وعينه أو) عين
(البائع) (صح) وجعل البائع وكيلا بالقبض دلالة فيبرأ الغريم بالتسليم
إليه، بخلاف غير المعين؛ لأن توكيل المجهول باطل ولذا قال (وإلا) يعين
(فلا) يلزم الآمر (ونفذ على المأمور) فهلاكه عليه خلافا لهما، وكذا
الخلاف لو أمره أن يسلم ما عليه أو يصرفه بناء على تعين النقود في الوكالات
عنده وعدم تعينها في المعاوضات عندهما.
(ولو أمره) أي أمر رجل
مديونه (بالتصدق بما عليه صح) أمره بجعله المال لله تعالى وهو معلوم
(كما) صح أمره (لو) (أمر) الآجر (المستأجر بمرمة ما استأجره مما
عليه من الأجرة) وكذا لو أمره بشراء عبد يسوق الدابة وينفق عليها صح اتفاقا
للضرورة؛ لأنه لا يجد الآجر كل وقت فجعل المؤجر كالمؤجر في القبض. قلت: وفي
شرح الجامع الصغير لقاضي خان: إن كان ذلك قبل وجوب قبوله الأجرة لا يجوز،
وبعد الوجوب قيل على الخلاف إلخ فراجعه
(و) لو أمره (بشرائه
بألف ودفع) الألف (فاشترى وقيمته كذلك) فقال الآمر (اشتريت بنصفه وقال
المأمور) بل (بكله صدق)؛ لأنه أمين (وإن) كان (قيمته نصفه ف)
القول (للآمر) بلا يمين درر، وابن كمال تبعا لصدر الشريعة حيث قال: صدق
في الكل بغير الحلف وتبعهم المصنف، لكن جزم الواني بأنه تحريف وصوابه بعد الحلف
(وإن لم يدفع) الألف (وقيمته نصفه ف) القول (للآمر) بلا يمين قاله
المصنف تبعا للدرر كما مر. قلت: لكن في الأشباه: القول للوكيل بيمينه إلا
في أربع فبالبينة فتنبه.
(وإن) كان (قيمته ألفا فيتحالفان
ثم يفسخ العقد) بينهما (فيلزم) المبيع (المأمور) وكذا لو أمره
(بشراء معين من غير بيان ثمن فقال المأمور اشتريته بكذا و) إن (صدقه
بائعه) على الأظهر (وقال الآمر بنصفه) (تحالفا) فوقوع الاختلاف في
الثمن يوجب التحالف.
(ولو) (اختلفا في مقداره) أي الثمن
(فقال الآمر أمرتك بشرائه بمائة وقال المأمور بألف) (فالقول للآمر)
بيمينه (فإن برهنا قدم برهان المأمور)؛ لأنها أكثر إثباتا.
(و)
لو أمره (بشراء أخيه فاشترى الوكيل فقال الآمر ليس هذا) المشترى (بأخي)
(فالقول له) بيمينه (ويكون الوكيل مشتريا لنفسه) والأصل أن الشراء متى
لم ينفذ على الآمر ينفذ على المأمور بخلاف البيع، كما مر في خيار الشرط (وعتق
العبد عليه) أي على الوكيل (لزعمه) عتقه على موكله فيؤاخذ به خانية.
(و)
لو أمره عبد (بشراء نفس الآمر من مولاه بكذا ودفع) المبلغ (فقال)
الوكيل (لسيده اشتريته لنفسه فباعه على هذا) الوجه (عتق) على المالك
(وولاؤه لسيده) وكان الوكيل سفيرا (وإن قال) الوكيل (اشتريته) ولم
يقل لنفسه (فالعبد) ملك (للمشتري والألف للسيد فيهما)؛ لأنه كسب عبده
(وعلى العبد ألف أخرى في) الصورة (الأولى) بدل الإعتاق (كما على
المشتري) ألف (مثلها في الثانية)؛ لأن الأولى مال المولى فلا يصلح بدلا
(وشراء العبد من سيده إعتاق) فتلغو أحكام الشراء فلذا قال (فلو)
(شرى) العبد (نفسه إلى العطاء) (صح) الشراء بحر (كما صح في
حصته) (إذا اشترى نفسه من مولاه ومعه رجل) آخر (وبطل) الشراء (في
حصة شريكه) بخلاف ما لو شرى الأب ولده مع رجل آخر فإنه يصح فيهما بيوع.
الخانية من بحث الاستحقاق. والفرق انعقاد البيع في الثاني لا الأول؛ لأن
الشرع جعله إعتاقا ولذا بطل في حصة شريكه للزوم الجمع بين الحقيقة
والمجاز.
(قال لعبد اشتر لي نفسك من مولاك فقال لمولاه بعني
نفسي لفلان ففعل) أي باعه على هذا الوجه (فهو للآمر) فلو وجد به عيبا، إن
علم به العبد فلا رد؛ لأن علم الوكيل كعلم الموكل، وإن لم يعلم فالرد للعبد
اختيار (وإن لم يقل لفلان: عتق)؛ لأنه أتى بتصرف آخر فنفذ عليه وعليه
الثمن فيهما لزوال حجره بعقد باشره مقترنا بإذن المولى درر.
[فرع
في الوكيل إذا خالف]
الوكيل إذا خالف، إن خلافا إلى خير في الجنس
كبع بألف درهم فباعه بألف ومائة نفذ، ولو بمائة دينار لا، ولو خيرا خلاصة
ودرر.
فصل لا يعقد وكيل البيع والشراء والإجارة والصرف والسلم
ونحوها
(مع من ترد شهادته له) للتهمة وجوزاه بمثل القيمة (إلا
من عبده ومكاتبه إلا إذا أطلق له الموكل) كبع ممن شئت (فيجوز بيعه لهم بمثل
القيمة) اتفاقا (كما يجوز عقده معهم بأكثر من القيمة) اتفاقا: أي بيعه
لا شراؤه بأكثر منها اتفاقا، كما لو باع بأقل منها بغبن فاحش لا يجوز اتفاقا،
وكذا بيسير عنده خلافا لهما ابن ملك وغيره. وفي السراج: لو صرح بهم جاز
إجماعا إلا من نفسه وطفله وعبده غير المديون.
(وصح بيعه بما قل
أو كثر وبالعرض) وخصاه بالقيمة وبالنقود وبه يفتى بزازية، ولا يجوز في الصرف
كدينار بدرهم بغبن فاحش إجماعا؛ لأنه بيع من وجه، شراء من وجه صيرفية (و)
صح (بالنسيئة إن) التوكيل بالبيع (للتجارة وإن) كان (للحاجة لا)
يجوز (كالمرأة إذا دفعت غزلا إلى رجل ليبيعه لها ويتعين النقد) به يفتى
خلاصة، وكذا في كل موضع قامت الدلالة على الحاجة كما أفاده المصنف، وهذا أيضا
إن باع بما يبيع الناس نسيئة، فإن طول المدة لم يجز به يفتى ابن ملك، ومتى عين
الآمر شيئا تعين إلا في بعه بالنسيئة بألف فباع بالنقد بألف جاز بحر. قلت:
وقدمنا أنه إن خالف إلى خير في ذلك الجنس جاز وإلا لا
وأنها تتقيد
بزمان ومكان، لكن في البزازية الوكيل إلى عشرة أيام وكيل في العشرة وبعدها في
الأصح، وكذا الكفيل لكنه لا يطالب إلا بعد الأجل كما في تنوير البصائر.
وفي
زواهر الجواهر: قال بعه بشهود أو برأي فلان أو علمه أو معرفته وباع بدونهم
جاز، بخلاف: لا تبع إلا بشهود أو إلا بمحضر فلان به يفتى، وقلت: وبه علم
حكم واقعة الفتوى: دفع له مالا وقال اشتر لي زيتا بمعرفة فلان فذهب واشترى
بلا معرفته فهلك الزيت لم يضمن، بخلاف لا تشتر إلا بمعرفة فلان فليحفظ.
(و) صح (أخذه رهنا وكفيلا بالثمن فلا ضمان عليه إن ضاع) الرهن (في
يده أو توي) المال (على الكفيل)؛ لأن الجواز الشرعي ينافي الضمان.
(وتقيد
شراؤه بمثل القيمة وغبن يسير) وهو ما يقوم به مقوم وهذا (إذا لم يكن سعره
معروفا وإن كان) سعره (معروفا) بين الناس (كخبز ولحم) وموز وجبن
(لا ينفذ على الموكل وإن قلت الزيادة) ولو فلسا واحدا به يفتى بحر
وبناية.
(وكله ببيع عبد فباع نصفه) (صح) لإطلاق
التوكيل. وقالا إن باع الباقي قبل الخصومة جاز وإلا لا وهو استحسان ملتقى
وهداية، وظاهره ترجيح قولهما والمفتى به خلافه بحر، وقيد ابن الكمال الخلاف بما
يتعيب بالشركة وإلا جاز اتفاقا فليراجع (وفي الشراء يتوقف على شراء باقيه قبل
الخصومة) اتفاقا
(ولو رد مبيع بعيب على وكيله) بالبيع
(ببينة أو نكوله أو إقراره فيما لا يحدث) مثله في هذه المدة (رده)
الوكيل (على الآمر، و) لو (بإقراره فيما يحدث لا) يرده ولزم
الوكيل.
(الأصل في الوكالة الخصوص وفي المضاربة العموم) وفرع
عليه بقوله (فإن) (باع) الوكيل (نسيئة فقال أمرتك بنقد وقال أطلقت)
(صدق الآمر، وفي) الاختلاف في (المضاربة) صدق (المضارب) عملا
بالأصل
(لا ينفد تصرف أحد الوكيلين) معا كوكلتكما بكذا
(وحده) ولو الآخر عبدا أو صبيا أو مات أو جن (إلا) فيما إذا وكلهما على
التعاقب بخلاف الوصيين كما سيجيء في بابه و (في خصومة) بشرط رأي الآخر لا
حضرته على الصحيح إلا إذا انتهيا إلى القبض فحتى يجتمعا جوهرة (وعتق معين
وطلاق معينة لم يعوضا) بخلاف معوض وغير معين (وتعليق بمشيئتهما) أي
الوكيلين فإنه يلزم اجتماعهما عملا بالتعليق قاله المصنف. قلت: وظاهره عطفه
على لم يعوضا كما يعلم من العيني والدرر، فحق العبارة ولا علقا بمشيئتهما فتدبر
(و) في (تدبير ورد عين) كوديعة وعارية ومغصوب ومبيع فاسد خلاصة بخلاف
استردادها، فلو قبض أحدهما ضمن كله لعدم أمره بقبض شيء منه وحده سراج (و)
في (تسليم هبة) بخلاف قبضها ولوالجية (وقضاء دين) بخلاف اقتضائه عيني
(و) بخلاف (الوصاية) لاثنين (و) كذا (المضاربة والقضاء)
والتحكيم (والتولية على الوقف) فإن هذه الستة (كالوكالة فليس لأحدهما
الانفراد) بحر إلا في مسألة ما إذا شرط الواقف النظر له أو الاستبدال مع فلان
فإن للواقف الانفراد دون فلان أشباه
(والوكيل بقضاء الدين) من
ماله أو مال موكله (لا يجبر عليه) إذا لم يكن للموكل على الوكيل دين وهي
واقعة الفتوى كما بسطه العمادي واعتمده المصنف. قال: ومفاده أن الوكيل ببيع
عين من الموكل لوفاء دينه لا يجبر عليه كما لا يجبر الوكيل بنحو طلاق ولو
بطلبها على المعتمد وعتق وهبة من فلان وبيع منه لكونه متبرعا إلا في مسائل:
إذا وكله بدفع عين ثم غاب، أو ببيع رهن شرط فيه أو بعده في الأصح، أو بخصومة
بطلب المدعي وغاب المدعى عليه أشباه خلافا لما أفتى به قارئ الهداية. قلت:
وظاهر الأشباه أن الوكيل بالأجر يجبر فتدبر، ولا تنس مسألة واقعة الفتوى وراجع
تنوير البصائر فلعله أوفى. وفي فروق الأشباه: التوكيل بغير رضا الخصم لا
يجوز عند الإمام إلا أن يكون الموكل حاضرا بنفسه أو مسافرا أو مريضا أو
مخدرة.
