ا سم الكتاب الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها
اسم المؤلف: د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ
المهنة:أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة
الوفاة 8 أغسطس 2015 الموافق 23 شوال 1436 هـ
عدد الأجزاء: 10
التصنيف: الفقه المقارن
المحتويات
- المبحث الخامس ـ أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة
- المطلب الأول ـ زكاة النقود (الذهب والفضة والورق النقدي)
- أولا ـ نصابها والمقدار الواجب فيها
- سعر الصرف
- دفع الزكاة للجمعيات
- مقدار الزكاة
- ثانيا ـ ما نقص عن النصاب وما زاد عليه
- ثالثا ـ حكم المغشوش أو المخلوط بغيره
- رابعا ـ زكاة الحلي
- خامسا ـ زكاة الدين
- الحنفية
- المالكية
- الشافعية
- الحنابلة
- سادسا ـ زكاة الأوراق النقدية
- السندات
- الأسهم
- سابعا ـ تفصيل آراء العلماء في زكاة الأسهم في الشركات
- سبب وجود التعامل بالأسهم والسندات
- الأسهم تتصف بالخصائص التالية
- السندات
- الفارق الأساسي بين السهم والسند
- التعامل بالأوراق المالية التجارية
- زكاة السندات
- زكاة أسهم الشركات
- آراء العلماء المعاصرين في زكاة الأسهم
- ١ - رأي الشيخ عبد الرحمن عيسى
- ٢ - رأي الأساتذة عبد الوهاب خلاف وعبد الرحمن حسن ومحمد أبو زهرة
- ٣ - فتوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني
- مع تأييدي لهذه الفتوى في الجملة، فإني أعارضها في الأمور التالية
- المقدار الواجب إخراجه في زكاة الأسهم
- من تجب عليه زكاة الأسهم
- المطلب الثاني ـ زكاة المعادن والركاز
- ١ - مذهب الحنفية
- المعادن ثلاثة أنواع
- المعدن
- الكنز أو الركاز
- ٢ - مذهب المالكية
- ملكية المعادن
- الواجب في المعدن
- الركاز أوالكنز
- ملكيته
- زكاته
- الركاز
- ٣ - مذهب الشافعية
- المعدن
- المعدن
- ٤ - مذهب الحنابلة
- ملكيته
- صفة المعدن الذي تجب فيه الزكاة
- قدر الواجب وصفته
- نصاب المعادن
- وقت الوجوب
- شروط إخراج الزكاة في المعادن
- معادن البحر
- الركاز
- صفة الركاز الذي فيه الخمس
- قدر الواجب في الركاز ومصرفه
- من يجب عليه الخمس
- المطلب الثالث ـ زكاة عروض التجارة
- أولا ـ معنى عروض التجارة
- ثانيا ـ شروط زكاة العروض التجارية
- بلوغ النصاب
- حولان الحول
- نية التجارة حال الشراء
- ملك العروض بمعاوضة
- ألا يقصد بالمال القنية
- ألا يصير جميع مال التجارة في أثناء الحول نقدا وهو أقل من النصاب
- ألا تتعلق الزكاة بعين العرض
- ثالثا ـ تقويم العروض ومقدار الواجب في هذه الزكاة وطريقة التقويم
- هل يجوز إخراج الزكاة من عروض التجارة؟
- رابعا ـ حكم ضم الربح والنماء ومال غير التجارة إلى أصل المال
- خامسا ـ كيفية زكاة التجارة عند المالكية
- أـ أما المحتكر
- ب ـ وأما المدير
- سادسا ـ زكاة شركة المضاربة
- المطلب الرابع ـ زكاة الزروع والثمار (أو زكاة النبات أو الخارج من الأرض)
- أولا ـ فرضية زكاة الزروع والثمار وسبب الفرضية
- سبب فرضية هذه الزكاة
- ثانيا ـ شروط زكاة الزروع والثمار
- الحنفية
- المالكية
- الشافعية
- الحنابلة
- ثالثا ـ ما تجب فيه الزكاة
- الرأي الأول ـ لأبي حنيفة
- الرأي الثاني ـ للصاحبين وجمهور الفقهاء
- الصاحبان من الحنفية
- المالكية
- الشافعية
- الحنابلة
- زكاة العسل
- رابعا ـ النصاب الذي يبدأ به زكاة الزرع والثمر
- قال أبو حنيفة
- قال الصاحبان وجمهور الفقهاء
- خامسا ـ مقدار الواجب وصفته
- هل تحسم النفقات التي تصرف على المزروعات؟
- سادسا ـ وقت الوجوب
- سابعا ـ ما يضم بعضه إلى بعض
- ثامنا ـ زكاة الثمار الموقوفة
- قال الحنفية
- قال المالكية
- قال الشافعية
- فصل الحنابلة
- تاسعا ـ زكاة الأرض المستأجرة
- أبو حنيفة
- الجمهور
- عاشرا ـ زكاة الأرض الخراجية
- العشرية
- الخراجية
- رأي الحنفية
- الجمهور
- نوعا الخراج
- خراج الوظيفة
- خراج المقاسمة
- زكاة الأرض الخراجية
- ١ - قال الحنفية
- ٢ - وقال الأئمة الثلاثة
- الأدلة
- استدل الحنفية
- استدل الجمهور
- أحد عشر ـ العاشر
- العاشر
- اثنا عشر ـ إخراج الزكاة وإسقاطها
- الأول ـ ركن الإخراج
- الثاني ـ كيفية الإخراج
- الثالث ـ وقت إخراج الزكاة
- الرابع - تقدير الواجب في الثمار ب الخرص
- الخرص
- ترك الثلث أو الربع
- الاكتفاء بخارص واحد
- شروط الخارص
- صفة الخرص
- الخامس ـ ما تسقط به زكاة النبات
- المطلب الخامس ـ زكاة الحيوان أو الأنعام
- أولا ـ مشروعية زكاة الحيوان
- ثانيا ـ شروط وجوب زكاة الحيوان
- ثالثا ـ أنواع الأنعام التي تجب فيها الزكاة ونصاب كل نوع منها
- زكاة الإبل
- حالة مصادفة الفرضين
- الجبران حالة فقد أحد الفروض
- زكاة البقر
- العفو
- زكاة الغنم
- زكاة الخيل والبغال والحمير
- رابعا ـ زكاة الخليطين في الماشية وغيرها
- الحنفية
- الجمهور
- المالكية
- الشافعية والحنابلة
- ما يأخذه الساعي من مال الشركة (الخلطة) والتراجع فيما بينهم بالحصص
- خامسا ـ أحكام متفرقة في زكاة الحيوان
- ١ - هل تجب الزكاة في العين أو في الذمة؟
- ٢ - دفع القيمة في الزكاة
- ٣ - ضم أنواع الأجناس إلى بعضها
- ٤ - كون الفرع أو النتاج يتبع الأصل في الزكاة
- زكاة الصغار
- ٥ - الحيوان المستفاد في أثناء الحول
- ٦ - الزكاة في النصاب دون العفو (الأوقاص)
- ٧ - ما يأخذه الساعي
- الحنفية
- المالكية
- الشافعية
- الحنابلة
- العودة إليي الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي
المبحث الخامس - أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة:
تجب الزكاة في أنواع خمسة من المال وهي:
النقود، والمعادن والركاز، وعروض التجارة، والزروع والثمار، والأنعام وهي الإبل والبقر والغنم. وأوجب أبو حنيفة خلافًا لصاحبيه الزكاة في الخيل والمفتى به هو رأيهما، وبحثها في المطالب الستة الآتية:
المطلب الأول - زكاة النقود (الذهب والفضة والورق النقدي):
اتفق الفقهاء (٢) على وجوب الزكاة في النقود سواء أكانت سبائك أم مضروبة أم آنية، أم كانت حليًا عند الحنفية، للأدلة السابقة من الكتاب والسنة والإجماع في وجوب الزكاة مطلقًا، ونبحث هنا ما يأتي:
(١) بداية المجتهد: ٢٤٠/ ١.
(٢) فتح القدير: ٥١٩/ ١ - ٥٢٥، الدر المختار: ٣٨/ ٢ - ٤٦، اللباب: ١٤٨/ ١ ومابعدها، الشرح الصغير: ٦٢٠/ ١، القوانين الفقهية: ص١٠٠، مغني المحتاج: ٣٨٩/ ١ ومابعدها، المهذب: ١٥٧/ ١ ومابعدها، المغني: ١/ ٣ - ١٦، كشاف القناع: ٢٦٦/ ٢ - ٢٧٥، شرح الرسالة: ٣٢٢/ ١ ومابعدها.
أولًا - نصابها والمقدار الواجب فيها: نصاب الذهب: عشرون مثقالًا (١) أو دينارًا (٢)، كانت تعادل أربع عشرة ليرة ذهبية عثمانية تقريبًا، أو خمس عشرة ليرة ذهبية افرنسية، واثنتي عشرة ليرة إنكليزية (٣) وتساوي بالمثقال العراقي مئة غرام تقريبًا وبالمثقال العجمي ستة وتسعين غرامًا، وعند الجمهور ٩١ و٢٥/ ٢٣ غرامًا.
والفرق بين نوعي المثقال (٢،٠) إذ المثقال العجمي (٨،٤ غم) والمثقال العراقي (٥ غرامات)، ولنعتمد على الأقل من باب الاحتياط، وهو التقدير بـ ٨٥ غرامًا باعتبار الدرهم العربي (٢.٩٧٥ غم) وهو الأولى.
ونصاب الفضة: مئتا درهم تساوي عند الحنفية (٧٠٠) غرامًا تقريبًا، وعند الجمهور (٦٤٢) غرامًا تقريبًا (٤)، والأدق (٥٩٥ غم).
ويضم عند الجمهور (غير الشافعية) أحد النقدين إلى الآخر في تكميل النصاب، فيضم الذهب إلى الفضة وبالعكس بالقيمة، فمن له مئة درهم وخمسة مثاقيل قيمتها مئة، عليه زكاتها؛ لأن مقاصدها وزكاتهما متفقة، فهما كنوعي الجنس الواحد.
وقال الشافعية: لا يضم أحدهما إلى الآخر كالإبل والبقر، وإنما يكمل النوع
(١) المثقال عند الحنفية يساوي خمسة غرامات، وحدده بنك فيصل الإسلامي في السودان بـ ٤٥٧،٤ غم، وهو الوسط المعقول، أو ٢٥،٤ غم.
(٢) يلاحظ أن الدينار عند الحنابلة أصغر من المثقال فيكون النصاب:
ــ + ــ ٢٥ دينار.
(٣) الليرة الإنكليزية:٥٠،٢ درهم، والليرة العثمانية ٢٥،٢ درهم، والليرة الافرنسية ٢ درهم.
(٤) كانت المئتا درهم وزن سبعة مثاقيل، والدينار عشرون قيراطًا، والقيراط خمس شعيرات، فيكون الدرهم الشرعي سبعين شعيرة والمثقال مئة شعيرة، وهناك مطابقة بين المثقال والدينار، والدرهم الشرعي عند الحنفية (٥٠،٣ غم) وعند الجمهور (٢٠٨،٣ غم) والدرهم العربي (٩٧٥،٢ غم).
بالنوع من الجنس الواحد وإن اختلفا جودة ورداءة، والرأي الأول هو الواجب الاتباع اليوم في العملات الورقية، وضم نوع منها إلى آخر أصبح ضروريًا ومتعينًا.
سعر الصرف: يجب تقدير نصاب الزكاة في كل زمان بحسب القوة الشرائية للنقد المعاصر، وبحسب سعر الصرف لكل من الذهب والفضة في كل سنة وفي بلد المزكي وقت إخراج الزكاة، فقد أصبح متقلبًا غير ثابت دائمًا، والشرع حدد مبلغين متعادلين: إما عشرون دينارًا (مثقالًا) أو مئتا درهم، وكانا شيئًا واحدًا ولهما سعر واحد.
ويجب أيضًا اعتبار النصاب الحالي كما كان هو المقرر في أصل الشرع، دون النظر إلى تفاوت السعر القائم الآن بين الذهب والفضة. وتقدر الأوراق النقدية في الأرجح دليلًا بسعر الذهب؛ لأنه هو الأصل في التعامل، ولأن غطاء النقود هو بالذهب، ولأن المثقال كان في زمن النبي ﷺ وعند أهل مكة هو أساس العملة (١)، وهو أساس تقدير الديات. ويسأل الصراف عن سعر الذهب بالعملة المحلية الرائجة في كل بلد، مثلًا يعادل الجنية المصري ذهبًا في وقت من الأوقات (٢.٥٥٨٧) غم، ويساوي غرام الذهب في سوريا الآن حوالي ٥٠٠ ليرة سورية (٢). أما غرام الفضة فيساوي الآن حوالي عشر ليرات سورية. ويرى كثير من علماء العصر أن النقود تقدر بسعر الفضة احتياطًا لمصلحة الفقراء، ولأن ذلك أنفع لهم. وأرى الأخذ بهذا الرأي؛ لأنه يفتى بما هو أنفع للفقراء.
وينبغي لفت النظر إلى أن دفع الزكاة للجمعيات يجب إيصالها بأعيانها
(١) الخراج في الدولة الإسلامية للدكتور ضياء الدين الريس: ص ٣٤٤.
(٢) في أواسط عام ١٩٩٣ م.
للمستحقين، ولا يجوز للقائمين على الجمعيات أن يشتروا بأموال الزكاة أغذية أو ألبسة ونحوها يقدمونها للفقراء، لأنهم لم يوكلوهم في هذا، كما لا يجوز لجمعيات المعاهد العلمية الشرعية شراء شيء كالكتب وغيرها من أموال الزكاة، وعلى إدارة الجمعيات أن يحصلوا على تفويض أو توكيل من طلاب العلم، بصرف أموال الزكاة على حوائجهم من طعام وشراب وكتب وأوراق ونحو ذلك، لأن تمليك الزكاة للمستحقين شرط أساسي، ثم يتصرف المستحق بما يحقق مصلحته. ولا يجوز لجمعية أن تقوم بنفسها ببناء مبان أو معامل من أموال الزكاة لصرف ريعها على المستحقين إذ لا وكالة لدى الجمعية من المستحقين في هذا. لكن يجوز للضرورة إيجاد مراكز صحية وتوزيع أدوية للفقراء مثلًا على ألا تأخذ صفة الوقف، حتى يجوز بيعها وتوزيع أثمانها للمستحقين.
مقدار الزكاة: المقدار الواجب في النقدين (الذهب والفضة) ربع العشر أي (٢.٥٠%) فإذا ملك الإنسان مئتي درهم، وحال عليها الحول، ففيها خمسة دراهم، وفي العشرين مثقالًا نصف دينار.
والدليل: هو أحاديث ثابتة، منها حديث علي عن النبي ﷺ قال: «إذا كانت لك مئتي درهم، وحال عليها الحول، ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كانت لك عشرون دينارًا، وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار» (١).
ومنها حديث أبي سعيد الخدري: «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواق من الوَرِق صدقة، وليس فيما دون خمس
(١) رواه أبو داود والبيهقي بإسناد جيد (نيل الأوطار:١٣٨/ ٤).
ذَوْد من الإبل صدقة» (١) وروى البخاري: «وفي الرِّقة: ربع العشر» والرقة والورِق: الفضة.
ويدفع عن الذهب ذهبًا وعن الفضة فضة، فإن أراد أن يدفع ذهبًا عن فضة أو فضة عن ذهب، جاز في الحالتين عند المالكية، ويكون الدفع بالقيمة في المشهور، ولم يجز ذلك عند الشافعية.
ثانيًا - ما نقص عن النصاب وما زاد عليه: تجب الزكاة كما عرفنا بالإجماع في الذهب إذا كان عشرين مثقالًا (دينارًا) قيمتها مئتا درهم. أما ما دون العشرين مثقالًا، فلا زكاة فيه إلا أن يتم بورِق (فضة) أو عروض تجارة.
وأجمع العلماء على أنه إذا كان أقل من عشرين مثقالًا، ولا يبلغ مئتي درهم، فلا زكاة فيه لعدم بلوغ النصاب، وقال عامة الفقهاء: نصاب الذهب عشرون مثقالًا من غير اعتبار قيمتها ولا تقديرها بالفضة (٢)، قال ﷺ: «ليس في أقل من عشرين مثقالًا من الذهب، ولا في أقل من مئتي درهم صدقة» (٣).
أما الزيادة على النصاب: فلا شيء فيها عند أبي حنيفة (٤) حتى تبلغ أربعين درهمًا، فيكون فيها درهم، ثم في كل أربعين درهمًا درهم، ولا شيء فيما بينهما.
(١) رواه الشيخان، واللفظ للبخاري، والورق بكسر الراء: الفضة، والذود: من الثلاثة إلى العشرة، لا واحد له من لفظه، ومقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهمًا بالاتفاق، والمراد بالدرهم: الخالص من الفضة، سواء أكان مضروبًا أم غير مضروب (نيل الأوطار: ١٢٦/ ٤، ١٣٨).
(٢) المغني: ٤/ ٣، اللباب: ١٤٨/ ١.
(٣) رواه أبو عبيد.
(٤) اللباب: ١٤٩/ ١، الدر المختار: ٤٢/ ٢، فتح القدير: ٥٢٠/ ١.
كذلك لا زكاة في زيادة الدنانير حتى تبلغ أربعة دنانير. وهذا هوالصحيح عند الحنفية، لقول ﵇: «من كل أربعين درهمًا درهم» (١).
وقال الصاحبان وجمهور الفقهاء (٢): ما زاد على المئتين فزكاته بحسابه، وإن قلَّت الزيادة، لقوله ﷺ: «هاتوا ربع العشر من كل أربعين درهمًا درهمًا، وليس عليكم شيء حتى يتم مئتين، فإذا كانت مئتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فبحساب ذلك» (٣) وهذا هو المعقول.
ثالثًا - حكم المغشوش أو المخلوط بغيره: المغشوش: هو المخلوط بما هو أدون منه كذهب بفضة، وفضة بنحاس. وللفقهاء في زكاته آراء ثلاثة (٤):
١ - قال الحنفية: غالب الفضة فضة، وغالب الذهب ذهب، وإذا كان الغالب عليهما الغش، فهي في حكم العروض التجارية، ولا بد من أن تبلغ قيمتها نصابًا، ولا بد فيها من نية التجارة كسائر العروض، إلا إذا كان يخلص منها فضة تبلغ نصابًا، لأنه لا تعتبر في عين الفضة القيمة، ولا نية التجارة. واختلف في الغش المساوي، والمختار: لزوم الزكاة احتياطًا.
(١) رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن علي بلفظـ: «قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرِّقة من كل أربعين درهمًا درهمًا، وليس في تسعين ومئة شيء، فإذا بلغت مئتين ففيها خمسة دراهم» (نيل الأوطار: ٤/ ٧٣١).
(٢) المغني: ٣/ ٦، الشرح الصغير: ١/ ٠٢٦، الحضرمية: ص١٠١.
(٣) رواه الدارقطني والأثرم، ورواه أبو داود عن علي، وروي ذلك موقوفًا على علي وابن عمر.
(٤) اللباب: ١/ ٩٤١، الدر المختار: ٢/ ٢٤، الشرح الصغير: ١/ ٢٢٦، مغني المحتاج: ١/ ٠٩٣، المغني: ٣/ ٥، فتح القدير: ١/ ٣٢٥، القوانين الفقهية: ص٠٠١ ومابعدها.
٢ - وقال المالكية: المعتبر هو الرواج، فتجب الزكاة في الكاملة الوزن، والمغشوشة (المخلوطة بنحو نحاس)، وناقصة الوزن إن راجت كل منهما رواجًا كرواج الكاملة الوزن، فإن لم ترج حُسب الخالص على تقدير التصفية في المغشوشة، واعتبر الكمال في الناقصة بزيادة دينار أو أكثر، فمتى كملت زكيت وإلا فلا. وعلى هذا فإن كانت الدراهم أو الدنانير مخلوطة بالنحاس أو غيره، أسقط وزكي عن الصافي.
٣ - وقال الشافعية والحنابلة: لاشيء في المغشوش حتى يبلغ خالصه نصابًا كاملًا، فمن ملك ذهبًا أو فضة مغشوشة أو مختلطًا بغيره، فلا زكاة فيه حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصابًا، لقوله ﵇: «ليس فيما دون خمس أواق من الورِق صدقة» فإن لم يعلم قدر ما فيه منهما، وشك هل بلغ نصابًا أو لا، عمل بالأظهر بحيث يتيقن أن ما أخرجه من الذهب محيط بقدر الزكاة، أو بسبكهما (أي التمييز بينهما بالنار) ليعلم ما فيه منهما، ويخرج الزكاة ليسقط الفرض بيقين.
ولو اختلط إناء من الذهب والفضة، بأن أذيبا وصيغ منهما الإناء، كأن كان وزنه ألف درهم، أحدهما ست مئة والآخر أربع مئة، وجهل أكثرهما، زكى كلًا منهما بفرضه، الأكثر ذهبًا أو فضة، احتياطًا. ولا يجوز افتراض كله ذهبًا؛ لأن أحد الجنسين لا يجزئ عن الآخر، وإن كان أعلى منه، أو ميَّز بينهما بالنار، ويحصل ذلك بسبك قدر يسير إذا تساوت أجزاؤه.
رابعًا - زكاة الحلي: اتفق الفقهاء على وجوب الزكاة - كما أبنت - في النقدين في المسكوك وغيره، كالسبائك والتبر والأواني والحلي الحرام كحلي الرجل عدا خاتم الفضة وأدوات الاستعمال والزينة في المنزل. ولا زكاة في الحلي من غير الذهب والفضة كالماس واللؤلؤ والياقوت.
والحلي الذي تجب فيه الزكاة عند المالكية (١): هو المتخذ للتجارة بالإجماع، ويعتبر بحسب وزنه دون قيمة صياغته، وكذلك الأواني والمباخر للتجارة والمكحلة والمِرْوَد ولو لامرأة، والمتخذ للادخار ونوائب الزمن وحوادثه لا للاستعمال، وحلي المرأة إذا انكسر في خمس صور:
أحدها - أن يتكسر بحيث لا يرجى عوده إلى ما كان عليه إلا بسكبه مرة أخرى.
ثانيها - التهشم ونية عدم إصلاحه.
ثالثها - التهشم مع نية إصلاحه.
رابعها - التهشم مع عدم نية شيء أصلًا، لا إصلاحه ولا عدم إصلاحه.
خامسها - عدم التهشم مع نية عدم إصلاحه.
ولا زكاة في الحلي إذا اتخذه الإنسان لأجل الكراء، سواء أكان المتخذ له رجلًا أم امرأة. ولا في الحلي المباح للمرأة كالسوار، ولا في الحلي الجائز للرجل كقبضة السيف المعد للجهاد والخاتم الفضي والأنف والأسنان وحلية المصحف والسيف، والمتخذ لمن يجوز له استعماله كزوجته وابنته الموجودتين عنده حالًا، وكانتا صالحتين للتزين لكبرهن، فإن اتخذه لمن سيوجد أو لمن سيصلح للتزين لصغره الآن فتجب الزكاة.
والحلي الذي تجب فيه الزكاة عند الشافعية (٢): هو الذي يقصد كنزه وادخاره، والأواني، وما يتحلى به الرجل من حلي المرأة، وما تتحلى به المرأة من
(١) الشرح الكبير مع الدسوقي:٤٦٠/ ١، القوانين الفقهية: ص ١٠١، بداية المجتهد: ٢٤٢/ ١.
(٢) مغني المحتاج: ٣٩٠/ ١ ومابعدها، المجموع: ٢٩/ ٦ ومابعدها، المهذب: ١٥٨/ ١ ومابعدها، الحضرمية: ص١٠٢.
حلي الرجل كسيف، والتبر المغصوب المصوغ حليًا، وحلي النساء الذي بالغن في الإسراف فيه بأن بلغ مئتي مثقال (حوالي ٨٥٠ غم) وكذلك ما يكره استعماله قياسًا على المحرم كضبة الإناء الكبيرة للحاجة، أو الصغيرة للزينة (١). جاء في إعانة الطالبين (١٥٨/ ٢ ومابعدها): ويحل الذهب والفضة بلاسرف لامرأة وصبي إجماعًا في نحو السوار والخلخال والطوق، ولا تجب الزكاة فيها. أما مع السرف فلا يحل شيء من ذلك كخلخال وزن مجموع فردتيه مئتا مثقال، فتجب فيه الزكاة. والتقدير بمئتي مثقال مأخوذ من أثر عن صحابي.
وتجب الزكاة أيضًا على الراجح في حلي المرأة إذا انكسر بحيث يمنع الاستعمال، ويحتاج إلى سبك وصوغ.
ولا زكاة في الأظهر في الحلي المباح للمرأة، كخلخال وسوار ونحوهما؛ لأنه معدّ لاستعمال مباح، فأشبه العوامل من النعم.
وأما الحلي الذي تجب فيه الزكاة عند الحنابلة (٢): فهو المتخذ للتجارة، والحلي المحرم للمرأة الذي ليس لها اتخاذه، كما إذا اتخذت حلية الرجال المحرَّمة، كحلية السيف والمِنْطقة (النطاق) وسوار الرجل وخاتمه الذهب، وحلية مراكب الحيوان، ولباس الخيل كاللجم والسروج، وقلائد الكلاب، وحلية الركاب، والمرآة والمشط والمكحلة، والميل والمسرحة، والمروحة والمشربة والمدهنة والمسعط والمجمرة والمعلقة والقنديل، والآنية، وحلية كتب العلم بخلاف المصحف، وحلية الدواة والمقلمة، وما أعد للكراء، أو للقُنية والادخار أو النفقة إذا احتاج إليها، أو لم يقصد به شيئًا.
(١) الأصح عند الشافعية تحريم تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة، وتمويه سقوفها وتعليق قناديلها، ولا خلاف في تحريم تمويه سقف بيته وجداره بذهب أو فضة (المجموع: ٣٩/ ٦). والضبة: مايشد به الإناء، لإصلاحه.
(٢) المغني: ٩/ ٣ - ١٧، كشاف القناع: ٢٧٢/ ٢ - ٢٧٥
وكذا حلي المرأة إذا انكسر واحتاج إلى صوغ، فإن لم يحتج إلى صوغ ونوت إصلاحه، فلا زكاة فيه، ولا زكاة فيما إذا انكسر الحلي كسرًا لايمنع الاستعمال واللبس، فهو كالصحيح، إلا أن تنوي كسره وسبكه، ففيه الزكاة حينئذ؛ لأنها نوت صرفه عن الاستعمال.
وليس في حلي المرأة زكاة في ظاهر المذهب إذا كان مما تلبسه أو تعيره، ولا ممن يحرم عليه، كرجل يتخذ حلي النساء لإعارتهن، وامرأة تتخذ حلي الرجال لإعارتهم.
والخلاصة أن الجمهور لا يرون الزكاة في حلي المرأة المعتاد، لقوله ﷺ: «ليس في الحلي زكاة» (١) وهو قول ابن عمر وعائشة وأسماء بنتي أبي بكر، ولأنه مرصد للاستعمال المباح، فلم تجب فيه الزكاة، كالعوامل من الأنعام، وثياب القنية (الاستعمال الشخصي) ولأن الإسلام أوجب الزكاة في المال النامي المغل فقط: وهو ما من شأنه أن ينمى ولو عطله صاحبه، والحلي المباح لا نماء فيه، بخلاف ما إذا اتخذ كنزًا أو كان فيه سرف ظاهر ومجاوزة للمعتاد، أواستعمله الرجال حلية لهم أو استعمل في الآنية والتحف والتماثيل ونحوها، فتجب في كل ذلك الزكاة.
وقال الحنفية (٢): الزكاة واجبة في الحلي للرجال والنساء تبرًا كان أو سبيكة، آنية أو غيرها؛ لأن الذهب والفضة مال نام، ودليل النماء موجود: وهو الإعداد للتجارة خِلْقة، بخلاف الثياب، ولأنهما خُلقا أثمانًا، فيزكيهما المالك كيف كانا.
(١) رواه الطبراني عن جابر، وقال البيهقي: لا أصل له، إنما روي عن جابر من قوله غير مرفوع (المجموع: ٣٢/ ٦). وروى الشافعي أن رجلًا سأل جابر بن عبد الله ﵄ عن الحلي، أفيه زكاة؟ فقال: لا.
(٢) فتح القدير: ٥٢٤/ ١، الدر المختار: ٤١/ ٢.
ويؤيدهم حديث «أن النبي ﷺ قال لامرأة في يدها سواران من ذهب: هل تعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسوِّرك الله بسوارين من نار؟! (١)».
والمعتبر عند غير الشافعية في نصاب الحلي الذي تجب فيه الزكاة: الوزن لا القيمة، فلو ملك حليًا قيمته مئتا درهم، ووزنه دون المئتين، لم يكن عليه زكاة، وإن بلغ مئتين وزنًا، ففيه الزكاة، وإن نقص في القيمة، للحديث المتقدم: «ليس فيما دون خمس أواق من الورِق صدقة».
واستثنى الحنابلة أن يكون الحلي للتجارة، فيقوم، فإذا بلغت قيمته بالذهب والفضة نصابًا، ففيه الزكاة؛ لأن الزكاة متعلقة بالقيمة، ومالم يكن للتجارة، فالزكاة في عينه، فيعتبر بلوغ قيمته ووزنه نصابًا، وهو مخير بين إخراج ربع عشر حلية مشاعًا أو دفع ما يساوي ربع عشرها من جنسها.
فإن كان في الحلي جوهر ولآلئ مرصعة، فالزكاة في الحلي من الذهب والفضة دون الجوهر؛ لأنها لا زكاة فيها عند أحد من أهل العلم، كما أبنت، فإن كان الحلي للتجارة قومه بما فيه من الجواهر؛ لأن الجواهر لو كانت مفردة عن الذهب والفضة، وهي للتجارة، لقومت وزكيت، فكذلك إذا كانت في حلي التجارة.
وقال الشافعية: حيث أوجبنا الزكاة في الحلي، واختلفت قيمته ووزنه، فالعبرة بقيمته لا وزنه، بخلاف المحرم لعينه كالأواني، فالعبرة بوزنه لا قيمته، فلو كان له حلي وزنه مئتا درهم، وقيمته ثلاث مئة، تخير بين أن يخرج ربع عشره مشاعًا، ثم يبيعه الساعي بغير جنسه، ويفرق ثمنه على المستحقين، أو يخرج
(١) حديث ضعيف رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
خمسة مصوغة قيمتها سبعة ونصف نقدًا، ولا يجوز كسره ليعطي منه خمسة مكسرة؛ لأن فيه ضررًا عليه وعلى المستحقين.
خامسًا - زكاة الدين: المال البالغ نصابًا والذي هو دين لإنسان في ذمة آخر، وحال عليه الحول، تجب زكاته بشروط مفصلة في المذاهب.
قال الحنفية (١): الدين عند الإمام أبي حنيفة ثلاثة أنواع: قوي، ومتوسط، وضعيف.
فالقوي: هو بدل القرض ومال التجارة كثمن العروض التجارية، إذا كان على مقرٍّ به ولو مفلسًا، أو على جاحد عليه بينة، تجب فيه الزكاة إذا قبضه، لما مضى من الأعوام، كلما قبض أربعين درهمًا، ففيه درهم واحد؛ لأن مادون الخمس من النصاب عفولا زكاة فيه، وما زاد عن ذلك فزكاته بحسابه.
والمتوسط: هو بدل ما ليس للتجارة أي ما ليس دين تجارة كثمن دار السكنى وثمن الثياب المحتاج إليها، لا يجب فيه الزكاة إلا إذا قبض منه نصابًا (مئتي درهم) فإن قبض مئتي درهم زكى لما مضى، ويعتبر الماضي من الحول من وقت لزومه لذمة المشتري، في صحيح الرواية.
فالدين المتوسط مثل الدين القوي في حولان الحول عليه، فيعتبر حوله من وقت التزام المدين به، لا من وقت القبض في الأصح.
والضعيف: هو بدل ما ليس بمال، كالمهر والميراث والوصية وبدل الخلع والصلح عن دم العمد، والدية، فإن المهر ليس بدلًا عن مال أخذه الزوج من
(١) البدائع: ١٠/ ٢، الدر المختار: ٤٧/ ٢ ومابعدها، مراقي الفلاح: ص ١٢١.
زوجته، وكذا بدل الخلع ليس بدلًا عن مال تدفعه الزوجة لزوجها. ومثله دين الوصية، والدية وبدل الصلح، والميراث. لا تجب فيه الزكاة مالم يقبض نصابًا ويحول عليه الحول بعد القبض.
والخلاصة: أن الزكاة تجب في كل أنواع الدين المذكورة، لكن الأداء يكون عند القبض، قبض خُمْس النصاب في القوي، وقبض كامل النصاب في المتوسط والضعيف، وبما أن الدين الضعيف كسب جديد، فيجب حولان الحول.
وقال الصاحبان: الديون كلها سواء، وكلها قوية، تجب الزكاة فيها قبل القبض إلا الدية على العاقلة (العصبة)، فإنه لا تجب الزكاة فيها أصلًا ما لم تقبض ويحول عليها الحول، لأن تلك الديون ما عدا الدية ملك لصاحبها، لكن لا يطالب بالأداء للحال، وإنما عند القبض.
