اسم الكتاب ـ[أحكام القرآن للشافعي - جمع البيهقي]ـ
المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: ٤٥٨هـ)
كتب هوامشه: عبد الغني عبد الخالق
قدم له: محمد زاهد الكوثري
الناشر: مكتبة الخانجي - القاهرة
الطبعة: الثانية، ١٤١٤ هـ - ١٩٩٤ م
عدد الأجزاء: ٢ (في مجلد واحد)
فهرس الموضوعات
- كلمة عن أحكام القرآن
- فصل فيما ذكره الشافعي رحمه الله فى التحريص على تعلم أحكام القرآن
- فصل فى معرفة العموم والخصوص
- فصل فى فرض الله عز وجل فى كتابه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
- فصل فى تثبيت خبر الواحد من الكتاب
- فصل فى النسخ
- فصل ذكره الشافعي رحمه الله فى إبطال الاستحسان واستشهد فيه بآيات من القرآن
-
العودة الي تفسير أحكام القرآن للشافعي
بِسم الله الرّحمن الرّحيم
كلمة عَن أَحْكَام الْقُرْآن
جمع الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ من نُصُوص الإِمَام الشَّافِعِي رضى الله
عَنْهُمَا الْحَمد لله منزل الْكتاب، الْهَادِي إِلَى الصَّوَاب. وَالصَّلَاة
وَالسَّلَام على خير من أُوتى الْحِكْمَة وَفصل الْخطاب، سيدنَا مُحَمَّد وَآله
وَصَحبه البررة الأنجاب. وَبعد: فَإِن خَاتم كتب الله الْمنزلَة على أنبيائه
الْمُرْسلين. خص بِهِ خَاتم رسل الله صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم
أَجْمَعِينَ. وَقد حوى من عُلُوم الْهِدَايَة مَا لَا يتَصَوَّر الْمَزِيد
عَلَيْهِ، حَتَّى استنهض همم عُلَمَاء هَذِه الْأمة، فى التَّوَسُّع فى تَبْيِين
تِلْكَ الْعُلُوم من ثنايا الْقُرْآن الْكَرِيم، فألفوا كتبا فاخرة فى تَفْسِير
الذّكر الْحَكِيم، على مناهج من الرِّوَايَة والدراية، وعَلى أنحاء من وُجُوه
الْعِنَايَة، فَمنهمْ من عَنى بغريب الْقُرْآن، فألف فى تَبْيِين مُفْرَدَات
الْقُرْآن كتبا عَظِيمَة النَّفْع، وَمِنْهُم من اهتم بمشكل الْإِعْرَاب، فتوسع
فى تَبْيِين وُجُوه الْإِعْرَاب على لهجات شَتَّى الْقَبَائِل الْعَرَبيَّة،
وَمِنْهُم من نحا نَحْو تَوْجِيه وُجُوه الْقرَاءَات المروية تواترا. وشواذ
الْقرَاءَات المروية فى صدد التَّفْسِير، وَمِنْهُم من ألف فى مُشكل معانى
الْقُرْآن وأجاد، وَمِنْهُم من خدم آيَات المواعظ والأخلاق، وَمِنْهُم من شرح
آيَات التَّوْحِيد وَالصِّفَات، وَمِنْهُم من أوضح آيَات الْأَحْكَام، فى
الْحَلَال وَالْحرَام، وَمِنْهُم من خص جدل الْقُرْآن بالتأليف، إِلَى غير ذَلِك
من عُلُوم أَشَارَ إِلَيْهَا كل من ألف فى عُلُوم الْقُرْآن من الْعلمَاء
الأجلاء، وَلَا سِيمَا ابْن عقيلة الْمَكِّيّ فى كِتَابه «١» «الزِّيَادَة
وَالْإِحْسَان فى عُلُوم الْقُرْآن» وَمِنْهُم من سعى فى جمع
(١) بِهِ هذب
الإتقان وَزَاد فى علومه قدر نصفه وَهُوَ مَحْفُوظ فى مكتبة على باشا الْحَكِيم
فى استنبول (ز)
هَذِه النواحي فى صَعِيد وَاحِد، فَأصْبح
مُؤَلفه ضخما فخما تبلغ مجلداته مائَة مُجَلد وَأكْثر.