(الوكيل لا يوكل إلا بإذن آمره) لوجود الرضا (إلا)
إذا وكله (في دفع زكاة) فوكل آخر ثم دفع الأخير جاز ولا يتوقف، بخلاف شراء
الأضحية أضحية الخانية (و) إلا الوكيل (في قبض الدين) إذا وكل (من في
عياله) صح ابن ملك (و) إلا (عند تقدير الثمن) من الموكل الأول
(له) أي لوكيله فيجوز بلا إجازته لحصول المقصود درر (والتفويض إلى
رأيه) ك " اعمل برأيك " (كالإذن) في التوكيل (إلا في طلاق
وعتاق)؛ لأنهما مما يحلف به فلا يقوم غيره مقامه قنية.
(فإن)
(وكل) الوكيل غيره (بدونهما) بدون إذن وتفويض (ففعل الثاني) بحضرته
أو غيبته (فأجازه) الوكيل (الأول) (صح) وتتعلق حقوقه بالعاقد على
الصحيح (إلا في) ما ليس بعقد نحو (طلاق وعتاق) لتعلقهما بالشرط فكأن
الموكل علقه باللفظ الأول دون الثاني (وإبراء) عن الدين قنية (وخصومة
وقضاء دين) فلا تكفي الحضرة ابن ملك خلافا للخانية (وإن فعل أجنبي فأجازه
الوكيل) الأول (جاز إلا في شراء) فإنه ينفذ عليه ولا يتوقف متى وجد
نفاذا.
(وإن وكل به) أي بالأمر أو التفويض (فهو) أي
الثاني (وكيل الآمر) وحينئذ (فلا ينعزل بعزل موكله أو موته وينعزلان بموت
الأول) كما مر في القضاء. وفي البحر عن الخلاصة والخانية: له عزله في
قوله اصنع ما شئت لرضاه بصنعه، وعزله من صنعه، بخلاف: اعمل برأيك. قال
المصنف: فعليه لو قيل للقاضي: اصنع ما شئت فله عزل نائبه بلا تفويض العزل
صريحا؛ لأن النائب كوكيل الوكيل. واعلم أن الوكيل وكالة عامة مطلقة مفوضة
إنما يملك المعاوضات لا الطلاق والعتاق والتبرعات به يفتى زواهر الجواهر وتنوير
البصائر. (قال) لرجل (فوضت إليك أمر امرأتي) (صار وكيلا بالطلاق
وتقيد) طلاقه (بالمجلس بخلاف) (قوله وكلتك) في أمر امرأتي فلا يتقيد
به درر.
من لا ولاية له على غيره لم يجز تصرفه في حقه وحينئذ
(فإذا) (باع عبد أو مكاتب أو ذمي) أو حربي عيني (مال صغيره الحر
المسلم أو شرى واحد منهم به أو زوج صغيرة كذلك) أي حرة مسلمة (لم يجز)
لعدم الولاية.
(والولاية في مال الصغير) (إلى الأب ثم وصيه
ثم وصي وصيه) إذ الوصي يملك الإيصاء (ثم إلى) الجد (أبي الأب ثم إلى
وصيه) ثم وصي وصيه (ثم إلى القاضي ثم إلى من نصبه القاضي) ثم وصي وصيه
(وليس لوصي الأم) ووصي الأخ (ولاية التصرف في تركة الأم مع حضرة الأب أو
وصيه أو وصي وصيه أو الجد) أبي الأب (وإن لم يكن واحد مما ذكرنا فله) أي
لوصي الأم (الحفظ) وله (بيع المنقول لا العقار) ولا يشتري إلا الطعام
والكسوة؛ لأنهما من جملة حفظ الصغير خانية.
[فروع في وصي
القاضي]
وصي القاضي كوصي الأب إلا إذا قيد القاضي بنوع تقيد به،
وفي الأب يعم الكل عمادية. وفي متفرقات البحر القاضي أو أمينه لا ترجع حقوق
عقد باشراه لليتيم إليهما بخلاف وكيل ووصي وأب، فلو ضمن القاضي أو أمينه ثمن ما
باعه لليتيم بعد بلوغه صح بخلافهم.
وفي الأشباه: جاز التوكيل
بكل ما يعقده الوكيل لنفسه إلا الوصي فله أن يشتري مال اليتيم لنفسه لا لغيره
بوكالة وجاز التوكيل بالتوكيل.
باب الوكالة بالخصومة والقبض
(وكيل
الخصومة والتقاضي) أي أخذ الدين (لا يملك القبض) عند زفر وبه يفتى لفساد
الزمان، واعتمد في البحر العرف (و) لا (الصلح) إجماعا بحر (ورسول
التقاضي يملك القبض لا الخصومة) إجماعا بحر، أرسلتك أو كن رسولا عني إرسال
وأمرتك بقبضه توكيل خلافا للزيلعي (ولا يملكهما) أي الخصومة والقبض (وكيل
الملازمة كما لا يملك الخصومة وكيل الصلح) بحر (ووكيل قبض الدين يملكها)
أي الخصومة خلافا لهما لو وكيل الدائن، ولو وكيل القاضي لا يملكها اتفاقا كوكيل
قبض العين اتفاقا. وأما وكيل قسمة وأخذ شفعة ورجوع هبة ورد بعيب فيملكها مع
القبض اتفاقا ابن ملك.
(أمره بقبض دينه وأن لا يقبضه إلا جميعا
فقبضه إلا درهما) (لم يجز قبضه) المذكور (على الآمر) لمخالفته له فلم
يصر وكيلا (و) الآمر (له الرجوع على الغريم بكله) وكذا لا يقبض درهما
دون درهم بحر (ولو لم يكن للغريم بينة على الإيفاء فقضي عليه) بالدين
(وقبضه الوكيل فضاع منه ثم برهن المطلوب) على الإيفاء للموكل (فلا سبيل
له) للمديون (على الوكيل، وإنما يرجع على الموكل)؛ لأن يده كيده ذخيرة
(الوكيل
بالخصومة إذا أبى) الخصومة (لا يجبر عليها) في الأشباه: لا يجبر الوكيل
إذا امتنع عن فعل ما وكل فيه لتبرعه إلا في ثلاث كما مر (بخلاف الكفيل)
فإنه يجبر عليها للالتزام. (وكله بخصوماته وأخذ حقوقه من الناس على أن لا
يكون وكيلا فيما يدعى على الموكل) (جاز) هذا التوكيل (فلو)
(أثبت) الوكيل (المال له) أي لموكله (ثم أراد الخصم الدفع) (لا
يسمع على الوكيل)؛ لأنه ليس بوكيل فيه درر
(وصح) (إقرار
الوكيل بالخصومة) لا بغيرها مطلقا (بغير الحدود والقصاص) على موكله
(عند القاضي) (دون غيره) استحسانا (وإن انعزل) الوكيل (به) أي
بهذا الإقرار حتى لا يدفع إليه المال وإن برهن بعده على الوكالة للتناقض درر
(وكذا إذا استثنى) الموكل (إقراره) بأن قال وكلتك بالخصومة غير جائز
الإقرار صح التوكيل والاستثناء على الظاهر بزازية (فلو أقر عنده) أي القاضي
(لا يصح وخرج به عن الوكالة) فلا تسمع خصومته درر (وصح) (التوكيل
بالإقرار) (ولا يصير به) أي بالتوكيل (مقرا) بحر
(وبطل)
(توكيل الكفيل بالمال) لئلا يصير عاملا لنفسه (كما) لا يصح (لو)
(وكله بقبضه) أي الدين (من نفسه أو عبده). لأن الوكيل متى عمل لنفسه
بطلت إلا إذا وكل المديون بإبراء نفسه، فيصح ويصح عزله قبل إبرائه نفسه
أشباه
(أو) (وكل المحتال المحيل بقبضه من المحال عليه) أو
وكل المديون وكيل الطالب بالقبض لم يصح لاستحالة كونه قاضيا ومقتضيا قنية
(بخلاف) (كفيل النفس والرسول ووكيل الإمام ببيع الغنائم والوكيل
بالتزويج) حيث يصح ضمانهم؛ لأن كلا منهم سفير. (الوكيل بقبض الدين إذا
كفل) (صح وتبطل الوكالة)؛ لأن الكفالة أقوى للزومها فتصلح ناسخة (بخلاف
العكس، وكذا كلما صحت كفالة الوكيل بالقبض بطلت وكالته تقدمت الكفالة أو
تأخرت) لما قلنا
(وكيل البيع إذا ضمن الثمن للبائع عن
المشتري) (لم يجز) لما مر أنه يصير عاملا لنفسه (فإن أدى بحكم الضمان
رجع) لبطلانه (وبدونه لا) لتبرعه.
(ادعى أنه وكيل الغائب
بقبض دينه فصدقه الغريم) (أمر بدفعه إليه) عملا بإقراره ولا يصدق لو ادعى
الإيفاء (فإن حضر الغائب فصدقه) في التوكيل (فبها) ونعمت (وإلا أمر
الغريم بدفع الدين إليه) أي الغائب (ثانيا) لفساد الأداء بإنكاره مع
يمينه (ورجع) الغريم (به على الوكيل إن باقيا في يده ولو حكما) بأن
استهلكه فإنه يضمن مثله خلاصة (وإن ضاع لا) عملا بتصديقه (إلا إذا) كان
قد (ضمنه عند الدفع) بقدر ما يأخذه الدائن ثانيا لا ما أخذه الوكيل؛ لأنه
أمانة لا تجوز بها الكفالة زيلعي وغيره (أو) (قال له قبضت منك على أني
أبرأتك من الدين) فهو كما لو قال الأب للختن عند أخذ مهر بنته آخذ منك على
أني أبرأتك من مهر بنتي، فإن أخذته البنت ثانيا رجع الختن على الأب فكذا هذا
بزازية (وكذا) يضمنه (إذا لم يصدقه على الوكالة يعم) صورتي السكوت
والتكذيب (ودفع له ذلك على زعمه) الوكالة فهذه أسباب للرجوع عند الهلاك
(فإن) (ادعى الوكيل هلاكه أو دفعه لموكله صدق) الوكيل (بحلفه وفي
الوجوه) المذكورة (كلها) الغريم (ليس له الاسترداد حتى يحضر الغائب)
وإن برهن أنه ليس بوكيل أو على إقراره بذلك أو أراد استحلافه لم يقبل لسعيه في
نقض ما أوجبه للغائب، نعم لو برهن أن الطالب جحد الوكالة وأخذ مني المال تقبل
بحر، ولو مات الموكل وورثه غريمه أو وهبه له أخذه قائما، ولو هالكا ضمنه إلا
إذا صدقه على الوكالة، ولو أقر بالدين وأنكر الوكالة حلف ما يعلم أن الدائن
وكله عيني.