وقال المالكية (١): الديون ثلاثة أنواع:
١ - ما يحتاج لحولان الحول بعد القبض: مثل ديون المواريث والهبات والأوقاف والصدقات، والصداق والخلع، وأرش (تعويض) الجناية، والدية، لا زكاة فيه حتى يقبضه ويحول عليه الحول عنده من يوم القبض، فمن ورث مالًا من أبيه عينت له المحكمة حارسًا قبل أن يقبضه لسبب ما، واستمر دينًا له أعوامًا كثيرة، فإنه لا زكاة عليه في كل تلك الأعوام، حتى يقبضه ويمضي عليه عام عنده بعد قبضه. وهذا هو الدين الضعيف عند الحنفية. ومنه ثمن بيع العروض المقتناة كبيع متاع أو عقار، وهو الدين المتوسط عند الحنفية، فإذا باع دار سكناه بثمن مؤجل للمستقبل، فإنه يزكي على ما قبضه إذا كان المقبوض نصابًا فأكثر وحال عليه الحول.
(١) الشرح الكبير: ٤٥٨/ ١ ومابعدها، بداية المجتهد: ٢٦٤/ ١ ومابعدها، الشرح الصغير: ٦٢٨/ ١ ومابعدها.
٢ - ما يزكى لعام واحد فقط: وهو دين القرض وديون التجارة، وهو الدين القوي عند الحنفية، تجب فيه الزكاة بشروط أربعة:
أولها - أن يكون أصل الدين الذي أعطاه للمدين ذهبًا أو فضة، أو ثمن عروض تجارية محتكرة كثياب مثلًا.
ثانيها - أن يقبض شيئًا من الدين، فإن لم يقبض شيئًا فلا زكاة عليه.
ثالثها - أن يكون المقبوض نقدًا (ذهبًا أو فضة): فإن قبض عروضًا تجارية كثياب أو قمح فلا زكاة عليه.
رابعها - أن يكون المقبوض نصابًا على الأقل، ولو قبضه لعدة مرات، أو يكون المقبوض أقل من نصاب، ولكن عنده ما يكمل النصاب من ذهب أو فضة حال الحول عليها.
٣ - دين المدير: وهو التاجر الذي يبيع ويشتري بالسعر الحاضر. فإذا كان أصل الدين عروض تجارة، فإنه يزكي الدين كل عام، مع إضافته إلى قيم العروض التي عنده، وإلى ما باع به من الذهب والفضة.
وقال الشافعية (١): على الدائن زكاة الدين عن الأعوام الماضية عند التمكن من أخذ دينه، إذا كان الدين من نوع الدراهم والدنانير، أو عروض التجارة. فإن كان الدين ماشية أو مطعومًا كالتمر والعنب، فلا زكاة فيه.
ورأى الحنابلة (٢): أنه تجب زكاة الدين، سواء أكان الدين حالًا أم مؤجلًا، وسواء أكان المدين معترفًا به باذلًا له، أم معسرًا أم جاحدًا أم مماطلًا به، إلا أنه لا
(١) المهذب: ١٤٢/ ١، المجموع: ٣١٣/ ٥.
(٢) المغني: ٤٦/ ٣ ومابعدها.
يجب إخراج زكاته إلا إذا قبضه، فيؤدي لما مضى فورًا؛ لأنه دين ثابت في الذمة، فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه، ولأن الزكاة للمواساة، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به، ولأن هذا المال في جميع الأحوال على حال واحد، فوجب أن يتساوى في وجوب الزكاة أو سقوطها، كسائر الأموال.
أما الوديعة فهي بمنزلة ما في يده، لأن الوديع نائب عن المودع في حفظه، ويده كيده، ويزكيه لما مضى؛ لأنه مملوك له يقدر على الانتفاع به، فلزمته زكاته كسائر أمواله.
والخلاصة: إن كان الدين حيًا: وهو ما كان الدين معترفًا به مستعدًا لسداده في وقته أو عند طلبه، فعند جمهور الأئمة: على الدائن زكاته. وإن كان الدين على معسر لا يرجى منه السداد، أو على مماطل أو جاحد له، غير معترف به، فعند أكثر الأئمة: لا زكاة فيه.
وأما زكاة التأمين النقدي: فهي على مالكه، والتأمين النقدي هو الذي يدفعه المستأجر للمالك، فهو مال مملوك للمستأجر عند المالك ضمانًا لسداد الأجرة في مواعيدها، تجب زكاته على مالكه لا على المؤجر، إذا توافرت شروط الوجوب.
سادسًا - زكاة الأوراق النقدية: الأوراق النقدية والنقود المعدنية: هي التي يتم التبادل بها بدلًا عن الذهب والفضة، وتعد بمثابة حوالة مصرفية على المصرف المركزي للدولة بما يعادلها ذهبًا من الرصيد الذهبي المخزون الذي يغطي العملة المتداولة، إلا أن أغلب الدول حرمت التعامل بالذهب، فلم تعد تسمح بسحب الرصيد المقابل لكل ورقة نقدية أو نقد معدني مصنوع من خلائط معدنية معينة كالبرونز والنحاس وغيرهما، حفاظًا على الرصيد الذهبي في خزانة الدولة.
وبما أن هذا النظام ظهر حديثًا بعد الحرب العالمية الأولى، فلم يتكلم فيه فقهاؤنا القدامى، وقد بحث فقهاء العصر حكم زكاة هذه النقود الورقية (١)، فقرروا وجوب الزكاة فيها عند جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية)؛ لأن هذه النقود إما بمثابة دين قوي على خزانة الدولة، أو سندات دين، أو حوالة مصرفية بقيمتها دينًا على المصرف.
ولم ير أتباع المذهب الحنبلي الزكاة فيها حتى يتم صرفها فعلًا بالمعدن النفيس (الذهب أو الفضة) قياسًا على قبض الدين.
والحق وجوب الزكاة فيها؛ لأنها أصبحت هي أثمان الأشياء، وامتنع التعامل بالذهب، ولم تسمح أي دولة بأخذ الرصيد المقابل لأي فئه من أوراق التعامل، ولا يصح قياس هذه النقود على الدين؛ لأن هذا الدين لا ينتفع به صاحبه وهو الدائن، ولم يوجب الفقهاء زكاته إلا بعد قبضه لاحتمال عدم القبض، أما هذه النقود فينتفع بها حاملها فعلًا كما ينتفع بالذهب الذي اعتبر ثمنًا للأشياء، وهو يحوزها فعلًا، فلا يصح القول بوجود اختلاف في زكاة هذه النقود. والقول بعدم الزكاة فيها لاشك بأنه اجتهاد خطأ؛ لأنه يؤدي في النتيجة البينة ألاّ زكاة على أخطر وأهم نوع من أموال الزكاة، فيجب قطعًا أن تزكى النقود الورقية زكاة الدين الحالّ على مليء، كما هو المقرر لدى الشافعية، ويجب فيها ربع العشر (٢.٥٠%).
ويقدر نصابها - كما أبنت - بسعر صرف نصاب الذهب المقرر شرعًا وهو عشرون دينارًا أو مثقالًا، ونختار أن يكون وزنها ذهبًا ٨٥غرامًا، ومن الفضة (٥٩٥ غرامًا) عملًا بالدرهم العربي وهو (٩٧٥،٢ غم)، والأصح تقدير النصاب الورقي بالذهب؛ لأنه المعادل لنصاب الأنعام (الإبل والبقر والغنم)، ولارتفاع
(١) انظر الفقه على المذاهب الأربعة: ٤٨٦/ ١، ط خامسة.
مستوى المعيشة وغلاء الحاجيات، وإن كان يرى كثير من علماء العصر تقدير النصاب بالفضة؛ لأنه أنفع للفقراء، وللاحتياط في الدين، ولأن نصاب الفضة مجمع عليه، وثابت بالسنة الصحيحة، وكان يساوي في الماضي ستة وعشرين ريالًا مصريًا وتسعة قروش وثلثي قرش، ونحو خمسين ريالًا في السعودية ودولة الإمارات، ونحو ٦٠ أو ٥٥ روبية في باكستان والهند.
ولا تجب الزكاة على الأوراق النقدية إلا ببلوغها النصاب الشرعي، وبحولان الحول، وبالفراغ من الدين وهو الحق والعدل، وزاد الحنفية: وبأن يكون النصاب فاضلًا عن الحاجات الأصلية لمالكه من نفقة وكسوة وأجرة سكنى وآلة حرب (١).
والسندات جمع سند، والسند تعهد مكتوب بمبلغ من الدين (القرض) لحامله في تاريخ معين، نظير فائدة مقدرة. والسهم: النصيب في رأس المال.
والسهم يمثل جزءًا من رأس مال الشركة، وصاحبه مساهم، والسند يمثل جزءًا من قرض على شركة أو دولة، وحامله مقرض أو دائن.
والتعامل بالأسهم جائز شرعًا، أما التعامل بالسندات فحرام لاشتمالها على الفائدة الربوية.
وبالرغم من تحريم السندات (٢)، فإنه تجب زكاتها، لأنها تمثل دينًا لصاحبها، وتؤدى زكاتها عن كل عام، عملًا برأي جمهور الفقهاء غير المالكية؛ لأن الدين
(١) الدر المختار ورد المحتار: ٥/ ٢ - ٨.
(٢) تحريم التعامل بالسندات لايمنع من التملك التام فتجب فيها الزكاة، أما المال الحرام كالمغصوب والمسروق ومال الرشوة والتزوير والاحتكار والغش والربا ونحوها، فلا زكاة فيه عند الحنفية خلافًا للجمهور، لأنه غير مملوك لحائزه، ويجب رده لصاحبه الحقيقي؛ منعًا من أكل الأموال بالباطل.
المرجو (وهو ما كان على مقر موسر) تجب زكاته في كل عام. وأما سندات الاستثمار فالأولى أن تزكى كزكاة النقود أي بنسبة ٥،٢% من قيمتها.
وأما الأسهم: فتجب زكاتها أيضًا بحسب قيمتها الحقيقية في البيع والشراء، كزكاة العروض التجارية، أي تؤدى زكاتها على رأس المال مع أرباحها في نهاية العام بنسبة (٥،٢% في المئة) إذا كان الأصل والربح نصابًا أو يكمل مع مال مالكها نصابًا، ويعفى الحد الأدنى للمعيشة إذا لم يكن لصاحب الأسهم مورد رزق آخر سواها، كأرملة ويتيم ونحوهما. هذا في الشركات التجارية، أما في الشركات الصناعية كشركات السكر والنفط ونحوها كالمطابع والمصانع، فتقدر الأسهم بقيمتها الحالية مع حسم قيمة المباني والآلات وأدوات الإنتاج.
والخلاصة: أنه تجب زكاة الأسهم والسندات بمقدار ربع العشر أي ٥،٢% من قيمتها مع ربحها في نهاية كل عام، على ما لكها الذي حال عليه الحول بعد تملكها. أو تؤدى الزكاة جملة واحدة عن غلة الشركة وإيرادها بمقدار العشر من صافي الأرباح قياسًا على نصاب الزروع والثمار، باعتبار أن أموال الشركة نامية بالصناعة ونحوها. ففي الحالة الأولى نعتبر صاحب الأسهم له وصف التاجر، وفي الحالة الثانية نعتبر الشركة لها وصف المنتج.
سابعًا - تفصيل آراء العلماء في زكاة الأسهم في الشركات:
سبب وجود التعامل بالأسهم والسندات:
إن الإنسان حريص دائمًا على تحقيق الأرباح وابتغاء فضل الله من خلال التجارة الفردية أو الخاصة، والجماعية أو العامة، وذلك عملًا بترغيب الشريعة واستجابة لحب النفس الفطري في تنمية المال واستثماره، كيلا تأكله الصدقة، وتستأصل الزكاة أصل رأس المال مع مرور السنوات والأعوام.
وقد لا يتمكن رأس المال الخاص في الغالب من تمويل المشروعات الصناعية والزراعية والتجارية الكبرى، التي تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة، كالشركات المساهمة التي تتطلب أموالًا كثيرة لوجودها، فظهر في العصر الحديث طريقة تجزئة رأس المال الكبير بواسطة ما يسمى بالأسهم التي تطرح في الحياة الاقتصادية، وتسدد قيمتها من المئات أو آلاف الناس. وقد تحتاج الشركة القائمة إلى الاقتراض من الأفراد، فتلجأ إلى ما يسمى بالسندات في مقابل دفع فائدة مقطوعة معينة.
وكل من الأسهم والسندات تسمى في العرف الاقتصادي الحديث بالأوراق المالية، التي يتداولها الناس عامة فيما بينهم، إما بواسطة الاعلان في الجرائد أو الصحف اليومية، وإما في أسواق خاصة تسمى (بورصات الأوراق المالية).
وقد تساءل الناس منذ ظهور الشركات المساهمة في الربع الثاني من القرن العشرين عن حكم التعامل بالأسهم والسندات حلًا وحرمة، وعن حكم الزكاة الواجبة فيها، ومن تجب عليه الزكاة؟ وأفتى علماء العصر بفتاوى متشابهة في مشروعية التعامل بالأسهم وحرمة التعامل بالسندات، لما تشتمل عليه من الربا بسبب دفع فائدة مقطوعة على مبالغ الديون المدونة فيها. واختلفوا في نسبة الواجب في الزكاة أهي ربع العشر أم العشر، كما اختلفوا فيمن تجب عليه زكاة الأسهم، أهو مالك السهم أم الشركة، ولكنهم اتفقوا على وجوب الزكاة في كل من الأسهم والسندات إذا بلغت قميتها النصاب الشرعي، وإن اختلطت السندات بالحرام وصاحبها الربا وخبث الكسب، لأن الحرمة المصاحبة لجزء من المال لا تمنع من فرض الزكاة، بل إنه على العكس لا سبيل إلى التخلص من المال الحرام إلا بالصدقة به.
تعريف الأسهم والسندات:
الأسهم: عبارة عن صكوك متساوية القيمة، غير قابلة للتجزئة، وقابلة للتداول بالطرق التجارية، وتمثّل حقوق المساهمين في الشركات التي أسهموا في رأس مالها.
فالسهم يمثل جزءًا من رأس مال الشركة، وصاحبه مساهم، والأسهم تتصف بالخصائص التالية (١):
أـ أنها متساوية القيمة الاسمية: فلا يجوز إصدار أسهم بقيمة مختلفة، والقيمة المتساوية هي القيمة الاسمية التي يصدر بها السهم، والتي يحددها القانون بنسبة تتراوح في بعض البلاد كالإمارات بين درهم ومئة درهم.
والقيمة الاسمية للسهم تختلف عن كل من قيمته التجارية والحقيقية، فالقيمة الاسمية هي القيمة المبينة في الصك والتي تدون عليه، ويحسب على أساسها مجموع رأس مال الشركة.
أما القيمة التجارية: فهي قيمة السهم في السوق أو البورصة، وهي قيمة متغيرة بحسب العرض والطلب وأحوال السوق وسمعة الشركة وسلامة مركزها المالي.
وأما القيمة الحقيقية للسهم: فهي القيمة المالية التي يمثلها السهم فيما لو تمت تصفية الشركة وقسمة موجوداتها على عدد الأسهم.
ب - أنها غير قابلة للتجزئة: أي لا يمكن أن تتمثل في صورة كسور حين يتعدد مالكو السهم في مواجهة الشركة.
(١) انظر الشركات التجارية للدكتور حسين غنايم: ص ١٨٩ومابعدها.
جـ - أنها قابلة للتداول بالطرق التجارية: أي يمكن انتقال ملكية الأسهم من شخص إلى آخر بالطرق التجارية المعروفة، ودونما حوالة مدنية من قبل الشركة.
وإن كان السهم إذنيًا (أي يصدر لإذن أو أمر المساهم) فإن تداوله يتم بطريق التظهير.
وإن كان السهم لحامله (أي يصدر من دون ذكر صاحبه) فإن تداوله يتم بمجرد التسليم أي المناولة اليدوية.
ومعظم القوانين تستلزم أن تصدر الأسهم اسمية، وبعضها يجيز إصدار الأسهم لحاملها بشروط.
والخلاصة: إن الأسهم تمثل حصصًا في شركة أموال.
أما السندات فهي جمع سند، والسند: صك مالي قابل للتداول يُمنح للمكتتب لقاء المبالغ التي أقرضها، ويخوّله استعادة مبلغ القرض، علاوة على الفوائد المستحقة، وذلك بحلول أجله. وبعبارة أخرى: السند: تعهد مكتوب بمبلغ من الدين (القرض) لحامله في تاريخ معين، نظير فائدة مقدرة.
والسند يشبه السهم من حيث وجود قيمة اسمية لكل منهما، ومن حيث قابليتهما للتداول بالطرق التجارية، وعدم قابليتهما للتجزئة.
والفارق الأساسي بين السهم والسند: أن السهم يمثل حصة في الشركة، بمعنى أن صاحبه شريك، في حين أن السند يمثّل دينًا على الشركة، أو يمثل جزءًا من قرض شركة أو دولة، بمعنى أن صاحبه مقرض أو دائن.
وبناء عليه، يحصل صاحب السهم على أرباح حين تحقق الشركة أرباحًا فقط، أما صاحب السند فيتلقى فائدة ثابتة سنويًا، سواء ربحت الشركة أم لا.
وتكون الأسهم في الغالب اسمية، ضمانًا لرقابة الدولة على حاملي الأسهم، أما السندات فتكون إما اسمية أو لحاملها.
التعامل بالأوراق المالية التجارية:
التعامل بالأسهم جائز شرعًا، لأن أصحاب الأسهم شركاء في الشركة بنسبة ما يملكون من أسهم، عشرة أو عشرين أو مئة مثلًا، أما التعامل بالسندات فحرام شرعًا، لاشتمالها على الفائدة الربوية المقطوعة بغض النظر عن الربح والخسارة، فهي قروض بفائدة، وقد جاء في المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت عام ١٤٠٣ هـ / ١٩٨٣ م أن ما يسمى بالفائدة في اصطلاح الاقتصاديين الغربيين ومن تابعهم هوعين الربا المحرم شرعًا، وجاء في الاجتماع الأول للفتوى والرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية بالقاهرة عام ١٤٠٣ هـ /١٩٨٣ م أنه بإجماع الآراء لايصح للبنك الإسلامي استثمار جزء من أمواله في شراء أسهم الشركات التي يكون هدفها التعامل بالربا، لكون موارد تلك الشركات ونفقاتها تشتمل على فوائد مدفوعة وفوائد مقبوضة.
زكاة السندات:
أشير هنا إلى حكم زكاة السندات، لأنه ليس من موضوع بحثي، فأقول: بالرغم من تحريم السندات، فإنه تجب زكاتها، لأنها تمثل دينًا لصاحبها، وتؤدى زكاتها عن كل عام، عملًا برأي جمهور الفقهاء غير المالكية، لأن الدين المرجو (وهو ما كان على مقر موسر) تجب زكاته في كل عام. وشهادات الاستثمار أو سندات الاستثمار هي في الحقيقة سندات، وتجب فيها الزكاة، وإن كان عائدها خبيثًا وكسبها حرامًا، وتزكى السندات كزكاة النقود أو عروض التجارة، أي بنسبة ٥،٢% من قيمتها.
وذلك لأن تحريم التعامل بالسندات لا يمنع من وجود التملك التام، فتجب فيها الزكاة. أما المال الحرام كالمغصوب والمسروق ومال الرشوة والتزوير والاحتكار والغش والربا ونحوها، فلا زكاة فيه، لأنه غير مملوك لحائزه، ويجب رده لصاحبه الحقيقي، منعًا من أكل الأموال بالباطل، فإن بقي في حوزة حائزه وحال عليه الحول، ولم يرد لصاحبه، فتجب فيه زكاته، رعاية لمصالح الفقراء.
زكاة أسهم الشركات:
يتناول هذا الموضوع بحث أمور ثلاثة: هي وجوب الزكاة في الأسهم، والنسبة أو المقدار الواجب إخراجه، ومن تجب عليه الزكاة، أهو صاحب السهم أم الشركة؟.
آراء العلماء المعاصرين في زكاة الأسهم:
من الطبيعي أنه ليس للعلماء القدامى رأي في زكاة الأسهم، لأنه موضوع معاصر حديث، وإنما تكلم فيه العلماء المعاصرون، ولم أجد في كلام واحد منهم صوابًا شاملًا فيما اجتهد فيه، وإنما وجدت جانبًا من الصواب والحق في كل اجتهاد، فلكل عالم بحث هذا الموضوع إصابة في جهة وخطأ في جهة أخرى، وسأعرض هذه الآراء وأبين مدى الإصابة والخطأ فيها، ثم أذكر رأيي نهائيًا في الموضوع.
١ - رأي الشيخ عبد الرحمن عيسى:
يقسم الشيخ عبد الرحمن عيسى في كتابه «المعاملات الحديثة وأحكامها» الأسهم إلى نوعين بحسب موضوع استثمارها (١):
(١) وقد ذكر الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي ذلك في كتابه «فقه الزكاة ٥٢٣/ ١ ومابعدها، وكذلك الدكتور خليفة بابكر الحسن في كتابه «بحوث ودراسات إسلامية» ص ١٠١.
أـ أسهم الشركات الصناعية.
ب - أسهم الشركات التجارية.
أما أسهم الشركات الصناعية المحضة التي لا تمارس عملًا تجاريًا كشركات الصباغة، وشركات التبريد، وشركات الفنادق، وشركات الإعلانات، وشركات السيارات، والمركبات الكهربائية (الترام)، وشركات النقل البري والبحري، وشركات الطيران، فلا تجب الزكاة فيها، إلا فيما تنتجه هذه الأسهم من ربح، يضم إلى مال المساهم، ويزكيه معها زكاة المال، بعد حولان الحول عليه، وبلوغه النصاب الشرعي، لأن قيمة هذه الأسهم موضوعة في الآلات والإدارات والمباني ونحوها.
وأما أسهم الشركات التجارية وهي التي تشتري البضائع وتبيعها كشركات التجارة الخارجية، وشركات الاستيراد والتصدير، وشركات بيع المصنوعات الوطنية، أو التي تقوم بتصنيع بعض المواد الخام أو تشتريها، مثل شركات البترول وشركات الغزل والنسيج، وشركات الحديد والصلب، والشركات الكيماوية، فتجب الزكاة فيها، لأنها تمارس عملًا تجاريًا، سواء معه صناعة أو لا، وتقدر الأسهم بقيمتها الحالية، بعد حسم قيمة المباني والالآت والأدوات المملوكة لهذه الشركات، وتقدر هذه القيمة للأصول الثابتة إما بالربع أو أكثر أو أقل.
وهذا يعني أن الشركات التجارية المحضة تجب زكاة أسهمها بحسب قيمتها التجارية في الأسواق، مع أرباحها المقررة لها في نهاية العام، كزكاة العروض التجارية بنسبة ٥،٢% إذا كان أصل رأس المال والربح نصابًا شرعيًا، ولا زكاة على المحل التجاري من حيث البناء والتجهيزات التي فيه.
أما الشركات الصناعية - التجارية كشركات السكّر والنفط والمطابع وصناعة
السفن والطائرات والسيارات، فتقدر الأسهم بقيمتها التجارية الحالية، مع حسم قيمة المباني والالآت وأداوت الإنتاج.
وهذا الرأي يناسب المقرر في المذاهب الأربعة، وهو أن المصانع والعمارات الاستغلالية لا زكاة فيها، وإنما الزكاة على أرباحها السنوية إذا بلغت النصاب الشرعي وحال الحول عليها (أي مضى عام عليها في يد صاحبها) وهو الرأي الذي أخذ به مجمع الفقه الإسلامي في جدة في دورته الثانية لعام ١٤٠٦ هـ /١٩٨٥ م. وقرر فقهاء المذاهب أنه لا زكاة على سلاح الاستعمال وكتب العالم وآلات المحترفين، لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية، وليست بنامية أصلًا، وسبب الزكاة ملك النصاب النامي ولو تقديرًا بالقدرة على الاستنماء.
وجاء في المعيار المعرب ٤٠٢/ ١ لأبي العباس الونشريسي: وسئل عن الصناع يمر عليهم الحول، وبأيديهم من مصنوعاتهم ما إذا قوموها وأضافوها إلى مالهم من النقد، اجتمع فيه نصاب، هل يجب عليهم التقويم، ويزكون ما حضر بأيديهم أم لا؟.
فأجاب بقوله: الحكم في ذلك أن الصناع يزكون ما حال الحول على أصله من النقد الذي بأيديهم إذا كان نصابًا، ولا يقومون صناعاتهم، ويستقبلون بأثمانها الحول، لأنها فوائد كسبهم استفادوها وقت بيعهم، إلا أن ما وضع فيه الصانع صناعته، من جلد أو خشب أو حديد أو نحو ذلك، يقومه المدير، مجردًا من الصناعة، إذا كان اشتراه للتجارة.
وهي فتوى في غاية الدقة، والتيسير على الصناع، كصناع الأحذية والمفروشات والخزائن الحديدية ونحوها.
وإني لمؤيد رأي الشيخ عبد الرحمن عيسى المذكور آنفًا، مع ملاحظة إيجاب الزكاة على الشركات الصناعية إذا كانت منتوجاتها تجارية، معدّة للبيع أو التصدير، بعد استقطاع قيمة الآلة والبناء، فالمطابع مثلًا تزكي كل ما تنتجه في آخر العام من أوراق وكتب مملوكة لها، كما أنها تزكي أرباحها المستفادة من أجور ما تطبعه لحساب المتعاملين معها، وتحسم قيمة آلة الطباعة وآلة التجليد ونحوهما من مجموع رأس المال.
لكن الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي لم يرتض هذا الرأي وأوجب الزكاة في أسهم الشركات جميعها، صناعية وتجارية، وقال عن تفرقة الشيخ عبد الرحمن عيسى بين نوعي الأسهم: هي نتيجة يأباها عدل الشريعة التي لا تفرق بين متماثلين، ثم استصوب الرأي الثاني للأستاذ الشيخ محمد أبي زهرة ومن وافقه الذي لا يفرق بين نوعي الأسهم تبعًا لنوع شركاتها، ورأى أنه أوفق بالنظر إلى الأفراد، وأيسر في الحساب، ثم قال: بخلاف ما إذا قامت دولة مسلمة، وأرادت جمع الزكاة من الشركات، فقد أرى الاتجاه الأول (رأي الشيخ عيسى) أولى وأرجح، والله أعلم (١).
٢ - رأي الأساتذة عبد الوهاب خلاف وعبد الرحمن حسن ومحمد أبو زهرة (٢):
يرى هؤلاء الأساتذة أن الأسهم والسندات - الأوراق المالية - إذا كانت قد اتخذت للتجارة، فإنها تكون عروضًا تجارية، يجب فيها ما يجب في عروض
(١) فقه الزكاة للقرضاوي: ٥٢٥/ ١، ٥٢٨.
(٢) حلقة الدراسات الاجتماعية الثالثة: ص٢٤٢، بحث الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة، في مجمع البحوث الإسلامية - المؤتمر الثاني في القاهرة في أيار «مايو» ١٩٦٥.
التجارة من زكاة أي ٥،٢%، وتكون الزكاة ربع العشر من الأصل والنماء، على حسب ما قرره جمهور الفقهاء.
ورجح الدكتور القرضاوي هذا الاتجاه قائلًا: ولعل هذا الاتجاه والإفتاء أوفق بالنظر إلى الأفراد من الاتجاه الأول، فكل مساهم يعرف مقدار أسهمه، ويعرف كل عام أرباحها، فيستطيع أن يزكيها بسهولة، بخلاف الاتجاه الأول وما فيه من تفرقة بين أسهم في شركة، وأسهم في أخرى، فبعضها تؤخذ الزكاة من إيرادها، وبعضها تؤخذ زكاته من الأسهم نفسها بحسب قيمتها، مضافًا إليها الربح، وفي هذا شيء من التعقيد بالنظر إلى الفرد العادي.
ولكني أرى أن الاتجاه الأول هو المقرر فقهًا، وهو الذي جرى عليه العمل منذ ظهور الشركات المساهمة وبدء انتشارها في الأربعينات، ولا تعقيد في الأمر، فالمسلم يعرف أن الالآت الصناعية لا زكاة فيها، فإذا وظف ماله بطريق الأسهم في شركات صناعية، يحسم ما يقابل تلك الالآت، وإذا وظف ماله في أسهم شركات تجارية، زكاها كزكاة الأموال التجارية.
وللأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة رأي قديم فيه تفصيل، ورد في تقرير حلقة الدراسات الاجتماعية لجامعة الدول العربية المنعقدة بدمشق سنة ١٩٥٢، وهو الرأي الذي أعلنه أيضًا في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية سنة ١٩٦٥، ومفاده: أن الأسهم والسندات إذا اتخذت للتجارة، أو بغرض المضاربة، وإعادة بيعها في أسواق الأوراق المالية، والكسب من تجارتها، تعتبر من عروض التجارة، ويؤخذ منها الزكاة بتقدير قيمتها في أول العام، وقيمتها في آخره، بنسبة ٥،٢% ربع العشر من الأصل والنماء متى بلغت نصابًا.
أما إذا كانت بغرض الاستثمار وتوظيف الأموال، لا المضاربة والكسب من
البيع والشراء، وإنما تقتنى للكسب من عائدها، وما تدرّه عليه من ربح سنوي، فإن الزكاة الواجبة على الشركة، تكفي عن الزكاة على حملة الأسهم (١).
وهذا الرأي ينظر إلى الأسهم من جهة الشخص الذي يمتلكها، وعلى وفق نيته فيها، هل يقصد الاتجار أم الاستثمار؟ وهو رأ ي ينسجم مع الوقت الذي لم تكن الشركات فيه تزكي أموالها أو تسأل عن كيفية الزكاة.
ولا أرى حاجة لهذا التفصيل، لأن الهدف من شراء الأسهم واحد وهو الاتجار والاسترباح، وأن هذه الأسهم تزكى مثل زكاة عروض التجارة.
٣ - فتوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني:
جاء في الفتوى رقم (١٧) حول أسس زكاة أسهم بنك فيصل الإسلامي السوداني لهيئة الرقابة الشرعية من غير أن تستفتى، ما يلي:
رأت الهيئة بأغلبية الأعضاء (٢) أن يخرج البنك زكاة أسهمه على الأسس التالية:
١ - يخرج البنك زكاة الأسهم عند حولان الحول بمقدار ربع العشر ٥،٢% من النقود الموجودة من المدفوع من قيمة الأسهم، زائدًا قيمة عروض التجارة الخاصة بالأسهم، ولا زكاة في عروض القنية (الأصول الثابتة) زائدًا ربح الأسهم.
٢ - العقارات التي يشتريها البنك بمال الأسهم إن كان اشتراها للتجارة فيها بالبيع والشراء، زكاها زكاة عروض التجارة، أي يضيف قيمتها إلى النقود
(١) انظر ص١٣٧، وأشار إليه الدكتور شوقي إسماعيل شحاتة في كتابه «التطبيق المعاصر للزكاة» ص١١٨، واعتمده في بحثه.
(٢) أربعة أعضاء من خمسة، ويرى العضو الخامس الدكتور خليفة بابكر الأخذ بالرأي الذي يعامل الأسهم معاملة الأموال الثابتة، ويزكى ربحها فقط بمقدار العشر أي ١٠% من الأرباح.
الموجودة من الأسهم، وإن كان اشتراها ليؤجرها، فإنه يزكيها زكاة الأصول الثابتة بإخراج العشر ١٠% من أجرتها عندما يتسلمها.
٣ - إذا كان البنك أعطى بعض مال الأسهم لمن يعمل فيه مضاربة - التمويل، زكى رأس المال الذي مول به المضارب ونصيبه من الربح.
٤ - إذا كان على البنك ديون تجارة حالّة من مال الأسهم، وله ديون على غيره تزيد على الديون التي عليه، فإنه يطرح الديون التي عليه من الديون الموجودة التي له، ويزكي الباقي، وإذا كانت الديون التي على البنك تزيد عن الديون التي له، طرح الزائد من النقود التي عنده وزكى الباقي، وإذا كانت ديون التجارة التي للبنك مؤجلة ومرجوة، فإنها تقوّم بعرض، ثم يقوّم العرض بنقد حال، وتزكى هذه القيمة.
٥ - إذا كان للبنك ديون (قرض) زكاها زكاة النقود الموجودة مادام سدادها مرجوًا.
٦ - يستفسرمن أصحاب الأسهم الصغيرة التي لا تبلغ النصاب، هل يجب عليهم فيها زكاة إذا ضمت إلى غيرها؟ فإن قالوا: لا تجب فيها الزكاة، لأنهم لايملكون ما يكملها نصابًا، استبعدت قيمتها من جملة الأسهم.
هذه الأسس تتفق في جملتها مع الرأي القائل: إن الأسهم تزكى زكاة عروض التجارة، ولكنها تختلف عنها في بعض التفصيلات، حيث إنه في هذه الأسس اعتبرت قيمة الأسهم الحقيقية أي الاسمية، لا القيمة السوقية كما يرى القائلون باعتبارها عروض تجارة، لأن القيمة السوقية تقديرية، والقيمة الحقيقية تمثل الواقع فعلًا، ولا يصح اللجوء إلى التقدير ما دامت معرفة الحقيقة ممكنة، كما
أخرجت العقارات المتخذة للاستغلال، وجعلت الزكاة من أجرتها، لا من قيمتها، لأنها ليست عروض تجارة في الواقع.