فكتاب «المختزن» فى تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم للْإِمَام أَبى الْحسن
الْأَشْعَرِيّ أقل مَا قيل فِيهِ أَنه فى سبعين مجلدا كَمَا يَقُوله المقريزى،
وَيَقُول أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ انه فى خَمْسمِائَة مُجَلد- وَهَذَا مِمَّا
يخْتَلف باخْتلَاف الحجم والخط- وَتَفْسِير «أنوار الْفجْر» لأبى بكر ابْن
الْعَرَبِيّ فى ثَمَانِينَ ألف ورقة، فَلَا يقل عَن ثَمَانِينَ مجلدا ضخما،
وَتَفْسِير الْحَافِظ أَبى حَفْص بن شاهين فى ألف جُزْء حديثى، وَتَفْسِير «حدائق
ذَات بهجة» لأبى يُوسُف عبد السَّلَام الْقزْوِينِي الْحَنَفِيّ وَأَقل مَا قيل
فِيهِ أَنه فى ثَلَاثمِائَة مُجَلد، وَكَانَ مُؤَلفه وقف النُّسْخَة الوحيدة من
هَذَا التَّأْلِيف الْعَظِيم لمَسْجِد أَبى حنيفَة بِبَغْدَاد فَضَاعَت عِنْد
اسْتِيلَاء هلاكو، وَيَقُول الْأُسْتَاذ البحاثة السَّيِّد عبد الْعَزِيز الميمنى
الْهِنْدِيّ أَنه رأى جُزْءا مِنْهُ فى إِحْدَى فهارس الخزانات، وَتَفْسِير أَبى
على الجبائي، وَتَفْسِير القَاضِي عبد الْجَبَّار، وَتَفْسِير ابْن النَّقِيب
الْمَقْدِسِي، وَتَفْسِير مُحَمَّد الزَّاهِد البُخَارِيّ كل وَاحِد مِنْهَا فى
مائَة مُجَلد- والأخيران حنفيان- وَتَفْسِير «فتح المنان» للقطب الشِّيرَازِيّ
الشَّافِعِي فى سِتِّينَ مجلدا وَهُوَ مَحْفُوظ فى خزانتى على باشا الْحَكِيم
وَمُحَمّد أسعد فى الآستانة، وَتَفْسِير ابْن فَرح الْقُرْطُبِيّ الْمَالِكِي فى
عشْرين مجلدا، وَأما مَا يبلغ عشرَة مجلدات وَنَحْوهَا من التفاسير فخارج عَن حد
الإحصاء، وَأما من اختط لنَفسِهِ أَن يبين نَاحيَة خَاصَّة من الْقُرْآن فَيكون
عمله أتم فَائِدَة، وَلَيْسَ الْخَبَر كالمعاينة، وَمن جمع بَين عُلُوم الراوية
والدراية يكون بَيَانه أوثق، وبالتعويل أَحَق، وَمن يكون مقصرا فى شىء مِنْهَا
يكون التَّقْصِير باديا فى بَيَانه مهما خلع عَلَيْهِ من ألقاب الْعلم ولأئمة
الِاجْتِهَاد رضى الله عَنْهُم استنباطات دقيقة من آيَات الْأَحْكَام بهَا تظهر
مَنَازِلهمْ فى الغوص، وَبهَا يتدرج المتفقهون على مدارج الْفِقْه، فَتجب
الْعِنَايَة بهَا كل الْعِنَايَة لتثمر ثَمَرَتهَا كَمَا ينبغى ولعلماء علم
التَّوْحِيد أَيْضا استنباطات بديعة من آيَات الذّكر الْحَكِيم فترى من يَقُول
بِوُجُوب معرفَة تَوْحِيد الله بِالْعقلِ، يحْتَج بقوله تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ
لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)
لإِطْلَاق الْآيَة وخلوها عَن قيد بُلُوغ خبر الرَّسُول فَيكون آثِما بالشرك
إِثْمًا غير مَعْفُو عَنهُ مُطلقًا بلغه خبر الرَّسُول أم لم يبلغهُ لكفاية
الْعقل فى معرفَة تَوْحِيد الله ﷿، وَترى من لَا يَقُول بذلك يحْتَج بقوله
تَعَالَى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) وَيَقُول دلّ
هَذَا على أَنه لَا عَذَاب بالإشراك قبل بُلُوغ
خبر الرَّسُول
بِالتَّوْحِيدِ، وَنقض الْقَائِل الأول على الثَّانِي احتجاجه بِالْآيَةِ
قَائِلا: إِنَّك حملت التعذيب على التعذيب فى الْآخِرَة من غير دَلِيل مَعَ أَن
السباق والسياق يعينان أَن المُرَاد بالتعذيب فى هَذِه الْآيَة هُوَ التعذيب
تَعْذِيب استئصال، وَهُوَ يكون فى الدُّنْيَا لَا فى الْآخِرَة، لِأَن الله
سُبْحَانَهُ مدّ عدم التعذيب إِلَى زمن بعث الرَّسُول فَيكون التعذيب وَاقعا بعد
الْبَعْث وتمرد الْمُرْسل إِلَيْهِ عَن قبُول الرسَالَة، وَذَلِكَ فى الدُّنْيَا،
فَيكون هَذَا الْعَذَاب عَذَاب الاستئصال فى الدُّنْيَا، وَقَوله تَعَالَى فى
السِّيَاق (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها
فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيرًا)
بَيَان
لعذاب الاستئصال عِنْد فسوق الْمَأْمُور عَن قبُول الْأَمر، فَيكون دَلِيلا آخر
يُفَسر مَا سبق، على أَن محققى أهل الْكَلَام لَا يقبلُونَ توقف التَّوْحِيد على
الرسَالَة لما يسْتَلْزم ذَلِك من الدّور الْمَرْدُود.
وَمِمَّا ألف فى
أَحْكَام الْقُرْآن على مَذْهَب أهل الْعرَاق «أَحْكَام الْقُرْآن» لعلى بن
مُوسَى بن يزْدَاد القمي، و«أَحْكَام الْقُرْآن» لأبى جَعْفَر الطَّحَاوِيّ- فى
ألف ورقة-، و«أَحْكَام الْقُرْآن» لأبى بكر أَحْمد بن على الرَّازِيّ الْمَعْرُوف
بالحصاص- فى ثَلَاثَة مجلدات و«تَلْخِيص أَحْكَام الْقُرْآن» للجمال بن السراج
مَحْمُود بن أَحْمد القونوى، و«التفسيرات الأحمدية» لملاجيون الْهِنْدِيّ صَاحب
نور الْأَنْوَار- وهى على اختصارها نافعة.