(قال إني وكيل بقبض الوديعة فصدقه المودع) (لم
يؤمر بالدفع إليه) على المشهور خلافا لابن الشحنة، ولو دفع لم يملك الاسترداد
مطلقا لما مر (وكذا) الحكم (لو) (ادعى شراءها من المالك وصدقه)
المودع لم يؤمر بالدفع؛ لأنه إقرار على الغير (ولو ادعى انتقالها بالإرث أو
الوصية منه وصدقه) (أمر بالدفع إليه) لاتفاقهما على ملك الوارث (إذا لم
يكن على الميت دين مستغرق) ولا بد من التلوم فيهما لاحتمال ظهور وارث آخر
(ولو أنكر موته أو قال لا أدري لا) يؤمر به ما لم يبرهن، ودعوى الإيصاء
كوكالة فليس لمودع ميت ومديونه الدفع قبل ثبوت أنه وصي، ولولا وصي فدفع لبعض
الورثة برئ عن حصته فقط
(ولو) (وكله بقبض مال فادعى الغريم ما
يسقط حق موكله) كأداء أو إبراء أو إقراره بأنه ملكي (دفع) الغريم
(المال) ولو عقارا (إليه) أي الوكيل لأن جوابه تسليم ما لم يبرهن، وله
تحليف الموكل لا الوكيل؛ لأن النيابة لا تجري في اليمين خلافا لزفر (ولو)
(وكله بعيب في أمة وادعى البائع أن المشتري رضي بالعيب) (لم يرد عليه حتى
يحلف المشتري) والفرق أن القضاء هنا فسخ لا يقبل النقض، بخلاف ما مر خلافا
لهما (فلو) (ردها الوكيل على البائع بالعيب فحضر الموكل وصدقه على
الرضا) (كانت له لا للبائع) اتفاقا في الأصح؛ لأن القضاء لا عن دليل بل
للجهل بالرضا ثم ظهر خلافه فلا ينفذ باطنا نهاية.
(والمأمور
بالإنفاق) على أهل أو بناء (أو القضاء) لدين (أو الشراء أو التصدق
عن) زكاة (إذا أمسك ما دفع إليه ونقد من ماله) ناويا الرجوع كذا قيد
الخامسة في الأشباه (حال قيامه) (لم يكن متبرعا) بل يقع التقاص
استحسانا (إذا لم يضف إلى غيره) فلو كانت وقت إنفاقه مستهلكة ولو بصرفها
لدين نفسه أو أضاف العقد إلى دراهم نفسه ضمن وصار مشتريا لنفسه متبرعا
بالإنفاق؛ لأن الدراهم تتعين في الوكالة نهاية وبزازية، نعم في المنتقى: لو
أمره أن يقبض من مديونه ألفا ويتصدق فتصدق بألف ليرجع على المديون جاز
استحسانا.
(وصي أنفق من ماله و) الحال أن (مال اليتيم
غائب) (فهو) أي الوصي كالأب (متطوع إلا أن يشهد أنه قرض عليه أو أنه
يرجع) عليه جامع الفصولين وغيره، وعلله في الخلاصة بأن قول الوصي وإن اعتبر
في الإنفاق لكن لا يقبل في الرجوع في مال اليتيم إلا بالبينة.
[فروع
في الوكالة المجردة]
الوكالة المجردة لا تدخل تحت الحكم وبيانه في
الدرر صح التوكيل بالسلم لا بقبول عقد السلم، فللناظر أن يسلم من ريعه في زيته
وحصره، وليس له أن يوكل به من يجعله بجعل أمينا على القرية فيأمره بعقد السلم
ويستلم منه على ما قرر له باطنا؛ لأنه وكيل الواقف والوكالة أمانة لا يصح
بيعها، وتمامه في شرح الوهبانية.
باب عزل الوكيل
(الوكالة
من العقود الغير اللازمة) كالعارية (فلا يدخلها خيار شرط ولا يصح الحكم بها
مقصودا وإنما يصح في ضمن دعوى صحيحة على غريم) وبيانه في الدرر (فللموكل
العزل متى شاء ما لم يتعلق به حق الغير) كوكيل خصومة بطلب الخصم كما سيجيء
ولو الوكالة دورية في طلاق وعتاق على ما صححه البزازي، وسيجيء عن العيني خلافه
فتنبه (بشرط علم الوكيل) أي في القصدي، أما الحكمي فيثبت وينعزل قبل العلم
كالرسول (ولو) عزله (قبل وجود الشرط في المعلق به) أي بالشرط به يفتى
شرح وهبانية.
(ويثبت ذلك) أي العزل (بمشافهة به وبكتابة)
مكتوب بعزله (وإرساله رسولا) مميزا (عدلا أو غيره) اتفاقا (حرا أو
عبدا صغيرا أو كبيرا) صدقه أو كذبه، ذكره المصنف في متفرقات القضاء (إذا)
(قال) الرسول (الموكل أرسلني إليك لأبلغك عزله إياك عن وكالته)
(ولو) (أخبره فضولي) بالعزل (فلا بد من أحد شطري الشهادة) عدد أو
عدالة (كأخواتها) المتقدمة في المتفرقات، وقدمنا أنه متى صدقه قبل ولو
فاسقا اتفاقا ابن ملك
وفرع على عدم لزومها من الجانبين بقوله
(فللوكيل) أي بالخصومة وبشراء المعين لا الوكيل بنكاح وطلاق وعتاق وبيع
ماله وبشراء شيء بغير عينه كما في الأشباه (عزل نفسه بشرط علم موكله) وكذا
يشترط علم السلطان (إن بغير حضرة المديون، وإن) وكله (بحضرته لا) لتعلق
حقه به كما مر (إلا إذا علم به) بالعزل (المديون) فحينئذ ينعزل. ثم
فرع عليه بقوله (فلو) (دفع المديون دينه إليه) أي الوكيل (قبل
علمه) أي المديون (بعزله) (يبرأ) وبعده لا لدفعه لغير وكيل
(ولو)
(عزل العدل) الموكل ببيع الرهن (نفسه بحضرة المرتهن) (إن رضي به)
بالعزل (صح وإلا لا) لتعلق حقه به، وكذا الوكالة بالخصومة بطلب المدعي عند
غيبته كما مر وليس منه توكيله بطلاقها بطلبها على الصحيح؛ لأنه لا حق لها فيه
ولا قوله: كلما عزلتك فأنت وكيلي لعزله بكلما وكلتك فأنت معزول عيني
(وقول
الوكيل بعد القبول بحضرة الموكل " ألغيت توكيلي أو أنا بريء من الوكالة
") (ليس بعزل كجحود الموكل) بقوله لم أوكلك لا يكون عزلا (إلا أن)
(يقول) الموكل للوكيل (والله لا أوكلك بشيء فقد عرفت تهاونك)
(فعزل) زيلعي، لكنه ذكر في الوصايا أن جحوده عزل، وحمله المصنف على ما إذا
وافقه الوكيل على الترك، لكن أثبت القهستاني اختلاف الرواية وقدم الثاني وعلله
بأن جحوده ما عدا النكاح فسخ. ثم قال: وفي رواية لم ينعزل بالجحود ا هـ.
فليحفظ.
(وينعزل الوكيل) بلا عزل (بنهاية) الشيء
(الموكل فيه) (كأن وكله بقبض دين فقبضه) بنفسه (أو) وكله (بنكاح
فزوجه) الوكيل بزازية، ولو باع الموكل والوكيل معا أو لم يعلم السابق فبيع
الموكل أولى عند محمد، وعند أبي يوسف يشتركان ويخيران كما في الاختيار وغيره
(و)
ينعزل (بموت أحدهما وجنونه مطبقا) بالكسر. أي مستوعبا سنة على الصحيح درر
وغيرها، لكن في الشرنبلالية عن المضمرات شهر، وبه يفتى وكذا في القهستاني
والباقاني وجعله قاضي خان في فصل فيما يقضى بالمجتهدات قول أبي حنيفة وأن عليه
الفتوى فليحفظ. (و) بالحكم (بلحوقه مرتدا) ثم لا تعود بعوده مسلما
على المذهب ولا بإفاقته بحر.
وفي شرح المجمع: واعلم أن الوكالة
إذا كانت لازمة لا تبطل بهذه العوارض فلذا قال (إلا) الوكالة اللازمة
(إذا وكل الراهن العدل أو المرتهن ببيع الرهن عند حلول الأجل فلا ينعزل)
بالعزل، ولا (بموت الموكل وجنونه) (كالوكيل بالأمر باليد والوكيل ببيع
الوفاء) لا ينعزلان بموت الموكل، بخلاف الوكيل بالخصومة أو الطلاق بزازية.
قلت: والحاصل كما في البحر أن الوكالة ببيع الرهن لا تبطل بالعزل حقيقيا أو
حكميا ولا بالخروج عن الأهلية بجنون وردة، وفيما عداها من اللازمة لا تبطل
بالحقيقي بل بالحكمي وبالخروج عن الأهلية. قلت: فإطلاق الدرر فيه نظر
(و)
ينعزل (بافتراق أحد الشريكين) ولو بتوكيل ثالث بالتصرف (وإن لم يعلم
الوكيل)؛ لأنه عزل حكمي. (و) ينعزل (بعجز موكله لو مكاتبا وحجره)
أي موكله (لو مأذونا كذلك) أي علم أو لا؛ لأنه عزل حكمي كما مر، وهذا
(إذا كان وكيلا في العقود والخصومة، أما إذا كان وكيلا في قضاء دين واقتضائه
وقبض وديعة فلا) ينعزل بحجر وعجز، ولو عزل المولى وكيل عبده المأذون لم
ينعزل
(و) ينعزل (بتصرفه) أي الموكل (بنفسه فيما وكل فيه
تصرفا يعجز الوكيل عن التصرف معه) (وإلا لا، كما لو طلقها واحدة والعدة
باقية) فللوكيل تطليقها أخرى لبقاء المحل، ولو ارتد الزوج أو لحق؛ وقع طلاق
وكيله ما بقيت العدة (وتعود الوكالة إذا عاد إليه) أي الموكل (قديم
ملكه) كأن وكله ببيع فباع موكله ثم رد عليه بما هو فسخ بقي على وكالته (أو
بقي أثره) أي أثر ملكه كمسألة العدة بخلاف ما لو تجدد الملك.
[فروع
في الملتقط]
في الملتقط عزل وكتب لا ينعزل ما لم يصله الكتاب.
وكل غائبا ثم عزله قبل قبوله صح وبعده لا. دفع إليه قمقمة ليدفعها إلى إنسان
يصلحها فدفعها ونسي لا يضمن الوكيل بالدفع. أبرأه مما له عليه برئ من الكل
قضاء، وأما في الآخرة فلا إلا بقدر ما يتوهم أن له عليه. وفي الأشباه: قال
لمديونه من جاءك بعلامة كذا أو من أخذ إصبعك أو قال لك كذا فادفع إليه لم يصح؛
لأنه توكيل المجهول فلا يبرأ بالدفع إليه. وفي الوهبانية قال: ومن قال أعط
المال قابض خنصر فأعطاه لم يبرأ وبالمال يخسر وبعه وبع بالنقد أو بع لخالد
فخالفه قالوا يجوز التغير وفي الدفع قل قول الوكيل مقدم كذا قول رب الدين
والخصم يجبر ولو قبض الدلال مال المبيع كي يسلمه منه وضاع يشطر
كتاب الدعوى
لا يخفى مناسبتها للوكالة بالخصومة (هي) لغة قول
يقصد به الإنسان إيجاب حق على غيره وألفها للتأنيث فلا تنون وجمعها دعاوى بفتح
الواو كفتوى وفتاوى درر، لكن جزم في المصباح بكسرها أيضا فيهما محافظة على ألف
التأنيث، وشرعا (قول مقبول) عند القاضي (يقصد به طلب حق قبل غيره) خرج
الشهادة والإقرار (أو دفعه) أي دفع الخصم (عن حق نفسه) دخل دعوى دفع
التعرض فتسمع به يفتى بزازية، بخلاف دعوى قطع النزاع فلا تسمع سراجية وهذا إذا
أريد بالحق في التعريف الأمر الوجودي، فلو أريد ما يعم الوجودي والعدمي لم يحتج
لهذا القيد.