ومن الواضح أن المدفوع من القسط الأول من الأسهم قد حال عليه الحول، ووجبت زكاته، وعلى البنك أن يستخرجها على الأسس المتقدمة. وإذا كان تطبيق هذه الأسس متعذرًا في الوقت الحاضر، فإنه يجوز أن يخرج البنك بالنسبة للقسط الأول ٥،٢% من المبالغ المدفوعة عنه، بعد طرح قيمة الأثاثات الثابتة، والأسهم التي لا تبلغ النصاب حتى ترد إفادة أصحابها .. على أن يفكر في الطريقة التي تمكن من تطبيق هذه الأسس كاملة مستقبلًا.
وهذا الحل المؤقت لا يختلف عن الرأي القائل باعتبار الأسهم عروض تجارة تؤخذ الزكاة من قيمتها في السوق، مضافًا إليها الربح بعد طرح قيمة الأثاثات الثابتة إلا في ناحيتين:
الأولى - اعتبار القيمة الاسمية للسهم.
الثانية: عدم إضافة الربح، لأنه غير معروف، وعدم طرح المنصرفات وإن كانت معروفة، لأن المفروض أن تغطى المنصرفات من الربح، لا من رأس المال، ومادام الربح لم يؤخذ في الاعتبار، فمن العدل ألا تؤخذ المنصرفات أيضًا في الاعتبار، والله أعلم.
ومع تأييدي لهذه الفتوى في الجملة، فإني أعارضها في الأمور التالية:
أولًا - العقارات المستغلة تزكى من أرباحها بنسبة ٥،٢%، وليس العشر من أجرتها حينما يتسلمها، وذلك بعد حولان الحول عليها وهي قائمة في يد أصحابها أو لدى البنك.
ثانيًا - تزكى الأسهم في الشركات زكاة الخليطين، ولو كانت أسهم المساهم لا تبلغ نصابًا شرعيًا وحدها بالنسبة إليه، كما سيأتي.
ثالثًا - تقدر الأسهم بالقيمة التجارية الموجودة في الأسواق (بورصات الأوراق المالية) فإنها أصبحت معروفة، وقد تتجاوز القيمة الاسمية عشرات أو مئات المرات، كما حدث فعلًا في بعض الأسواق. فإذا لم تعرف حاليًا تجب زكاتها بمجرد معرفتها.
رابعًا - تضاف الأرباح عند معرفتها إلى أصل قيمة الأسهم، إذ ما من شركة إلا وتضع ميزانية شاملة في آخر كل عام، تبين فيها الأصول والخصوم بالتعبير التجاري، أو رأس المال والأرباح والديون.
المقدار الواجب إخراجه في زكاة الأسهم:
تزكى الأسهم - كما عرفنا - زكاة عروض التجارة، فيكون مقدار الواجب فيها هو ربع العشر ٥،٢% من الأصل والنماء أو الربح. وإذا كنا قد استبعدنا التفصيل المذكور في الرأي القديم للأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة، واعتمدنا رأي الشيخ عبد الرحمن عيسى، مع ضرورة التمييز بين ما هو تجاري وما هو صناعي، فإن ما قرره المرحوم أبو زهرة من زكاة الأسهم التجارية بنسبة ٥،٢%، وزكاة الأسهم المتخذة للاستثمار كزكاة الأصول الثابتة ١٠%، غير مناسب، ومخالف لما قرره فقهاؤنا في رأيهم المشهور من أن نسبة الزكاة في عروض التجارة هي ٥،٢%. فيكون جعله نسبة زكاة أسهم الاستثمار ١٠% غير متفق مع المذاهب الفقهية، ولاداعي للتفرقة بين أسهم التجارة وأسهم الاستثمار، وبخاصة فإنه في رأيه الأخير لم يذكر هذا التفصيل، واكتفى بالقول بوجوب الزكاة على الأسهم مثل زكاة عروض التجارة.
والخلاصة: تجب زكاة الأسهم والسندات بنسبة ربع العشر ٥،٢% من قيمتها التجارية مع ربحها في نهاية كل عام، ولا تزكى الأصول الثابتة من صافي الأرباح ١٠%.
من تجب عليه زكاة الأسهم:
يرى الأساتذة أبو زهرة ومن معه أن ما يؤخذ من الأسهم والسندات لمن يتجر فيها غير ما يؤخذ من الشركات نفسها، لأن الشركات التي تؤخذ منها الزكاة تكون باعتبار أن أموال الشركة نامية بالصناعة ونحوها، أما الأسهم للمتّجر فيها فهي أموال نامية باعتبارها عروض تجارة.
وقد انتقد الدكتور القرضاوي بحق هذا الازدواج، لإيجاب الزكاة على الأسهم ذاتها مرتين، باعتبار صاحب الأسهم مرة بوصفه تاجرًا، فأخذنا من أسهمه وربحها جميعًا ربع العشر، ثم مرة أخرى بوصفه منتجًا، فأخذنا من ربح أسهمه أو من إيراد الشركة العشر، والراجح أن نكتفي بإحدى الزكاتين: إما الزكاة عن قيمة الأسهم مع ربحها بمقدار ربع العشر، وإما الزكاة عن غلة الشركة وإيرادها بمقدار العشر من الصافي، منعًا للثنيا أو الازدواج.
وأرى أن زكاة الأسهم هي فقط ربع العشر ٥،٢% من الأصل مع الربح السنوي، وتقوَّم الأسهم كما تقوم عروض التجارة في آخر كل عام بحسب سعرها في السوق وقت إخراج الزكاة، لا بحسب سعر شرائها، وتضم الأسهم التجارية إلى بعضها عند التقويم، ولو اختلفت أجناسها في التجارة، والصناعة بعد حسم قيمة الآلات الصناعية.
وتزكي الشركات جميع الأسهم، لأن للشركة ربحًا من الأسهم، فهي شريك
للمساهم، ولأن الشركة المساهمة لها شخصية اعتبارية مستقلة (١)، وبما أن الزكاة تكليف متعلق بالمال نفسه، فإنها تجب على الشخص الاعتباري، حيث لا يشترط فيها التكليف الذي أساسه البلوغ مع العقل، وقياسًا على زكاة الماشية في مذهب الشافعية الجديد القائلين بتأثير الخلطة في المواشي وغيرها، وهومذهب المالكية والحنابلة أيضًا في المواشي (٢)، عملًا بعموم الحديث النبوي الثابت في الزكاة: «لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع خشية الصدقة» ولأن السهم يعبر عن قيمة مالية أو مبلغ من مال، فهو مال تجب فيه الزكاة، فأثرت الخلطة في زكاتها كالماشية، ولأن المالين كالمال الواحد في المؤن (التكليف) من مخزن وناطور وغيرهما، فهي أي غير المواشي من النقود والحبوب والثمار وعروض التجارة، كالمواشي، فتخف المؤونة إذا كان المخزن والميزان والبائع واحدًا.
وحينئد لا يعفى من زكاة الأسهم في الشركات المساهمة أحد من المساهمين، ولو كانت حصته سهمًا واحدًا، وتؤدى الزكاة من صافي مال الشركة المساهمة النامي ونمائه، بنسبة ٥،٢% ربع العشر، فلا تحتسب قيمة الأموال والأصول الثابتة - عروض القنية - كالأراضي والمباني والالآت وغيرها، لأن السهم يمثل حصة في صافي الشركة المساهمة من أموال وأصول ثابتة وأموال وأصول متداولة (نقود وعروض تجارة).
أما القول بزكاة الأسهم كزكاة الأصول الثابتة بنسبة ١٠% من الأرباح، فهو رأي ضعيف لا تقره آراء فقهائنا القدامى.
ثم إن في إلزام الشركة المساهمة بإخراج زكاة الأسهم جميعها نفعًا محققًا للفقراء.
(١) وهذا رأي الدكتور شوقي إسماعيل شحاتة في التطبيق المعاصر للزكاة: ص ١١٩.
(٢) انظر مايأتي في بحث: زكاة الغنم.
ويؤيد هذا الرأي أن أستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة رأى في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية سنة ١٩٦٥م كما تقدم أنه إذا كانت الأسهم تتخذ للاستثمار، وهي ممثلة في رأس مال شركة مساهمة، فإن دفع الشركة للزكاة يغني عن دفع حامل السهم.
إلا أن مجمع البحوث الإسلامية أوصى بأنه في الشركات المساهمة التي يساهم فيها عدد من الأفراد لا ينظر في تطبيق هذه الأحكام إلى مجموع أرباح الشركات، وإنما ينظر إلى ما يخص كل شريك على حدة.
لكني أخالف هذا الاتجاه للأسباب السابقة، أما في حال تفرقة الزكاة وتوزيعها فلا مانع من إعطاء صاحب الأسهم زكاته ليتولى تفرقتها بالنيابة عن الشركة، وأصالة عن نفسه.
وقد قررت الجمعية العمومية لحاملي أسهم دار المال الإسلامي في المملكة العربية السعودية إعطاء الحق لمن يريد من المساهمين بسحب الزكاة المستحقة على حصته من الأسهم لتوزيعها بمعرفته الشخصية، وكان القرار ينص على استمرار الدار في مباشرة خصم (حسم) مبالغها (الزكاة) والمستحقة شرعًا.
وعلى كل مساهم يرغب في القيام بصرف ما يخصه من مبالغ طلب ذلك قبل ثلاثة أشهر من نهاية السنة المالية، وذلك حتى تقوم الدار بتسليمها له على وفق الإجراءات التي تقرها هيئة الرقابة الشرعية للدار.
والخلاصة: أرى أن تكون زكاة الأسهم في الشركات بحسب قيمتها التجارية المعلن عنها في الأسواق لا بقيمتها الاسمية فقط، وأن تزكى زكاة عروض التجارة بنسبة ٥،٢% إذا كانت الشركة تجارية، فإن كانت الشركة صناعية محضة لا تتاجر ولا تنتج سلعًا تجارية، فلا تزكى الأسهم، أما إن نتجت سلعًا تجارية كشركة نتاج
الثلاّجات فتزكى الأسهم بعد استقطاع ما يقابل قيمة الآلات الصناعية والمباني. وتقوم الشركة نفسها بتقدير زكاة الأسهم جميعها وتزكيها هي، لا أصحاب الأسهم، ويمكنها أثناء توزيع الزكاة إعطاء صاحب الأسهم زكاتها ليقوم هو بإعطائها للفقراء، والله أعلم.
المطلب الثاني - زكاة المعادن والركاز:
اختلف الفقهاء في معنى المعدن، والركاز أو الكنز، وفي أنواع المعادن التي تجب فيها الزكاة، وفي مقادير الزكاة في كل من المعدن والركاز. فالمعدن هو الركاز عند الحنفية، وهما مختلفان عند الجمهور، والمعدن الواجب فيه الزكاة: هو الذهب والفضة عند المالكية والشافعية، وهو كل ما ينطبع بالنار عند الحنفية، ويشمل كل أنواع المعادن الجامدة والسائلة عند الحنابلة. وفي المعادن: الخمس لدى الحنفية، وربع العشر عند الشافعية والمالكية والحنابلة، وفي الركاز الخمس بالاتفاق، ويظهر ذلك من التفصيل الآتي، علمًا بأن الواجب في المعادن زكاة عند الجمهور، غنيمة عند الحنفية، وأن الواجب في الركاز عند الجمهورغنيمة للمصالح العامة، ويصرف مصارف الزكاة عند الشافعية، ويشترط في المعدن بلوغ النصاب بالاتفاق، ولا يشترط في الركاز بلوغ النصاب عند الجمهور ويشترط ذلك عند الشافعية.
والمعدن والركاز وإن كانا من الذهب والفضة إلا أنهما اعتبرا نوعًا مستقلًا، لتعلق أحكام خاصة بهما، كاشتراط الحول والنسبة المئوية التي تدفع للمستحقين.
١ - مذهب الحنفية (١):
المعدن، والركاز أو الكنز بمعنى واحد: وهو كل مال مدفون تحت الأرض،
(١) فتح القدير: ٥٣٧/ ١ - ٥٤٣، الدر المختار: ٥٩/ ٢ - ٦٥، البدائع:٦٥/ ٢ - ٦٨.
إلا أن المعدن هو ما خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلق الأرض، والركاز أوالكنز: هوالمال المدفون بفعل الناس الكفار.
والمعادن ثلاثة أنواع:
أـ جامد يذوب وينطبع بالنار كالنقدين (الذهب والفضة) والحديد والنحاس والرصاص، ويلحق به الزئبق، وهذا هو الذي يجب فيه الزكاة وهي الخمس، وإن لم يبلغ نصابًا.
ب - جامد لا يذوب ولا ينطبع بالنار كالجص والنورة (حجر الكلس) والكحل، والزرنيخ وسائر الأحجار كالياقوت والملح.
جـ - مائع ليس بجامد: كالقار (الزفت) والنفط (البترول).
ولا يجب الخمس إلا في النوع الأول، سواء وجد في أرض خراجية أو عشرية (١)، ويصرف الخمس مصارف خمس الغنيمة، ودليلهم الكتاب والسنة الصحيحة والقياس.
أما الكتاب: فقوله تعالى: ﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه﴾ [الأنفال:٤١/ ٨] ويعد المعدن غنيمة؛ لأنه كان في محله من الأرض في أيدي الكفرة، وقد استولى عليه المسلمون عنوة.
وأما السنة: فقوله ﷺ: «العجماء جُبَار - أي هدر لا شيء فيه - والبئر جبار،
(١) الأرض الخراجية: هي كل أرض فتحت عنوة وأقر أهلها عليها، أو صالحهم الإمام على دفع الخراج (ضريبة أهل الكفار) إلا أرض مكة، فإنها فتحت عنوة وتركت لأهلها، ولم يوظف عليها الخراج. والأرض العشرية: هي كل أرض أسلم أهلها عليها قبل أن يقدر عليها، أو فتحت عنوة وقسمت بين الغانمين، وأرض العرب كلها أرض عشر، يجب فيها العشر الذي هو وظيفة أرض المسلمين (الكتاب مع اللباب: ١٣٧/ ٤ ومابعدها) فالأولى للدولة، والثانية مملوكة.
والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس» (١) والركاز يشمل المعدن والكنز؛ لأنه من الركز أي المركوز، سواء من الخالق أو المخلوق.
وأما القياس: فهو قياس المعدن على الكنز الجاهلي، بجامع ثبوت معنى الغنيمة في كل منهما، فيجب الخمس فيهما.
والزائد عن الخمس: إن وجد في أرض مملوكة فهو لمالكه. وإن وجد في أرض غير مملوكة لأحد كالصحراء والجبل فهو للواجد.
ووجوب الخمس في الركاز: هو إن كان عليه علامة الجاهلية كوثن أو صليب ونحوهما، فإن كان عليه علامة الإسلام مثل كلمة الشهادة؛ أو اسم حاكم مسلم، فهو لقطة لا يجب فيه الخمس.
وكذلك لا يجب الخمس عند أبي حنيفة إن وجد المعدن أو الركاز في دار مملوكة؛ لأنه جزء من أجزاء الأرض مركب فيها، ولا مؤنة (ضريبة) في سائر الأجزاء، فكذا في هذا الجزء. وقال الصاحبان: فيه الخمس، لإطلاق الحديث السابق: «وفي الركاز الخمس» من غير تفرقة بين الأرض والدار. وفرق أبو حنيفة بينهما بأن الدار ملكت خالية عن المؤن (التكاليف) دون الأرض، بدليل وجوب العشر والخراج في الأرض دون الدار، فتكون هذه المؤنة (الخمس) واجبة مثلهما في الأرض دون الدار.
ولا زكاة في النوعين الآخرين من المعادن (ما لا ينطبع بالنار، والمائع) إلا الزئبق من المائع، فإنه يجب فيه الخمس؛ لأنه كالرصاص.
(١) رواه الأئمة الستة في كتبهم عن أبي هريرة (نصب الراية: ٣٨٠/ ٢).
ولا زكاة في الفيروزج الذي يوجد في الجبال، لقوله ﷺ: «لا خمس في الحجر» (١).
ولا زكاة في اللؤلؤ (مطر الربيع) والعنبر (حشيش يطلع في البحر، أو خثي دابة) ولا في جميع ما يستخرج من البحر من الحلي ولو ذهبًا كنزًا؛ لأنه لم يرد عليه القهر، فلم يكن غنيمة، إلا إذا أعد للتجارة.
وأما الكنز أو الركاز: فيجب فيه الخمس إذا وجد في أرض لا مالك لها، للحديث السابق: «وفي الركاز الخمس» ويلحق به كل ما يوجد تحت الأرض من الأمتعة من سلاح وآلات وثياب ونحو ذلك؛ لأنه غنيمة بمنزلة الذهب والفضة.
ومن دخل دار الحرب بأمان، فوجد في دار بعضهم ركازًا، رده عليهم تحرزًا عن الغدر؛ لأن ما في الدار في يد صاحبها خاصة، وإن لم يرده وأخرجه من دار الحرب ملكه ملكًا خبيثًا، فيتصدق به. وإن وجده في صحراء في دار الحرب، فهو للواجد؛ لأنه ليس في يد أحد على الخصوص، فلا يعد غدرًا، ولا شيء فيه؛ لأنه بمنزلة المتلصص في دار الحرب غير المجاهر إذا أخذ شيئًا من أموال الحربيين، وأحرزه بدار الإسلام.
٢ - مذهب المالكية (٢):
المعدن غير الركاز، والمعدن: هو ما خلقه الله في الأرض من ذهب أو فضة أو غيرهما كالنحاس والرصاص والكبريت، ويحتاج إخراجه إلى عمل وتصفية.
ملكية المعادن: المعادن أنواع ثلاثة:
(١) قال الزيلعي عنه: غريب، وأخرج ابن عدي في الكامل عن عمرو بن شعيب عن أبيه: «لا زكاة في حجر» وفيه ضعيف أو مجهول. وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة: «ليس في حجر اللؤلؤ، ولا حجر الزمرد زكاة، إلا أن يكون للتجارة، فإن كانت للتجارة ففيه الزكاة» (نصب الراية: ٢٨٣/ ٢).
(٢) القوانين الفقهية: ص١٠٢، بداية المجتهد: ٢٥٠/ ١، الشرح الصغير: ٦٥٠/ ١ - ٦٥٦، الشرح الكبير: ٤٨٦/ ١ - ٤٩٢.
الأول - أن تكون في أرض غير متملكة: فهي للإمام (الدولة) يقطعها لمن شاء من المسلمين، أو يجعلها في بيت المال لمنافعهم، لا لنفسه.
الثاني - أن تكون في أرض مملوكة لشخص معين: هي للإمام أيضًا، ولايختص بها رب الأرض. وقيل: لصاحبها.
الثالث - أن تكون في أرض ممتلكة لغير شخص معين كأرض العنوة والصلح: أرض العنوة للإمام، ومعادن أرض الصلح لأهلها، ولا نتعرض لهم فيها ماداموا كفارًا، فإن أسلموا رجع الأمر للإمام. والخلاصة: أن حكم المعدن مطلقًا للإمام (أي السلطان أو نائبه) إلا أرض الصلح ما دام أهلها كفارًا.
الواجب في المعدن: تجب الزكاة في المعدن، وهي ربع العشر إن كان نصابًا، وبشرط الحرية والإسلام كما يشترط في الزكاة، لكن لا حول في زكاة المعدن، بل يزكى لوقته كالزرع، والمعدن الذي تجب فيه الزكاة هو الذهب والفضة فقط، لا غيرهما من المعادن من نحاس ورصاص وزئبق وغيرها إلا إذا جعلت عروض تجارة. وسبب الاختلاف بينهم وبين الحنفية في مقدار الواجب: هو هل اسم الركاز يتناول المعدن أو لا يتناوله؟ الحنفية قالوا: يتناوله، فيعمل بالحديث السابق: «وفي الركاز الخمس» والمالكية قالوا: لا يتناوله فتجب فيه زكاة النقدين ربع العشر، وتصرف مصارف الزكاة.
ويضم في الزكاة المعدن المستخرج ثانيًا لما استخرج أولًا، متى كان العِرْق واحدًا، أي متصلًا بما خرج أولًا، فإن بلغ الجميع نصابًا فأكثر، زكاه، وإن تراخى العمل.
ولا يضم عِرْق لآخر، كما لا يضم معدن لآخر، وتخرج الزكاة من كل واحد على انفراده.
ويستثنى من ذلك ما يسمى بالنَّدْرَة: وهي القطعة الخالصة من الذهب أو الفضة التي يسهل تصفيتها من التراب، فلا تحتاج إلى عناء في التخليص، ويخرج
منها الخمس، ولو دون نصاب، وتصرف مصارف الغنيمة وهو مصالح المسلمين، كما قال الحنفية في المعدن الذي ينطبع بالنار.
وأما الركاز أوالكنز: فهو دفين الجاهلية من ذهب أو فضة أو غيرهما، فإن شك في المال المدفون، أهو جاهلي أم غيره، اعتبر جاهليًا.
ملكيته: يختلف حكم ملكية الركاز باختلاف الأرض التي وجد فيها، وهو أربعة أنواع:
الأول - أن يوجد في الفيافي، ويكون من دفن الجاهلية: فهو لواجده.
الثاني - أن يوجد في أرض مملوكة: فهو لمالك الأرض الأصلي بإحياء أو بإرث منه، لا لواجده، ولا لمالكها بشراء أو هبة، بل للبائع الأصلي أوالواهب إن علم، وإلا فلقطة.
الثالث - أن يوجد في أرض فتحت عنوة: فهو لواجده.
الرابع - أن يوجد في أرض فتحت صلحًا: فهو لواجده.
هذا كله مالم يكن بطابع المسلمين، فإن كان بطابع المسلمين، فحكمه حكم اللقطة: يُعرَّف عامًا ثم يكون لواجده.
زكاته: يجب الخمس في الركاز مطلقًا، سواء أكان ذهبًا أم فضة أم غيرهما، وسواء وجده مسلم أو غيره. ويصرف الخمس كالغنائم في المصالح العامة، إلا إذا احتاج إخراجه إلى عمل كبير أو نفقة عظيمة، فيكون الواجب فيه ربع العشر، ويصرف في مصارف الزكاة.
ولا يشترط في الواجب في الركاز في الحالين بلوغ النصاب، والباقي من الركاز بعد إخراج الواجب يكون للواجد، إلا إذا كان في أرض مملوكة، فيكون لمالك الأرض الأصلي، كما بينت.
ولا زكاة فيما لفظه (طرحه) البحر مما لم يكن مملوكًا لأحد، كعنبر ولؤلؤ
ومرجان وسمك (١)، ويكون لواجده الذي وضع يده عليه أولًا، بلا تخميس؛ لأن أصله الإباحة. فإن سبق ملكه لأحد من أهل الجاهلية، فهو لواجده بعد تخميسه؛ لأنه من الركاز. وإن علم أنه لمسلم أو ذمي فهو لقطة، يعرَّف عامًا.
٣ - مذهب الشافعية (٢):
المعدن غير الركاز، فالمعدن: ما يستخرج من مكان خلقه الله تعالى فيه، وهو خاص بالذهب والفضة، كما قال المالكية.
ويجب فيه ربع العشر إن كان ذهبًا أو فضة، لا غيرهما كياقوت وزبرجد ونحاس وحديد، سواء وجد في أرض مباحة أو مملوكة لحر مسلم، لعموم أدلة الزكاة السابقة، كخبر: «وفي الرِّقَة ربع العشر»، بشرط كونه نصابًا، كما قال باقي الأئمة، ولا يشترط حولان الحول على المذهب؛ لأن الحول إنما يعتبر لأجل تكامل النماء، والمستخرج من المعدن نماء في نفسه، فأشبه الثمار والزروع.
ويضم بعض المستخرج إلى بعض إن اتحد المعدن المخرج، وتتابع العمل، كما يضم المتلاحق من الثمار، ولا يشترط بقاء الأول على ملك المستخرج، ويشترط اتحاد المكان المستخرج منه، فلو تعدد لم يضم؛ لأن الغالب في اختلاف المكان استئناف العمل. وإذا قطع العمل بعذر كإصلاح الآلة وهرب الأجراء والمرض والسفر، ثم عاد إليه، ضُمَّ، وإن طال الزمن عرفًا لعدم إعراضه. وإذا قطع العمل بلا عذر فلا يضم، لإعراضه عن العمل.
ويضم الخارج الثاني إلى الأول، كما يضم إلى ما ملكه بغير المعدن في إكمال النصاب، وتخرج زكاته عقب تخليصه وتنقيته، فلو أخرج قبل تصفيته لا تجزئ.
وأما الركاز فهو دفين الجاهلية (٣)، ويجب فيه الخمس، كما قرر الحنفية،
(١) وهذا موافق لمذهب الحنفية السابق.
(٢) مغني المحتاج: ٣٩٤/ ١ - ٣٩٦، المهذب: ١٦٢/ ١.
(٣) المراد بالجاهلية: ما قبل الإسلام أي قبل مبعث النبي ﷺ.
حالًا بشروط الزكاة من حرية وإسلام وبلوغ نصاب، وكونه من النقدين (الذهب والفضة المضروب منهما والسبيكة)؛ لأنه مال مستفاد من الأرض، فاختص بما تجب فيه الزكاة قدرًا ونوعًا ك المعدن، ولا يشترط حولان الحول، ويصرف مصرف الزكاة على المشهور. ودليل قدر الواجب فيه حديث أبي هريرة المتقدم: «وفي الركاز الخمس».
فإن لم يكن دفين الجاهلية: بأن كان إسلاميًا بوجود علامة عليه تدل على إسلاميته، أو لم يعلم أهو جاهلي أو إسلامي: فهو لمالكه أو وارثه إن علم؛ لأن مال المسلم لا يملك بالاستيلاء عليه. وإن لم يعلم مالكه، فلقطة، يعرّفه الواجد، كما يعرّف اللقطة الموجودة على وجه الأرض.
وإذا وجد الركاز في أرض مملوكة لشخص أو لموقوف عليه، فللشخص إن ادعاه، يأخذه بلا يمين، كأمتعة الدار، وإن لم يدعه بأن نفاه أو سكت، فلمن سبقه من المالكين، حتى ينتهي الأمر إلى محيي الأرض.
وإذا وجد الركاز في مسجد أو شارع، فلقطة على المذهب، يفعل فيه ما يفعل باللقطة مما سبق؛ لأن يد المسلمين عليه، وقد جهل مالكه، فيكون لقطة.
ولو تنازع في ملك الركاز بائع ومشتر، أو مُكْر ومكتر، أو معير ومستعير، صُدِّق ذو اليد (أي المشتري والمكتري والمستعير) بيمينه؛ كما لو تنازعا في أمتعة الدار.
٤ - مذهب الحنابلة (١):
المعدن غير الركاز، والمعدن: هو مااستنبط من الأرض مما خلقه الله تعالى وكان من غير جنسها، فليس هو شيء دفن، سواء أكان جامدًا أم مائعًا.
ملكيته: المعادن الجامدة كالذهب والفضة والنحاس تملك بملك الأرض التي هي فيها؛ لأنها جزء من أجزاء الأرض، فهي كالتراب والأحجار الثابتة، بخلاف
(١) المغني: ١٧/ ٣ - ٢٩.
الركاز، فإنه ليس من أجزاء الأرض. فعلى هذا ما يجده الواجد في ملك أو في موات، فهو أحق به، وإن سبق اثنان إلى معدن في موات فالسابق أولى به مادام يعمل، فإذا تركه جاز لغيره العمل فيه، وما يجده في مملوك يعرف مالكه، فهو لمالك المكان.
أما المعادن السائلة كالنفط والزرنيخ ونحو ذلك، فهي مباحة على كل حال، إلا أنه يكره له دخول ملك غيره إلا بإذنه.
صفة المعدن الذي تجب فيه الزكاة: هو كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها، فإذا أخرج من المعادن من الذهب عشرون مثقالًا، أو من الفضة مئتا درهم (نصاب الزكاة)، أو قيمة ذلك من الحديد والرصاص والنحاس والزئبق والياقوت والزبرجد والبلور والعقيق والكحل والزرنيخ، وكذلك المعادن السائلة كالقار (الزفت) والنفط والكبريت ونحو ذلك، مما يستخرج من الأرض، ففيه الزكاة فورًا أي من وقت الإخراج.
ودليلهم عموم قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم، ومما أخرجنا لكم من الأرض﴾ [البقرة:٢٦٧/ ٢] وأنه معدن، فتعلقت الزكاة بالخارج منه كالأثمان (الذهب والفضة). وأما الطين فليس بمعدن؛ لأنه تراب، والمعدن: ما كان في الأرض من غير جنسها.
قدر الواجب وصفته: قدر الواجب في المعدن هو ربع العشر، وصفته أنه زكاة، كما قال الشافعية، لما روى أبو عبيد: «أن رسول الله ﷺ أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القَبَلية (١) في ناحية الفُرْع، قال: فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم» ولأنه حق يحرم على أغنياء ذوي القربى، فكان زكاة كالواجب في الأثمان التي كانت مملوكة له.
(١) قال أبو عبيد: القبلية بلاد معروفة بالحجاز.
نصاب المعادن: هو ما يبلغ من الذهب عشرين مثقالًا، ومن الفضة مئتي درهم، أو قيمة ذلك من غيرهما، لقوله ﷺ: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» وقوله: «ليس في تسعين ومئة شيء» وقوله: «ليس عليكم في الذهب شيء حتى يبلغ عشرين مثقالًا».
ولا يشترط له الحول لحصوله دفعة واحدة، فأشبه الزروع والثمار.
ويعتبر إخراج النصاب دفعة واحدة، أو دفعات لا يترك العمل بينهن ترك إهمال. وترك العمل ليلًا أو للاستراحة أو لعذر من مرض أو لإصلاح الأداة ونحوه لا يقطع حكم العمل.
ويضم ما خرج في العملين بعضه إلى بعض في إكمال النصاب. ولا يضم أحد الأجناس إلى جنس آخر، ويعتبر لكل معدن نصاب مستقل بانفراده؛ لأن المعادن أجناس، فلا يكمل نصاب أحدهما بالآخر كغير المعدن، إلا في الذهب والفضة، فيضم كل منهما إلى الآخر في تكميل النصاب، كما يضم إلى كل منهما معدن آخر، وكما تضم عروض التجارة إلى الأثمان (الذهب والفضة).
وقت الوجوب: تجب الزكاة في المعدن حين الإخراج وبلوغ النصاب، ولا يعتبر له حول باتفاق المذاهب الأربعة؛ لأنه مال مستفاد من الأرض، فلا يعتبر في وجوب حقه حول، كالزرع والثمار والركاز.
شروط إخراج الزكاة في المعادن: يشترط شرطان:
الأول - أن يبلغ بعد سبكه وتصفيته نصابًا إن كان ذهبًا أو فضة أو تبلغ قيمته نصابًا إن كان غيرهما، كما أوضحت.
الثاني - أن يكون مخرجه ممن تجب عليه الزكاة، فلا تجب على الذمي أو الكافر أو المدين أو نحو ذلك.
معادن البحر: لا زكاة في المستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر والسمك ونحوه، كما قرر باقي المذاهب، لقول ابن عباس: «ليس في العنبر شيء، إنما هو شيء ألقاه البحر» وعن جابر نحوه (١)، ولأنه قد كان يخرج على عهد رسول الله ﷺ وخلفائه، فلم يأت فيه سنة، ولا عن أحد من خلفائه، ولأن الأصل عدم الوجوب فيه، ولا يصح قياسه على معدن البر؛ لأن العنبر إنما يلقيه البحر، فيوجد ملقى في البر على الأرض من غير تعب، فأشبه المباحات المأخوذة من البر، وأما السمك فهو صيد، فلم يجب فيه زكاة كصيد البر.
وأما الركاز: فهو دفين الجاهلية، أي مال الكفار المأخوذ في عهد الإسلام، قل أو كثر، ويلحق به ما وجد على وجه الأرض وكان عليه علامة الكفار. وفيه الخمس، كما قرر الحنفية والشافعية والمالكية، للحديث السابق المتفق عليه: «العجماء جُبَار، وفي الركاز الخمس».
فإن وجد عليه أو على بعضه علامة الإسلام كآية قرآن أو اسم النبي ﷺ أو أحد من خلفاء المسلمين أو وال لهم، فهو لقطة، تجري عليه أحكامها؛ لأنه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه.
وخمس الركاز يوضع في بيت المال ويصرف في المصالح العامة، وباقيه لواجده إن وجده في أرض مباحة، ولمالك الأرض إن وجد في أرض مملوكة، وهو للواجد إن وجده في ملك غيره إن لم يدّعه المالك، فإن ادعاه مالك الأرض فهو له مع يمينه.
وإن وجد الركاز في دار الحرب: فإن لم يقدر إلا بجماعة من المسلمين، فهو
(١) رواهما أبو عبيد.
غنيمة لهم، وإن قدر عليه بنفسه، فهو لواجده، كما لو وجده في موات في أرض المسلمين.
صفة الركاز الذي فيه الخمس: هو كل ما كان مالًا على اختلاف أنواعه من الذهب والفضة والحديد والرصاص والنحاس والآنية وغير ذلك، لعموم الحديث: «وفي الركاز الخمس».
قدر الواجب في الركاز ومصرفه: أما قدره فهو الخمس، للحديث المتقدم والإجماع، وأما مصرفه على الأصح من الروايتين عن أحمد فهو مصرف الفيء للمصالح العامة، عملًا بفعل عمر في هذا الشأن، ولأنه مال مخمس زالت عنه يد الكافر، فأشبه خمس الغنيمة.
من يجب عليه الخمس: هو كل من وجده من مسلم وذمي وحر وغيره وكبير وصغير وعاقل ومجنون، وهو رأي الجمهور لعموم حديث «وفي الركاز الخمس»، وقال الشافعية: لا يجب الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة؛ لأنه زكاة.