وَمِمَّا ألف فى أَحْكَام
الْقُرْآن على مَذْهَب أهل الْمَدِينَة «أَحْكَام الْقُرْآن» لاسماعيل القَاضِي
كَبِير الْمَالِكِيَّة بِالْبَصْرَةِ ويتعقبه الْجَصَّاص، و«مُخْتَصر أَحْكَام
الْقُرْآن» لاسماعيل القَاضِي تأليف بكر بن الْعَلَاء الْقشيرِي، و«أَحْكَام
الْقُرْآن» لِابْنِ بكير، و«أَحْكَام الْقُرْآن» لأبى بكر بن الْعَرَبِيّ-
وأسانيد تِلْكَ الْأَرْبَعَة فى فهرست ابْن خير الأندلسى- و«أَحْكَام الْقُرْآن»
لِابْنِ فرس.
وَمِمَّا ألف فى أَحْكَام الْقُرْآن فى مَذْهَب الإِمَام
الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ كتاب «أَحْكَام الْقُرْآن» للامام الشَّافِعِي نَفسه
كَمَا يعزوه الْبَيْهَقِيّ إِلَيْهِ، وَإِن لم نطلع عَلَيْهِ، وَكتاب «أَحْكَام
الْقُرْآن» جمع أَبى بكر الْبَيْهَقِيّ من نُصُوص الإِمَام الشَّافِعِي فى
الْكتب- وَهُوَ هَذَا المنشور- وَكتاب «أَحْكَام الْقُرْآن» للكيا الهراسى رَفِيق
الْغَزالِيّ فى الطلب- نود تيَسّر نشره قَرِيبا- وهى الْكتب المهمة فى أَحْكَام
الْقُرْآن على الْمذَاهب، وَقد طبع كتاب الْجَصَّاص، وَكتاب التفسيرات الأحمدية،
وَكتاب ابْن الْعَرَبِيّ
وَكَانَ فضل السَّبق بنشر كتاب
«أَحْكَام الْقُرْآن» فى مَذْهَب الشَّافِعِي لأبى أُسَامَة الْأُسْتَاذ البحاثة
السَّيِّد مُحَمَّد عزت الْعَطَّار الْحُسَيْنِي حَيْثُ بَادر بنشر كتاب
«أَحْكَام الْقُرْآن» جمع أَبى بكر الْبَيْهَقِيّ من نُصُوص الشَّافِعِي وَهُوَ
كتاب بَالغ النَّفْع يعلم بِهِ مبلغ غوص هَذَا الإِمَام الْعَظِيم على الْمعَانِي
الدقيقة فى الْقُرْآن الْكَرِيم، ويتدرج بِهِ المتفقه على مدارج الِاحْتِجَاج فى
الْمسَائِل الخلافية فَيَزْدَاد علما، وتتبين آراء باقى الْأَئِمَّة فِيهَا من
كتب «أَحْكَام الْقُرْآن» الْمُؤَلّفَة فى مذاهبهم، وَقد أَجَاد الْبَيْهَقِيّ
صنعا حَيْثُ تتبع غَايَة التتبع نُصُوص الإِمَام الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ فى
كتبه وَكتب أَصْحَابه من أَمْثَال الْمُزنِيّ، والبويطى، وَالربيع الجيزى،
وَالربيع الْمرَادِي، وحرملة، والزعفراني، وأبى ثَوْر، وأبى عبد الرَّحْمَن،
وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَغَيرهم ونقلها كَمَا هى مَعَ تأييد تِلْكَ
الْمعَانِي المستنبطة بالسنن الْوَارِدَة، وللبيهقى تجلد عَظِيم، وصبر كَبِير، فى
مناصرة الإِمَام الشَّافِعِي فى جَمِيع مَا ألف تَقْرِيبًا، وفضله فى ذَلِك مشكور
عِنْد الْجَمِيع، مَعَ كَون مَوَاضِع النَّقْد من كَلَامه مشروحة فى كتب
الْمذَاهب، كافأ الله سُبْحَانَهُ الْبَيْهَقِيّ على هَذَا الْجمع النافع وأثاب
ناشره فى العاجل والآجل وفى الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
أما الْبَيْهَقِيّ:
فَهُوَ الْحَافِظ الْكَبِير الْفَقِيه الأصولي النقاد أَبُو بكر أَحْمد بن
الْحُسَيْن ابْن على بن عبد الله بن مُوسَى الْبَيْهَقِيّ النيسابورى الخسروجردى
الْفَقِيه الشَّافِعِي.
ولد فى شعْبَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة فى قَرْيَة (خسروجرد)
بِضَم الْخَاء وَسُكُون السِّين وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَكسر الْجِيم
وَسُكُون الرَّاء آخرهَا الدَّال الْمُهْملَة من قرى بيهق (على وزن صيقل) وبيهق
قرى مجتمعة فى نواحى نيسابور.
سمع الحَدِيث من نَحْو مائَة شيخ أقدمهم أَبُو
الْحسن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْعلوِي وَقد تنقل فى بِلَاد خرسان ورحل إِلَى
الْعرَاق والحجاز وَالْجِبَال لسَمَاع الحَدِيث وَتخرج فى الحَدِيث على الْحَاكِم
صَاحب الْمُسْتَدْرك. فَمن شُيُوخه أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن
دَاوُد الْعلوِي، وَالْحَاكِم مُحَمَّد بن عبد الله النيسابورى، وَأَبُو الْحسن
على بن أَحْمد بن عَبْدَانِ الأهوازى، وابو الْحُسَيْن على بن مُحَمَّد بن عبد
الله بن بَشرَان، وابو عبد الله إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن يُوسُف ابْن يَعْقُوب
السوي، وَالْقَاضِي أَبُو بكر أَحْمد بن الْحسن الحيرى، وابو احْمَد عبد الله بن
مُحَمَّد بن الْحسن المهرجانى، وابو نصر عمر بن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عُثْمَان
بن قَتَادَة، وَغَيرهم من شُيُوخ الْعلم فى خرسان وَالْجِبَال والحرمين والكوفة
وَالْبَصْرَة وبغداد.