(والمدعي من إذا ترك) دعواه (ترك) أي لا يجبر
عليها (والمدعى عليه بخلافه) أي يجبر عليها، فلو في البلدة قاضيان كل في
محلة فالخيار للمدعى عليه عند محمد به يفتى بزازية ولو القضاة في المذاهب
الأربعة على الظاهر، وبه أفتيت مرارا بحر. قال المصنف: ولو الولاية لقاضيين
فأكثر على السواء فالعبرة للمدعي، نعم لو أمر السلطان إجابة المدعى عليه لزم
اعتباره لعزله بالنسبة إليها كما مر مرارا. قلت: وهذا الخلاف فيما إذا كان
كل قاض على محلة على حدة، أما إذا كان في المصر حنفي وشافعي ومالكي وحنبلي في
مجلس واحد أو ولاية واحدة فلا ينبغي أن يقع الخلاف في إجابة المدعي لما أنه
صاحب الحق كذا بخط المصنف على هامش البزازية فليحفظ.
(وركنها
إضافة الحق إلى نفسه) لو أصيلا كلي عليه كذا (أو) إضافته (إلى من
ناب) المدعي (منابه) كوكيل ووصي (عند النزاع) متعلق بإضافة
الحق.
(وأهلها العاقل المميز) ولو صبيا لو مأذونا في الخصومة
وإلا لا أشباه.
(وشرطها) أي شرط جواز الدعوى (مجلس القضاء
وحضور خصمه) فلا يقضى على غائب وهل يحضره بمجرد الدعوى؟ إن بالمصر أو بحيث
يبيت بمنزله نعم وإلا فحتى يبرهن أو يحلف منية (ومعلومية) المال
(المدعى) إذ لا يقضى بمجهول، ولا يقال مدعى فيه وبه إلا أن يتضمن الإخبار
(و) شرطها أيضا (كونها ملزمة) شيئا على الخصم بعد ثبوتها وإلا كان عبثا
(وكون المدعى مما يحتمل الثبوت فدعوى ما يستحيل وجوده) عقلا أو عادة
(باطلة) لتيقن الكذب في المستحيل العقلي كقوله لمعروف النسب أو لمن لا يولد
مثله لمثله هذا ابني، وظهوره في المستحيل العادي كدعوى معروف بالفقر أموالا
عظيمة على آخر أنه أقرضه إياها دفعة واحدة أو غصبها منه، فالظاهر عدم سماعها
بحر، وبه جزم ابن الغرس في الفواكه البدرية.
(وحكمها وجوب
الجواب على الخصم) وهو المدعى عليه بلا أو بنعم، حتى لو سكت كان إنكارا فتسمع
البينة عليه إلا أن يكون أخرس اختيار وسنحققه.
وسببها تعلق البقاء
المقدر بتعاطي المعاملات (فلو كان ما يدعيه منقولا في يد الخصم ذكر) المدعي
(أنه في يده بغير حق) لاحتمال كونه مرهونا في يده أو محبوسا بالثمن في يده
(وطلب) المدعي (إحضاره إن أمكن) فعلى الغريم إحضاره (ليشار إليه في
الدعوى والشهادة) والاستحلاف (وذكر) المدعي (قيمته إن تعذر) إحضار
العين بأن كان في نقلها مؤنة وإن قلت ابن كمال معزيا للخزانة (بهلاكها أو
غيبتها) لأنه مثله معنى (وإن تعذر) إحضارها (مع بقائها كرحى وصبرة
طعام) وقطيع غنم (بعث القاضي أمينه) ليشار إليها (وإلا) تكن باقية
(اكتفى) في الدعوى (بذكر القيمة) وقالوا لو ادعى أنه غصب منه عين كذا
ولم يذكر قيمتها تسمع فيحلف خصمه أو يجبر على البيان درر وابن ملك
ولهذا
لو (ادعى أعيانا مختلفة الجنس والنوع والصفة وذكر قيمة الكل جملة كفى ذلك)
الإجمال على الصحيح، وتقبل بينته أو يحلف على الكل مرة (وإن لم يذكر قيمة كل
عين على حدة) لأنه لما صح دعوى الغصب بلا بيان فلأن يصح إذا بين قيمة الكل
جملة بالأولى، وقيل في دعوى السرقة يشترط ذكر القيمة ليعلم كونها نصابا، فأما
في غيرها فلا يشترط عمادية وهذا كله في دعوى العين لا الدين.
فلو
(ادعى قيمة شيء مستهلك اشترط بيان جنسه ونوعه) في الدعوى والشهادة ليعلم
القاضي بماذا يقضي.
(واختلف في بيان الذكورة والأنوثة في
الدابة) فشرطه أبو الليث أيضا واختاره في الاختيار، وشرط الشهيد بيان السن
أيضا وتمامه في العمادية.
(وفي دعوى الإيداع لا بد من بيانه
مكانه) أي مكان الإيداع (سواء كان له حمل أو لا.).
(وفي
الغصب أن له حملا ومؤنة فلا بد) لصحة الدعوى (من بيانه وإلا) حمل له
(لا) وفي غصب غير المثلي يبين قيمته يوم غصبه على الظاهر عمادية.
(ويشترط
التحديد في دعوى العقار كما يشترط في الشهادة عليه ولو) كان العقار
(مشهورا) خلافا لهما (إلا إذا عرف الشهود الدار بعينها فلا يحتاج إلى ذكر
حدودها) كما لو ادعى ثمن العقار لأنه دعوى لدين حقيقة بحر (ولا بد من ذكر
بلدة بها الدار ثم المحلة ثم السكة) فيبدأ بالأعم ثم الأخص فالأخص كما في
النسب (ويكتفي بذكر ثلاثة) فلو ترك الرابع صح، وإن ذكره وغلط فيه لا ملتقى
لأن المدعي يختلف به ثم إنما يثبت الغلط بإقرار الشاهد فصولين (وذكر أسماء
أصحابها) أي الحدود (وأسماء أنسابهم، ولا بد من ذكر الجد) لكل منهم (إن
لم يكن) الرجل (مشهورا) وإلا اكتفى باسمه لحصول المقصود (و) ذكر
(أنه) أي العقار (في يده) ليصير خصما (ويزيد) عليه (بغير حق إن
كان) المدعى (منقولا) لما مر (ولا تثبت يده في العقار بتصادقهما بل لا
بد من بينة أو علم قاض) لاحتمال تزويرهما بخلاف المنقول لمعاينة يده، ثم هذا
ليس على إطلاقه بل (إذا ادعى) العقار (ملكا مطلقا،).
(أما
في دعوى الغصب و) دعوى (الشراء) من ذي اليد (فلا) يفتقر لبينة، لأن
دعوى الفعل كما تصح على ذي اليد تصح على غيره أيضا بزازية (و) ذكر (أنه
يطالبه به) لتوقفه على طلبه ولاحتمال رهنه أو حبسه بالثمن وبه استغنى عن
زيادة بغير حق فافهم.
(ولو كان) ما يدعيه (دينا) مكيلا أو
موزونا نقدا أو غيره (ذكر وصفه) لأنه لا يعرف إلا به.
(ولا
بد في دعوى المثليات من ذكر الجنس والنوع والصفة والقدر وسبب الوجوب) فلو
ادعى كر بر دينا عليه ولم يذكر سببا لم تسمع؛ وإذا ذكر، ففي السلم إنما له
المطالبة في مكان عيناه، وفي نحو قرض وغصب واستهلاك في مكان القرض ونحوه بحر
فليحفظ.
(ويسأل القاضي المدعى عليه) عن الدعوى فيقول إنه ادعى
عليك كذا فماذا تقول (بعد صحتها وإلا) تصدر صحيحة (لا) يسأل لعدم وجوب
جوابه (فإن أقر) فيها (أو أنكر فبرهن المدعي قضى عليه) بلا طلب المدعي
(وإلا) يبرهن (حلفه) الحاكم (بعد طلبه) إذ لا بد من طلبه اليمين في
جميع الدعاوى إلا عند الثاني في أربع على ما في البزازية، قال: وأجمعوا على
التحليف بلا طلب في دعوى الدين على الميت.
(وإذا قال) المدعى
عليه (لا أقر ولا أنكر لا يستحلف بل يحبس ليقر أو ينكر) درر، وكذا لو لزم
السكوت بلا آفة عند الثاني خلاصة. قال في البحر: وبه أفتيت لما أن الفتوى
على قول الثاني فيما يتعلق بالقضاء ا هـ. ثم نقل عن البدائع: الأشبه أنه
إنكار فيستحلف، قيدنا بتحليف الحاكم لأنهما لو (اصطلحا على أن يحلف عند غير
قاض ويكون بريئا فهو باطل) لأن اليمين حق القاضي مع طلب الخصم ولا عبرة
باليمين ولا نكول عند غير القاضي (فلو برهن عليه) أي على حقه (يقبل وإلا
يحلفه ثانيا عند قاض) بزازية إلا إذا كان حلفه الأول عنده فيكفي درر. ونقل
المصنف عن القنية أن التحليف حق القاضي، فما لم يكن باستحلافه لم يعتبر.
(وكذا
لو اصطلحا أن المدعي لو حلف فالخصم ضامن) للمال (وحلف) أي المدعي (لم
يضمن) الخصم لأن فيه تغيير الشرع.
(واليمين لا ترد على مدع)
لحديث: «البينة على المدعي» وحديث الشاهد واليمين ضعيف، بل رده ابن معين، بل
أنكره الراوي عيني..
(برهن) المدعي (على دعواه وطلب من
القاضي أن يحلف المدعي أنه محق في الدعوى أو على أن الشهود صادقون أو محقون في
الشهادة لا يجيبه) القاضي إلى طلبه لأن الخصم لا يحلف مرتين فكيف الشاهد لأن
لفظ أشهد عندنا يمين، ولا يكرر اليمين لأنا أمرنا بإكرام الشهود ولذا لو (علم
الشاهد أن القاضي يحلفه) ويعمل بالمنسوخ (له الامتناع عن أداء الشهادة)
لأنه لا يلزمه بزازية.
(وبينة الخارج في الملك المطلق) وهو
الذي لم يذكر له سبب (أحق من بينة ذي اليد) لأنه المدعي والبينة له
بالحديث، بخلاف المقيد بسبب كنتاج ونكاح فالبينة لذي اليد إجماعا كما
سيجيء.
(وقضى) القاضي (عليه بنكوله مرة) لو نكوله (في
مجلس القاضي) حقيقة (بقوله لا أحلف) أو حكما كأن (سكت) وعلم أنه
(من غير آفة) كخرس وطرش في الصحيح سراج وعرض اليمين ثلاثا ثم القضاء
أحوط.
(وهل يشترط القضاء على فور النكول، خلاف) درر، ولم أر
فيه ترجيحا قاله المصنف. قلت: قدمنا أنه يفترض القضاء فورا إلا في
ثلاث.
(قضي عليه بالنكول ثم أراد أن يحلف لا يلتفت إليه والقضاء
على حاله) ماض درر فبلغت طرق القضاء ثلاثا، وعدها في الأشباه سبعا: بينة،
وإقرار، ويمين، ونكول عنه، وقسامة، وعلم قاض على المرجوح، والسابع قرينة قاطعة
كأن ظهر من دار خالية إنسان خائف بسكين متلوث بدم فدخلوها فورا فرأوا مذبوحا
لحينه أخذ به إذ لا يمتري أحد أنه قاتله..
(شك فيما يدعى عليه
ينبغي أن يرضي خصمه ولا يحلف) تحرزا عن الوقوع في الحرام (وإن أبى خصمه إلا
حلفه، إن أكبر رأيه أن المدعي مبطل حلف وإلا) بأن غلب على ظنه أنه محق
(لا) يحلف بزازية.