ويجوز أن يتولى الإنسان تفرقة الخمس بنفسه، وهو رأي الفقهاء الآخرين؛ لأن عليًا أمر واجد الكنز بتفرقته على المساكين.
المطلب الثالث - زكاة عروض التجارة:
أبحث فيه المقصود بعروض التجارة، وشروط الزكاة فيها، وتقويم العروض ومقدار الواجب، وحكم ضم الربح والنماء ومال غير التجارة إلى أصل المال، وكيفية زكاة التجارة عند المالكية، وزكاة شركة المضاربة.
أولًا - معنى عروض التجارة: العروض جمع عَرَض (بفتحتين): حطام الدنيا، وبسكون الراء: هي ما عدا
النقدين (الدراهم الفضية والدنانير الذهبية) من الأمتعة والعقارات وأنواع الحيوان والزروع والثياب ونحو ذلك مما أعد للتجارة. ويدخل فيها عند المالكية الحلي الذي اتخذ للتجارة. والعقار الذي يتجر فيه صاحبه بالبيع والشراء حكمه حكم السلع التجارية، ويزكى زكاة عروض التجارة. أما العقار الذي يسكنه صاحبه أو يكون مقرًا لعمله كمحل للتجارة ومكان للصناعة، فلا زكاة فيه.
ثانيًا - شروط زكاة العروض التجارية: اشترط الفقهاء لوجوب زكاة عروض التجارة شروطًا، أربعة عند الحنفية، وخمسة عند المالكية، وستة عند الشافعية، وشرطين فقط عند الحنابلة (١)، منها ثلاثة شروط متفق عليها وهي بلوغ النصاب، وحولان الحول، ونية التجارة، ومنها شروط زوائد في بعض المذاهب، وهي ما يأتي:
١ً - بلوغ النصاب: أن تبلغ قيمة أموال التجارة نصابًا من الذهب أو الفضة المضروبين، وتعتبر في البلد الذي فيه المال، فإن كان في مفازة اعتبرت قيمتها في أقرب الأمصار إلى تلك المفازة.
ودليلهم على هذا الشرط أحاديث مرفوعة وموقوفة تتضمن تقويم مال التجارة، فيؤدى من كل مئتي درهم خمسة دراهم (٢).
(١) البدائع: ٢١/ ٢، الدر المختار: ٤٥/ ٢، تبيين الحقائق: ٢٨٠/ ١، فتح القدير: ٥٢٦/ ١ - ٥٢٨، اللباب: ١٥٠/ ١ ومابعدها، بداية المجتهد: ٢٦٠/ ١ - ٢٦٤، القوانين الفقهية: ص١٠٣، الشرح الصغير: ٦٣٦/ ١ - ٦٣٨، ٦٤١ مغني المحتاج: ٣٩٧/ ١ - ٤٠٠، المهذب: ١٥٩/ ١ - ١٦١، كشاف القناع: ٢٨٠/ ٢ ومابعدها، المغني: ٢٩/ ٣ - ٣٦.
(٢) من المرفوعة حديث حسن عند أبي داود عن سمرة بن جندب، ومن الموقوفة حديث عن عمر رواه أحمد وعبد الرزاق والدارقطني (نصب الراية: ٣٧٥/ ٢ - ٣٧٨).
وقال المالكية في هذا الشرط: إن كان التاجر محتكرًا وجب أن يبيع من عروض التجارة بنصاب من الذهب أو الفضة. وإن كان مديرًا لزم أن يبيع من ذلك بأي شيء منهما ولو درهمًا.
والمدير: هو الذي يبيع ويشتري ولا ينتظر وقتًا ولا ينضبط له حول كأهل الأسواق، فيجعل لنفسه شهرًا في السنة ينظر فيه ما معه من النقود، ويقوِّم مامعه من العروض ويضمه إلى النقود، ويؤدي زكاة ذلك إن بلغ نصابًا بعد إسقاط الدين إن كان عليه.
وأما المحتكر أو غير المدير: فهو الذي يشتري السلع، وينتظر بها الغلاء. فلا زكاة عليه فيها حتى يبيعها، فإن باعها بعد حول أو أحوال، زكى الثمن لسنة واحدة.
والخلاصة: إن الجمهور غير المالكية قالوا: المدير وغير المدير لهما حكم واحد، وأن من اشترى عرضًا للتجارة فحال عليه الحول، قومه وزكاه، فلا يجب على المدير شيء عند الجمهور؛ لأن الحول إنما يشترط في عين المال، لا في نوعه. وأما مالك فأوجب على المدير الزكاة، وإن لم يحل الحول على عين المال، ويكفي حولانه على نوع المال، لئلا تسقط الزكاة رأسًا عن المدير، وهذا أخذ بمبدأ المصالح المرسلة التي لا يشترط فيها عند مالك استنادها إلى أصول منصوص عليها.
٢ً - حولان الحول: أن يحول على الأموال (أي القيمة) الحول من وقت ملك العروض، لا على السلعة نفسها. والمعتبر في ذلك عند الحنفية، والمالكية (في غير المدير): طرفا الحول لا وسطه، أما في الابتداء فلتحقق الغنى، وأما في الانتهاء فللوجوب، فمن ملك في أول الحول نصابًا، ثم نقص في أثنائه، ثم كمل في آخره، وجبت فيه الزكاة، أما لو نقص في أوله أو في آخره فلا تجب فيه الزكاة.
والمعتبر عند الشافعية: بلوغ النصاب آخر الحول من البدء بالمتاجرة؛ لأنه وقت الوجوب، لا بطرفيه معًا أي أوله وآخره، وبناء عليه إذا كان مع تاجر في أول الحول ما يكمل به النصاب كمئة درهم اشترى بخمسين منها عرضًا للتجارة، فبلغت قيمته في آخر الحول مئة وخمسين، فإنه تلزمه زكاة الجميع آخر الحول.
والمعتبر عند الحنابلة: بلوغ النصاب في جميع الحول، ولا يضر النقص اليسير في أثنائه كنصف يوم مثلًا، أي أنه لا زكاة قبل اكتمال النصاب في البدء والأثناء والانتهاء.
٣ً - نية التجارة حال الشراء: أن ينوي المالك بالعروض التجارة حالة شرائها، أما إذا كانت النية بعد الملك، فلا بد من اقتران عمل التجارة بنية، ويشترط أيضًا عند الحنفية أن يكون الشيء المتجر فيه صالحًا لنية التجارة، فلو اشترى أرضًا خراجية للتجارة، ففيها الخراج لا الزكاة، ولو اشترى أرضًا عشرىة وزرعها، وجب في الزرع الناتج العشر، دون الزكاة.
واشترط الشافعية أن ينوي بالعروض التجارة حال المعاوضة في صلب العقد أو في مجلسه، فإن لم ينو على هذا الوجه فلا زكاة فيها. ويشترط تجديد نية التجارة عند كل معاوضة حتى يفرغ رأس المال.
٤ً - ملك العروض بمعاوضة: اشترط الجمهور غير الحنفية أن تملك العروض بمعاوضة كشراء وإجارة ومهر، فإن ملكت بغير معاوضة كإرث أو خلع أو هبة أو وصية أو صدقة مثلًا، كأن ترك شخص لورثته عروض تجارة، فلا زكاة فيها حتى يتصرفوا فيها بنية التجارة. وزاد المالكية أن يكون ثمن العروض ممتلكًا بمعاوضة مالية أيضًا، لا بنحو هبة أو إرث، ومن كان يبيع العروض بالعرض ولا ينض (يتحول نقدًا) له من ثمن ذلك نقد، فلا زكاة عليه عند المالكية إلا أن يفعل ذلك فرارًا من الزكاة فلا تسقط، وعليه الزكاة عند المذاهب الأخرى.
٥ ً - ألا يقصد بالمال القِنْية (أي إمساكه للانتفاع به وعدم الاتجار به): هذا شرط ذكره الشافعية والحنابلة والمالكية، فإن قصد ذلك انقطع الحول، وإذا أراد التجارة بعدئذ، احتاج لتجديد نية التجارة.
٦ ً - ألا يصير جميع مال التجارة في أثناء الحول نقدًا وهو أقل من النصاب: هذا شرط آخر عند الشافعية، فإن صار جميع المال نقدًا مع كونه أقل من نصاب، انقطع الحول. ولم يشترط غير الشافعية هذا الشرط.
٧ً - ألا تتعلق الزكاة بعين العرض: هذا شرط عند المالكية، فإن تعلقت الزكاة بعينه كحلي الذهب أو الفضة، وكالماشية (الإبل والبقر والغنم) والحرث (الزرع والثمر) وجبت زكاته إن بلغ نصابًا مثل زكاة النقدين والأنعام والحرث، فإن لم تتعلق الزكاة بعين المال كالثياب والكتب وجبت زكاة التجارة.
والخلاصة: إن الحنابلة اشترطوا لوجوب الزكاة في عروض التجارة شرطين (١):
الأول - أن يملكها بفعله كالشراء، وهو الشرط الرابع لدينا.
الثاني - أن ينوي التجارة حال التملك، وهو الشرط الثالث السابق.
والحنفية اشترطوا أربعة شروط:
الأول - بلوغ النصاب.
(١) الواقع أن هذين الشرطين اللذين ذكرا في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: ٤٩٠/ ١ منقولان عن المغني: ٣١/ ٣، وكشاف القناع: ٢٨٠/ ٢، وهما شرطان لتصير العروض للتجارة، وهما مقرران أيضًا لدى الشافعية (المهذب: ١٥٩/ ١) أما بقية الشروط مثل بلوغ النصاب وحولان الحول فيقررهما الحنابلة مثل الشافعية تمامًا (انظر المغني: ٣٠/ ٣ - ٣٢، ٣٦).
والثاني - حولان الحول.
والثالث - نية التجارة مصحوبة بعمل التجارة فعلًا؛ لأن مجرد النية لا يكفي.
والرابع - أن تكون الأموال صالحة لنية التجارة.
والمالكية اشترطوا خمسة شروط:
الأول - ألا تتعلق الزكاة في عينه كالثياب والكتب.
الثاني - أن يملك العرض بمعاوضة أو مبادلة كشراء، لا بإرث وهبة ونحوهما.
الثالث - أن ينوي بالعرض التجارة حال شرائه.
الرابع - أن يكون ثمن الشراء الذي اشترى به العرض مملوكًا بمعاوضة مالية أي بشراء، لا بنحو إرث أو هبة مثلًا.
الخامس - أن يبيع المحتكر من ذلك العرض نصابًا فأكثر، أو بأي شيء ولو درهمًا إذا كان مديرًا.
والشافعية اشترطوا ستة شروط:
الأول - أن تملك العروض بمعاوضة كشراء، لا بإرث مثلًا.
الثاني - أن ينوي بالعروض التجارة في صلب عقد المعاوضة أو في مجلسه، وإلا احتاج لتجديد نية التجارة.
الثالث - ألا يقصد بالمال القنية.
الرابع - مضي الحول من وقت ملك العروض أي من الشراء.
الخامس - ألا يصير جميع مال التجارة نقودًا وكان أقل من نصاب، وعبر عنه
الشافعية بقولهم: ألا ينضّ المال في الأظهر أي يصير الكل نقدًا من نقود البلد ببيع أو إتلاف من شخص معتد.
السادس - أن تبلغ قيمة العروض آخر الحول نصابًا.
ثالثًا - تقويم العروض ومقدار الواجب في هذه الزكاة وطريقة التقويم: يقوِّم التاجر العروض أو البضائع التجارية في آخر كل عام بحسب سعرها في وقت إخراج الزكاة، لا بحسب سعر شرائها، ويخرج الزكاة المطلوبة، وتضم السلع التجارية بعضها إلى بعض عند التقويم ولو اختلفت أجناسها، كثياب وجلود ومواد تموينية، وتجب الزكاة بلا خلاف في قيمة العروض، لا في عينها؛ لأن النصاب معتبر بالقيمة، فكانت الزكاة منها، وواجب التجارة هو ربع عشر القيمة كالنقد باتفاق العلماء، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة: الزكاة إذا حال عليها الحول (١).
وأدلة وجوب زكاة التجارة ما يأتي (٢):
١ً - قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم﴾ [البقرة:٢٦٧/ ٢] قال مجاهد: نزلت في التجارة.
٢ً - وقوله ﷺ: «في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البَزّ (٣) صدقته» (٤) وقال سمرة بن جندب: «كان رسول الله ﷺ
(١) المغني: ٢٩/ ٣.
(٢) مغني المحتاج: ٣٩٧/ ١، المغني: ٣٠/ ٣، البدائع: ٢٠/ ٢ - ٢١.
(٣) البز بفتح الباء: الثياب المعدة للبيع عند البزاين، والسلاح، وبما أن زكاة العين (أي اقتطاع جزء من ذات الشيء) لا تجب في السلاح والثياب، فتعين حمل الحديث على زكاة التجارة.
(٤) رواه الحاكم بإسنادين صحيحين على شرط الشيخين، والدارقطني، عن أبي ذر.
يأمرنا
أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع» (١) وعن أبي عمرو بن حماس عن أبيه قال: «أمرني عمر، فقال: أدّ زكاة مالك، فقلت: ما لي مال إلا جعاب وأدم، فقال: قوّمها، ثم أدّ زكاتها» (٢) قال ابن قدامة صاحب المغني: وهذه قصة يشتهر مثلها، ولم تنكر، فيكون إجماعًا.
وأما ما حكي عن مالك وداود أنه لا زكاة في التجارة لحديث: «عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق» فالمراد به زكاة العين فلا زكاة في عين الخيل، لازكاة القيمة، بدليل الأخبار التي ذكرتها، ثم إن هذا الخبر عام، والأخبار المذكورة خاصة، فيجب تقديمها. والمقرر عند المالكية هو وجوب زكاة التجارة.
وطريقة تقويم العروض (٣): هي عند الجمهور غير الشافعية أن تقوم السلع إذا حال الحول بالأحظ للمساكين من ذهب أو فضة احتياطًا لحق الفقراء، ولا تقوم بما اشتريت به. فإذا حال الحول على العروض، وقيمتها بالفضة نصاب، ولا تبلغ نصابًا بالذهب، قومناها بالفضة ليحصل للفقراء منها حظ، ولو كانت قيمتها بالفضة دون النصاب، وبالذهب تبلغ نصابًا قومناها بالذهب لتجب الزكاة فيها، ولا فرق بين أن يكون اشتراؤها بذهب أو فضة أو عروض.
وقال الشافعية: تقوم العروض بما اشتراها التاجر به من ذهب أو فضة؛ لأن نصاب العروض مبني على ما اشتراه به، فيجب أن تجب الزكاة فيه، وتعتبر به، كما لو لم يشتر به شيئًا. وعلى هذا إن ملك العرض بنقد قوِّم به إن ملك بنصاب أو دونه في الأصح، سواء أكان ذلك النقد هو الغالب أم لا، وسواء أبطله السلطان أم
(١) رواه أبو داود بإسناد مقارب عن سمرة.
(٢) رواه الإمام أحمد وأبو عبيد.
(٣) فتح القدير: ٥٢٧/ ١، البدائع: ٢١/ ٢، المغني: ٣٣/ ٣، بداية المجتهد: ٢٦٠/ ١ ومابعدها، مغني المحتاج: ٣٩٩/ ١، المهذب: ١٦١/ ١.
لا، لأنه أصل ما بيده، فكان أولى من غيره. وإن ملك العرض بعرض آخر للقنية أو بخلع أو نكاح أو صلح عن دم عمد، فيقوَّم بغالب نقد البلد، من الدراهم والدنانير؛ لأنه لما تعذر التقويم بالأصل، رجع إلى نقد البلد، على قاعدة التقويمات في الإتلاف ونحوه.
فإن حال الحول بمحل لا نقد فيه، كبلد يتعامل فيه بالفلوس أو نحوها، اعتبر أقرب البلاد إليه.
ولو ملك بدين في ذمة البائع أو بنحو سبائك، قوِّم بجنسه من النقد.
فإن غلب نقدان على التساوي في التعامل بالبلد، وبلغ مال التجارة بأحدهما دون الآخر نصابًا، قوم به، لبلوغه نصابًا بنقد غالب. فإن بلغ نصابًا بكل من النقدين الغالبين، قوم بالأنفع منهما للفقراء. وإن ملك العرض بنقد وعرض آخر، كأن اشترى بمئتي درهم وعرض قنية، قوم ما قابل النقد به، والباقي بغالب نقد البلد، كما لو انفرد الشراء بواحد منهما.
ورأي الجمهور أولى لسهولته ومراعاته مصالح الفقراء. وعلى هذا يجب على كل تاجر أن يجرد آخر كل عام ما لديه من بضائع، ويقدر قيمتها وقت الجرد عند الجمهور بالنقود الرائجة، فإن بلغت نصابًا، وجب عليه إخراج ربع عشر قيمة هذه الأموال ٥،٢%، ويضم الربح إلى رأس المال، ولا يقوَّم الأثاث وموجودات المحل وأدوات التجارة والصناعة والكسب وفروغ المحل.
هل يجوز إخراج الزكاة من عروض التجارة؟ اختلف الفقهاء على رأيين (١):
(١) البدائع: ٢١/ ٢، مغني المحتاج: ٣٩٩/ ١، المغني: ٣١/ ٣، القوانين الفقهية: ص١٠٣.
فقال الحنفية: يخير التاجر بين العين أو القيمة، فللمالك الخيار عند حولان الحول بين الإخراج من قيمة التجارة، فيخرج ربع عشر القيمة، وبين الإخراج من عينها، فيخرج ربع عشر العين التجارية؛ لأن التجارة مال تجب فيه الزكاة، فجاز إخراجها من عينه كسائر الأموال، وعلى هذا يصح لتاجر القماش مثلًا إخراج الزكاة من أعيان الأقمشة على أن يراعى اختيار الوسط من كل نوع، ويدفع الزكاة من كل نوع، لا أن يخرج الكاسد أو يخرج نوعًا واحدًا عن جميع الأنواع.
وقال الجمهور: يجب إخراج القيمة، ولا يجوز الإخراج من عين العروض التجارية؛ لأن النصاب معتبر بالقيمة، فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الأموال، ولا نسلم أن الزكاة تجب في المال، وإنما وجبت في قيمته.
رابعًا - حكم ضم الربح والنماء ومال غير التجارة إلى أصل المال: اتفق فقهاء المذاهب على أنه تضم أرباح التجارة إلى أصل رأس المال في الحول، كما يضم أيضًا عند الحنفية خلافًا لغيرهم المال المستفاد من غير التجارة كعطية وإرث إلى أصل المال، ويتضح ذلك فيما يأتي:
قال الحنفية (١): يضم الربح الناتج عن التجارة، والولد أو النماء في الماشية، والمال المستفاد من غير التجارة كالإرث والهبة إلى أصل رأس المال، إذا كان مالكًا للنصاب، في أول الحول الذي هو وقت انعقاد سبب إيجاب الزكاة، وبقي في أثناء الحول شيء من النصاب الذي انعقد عليه الحول، ليضم المستفاد إليه، وكان آخر الحول بمقدار النصاب، ويزكى الجميع في تمام الحول؛ لأن المستفاد من جنس الأصل وتبع له؛ لأنه زيادة عليه؛ إذ الأصل يزداد به ويتكثر، والزيادة تبع للمزيد
(١) البدائع: ١٣/ ٢ ومابعدها، فتح القدير: ٥٢٩/ ١، الدر المختار: ٣١/ ٢، تبيين الحقائق: ٢٨٠/ ١
عليه، والتبع لا يفرد بالحكم حتى لا ينقلب أصلًا. أما المستفاد بعد الحول، فلا يضم إلى الأصل في حق الماضي بلا خلاف. والسوائم المختلفة الجنس كالإبل والغنم لا تضم إلى بعضها. والنقدان كما بينت سابقًا يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب.
وقال المالكية (١): يضم الربح الناتج عن التجارة، وغلة المكترى للتجارة لأصل المال الذي نتج عنه في أثناء الحول، ولو كان الأصل أقل من نصاب.
وأما المستفاد بدون تجارة كالإرث والهبة، فلا يضم إلى أصل رأس المال في الحول، ولو كان نصابًا، بل يبدأ به حولًا جديدًا من يوم ملكه.
(١) الشرح الكبير مع الدسوقي: ٤٦١/ ١ - ٤٦٣، بداية المجتهد: ٢٦٣/ ١، وقالوا: نماء العين ربح وغلة وفائدة، أما الربح فهو ما يزيد عن ثمن المبيع المتجر به على ثمنه الأول ذهبًا أو فضة، وحكمه أنه يضم لحول أصله ولو أقل من نصاب. والغلة: ما تجدد من سلع التجارة قبل بيع رقابها (ذواتها) كثمر النخل المشترى للتجارة، وحكمها أنه يبدأ بها حولًا من يوم قبضها. والفائدة: ما تجدد لا عن مال أو عن مال غير مزكى كعطية وميراث وثمن عرض القنية، وحكمها البدء (الاستقبال) بها حولًا من يوم حصولها.
وأما الماشية المستفادة بإرث أو هبة ونحوهما فتضم إلى الماشية التي عنده إن كانت نصابًا، ولا تضم لها إن كانت أقل من نصاب.
ورأى الشافعية (١) في الأصح: أن الربح وولد العرض وثمره كثمر الشجرة وأغصانها وورقها وصوف الحيوان ووبره وشعره، هو مال تجارة يضم لأصل رأس المال، وأن حوله حول الأصل؛ ولو كان الأصل دون نصاب؛ لأن الربح ونحوه جزء من الأصل، فحوله حول الأصل تبعًا كنتاج الماشية السائمة.
وأما المال المستفاد من غير التجارة: فلا يضم إلى مال التجارة في الحول، وإنما له حول مستقل من يوم ملكه.
ومذهب الحنابلة (٢) كالشافعية تقريبًا إلا في اشتراط كون الأصل نصابًا، فقالوا: إذا كان في ملك إنسان نصاب للزكاة، فاتجر فيه، فنمى، أدى زكاة الأصل مع النماء إذا حال الحول، فحول النماء مبني على حول الأصل؛ لأنه تابع له في الملك، فتبعه في الحول كنتاج الماشية. وأما المال المستفاد من غير التجارة فلا يضم إلى حول الأصل، بل له حول مستقل من يوم ملكه.
خامسًا - كيفية زكاة التجارة عند المالكية: التاجر عند المالكية إما محتكر أو مدير، أو محتكر ومدير معًا (٣).
أـ أما المحتكر: وهو الذي يشتري السلع، وينتظر بها الغلاء، وحكمه: أنه لا زكاة عليه فيها حتى يبيعها، فإن باعها بعد عام أو أعوام بالنقود، زكى الثمن لسنة واحدة، وإن بقي عنده منها شيء، ضم الثمن إلى ما عنده منها.
وهذا مخالف لرأي الجمهور غير المالكية، فإنهم يقولون: يزكي المحتكر كل عام وإن لم يبع، ويخير عند الحنفية بين إخراج الزكاة من عين العروض أو قيمتها. ولا يجوز عند الشافعية في الجديد، والحنابلة الإخراج من عين العروض، كما تقدم سابقًا.
ويعتبر مبدأ حول المحتكر عند المالكية: يوم ملك الأصل أو يوم زكاته إن كان قد زكَّاه.
وأما ديون المحتكر التي له من التجارة: فلا يزكيها إلا إذا قبضها، ويزكيها لعام واحد فقط.
(١) مغني المحتاج: ٣٩٩/ ١.
(٢) المغني: ٣٧/ ٣.
(٣) الشرح الصغير: ٦٣٩/ ١ - ٦٤٢، القوانين الفقهية: ص١٠٣.
ب - وأما المدير: فهو الذي يبيع ويشتري ولا ينتظر وقتًا، ولا ينضبط له حول، كأهل الأسواق، فيجعل لنفسه شهرًا في السنة، ينظر فيه ما معه من النقود، ويقوَّم ما معه من العروض، ويضمه إلى النقود، ويؤدي زكاة ذلك إن بلغ نصابًا بعد إسقاط الدين إن كان عليه.
فحكم زكاته: أن يقوم في كل عام ما عنده من عروض، ولو كسد سوقها وبقيت عنده أعوامًا، ثم يضم قيمتها إلى ما عنده من النقود، ويزكي الجميع.
ويعتبر مبدأ حول المدير من وقت تملك الثمن الذي اشترى به عروض التجارة، أي أن حوله حول أصل المال الذي اشترى به السلع، فيبتدئ الحول من يوم ملك الأصل أو من يوم زكاته، ولو تأخرت الإدارة عنه، كما لو ملك نصابًا أو زكاة في شهر المحرم، ثم أداره في رجب، أي شرع في التجارة على وجه الإدارة في رجب، فحوله من المحرم.
وأما الديون التي للمدير من التجارة: فإن كانت حالة الأداء بأن كانت واجبة الدفع في الحال، أو حل أجل دفعها، وكانت مرجوة الخلاص (أي الدفع) ممن هي عليه، فيضم مقدار الدين إلى أصل المال، ويزكي الكل. وإن كان الدين عرضًا تجاريًا أو مؤجلًا مرجو الخلاص، فإنه يقومه ويضم القيمة إلى أصل المال، ويزكي الجميع.
أما إذا كان الدين على فقير معدم لا يرجى خلاصه منه، فلا تجب عليه زكاته إلا إذا قبضه من المدين، فإذا قبضه زكاه لعام واحد فقط.
ولا يقوَّم على المدير الأواني التي توضع فيها سلع التجارة ولا آلات العمل.
جـ - وأما إذا كان التاجر محتكرًا لبعض السلع، ومديرًا للبعض الآخر: فإن
تساويا أو كان الأقل للإدارة والأكثر للاحتكار، زكى المحتكر على حكم الاحتكار، يعني يزكي ثمنه بعد قبضه لعام واحد، وزكى المدير على حكم الإدارة، يعني يقوِّمه كل عام.
وإن كان الأكثر للإدارة والأقل للاحتكار، فالجميع إدارة، وبطل حكم الاحتكار، أي يقوَّم الجميع كل عام، تغليبًا لجانب الإدارة على حكم الاحتكار.
سادسًا - زكاة شركة المضاربة: يزكي رب المال (المالك) رأس المال وحصته من الربح، ويزكي العامل حصته من الربح، على النحو الآتي عند الفقهاء (١):
قال أبو حنيفة: يزكي كل واحد من المالك والعامل بحسب حظه أو نصيبه، كل سنة، ولا يؤخر إلى المفاصلة، أي التصفية.
وقال الحنابلة: يزكي رب المال رأس المال والربح الحاصل؛ لأن ربح التجارة حوله حول أصله، فمن دفع إلى رجل ألفًا مضاربة على أن الربح بينهما نصفان، فحال الحول، وقد صار ثلاثة آلاف، فعلى رب المال زكاة ألفين.
وأما العامل: فليس عليه زكاة في حصته حتى يتم اقتسام الربح، ويستأنف حولًا من حينئذ؛ لأن ملك المضارب غير تام، فإذا تحاسب المضارب مع المالك، زكى المضارب إذا حال عليه الحول من حين الحساب؛ لأنه علم مقدار ماله في مال الشركة، ولأنه إذا حدثت خسارة بعد ذلك كانت الخسارة (الوضيعة) على رب المال.
(١) راجع القوانين الفقهية: ص ١٠٣ - ١٠٤، الشرح الكبير: ٤٧٧/ ١، الشرح الصغير: ٦٤٢/ ١، مغني المحتاج: ٤٠١/ ١، المغني: ٣٨/ ٣ ومابعدها.
وقال الشافعية: يلزم المالك زكاة رأس المال وحصته من الربح؛ لأنه مالك لهما. والمذهب أنه يلزم العامل زكاة حصته من الربح؛ لأنه متمكن من التوصل إليه متى شاء بالقسمة، فأشبه الدين الحالّ على مليء، ويبتدئ حول حصته من حين ظهور الربح، ولا يلزمه إخراج الزكاة قبل القسمة على المذهب.
وقال المالكية: إذا كان مال القراض حاضرًا ببلد رب المال، ولو حكمًا بأن علم حاله في غيبته، تجب عليه زكاته زكاة إدارة، أي يقوم مالديه كل عام من رأس مال وربح، ويزكي رأس ماله وحصته من الربح، قبل المفاصلة أي الحساب والتصفية في ظاهر المذهب، لكن المعتمد أنه لا يزكي إلا بعد المفاصلة، ويزكي حينئد عن السنوات الماضية كلها. وكذلك إن غاب المال ولم يعلم حاله من بقاء أو تلف ومن ربح أو خسران، يزكيه عن السنوات الماضية.
وأما العامل: فإنما يزكي حصته من الربح بعد المفاصلة لسنة واحدة.
المطلب الرابع - زكاة الزروع والثمار (أو زكاة النبات أو الخارج من الأرض):
الكلام في هذا المطلب يتناول فرضية زكاة الزروع والثمار وسبب الفرضية، وشروطها، وما تجب فيه هذه الزكاة، والنصاب الذي تبدأ به الزكاة، ومقدار الواجب وصفته، ووقت الوجوب وإخراج الزكاة، وما يضم بعضه إلى بعض، وزكاة الثمار الموقوفة، وزكاة الأرض المستأجرة، وزكاة الأرض الخراجية - (الأراضي العشرية والخراجية ونوعا الخراج) العاشر وضريبة العشور، إخراج زكاة الزرع والثمر وإسقاطها.
أولًا - فرضية زكاة الزروع والثمار وسبب الفرضية (١):
هذه الزكاة واجبة بدليل من القرآن والسنة والإجماع والمعقول:
أما القرآن: ققوله تعالى: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ [الأنعام:١٤١/ ٦] قال ابن عباس: حقه: الزكاة المفروضة، وقال مرة: العشر، ونصف العشر، وقوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم، ومما أخرجنا لكم من الأرض﴾ [البقرة:٢٦٧/ ٢] والزكاة تسمى نفقة، بدليل قوله تعالى: ﴿والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله﴾ [التوبة:٣٤/ ٩].
وأما السنة: فقوله ﷺ: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَريًا (٢) العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر» (٣) وقوله: «فيما سقت الأنهار والغَيْم: العشور، وفيما سقي بالسانية (٤) نصف العشور» (٥).
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على فرضية العشر.
وأما المعقول: فكما ذكرت في حكمة مشروعية الزكاة؛ لأن إخراج العشر إلى الفقير من باب شكر النعمة، وإقدار العاجز، وتقويته على القيام بالفرائض، ومن باب تطهير النفس عن الذنوب وتزكيتها، وكل ذلك لازم عقلًا وشرعًا.
وأما سبب فرضية هذه الزكاة: فهو الأرض النامية بالخارج منها، حقيقة في
(١) البدائع: ٥٣/ ٢ ومابعدها، مغني المحتاج: ٣٨١/ ١، بداية المجتهد: ٢٤٥/ ١، المغني: ٦٨٩/ ٢ ومابعدها، كشاف القناع: ٢٣٦/ ٢، فتح القدير: ٤/ ٢.
(٢) العثري: ما يسقيه المطر أو تشرب عروقه من ماء قريب من غير سقي، وفي لفظ «بعلًا».
(٣) رواه الجماعة إلا مسلمًا عن ابن عمر (نيل الأوطار: ١٣٩/ ٤ ومابعدها).
(٤) السانية: البعير الذي يستقى به الماء من البئر.
(٥) رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وقال: الأنهار والعيون، عن جابر (نيل الأوطار: المكان السابق).
حق العشر، أو تقديرًا في حق الخراج، فلوأصاب الخارج آفة، فهلك لا يجب فيه العشر في الأرض العشرية، ولا الخراج في الأرض الخراجية، لفوات النماء حقيقة وتقديرًا. ولو كانت الأرض عشرية فتمكن من زراعتها، فلم تزرع، لا يجب العشر، لعدم الخارج حقيقة. ولو كانت أرضًا خراجية يجب الخراج، لوجود الخارج تقديرًا.
ولا تجب زكاة الزروع إلا بعد انعقاد الحب واشتداده، ولو بعضه. ولا تثبت الزكاة في الثمار إلا بعد بدو صلاحها، أي ظهور نضجها باحمرار أو اصفرار أو تموه أوتلون، بحسب المعهود في كل ثمر، ويكفي ظهور الصلاح في بعض الثمر من جنس واحد، كما سأبين.
ثانيًا - شروط زكاة الزروع والثمار: هناك شروط عامة في كل زكاة، ذكرتها سابقًا كالأهلية من البلوغ والعقل، فلا تجب الزكاة عند الحنفية في مال الصبي والمجنون إلا زكاة الخارج من الأرض، وكالإسلام، فلا تجب على الكافر؛ لأن فيها معنى العبادة، والكافر ليس من أهل التكليف بها.
ويضاف لها شروط خاصة بها، مفصلة في المذاهب.
فعند الحنفية (١) يشترط زيادة على الشروط العامة ما يأتي:
١ً - أن تكون الأرض عشرية: فلا تجب الزكاة في الأرض الخراجية؛ لأن العشر والخراج لا يجتمعان في أرض واحدة عندهم.
(١) البدائع: ٥٧/ ٢ - ٦٣.
٢ً - وجود الخارج: فلو لم تخرج الأرض شيئًا، لم يجب العشر؛ لأن الواجب جزء من الخارج.
٣ً - أن يكون الخارج مما يقصد بزراعته نماء الأرض واستثمارها أواستغلالها، فلا تجب هذه الزكاة في الحطب والحشيش ونحوهما؛ لأن الأرض لا تنمو بزراعة ذلك، بل تفسد بها.