قَالَ الذَّهَبِيّ فى طَبَقَات الْحفاظ فى
تَرْجَمَة الْبَيْهَقِيّ: هُوَ الإِمَام الْحَافِظ الْعَلامَة شيخ خُرَاسَان
كَانَ عِنْده مُسْتَدْرك الْحَاكِم فَأكْثر عَنهُ وبورك لَهُ فى عمله لحسن مقْصده
وَقُوَّة فهمه وَعمل كتبا لم يسْبق إِلَى تحريرها مِنْهَا: «الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات» وَهُوَ مجلدان «١»، و«السّنَن الْكُبْرَى» عشر مجلدات «٢» .
و«معرفَة السّنَن والْآثَار» أَربع مجلدات «٣» و«شعب الايمان» مجلدان، و«دَلَائِل
النُّبُوَّة» ثَلَاث مجلدات، و«السّنَن الصَّغِير» مجلدان، و«الزّهْد» مُجَلد،
و«الْبَعْث» مُجَلد، و«المعتقد» مُجَلد و«الْآدَاب» مُجَلد، و«نُصُوص
الشَّافِعِي» ثَلَاث مجلدات، و«مَنَاقِب احْمَد» مُجَلد، و«كتاب الاسراء» وَكتب
كَثِيرَة لَا أذكرها. اهـ وَقَالَ اليافعي فى مرْآة الْجنان عَن الْبَيْهَقِيّ
هُوَ: الإِمَام الْكَبِير الْحَافِظ النحرير الْفَقِيه الشَّافِعِي وَاحِد
زَمَانه، وفرد أقرانه فى الْفُنُون من كبار أَصْحَاب الْحَاكِم أَبى عبد الله بن
البيع فى الحَدِيث الزَّائِد عَلَيْهِ فى أَنْوَاع الْعُلُوم لَهُ مَنَاقِب شهيرة
وتصانيف كَثِيرَة بلغت الف جُزْء نفع الله تَعَالَى بهَا الْمُسلمين شرقا وغربا
وعجما وعربا لفضله وجلالته وإتقانه وديانته تغمده الله برحمته. غلب عَلَيْهِ
الحَدِيث واشتهر بِهِ ورحل فى طلبه إِلَى الْعرَاق وَالْجِبَال والحجاز وَسمع
بخرسان من عُلَمَاء عصره وَكَذَلِكَ بَقِيَّة الْبِلَاد الَّتِي انْتهى
إِلَيْهَا، وَأخذ الْفِقْه عَن أَبى الْفَتْح نَاصِر بن مُحَمَّد الْعُمْرَى
الْمروزِي وَهُوَ أول من جمع نُصُوص الشَّافِعِي فى عشر مجلدات اهـ.
وَقَالَ
إِمَام الْحَرَمَيْنِ: مَا من شافعى إِلَّا وللشافعى فى عُنُقه منَّة إِلَّا
الْبَيْهَقِيّ فَإِن لَهُ على الشَّافِعِي منَّة لتصانيفه فى نصْرَة مذْهبه
وأقاويله اهـ.
وَقَالَ عبد الْقَادِر الْقرشِي فى طبقاته: فو الله مَا قَالَ
هَذَا من شم توجه الشَّافِعِي وعظمته وَلسَانه فى الْعُلُوم. وَلَقَد اخْرُج
الشَّافِعِي بَابا من الْعلم مَا اهْتَدَى إِلَيْهِ النَّاس من قبله وَهُوَ علم
النَّاسِخ والمنسوخ فَعَلَيهِ مدَار الْإِسْلَام. مَعَ أَن الْبَيْهَقِيّ إِمَام
حَافظ كَبِير نشر السّنة وَنصر مَذْهَب الشَّافِعِي فى زَمَنه.
وَقَالَ ابْن
الْعِمَاد فى شذرات الذَّهَب هُوَ: الامام الْعلم الْحَافِظ صَاحب التصانيف.
قَالَ
ابْن قاضى شُهْبَة. قَالَ عبد الغافر: كَانَ على سيرة الْعلمَاء قانعا من
الدُّنْيَا باليسير متجملا فى زهده وورعه. وَذكر غَيره أَنه سرد الصَّوْم
ثَلَاثِينَ سنة.
(١) طبع بِمصْر
(٢) طبع بِالْهِنْدِ
(٣) لم يطبع
وَيُوجد نُسْخَة غير كَامِلَة برواق المغاربة بالأزهر.
وَقَالَ
فى العبر: توفى فى عَاشر جُمَادَى الأولى بنيسابور سنة ثَمَان وَخمسين
وَأَرْبَعمِائَة وَنقل تابوته إِلَى بيهق وعاش أَرْبعا وَسبعين سنة اهـ.
وَقَالَ
ابْن خلكان: هُوَ وَاحِد زَمَانه، وفرد أقرانه فى الْفُنُون من كبار أَصْحَاب
الْحَاكِم فى الحَدِيث ثمَّ الزَّائِد عَلَيْهِ فى أَنْوَاع الْعُلُوم، أَخذ
الْفِقْه عَن أَبى الْفَتْح نَاصِر الْمروزِي، غلب عَلَيْهِ الحَدِيث واشتهر
بِهِ. أَخذ عَنهُ الحَدِيث جمَاعَة مِنْهُم: زَاهِر الشحامي وَمُحَمّد الفراوي،
وَعبد الْمُنعم الْقشيرِي وَغَيرهم اهـ.