(وتقبل البينة لو أقامها) المدعي وإن
قال قبل اليمين لا بينة لي سراج خلافا لما في شرح المجمع عن المحيط (بعد
يمين) المدعى عليه كما تقبل البنية بعد القضاء بالنكول خانية (عند
العامة) وهو الصحيح لقول شريح: اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة
العادلة، ولأن اليمين كالحلف عن البينة فإذا جاء الأصل انتهى حكم الخلف كأنه لم
يوجد أصلا بحر.
(ويظهر كذبه بإقامتها) أي البينة (لو
ادعاه) أي المال (بلا سبب فحلف) أي المدعى عليه ثم أقامها حتى يحنث في
يمينه وعليه الفتوى طلاق الخانية خلافا لإطلاق الدرر.
(وإن)
ادعاه (بسبب فحلف) أنه لا دين عليه (ثم أقامها) المدعي على السبب
(لا) يظهر كذبه لجواز أنه وجد القرض ثم وجد الإبراء أو الإيفاء وعليه
الفتوى فصولين وسراج وشمني وغيرهم.
(ولا تحليف في نكاح) أنكره
هو أو هي (ورجعة) جحدها هو أو هي بعد عدة (وفيء إيلاء) أنكره أحدهما
بعد المدة (واستيلاد) تدعيه الأمة، ولا يتأتى عكسه لثبوته بإقراره (ورق
ونسب) بأن ادعى على مجهول أنه قنه أو ابنه وبالعكس (وولاء) عتاقة أو
موالاة ادعاه الأعلى أو الأسفل (وحد ولعان) والفتوى على أنه يحلف المنكر
(في الأشياء) السبعة، ومن عدها ستة ألحق أمومة الولد بالنسب أو الرق.
والحاصل أن المفتى به التحليف في الكل إلا في الحدود ومنها حد قذف ولعان فلا
يمين إجماعا، لا إذا تضمن حقا بأن علق عتق عبده بزنا نفسه فللعبد تحليفه، فإن
نكل ثبت العتق لا الزنا.
(و) كذا (يستحلف السارق) لأجل
المال (فإن نكل ضمن ولم يقطع) وإن أقر بها قطع، وقالوا: يستحلف في
التعزير كما بسطه في الدرر. وفي الفصول: ادعى نكاحها فحيلة دفع يمينها أن
تتزوج فلا تحلف. وفي الخانية لا استحلاف في إحدى وثلاثين مسألة.
(النيابة
تجري في الاستحلاف لا الحلف) وفرع على الأول بقوله (فالوكيل والوصي
والمتولي وأبو الصغير يملك الاستحلاف) فله طلب يمين خصمه (ولا يحلف) أحد
منهم (إلا إذا) ادعى عليه العقد أو (صح إقراره) على الأصيل فيستحلف
حينئذ، كالوكيل بالبيع فإن إقراره صحيح على الموكل، فكذا نكوله. وفي
الخلاصة: كل موضع لو أقر لزمه فإذا أنكره يستحلف إلا في ثلاث ذكرها، والصواب
في أربع وثلاثين لما مر عن الخانية؛ وزاد ستة أخرى في البحر، وزاد أربعة عشر في
تنوير البصائر حاشية الأشباه والنظائر لابن المصنف، ولولا خشية التطويل
لأوردتها كلها. (التحليف على فعل نفسه يكون على البتات) أي القطع بأنه
ليس كذلك (و) التحليف (على فعل غيره) يكون (على العلم) أي إنه لا
يعلم أنه كذلك لعدم علمه بما فعل غيره ظاهرا، اللهم (إلا إذا كان) فعل
الغير (شيئا يتصل به) أي بالحالف وفرع عليه بقوله (فإن ادعى) مشتري
العبد (سرقة العبد أو إباقه) وأثبت ذلك (يحلف) البائع. (على
البتات) مع أنه فعل الغير وإنما صح باعتبار وجوب تسليمه سليما فرجع إلى فعل
نفسه فحلف على البتات لأنها آكد ولذا تعتبر مطلقا بخلاف العكس درر عن
الزيلعي. وفي شرح المجمع عنه: هذا إذا قال المنكر لا علم لي بذلك، ولو ادعى
العلم حلف على البتات كمودع ادعى قبض ربها وفرع على قوله وفعل غيره على العلم
بقوله (وإذا ادعى) بكر (سبق الشراء) له على شراء زيد ولا بينة (يحلف
خصمه) وهو بكر (على العلم) أي أنه لا يعلم أنه اشتراه قبله لما مر.
(كذا
إذا ادعى دينا أو عينا على وارث إذا علم القاضي كونه ميراثا أو أقر به المدعي
أو برهن الخصم عليه) فيحلف على العلم.
(ولو ادعى معا) أي
الدين والعين (الوارث) على غيره (يحلف) المدعى عليه (على البتات)
كموهوب وشراء درر.
(و) يحلف (جاحد القود) إجماعا (فإن
نكل، فإن كان في النفس حبس حتى يقر أو يحلف وفيما دونه يقتص) لأن الأطراف
خلقت وقاية للنفس كالمال فيجري فيها الابتذال خلافا لهما.
(قال
المدعي: لي بينة حاضرة) في المصر (وطلب يمين خصمه لم يحلف) خلافا لهما،
ولو حاضرة في مجلس الحكم لم يحلف اتفاقا، ولو غائبة عن المصر حلف اتفاقا ابن
ملك، وقدر في المجتبى الغيبة بمدة السفر (ويأخذ القاضي) في مسألة المتن
فيما لا يسقط بشبهة (كفيلا ثقة) يأمن هروبه بحر فليحفظ. (من خصمه)
ولو وجيها والمال حقيرا في ظاهر المذهب عيني (بنفسه ثلاثة أيام) في الصحيح،
وعن الثاني إلى مجلسه الثاني وصحح (فإن امتنع من) إعطاء (ذلك) الكفيل
(لازمه) بنفسه أو أمينه مقدار (مدة التكفيل) لئلا يغيب (إلا أن
يكون) الخصم (غريبا) أي مسافرا (ف) يلازم أو يكفل (إلى انتهاء مجلس
القاضي) دفعا للضرر، حتى لو علم وقت سفره يكفله إليه وينظر في زيه أو يستخبر
رفقاءه لو أنكر المدعي بزازية.
(قال لا بينة لي وطلب يمينه
فحلفه القاضي ثم برهن) على دعواه بعد اليمين (قبل ذلك) البرهان عند
الإمام (منه) وكذا لو قال المدعي كل بينة أتى بها فهي شهود زور أو قال إذا
حلفت فأنت بريء من المال فحلف ثم برهن على الحق قبل خانية، وبه جزم في السراج
كما مر (وقيل لا) يقبل قائله محمد كما في العمادية، وعكسه ابن ملك، وكذا
الخلاف لو قال لا دفع لي ثم أتى بدفع، أو قال الشاهد: لا شهادة لي ثم شهد.
والأصح القبول لجواز النسيان ثم التذكر كما في الدرر، وأقره المصنف..
(ادعى
المديون الإيصال فأنكر المدعي) ذلك (ولا بينة له) على مدعاه (فطلب
يمينه فقال المدعي اجعل حقي في الختم ثم استحلفني له ذلك) قنية.
(واليمين
بالله تعالى) لحديث: «من كان حالفا فليحلف بالله تعالى أو ليذر» وهو قول
والله خزانة، وظاهره أنه لو حلفه بغيره لم يكن يمينا، ولم أره صريحا بحر.
(لا
بطلاق وعتاق) وإن ألح الخصم وعليه الفتوى تتارخانية، لأن التحليف بها حرام
خانية (وقيل إن مست الضرورة فوض إلى القاضي) اتباعا للبعض (فلو حلفه)
القاضي (به فنكل فقضى عليه) بالمال (لم ينفذ) قضاؤه (على) قول
(الأكثر) كذا في خزانة المفتين، وظاهره أنه مفرع على قول الأكثر، أما على
القول بالتحليف بهما فيعتبر نكوله ويقضى به وإلا فلا فائدة بحر، واعتمده
المصنف. قلت: ولو حلف بالطلاق أنه لا مال عليه ثم برهن المدعي على المال،
إن شهدوا على السبب كالإقراض لا يفرق، وإن شهدوا على قيام الدين يفرق لأن السبب
لا يستلزم قيام الدين. وقال محمد في الشهادة على قيام المال لا يحنث لاحتمال
صدقه خلافا لأبي يوسف، كذا في شرح الوهبانية للشرنبلالي وقد تقدم.
(ويغلظ
بذكر أوصافه تعالى) وقيده بعضهم بفاسق ومال خطير (والاختيار) فيه و (في
صفته إلى القاضي) ويجتنب العطف كي لا تتكرر اليمين (فلو حلف بالله ونكل عن
التغليظ لا يقضى عليه به) أي بالنكول لأن المقصود الحلف بالله وقد حصل
زيلعي.
(لا) يستحب التغليظ على المسلم (بزمان و) لا ب
(مكان) كذا في الحاوي، وظاهره أنه مباح.
(ويستحلف اليهودي
بالله الذي أنزل التوراة على موسى، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على
عيسى، والمجوسي بالله الذي خلق النار) فيغلظ على كل بمعتقده، فلو اكتفى بالله
كالمسلم كفى اختيار.
(والوثني بالله تعالى) لأنه يقر به وإن
عبد غيره، وجزم ابن الكمال بأن الدهرية لا يعتقدونه تعالى. قلت: وعليه
فبماذا يحلفون.
وبقي تحليف الأخرس أن يقول له القاضي عليك عهد
الله و ميثاقه إن كان كذا وكذا فإذا أومأ برأسه أي نعم صار حالفا، ولو أصم أيضا
كتب له ليجيب بخطه إن عرفه وإلا فبإشارته، ولو أعمى أيضا فأبوه أو وصيه أو من
نصبه القاضي شرح وهبانية.
(ولا يحلفون في بيوت عباداتهم)
لكراهة دخولها بحر.
(ويحلف القاضي) في دعوى سبب يرتفع (على
الحاصل) أي على صورة إنكار المنكر، وفسره بقوله (أي بالله ما بينكما نكاح
قائم و) ما بينكما (بيع قائم وما يجب عليك رده) لو قائما أو بدله لو
هالكا (وما هي بائن منك) وقوله (الآن) متعلق بالجميع مسكين (في دعوى
نكاح وبيع وغصب وطلاق) فيه لف ونشر لا على السبب أي بالله ما نكحت وما بعت
خلافا للثاني نظرا للمدعى عليه أيضا لاحتمال طلاقه وإقالته (إلا إذا لزم)
من الحلف على الحاصل (ترك النظر للمدعي فيحلف) بالإجماع (على السبب) أي
على صورة دعوى المدعي (كدعوى شفعة بالجوار ونفقة مبتوتة والخصم لا يراهما)
لكونه شافعيا لصدق حلفه على الحاصل في معتقده فيتضرر المدعي. قلت: ومفاده
أنه لا اعتبار بمذهب المدعى عليه، وأما مذهب المدعي ففيه خلاف، والأوجه أن
يسأله القاضي هل تعتقد وجوب شفعة الجوار أو لا، واعتمده المصنف.
(وكذا)
أي يحلف على السبب إجماعا (في سبب لا يرتفع) برافع بعد ثبوته (كعبد مسلم
يدعي) على مولاه (عتقه) لعدم تكرر رقه (و) أما (في الأمة) ولو
مسلمة (والعبد الكافر) فلتكرر رقهما باللحاق حلف مولاهما (على الحاصل)
والحاصل اعتبار الحاصل إلا لضرر مدع وسبب غير متكرر.
(وصح فداء
اليمين والصلح منه) لحديث: «ذبوا عن أعراضكم بأموالكم» وقال الشهيد:
الاحتراز عن اليمين الصادقة واجب. قال في البحر: أي ثابت بدليل جواز الحلف
صادقا.