ولا يشترط عند أبي حنيفة النصاب لوجوب العشر، فيجب العشر في كثير الخارج وقليله.
واشترط المالكية (١) شرطين:
١ً - أن يكون الناتج من الحبوب، ومن الثمار (التمر والزبيب والزيتون) ولازكاة في الفواكه كالتفاح والرمان، ولا في الخضروات والبقول. وذلك سواء في الأرض الخراجية كأرض مصر والشام التي فتحت عنوة، وخراجها لا يسقط عنها الزكاة، وغير الخراجية: وهي أرض الصلح التي أسلم أهلها عليها، وأرض الموات.
٢ً - أن يكون الناتج نصابًا وهو خمسة أوسق (٦٥٣ كغ)، والوسق ستون صاعًا، والصاع أربعة أمداد بمد النبي ﷺ، وهو اثنا عشر قنطارًا أندلسية.
واشترط الشافعية ثلاثة شروط (٢):
١ً - أن يكون الناتج الذي تخرجه الأرض مما يقتات ويدخر وينبته الآدميون: فمن الحب: الحنطة والشعير والدُخن والذرة والأرز والعدس والحمص وما أشبه
(١) الشرح الصغير: ٦٠٨/ ١ومابعدها، القوانين الفقهية: ص١٠٥.
(٢) المهذب: ١٥٦/ ١ ومابعدها، مغني المحتاج: ٣٨١/ ١ ومابعدها.
ذلك، ومن الثمار: التمر والزبيب. ولا زكاة في الخضروات والبقول والفواكه كالقثاء والبطيخ والرمان والقصب. والزكاة على الحبوب بعد تصفيتها من القش والتبن.
٢ً - أن يكون الناتج نصابًا كاملًا، وهو خمسة أوسق وهي ألف وست مئة رطل بغدادية، وبالدمشقي في الأصح ثلاث مئة واثنان وأربعون رطلًا وستة أسباع رطل، وهي تساوي ٦٥٣ كغ.
٣ً - أن يكون مملوكًا لمالك معين: فلا زكاة في الموقوف على المساجد على الصحيح، إذ ليس لها مالك معين، ولا زكاة في نخيل الصحراء المباح إذ ليس له مالك معين.
واشترط الحنابلة شروطًا ثلاثة (١):
١ً - أن يكون الناتج قابلًا للادخار والبقاء مما يجمع هذه الأوصاف: الكيل والبقاء واليبس في الحبوب والثمار، مما ينبته الآدميون إذا نبت في أرضه، سواء أكان قوتًا كالحبوب، أم من القطنيات كالعدس والحمص والباقلا (الفول)، أم من المقبِّلات كالكمون والكراويا وحب القثاء وحب الخيار، أم من حب البقول كحب الفجل والقرطم والترمس والسمسم، وسائر الحبوب.
وتجب أيضًا في الثمار مما جمع هذه الأوصاف كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق.
ولا زكاة في الفواكه كالخوخ والدراق والكمثرى والتفاح، ولا في الخضر، كالقثاء والخيار والباذنجان واللفت والجزر.
(١) المغني: ٦٩٠/ ٢ - ٦٩٥، كشاف القناع: ٢٣٩/ ٢ - ٢٤٢.
٢ً - أن يبلغ الناتج نصابًا وهو خمسة أوسق بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار، وهي (١٤٢٨و٧/ ٤) رطلًا مصريًا أو (٥٠ كيلة) أو ٤ أرادب، والأردب المصري ١٢٨ لتر ماء، أو ٩٦ قدحًا.
٣ً - أن يكون النصاب مملوكًا للحر المسلم وقت وجوب الزكاة فيه: وهو وقت اشتداد الحب وبدو صلاح الثمر، فتجب الزكاة فيما نبت بنفسه مما يزرعه الآدمي، كمن سقط له حب في أرضه، فنبت؛ لأنه يملكه وقت الوجوب، وفعل الزرع ليس شرطًا، ولا زكاة فيما يكتسبه اللقاط، أو يوهب له بعد بدو صلاحه، أو يشتريه ونحوه بعد ذلك، أو يأخذه الحصَّاد ونحوه أجرة لحصاده ودياسه ونحوه، كأجرة تصفيته أو نطارته، ولا فيما يملك من زرع وثمرة بعد بدو صلاحه بشراء أو إرث أو غيرهما كصداق وعوض خلع وإجارة وعوض صلح؛ لأنه لم يكن مالكًا له وقت الوجوب. ولا زكاة فيما يجتنيه من مباح، سواء نبت في أرضه أو أخذه من موات؛ لأنه لا يملك إلا بأخذه، فلم يكن وقت الوجوب في ملكه.
ثالثًا - ما تجب فيه الزكاة: للفقهاء رأيان في زكاة ما تخرجه الأرض، رأي يعمم في كل خارج، ورأي يخصص الخارج فيما يقتات ويدخر (١).
الرأي الأول - لأبي حنيفة: تجب الزكاة في قليل ما أخرجته الأرض وكثيره إلا الحطب والحشيش والقصب الفارسي (وهو ما يتخذ منه الأقلام، أما قصب السكر
(١) فتح القدير: ٢/ ٢ ومابعدها، اللباب: ١٥١/ ١ ومابعدها، الشرح الكبير: ٤٤٧/ ١ ومابعدها، الشرح الصغير: ٦٠٩/ ١ ومابعدها، القوانين الفقهية: ص١٠٥، مغني المحتاج: ٢٨١/ ١ ومابعدها، المهذب: ١٥٦/ ١، المغني: ٦٩٠/ ٢ ومابعدها، كشاف القناع: ٢٣٦/ ٢ - ٢٣٨، المجموع: ٤٣٢/ ٥ - ٤٤٢.
ففيه العشر)
والسعف والتبن، وكل ما لا يقصد به استغلال الأرض ويكون في أطرافها. أما إذا اتخذ أرضَه مَقْصَبة أو مَشْجَرة أو مَنْبِتا للحشيش، وساق إليه الماء، ومنع الناس عنه، فيجب فيه العشر. وأطلق الوجوب فيما أخرجته الأرض لعدم اشتراط الحول؛ لأن فيه معنى المؤنة (الضريبة)، ولذا كان للإمام أخذ هذه الزكاة (العشر) جبرًا، ويؤخذ من التركة، ويجب مع الدين، وفي أرض الصغير والمجنون والوقف.
ودليله: حديث «ما أخرجته الأرض ففيه العشر» (١) عمم الواجب في كل خارج، والصحيح عند الحنفية ما قاله الإمام، ورجح الكل دليله.
الرأي الثاني - للصاحبين وجمهور الفقهاء: لا تجب زكاة الزروع والثمار إلا فيما يقبل الاقتيات والادخار وعند الحنابلة: فيما ييبس ويبقى ويكال، ولا زكاة في الخَضروات (بفتح الخاء) والفواكه. وهذا هو الراجح.
أما الصاحبان من الحنفية فقالا: لا يجب العشر إلا فيما له ثمرة باقية إذا بلغ خمسة أوسق، وليس في الخضروات (الفواكه كالتفاح والكمثرى وغيرهما، أو البقول كالكراث والكرفس ونحوهما) عندهما عُشْر، لعدم الثمرة الباقية.
وأما المالكية فقالوا: تجب الزكاة في عشرين صنفًا: أما الحبوب فسبعة عشر: القطاني السبعة (وهي الحمص - بكسر الميم وفتحها، والفول، واللوبيا والعدس، والتُرمس، والجُلْبان، والبسيلة) والقمح، والسُلت (نوع من الشعير لا قشر له)، والعلس، والذرة، والدُخن، وأُرْز، وذوات الزيوت الأربعة: وهي الزيتون والسمسم، والقِرطِم (حب العصفر)، وحب الفجل الأحمر، أما الفجل الأبيض فلا زكاة في حبه، إذ لا زيت له.
(١) قال الزيلعي عنه: غريب بهذا اللفظ، وبمعناه حديث ابن عمر السابق: «فيما سقت السماء والعيون العشر» (نصب الراية: ٣٨٤/ ٢).
وأما الثمار فثلاثة: التمر والزبيب والزيتون، لقول عمر: «وفي الزيتون العشر».
ولا تجب الزكاة في الفواكه كالتين والرمان والتفاح ونحوها، ولا في بزر الكتان، والسَّلْجَم (اللفت)، ولا في جوز ولوز، ولا غير ذلك.
وأما الشافعية: فقرروا أن الزكاة تختص بالقوت، وهو من الثمار: التمر والزبيب (١)، ومن الحب: الحنطة والشعير والأرزُّ والعدس والماش، وسائر المقتات اختيارًا كالحِمِّص، والباقلا (الفول) والذرة، والهرطمان: (حب متوسط بين الحنطة والشعير) وهو الجُلْبانة والكِرْسنة والحِلْبة والخشخاش والسمسم.
ولا زكاة في القثَّاء والبطيخ والرمان، والقَضْب (البرسيم)؛ لأن الرسول ﷺ عفا عنه. ولا زكاة في الفواكه كخوخ ورمان وتين ولوز وجوز هند وتفاح ومِشْمِشِ، ولا زكاة في حبوب البوادي كحب الحنظل، ولا في الوحشيات من الظباء ونحوها، ولا في الموقوف على المساجد والقناطر والرباطات (الثغور) والفقراء والمساكين، على الصحيح؛ إذ ليس له مالك معين، ولا في الزيتون والزعفران والورس والقِرْطِمُ (حب العصفر) ولا في العسل، في المذهب الجديد.
وقال الحنابلة: تجب الزكاة في كل مقتات مكيل مدخر من الحبوب، كالحنطة والشعيروالسُلت (وهو نوع من الشعير لونه لون الحنطة، وطبعه كالشعير في البرودة) والذرة والقطنيات (٢)، كالباقلاء (الفول) والحمص واللوبيا والعدس والماش والتُرْمس (حب عريض أصغر من الفول) والدخن والأرز والهرطمان
(١) أخرج الترمذي من حديث عتَّاب بن أسَيْد ﵁: «أمرني رسول الله ﷺ أن يُخْرَص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيبًا، كما تؤخذ صدقة النخل تمرًا»
(٢) بكسر القاف وفتحها وضمها، وتشديد الياء وتخفيفها، سمي بذلك: من قطن يقطن في البيت؛ لأنها تمكث فيه ..
(وهو الجلبانة والكرسنة والحلبة والخشخاش والسمسم) والعلس (نوع من الحنطة يدخر في قشره).
وتجب الزكاة في بزر البقول كلها: كالهندبا والكرفس والبصل وبزر قَطُونا ونحوها، وبزر الرياحين جميعًا، وبزر الكزبرة والكمون والكراويا والشونيز (يقال له: الحبة السوداء)، وحب الرازيانج (وهو الشمروالأنيسون وحب القضب) والخَرْدل وبزر الكتان، وبزر القطن واليقطين (وهو القرع) وبزر البقلة والحمقاء، وبزر الباذنجان والخس والجزر.
وفي حب البقول: كالرَّشَاد (١)، وحب الفجل، والقرطم (حب العصفر).
وتجب الزكاة في كل ثمر يكال ويدخر، كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق والسماق.
والخلاصة: أن الزكاة تجب في الحبوب والبزور والثمار المدخرة.
والأظهر كما في كتاب الفروع وجوب الزكاة في العُنَّاب والتين والمشمش والتوت؛ لأنه يدخر كالتمر، والمعتمد لا زكاة فيها؛ لأن العادة لم تجر بادخاره وتجب الزكاة في صعتر وأشنان وحب ذلك، وكل ورق مقصود، كورق سدر وخطمي وآسي؛ لأنه نبات مكيل مدخر. ولا تجب الزكاة في قطن وكتان وقنب وزعفران وورس ونيل وجوز الهند، وسائر الفواكه كالخوخ والتفاح أو الإجاص والكمثرى، والسفرجل والرمان والنبق والزعرور والموز؛ لأنها ليست مكيلة، ولا في الجوز؛ لأنه معدود، ولا في قصب السكر.
ولا زكاة في الخضر كبطيخ وقثاء وخيار وباذَنجان ولِفت وسلق وكُرنْب وقنبيط وبصل وثوم وكراث وجزر وفجل ونحوه، لحديث علي: أن النبي ﷺ
(١) الرشاد: بقلة سنوية من الفصيلة الصليبية، تزرع وتنبت برية، ولها حب حريف يسمى حب الرشاد.
قال: «ليس في الخضروات صدقة» (١). ولا في البقول كالهندَبا والكرَفْس والنعناع والرشاد وبقلة الحمقاء والقرظ والكزبرة والجرجير ونحوه.
ولا في المسك والزهر، كالورد والبنفسج والنرجس واللينوفر والخيري: وهو المنثور، ونحوه كالزنبق، ولافي طلع الفُحَّال (وهو ذكر النخل)، ولا في السُّعُف (وهو أغصان النخل، أي جريد النخل الذي لم يجرد عنه خوصه، فإن جرد عنه خوصه فجريد) ولا في الخوص (وهو ورق السعف)، ولا في قشور الحب والتبن والحطب والخشب وأغصان الخلاف، وورق التوت والكلأ، والقصب الفارسي، ولبن الماشية وصوفها ونحو ذلك كالوبر والشعر، وكذا الحرير ودود القز؛ لأن ذلك كله ليس منصوصًا عليه، ولا في معنى المنصوص عليه، فبقي على أصل العفو.
والخلاصة بالنسبة للزيتون: أنه لا زكاة فيه عند الشافعية في الجديد والمعتمد عند الحنابلة، وفيه الزكاة عند أبي حنيفة والمالكية (٢) ونصابه عند المالكية خمسة أوسق زيتون.
زكاة العسل: اختلف الفقهاء في حكم زكاة العسل على رأيين (٣):
فقال الحنفية والحنابلة: فيه العشر، إلا أن أبا حنيفة قال: يجب فيه العشر إذا أخذ من أرض العشر، قل المأخوذ أو كثر وليس في أرض الخارج من أرض الخراج عشر، وقال الحنابلة: نصاب العسل عشرة أفراق، وهي جمع فَرْق، والفرق
(١) وعن عائشة معناه، رواهما الدارقطني، وروى الأثرم في سننه عن موسى بن طلحة حديثًا عن الخضروات: «ليس في ذلك صدقة» وهو مرسل قوي (نيل الأوطار: ١٤٢/ ٤.
(٢) الأموال: ص٥٠٤ وما بعدها، المغني: ٦٩٤/ ٢ ومابعدها، ٧١٣، نيل المآرب ١٨٥/ ١.
(٣) البدائع: ٦١/ ٢ وما بعدها، اللباب: ١٥٣/ ١، الأموال لأبي عبيد: ٥٠٦ ومابعدها، فتح القدير: ٥/ ٢، المجموع: ٤٣٤/ ٥ ومابعدها، مغني المحتاج: ٣٨٢/ ١، كشاف القناع: ٢٥٧/ ٢، المغني: ٧١٣/ ٢.
عندهم ستة عشر رطلًا، فيكون النصاب مئة وستين رطلًا بالبغدادي أو ٣٤و٧/ ٢ رطل دمشقي، ومئة وأربعة بالمصري، والرطل عند الحنفية: ١٣٠ درهمًا، والدرهم الوسطي (٩٧٥،٢ غم).
ودليلهم على وجوب الزكاة في العسل آثار منها:
ما رواه أبو سيَّارة المُتَعي قال: قلت: «يا رسول الله، إن لي نحلًا، قال: فأدِّ العشور» (١).
وما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ: «أنه أخذ من العسل العشر» (٢) وعن عمر ﵁ أنه كان يأخذ عن العسل العشر من كل عشر قِرَب قربة.
وروى العقيلي في الضعفاء من طريق عبد الرزاق عن أبي هريرة حديثًا: «في العسل العشر» (٣).
وقال المالكية والشافعية: لا زكاة في العسل، بدليل أمرين:
الأول - ما قاله الترمذي: «لا يصح عن النبي ﷺ في هذا كبير شيء» وما قاله ابن المنذر: «إنه ليس في وجوب الصدقة فيه خبر يثبت ولا إجماع».
الثاني - أنه مائع خارج من حيوان، فأشبه اللبن، واللبن لا زكاة فيه بالإجماع.
ورجح أبو عبيد أن يكون أربابه يؤمرون بأداء صدقته، ويُحثُّون عليها، ويكره
(١) رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود والبيهقي، وهو منقطع (نيل الأوطار: ١٤٥/ ٤ ومابعدها).
(٢) رواه ابن ماجه، روي مسندًا ومرسلًا (المرجع السابق) ورواه أيضًا أبو عبيد والأثرم.
(٣) قال الزيلعي: لم أجده في مصنف عبد الرزاق بهذا اللفظ، وإنما لفظه أن النبي ﷺ كتب إلى أهل اليمن: أن يؤخذ من أهل العسل العشر (نصب الراية: ٣٩٠/ ٢).
لهم منعها، ولا يؤمن عليهم المأثم في كتمانها، من غير أن يكون ذلك فرضًا عليهم.
رابعًا - النصاب الذي يبدأ به زكاة الزرع والثمر: قال أبو حنيفة (١): النصاب ليس بشرط لوجوب العشر، فيجب العشر في كثير الخارج وقليله، لعموم قوله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم، ومما أخرجنا لكم من الأرض﴾ [البقرة:٢٦٧/ ٢] وقوله ﷿: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ [الأنعام:١٤١/ ٦] وقول النبي ﷺ: «ما سقته السماء ففيه العشر، وما سقي بغَرْب أو دالية، ففيه نصف العشر» (٢) من غير تفصيل بين القليل والكثير. ولأن سبب الوجوب وهي الأرض النامية بالخارج لا يميز بين القليل والكثير، وكل شيء أخرجته الأرض مما فيه العشر لا يحتسب فيه أجر العمال ونفقة الزرع من أدوات الحراثة؛ لأن النبي ﷺ حكم بتفاوت الواجب بتفاوت المؤنة (التكاليف)؛ لأنه قال: «ما سقته السماء ففيه العشر وما سقي بغَرْب ففيه نصف العشر» وعلى هذا تكون النفقات على الزارع، وتجب الزكاة في كل الخارج بدون أن تحسم منه النفقات.
وقال الصاحبان وجمهور الفقهاء (٣): النصاب شرط، فلا تجب فيه الزكاة في شيء من الزروع والثمار حتى تبلغ خمسة أوسق وهي (٦٥٣ كغ) أو ٥٠
(١) البدائع: ٥٩/ ٢، فتح القدير: ٢/ ٢ ومابعدها.
(٢) رواه أبو مطيع البلخي عن أبان بن عياش عن رجل عن النبي ﷺ، لكن إسناده لا يساوي شيئًا (نصب الراية: ٣٨٥/ ٢) والغرب: الدلو العظيمة، والدالية: الناعورة يديرها الماء. وأخرج البخاري عن ابن عمر ﵄ عن رسول الله ﷺ قال: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَريًا العشر، وفيما سقي بالنضج نصف العشر» والعثري: ما نبت بالمطر أو امتصاص العروق من نهر مجاور، وهو المسمى بالبَعْل في مقابل زرع السَقْي.
(٣) القوانين الفقهية: ص١٠٥، الشرح الصغير: ٦٠٨/ ١ ومابعدها، الشرح الكبير: ٤٤٧/ ١ ومابعدها، مغني المحتاج: ٣٨٢/ ١ ومابعدها، المغني: ٦٩٠/ ٢،٦٩٥ - ٦٩٩، المجموع:٤٣٩/ ٥.
كيلة مصرية، لقول النبي ﷺ: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» (١) والوسق ستون صاعًا، وهذا حديث خاص بهذه الزكاة، يجب تقديمه، وتخصيص عموم أدلة أبي حنيفة، كما خصص قوله: «في سائمة الإبل الزكاة» بقوله في نهاية هذا الحديث: «ليس فيما دون خمسة ذَوْد صدقة»،وقوله: «في الرِّقة العشر» بقوله «ليس فيما دون خمس أواق صدقة»، ولأنه مال تجب فيه الصدقة، فلم تجب في يسيره كسائر الأموال الزكائية، ولأن الصدقة تجب على الأغنياء، ولا يحصل الغنى بدون النصاب، كسائر الأموال الزكائية. وهذا هو الراجح لدي لصحة الحديث.
وإنما لم يعتبر الحول؛ لأنه يكمل نماؤه باستحصاده لا ببقائه، واعتبر الحول في غيره من الزكوات؛ لأنه مظنة لكمال النماء في سائر الأموال. والنصاب معتبر بالكيل، فإن الأوساق مكيلة، وكان الصاع مكيال أهل المدينة في عهد النبي ﷺ وقدره أربعة أمداد، والصاع خمسة أرطال وثلث رطل، والرطل (٦٧٥غم) وذكر الشافعية والحنابلة أنه يعتبر النصاب تمرًا أو زبيبًا إن تتمر وتزبب، لحديث مسلم «ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق» وإن لم يتتمر الرطب ولم يتزبب العنب، بأن لم يأت منه تمر ولا زبيب جيدان في العادة، أو كانت تطول مدة جفافه كسنة، اعتبر نصابًا رطبًا وعنبًا، فيوسق رطبًا وعنبًا؛ لأن ذلك وقت كماله. فيكمل به نصاب ما يجف من ذلك، وتخرج الزكاة من كل منهما في الحال؛ لأن ذلك أكمل أحوالهما.
ويعتبر الحب خمسة أوسق حال كونه مصفى من تبنه؛ لأنه لا يدخر فيه ولا يؤكل معه.
وأما ما ادخر في قشره كالأَرُزّ والعلس، فنصابه عشرة أوسق، اعتبارًا بقشره
(١) رواه الجماعة عن أبي سعيد الخدري (نيل الأوطار: ١٤١/ ٤).
الذي يكون ادخاره فيه أصلح له أو أبقى بالنصف، ولا يضم ثمر عام إلى ثمر عام آخر في إكمال النصاب، ولا زرع عام إلى زرع عام آخر كذلك، ويضم ثمر العام بعضه لبعض، وكذلك زرع العام بعضه لبعض، وإن اختلف إدراكه لاختلاف أنواعه وبلاده حرارة وبرودة. والمراد بالعام هنا: اثنا عشر شهرًا عربية.
وذكر المالكية أن المعتبر كون الحب منقى من تبنه وصوانه الذي لا يخزن به، مقدر الجفاف، وكون الرطب تمرًا والعنب زبيبًا، فإن بيع رطبًا أوعنبًا فيجب نصف عشر القيمة، ونصف عشر ثمن فول أخضر وحمص مما شأنه ألا ييبس. ويؤخذ نصف العشر من زيت ماله زيت. ويحسب في النصاب الشرعي قشر الأرز والعلس والشعير الذي يخزن به. فلو كان الأرز مثلًا مقشورًا أربعة أوسق، وبقشره خمسة أوسق زكي، وإن كان أقل فلا زكاة.
واتفق الجمهور مع الحنفية على أنه لا ينقص النصاب بمؤنة الحصاد والدياس وغيرهما من نفقات الزرع.
خامسًا - مقدار الواجب وصفته: اتفق الفقهاء (١) على أن العشر يجب فيما سقي بغير مؤنة (مشقة) كالذي يشرب من السماء (الأمطار)، وما يشرب بعروقه: وهوالذي يشرب من ماء قريب منه.
ويجب نصف العشر فيما سقي بالمؤن كالدوالي (النواعير) النواضح.
والدليل لهم قول النبي ﷺ المتقدم: «فيما سقت السماء والعيون، أو كان
(١) البدائع: ٦٢/ ٢ - ٦٣، القوانين الفقهية: ص١٠٦، الشرح الصغير: ٦١٠/ ١ - ٦١٢، مغني المحتاج: ٦٨٥/ ١، المغني: ٦٩٨/ ٢، ٧٠٢، كشاف القناع: ٢٤٢/ ٢ وما بعدها.
عَثَريًا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر» (١)، وانعقد الإجماع على ذلك، كما قال البيهقي وغيره. فإن سقي نصف السنة بكلفة ونصفها بغير كلفة ففيه ثلاثة أرباع العشر، عملًا بمقتضى كل واحد منهما. وإن سقي بأحدهما أكثر من الآخر، اعتبر الأكثر، فوجب مقتضاه، وسقط حكم الآخر.
وسبب التفرقة واضح وهو كثرة المؤنة في أرض السقي، وخفتها في أرض البعل (٢)، كما هو الفرق بين الماشية المعلوفة والسائمة.
ولا وقص (لا عفو) في نصاب الحبوب والثمار، بل مهما زاد على النصاب أخرج منه بالحساب، فيخرج العشر أو نصفه، فإنه لا ضرر في تبعيضه، بخلاف الماشية ففي تبعيضها ضرر. وأما صفة الواجب: فهو جزء من الخارج أو قيمته عند الحنفية. وأما عند الجمهور: الواجب عين الجزء ولا يجوز غيره.
هل تحسم النفقات التي تصرف على المزروعات؟ ينفق المزارع عادة على زراعته نفقات مثل ثمن البذار والسماد وأجور الحرث (الفلاحة) والري والتنقية والحصاد وغير ذلك.
جاء في الفتوى رقم (١٥) في ندوة البركة السادسة في جدة أن هناك آراء ثلاثة في الموضوع، رأي بحسم جميع النفقات، ورأي بعدم حسم التكاليف، ورأي متوسط بإسقاط الثلث من المحصول، ثم إخراج الزكاة من الباقي، وقد
(١) رواه الجماعة إلا مسلمًا عن ابن عمر، وعند مسلم من حديث جابر «فيما سقت الأنهار والغيم العشر، وفيما سقي بالسانية نصف العشر» وفي رواية لأبي داود: «إن في البعل العشر».
(٢) قال أهل اللغة: البعل: ما يشرب بعروقه، والعثري: ما سقي بماء السيل الجاري إليه في حفرة، وتسمى الحفرة عاثوراء، لتعثر المار بها إذا لم يعلمها. والسواني: هي النواضح، وهي الإبل التي يستقى بها لشرب الأرض.
اختار الحاضرون الرأي الثالث المتوسط، ثم يتم حساب الزكاة بإخراج العشر إن كان الريّ بماء السماء، ونصف العشر إن كان بآلة.
وهذا مستمد من كلام ابن العربي في شرح الترمذي، عملًا بحديث النبي ﷺ: «دعوا الثلث أو الربع» والذي عليه عمل المسلمين والمذاهب الأربعة كما ذكر ابن حزم في المحلى (٢٥٨/ ٥)
وصرح به الفقهاء أنه لايجوز إسقاط شيء من النفقة؛ لأن الزكاة تعلقت بعين الخارج لقوله تعالى: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ [الأنعام:١٤١/ ٦] وهذا ما أرجحه (١).
سادسًا - وقت الوجوب: وقت الوجوب عند أبي حنيفة (٢): وقت خروج الزرع، وظهور الثمر، لقوله تعالى: ﴿أنفقوا من طيبات ما كسبتم، ومما أخرجنا لكم من الأرض﴾ [البقرة:٢٦٧/ ٢] أمر الله تعالى بالإنفاق مما أخرجه من الأرض، فدل أن الوجوب متعلق بالخروج. فإن استهلكها صاحبها بعد الوجوب يضمن عشره، وأما قبل الوجوب فلا يضمن، ولو هلك الخارج بنفسه فلا عشر في الهالك.
ووقت الوجوب عند المالكية: في الثمار الطيب (وهو الزهو في بلح النخل، وظهور الحلاوة في العنب)، وفي الزرع: إفراك الحب، أي طيبه وبلوغه حد الأكل منه، واستغناؤه عن السقي، لا باليبس ولا بالحصاد ولا بالتصفية (٣). وأما عند الشافعية والحنابلة (٤): فتجب الزكاة ببدو صلاح الثمر؛ لأنه حينئذ ثمرة كاملة،
(١) انظر وقارن فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي ٣٩٤/ ١ - ٣٩٧.
(٢) البدائع: ٦٣/ ٢.
(٣) القوانين الفقهية: ص ١٠٦، الشرح الصغير: ٦١٥/ ١، الشرح الكبير: ٤٥١/ ١.
(٤) مغني المحتاج: ٣٨٦/ ١، كشاف القناع: ٢٤٥/ ٢، المجموع:٤٥٤/ ٥، المغني: ٧٠٢/ ٢ - ٧٠٥، المهذب:١٥٧/ ١.
وهو قبل ذلك حصرم وبلح، وببدو اشتداد الحب؛ لأنه حينئذ طعام، وهو قبل ذلك بقل.
وليس المراد بوجوب الزكاة بما ذكر: إخراجها في الحال، بل انعقاد سبب وجوب إخراج الثمر والزبيب والحب المصفى عند الصيرورة كذلك.
وبناء على الرأي الأخير إن أتلفها صاحبها أو تلفت بتفريطه أو عدوانه بعد الوجوب، لم تسقط عنه الزكاة. وإن كان قبل الوجوب سقطت، إلا أن يقصد بذلك الفرار من الزكاة، فيضمنها ولا تسقط عنه.
وإن جذَّها وجعلها في الجرين (موضع تجفيف التمر)، أو جعل الزرع في البيدر، استقر الوجوب عليه. وإن تلفت بعد ذلك لم تسقط الزكاة عنه، وعليه ضمانها، كما لو تلف نصاب الماشية السائمة أو الأثمان (النقود) بعد الحول.
وإن تلفت الثمرة قبل بدو الصلاح أو الزرع قبل اشتداد الحب، فلا زكاة فيه.
ويصح تصرف المالك في النصاب قبل الخرص وبعده بالبيع والهبة وغيرهما، فإن باعه أو وهبه بعد بدو صلاحه، فصدقته على البائع والواهب. وهذا قول الحنابلة والمالكية.
وقال الحنفية: إذا باع الزرع قبل إدراكه، وجبت الزكاة على المشتري. وقال الشافعية: تجب الزكاة على مالك الزرع عند الوجوب.
سابعًا - ما يضم بعضه إلى بعض: لا خلاف بين أهل العلم في غير الحبوب والثمار: أنه لا يضم جنس إلى جنس آخر في تكميل النصاب، فالماشية ثلاثة أجناس: الإبل، والبقر، والغنم، لا
يضم جنس منها إلى آخر. والثمار لا يضم جنس إلى غيره، فلا يضم التمر إلى الزبيب، ولا إلى اللوز، والفستق، والبندق. ولا يضم شيء من هذه إلى غيره، ولا تضم الأثمار إلى شيء من السائمة، ولا من الحبوب والثمار.
ولا خلاف بينهم في أن أنواع الأجناس يضم بعضها إلى بعض في إكمال النصاب.
ولا خلاف بينهم أيضًا في أن العروض التجارية تضم إلى الأثمان (النقود)، وتضم الأثمان إليها، إلا أن الشافعي لا يضمها إلا إلى جنس ما اشتريت به؛ لأن نصابها معتبر به (١).
ولا خلاف عند الجمهور غير المالكية في ضم الحنطة إلى العلس؛ لأنه نوع منها، ومثله السلت يضم إلى الشعير؛ لأنه منه، فيضم إليه عند غير الشافعية.
واختلف العلماء في ضم الحبوب بعضها إلى بعض، وفي ضم أحد النقدين إلى الآخر.
فقال الحنفية والشافعية: لا يضم جنس منها إلى غيره، ويعتبر النصاب في كل جنس منها منفردًا؛ لأنها أجناس، فاعتبر النصاب في كل جنس منها منفردًا كالثمار أيضًا والمواشي. لكن يلاحظ أن أبا حنيفة يوجب الزكاة في كل ما أخرجت الأرض، ولا يشترط النصاب، فلا تثور مشكلة الضم لديه.
وقال المالكية والقاضي من الحنابلة: إن الحنطة تضم إلى الشعير، وتضم القطنيات بعضها إلى بعض؛ لأن هذا كله مقتات، فيضم بعضه إلى بعض كأنواع الحنطة.
(١) المغني: ٧٣٠/ ٢. وتفصيل هذه الآراء كما يأتي:
قال المالكية (١): تضم القطاني السبعة (الحمص والفول واللوبيا والعدس والترمس والجُلْبان والبسيلة) لبعضها بعضًا؛ لأنها جنس واحد في الزكاة، فإذا اجتمع من جميعها أو من اثنين منها ما فيه الزكاة، زكاه، وأخرج من كل صنف منها ما ينوبه. والقمح والشعير والسلت صنف واحد، فتضم لبعضها.
ويجزئ إخراج الأعلى من الأدنى لا عكسه، كقمح وسلت وشعير؛ لأن الثلاثة جنس واحد. ولا يضم شيء منها لعلس (حب طويل يشبه البُرّ باليمن)؛ لأنه جنس منفرد، ولا يضم شيء منها لذرة ولا دخن ولا أرز؛ لأن كل واحد منها جنس على حدة، فلا يضم واحد منها لآخر، بل يعتبر كل واحد منها جنسًا على حدة.
وذوات الزيوت الأربع: وهي الزيتون والسِّمسِم، وبذر الفُجل الأحمر، والقرطم: أجناس، لا يضم بعضها إلى بعض.
وتضم أنواع الجنس الواحد لبعضها، فالزبيب بأصنافه جنس واحد، ولا يضم هو لغيره، والتمر بأصنافه جنس واحد، والقمح بأصنافه الجيد منها والرديء جنس واحد.