وَأثْنى عَلَيْهِ ابْن عَسَاكِر فى
تَبْيِين كذب المفترى وَقَالَ: كتب الىّ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْفَارِسِي:
الامام الْحَافِظ الْفَقِيه الأصولى، الدَّين الْوَرع وَاحِد زَمَانه فى
الْحِفْظ، وفرد اقرانه فى الإتقان والضبط من كبار أَصْحَاب الْحَاكِم أَبى عبد
الله الْحَافِظ، والمثكرين عَنهُ ثمَّ الزَّائِد عَلَيْهِ فى أَنْوَاع الْعُلُوم،
كتب الحَدِيث وَحفظه من صباه، وتفقه وبرع فِيهِ، وَشرع فى الْأُصُول ورحل إِلَى
الْعرَاق وَالْجِبَال والحجاز ثمَّ اشْتغل بالتصنيف وَألف من الْكتب مَا لَعَلَّه
يبلغ قَرِيبا من ألف جُزْء مِمَّا لم يسْبقهُ اليه أحد، جمع فى تصانيفه بَين علم
الحَدِيث، وَالْفِقْه، وَبَيَان علل الحَدِيث، وَالصَّحِيح، والسقيم وَذكر وُجُوه
الْجمع بَين الْأَحَادِيث، ثمَّ بَيَان الْفِقْه وَالْأُصُول، وَشرح مَا
يتَعَلَّق بِالْعَرَبِيَّةِ استدعى مِنْهُ الْأَئِمَّة فى عصره الِانْتِقَال الى
نيسابور من النَّاحِيَة لسَمَاع كتاب الْمعرفَة (وَهُوَ السّنَن الْأَوْسَط)
وَغير ذَلِك من تصانيفه فَعَاد الى نيسابور سنة احدى وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
وعقدوا لَهُ الْمجْلس لقِرَاءَة كتاب الْمعرفَة وحضره الْأَئِمَّة وَالْفُقَهَاء
وَأَكْثرُوا الثَّنَاء عَلَيْهِ وَالدُّعَاء لَهُ فى ذَلِك لبراعته ومعرفته
وإفادته.
وَكَانَ ﵀ على سيرة الْعلمَاء قانعا من الدُّنْيَا باليسير متجملا
فى زهده وورعه وَبَقِي كَذَلِك الى أَن توفى ﵀ بنيسابور يَوْم السبت الْعَاشِر من
جُمَادَى الأول سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَحمل الى خسروجرد اهـ.
هَذَا
وَمن أَرَادَ الإطلاع على تَرْجَمته بتوسع فَليُرَاجع تقدمتنا على كتاب
«الْأَسْمَاء وَالصِّفَات» المطبوع بِالْقَاهِرَةِ رضى الله عَنهُ وأرضاه وتغمده
برضوانه فى أخراه؟
فى ١٩ ذى الْحجَّة سنة ١٣٧٠
مُحَمَّد زاهد
الكوثرى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَبِهِ
الْعَوْنُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، الَّذِي خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ طِينٍ، وَجَعَلَ
نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ
رُوحِهِ، وَجَعَلَ لَهُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ، وَبَعَثَ
فِيهِمْ الرُّسُلَ وَالْأَئِمَّةَ مُبَشِّرِينَ بِالْجَنَّةِ مَنْ أَطَاعَ
اللَّهَ، وَمُنْذِرِينَ بِالنَّارِ مَنْ عصي الله، وخصبنا بِالنَّبِيِّ
الْمُصْطَفَى، وَالرَّسُولِ الْمُجْتَبَى، أَبِي الْقَاسِمِ، مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ،
الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَاصْطَفَاهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ،
أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ إلَى مَنْ جَعَلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ مِنْ
كَافَّةِ الْخَلْقِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ
وَسِرَاجًا مُنِيرًا، وَأَنْزَلَ مَعَهُ كِتَابًا عَزِيزًا، وَنُورًا مُبِينًا،
وَتَبْصِرَةً وَبَيَانًا، وَحِكْمَةً وبرهانا، وَرَحْمَة وشفا، وَمَوْعِظَةً
وَذِكْرًا. فَنَقَلَ بِهِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِتَوْفِيقِهِ مِنْ الْكُفْرِ
وَالضَّلَالَةِ إلَى الرُّشْدِ وَالْهِدَايَةِ، وَبَيَّنَ فِيهِ مَا أَحَلَّ
وَمَا حَرَّمَ، وَمَا حَمِدَ وَمَا ذَمَّ، وَمَا يَكُونُ عِبَادَةً وَمَا يَكُونُ
مَعْصِيَةً نَصًّا أَوْ دَلَالَةً، وَوَعَدَ وَأَوْعَدَ، وَبَشَّرَ وَأَنْذَرَ،
وَوَضَعَ رَسُولَهُ ﷺ مِنْ دِينِهِ مَوْضِعَ الْإِبَانَةِ عَنْهُ، وَحِينَ
قَبَضَهُ اللَّهُ قَيَّضَ فِي أُمَّتِهِ جَمَاعَةً اجْتَهَدُوا فِي مَعْرِفَةِ
كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ، حَتَّى رَسَخُوا فِي الْعِلْمِ، وَصَارُوا
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِهِ، وَيُبَيِّنُونَ مَا يُشْكِلُ عَلَى غَيْرِهِمْ
مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ.