(ولا يحلف) المنكر (بعده) أبدا لأنه أسقط حقه
(و) قيد بالفداء أو الصلح لأن المدعي (لو أسقطه) أي اليمين (قصدا بأن
قال برئت من الحلف أو تركته عليه أو وهبته لا يصح وله التحليف) بخلاف البراءة
عن المال لأن التحليف للحاكم بزازية، وكذا إذا اشترى يمينه لم يجز لعدم ركن
البيع درر..
[فرع في الاستخلاف]
استحلف خصمه
فقال حلفتني مرة، إن عند حاكم أو محكم وبرهن قبل وإلا فله تحليفه درر. قلت:
ولم أر ما لو قال: إني قد حلفت بالطلاق إني لا أحلف فيحرر.
باب
التحالف
لما قدم يمين الواحد ذكر يمين الاثنين (اختلفا) أي
المتبايعان (في قدر ثمن) أو وصفه أو جنسه (أو) في قدر (مبيع حكم لمن
برهن) لأنه نور دعواه بالحجة (وإن برهن فلمثبت الزيادة) إذ البينات
للإثبات (وإن اختلفا فيهما) أي الثمن والمبيع جميعا (قدم برهان البائع
لو) الاختلاف (في الثمن وبرهان المشتري لو في المبيع) نظرا لإثبات
الزيادة (وإن عجزا) في الصور الثلاث عن البينة، فإن رضي كل بمقالة الآخر
فيها (و) إن (لم يرض واحد منهما بدعوى الآخر تحالفا) ما لم يكن فيه
خيار فيفسخ من له الخيار (وبدئ ب) يمين (المشتري) لأنه البادئ
بالإنكار، وهذا (لو) كان (بيع عين بدين وإلا) بأن كان مقايضة أو صرفا
(فهو مخير) وقيل يقرع ابن ملك، ويقتصر على النفي في الأصح.
(وفسخ
القاضي البيع بطلب أحدهما) أو بطلبها، ولا ينفسخ بالتحالف ولا بفسخ أحدهما بل
بفسخهما بحر.
(ومن نكل) منهما (لزمه دعوى الآخر) بالقضاء،
وأصله قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها
تحالفا وترادا»: وهذا كله لو الاختلاف في البدل مقصودا، فلو في ضمن شيء
كاختلافهما في الزق فالقول للمشتري في أنه الزق ولا تحالف، كما لو اختلفا في
وصف المبيع كقوله اشتريته على أنه كاتب أو خباز وقال البائع لم أشترط فالقول
للبائع ولا تحالف ظهيرية (و) قيد باختلافهما في ثمن ومبيع لأنه (لا تحالف
في غيرهما) لأنه لا يختل به قوام العقد نحو (أجل وشرط) رهن أو خيار أو
ضمان (وقبض بعض ثمن والقول للمنكر) بيمينه. وقال زفر والشافعي:
يتحالفان.
(ولا) تحالف إذا اختلفا (بعد هلاك المبيع) أو
خروجه عن ملكه أو تعيبه بما لا يرد به (وحلف المشتري) إلا إذا استهلكه في
يد البائع غير المشتري. وقال محمد والشافعي: يتحالفان ويفسخ على قيمة
الهالك وهذا لو الثمن دينا، فلو مقابضة تحالفا إجماعا لأن المبيع كل منهما ويرد
مثل الهالك أو قيمته، كما لو اختلفا في جنس الثمن بعد هلاك السلعة بأن قال
أحدهما دراهم والآخر دنانير تحالفا ولزم المشتري رد القيمة سراج.
(ولا)
تحالف (بعد هلاك بعضه) أو خروجه عن ملكه كعبدين مات أحدهما عند المشتري بعد
قبضهما ثم اختلفا في قدر الثمن لم يتحالفا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
(إلا أن يرضى البائع بترك حصة الهالك) أصلا فحينئذ يتحالفان، هذا على تخريج
الجمهور، وصرف مشايخ بلخ الاستثناء إلى يمين المشتري (ولا في) قدر (بدل
كتابة) لعدم لزومها (و) قدر (رأس مال بعد إقالة) عقد (السلم) بل
القول للعبد والمسلم إليه ولا يعود السلم.
(وإن اختلفا) أي
المتعاقدان (في مقدار الثمن بعد الإقالة) ولا بينة (تحالفا) وعاد البيع
(لو كان كل من المبيع والثمن مقبوضا ولم يرده المشتري إلى بائعه) بحكم
الإقالة (فإن رده إليه بحكم الإقالة) لا تحالف خلافا لمحمد.
(وإن
اختلفا) أي الزوجان (في) قدر (المهر) أو جنسه (قضي لمن أقام
البرهان، وإن برهنا فللمرأة إذا كان مهر المثل شاهدا للزوج) بأن كان كمقالته
أو أقل (وإن كان شاهدا لها) بأن كان كمقالتها أو أكثر (فبينته أولى)
لإثباتها خلاف الظاهر (وإن كان غير شاهد لكل منهما) بأن كان بينهما
(فالتهاتر) للاستواء (ويجب مهر المثل) على الصحيح (وإن عجزا) عن
البرهان (تحالفا ولم يفسخ النكاح) لتبعية المهر بخلاف البيع (ويبدأ
بيمينه) لأن أول التسليمين عليه فيكون أول اليمينين عليه ظهيرية (ويحكم)
بالتشديد أي يجعل (مهر مثلها) حكما لسقوط اعتبار التسمية بالتحالف (فيقضى
بقوله لو كان كمقالته أو أقل، وبقولها لو كمقالتها أو أكثر، وبه لو بينهما)
أي بين ما تدعيه ويدعيه.
(ولو اختلفا) أي المؤجر والمستأجر
(في) بدل (الإجارة) أو في قدر المدة (قبل الاستيفاء) للمنفعة
(تحالفا) وترادا وبدئ بيمين المستأجر لو اختلفا في البدل والمؤجر لو في
المدة وإن برهنا فالبينة للمؤجر في البدل وللمستأجر في المدة (وبعده لا
والقول للمستأجر) لأنه منكر للزيادة (ولو) اختلفا (بعد التمكن من
استيفاء البعض) من المنفعة (تحالفا وفسخ العقد في الباقي والقول في الماضي
للمستأجر) لانعقادها ساعة فساعة فكل جزء كعقد بخلاف البيع.
(وإن
اختلف الزوجان) ولو مملوكين أو مكاتبين أو صغيرين والصغير يجامع أو ذمية مع
مسلم قام النكاح أولا في بيت لهما أو لأحدهما خزانة الأكمل لأن العبرة لليد لا
للملك (في متاع) هو هنا ما كان في (البيت) ولو ذهبا أو فضة فا (لقول
لكل واحد منهما فيما صلح له مع يمينه) إلا إذا كان كل منهما يفعل أو يبيع ما
يصلح للآخر فالقول له تعارض الظاهرين درر وغيرها (والقول له في الصالح
لهما) لأنها وما في يدها في يده والقول لذي اليد بخلاف ما يختص بها لأن
ظاهرها أظهر من ظاهره وهو يد الاستعمال (ولو أقاما بينة يقضى ببينتها)
لأنها خارجة خانية والبيت للزوج إلا أن يكون لها بينة بحر. وهذا لو
حيين.
(وإن مات أحدهما واختلف وارثه مع الحي في المشكل)
الصالح لهما (فالقول) فيه (للحي) ولو رقيقا وقال الشافعي ومالك: الكل
بينهما وقال ابن أبي ليلى: الكل له وقال الحسن البصري الكل لها وهي المسبعة
وقال في الخانية تسعة أقوال (ولو أحدهما مملوكا) ولو مأذونا أو مكاتبا
وقالا والشافعي هما كالحر (فالقول للحر في الحياة وللحي في الموت) لأن يد
الحر أقوى ولا يد للميت.
(أعتقت الأمة) أو المكاتبة والمدبرة
(واختارت نفسها فما في البيت قبل العتق فهو للرجل، وما بعده قبل أن تختار
نفسها فهو على ما وصفناه في الطلاق) بحر وفيه: طلقها ومضت العدة فالمشكل
للزوج ولورثته بعده لأنها صارت أجنبية لا يد لها ولما ذكرنا أن المشكل للزوج في
الطلاق فكذا لوارثه. أما لو مات وهي في العدة فالمشكل لها فكأنه لم يطلقها
بدليل إرثها.
ولو اختلف المؤجر والمستأجر في متاع البيت فالقول
للمستأجر بيمينه وليس للمؤجر إلا ما عليه من ثياب بدنه.
ولو اختلف
إسكافي وعطار في آلات الأساكفة وآلات العطارين، وهي في أيديهما فهي بينهما بلا
نظر لما يصلح منهما وتمامه في السراج..
(رجل معروف بالفقر
والحاجة صار بيده غلام وعلى عنقه بدرة وذلك بداره فادعاه رجل عرف باليسار
وادعاه صاحب الدار فهو للمعروف باليسار.).
(وكذا كناس في
منزل رجل وعلى عنقه قطيفة يقول) الذي على عنقه (هي لي وادعاها صاحب المنزل
فهي لصاحب المنزل).
(رجلان في سفينة بها دقيق فادعى كل واحد
السفينة وما فيها وأحدهما يعرف ببيع الدقيق والآخر يعرف بأنه ملاح فالدقيق للذي
يعرف ببيعه والسفينة لمن يعرف بأنه ملاح) عملا بالظاهر ولو فيها راكب وآخر
ممسك وآخر يجذب وآخر يمدها وكلهم يدعونها فهي بين الثلاثة أثلاثا ولا شيء
للماد..
رجل يقود قطار إبل وآخر راكب أن على الكل متاع الراكب
فكلها له والقائد أجيره وأن لا شيء عليها فللراكب ما هو راكبه والباقي للقائد
بخلاف البقر والغنم في خزانة الأكمل.
فصل في دفع الدعاوى
لما
قدم من يكون خصما ذكر من لا يكون (قال ذو اليد هذا الشيء) المدعى به منقولا
كان أو عقارا (أودعنيه أو أعارنيه أو آجرنيه أو رهنيه زيد الغائب أو غصبته
منه) من الغائب (وبرهن عليه) على ما ذكر والعين قائمة لا هالكة وقال
الشهود نعرفه باسمه ونسبه أو بوجهه. وشرط محمد معرفته بوجهه أيضا فلو حلف لا
يعرف فلانا وهو لا يعرفه إلا بوجهه لا يحنث ذكره الزيلعي وفي الشرنبلالية عن خط
العلامة المقدسي عن البزازية أن تعويل الأئمة على قول محمد ا هـ فليحفظ.
(دفعت خصومة المدعي) للملك المطلق لأن يد هؤلاء ليست يد خصومة وقال أبو
يوسف: إن عرف ذو اليد بالحيل لا تندفع وبه يؤخذ ملتقى واختاره في المختار
وهذه مخمسة كتاب الدعوى، لأن فيها أقوال خمسة علماء كما بسط في الدرر أو لأن
صورها خمس عيني وغيره. قلت: وفيه نظر إذ الحكم كذلك لو قال وكلني صاحبه
بحفظه، أو أسكنني فيها زيد الغائب أو سرقته منه أو انتزعته منه أو ضل منه
فوجدته بحر أو هي في يدي مزارعة بزازية فالصور إحدى عشرة. قلت: لكن ألحق في
البزازية المزارعة بالإجارة أو الوديعة قال فلا يزاد على الخمس وقد حررته في
شرح الملتقى.