وقال الشافعية (٢): لا يكمل جنس بجنس، ويضم النوع إلى النوع، ويخرج من كل من النوعين بقسطه، لعدم المشقة فيه بخلاف المواشي، فإن الأصح أن المزكي يخرج نوعًا منها، بشرط اعتبار القيمة والتوزيع، ولا يؤخذ البعض من هذا والبعض من هذا،
(١) الشرح الصغير: ٦١٣/ ١ ومابعدها، القوانين الفقهية: ص١٠٦، الشرح الكبير: ٤٤٩/ ١ ومابعدها.
(٢) المجموع: ٥/ ٣٤٤، المهذب: ١٥٧/ ١، مغني المحتاج: ٣٨٤/ ١.
لما فيه من المشقة، فإن عسر إخراج جزء من كل نوع لكثرة الأنواع وقلة الحاصل من كل نوع، أخرج الوسط منها، لا أعلاها ولا أدناها، رعاية للجانبين.
ويضم العلس إلى الحنطة؛ لأنه نوع منها، وهو قوت صنعاء اليمن. والسُلْت جنس مستقل، فلا يضم إلى غيره كالشعير.
ولا يضم ثمرة عام وزرعه إلى آخر، ويضم ثمر العام بعضه إلى بعض، وإن اختلف وقت إدراكه، لاختلاف أنواعه وبلاده حرارة أو برودة. والأظهر في الضم وقوع حصاديهما في سنة.
وقال ابن قدامة من الحنابلة (١): الصحيح عند القاضي أبي يعلى من الروايات الثلاث عن أحمد: أن الحنطة تضم إلى الشعير، وتضم القطنيات بعضها إلى بعض، وكذلك يضم الذهب والفضة. وتضم أنواع الجنس من حبوب أو ثمار من عام واحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، كأنواع الماشية والنقدين.
فالسلت نوع من الشعير، فيضم إليه، والعلس: نوع من الحنطة، فيضم إليها.
ويضم زرع العام الواحد، وثمرة العام الواحد إلى بعض، في تكميل النصاب، سواء اتفق وقت زرعه وإدراكه أو اختلف، وسواء اتفق وقت ظهور الثمرة وإدراكها أو اختلف.
وقال البُهوتي في كشاف القناع: تضم أنواع الجنس الواحد من حبوب وثمار من عام واحد، ولا يضم جنس إلى آخركبُر إلى شعير، أو د ُخن أو ذرة أو عدس
(١) المغني:٧٣٠/ ٢ ومابعدها، كشاف القناع: ٢٤١/ ٢ ومابعدها.
ونحوه؛ لأنها أجناس يجوز التفاضل فيها، فلم يضم بعضها إلى بعض، كأجناس الثمار وأجناس الماشية، ولا يصح القياس على ضم العلس إلى الحنطة؛ لأنه نوع منها. ولا تضم النقود أو الأثمان من الذهب والفضة إلى بعضها، ولا إلى شيء من الحبوب أو الثمار أو الماشية؛ لأنها أجناس مختلفة، إلا إلى عروض التجارة، فتضم النقود (الأثمان) إلى قيمتها. وهذا هو المعتمد لدى الحنابلة، فيتفق رأيهم مع المذاهب الأخرى.
والخلاصة: أن الحنطة تضم مع الشعير لدى المالكية والقاضي من الحنابلة، ولا يضمان عند الشافعية وفي المعتمد عند الحنابلة، وأما القطاني فتضم لبعضها عند المالكية والحنابلة، ولا تضم عند الشافعية وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد.
ثامنًا - زكاة الثمار الموقوفة: للفقهاء رأيان في زكاة الموقوف بالنظر لاشتراط ملك الأرض أو عدم اشتراطه، رأي يوجب الزكاة، ورأي يعفي منها (١).
قال الحنفية: الشرط ملك الخارج من الأرض، فيجب العشر في الأراضي التي لا مالك لها، وهي الأراضي الموقوفة، لعموم قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم، ومما أخرجنا لكم من الأرض﴾ [البقرة:٢٦٧/ ٢] وقوله ﷿: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ [الأنعام:١٤١/ ٦] وقول النبي ﷺ: «ما سقته السماء ففيه العشر، وماسقي بغرب أو دالية، ففيه نصف العشر» ولأن العشر يجب في الشيء الخارج، لا في الأرض نفسها، فكان ملك الأرض وعدمه بمنزلة واحدة.
(١) البدائع: ٥٦/ ٢، الشرح الكبير: ٤٨٥/ ١ ومابعدها، مغني المحتاج: ٣٨٢/ ١، كشاف القناع: ٢٤٢/ ٢، غاية المنتهى: ٢٦٦/ ١ وما بعدها.
وقال المالكية كالحنفية: يجب على الواقف أو متولي الوقف زكاة عين: ذهب أو فضة وقفت للسلف أي القرض، إن مر عليها حول من يوم ملكها، أو كانت هي مع ما لم يوقف نصابًا؛ إذ وقفها لا يسقط زكاتها عليه منها كل عام. كما يزكى نبات وقف ليزرع كل عام في أرض مملوكة أو مستأجرة، ويزكى حيوان من الأنعام وقف ليفرق لبنه أو صوفه أو ليحمل عليه أو يركب، ونسله تبع له، ولو سكت عنه، على مساجد أو على فقراء غير معينين أو معينين، إن تولى المالك تفرقته وسقيه وعلاجه بنفسه أو نائبه. فإن لم يتول المالك القيام به، وإنما تولاه المعينون الموقوف عليهم الذين وضعوا أيديهم عليه وحازوه، وصاروا يزرعون النبات ويفرقون ما حصل على أنفسهم، فعليهم الزكاة إن حصل لكل واحد منهم نصاب، وإلا فلا، ما لم يكن عنده ما يضمه له ويكمل به النصاب.
وقال الشافعية: لا تجب الزكاة على الصحيح في ثمار البستان وغلة القرية الموقوفين على المساجد والقناطر والرباطات (١) والفقراء والمساكين، إذ ليس لها مالك معين.
وفصل الحنابلة، فأوجبوا الزكاة في موقوف على معين من سائمة أو غلة أرض وشجر، إن بلغت حصة كل واحد نصابًا، ولم يوجبوها في موقوف على غير معين أو مسجد.
تاسعًا - زكاة الأرض المستأجرة: اختلف الفقهاء على رأيين في هذه الزكاة، أهي على المؤجر، أم على المستأجر (٢).
(١) الرباطات: المعاهد المبنية والموقوفة للفقراء.
(٢) البدائع: ٥٦/ ٢، اللباب: ١٥٤/ ١، المهذب: ١٥٧/ ١، المغني: ٧٢٨/ ٢، كشاف القناع: ٢٥٣/ ٢، فتح القدير: ٨/ ٢، بداية المجتهد: ٢٣٩/ ١.
قال أبو حنيفة: زكاة الأرض على المؤجر؛ لأنه من مؤنتها فهي كالخراج الموظَّف؛ لأن بدله وهو الأجرة له، فصار كأنه زرع بنفسه، ولأن الأرض أصل الوجوب.
وخالفه الصاحبان، فقالوا: الزكاة على المستأجر؛ لأن العشر يجب في الخارج، والخارج ملك المستأجر، فكان العشر عليه كالمستعير. لكن الفتوى على قول الإمام، وعليه العمل؛ لأنه ظاهر الرواية. فإن كان إيجاب الزكاة على المستأجر أنفع للفقراء، وجبت عليه، وبه أفتى المتأخرون.
وقال الجمهور: إذا استأجر إنسان أرضًا، فزرعها، أو استعار أرضًا فزرعها، أو غرسها ثمرًا تجب فيه الزكاة، فالعشر على المستأجر والمستعير دون مالك الأرض؛ لأنه واجب في الزرع، فكان على مالكه، وهو المستأجر أو المستعير، لقوله تعالى: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ [الأنعام:١٤١/ ٦] وقوله ﷺ: «فيما سقت السماء العشر - الحديث» وفي إيجاب الزكاة على المالك إجحاف ينافي المواساة، وهي من حقوق الزرع، بدليل أنها لا تجب إن لم تزرع، وتتقيد بقدره.
عاشرًا - زكاة الأرض الخراجية: نوعا الأرض: الأراضي نوعان: عشرية وخراجية (١).
أما العشرية: فهي التي يجب فيها العشر الذي فيه معنى العبادة، وتشمل ما يأتي:
أـ أرض العرب من العُذَيب (قرية من قرى الكوفة) إلى أقصى حدود اليمن
(١) البدائع: ٥٧/ ٢ ومابعدها، اللباب: ١٣٧/ ٤ - ١٣٩، الفتاوى الهندية: ٢١٩/ ٢، فتح القدير: ٣٥٨/ ٤ وما بعدها، بداية المجتهد: ٢٣٩/ ١ ومابعدها.
وعدن؛ لأن رسول الله ﷺ والخلفاء الراشدين بعده لم يأخذوا من أرض العرب خراجًا، فدل أنها عشرية.
ب - والأرض التي أسلم عليها أهلها طوعًا؛ لأنها أرض إسلامية يناسبها ما في معنى العبادة.
جـ - والأرض التي فتحت عنوة وقهرًا، وقسمت بين الغانمين المسلمين؛ للعلة السابقة.
د - دار المسلم إذا اتخذها بستانًا، وكان يسقى بماء العشر، فإن كان يسقى بماء الخراج فهو خراجي.
وأما ماأحياه المسلم من الأرض الميتة بإذن الإمام عند الحنفية والمالكية، فقال أبو يوسف: إن كانت من حيز أرض العشر، فهي عشرية، وإن كانت من حيز أرض الخراج، فهي خراجية، والبصرة عنده عشرية، بإجماع الصحابة ﵃.
وقال محمد: إن أحياها بماء السماء، ببئر استنبطها، أو بماء الأنهار العظام التي لاتملك مثل دجلة والفرات، فهي عشرية. وإن شق لها نهرًا من أنهار الأعاجم، فهي خراجية.
وأما الخراجية: فهي التي يجب فيها الخراج، لأنها في الأصل أرض الكفار، وهي الأراضي التي فتحت عنوة وقهرًا، فمنَّ الإمام على أهلها، وتركها في يد أربابها، بعد أن وضع على أشخاصهم الجزية إذا لم يسلموا، وعلى أراضيهم الخراج، أسلموا أو لم يسلموا، مثل أرض سواد العراق والشام ومصر والهند.
هذا رأي الحنفية. وقال الجمهور (١): الأرض الخراجية ثلاثة أنواع:
١ً - ما فتحت عنوة ولم تقسم بين الغانمين.
٢ً - ما جلا عنها أهلها خوفًا منا.
٣ً - ما صولح أهلها عليها على أنها لنا، ونقرها معهم بالخراج الذي يفرضه الإمام عليهم.
والأرض العشرية التي لا خراج عليها؛ لأنها ملك أهلها، وهي الأرض المملوكة خمسة أنواع:
١ً - التي أسلم أهلها عليها كالمدينة المنورة ونحوها كجُواثى من قرى البحرين.
٢ً - ما أحياه المسلمون واختطوه، كالبصرة التي بنيت في خلافة عمر ﵁، في سنة ثمان عشرة، بعد وقف سواد العراق، فدخلت في حده، دون حكمه.
٣ً - ماصولح أهلها على أنها لهم بخراج يضرب عليها كاليمن.
٤ً - ما أقطعها الخلفاء الراشدون من سواد العراق إقطاع تمليك.
٥ً - ما فتح عنوة وقسم بين الغانمين، كنصف خيبر (على نحو أربع مراحل من المدينة إلى جهة الشام).
(١) كشاف القناع:٢٥٥/ ٢ ومابعدها، المغني: ٧١٦/ ٢ - ٧١٩، الأحكام السلطانية للماوردى: ص١٣٢ ومابعدها، الأحكام السلطانية لأبي يعلى: ص١٣٠ ومابعدها، الأموال لأبي عبيد: ص٦٨ وما بعدها: ١٠٠ وما بعدها.
نوعا الخراج: والخراج نوعان: خراج وظيفة، وخراج مقاسمة (١).
أما خراج الوظيفة: فهو الضريبة المفروضة على الأرض، سواء استغلها صاحبها أم تركها. وقد وظفه عمر ﵁، وكان في كل جريب أرض بيضاء تصلح للزراعة قفيز مما يزرع فيها ودرهم (٢). ومبنى هذا الخراج على الطاقة.
وأما خراج المقاسمة: فهو الضريبة المقطوعة من الناتج الزراعي، كأن يؤخذ نصف الخراج أو ثلثه أو ربعه، وقد فعله النبي ﷺ لما فتح خيبر، ويكون ذلك في الخراج كالعشر، إلا أنه يوضع موضع الخراج؛ لأنه خراج حقيقة.
واتفق العلماء على أن الأرض الخراجية إذا كانت ملكًا لغير مسلم، وجب فيها الخراج، ولا عشر فيها، وعلى أن العشرية إذا كانت لغير مسلم، وجب فيها العشر.
زكاة الأرض الخراجية: اختلف الفقهاء في الأرض الخراجية إذا صارت ملكًا لمسلم، هل تبقى وظيفتها الخراج فقط، أو يجتمع فيها العشر والخراج أو يبدل خراجها بعشر؟
١ - قال الحنفية (٣): إن كانت الأرض خراجية يجب فيها الخراج، ولا يجب في الخارج منها العشر، فالعشر والخراج لا يجتمعان في أرض واحدة.
(١) البدائع: ٢/ ٦٢ وما بعدها، الأحكام السلطانية للماوردي: ص ١٤١.
(٢) الجريب: أرض طولها ستون ذراعًا، وعرضها ستون ذراعًا، بذراع كسرى، يزيد على ذراع العامة بقصبة، والقفيز عشر الجريب طولًا، وأما كيلًا فهو اثنا عشر صاعًا.
(٣) فتح القدير: ٤/ ٣٦٥ وما بعدها، البدائع: ٢/ ٥٧، اللباب: ١/ ١٥٤، مقارنة المذاهب في الفقه: ص٥١ وما بعدها.
٢ - وقال الأئمة الثلاثة (١): يجتمع في الخارج من أرض الخراج العشر والخراج.
الأدلة:
استدل الحنفية بما يأتي:
أـ ما روي عن ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال: «لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم» (٢).
ب - لم يأخذ أحد من أئمة العدل وولاة الجور من أرض سواد العراق عشرًا، فالقول بوجوب العشر مع الخراج يخالف الإجماع، فيكون باطلًا.
جـ - إن سبب كل من الخراج والعشر واحد، وهو الأرض النامية، فلا يجتمعان في أرض واحدة، كما لا يجتمع زكاتان في مال واحد، وهي زكاة السائمة والتجارة.
واستدل الجمهور بما يأتي:
أـ بعموم الآيات والأحاديث المتقدمة التي ذكرتها في فرضية زكاة الأرض، والتي تدل على الوجوب، سواء أكانت الأرض خراجية أم عشرية.
ب - بأن الخراج والعشر حقان مختلفان ذاتًا ومحلًا وسببًا ومصرفًا ودليلًا، أما اختلافهما ذاتًا فلأن العشر فيه معنى العبادة، والخراج فيه معنى العقوبة، وأما
(١) الشرح الصغير:٦٠٩/ ١، المهذب:٦٠٩/ ١، المهذب: ١٥٧/ ١، المغني: ٧٢٥/ ٢
(٢) حديث ضعيف جدًا ذكره ابن عدي في الكامل عن يحيى بن عنبسة، قال ابن حبان: ليس هذا الحديث من كلام النبوة (انظر فتح القدير:٣٦٦/ ٤، كشاف القناع: ٢٥٥/ ٢) ويحمل على الخراج الذي هو الجزية.
اختلافهما محلًا فلأن العشر يجب في الخارج، والخراج يتعلق بالذمة. أما اختلافهما سببًا فلأن سبب العشر نفس الخارج، فلا يجب بدونه، وسبب الخراج: الأرض النامية أي الصالحة للزراعة، بدليل وجوبه وإن لم تزرع الأرض.
وأما اختلافهما مصرفًا: فلأن مصرف العشر الفقراء، ومصرف الخراج المصالح العامة أو المقاتلة. وأما اختلافهما دليلًا، فلأن دليل العشر النص، ودليل الخراج الاجتهاد المبني على مراعاة المصالح.
وإذا ثبت اختلافهما من هذه الوجوه، فلا مانع من اجتماعهما، فوجوب أحدهما لا يمنع وجوب الآخر، كاجتماع الجزاء والقيمة في الصيد الحرمي المملوك.
والراجح هو رأي الجمهور بسبب ضعف حديث الحنفية، ولأن الخراج واجب اجتهادي لتقوية جماعة المسلمين وسد الحاجات العامة، وأن العشر واجب ديني على المسلمين، فلا تنافي بينهما. وليس في الخراج معنى العقوبة، إذ لو كان عقوبة لما وجب على المسلم كالجزية.
وصرح الحنفية كابن عابدين (رد المحتار ٦٧/ ٢) وغيره بأن الأراضي الخراجية في مصر والشام، حيث صارت لبيت المال سقط عنها الخراج، لعدم من يجب عليه، والمأخوذ منها الآن أجرة لا خراج، ويصير العشر هو الواجب فيها.
أحد عشر ـ العاشر وضريبة العشور (١):
العاشر: من نصبه الإمام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار. فإذا حدث اختلاف بينه وبين التجار، فأنكر أحدهم تمام الحول، أو الفراغ من الدين، كان منكرًا لوجوب الزكاة، والقول قول المنكر بيمينه.
(١) فتح القدير: ٥٣٠/ ١ - ٥٣٦.
وكذا إذا قال: أديتها إلى عاشر آخر، أو أديتها أنا إلى الفقراء في بلدي، صدق بيمينه.
وما صدق فيه المسلم، صدق فيه الذمي، تخفيفًا عنه.
ومقدار ما يأخذه العاشر من المسلم: ربع العشر، ومن الذمي نصف العشر ومن الحربيين العشر، بدليل ما رواه محمد بن الحسن عن زياد بن حَدير، قال: «بعثني عمر بن الخطاب ﵁ إلى عين التمر مصدِّقًا، فأمرني أن آخذ من المسلمين من أموالهم إذا اختلفوا بها للتجارة ربع العشر، ومن أموال أهل الذمة نصف العشر، ومن أموال أهل الحرب العشر».
والأصل المقرر عند الحنفية في الأخذ من الحربيين: هو المعاملة بالمثل، فإن كانوا لا يأخذون أصلًا لا نأخذ منهم شيئًا، ليتركوا الأخذ من تجارنا، ولأنا أحق بمكارم الأخلاق، وإن مر حربي بخمسين درهمًا لم يؤخذ منه شيء إلا أن يكونوا يأخذون منا من مثلها؛ لأن المأخوذ زكاة أو ضعفها، فلا بد من النصاب. وإن مر حربي بمئتي درهم (وهو نصاب الزكاة) ولا يعلم كم يأخذون منا، نأخذ منه العشر، لقول عمر ﵁: «فإن أعياكم فالعشر».
وإن مر حربي على عاشر، فعشره، ثم مرَّ مرة أخرى، لم يعشره حتى يحول الحول؛ لأن الأخذ في كل مرة استئصال المال، وحق الأخذ لحفظه، ولأن حكم الأمان الأول باق، وأما بعد الحول فيتجدد الأمان؛ لأنه لا يمكن من الإقامة في دارنا إلا حولًا، والأخذ بعده لا يستأصل المال.
فإن عشره، فرجع إلى دار الحرب، ثم خرج من يومه ذلك، عشره أيضًا؛ لأنه رجع بأمان جديد، وكذا الأخذ بعده لا يفضي إلى استئصال المال.
وإن مر ذمي بخمر أو خنزير بنية التجارة وتبلغ القيمة مئتي درهم، عشر عند أبي حنيفة ومحمد الخمر من قيمتها دون الخنزير؛ لأن حق الأخذ للحماية، والمسلم يحمي خمر نفسه للتخليل، فكذا يحميها على غيره، ولا يحمي خنزير نفسه، بل يجب تسييبه بالإسلام، فكذا لا يحميه على غيره. وقال أبو يوسف: يعشرهما إذا مر بهما جملة، كأنه جعل الخنزير تبعًا للخمر، فإن مر بكل واحد على الانفراد، عشر الخمر دون الخنزير.
وقال الشافعي: لا يعشرهما؛ لأنه لا قيمة لهما.
وإن مر الحربي المضارب بمال غيره بمئتي درهم على العاشر، لم يعشرها؛ لأنه ليس بمالك ولا نائب عن المالك في أداء الزكاة، إلا أن يكون في المال ربح يبلغ نصيبه نصابًا، فيؤخذ منه؛ لأنه مالك له.
اثنا عشر - إخراج الزكاة وإسقاطها:
أبحث هنا موضوعات:
الأول - ركن الإخراج:
هو التمليك، لقوله تعالى: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ [الأنعام:١٤١/ ٦] والإيتاء هو التمليك، لقوله تعالى: ﴿وآتوا الزكاة﴾ [البقرة:٢٧٧/ ٢] فلا تتأدى بطعام الإباحة، وبما ليس بتمليك من بناء المساجد ونحو ذلك (١).
الثاني - كيفية الإخراج:
لا خلاف بين العلماء في أنه إذا كان المال الذي فيه الزكاة نوعًا واحدًا، أخذ
(١) البدائع: ٦٤/ ٢ وما بعدها.
منه، جيدًا كان أو رديئًا؛ لأن حق الفقراء يجب على طريقة المواساة، فهم بمنزلة الشركاء.
وإن كان أنواعًا، أخذ من كل نوع ما يخصه، في رأي الحنابلة والحنفية، وقال مالك: يؤخذ من الوسط، لا من الأعلى ولا من الأدنى، ولا من كل نوع، للمشقة، إلا أن يتطوع المزكي بدفع الأعلى.
وقال الشافعي: يؤخذ من كل نوع جزء منه، فإن عسر أخرج الوسط.
ولا يجوز اتفاقًا إخراج الرديء، لقوله تعالى: ﴿ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون﴾ [البقرة:٢٦٧/ ٢] (١).
ولا يجوز أخذ الجيد عن الرديء، لقول النبي ﷺ: «إياك وكرائم أموالهم» (٢) إلا أن يتطوع رب المال بذلك.
الثالث - وقت إخراج الزكاة:
لا تؤخذ زكاة الحبوب إلا بعد التصفية، ولا زكاة الثمار إلا بعد الجفاف، بالاتفاق (٣)؛ لأنه أوان الكمال وحال الادخار، ومؤنة التصفية والحصاد والجفاف إلى حين الإخراج على المالك، ولا يحسب شيء منها من الزكاة بالاتفاق، لأن الثمرة كالماشية، ومؤنة الماشية وحفظها ورعيها والقيام عليها إلى حين الإخراج على صاحبها.
(١) المغني: ٧١٢/ ٢ ومابعدها، الشرح الصغير: ٦١٩/ ١، مغني المحتاج: ٣٨٤/ ١، الشرح الكبير مع الدسوقي:٤٥٤/ ١ ومابعدها.
(٢) رواه الجماعة عن ابن عباس: أن رسول الله ﷺ لما بعث معاذًا إلى اليمن .. (نيل الأوطار: ١١٤/ ٤).
(٣) المجموع: ٤٨١/ ٥، المغني: ٧١١/ ٢.
فإن أخذ الساعي الزكاة قبل التجفيف فقد أساء، ويرده إن كان رطبًا بحاله، وإن تلف رد مثله، وإن جففه وكان قدر الزكاة، فقد استوفى الواجب، وإن كان دونه أخذ الباقي، وإن كان زائدًا رد الفضل.
وإن كان المخرج لها رب المال، لم يجزه، ولزمه إخراج الفضل بعد التجفيف؛ لأنه أخرج غير الفرض، فلم يجزه، كما لو أخرج الصغير من الماشية عن الكبار.
الرابع - تقدير الواجب في الثمار ب الخرص:
الخرص: الحزر والتخمين أي التقدير الظني بواسطة رجل عدل خبير.
وقد أنكر الحنفية الخرص؛ لأنه رجم بالغيب، وظن وتخمين لا يلزم به حكم، كما أنكروا القرعة، وإنما كان الخرص تخويفًا للأكره (الحراثين) لئلا يخونوا (١).
وقال الجمهور (٢): يسن خرص الثمار (التمر والعنب) دون غيرهما كالزيتون، إذا بدا صلاحها أو طيبها، لا قبله، وينبغي للإمام أن يبعث ساعيه إذا بدا صلاح الثمار ليخرصها ويعرف قدر الزكاة، ويعرِّف المالك ذلك. فإن لم يبعث الإمام أحدًا فللمالك أن يأتي بعارف يخرص ما في بستانه من التمر والعنب، سواء أكان من شأنهما اليبس أم لا، كرطب وعنب مصر، ليضبط ما تجب الزكاة فيه منهما.
(١) المغني: ٧٠٦/ ٢، الأموال: ص٤٩٣ وما بعدها.
(٢) الشرح الكبير: ٤٥٢/ ١، الشرح الصغير: ٦١٧/ ١ ومابعدها، مغني المحتاج: ٣٨٩/ ١ ومابعدها، المغني: ٧٠٦/ ١ - ٧١٠.
ودليلهم: أن النبي ﷺ «كان يبعث على الناس من يخرُص عليهم كرومهم وثمارهم» وقال عَتَّاب بن أسيد: «أمر رسول الله ﷺ أن يُخْرَص العنب، كما يخرص النخل، فتؤخذ زكاته زبيبًا، كما تؤخذ صدقة النخل تمرًا» (١).
ترك الثلث أو الربع: ويدخل جميع الثمر في الخرص، ويترك الخارص عند الشافعية والحنابلة الثلث أو الربع توسعة على أرباب الأموال، لقوله ﷺ في حديث سهل بن أبي حثمة: «إذا خرصتم فخذوا، ودعوا الثلث، فإن لم تدَعوا الثلث، فدعوا الربع» (٢) ولا يترك عند الحنفية والمالكية شيء؛ لأن في إسناد حديث سهل راويًا لا يعرف حاله، كما قال ابن القطان.
الاكتفاء بخارص واحد: ويجزئ خارص واحد؛ لأن النبي ﷺ كان يبعث عبد الله بن رَوَاحة، فيخرُص النخل حين يطيب (٣)، ولم يذكر معه غيره، ولأن الخارص يفعل ما يؤديه اجتهاده إليه، فهو كالحاكم والقائف.
شروط الخارص - شرط الخارص: العدالة أو الأمانة؛ لأن الفاسق لا يقبل قوله، والحرية والذكورة؛ لأن الخرص ولاية، وليس الرقيق والمرأة من أهلها. ولابد أن يكون عالمًا بالخرص؛ لأن الخرص اجتهاد، والجاهل بالشيء ليس من أهل الاجتهاد فيه.
صفة الخرص - صفة الخرص تختلف باختلاف الثمر: فإن كان نوعًا واحدًا، فإنه يطيف بكل نخلة أو شجرة، وينظركم في الجميع رطبًا أو عنبًا، ثم يقدر
(١) روى الحديث الأول الترمذي وابن ماجه عن عَتّاب بن أسيد، وروى الثاني أبو داود والترمذي (نيل الأوطار: ١٤٣/ ٤).
(٢) رواه الخمسة إلا ابن ماجه (المرجع السابق) وأخرجه أيضًا ابن حبان والحاكم وصححاه.
(٣) رواه أحمد وأبو داود عن عائشة (المرجع السابق).
ما يجيء منها تمرًا. وإن كان أنواعًا، خرص كل نوع على حدته؛ لأن الأنواع تختلف، فمنها ما يكثر رطبه ويقل تمره، ومنها ما يكون بالعكس، وهكذا العنب.
فإذا خرص على المالك وعرَّفه قدر الزكاة، خيره الخارص بين أن يضمن قدر الزكاة، ويتصرف فيها بما شاء من أكل وغيره، وبين حفظها إلى وقت الجداد والجفاف.
فإن اختار حفظها ثم أتلفها بتفريطه، فعليه ضمان نصيب الفقراء بالخرص. وإن أتلفها أجنبي، فعليه قيمة ما أتلف. وإن تلفت بجائحة سماوية، سقط عن الملاك الخرص؛ لأنها تلفت قبل استقرار زكاتها، ويسقط من الزكاة بمقدار التالف، ويزكى الباقي إن لم يتلف الكل، وكان الباقي بمقدار النصاب.
وإن ادعى المالك هلاك الثمار أو تلفها بغير تفريطه، بسبب خفي كالسرقة، أو ظاهر كحريق أو برد أو نهب، صدق قوله بيمينه عند الشافعية، وبغير يمين عند الحنابلة.
خطأ الخارص: إذا أخطأ الخارص التقدير: فزاد أو نقص، يلزم المالك عند الإمام مالك بما قال الخارص، زاد أو نقص، إذا كانت الزكاة متقاربة؛ لأنه حكم واقع لا نقض له (١).
وقال الشافعية (٢): إن ادعى المالك حيف الخارص أو غلطه بما يبعد، أي لا يقع عادة من أهل المعرفة بالخرص كالربع مثلًا، لم يقبل قوله إلا ببينة. وإن كان بمحتمل، قبل في الأصح، وحط عنه ما ادعاه؛ لأنه أمين، فوجب الرجوع إليه في دعوى نقصه عند كيله؛ لأن الكيل يقين، والخرص تخمين، فالإحالة عليه أولى.
(١) الأموال: ص ٤٩٤ ومابعدها.
(٢) مغني المحتاج: ٣٨٨/ ١.
وقال الحنابلة (١): إن ادعى رب المال غلط الخارص، وكان ما ادعاه محتملًا، قبل قوله بغير يمين، وإن لم يكن محتملًا مثل أن يدعي غلط النصف ونحوه، لم يقبل منه؛ لأنه لا يحتمل، فيعلم كذبه. وإن قال: لم يحصل في يدي غير هذا، قبل منه بغير يمين؛ لأنه قد يتلف بعضها بآفة لا نعلمها.
الخامس - ما تسقط به زكاة النبات:
قال الحنفية وغيرهم (٢): تسقط هذه الزكاة بعد الوجوب بهلاك الخارج من غير صنع المالك؛ لأن الواجب في الخارج، فإذا هلك هلك بما فيه، كهلاك نصاب الزكاة بعد الحول.
وإن استهلك الثمر أو الزرع: فإن استهلكه غير المالك، أخذ الضمان منه، وأدي عشره. وإن استهلك بعضه، أدى عشر القدر المستهلك من الضمان. وإن استهلك المالك أو استهلك البعض، بأن أكله، ضمن عشر الهالك، وصار دينًا في ذمته في قول أبي حنيفة.
وتسقط الزكاة عند الحنفية خلافًا لغيرهم بالردة؛ لأن في العشر معنى العبادة، والكافر ليس من أهل العبادة.
وكذلك تسقط هذه الزكاة عند الحنفية خلافًا للجمهور بموت المالك من غير وصية، إذا كان استهلك الخارج، كما في بقية أنواع الزكاة. أما إن كان الخارج قائمًا بعينه، فيؤدى العشر منه في ظاهر الرواية عند الحنفية.
(١) المغني: ٧٠٨/ ٢.
(٢) البدائع: ٦٥/ ٢، مغني المحتاج: ٣٨٧/ ١.
المطلب الخامس - زكاة الحيوان أو الأنعام:
مشروعيتها، وشروطها، وأنواعها ونصاب كل نوع، وزكاة الخليطين في الماشية وغيرها، وأحكام متفرقة في زكاة الحيوان (هل تجب الزكاة في العين أم في الذمة؟ دفع القيمة في الزكاة، ضم أنواع الأجناس إلى بعضها، كون الفرع أو النتاج يتبع الأصل في الزكاة، المستفاد في أثناء الحول، الزكاة في النصاب دون العفو، ما يأخذه الساعي العامل أو الجابي).
أولًا - مشروعية زكاة الحيوان: تقررت فرضية زكاة الحيوان في السنة النبوية في أحاديث صحاح أو حسنة أشهرها اثنان:
الأول - حديث أبي بكر (١) المتضمن مقدار زكاة الإبل ونصابها، ومقدار زكاة الماشية ونصابها، وكيفية زكاة الخليطين، وما يخرج من زكاة المواشي وهو أوسط الأنواع، لا الهَرِمة والعوراء، والذكر إلا أن يشاء المصدِّق (٢)، وما يجوز أخذ بعضه عن بعض في الإبل، وكون زكاة الفضة (الرِّقة) ربع العشر.
والثاني - حديث معاذ المتضمن نصاب زكاة البقر (٣).
وأجمع العلماء على فرضية الزكاة في الأنعام (٤): الإبل والبقر والغنم
(١) رواه أحمد والنسائي وأبو داود والبخاري والدارقطني عن أنس، ورواه أيضًا أحمد وأبو داود والترمذي عن الزهري عن سالم عن أبيه، وهو حديث حسن (نيل الأوطار: ١٢٤/ ٤ - ١٣١، سبل السلام: ١٢١/ ٢ - ١٢٤).
(٢) المصدق: المالك في رأي أبي عبيد، وجميع الرواة يرون أنه العامل.
(٣) رواه الخمسة (أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه) عن معاذ، ورواه أيضًا أحمد عن يحيى ابن الحكم أن معاذًا قال ... (نيل الأوطار: ١٣٢/ ٤، سبل السلام: ١٢٤/ ٢).
(٤) الأنعام: جمع نَعَم، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه، يذكر ويؤنث، سميت نعمًا لكثرة نعم الله فيهاعلى خلقه، لأنها تتخذ للنماء غالبًا لكثرة منافعها.
الإنسية، لا في الخيل والرقيق والبغال والحمير والظباء، وأوجب أبو حنيفة الزكاة في الخيل، خلافًا للصاحبين، فإنهما قالا: لا زكاة في الخيل، وبرأيهما يفتى.