وَقَدْ صَنَّفَ غَيْرُ وَاحِدٍ
مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ
وَمَعَانِيه،
وَإِعْرَابِهِ وَمَبَانِيه، وَذَكَرَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي أَحْكَامِهِ مَا بَلَغَهُ عِلْمُهُ، وَرُبَّمَا يُوَافِقُ
قَوْلُهُ قَوْلَنَا وَرُبَّمَا يُخَالِفُهُ، فَرَأَيْتُ مَنْ دَلَّتْ
الدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ- أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ
إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ الْمُطَّلِبِيِّ ابْنَ عَمِّ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
وَعَلَى آلِهِ- قَدْ أَتَى عَلَى بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَيْنَا مَعْرِفَتُهُ مِنْ
أَحْكَامِ الْقُرْآنِ.
وَكَانَ ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي كُتُبِهِ
الْمُصَنَّفَةِ فِي الْأُصُولِ وَالْأَحْكَامِ، فَمَيَّزْتُهُ وَجَمَعْتُهُ فِي
هَذِهِ الْأَجْزَاءِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُخْتَصَرِ، لِيَكُونَ طَلَبُ ذَلِكَ
مِنْهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ أَيْسَرَ وَاقْتَصَرَتْ فِي حِكَايَةِ كَلَامِهِ عَلَى
مَا يَتَبَيَّنُ مِنْهُ الْمُرَادُ دُونَ الْإِطْنَابِ، وَنَقَلْتُ مِنْ
كَلَامِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَاسْتِشْهَادِهِ بِالْآيَاتِ الَّتِي احْتَاجَ
إلَيْهَا مِنْ الْكِتَابِ، عَلَى غَايَةِ الِاخْتِصَارِ- مَا يَلِيقُ بِهَذَا
الْكِتَابِ. وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ الْبَرَّ الرَّحِيمَ أَنْ يَنْفَعَنِي
وَالنَّاظِرِينَ فِيهِ بِمَا أَوْدَعْتُهُ، وَأَنْ يَجْزِيَنَا جَزَاءَ مَنْ
اقْتَدَيْنَا بِهِ فِيمَا نَقَلْتُهُ، فَقَدْ بَالَغَ فِي الشَّرْحِ
وَالْبَيَانِ، وَأَدَّى النَّصِيحَةَ فِي التَّقْدِيرِ وَالْبَيَانِ، وَنَبَّهَ
عَلَى جِهَةِ الصَّوَابِ وَالْبُرْهَانِ حَتَّى أَصْبَحَ مَنْ اقْتَدَى بِهِ
عَلَى ثِقَةٍ مِنْ دِينِ رَبِّهِ، وَيَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ مَذْهَبِهِ،
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَحَ صَدْرَنَا لِلرَّشَادِ، وَوَفَّقَنَا
لِصِحَّةِ هَذَا الِاعْتِقَادِ، وَإِلَيْهِ الرَّغْبَةُ (عَزَّتْ قُدْرَتُهُ) فِي
أَنْ يُجْرِي عَلَى أَيْدِينَا مُوجِبَ هَذَا الِاعْتِقَادِ وَمُقْتَضَاهُ،
وَيُعِينَنَا عَلَى مَا فِيهِ إذْنُهُ وَرِضَاهُ، وَإِلَيْهِ التَّضَرُّعُ فِي
أَنْ يَتَغَمَّدَنَا بِرَحْمَتِهِ، وَيُنْجِيَنَا مِنْ عُقُوبَتِهِ، إنَّهُ
الْغَفُورُ الْوَدُودُ، وَالْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ.
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْحَافِظِ، أَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَسَّانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، أَنَا
أَبُو بَكْر أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: كُنَّا نَسْمَعُ
مِنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى تَفْسِيرَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ ابْنِ
وَهْبٍ فَقَالَ لَنَا يُونُسُ: كُنْتُ أَوَّلًا أُجَالِسُ
أَصْحَابَ
التَّفْسِيرِ وَأُنَاظِرُ عَلَيْهِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ إذَا أَخَذَ فِي
التَّفْسِيرِ كَأَنَّهُ شَهِدَ التَّنْزِيلَ.
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْفَقِيه، أَنا أبوبكر حَمْدُونٌ قَالَ:
سَمِعْتُ
الرَّبِيعَ يَقُولُ: قَلَّمَا كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَى الشَّافِعِيِّ ﵀ إلَّا
وَالْمُصْحَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَتَتَبَّعُ أَحْكَامَ الْقُرْآنِ.