(وإن) كان هالكا أو قال الشهود أودعه من لا
نعرفه أو أقر ذو اليد بيد الخصومة كأن (قال) ذو اليد (اشتريته) أو
اتهبته (من الغائب أو) لم يدع الملك المطلق بل ادعى عليه الفعل بأن (قال
المدعي غصبته) مني (أو) قال (سرق مني) وبناه للمفعول للستر عليه
فكأنه قال سرقته مني بخلاف غصب مني أو غصبه مني فلان الغائب كما سيجيء حيث
تندفع وهل تندفع بالمصدر الصحيح لا بزازية (وقال ذو اليد) في الدفع
(أودعنيه فلان وبرهن عليه) لا تندفع في الكل لما قلنا.
(قال
في غير مجلس الحكم إنه ملكي ثم قال في مجلسه إنه وديعة عندي) أو رهن (من
فلان تندفع مع البرهان على ما ذكر ولو برهن المدعي على مقالته الأولى يجعله
خصما ويحكم عليه) لسبق إقرار يمنع الدفع بزازية.
(وإن قال
المدعي اشتريته من فلان) الغائب (وقال ذو اليد أودعنيه فلان ذلك) أي
بنفسه فلو بوكيله لم تندفع بلا بينة (دفعت الخصومة وإن لم يبرهن) لتوافقهما
أن أصل الملك للغائب إلا إذا قال اشتريته ووكلني بقبضه وبرهن ولو صدقه في
الشراء لم يؤمر بالتسليم لئلا يكون قضاء على الغائب بإقراره وهي عجيبة ثم
اقتصار الدرر وغيرها على دعوى الشراء قيد اتفاقي.
فلذا قال:
(ولو ادعى أنه له غصبه منه فلان الغائب وبرهن عليه وزعم ذو اليد أن هذا
الغائب أودعه عنده اندفعت) لتوافقهما أن اليد لذلك الرجل (ولو كان مكان
دعوى الغصب دعوى سرقة لا) تندفع يزعم ذي اليد إيداع ذلك الغائب استحسانا
بزازية وفي شرح الوهبانية للشرنبلالي لو اتفقا على الملك لزيد وكل يدعي الإجارة
منه لم يكن الثاني خصما للأول على الصحيح ولا لمدعي رهن أو شراء أما المشتري
فخصم للكل.
[فروع]
قال المدعى عليه لي دفع يمهل
إلى المجلس الثاني صغرى.
للمدعي تحليف المدعي الإيداع على البتات
درر وله تحليف المدعي على العلم وتمامه في البزازية.
وكل بنقل
أمته فبرهنت أنه أعتقها قبل للدفع لا للعتق ما لم يحضر المولى ابن ملك.
باب
دعوى الرجلين
(تقدم حجة خارج في ملك مطلق) أي لم يذكر له سبب
كما مر (على حجة ذي اليد وإن وقت أحدهما فقط) وقال أبو يوسف: ذو الوقت
أحق وثمرته فيما لو (قال) في دعواه (هذا العبد لي غاب منذ شهر وقال ذو
اليد لي منذ سنة قضي للمدعي) لأن ما ذكره تاريخ غيبة لا ملك فلم يوجد التاريخ
من الطرفين فقضي ببينة الخارج - وقال أبو يوسف: يقضى للمؤرخ ولو حالة
الانفراد. وينبغي أن يفتى بقوله لأنه أوفق وأظهر كذا في جامع الفصولين وأقره
المصنف
(ولو برهن خارجان على شيء قضي به لهما فإن برهنا في)
دعوى (نكاح سقطا) لتعذر الجمع لو حية ولو ميتة قضي به بينهما وعلى كل نصف
المهر ويرثان ميراث زوج واحد ولو ولدت يثبت النسب منهما وتمامه في الخلاصة
(وهي لمن صدقته إذا لم تكن في يد من كذبته ولم يكن دخل) من كذبته (بها)
هذا إذا لم يؤرخا (فإن أرخا فالسابق أحق بها) فلو أرخ أحدهما فهي لمن صدقته
أو لذي اليد بزازية. قلت: وعلى ما مر عن الثاني ينبغي اعتبار تاريخ أحدهما،
ولم أر من نبه على هذا فتأمل (وإن أقرت لمن لا حجة له فهي له، وإن برهن الآخر
قضي له ولو برهن أحدهما وقضي له ثم برهن الآخر لم يقض له إلا إذا ثبت سبقه)
لأن البرهان مع التاريخ أقوى منه بدونه (كما لم يقض ببرهان خارج على ذي يد
ظهر نكاحه إلا إذا ثبت سبقه) أي أن نكاحه أسبق.
(وإن) ذكرا
سبب الملك بأن (برهنا على شراء شيء من ذي يد، فلكل نصفه بنصف الثمن) إن شاء
(أو تركه) إنما خير لتفريق الصفقة عليه (وإن ترك أحدهما بعدما قضي لهما
لم يأخذ الآخر كله) لانفساخه بالقضاء فلو قبله فله، (وهو) أي ما ادعيا
شراءه (للسابق) تاريخا (إن أرخا) فيرد البائع ما قبضه من الآخر إليه
سراج (و) هو (لذي يد إن لم يؤرخا أو أرخ أحدهما) واستوى تاريخهما
(و) هو لذي وقت إن وقت أحدهما (فقط و) الحال أنه (لا يد لهما) وإن
لم يوقتا فقد مر أن لكل نصفه بنصف الثمن (والشراء أحق من هبة وصدقة) ورهن
ولو مع قبض وهذا (إن لم يؤرخا فلو أرخا واتحد المملك فالأسبق أحق) لقوته
(ولو أرخت إحداهما فقط فالمؤرخة أولى)، ولو اختلف المملك استويا وهذا فيما
لا يقسم اتفاقا واختلف التصحيح فيما يقسم كالدار والأصح أن الكل لمدعي الشراء
لأن الاستحقاق من قبيل الشيوع المقارن لا الطارئ هبة الدرر (والشراء والمهر
سواء) فينصف وترجع هي بنصف القيمة وهو بنصف الثمن أو يفسخ لما مر (هذا إذا
لم يؤرخا أو أرخا واستوى تاريخهما فإن سبق تاريخ أحدهما كان أحق) قيد بالشراء
لأن النكاح أحق من هبة أو رهن أو صدقة عمادية. والمراد من النكاح: المهر
كما حرره في البحر مغلطا للجامع. نعم يستوي النكاح والشراء لو تنازعا في
الأمة من رجل واحد ولا مرجح فتكون ملكا له منكوحة للآخر فتدبر.
(ورهن
مع قبض أحق من هبة بلا عوض معه) استحسانا ولو به فهي أحق لأنها بيع انتهاء،
والبيع، ولو بوجه أقوى من الرهن ولو العين معهما استويا ما لم يؤرخا وأحدهما
أسبق.
(وإن برهن خارجان على ملك مؤرخ أو شراء مؤرخ من واحد)
غير ذي يد (أو) برهن (خارج على ملك مؤرخ وذو يد على ملك مؤرخ أقدم
فالسابق أحق وإن برهنا على شراء متفق تاريخهما) أو مختلف عيني (وكل يدعي
الشراء - من) رجل (آخر أو وقت أحدهما فقط استويا) إن تعدد البائع، وإن
اتحد فذو الوقت أحق ثم لا بد من ذكر المدعي وشهوده ما يفيد ملك بائعه إن لم يكن
المبيع في يد البائع ولو شهد بيده فقولان بزازية (فإن برهن خارج على الملك
وذو اليد على الشراء منه، أو برهنا على سبب ملك لا يتكرر كالنتاج) وما في
معناه كنسج لا يعاد وغزل قطن (وحلب لبن وجز صوف) ونحوها ولو عند بائعه درر
(فذو اليد أحق) من الخارج إجماعا إلا إذا ادعى الخارج عليه فعلا كغصب أو
وديعة أو إجارة ونحوها في رواية درر أو كان سببا يتكرر كبناء وغرس - ونسج خز
وزرع بر ونحوه أو أشكل على أهل الخبرة فهو للخارج؛ لأنه الأصل وإنما عدلنا عنه
بحديث النتاج
(وإن برهن كل) من الخارجين أو ذوي الأيدي أو
الخارج وذي اليد عيني (على الشراء من الآخر بلا وقت سقطا وترك المال)
المدعى به (في يد من معه) وقال محمد: يقضى للخارج. قلنا: الإقدام على
الشراء إقرار منه بالملك له ولو أثبتا قبضا تهاترتا اتفاقا درر (ولا يرجح
بزيادة عدد الشهود) فإن الترجيح عندنا بقوة الدليل لا بكثرته، ثم فرع على هذا
الأصل بقوله (فلو أقام أحد المدعيين شاهدين والآخر أربعة فهما سواء) في ذلك
(وكذا لا ترجيح بزيادة العدالة) لأن المعتبر أصل العدالة؛ إذ لا حد
للأعدلية.
(دار في يد آخر ادعى رجل نصفها، وآخر كلها وبرهنا
فللأول ربعها والباقي للآخر بطريق المنازعة) وهو أن النصف سالم لمدعي الكل
بلا منازعة ثم استوت منازعتهما في النصف الآخر فينصف (وقالا الثلث له والباقي
للثاني بطريق العول) لأن في المسألة كلا ونصفا فالمسألة من اثنين وتعول إلى
الثلاثة: واعلم أن أنواع القسمة أربعة: ما يقسم بطريق العول إجماعا وهو
ثمان ميراث وديون ووصية - ومحاباة ودراهم مرسلة وسعاية وجناية رقيق. وبطريق
المنازعة إجماعا وهو مسألة الفضوليين. وبطريق المنازعة عنده والعول عندهما،
وهو ثلاث مسائل مسألة الكتاب وإذا أوصى لرجل بكل ماله أو بعبد بعينه ولآخر بنصف
ذلك. وبطريق العول عنده والمنازعة عندهما وهو خمس كما بسطه الزيلعي والعيني
وتمامه في البحر. والأصل عنده أن القسمة متى وجبت لحق ثابت في عين أو ذمة
شائعا فعولية أو مميزا أو لأحدهما شائعا وللآخر في الكل فمنازعة وعندهما متى
ثبتا معا على الشيوع فعولية وإلا فمنازعة فليحفظ. (ولو الدار في أيديهما
فهي للثاني) نصف لا بالقضاء ونصف به لأنه خارج ولو في يد ثلاثة وادعى أحدهم
كلها، وآخر نصفها وآخر ثلثها وبرهنوا قسمت عنده بالمنازعة، وعندهما بالعول
وبيانه في الكافي
(ولو برهنا على نتاج دابة) في أيديهما أو
أحدهما أو غيرهما (وأرخا قضي لمن وافق سنها تاريخه) بشهادة الظاهر (فلو
لم يؤرخا قضي بها لذي اليد ولهما أن في أيديهما أو في يد ثالث إن لم
يوافقهما) بأن خالف أو أشكل (فلهما إن كانت في أيديها أو كانا خارجين فإن
في يد أحدهما قضي بها له) هو الأصح. قلت: وهذا أولى مما وقع في الكنز
والدرر والملتقى فتبصر
(برهن أحد الخارجين على الغصب) من زيد
(والآخر على الوديعة) منه (استويا) لأنها بالجحد تصير غصبا (الناس
أحرار) بلا بيان (إلا في) أربع (الشهادة والحدود والقصاص والقتل) كذا
في نسخة المصنف وفي نسخة: والعقل، وعبارة الأشباه الدية
وحينئذ
(فلو ادعى على مجهول الحال) أحر أم لا (أنه عبده فأنكر وقال أنا حر
الأصل) (فالقول له) لتمسكه بالأصل (واللابس) للثوب (أحق من آخذ
الكم والراكب أحق من آخذ اللجام ومن في السرج من رديفه وذو حملها ممن علق
كوزه) بها لأنه أكثر تصرفا (والجالس على البساط والمتعلق به سواء)
كجالسيه وراكبي سرج (كمن معه ثوب وطرفه مع الآخر لا هدبته) أي طرته الغير
المنسوجة لأنها ليست بثوب (بخلاف جالسي دار تنازعا فيها) حيث لا يقضى لهما
لاحتمال أنها في يد غيرهما وهنا: علم أنه ليس في يد غيرهما عيني
(الحائط
لمن جذوعه عليه أو متصل به اتصال تربيع) بأن تتداخل أنصاف لبناته في لبنات
الآخر ولو من خشب فبأن تكون الخشبة مركبة في الأخرى لدلالته على أنهما بنيا معا
ولذا سمي بذلك لأنه حينئذ يبنى مربعا (لا لمن له) اتصال ملازقة أو نقب
وإدخال أو (هرادي) كقصب وطبق يوضع على الجذوع (بل) يكون (بين الجارين
لو تنازعا) ولا يخص به صاحب الهرادي بل صاحب الجذع والواحد أحق منه خانية ولو
لأحدهما جذوع وللآخر اتصال فلذي الاتصال وللآخر حق الوضع، وقيل لذي الجذوع
ملتقى وتمامه في العيني وغيره، وأما حق المطالبة برفع جذوع وضعت تعد فلا يسقط
بإبراء ولا صلح وعفو وبيع - وإجارة أشباه من أحكام الساقط لا يعود فليحفظ.