ثانيًا - شروط وجوب زكاة الحيوان: اشترط الفقهاء لوجوب زكاة الحيوان خمسة شروط، على خلاف في بعضها، وهي ما يأتي (١):
١ً - أن تكون الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم إنسية، لا وحشية، أما المتولد بين الإنسي والوحشي، كالمتولد من الشاة والظبي أو المتولد من البقر الأهلي والوحشي: فلا زكاة فيه عند الشافعية وفي المشهور عند المالكية؛ لأن الأصل عدم الوجوب، ولا نص ولا إجماع في ذلك إذ لا يطلق عليه اسم الشاة، وهو متولد من وحشي، فأشبه المتولد من وحشيين.
وقال الحنابلة: تجب فيه الزكاة كالمتولد بين سائمة ومعلوفة.
وقال الحنفية: إن كانت الأم أهلية، وجبت فيه الزكاة ويكمل به النصاب، وإلا فلا؛ لأن ولد البهيمة يتبع أمه (٢).
٢ً - أن تكون الأنعام بالغة نصابًا شرعيًا على النحو المبين في السنة، كما سيوضح في زكاة كل نوع.
(١) الدر المختار:٣٠/ ٢ ومابعدها، فتح القدير:٤٩٤/ ١ - ٥٠٢،٥٠٩، الشرح الصغير: ٥٩٠/ ١ - ٥٩٤، القوانين الفقهية: ص١٠٧ ومابعدها، مغني المحتاج: ٣٦٨/ ١ ومابعدها،٣٧٨ - ٣٨٠، المهذب:١٤٢/ ١ - ١٥٠، المغني: ٥٧٥/ ٢ - ٥٧٧،٥٩١ - ٥٩٦،٦٠٤،٦٢٥، كشاف القناع:٢١٢/ ٢.
(٢) البدائع:٣٠/ ٢ وما بعدها، الشرح الكبير مع الدسوقي:٤٣٢/ ١، مغني المحتاج: ٣٦٩/ ١، المغني:٥٩٥/ ٢.
٣ً، ٤ً - أن يحول عليها حول كامل في ملك صاحبها: بأن يمضي على تملكها عام كامل من بدء الملكية، ويبقى الملك فيها جميع الحول، فلو لم يمض الحول في ملكه، لم تجب عليه الزكاة، لحديث: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» (١)، ولأنه لا يتكامل نماء المال قبل تمام الحول، وذلك إلا في النتاج فإنه يتبع الأمهات في الحول.
ولو زال الملك عن الماشية في الحول عن النصاب أو بعضه، ببيع أو غيره، فعاد بشراء أوغيره، أو بادل بمثله مبادلة صحيحة لا للتجارة، كإبل بإبل، أو بجنس آخر كإبل ببقر، استأنف الحول أي بدأ حولًا جديدًا لانقطاع الحول الأول بما فعله، فصار ملكًا جديدًا، فلا بد من حول جديد للحديث المتقدم.
٥ً - كونها سائمة أي راعية في معظم الحول، لا معلوفة، ولا عاملة في حرث ونحوه، وهذا شرط عند الجمهور غير المالكية، لحديث: «في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون» (٢) وحديث «وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومئة: شاة» (٣) وتقاس البقر على الإبل والغنم.
والسائمة عندالحنفية والحنابلة: هي التى ترعى العشب المباح في البراري في أكثر العام، بقصد الدر أو النسل أو التسمين، فإن أسامها (رعاها) للذبح أو الحمل أو الركوب أو الحرث، فلا زكاة فيها. وإن أسامها للتجارة ففيها زكاة التجارة. ولا يضر العلف اليسير؛ لأن للأكثر حكم الكل. ولو علفها نصف السنة أو أكثر من نصفها، فلا زكاة فيها.
(١) رواه أبو داود، وللترمذي عن ابن عمر: «من استفاد مالًا، فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول» (سبل السلام: ١٢٩/ ٢).
(٢) رواه أبو داود وغيره، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، والراوي بهز بن حكيم عن أبيه (سبل السلام: ١٢٦/ ٢).
(٣) رواه البخاري في حديث أنس عن أبي بكر المتقدم.
أما إن سامت (رعت) بنفسها بدون أن يقصد مالكها ذلك، فلا زكاة فيها عند الحنفية، وفيها الزكاة عند الحنابلة.
والسائمة عند الشافعية: أن يرسلها صاحبها للمرعى في كلأ مباح في جميع الحول أو في الغالبية العظمى منه، ولا يضر علف يسير تعيش بدونه بلا ضرر بيِّن كيوم أو يومين؛ لأن الماشية تصبر اليومين ولا تصبر الثلاثة غالبًا، فإن علفت معظم العام، أو في مدة لا تعيش بدونه، أو تعيش في تلك المدة ولكن بضرر بيِّن، فلا تجب زكاتها، لوجود المؤنة (النفقة والمشقة).
ولو سامت بنفسها، أوبفعل الغاصب أو المشتري شراء فاسدًا، أو كانت عوامل في حَرْث ونَضْح (حمل الماء للشرب) ونحوه، فلا زكاة في الأصح، لعدم إسامة المالك، وإنما اعتبر قصده دون قصد الاعتلاف؛ لأن السوم يؤثر في وجوب الزكاة، فاعتبر فيه قصده، والاعتلاف يؤثر في سقوطها، فلا يعتبر قصده؛ لأن الأصل عدم وجوبها. وبذلك يشترط عند الشافعية: أن يكون كل السوم من المالك، فلا زكاة فيما سامت بنفسها أو أسامها غير المالك.
ومذهب المالكية (١): أن الزكاة تجب في الأنعام، سواء أكانت سائمة (راعية) أم معلوفة، أم عوامل، لعموم حديث أبي بكر المتقدم في الإبل: «في كل خمس شاة».
ومنشأ الخلاف بين الرأيين كما بين ابن رشد: معارضة المطلق للمقيد، ومعارضة دليل الخطاب للعموم، ومعارضة القياس لعموم اللفظ، أما المطلق فحديث: «في كل أربعين شاة شاة» وأما المقيد فحديث «في سائمة الغنم الزكاة»
(١) القوانين الفقهية: ص١٠٨، بداية المجتهد:٢٤٤/ ١، الشرح الكبير: ٤٣٢/ ١، الشرح الصغير:٥٩٢/ ١.
فمن غلب المطلق على المقيد، وهم المالكية، قال: الزكاة في السائمة وغير السائمة. ومن غلَّب المقيد وهم الجمهور قال: الزكاة في السائمة منها فقط، وتغليب المقيد علي المطلق أشهر من تغليب المطلق على المقيد.
وأما دليل الخطاب (مفهوم المخالفة) فحديث «في سائمة الغنم» يقتضي ألا زكاة في غير السائمة، وعموم حديث «في أربعين شاةً شاةٌ» يقتضي أن السائمة في هذا بمنزلة غير السائمة، وقد أخذ المالكية بمبدأ أن عموم اللفظ أقوى من دليل الخطاب.
وأما القياس المعارض لعموم حديث «في أربعين شاة شاة»: فهو أن السائمة هي التي يتحقق مقصود الزكاة فيها وهو النماء والربح، وهو الموجود فيها أكثر ذلك، والزكاة إنما هي فضلات الأموال، والفضلات إنما توجد في الأموال السائمة، ولذلك اشترط فيها الحول، فالجمهور خصصوا بهذا القياس ذلك العموم، فلم يوجبوا الزكاة في غير السائمة. والمالكية لم يخصصوا ذلك، ورأوا أن العموم أقوى، فأوجبوا الزكاة في الصنفين جميعًا.
ورأيي أن قول الجمهور أصح، لاشتمال آخر الحديث صراحة على كون الماشية سائمة، وهو الذي يجب حمل أول الحديث عن الإبل عليه، إذ لا يعقل تعارض آخر الحديث مع أوله، فحديث أنس المتضمن كتاب أبي بكر في فرائض صدقة المواشي ذكر فيه أولًا مقادير زكاة الإبل، ثم ذكر فيه زكاة الغنم بلفظ «وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومئة».
ثالثًا - أنواع الأنعام التي تجب فيها الزكاة ونصاب كل نوع منها:
تجب الزكاة في الإبل والبقر والغنم، وأوجب أبو حنيفة خلافًا لصاحبيه
الزكاة في الخيول، والفتوى على قولهما أنه لا زكاة في الخيل إلا إذا كانت للتجارة .....
زكاة الإبل:
الإبل: الذكور والإناث، الكبار والصغار، والصغار تبع للكبار، والمقصود منها السوائم عند غير المالكية، وكذا المعلوفة عند المالكية: لا زكاة فيما دون خمس من الإبل بإجماع المسلمين، لقول النبي ﷺ: «ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل، فليس عليه فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها» وقال: «ليس فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة» (١) وأجمع العلماء على أن في خمس من الإبل شاةً، وفي العشر شاتين، وفي الخمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه (٢)، لحديث أبي بكر المتقدم. ولا يجزئ في الغنم المخرجة في الزكاة إلا الجَذَع من الضأن والثني من المعز (٣)، فيخرج أحدهما بحسب غالب غنم البلد من المعز والضأن عند المالكية، ولا يتعين عند الجمهور غالب غنم البلد، لخبر «في كل خمس شاة» والشاة تطلق على الضأن والمعز.
وأجمعوا على أنه إذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين (٢٥ - ٣٥) ففيها بنت مخاض (وهي التي لها سنة من الإبل ودخلت في الثانية)، وأضاف الشافعية والمالكية: أو ابن لبون له سنتان إن فقدها.
(١) متفق عليه. والذود: وهو من الإبل: من الثلاثة إلى العشرة، لا واحد له من لفظه.
(٢) انظر آراء الفقهاء في هذا النوع في فتح القدير: ٤٩٤/ ١ وما بعدها، البدائع: ٣١/ ٢ وما بعدها، الشرح الكبير: ٤٣٢/ ١ وما بعدها، الشرح الصغير: ٥٩٤/ ١ ومابعدها، القوانين الفقهية: ص ١٠٨، المهذب: ١٤٥/ ١ وما بعدها، مغني المحتاج: ٣٦٩/ ١ ومابعدها، المغني: ٥٧٩/ ٢ ومابعدها، كشاف القناع: ٢١٣/ ٢ ومابعدها.
(٣) الجذع والثني: هو ما أتم السنة ودخل في الثانية، واشترط الشافعية إتمام المعز سنتين، وأجاز الحنابلة كون الجذع متمًا ستة أشهر .....
وفي ست وثلاثين إلى خمس وأربعين (٣٦ - ٤٥) بنت لبون (وهي ماأتمت سنتين ودخلت في الثالثة.
وفي ست وأربعين إلى ستين (٤٦ - ٦٠) حِقَّة (وهي ما أتمت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة).
وفي إحدى وستين إلى خمس وسبعين (٦١ - ٧٥) جَذَعة (وهي ما أتمت أربع سنين ودخلت في الخامسة) (١).
وفي ست وسبعين إلى تسعين (٧٦ - ٩٠) بنتا لبون.
وفي إحدى وتسعين إلى مئة وعشرين (٩١ - ١٢٠) حقتان، كما دلت كتب السنة في حديث أبي بكر ..
وفي مئة وإحدى وعشرين إلى مئة وتسع وعشرين (١٢١ - ١٢٩) ثلاث بنات لبون عند الجمهور.
وعند الحنفية: حقتان وشاة؛ لأنه إذا زادت عن مئة وعشرين تستأنف عندهم الفريضة، فيكون في الخمس من الإبل شاة مع الحقتين، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض مع الحقتين، فإذا بلغت مئة وخمسين فيكون فيها ثلاث حِقاق، فإذا زادت عن ذلك تستأنف الفريضة أيضًا على النحو المذكور، ففي الخمس شاة مع ثلاث حقاق إلخ.
ويخير الساعي لا المالك عند المالكية في (١٢١ - ١٢٩) بين حقتين وبين ثلاث
(١) يلاحظ أن الحنابلة في تقدير الأعمار لم يشترطوا الدخول في السنة التالية، واكتفوا بإكمال السنة السابقة .....
بنات لبون إذا وجد الصنفان عند المزكي، أو فقدا، ويتعين عليه أخذ ما وجد عند رب المال من الحقتين أو ثلاث بنات اللبون.
وفي مئة وثلاثين فأكثر: في كل أربعين عند الجمهور بنت لبون، وفي كل خمسة حقة، لقول النبي ﷺ: «فإذا زادت على عشرين ومئة، ففي كل أربعين بنت
لبون» (١) وفي رواية الدارقطني: «إلى عشرين ومئة، فإذا زادت واحدة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقه».
وأما الحنفية فقالوا كما تقدم: إذا زادت عن مئة وعشرين تستأنف الفريضة في مواضع ثلاثة، أي أنه لا يجب فيما زاد على مئة وعشرين حتى تبلغ الزيادة خمسًا، فإذا بلغت خمسًا كان فيها شاة مع الواجب المتقدم، وهو الحقتان.
الموضع الأول: تستأنف الفريضة بعد الـ ١٢١:
ففي ١٢١ - ١٢٩ تجب حقتان وشاة.
وفي ١٣٠ - ١٣٤ تجب حقتان وشاتان.
وفي ١٣٥ - ١٣٩ تجب حقتان وثلاث شياه.
وفي ١٤٠ - ١٤٤ تجب حقتان وأربع شياه.
وفي ١٤٥ - ١٤٩ تجب حقتان وبنت مخاض.
والموضع الثاني: تستأنف الفريضة من ١٥٠.
ففي ١٥٠ - ١٥٤ يجب الفريضة من١٥٠.
وفي ١٥٥ - ١٥٩ يجب ثلاث حقاق وشاة.
(١) رواه أبو داود والترمذي
وهكذا مع الثلاث حقاق يكون في الخمس شاة، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لبون، فإذا بلغت مئة وستًا وتسعين (١٩٦) ففيها أربع حقاق، إلى مئتين (٢٠٠).
والموضع الثالث: بعد المئتين تستأنف الفريضة أبدًا كما تستأنف في الخمسين بعد المئة والخمسين (١٥٠) حتى يجب في كل خمسين حقة.
ولا تجزئ عندهم ذكور الإبل إلا بالقيمة للإناث، بخلاف البقر والغنم، فإن المالك مخير. ودليلهم على استئناف الفريضة: ما وجد في كتاب أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المتضمن ما يخرج من فرائض الإبل حتى عشرين ومئة: «فإذا كانت أكثر من عشرين ومئة، فإنها تعاد إلى أول فريضة الإبل» (١).
اتفق الفقهاء على أن ما بين الفريضتين من الفرائض المتقدمة وهو ما يسمى الأوقاص معفو عنه، فالخمس إلى التسع من الإبل فيها شاة واحدة، ولا شيء في مقابل الزائد عن الخمس، لما روى أبو عبيد عن يحيى بن الحكم أن النبي ﷺ قال: «إن الأوقاص لا صدقة فيها» ولأن العفو مال ناقص عن نصاب.
حالة مصادفة الفرضين: ذكر الشافعية (٢): أنه لو اتفق فرضان في الإبل كمئتي بعير، ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون، فالمذهب عندهم: لا يتعين أربع حقاق، بل هن، أو خمس بنات لبون؛ لأن المئتين أربع خمسينات أو خمس أربعينات، لحديث أبي داود وغيره عن كتاب رسول الله ﷺ: «فإذا كانت مئتين
(١) رواه أبو داود في المراسيل وإسحاق بن راهويه في مسنده والطحاوي في مشكل الآثار عن حماد بن سلمة.
(٢) مغني المحتاج: ٣٧١/ ١ - ٣٧٣، المهذب: ١٤٧/ ١ .....
ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون، أيّ السنَّين وجدت أخذت» فإن وجد المالك بماله أحدهما أخذ منه، وإن لم يجد فله تحصيل ما شاء من النوعين بشراء أو غيره.
وإن وجد الفرضين معًا في ماله تعين الأغبط (أي الأنفع للمستحقين بزيادة قيمة أوغيرها)، ولا يجزىء غير الأغبط إن دلّس الدافع في إعطائه بأن أخفي الأغبط، وقصر الساعي، وإن لم يدلس الدافع ولم يقصر الساعي، فيجزئ المدفوع عن الزكاة مع وجوب قدر التفاوت بينه وبين قيمة الأغبط؛ لأنه لم يدفع الفرض بكماله، فوجب جبر نقصه.
الجبران حالة فقد أحد الفروض: من فقد واجبه، كأن لزمه بنت مخاض، فلم يجدها عنده، صعد إلى أعلى منه وأخذ من المدفوع له شاتين (١) أو عشرين درهمًا (٢)، عملًا بما روى البخاري عن أنس في كتاب أبي بكر المتقدم، أو نزل إلى أسفل من الواجب بدرجة وأعطى على حسب اختياره شاتين أو عشرين درهمًا. وهذا رأي الشافعية والحنابلة (٣)، وقال الحنفية: يدفع المالك في هذه الحالة قيمة ما وجب عليه، أو يدفع ما دون السن الواجبة والفرق المطلوب من الدراهم، أو أخذ الساعي أعلى منها ورد الفضل (٤).
وله صعود درجتين وأخذ جبرانين، كإعطاء بنت مخاض بدل الحقة بشرط تعذر وجود الدرجة القربى في تلك الجهة، فلا يصعد عن بنت المخاض إلى الحقة، أو ينزل عن الحقة إلى بنت المخاض إلا عند تعذر بنت اللبون، لإمكان الاستغناء عن الجبران الزائد.
(١) أي كالشاتين اللتين تجزئان في الأضحية.
(٢) المراد بها الدراهم الشرعية من الفضة الخالصة.
(٣) المغني ٥٨٧/ ٢ ومابعدها، كشاف القناع: ٢١٩/ ٢.
(٤) الكتاب مع اللباب: ١٤٦/ ١ ....
واتفق الفقهاء على أنه يجوز أن يخرج المالك عن الواجب سنًا أعلى من جنسه؛ لأنه زاد على الواجب من جنسه.
زكاة البقر:
ثبتت فرضية زكاة البقر كما تقدم بالسنة والإجماع، أما السنة فمنها حديث معاذ: «أن النبي ﷺ بعثه إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعًا أو تبيعة، ومن كل أربعين مُسِنَّة، أو عَدْله مَعَافريًا» (١) والتبيع: ذو الحول ذكرًا كان أو أنثى، والمسنة: ذات الحولين، والمعافر: الثياب الممعافرية، نسبة إلى حي في اليمن تنسب إليهم هذه الثياب.
ومنها حديث أبي ذر: «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا تؤدى زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت، وأسمن، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأخفافها، كلما نفذت أخراها، عادت عليها أولاها، حتى يقضى بين الناس» (٢).
ولا زكاة فيما دون الثلاثين من البقر، لحديث معاذ السابق، ولا زكاة عند الجمهور في غير السائمة، وعند المالكية: تجب الزكاة في المعلوفة والعوامل، كالإبل. والأرجح كما تقدم رأي الجمهور، لحديث: «ليس في البقر العوامل صدقة» (٣). ولأن صفة النماء معتبرة في الزكاة، ولا يوجد إلا في السائمة.
واتفق الفقهاء (٤) عملًا بحديث معاذ على أن أول نصاب البقر ومثله
(١) رواه الخمسة واللفظ لأحمد.
(٢) متفق عليه.
(٣) رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وروى أبو داود عن علي: «ليس على العوامل - أي من البقر - شيء» (سنن أبي داود: ٣٦٢/ ١).
(٤) الدر المختار: ٢٤/ ٢، فتح القدير: ٤٩٩/ ١ ومابعدها، البدائع: ٢٨/ ٢، الشرح الصغير: ٥٩٧/ ١، القوانين الفقهية: ص١٠٨، مغني المحتاج: ٣٧٤/ ١، المهذب: ١٢٨/ ١، المغني: ٥٩٢/ ٢، كشاف القناع: ٢٢١/ ٢ ومابعدها ....
الجاموس ثلاثون، ففي ثلاثين إلى تسع وثلاثين (٣٠ - ٣٩) بقرة: تبيع أو تبيعة، وهو عند الجمهور: ما أتم السنة ودخل في الثانية، وعند المالكية: ما أتم سنتين ودخل في الثالثة، وذلك إذا حال عليها الحول.
وأوجب الحنفية الزكاة في البقر والجاموس ولو متولدًا من وحشي وأهلية بخلاف عكسه، أي المتولد من أهلي ووحشية، كما بينت.
وفي أربعين إلى تسع وخمسين (٤٠ - ٥٩): مسنّة: وهي عند الجمهور ما أتمت السنتين ودخلت في الثالثة، وهي الثنية. وقال المالكية: هي ما أوفت ثلاث سنين ودخلت في الرابع. وأجاز الحنفية في هذا النصاب دفع مُسنِّ ذكر أو مسنة.
ثم في كل ثلاثين بدءًا من الستين تبيع، وفي كل أربعين مسنة. ففي (٦٠ - ٦٩): تبيعان أو تبيعتان، وفي (٧٠ - ٧٩):مسنة وتبيع، يدفع عن ٤٠ مسنة وعن ٣٠ تبيع، وفي (٨٠ - ٨٩) مسنتان، وفي (٩٠ - ٩٩) ثلاثة أتبعة، وفي مئة تبيعتان ومسنة، عن ٦٠ تبيعان، وعن ٤٠مسنة، وهكذا يتغير الفرض في كل عشرة من تبيع إلى مسنة، عملًا بحديث معاذ.
وقال المالكية: في مئة وعشرين، يخير الساعي (آخذ الزكاة) بين أخذ ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة إذا وجد الصنفان معًا أو فقدا معًا. فإذا وجد أحدهما فقط عند المالك تعين أخذه.
العفو: وما بين الفريضتين عفو إلا فيما زاد على الأربعين إلى الستين، فيجب عند أبي حنيفة في الزيادة بقدر ذلك، ففي الواحدة: ربع عشر مُسِنَّة، وفي الاثنين: نصف عشر مسنة، وفي الثلاثة: ثلاثة أرباع عُشْر مسنة، وفي الأربع: عُشْر مسنَّة.
وقال الصاحبان: وعلى رأيهما الفتوى، وقولهما هو المختار: لا شيء في الزيادة على الأربعين، حتى تبلغ إلى ستين، فيكون فيها تبيعان أو تبيعتان ولا خلاف في أن الجواميس والبقر سواء لاتحاد الجنسية، إذ هو نوع منه.
ولا يخرج الذكر في الزكاة أصلًا إذا كانت الحيوانات ذكورًا وإناثًا؛ لأن الأنثى أفضل، لما فيها من الدر والنسل، إلا في البقر، لنص حديث معاذ السابق. فإن كان النصاب كله ذكورًا، أجزأ الذكر في جميع أنواع زكاة الحيوان من إبل أو بقر أو غنم؛ لأن الزكاة وجبت مواساة، فلا يكلفها من غير ماله .....
زكاة الغنم:
تشمل الضأن والمعز، ذكورًا وإناثًا:
وهي أيضًا واجبة بالسنة والإجماع كما تقدم، أما السنة فحديث أنس في كتاب أبي بكر المذكور فيه: «وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومئة شاةٍ: شاةٌ، فإذا زادت على عشرين ومئة إلى مئتين، ففيها شاتان، فإذا زادت على مئتين إلى ثلاث مئة، ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاث مئة، ففي كل مئةٍ: شاة».
فإذا كانت سائمة الرجل ناقصةً عن أربعين شاةً: شاةً واحدةً، فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها.
ولا يُجمع بين مُتفرِّق، ولا يُفرَّق بين مُجتَمِع خشية الصدقة (١). وما كان من
(١) الجمع بين المفترق: أن يكون لكل شريك من ثلاثة شركاء أربعون شاة مقدار النصاب، فلا يجمع بين الحصص لإخراج شاة واحدة فقط. والتفريق بين مجتمع: أن يكون لكل شريك من الشريكين مئة وشاة، فيكون على كليهما ثلاث شياه، فلا يفرق غنمهما، حتى يخرج عن كل واحد منهما سوى شاة واحدة.
خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية (١).
ولا يُخرج في الصدقة هَرِمة ولا ذات عُوار، ولا تيس إلا أن يشاء المصدِّق (٢).
وبناء عليه اتفق الفقهاء (٣) على أنه ليس فيما دون أربعين من الغنم السائمة أكثر السنة صدقة، لعدم بلوغ النصاب، ولا زكاة عند الجمهور في المعلوفة والعوامل؛ لأنها من الحوائج الأصلية. وسوى المالكية بين المعلوفة والسائمة في وجوب الزكاة.
فإذا كانت أربعين إلى مئة وعشرين (٤٠ - ١٢٠): شاة، وحال عليها الحول، ففيها شاة واحدة.
وفي مئة وإحدى وعشرين إلى مئتين (١٢١ - ٢٠٠): شاتان.
وفي مئتين وواحدة إلى ثلاث مئة وتسع وتسعين (٢٠١ - ٣٩٩): ثلاث شياه.
وفي أربع مئة (٤٠٠): أربع شياه.
ثم في كل مئة: شاة.
ولا خلاف في أن الضأن والمَعِز سواء في النصاب والوجوب وأداء الواجب،
(١) معناه أن يكون لشريك مثلًا أربعون بقرة، وللآخر ثلاثون بقرة، ومالهما مشترك، فيأخذ الساعي عن الأربعين مسنة وعن الثلاثين تبيعًا، ثم يرجع باذل المسنة بثلاثة أسباعها على شريكه، وباذل التبيع بأربعة أسباعه على شريكه.
(٢) المصدق: هو المالك، والاستثناءراجع إلى الأخير وهو التيس.
(٣) البدائع:٢٨/ ٢ وما بعدها، فتح القدير: ٥٠١/ ١ وما بعدها، الشرح الكبير: ٤٣٥/ ١، القوانين الفقهية: ص١٠٨، المهذب:١٤٨/ ١، مغني المحتاج: ٣٧٤/ ١، المغني: ٥٩٦/ ٢ ومابعدها، ٦٠٥، كشاف القناع: ٢٢٥/ ٢ - ٢٢٧.
ولا يؤخذ إلا الثني وهو ما تمت له سنة عند الجمهور، وشرط الشافعية في المعز أن يكون له سنتان، واكتفى الحنابلة في جذع الضأن أن يكون مما له ستة أشهر، فإن تطوع المالك بأفضل منها في السن، جاز، ودليل الحنابلة: ما رواه مالك عن سويد ابن غفلة قال: «أتانا مصدّق رسول الله ﷺ وقال: أمرنا أن نأخذ الجذعة من الضأن، والثنية من المعز» قال إبراهيم الحربي: إنما أجزأ الجذع من الضأن لأنه يلقح، والمعز لايلقح، إلا إذا كان ثنيًا.
واتفق الفقهاء على أن ما بين الفريضتين في كل الأحوال عفو، لا زكاة فيه.
والأصح عند الشافعية: أنه يجوز إخراج ضأن عن معز أو عكسه، بشرط رعاية القيمة، كأن تساوي ثنية المعز في القيمة جَذَعة الضأن، وعكسه، لاتحاد الجنس.
وأجاز الحنابلة أيضًا إخراج ثنية المعز (وهي ما لها سنة كاملة) عن جذع الضأن، وإخراج جذع الضأن (وهو ما له ستة أشهر فأكثر) عن ثنية المعز، ولا يجبر أحدهما عن الآخر بالقيمة، لعدم وروده.
زكاة الخيل والبغال والحمير:
لا شيء من الزكاة في البغال إجماعًا إلا أن تكون للتجارة؛ لأنها تصير من العروض التجارية، وتجب الزكاة أيضًا في الخيل إن كانت للتجارة بلا خلاف.
وأما الخيل غير التجارية: فقال أبو حنيفة (١): إذا كانت سائمة ذكورًا وإناثًا، أو إناثًا فقط، من أجل الدر والنسل، فتجب فيها الزكاة، وصاحبها بالخيار:
إن
(١) الكتاب مع اللباب: ١٤٥/ ١ ومابعدها، البدائع: ٣٤/ ٢، فتح القدير: ٥٠٢/ ١، الدر المختار: ٢٥/ ٢ وما بعدها .....
شاء أعطى عن كل فرس دينارًا، وإن شاء قوَّمها، وأعطى عن كل مئتي درهم خمسة دراهم كعروض التجارة، وأما ذكور الخيل السائمة منفردة فلا زكاة فيها، لعدم الرواية في السنة.
ودليله: حديث جابر: «في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم» (١)، وروي أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح ﵄ في صدقة الخيل: أن خيّر أربابها، فإن شاؤوا أدوا من كل فرس دينارًا، وإلا قوِّمْها، وخذ من كل مئتي درهم خمسة دراهم (٢).
وقال الصاحبان، وبقولهما يفتى: لا زكاة في الخيل ولا في شيء من البغال والحمير إلا أن تكون للتجارة. وهذا موافق لرأي بقية الأئمة (٣). بدليل حديث «ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه» (٤)، وقال أبو هريرة: سئل رسول الله ﷺ عن الحمير، فيها زكاة، فقال: ما جاءني فيها شيء إلا هذه الآية الفاذّة: ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره﴾ [الزلزلة:٧/ ٩٩ - ٨] (٥) وروى علي حديث «عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق» (٦). وأما عمر فإنما أخذ منهم شيئًا تبرعوا به، وسألوا أخذه، وعوضهم عنه برزق عبيدهم. وهذا الرأي هو الصحيح. وبه يتبين أن ليس في الإسلام زكاة خيل وبغال وحمير.
(١) أخرجه البيهقي والدارقطني، وهو ضعيف جدًا (نصب الراية: ٣٥٧/ ٢ وما بعدها).
(٢) الأثر مروي عند الدارقطني بنحو آخر مقارب للمذكور (نصب الراية: ٣٥٨/ ٢).
(٣) بداية المجتهد:٢٤٣/ ١، الشرح الصغير: ٥٨٩/ ١، مغني المحتاج: ٣٦٩/ ١، المغني: ٦٢٠/ ٢.
(٤) رواه الجماعة عن أبي هريرة، ولأبي داود: «ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر» (نيل الأوطار: ١٣٦/ ٤).
(٥) رواه أحمد عن أبي هريرة، وفي الصحيحين معناه (المصدر السابق) .....
(٦) رواه الترمذي عن علي.
رابعًا - زكاة الخليطين في الماشية وغيرها: لا يتأثر وجوب الزكاة عند الحنفية بالخلطة أي الشركة؛ لأن ملك كل واحد دون النصاب، كما لو لم يختلط بغيره، فإذا اختلطا في نصابين بأن كان كل واحد منهما يملك أربعين من الغنم، وجبت على كل واحد منهما شاة، للحديث النبوي: «في أربعين شاةً شاةٌ».
وقال الجمهور: للخلطة في الماشية تأثير في الزكاة، فيزكى الخليطان زكاة المالك الواحد، إلا أن المالكية قالوا: إن اجتمع نصاب من مجموع حصة كليهما فلا زكاة عليهما، والخلطة إنما تؤثر إذا كان لكل واحد من الشركاء نصاب.
وتفصيل مذاهب الجمهور ما يأتي:
قال المالكية (١): خلطاء الماشية المتحدة النوع يكون حكمهم حكم المالك الواحد في الزكاة، كثلاثة لكل واحد أربعون من الغنم، فعليهم شاة واحدة، على كل ثلثها، فالخلطة أثرت فأوجذت التخفيف، أما لو كانوا متفرقين فعلى كل واحد شاة. وقد تؤدي الخلطة إلى التثقيل، كما لو كان لأحدهما مئة وشاة وللآخر مئة من الغنم وشاة، فعليهما ثلاث شياه، ولولا الخلطة لكان على كل منهما شاة واحدة، فالخلطة أوجبت الثالثة، فلا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين مفترق، خشية الزكاة.
ولا تؤثر الخلطة إلا إذا كان لكل واحد من الخليطين مقدار النصاب لو انفرد بنفسه، فإن اجتمع نصاب من مجموع الحصتين، فلا زكاة عليهما. وإن لم يكمل من مجموعهما نصاب فلا زكاة عليهما إجماعًا. وإن كان لأحدهما نصاب وللآخر أقل من نصاب، فيزكي صاحب النصاب وحده زكاة المنفرد.
(١) الشرح الصغير: ٦٠٢/ ١، القوانين الفقهية: ص١٠٨، الشرح الكبير: ٤٣٩/ ١.
والاختلاط المؤثر يكون بتوافر شروط أربعة:
أولها - عدم نية الفرار من الزكاة بالاشتراك.
ثانيها - أن تكون ماشية كل واحد من الخليطين مما يضم بعضه إلى بعض كالضأن والمعز.
ثالثها - أن يكون كل واحد من الشريكين مخاطبًا شرعًا بالزكاة: بأن يكون حرًا، مسلمًا، ملك نصابًا، تم حوله. فإن كان أحدهما تجب عليه الزكاة فقط والآخر كافر مثلًا، وجبت على الأول وحده، حيث توفرت الشروط. وإن حال الحول على ماشية أحدهما دون الآخر، زكى الآخر زكاة المنفرد.
رابعها - أن يتم الاختلاط في الراعى والفحل والدلو والمسرح والمبيت. بأن يكن لهما راع واحد أو أكثر، فيشتركان في الرعي، أو يتعاونان ولو لم يحتج لهما، ويتم التلقيح في الجميع بفحل واحد بإذنهما، وتشرب من ماء واحد مملوك لهما أو لأحدهما ولا يمنع الآخر، وتسرح معًا، وتبيت معًا، إلا أنه إذا تعدد المسرح أو المبيت بشرط الحاجة فلا يضر.