(وذو
بيت من دار) فيها بيوت كثيرة (كذي بيوت) منها (في حق ساحتها فهي بينهما
نصفين) كالطريق (بخلاف الشرب) إذا تنازعا فيه (فإنه يقدر بالأرض):
بقدر سقيها (برهنا) أي الخارجان (على يد) لكل منهما (في أرض قضي
بيدهما) فتنصف (ولو برهن عليه) أي على اليد (أحدهما أو كان تصرف
فيها) بأن لبن أو بنى (قضي بيده) لوجود تصرفه.
(ادعى
الملك في الحال وشهد الشهود أن هذا العين كان ملكه تقبل) لأن ما ثبت في زمان
يحكم ببقائه ما لم يوجد المزيل درر
(صبي يعبر عن نفسه) أي يعقل
ما يقول (قال أنا حر فالقول له) لأنه في يد نفسه كالبالغ (فإن قال أنا
عبد فلان) لغير ذي اليد (قضي به لذي اليد) كمن لا يعبر عن نفسه لإقراره
بعدم يده (فلو كبر وادعى الحرية تسمع مع البرهان) لما تقرر أن التناقض في
دعوى الحرية لا يمنع صحة الدعوى.
باب دعوى النسب
الدعوة نوعان دعوة استيلاد وهو أن يكون أصل العلوق
في ملك المدعي ودعوة تحرير وهو بخلافه والأولى أقوى لسبقه واستنادها لوقت
العلوق واقتصار دعوى التحرير على الحال وسيتضح (مبيعة ولدت لأقل من ستة أشهر
منذ بيعت فادعاه) البائع (ثبت نسبه) منه استحسانا لعلوقها في ملكه ومبنى
النسب على الثمن (و) لكن (إذا ادعاه المشتري قبله ثبت) نسبه (منه)
لوجود ملكه وأميتها بإقراره وقيل يحمل على أنه نكحها واستولدها ثم اشتراها
(ولو ادعاه معه) أي مع ادعاء البائع (أو بعده لا) لأن دعوته تحرير،
والبائع استيلاد فكان أقوى كما مر (وكذا) يثبت من البائع (لو ادعاه بعد
موت الأم بخلاف موت الولد) لفوات الأصل (ويأخذه) البائع بعد موت أمه
(ويسترد المشتري كل الثمن) وقالا حصته (وإعتاقهما) أي إعتاق المشتري
الأم والولد (كموتهما) في الحكم (والتدبير كالإعتاق) لأنه أيضا لا
يحتمل الإبطال ويرد حصته اتفاقا ملتقى وغيره وكذا حصتها أيضا على الصحيح من
مذهب الإمام كما في القهستاني والبرهان ونقله في الدرر والمنح عن الهداية على
خلاف ما في الكافي عن المبسوط وعبارة المواهب وإن ادعاه بعد عتقها أو موتها ثبت
منه، وعليه رد الثمن واكتفيا برد حصته وقيل: لا يرد حصتها في الإعتاق
بالاتفاق ا هـ فليحفظ. (ولو ولدت) الأمة المذكورة (لأكثر من حولين من
وقت البيع وصدقه المشتري ثبت النسب) بتصديقه (وهي أم ولده على المعنى
اللغوي - نكاحا) حملا لأمره على الصلاح. بقي لو ولدت فيما بين الأقل
والأكثر إن صدقه فحكمه كالأول لاحتمال العلوق قبل بيعه وإلا لا، ولو تنازعا
فالقول للمشتري اتفاقا وكذا البينة له عند الثاني خلافا للثالث شرنبلالية وشرح
مجمع، وفيه لو ولدت عند المشتري ولدين أحدهما لدون ستة أشهر والآخر لأكثر ثم
ادعى البائع الأول ثبت نسبهما بلا تصديق المشتري.
(باع من ولد
عنده وادعاه بعد بيع مشتريه ثبت نسبه) لكون العلوق في ملكه (ورد بيعه)
لأن البيع يحتمل النقض (وكذا) الحكم (لو كاتب الولد أو رهنه أو آجره أو
كاتب الأم أو رهنها أو آجرها أو زوجها ثم ادعاه) فيثبت نسبه وترد هذه
التصرفات بخلاف الإعتاق كما مر
(باع أحد التوأمين المولودين)
يعني علقا وولدا (عنده وأعتقه المشتري ثم ادعى البائع) الولد (الآخر ثبت
نسبهما وبطل عتق المشتري) بأمر فوقه وهو حرية الأصل لأنهما علقا في ملكه، حتى
لو اشتراها حبلى لم يبطل عتقه لأنها دعوة تحرير فتقتصر عيني وغيره وجزم به
المصنف ثم قال: وحيلة إسقاط دعوى البائع أن يقر البائع أنه ابن عبده فلان فلا
تصح دعواه أبدا مجتبى وقد أفاده بقوله (قال) عمرو (لصبي معه) أو مع
غيره عيني (هو ابن زيد) الغائب (ثم قال هو ابني لم يكن ابنه) أبدا
(وإن) وصلية (جحد زيد بنوته) خلافا لهما لأن النسب لا يحتمل النقض بعد
ثبوته حتى لو صدقه بعد تكذيبه صح، ولذا لو قال لصبي هذا الولد مني ثم قال ليس
مني لا يصح نفيه لأنه بعد الإقرار به لا ينتفي بالنفي فلا حاجة إلى الإقرار به
ثانيا ولا سهو في عبارة العمادي كما زعمه منلا خسرو كما أفاده الشرنبلالي وهذا
إذا صدقه الابن وأما بدونه فلا إلا إذا عاد الابن إلى التصديق لبقاء إقرار
الأب، ولو أنكر الأب الإقرار فبرهن عليه الابن قبل وأما الإقرار بأنه أخوه فلا
يقبل، لأنه إقرار على الغير.
[فروع]
لو قال لست
وارثه ثم ادعى أنه وارثه وبين جهة الإرث صح - إذ التناقض في النسب عفو ولو ادعى
بنوة العم لم يصح ما لم يذكر اسم الجد ولو برهن أنه أقر أني ابنه تقبل لثبوت
النسب بإقراره ولا تسمع إلا على خصم هو وارث أو دائن أو مديون أو موصى له ولو
أحضر رجلا ليدعي عليه حقا لأبيه وهو مقر به أولا فله إثبات نسبه بالبينة عند
القاضي بحضرة ذلك الرجل، ولو ادعى إرثا عن أبيه فلو أقر به أمر بالدفع إليه،
ولا يكون قضاء على الأب حتى لو جاء حيا يأخذه من الدافع، والدافع على الابن،
ولو أنكر قيل للابن برهن على موت أبيك وأنك وارثه، ولا يمين والصحيح تحليفه على
العلم بأنه ابن فلان وأنه مات ثم يكلف الابن بالبينة بذلك وتمامه في جامع
الفصولين من الفصل السابع والعشرين.
(ولو كان) الصبي (مع
مسلم وكافر فقال المسلم: هو عبدي، وقال الكافر: هو ابني فهو حر ابن
الكافر) لنيله الحرية حالا والإسلام مآلا لكن جزم ابن الكمال بأنه يكون مسلما
لأن حكمه حكم دار الإسلام، وعزاه للتحفة فليحفظ.
(قال زوج امرأة
لصبي معهما هو ابني من غيرها وقالت هو ابني من غيره فهو ابنهما) إن ادعيا معا
وإلا ففيه تفصيل ابن كمال وهذا (لو غير معبر وإلا) بأن كان معبرا (فهو
لمن صدقه) لأن قيام أيديهما وفراشهما يفيد أنه منهما (ولو) ولدت أمة
اشتراها فاستحقت غرم الأب قيمة الولد يوم الخصومة لأنه يوم المنع (وهو حر)
لأنه مغرور والمغرور من يطأ امرأة معتمدا على ملك يمين أو نكاح فتلد منه ثم
تستحق فلذا قال (وكذا) الحكم (لو ملكها بسبب آخر) أي سبب كان عيني
(كما لو تزوجها على أنها حرة فولدت له ثم استحقت) غرم قيمة ولده (فإن مات
الولد قبل الخصومة فلا شيء على أبيه) لعدم المنع كما مر (وإرثه له) لأنه
حر الأصل في حقه فيرثه (فإن قتله أبوه أو غيره) وقبض الأب من ديته قدر
قيمته (غرم الأب قيمته) للمستحق كما لو كان حيا، ولو لم يقبض شيئا لا شيء
عليه وإن قبض أقل لزمه بقدره عيني (ورجع بها) أي بالقيمة في الصورتين
(ك) ما يرجع ب (ثمنها) ولو هالكة (على بائعها) وكذا لو استولدها
المشتري الثاني لكن إنما يرجع المشتري الأول على البائع الأول بالثمن فقط كما
في المواهب وغيرها (لا بعقرها) الذي أخذه منه المستحق للزومه باستيفاء
منافعها كما مر في بابي المرابحة والاستحقاق مع مسائل التناقض، وغالبها مر في
متفرقات القضاء، ويجيء في الإقرار.
[فروع في التناقض في موضع
الخفاء]
التناقض في موضع الخفاء عفو. لا تسمع الدعوى على غريم
ميت إلا إذا وهب جميع ماله لأجنبي، وسلمه له فإنها تسمع عليه لكونه زائدا. لا
يجوز للمدعى عليه الإنكار مع علمه بالحق إلا في دعوى العيب ليبرهن فيتمكن من
الرد وفي الوصي إذا علم بالدين. لا تحليف مع البرهان إلا في ثلاث: دعوى دين
على ميت، واستحقاق مبيع ودعوى آبق.
الإقرار لا يجامع البينة إلا
في أربع: وكالة ووصاية وإثبات دين على ميت واستحقاق عين من مشتر ودعوى
الأبق.
لا تحليف على حق مجهول إلا في ست: إذا اتهم القاضي وصي
يتيم ومتولي وقف وفي رهن مجهول ودعوى سرقة وغصب وخيانة مودع لا يحلف المدعي إذا
حلف المدعى عليه إلا في مسألة في دعوى البحر قال: وهي غريبة يجب حفظها
أشباه. قلت: وهي ما لو قال المغصوب منه كانت قيمة ثوبي مائة وقال الغاصب لم
أدر ولكنها لا تبلغ مائة صدق بيمينه وألزم ببيانه فلو لم يبين يحلف على الزيادة
ثم يحلف المغصوب منه أيضا أن قيمته مائة ولو ظهر خير الغاصب بين أخذه أو قيمته
فليحفظ والله تعالى أعلم.