وقال الشافعية والحنابلة (١): إما أن تكون الخلطة أي الشركة في المواشي، أو في غيرها من الأموال.
أـ أما في غير المواشي وهي النقود (الأثمان) والحبوب والثمار وعروض التجارة، فلا تؤثر الخلطة فيها عند الحنابلة، لقوله ﷺ: «لا يجمع بين متفرق خشية الصدقة» لأنه إنما تكون الخلطة في الماشية، لأن فيها منفعة أحيانًا وضررًا
(١) المهذب: ١٥٠/ ١ - ١٥٣، مغني المحتاج: ٣٧٦/ ١ ومابعدها، المغني: ٦٠٧/ ٢ - ٦١٩، كشاف القناع: ٢٢٧/ ٢ - ٢٣٥، شرح المجموع: ٤٠٨/ ٥ ومابعدها.
أحيانًا، أما غير الماشية فلا يتصور فيها غير الضرر برب المال، لأنه تجب فيها الزكاة فيما زاد على النصاب بحسابه، فلا أثر لجمعها، أي لا يعفى منها شيء بعد النصاب، وعليه فتؤخذ من كل واحد منهم زكاته على انفراد إذا كان ما يخصه تجب فيه الزكاة.
وتؤثر الخلطة على الجديد في مذهب الشافعية في غير المواشي، لعموم الحديث السابق: «لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة»،ولأنه مال تجب فيه الزكاة فأثرت الخلطة في زكاتها كالماشية، ولأن المالين كالمال الواحد في المؤن (التكاليف) من مخزن وناطور وغيرهما، فهي كالمواشي، فتخف المؤونة إذا كان المخزن والميزان والبائع واحدًا. والخلاصة: إن الحنابلة قالوا: لا منفعة للشركاء في الشركة في غير الماشية، وقال الشافعية: المنفعة متوفرة، فيزكى المالان كالمال الواحد.
ب - أما الخلطة في المواشي: بأن اشترك أهل الزكاة في ماشية، فلها تأثير عند الشافعية والحنابلة في الزكاة إيجابًا وإسقاطًا وتشديدًا وتخفيفًا، فتصير الأموال كالمال الواحد، للحديث السابق: «لا يجمع بين متفرِّق ولا يُفَرَّق بين مجتمع ..» نهى المالك عن التفريق وعن الجمع خشية وجوب الزكاة أو كثرتها، ونهى الساعي عنها خشية سقوطها أو قلتها.
والخلطة الجائزة المؤثرة نوعان: خلطة شيوع أو أعيان، وخلطة مجاورة أو أوصاف.
أما خلطة الأعيان: فهي أن يشترك أهل الزكاة في ماشية من جنس واحد بإرث أوشراء أو هبة أو غيره، وهي نصاب، أو أقل ولأحدهما نصاب فأكثر وداما على ذلك كإرث أخوين أربعين غنمة، أو شراء اثنين معًا ثلاثين بقرة. أو هي أن
تكون الماشية مشتركة بينهما لكل واحد منهما منها نصيب مشاع، أي أن المالين هنا ممتزجان امتزاج شيوع، فلا يتميز أحدهما عما يملكه الآخر، وإنما لكل منهما جزء غير متعين من المال المملوك بنسبة ما يملك.
وأما خلطة المجاورة أو الأوصاف: وهي أن يكون مال كل واحد منهما مميزًا، فخلطاه واشتركا في الأوصاف التي نذكرها، سواء تساويا في الحصة أو اختلفا، مثل أن يكون لرجل شاة، ولآخر تسعة وثلاثون، أو يكون لأربعين رجلًا أربعون شاة، لكل واحد منهم شاة، أي أن المالين هنا غير ممتزجين، بل هما منفصلان متميزان.
فلا يشترط عندهم خلافًا للمالكية أن تكون حصة كل منهم قبل الاشتراك نصابًا، ولا تشترط نية الخلطة؛ لأن خفة المؤنة على الشركاء باتحاد المواقف لا تختلف قصدًا وعدمه، أي أن المقصود بالخلطة من الارتفاق يحصل بدونها، ولأن النية لا تؤثر في الخلطة، فلا تؤثر في حكمهما. وإنما اشترط الاتحاد في أمور ليجمع المالان كالمال الواحد، ولتخف المؤنة على المحسن بالزكاة.
وهذه الشركة بنوعيها قد تفيد الشريكين تخفيفًا كالاشتراك في ثمانين شاة على السواء، أو تثقيلًا كالاشتراك في أربعين، أو تخفيفًا على أحدهما وتثقيلًا على الآخر، كأن ملكا ستين لأحدهما ثلثاها وللآخر ثلثها، وقد لا تفيد تخفيفًا ولا تثقيلًا كمئتين على السواء.
وتجب الزكاة في مال الشركة كما تجب في مال الرجل الواحد بشروط:
١ً - أن يكون الشريكان من أهل وجوب الزكاة، ومن المعلوم أنه لا تجب الزكاة إلا على حر مسلم تام الملك.
٢ً - أن يكون المال المختلط نصابًا، فلا زكاة على ما لم يبلغ مقدار النصاب.
٣ً - أن يمضي عليهما حول كامل، وإلا زكى كل منهما على انفراد بحسب مضي حوله، فإن كان لرجل أربعون شاة، ومضى عليهما بعض الحول، ثم باع بعضها مشاعًا، انقطع حول البائع فيما لم يبع، ويستأنفان حولًا جديدًا من حين البيع.
٤ً - ألا يتميز مال أحدهما عن الآخر في ستة أوصاف: المسرح، والمبيت (المُراح) والمشرب (مكان الشرب فقط)، والمحلب (موضع الحلب)، والفحل (١)، والراعي؛ لأنه إذا تميز مال كل واحد منهم بشيء مما ذكر، لم يصيرا كمال واحد، والقصد بالخلطة (الشركة): أن يصير المالان كمال واحد لتخف المؤنة (النفقة). ويجوز تعدد الرعاة قطعًا بشرط ألا تنفرد هذه عن هذه براع.
والأصل في هذه الشروط الحديث السابق: «لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية» ولأن المالين صارا كمال واحد في المؤن، فوجب أن تكون زكاته زكاة المال الواحد ويؤيد ذلك حديث آخر: «والخليطان: ما اجتمعا على الفحل والرعي والحوض» (٢) فنص على هذه الثلاثة، ونبّه على ما سواها.
(١) المسرح: الموضع الذي تجتمع فيه ثم تساق إلى المرعى، ويستتبع ذلك الاتحاد في المرعى: وهو الموضع الذي ترعى فيه، واتحاد الممر بينهما. والمراح بضم الميم: مأواها ليلًا، واتحاد الفحل أو الفحول: أن تكون مرسلة فيها تنزو على كل من الماشيتين بحيث لا تختص ماشية هذا بفحل عن ماشية الآخر.
(٢) رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد ضعيف عن سعد بن أبي وقاص.
ما يأخذه الساعي من مال الشركة (الخلطة) والتراجع فيما بينهم بالحصص:
قال الشافعية في الأصح والحنابلة في ظاهر كلام أحمد (١): يأخذ الساعي فرض الزكاة من مال أي الخليطين إن شاء، سواء دعت الحاجة إلى ذلك أم لا، مثال الحاجة: أن تكون الفريضة عينًا واحدة، لا يمكن أخذها إلا من أحد المالين، ومثال عدم الحاجة: أن يجد فرض كل واحد من المالين فيه؛ لأن المالين بالخلطة جعلا كالمال الواحد في وجوب الزكاة، فوجب أن يجوز الأخذ منهما.
ودليل ذلك قول النبي ﷺ: «لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة» وهما خشيتان: خشية رب المال من زيادة الصدقة، وخشية الساعي من نقصانها، فليس لأرباب الأموال أن يجمعوا أموالهم المتفرقة التي كان الواجب في كل واحد منها شاة، ليقل الواجب فيها، ولا أن يفرقوا أموالهم المجتمعة التي كان فيها باجتماعها فرض، ليسقط عنها بتفرقتها، وليس للساعي أن يفرق بين الخلطاء لتكثر الزكاة، ولا أن يجمعها إذا كانت متفرقة لتجب الزكاة.
ومتى أخذ الساعي الفرض من مال أحدهما، رجع على شريكه بقدر حصته من الفرض، وهذا رأي المالكية أيضًا (٢)، عملًا بالحديث السابق عن أنس: «ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية» فإذا كان لأحدهما ثلث المال، وللآخر ثلثاه، فأخذ الفرض من مال صاحب الثلث، رجع بثلثي قيمة المخرج على صاحبه، وإن أخذه من الآخر، رجع على صاحب الثلث بثلث قيمة المخرج.
(١) المهذب: ١٥٣/ ١، شرح المجموع: ٤٢٦/ ٥ ومابعدها، المغني: ٦١٤/ ٢ ومابعدها، كشاف القناع: ٢٣٤/ ٢ ومابعدها.
(٢) القوانين الفقهية: ص.١٠٩.
والقول قول المرجوع عليه مع يمينه إذا اختلفا، وعدمت البينة؛ لأنه غارم، فكان القول قوله، كالغاصب إذا اختلف مع المالك في قيمة المغصوب بعد تلفه.
وإن أخذ الساعي أكثر من الفرض بغير تأويل، مثل أن يأخذ شاتين مكان شاة، أو يأخذ جذعة مكان حقة، لم يكن للمأخوذ منه الرجوع إلا بقدر الواجب دون الزيادة؛ لأنه ظلمه، فلا يرجع به على غير الظالم.
وإن أخذ أكثر من الحق بتأويل سائغ، كأن يأخذ الصحيحة عن المراض، والكبيرة عن الصغار، فإنه يرجع على شريكه بنصف ما أخذ منه؛ لأن ذلك اجتهاد من السلطان، فلا ينقض ما فعله باجتهاده. وكذلك يرجع عليه إن أخذ منه قيمة الفرض؛ لأنه أخذها باجتهاده.
خامسًا - أحكام متفرقة في زكاة الحيوان: ١ - هل تجب الزكاة في العين أو في الذمة؟ للفقهاء رأيان (١):
أـ قال الحنفية والمالكية والشافعي في مذهبه الجديد: الزكاةتجب في العين دون الذمة، فإذا هلك المال بعد وجوب الزكاة، ولو بعد مَنْع الساعي في الأصح عند الحنفية، سقطت الزكاة عنه، لأنه حق يتعلق بالمال، فيسقط بهلاكه، فيتعلق بعينه، كحق المضارب. وإذا هلك بعض المال سقط حظه من الزكاة.
أما الاستهلاك فلا يسقط الزكاة؛ لأنها بعد الوجوب بمنزلة الأمانة، فإذا استهلكها صاحبها ضمنها كالوديعة.
(١) الدر المختار: ٢٧/ ٢ ومابعدها، الكتاب مع اللباب: ١٤٨/ ١، شرح المجموع: ٣٤١/ ٥ ومابعدها، ٤٥٤ ومابعدها، البدائع: ٢٢/ ٢ - ٢٥، المغني: ٦٧٨/ ٢ - ٦٧٩، القوانين الفقهية: ص ٩٩.
ب - وقال الحنابلة: تجب الزكاة في الذمة بحلول الحول، وإن تلف المال فرط أو لم يفرط، وإذا حال الحول على مال ولم يؤد زكاته، وجب أداؤها لما مضى.
وفرع الشافعية أيضًا على مبدأ تعلق الزكاة بالعين دون الذمة: أنه إذا باع المالك مال الزكاة بعد وجوبها فيه، سواء أكان تمرًا أم حبًا أم ماشية أم نقدًا أم غيره، قبل إخراجها، كان البيع باطلًا في قدر فرض الزكاة، وقدر الفرض للمساكين، فلا يجوز بيعه بغير إذنهم؛ لأنهم شركاء فيه.
وأجاز الحنفية والحنابلة بيع مال الزكاة، على أن يضمن البائع قدر الزكاة.
٢ - دفع القيمة في الزكاة:
أـ قال الحنفية (١) تفريعًا على مبدئهم أن الواجب في الزكاة جزء من النصاب إما صورة ومعنى، أو معنى فقط: يجوز دفع القيمة في الزكاة، وكذا في العشر والخراج وزكاة الفطرة والنذر والكفارة غير الإعتاق، وتعتبر القيمة يوم الوجوب عند الإمام أبي حنيفة، وعند الصاحبين: يوم الأداء، وفي السوائم يوم الأداء بالاتفاق بينهم، ويُقوَّم الواجب في البلد الذي فيه المال، فإن كان في مفازة ففي أقرب الأمصار إليه. ودليلهم أن الواجب أداء جزء من النصاب من حيث المعنى، وهو المالية، وأداء القيمة مثل أداء الجزء من النصاب من حيث إنه مال، ولأن في ذلك تيسيرًا على المزكي، وتوفيرًا لحرية الفقير في التصرف بالمال بحسب الحاجة.
وقد روي أن رسول الله ﷺ رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء (٢)، فغضب على المصدِّق (العامل)، وقال: ألم أنهكم عن أخذ كرائم أموال الناس (٣)؟ فقال:
(١) البدائع: ٢٥/ ٢، الدر المختار: ٢٩/ ٢، اللباب: ١٤٧/ ١، فتح القدير: ٥٠٧/ ١.
(٢) أي مُشرفة السنام عاليته، فالكوماء، هي الناقة العظيمة السنام.
(٣) ورد النهي عن ذلك في حديث ابن عباس عند الجماعة بلفظ «فإياك وكرائم أموالهم» (نيل الأوطار: ١١٤/ ٤).
أخذتها ببعيرين من إبل الصدقة، وفي رواية: ارتجعتها، فسكت رسول الله ﷺ. فأخذ البعير ببعيرين يكون باعتبار القيمة (١).
ب - وقال الجمهور (٢): لا يجزئ إخراج القيمة في شيء من الزكاة؛ لأن الحق لله تعالى، وقد علقه على ما نص عليه، فلا يجوز نقل ذلك إلى غيره، كالأضحية لما علقها على الأنعام، لم يجز نقلها إلى غيرها. وبعبارة أخرى: إن الزكاة قربة لله تعالى، وكل ما كان كذلك، فسبيله أن يتبع فيه أمر الله تعالى. وقال النبي ﷺ: «في أربعين شاة شاة، وفي مئتي درهم خمسة دراهم» وهو وارد بيانًا لمجمل قوله تعالى: ﴿وآتوا الزكاة﴾ [البقرة:٢٧٧/ ٢] فتكون الشاة المذكورة هي الزكاة المأمور بها، والأمر يقتضي الوجوب، ولأن النبي ﷺ قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر» (٣) وهو نص يجب التزامه، ولا يتجاوز عنه إلى القيمة؛ لأنه يكون أخذًا من غير المأمور به في الحديث، ولأن مخرج القيمة قد عدل عن المنصوص، فلم يجزئه، كما لو أخرج الرديء مكان الجيد، وهذا كله يدل على أن الزكاة واجبة في العين.
قال الشافعية: لا يجوز أخذ القيمة في الزكاة إلا في خمس مسائل: زكاة التجارة، والجُبران (وهو شاتان أوعشرون درهمًا في الإبل في حال عدم وجود الواجب)، وفي حالة إخراج الشاة عن الإبل دون الخمسة والعشرين، علمًا بأن
(١) رواه أحمد والبيهقي.
(٢) الشرح الكبير: ٥٠٢/ ١، بداية المجتهد: ٢٦٠/ ١، المهذب: ١٥٠/ ١، شرح المجموع: ٤٠١/ ٥ ومابعدها،٢٥٣/ ٦، تحفة الطلاب للأنصاري: ص٩٥، كشاف القناع: ٢٢٦/ ٢، المغني: ٦٥/ ٢ - ٦٦.
(٣) رواه أبو داود وابن ماجه (نيل الأوطار: ١٥٢/ ٤).
الشاة وإن لم تكن قيمة فهي بمعناها، وفي حالة جبر التفاوت بين الأغبط وغيره بنقد أو جزء من الأغبط فيما لو أخذ الساعي في اجتماع فرضين غير الأغبط باجتهاده بلا تقصير منه، ولا تدليس من المالك. وفي حالة صرف الإمام للمستحقين ما أخذه من النقد من المستحق الذي استغنى بدلًا عن زكاة تعجلها، ولم يقع المعجل الموقع المطلوب لاستغناء المستحقين.
وأرجح رأي الحنفية؛ لأن المقصود من الزكاة إغناء الفقير وسد حاجة المحتاج، وهذا يتحقق بأداء القيمة، كما يحصل بأداء جزء من عين المال المزكى، ولأن الفقير يرغب الآن في القيمة أكثر من رغبته في أعيان الأموال، ولأن إعطاء القيمة أهون على الناس وأيسر في الحساب.
٣ - ضم أنواع الأجناس إلى بعضها:
لا خلاف بين أهل العلم في ضم أنواع الأجناس، بعضها إلى بعض في إيجاب الزكاة (١)، فيضم المعز إلى الضأن، والجواميس إلى البقر، والبُخْت (٢) من الإبل إلى العِرَاب.
ويخرج المزكي عند الجمهور الزكاة من أي الأنواع أحبَّ، سواء دعت الحاجة إلى ذلك: بأن يكون الواجب واحدًا، أو لا يكون أحد النوعين موجبًا لواحد، أو لم تدع الحاجة: بأن يكون كل واحد من النوعين يجب فيه فريضة كاملة؛ لأنهما نوعا جنس واحد، من الماشية، فجاز الإخراج من أيهما شاء.
(١) المغني: ٦٠٥/ ٢ ومابعدها، القوانين الفقهية: ص ١٠٨، اللباب: ١٤٣/ ١، مغني المحتاج: ٣٧٤/ ١ ومابعدها، كشاف القناع: ٢٢٤/ ٢، الشرح الصغير: ٥٩٨/ ١.
(٢) البخت: جمع البُختي وهو المتولد بين العربي والعجمي، منسوب إلى بُخْتَ نَصَّر. والعراب: جمع عربي وهي جرد ملس حسان الألوان كريمة.
فإن كانت عشرين ضأنًا، وعشرين معزًا، أخذ من أحدهما ما يكون قيمته نصف شاة ضأن ونصف معز.
وقال الشافعية: إن اتحد نوع الماشية أخذ الفرض منه، كأن كانت إبله كلها من صفة واحدة أو بقرة كلها جواميس، ويجوز في الأصح أخذ ضأن عن معز أو عكسه بشرط رعاية القيمة. وإن اختلف النوع كضأن ومعز، فالأظهر أن يخرج المالك ما شاء من النوعين، مقسَّطًا عليهما بالقيمة، فإذا وجد ثلاثون عنزًا وعَشْر نَعَجات من الضأن، أخذ الساعي عنزًا، أو نعجة بقيمة ثلاثة أرباع عنز ورُبُع نعجة، وفي عنز بقيمة ثلاثة أرباع نعجة وربع عنز.
وبه يكون الشافعية في الحقيقة كباقي المذاهب إلا في مراعاة فرق القيمة بين المعز والضأن.
٤ - كون الفرع أو النتاج يتبع الأصل في الزكاة:
اتفق أئمة المذاهب الأربعة (١) على أن النتاج أو الفرع - أولاد الأنعام يتبع الأمهات في الحول، فكل ما نُتج أو تولد من الأمهات وتم انفصاله قبل تمام حول النصاب الأصلي ولو بلحظة، يزكى بحول الأصل، لقول عمر ﵁ لساعيه: «اعتد عليهم بالسخلة (٢) يروح بها الراعي على يديه، ولا تأخذها منهم» (٣)، ولأن الحول إنما اشترط لتكامل النماء الحاصل، والنتاج نماء في نفسه، فيجب أن يضم إليه في الحول كأموال التجارة.
(١) البدائع: ٣١/ ٢، فتح القدير: ٥٠٤/ ١، الدر المختار: ٢٦/ ٢، القوانين الفقهية: ص ١٠٩، الشرح الصغير: ٥٩١/ ١، مغني المحتاج: ٣٧٨/ ١، المغني: ٦٠٢/ ٢، ٦٠٤، الشرح الكبير: ٤٣٢/ ١.
(٢) السخلة: الصغيرة من أولاد المعز والضأن ما لم تبلغ سنة، وتطلق على الذكر والأنثى.
(٣) رواه مالك في الموطأ (نصب الراية: ٣٥٥/ ٢).
فعلى هذا إذا كان عنده مئة وعشرون من الغنم، فولدت واحدة منها سخلة قبل الحول بلحظة، والأمهات كلها باقية، لزمه شاتان.
أما لو انفصل النتاج بعد الحول أو قبله، ولم يتم انفصاله إلا بعده، كجنين خرج بعضه في الحول، ولم يتم انفصاله إلا بعد تمام الحول، لم يكن حول النصاب الأصلي حوله، لانقضاء حول أصله، ولأن الحول الثاني أولى به.
زكاة الصغار: يرى أبو حنيفة ومحمد أنه ليس في الفُصلان والحُملان والعجاجيل زكاة إلا أن يكون معها كبار ولو واحدًا، ويجب ذلك الواحد مالم يكن جيدًا، فيلزم الوسط، وعلى هذا فإنه يشترط أن تبلغ الماشية سنًا يجزئ مثله في الزكاة وهو السنة، بأن تكون كلها أو بعضها مسانّ، لأن السن يتغيربه الفرض، فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد. وخالفهما باقي الأئمة فأوجبوا فيها الزكاة، لأن السخال تعد مع غيرها، فتعد منفردة كالأمهات، والعدد تزيد الزكاة بزيادته بخلاف السن.
٥ - الحيوان المستفاد في أثناء الحول:
قال الحنفية والمالكية (١): من كان له نصاب، فاستفاد في أثناء الحول شيئًا من جنسه بشراء أو هبة أو صدقة، ضمه إليه أي إلى النصاب، وزكاه معه، كربح مال التجارة ونتاج السائمة، ويعتبر حوله حول أصله، لأنه تبع له من جنسه، فأشبه النماء المتصل، وهو زيادة قيمة عروض التجارة. وإن لم يكن من جنسه لا يضم اتفاقًا.
وقال الشافعية والحنابلة (٢): لا يضم المملوك بشراء أو غيره كهبة أو إرث أو
(١) فتح القدير: ٥١٠/ ١، الدر المختار: ٣١/ ٢، اللباب: ١٤٧/ ١، الشرح الصغير: ٥٩٣/ ١، حاشية الدسوقي: ٤٣٢/ ١.
(٢) مغني المحتاج: ٣٧٩/ ١، المغني: ٦٢٧/ ٢.
وصية إلى ما عنده، في الحول، وإنما يبدأ له حول جديد؛ لأنه ليس في معنى النتاج؛ لأن الدليل قد قام على اشتراط الحول، واستثني النتاج لقول عمر المتقدم، فبقي ما عداه على الأصل. ثم إن الأولاد والنتاج تابعة في الملك، فتملك بملك الأصل، بخلاف المستفاد.
ويتفرع على الخلاف: من كان عنده نصاب من النعم كخمس من الإبل، وثلاثين من البقر، وأربعين من الغنم فأكثر، فاستفاد بهبة أو صدقة، أو استحقاق في وقف، أو دين، أو بشراء قدر نصاب آخر أو ما يكمل نصابًا آخر، فإنه على رأي الحنفية والمالكية يضم للأول الذي كان عنده، ويزكيه معه، فيكون عليه شاتان بعد أن كان عليه واحدة مثلًا، أو تبيعان بعد أن كان عليه تبيع، أو حقة مثلًا.
ومثله: من كان عنده نصاب نقدي في بدء الحول، ثم قبض رواتب شهرية، فيضم ما يدخره ولو من آخر راتب إلى أصل النصاب، ويزكيه معه.
أما عند الشافعية والحنابلة، فإنه يكون للمستفاد أو المتجدد من الدخل حول مستقل على حدة، كل متجدد أو مدخر جديد له حوله.
٦ - الزكاة في النصاب دون العفو (الأوقاص):
الأوقاص: جمع وقص: وهو ما بين الفريضتين من كل الأنعام.
لا زكاة في الأوقاص، وهي عفو أي معفو عنها باتفاق المذاهب (١)، فلا تتعلق به الزكاة، بل تتعلق بالنصاب المقرر شرعًا فقط، لقوله ﷺ: «إن الأوقاص لا صدقة فيها» (٢)، ولأن العفو مال ناقص عن نصاب، يتعلق به فرض مبتدأ، فلم يتعلق به الوجوب قبله، كما لو نقص عن النصاب الأول.
(١) فتح القدير: ٥١١/ ١، الشرح الصغير: ٥٩٩/ ١، المهذب: ١٤٥/ ١، المغني: ٦٠٤/ ٢، كشاف القناع: ٢١٩/ ٢.
(٢) رواه أبو عبيد في الأموال عن يحيى بن الحكم.
فما دون النصاب عفو، وما فوقه إلى حد آخر عفو، فلو هلك العفو، وبقي النصاب، بقي كل الواجب، كأن كان له تسع من الإبل، أو مئة وعشرون من الغنم، فهلك بعد الحول من الإبل أربع، ومن الغنم ثمانون، لم يسقط من الزكاة شيء.
٧ - ما يأخذه الساعي:
الساعي أو العامل أو المصدِّق: هو الموظف المخصص من الحاكم لجمع الزكاة وجبايتها من المالكين.
فإن كان في المال المزكى كرائم ولئام (١)، وسمان ومهازيل، وصحاح ومراض، وكبار وصغار، وجب الوسط بقدر قيمة المالين، طلبًا للتعديل بينهما، وهو عند الحنفية أعلى الأدنى وأدنى الأعلى، فلا يؤخذ من خيار الأموال ولا من شرارها، ولا من الأولاد، فإن كانت كلها جيادًا فجيد عند الحنفية (٢)، لقوله ﷺ في حديث معاذ المتقدم: «فإياك وكرائم أموالهم» وقوله أيضًا: «إن الله تعالى لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره» (٣)، ولأن مبنى الزكاة على المواساة، وأخذ الصحيحة عن المراض مثلًا إخلال بالمواساة، ولأن فيه مراعاة لجانبي المالك والمستحق.
(١) الكرائم: جمع كريمة، وهي الجامعة للكمال الممكن في حقها من غزارة لبن أو جمال صورة أو كثرة لحم أو صوف. واللئام: جمع لئيمة وهي ضد الكريمة.
(٢) البدائع: ٣٢/ ٢ - ٣٤، الدر المختار: ٣٠/ ٢ ومابعدها، فتح القدير: ٥٠٦/ ١،٥١٠، اللباب: ١٤٦/ ١، الشرح الكبير: ٤٣٤/ ١ - ٤٣٦، الشرح الصغير: ٥٩٨/ ١،٦٠٤، القوانين الفقهية: ص ١٠٨، مغني المحتاج: ٣٧٥/ ١ ومابعدها، المهذب: ١٤٧/ ١،١٥٠، المغني: ٥٩٨/ ٢ - ٦٠٤، كشاف القناع: ٢١٣/ ٢، ٢١٩، ٢٢٣ ومابعدها.
(٣) رواه أبو داود.
وقد فرع الفقهاء بناء على هذا المبدأ تفريعات:
فقال الحنفية (١): ليس للساعي أن يأخذ الجيد ولا الرديء إلا من طريق التقويم برضا صاحب المال. ولا يؤخذ الرُّبَّى (التي وضعت وهي تربي ولدها، يعني قريبة العهد بالولادة)، ولا الماخض (التي قد حان ولادها أي في بطنها ولد)، ولا الأكولة (التي تسمن للأكل).
ويأخذ الساعي الوسط، سواء أكان النصاب من نوع واحد، أم من نوعين كالضأن والمعز، والبقر والجواميس، والعراب والبخت، والوسط: هو أن يكون أدنى من الأرفع، وأرفع من الأدون.
ولا يأخذ الذكر في زكاة الإبل، فتتعين الأنوثة في الواجب في الإبل من جنسها من بنت المخاض وبنت اللبون والحقة والجذعة، ولا يجوز الذكور منها وهو ابن المخاض وابن اللبون والحق والجذع، إلا بطريق التقويم؛ لأن الواجب المنصوص عليه هو الإناث، ودفع القيمة في الزكاة جائز عندهم.
أما في البقر فيجوز فيها الذكر والأنثى، لورود النص بذلك، كما تقدم.
وليس في الصغار والذكور وحدها زكاة، فإذا وجدت الصغار والكبار عدّت مع بعضها، ويجب فيها ما يجب في الكبار وهو المسنة.
وإذا فقد الساعي في مال المالك ما يجب أخذه، بأن وجب عليه سن فلم توجد عنده، أخذ أعلى منها وردّ الفضل (قيمة الزيادة عن المدفوع)، أو أخذ أدنى منها وأخذ الفضل، ولا يقدر عندهم بشيء؛ لأنه بحسب الأوقات غلاء ورخصًا (٢).
(١) البدائع، المكان السابق.
(٢) خلافًا للشافعية والحنابلة الذين قدروا الفضل الذي يرد بشاتين أو عشرين درهمًا.
وقال المالكية: يتعين على الساعي أخذ الوسط من الواجب، فلا يؤخذ من خيار الأموال ولا من شرارها، حتى ولو كان عند المزكي خيار فقط أو شرار فقط، إلا أن يرى الساعي أن أخذ المعينة أحظ للفقراء لكثرة لحمها مثلًا. ولا يؤخذ من الأولاد. وإذا تساوى عدد الضأن والمعز أو غيرهما، خيّر الساعي، فإن لم يتساويا أخذ من الأكثر، كثلاثين من الضأن وعشرة من المعز أو عكس ذلك، وكعشرين من البقر وعشرة من الجواميس، فيأخذ من الأكثر؛ لأن الحكم للغالب.
وقال الشافعية: لا تؤخذ مريضة، ولا معيبة، إلا من مثلها بأن كانت ماشيته كلها منها، ولا يؤخذ ذكر؛ لأن النص ورد في الإناث إلا إذا وجب كابن اللبون والتبيع في البقر، أو كانت ماشيته كلها ذكورًا في الأصح، كما تؤخذ المريضة والمعيبةمن مثلها. ويؤخذ من الصغار صغيرة في المذهب الجديد. ولا تؤخذ الرُّبَّى (الحديثة العهد بالنتاج) ولا الأكولة (المسمنة للأكل) ولا ماخض (حامل)، ولا فحل الغنم، ولا خِيار، لحديث معاذ السابق «إياك وكرائم أموالهم» ولقول عمر ﵁: «ولا تؤخذ الأكولة، ولا الربى، ولا الماخض، ولا فحل الغنم» إلا برضا المالك في جميع ما ذكر؛ لأنه محسن بالزيادة، وقد قال تعالى: ﴿ما على المحسنين من سبيل﴾ [التوبة:٩١/ ٩].
وقد عرفنا أنه بالنسبة للجبران: إذا لم يجد الساعي الفرض المطلوب في الإبل كان للمالك الصعود والنزول درجة أو درجتين، فدفع الأعلى أو الأدنى مع أخذ الدافع شاتين أو عشرين درهمًا، وذلك تخفيفًا على المالك، حتى لايكلف الشراء، والخيار في الشاتين أو العشرين درهمًا للدافع سواء أكان مالكًا أم ساعيًا، لحديث أنس في كتاب أبي بكر عند البخاري.
وقال الحنابلة: لايؤخذ في الصدقة تيس (ذكر) ولا هَرِمة، ولا ذات عوار
«معيبة) إلا ما شاء المصدِّق أي العامل، بأن يرى ذلك بأن يكون جميع النصاب من جنس المذكورات، فيكون له أن يأخذ من جنس المال، فيأخذ هرمة (كبيرة) من الهرمات، وذات عوار من أمثالها، وتيسًا من التيوس، كما قرر الشافعية، ودليلهم حديث أبي بكر عن أنس المتقدم.
ولا يجوز إخراج المعيبة عن الصحاح، وإن كثرت قيمتها، للنهي عن أخذها، ولما فيه من الإضرار بالفقراء.
ولا تؤخذ الرُّبَّى ولا الماخض ولا الأكولة، كما بينت في مذهب الشافعية، ولا تؤخذ السخلة الصغيرة إلا إذا كانت الماشية كلها صغارًا، فيجوز أخذ الصغيرة في الصحيح من المذهب، كما قرر الشافعية.
ورأيهم في الجبران كالشافعية أيضًا، فمن وجبت عليه سن في الزكاة فعدمها، خيِّر المالك دون الساعي، أو الفقير ونحوه في الصعود إلى ما يليها في ملكه، ثم إلى ما يليه إن عدمه، وفي النزول إلى ما يليها في ملكه ثم إلى ما يليه، إلى درجة ثالثة من فوق أو من أسفل، مع شاتين أو عشرين درهمًا ويتضاعف الجبران مع زيادة الدرجة، ولا مدخل للجبران في غير الإبل؛ لأن النص إنما ورد فيها، فيقتصر عليه، وليس غيرها في معناها، لكثرة قيمتها، ولأن الغنم لا تختلف فريضتها باختلاف سنها، وما بين الفريضتين في البقر يخالف ما بين الفريضتين في الإبل، فامتنع القياس.
فمن عدم فريضة البقر أو فريضة الغنم، ووجد دونها، حرم إخراجها، ولزمه تحصيل الفريضة وإخراجها، وإن وجد أعلى منها فدفعها بغير جبران، قبلت منه، وإن لم يفعل أي يدفع الأعلى عن الواجب كُلِّف شراء الفريضة من غير ماله، لكونه طريقًا إلى أداء الواجب.