«فَصْلٌ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ ﵀ فى التحريص عَلَى تَعَلُّمِ
أَحْكَامِ الْقُرْآنِ»
(أَخْبَرَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ ﵀، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا
الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ ﵀ فِي ذِكْرِ نِعْمَةِ
اللَّهِ عَلَيْنَا بِرَسُولِهِ ﷺ بِمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ
فَقَالَ: «(وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ
يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ٤١: ٤١- ٤٢)
فَنَقَلَهُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْعَمَى، إلَى الضِّيَاءِ وَالْهُدَى،
وَبَيَّنَ فِيهِ مَا أَحَلَّ لَنَا بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى خَلْقِهِ وَمَا حَرَّمَ
لِمَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ: [من] حظهم عَلَى الْكَفِّ عَنْهُ فِي الْآخِرَةِ
وَالْأُولَى، وَابْتَلَى طَاعَتَهُمْ بِأَنْ تَعَبَّدَهُمْ بِقَوْلٍ، وَعَمَلٍ،
وَإِمْسَاكٍ عَنْ مَحَارِمَ وَحَمَاهُمُوهَا، وَأَثَابَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ-
مِنْ الْخُلُودِ فِي جَنَّتِهِ، وَالنَّجَاةِ مِنْ نِقْمَتِهِ- مَا عَظُمَتْ بِهِ
نِعْمَتُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَأَعْلَمَهُمْ مَا أَوْجَبَ عَلَى أَهْلِ
مَعْصِيَتِهِ: مِنْ خِلَافِ مَا أَوْجَبَ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَوَعَظَهُمْ
بِالْإِخْبَارِ عَمَّنْ كَانَ قَبْلَهُمْ: مِمَّنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُمْ
أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا، وَأَطْوَلَ أَعْمَارًا، وَأَحْمَدَ آثَارًا
فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فِي حَيَاةِ دُنْيَاهُمْ، فَأَذَاقَهُمْ عِنْدَ
نُزُولِ قَضَائِهِ مَنَايَاهُمْ دُونَ آمَالِهِمْ، وَنَزَلَتْ بِهِمْ عُقُوبَتُهُ
عِنْدَ انْقِضَاءِ آجَالِهِمْ لِيَعْتَبِرُوا فِي آنِفِ الْأَوَانِ،
وَيَتَفَهَّمُوا
بِجَلِيَّةِ التِّبْيَانِ، وَيَنْتَبِهُوا قَبْلَ رَيْنِ الْغَفْلَةِ،
وَيَعْمَلُوا قَبْلَ انْقِطَاعِ الْمُدَّةِ، حِينَ لَا يُعْتَبُ مُذْنِبٌ، وَلَا
تُؤْخَذُ فِدْيَةٌ، وَ(تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا،
وَمَا عَمِلَتْ من سوء تودلو أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) .
وَكَانَ
مِمَّا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) رَحْمَةً وَحُجَّةً عَلِمَهُ
مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ.
قَالَ: وَالنَّاسُ فِي الْعِلْمِ
طَبَقَاتٌ، مَوْقِعُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِقَدْرِ دَرَجَاتِهِمْ فِي الْعِلْمِ
بِهِ، فَحَقَّ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ بُلُوغُ غَايَةِ جُهْدِهِمْ فِي
الِاسْتِكْثَارِ مِنْ عِلْمِهِ، وَالصَّبْرُ عَلَى كُلِّ عَارِضٍ دُونَ طَلَبِهِ،
وَإِخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلَّهِ فِي اسْتِدْرَاكِ عِلْمِهِ نَصًّا
وَاسْتِنْبَاطًا، وَالرَّغْبَةُ إلَى اللَّهِ فِي الْعَوْنِ عَلَيْهِ- فَإِنَّهُ
لَا يُدْرَكُ خَيْرٌ إلَّا بِعَوْنِهِ- فَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَ عِلْمَ أَحْكَامِ
اللَّهِ فِي كِتَابِهِ نَصًّا وَاسْتِدْلَالًا، وَوَفَّقَهُ اللَّهُ لِلْقَوْلِ
وَالْعَمَلِ لِمَا عَلِمَ مِنْهُ- فَازَ بِالْفَضِيلَةِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ،
وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيَبُ، وَنَوَّرَتْ فِي قَلْبِهِ الْحِكْمَةُ،
وَاسْتَوْجَبَ فِي الدِّينِ مَوْضِعَ الْإِمَامَةِ. فَنَسْأَلُ اللَّهَ
الْمُبْتَدِئَ لَنَا بِنِعَمِهِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، الْمُدِيمَ بِهَا
عَلَيْنَا مَعَ تَقْصِيرِنَا فِي الْإِتْيَانِ عَلَى مَا أَوْجَبَ مِنْ شُكْرِهِ
لَهَا، الْجَاعِلَنَا فِي خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ-: أَنْ
يَرْزُقَنَا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ وَقَوْلًا
وَعَمَلًا يُؤَدِّي بِهِ عَنَّا حَقَّهُ، وَيُوجِبُ لَنَا نَافِلَةَ مَزِيدِهِ.
فَلَيْسَتْ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ نَازِلَةٌ إلَّا وَفِي
كِتَابِ اللَّهِ الدَّلِيلُ عَلَى سُبُلِ الْهُدَى فِيهَا.
قَالَ اللَّهُ ﷿:
(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى
النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ١٤- ١) وَقَالَ
تَعَالَى: (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً
وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ ١٦- ٨٩) وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ ١٦- ٤٤) .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: «وَمَنْ
جِمَاعِ كِتَابِ اللَّهِ ﷿، الْعِلْمُ بِأَنَّ جَمِيعَ كِتَابِ اللَّهِ إنَّمَا
نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، وَالْمَعْرِفَةُ بِنَاسِخِ كِتَابِ اللَّهِ
وَمَنْسُوخِهِ، وَالْفَرْضِ فِي تَنْزِيلِهِ، وَالْأَدَبِ، وَالْإِرْشَادِ،
وَالْإِبَاحَةِ وَالْمَعْرِفَةُ بِالْوَضْعِ الَّذِي وَضَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ:
مِنْ الْإِبَانَةِ عَنْهُ فِيمَا أَحْكَمَ فَرْضَهُ فِي كِتَابِهِ، وَبَيَّنَهُ
عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ وَمَا أَرَادَ بِجَمِيعِ فَرَائِضِهِ: أَأَرَادَ كُلَّ
خَلْقِهِ، أَمْ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ؟ وَمَا افْتَرَضَ عَلَى النَّاسِ مِنْ
طَاعَتِهِ وَالِانْتِهَاءِ إلَى أَمْرِهِ ثُمَّ مَعْرِفَةُ مَا ضَرَبَ فِيهَا
مِنْ الْأَمْثَالِ الدَّوَالِّ عَلَى طَاعَتِهِ، الْمُبِينَةِ لِاجْتِنَابِ
مَعْصِيَتِهِ وَتَرْكُ الْغَفْلَةِ عَنْ الْحَظِّ، وَالِازْدِيَادُ مِنْ
نَوَافِلِ الْفَضْلِ. فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَالَمِينَ أَلَّا يَقُولُوا إلَّا
مِنْ حَيْثُ عَلِمُوا» .
ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ:
«وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ إلَّا
بِلِسَانِ الْعَرَبِ. قَالَ اللَّهُ ﷿: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ
الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ
الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ: ٢٦- ١٩٢- ١٩٥) . وَقَالَ اللَّهُ ﷿:
(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا: ١٣- ٣٧) . وَقَالَ تَعَالَى:
(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى
وَمَنْ حَوْلَها: ٤٢- ٧) . فَأَقَامَ حُجَّتَهُ بِأَنَّ كِتَابَهُ عَرَبِيٌّ،
ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ نَفَى عَنْهُ كُلَّ لِسَانٍ غَيْرَ لِسَانِ
الْعَرَبِ، فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ ﵎: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ
أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ
إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ: ١٦- ١٠٣) . وَقَالَ
تَعَالَى: (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ
آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ: ٤١- ٤٤)» .
وَقَالَ:
«وَلَعَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّ فِي الْقُرْآنِ غَيْرَ لِسَانِ الْعَرَبِ ذَهَبَ
إلَى أَنَّ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ خَاصًّا يَجْهَلُهُ بَعْضُ الْعَرَبِ.
وَلِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الْأَلْسِنَةِ مَذْهَبًا، وَأَكْثَرُهَا
أَلْفَاظًا، وَلَا يُحِيطُ بِجَمِيعِ عِلْمِهِ إنْسَانٌ غَيْرُ نَبِيٍّ.
وَلَكِنَّهُ لَا يَذْهَبُ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ،
كَالْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ: لَا نَعْلَمُ رَجُلًا
جَمَعَهَا فَلَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا جُمِعَ عِلْمُ
عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا أُتِيَ عَلَى السُّنَنِ.
وَاَلَّذِي
يَنْطِقُ الْعَجَمَ بِالشَّيْءِ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ، فَلَا يُنْكَرُ- إذَا
كَانَ اللَّفْظُ قِيلَ تَعَلُّمًا، أَوْ نُطِقَ بِهِ مَوْضُوعًا- أَنْ يُوَافِقَ
لِسَانَ الْعَجَمِ أَوْ بَعْضَهُ، قَلِيلٌ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ» . فَبَسَطَ
الْكَلَامَ فِيهِ.
«فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ»
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا
الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ تَعَالَى:
(خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ: ٦- ١٠٢) .
وَقَالَ تَعَالَى: (خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: ١٦- ٣ و٣٩- ٥ و٦٤- ٣) .
وَقَالَ تَعَالَى: (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ
رِزْقُها «١» الْآيَةَ: ١١- ٦) . فَهَذَا عَامٌّ لَا خَاصَّ فِيهِ، فَكُلُّ
شَيْءٍ: مِنْ سَمَاءٍ، وَأَرْضٍ، وَذِي رُوحٍ، وَشَجَرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ-
فَاَللَّهُ خَالِقُهُ. وَكُلُّ دَابَّةٍ فَعَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ
مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا، وَقَالَ ﷿: (إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ)
(١) وَمَا من دَابَّة فى الأَرْض إِلَّا على الله رزقها
وَيعلم مستقرها ومستودعها كل فى كتاب مُبين (١١- ٦) .
(أَتْقاكُمْ:
٤٩- ١٣) . وَقَالَ تَعَالَى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُوداتٍ ...)
«١»
فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «٢» الْآيَة: ٢- ١٨٣-
١٨٥) . وَقَالَ تَعَالَى:
(إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
كِتابًا مَوْقُوتًا الْآيَة: ٤- ١٠٣)» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ: «فَبَيَّنَ
فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْعُمُومَ
وَالْخُصُوصَ.
فَأَمَّا الْعُمُومُ مِنْهَا فَفِي قَوْلِهِ ﷿: (إِنَّا
خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ
لِتَعارَفُوا) . فَكُلُّ نَفْسٍ خُوطِبَ بِهَذَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ- مَخْلُوقَةٌ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَكُلُّهَا شُعُوبٌ
وَقَبَائِلُ» .
«وَالْخَاصُّ مِنْهَا فِي قَوْلِهِ ﷿: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ) .
لِأَنَّ التَّقْوَى إنَّمَا تَكُونُ عَلَى
مَنْ عَقَلَهَا وَكَانَ مِنْ أَهْلِهَا-: مِنْ الْبَالِغِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ-
دُونَ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ الدَّوَابِّ سِوَاهُمْ، وَدُونَ الْمَغْلُوبِ عَلَى
عُقُولِهِمْ مِنْهُمْ، وَالْأَطْفَالُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا عَقْلَ
التَّقْوَى مِنْهُمْ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالتَّقْوَى وَخِلَافِهَا
إلَّا مَنْ عَقَلَهَا وَكَانَ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ خَالَفَهَا فَكَانَ مِنْ
غَيْرِ أَهْلِهَا.
(١) أَيَّامًا مَعْدُوداتٍ، فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ
مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ
يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ
لَهُ، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢- ١٨٤) .
(٢)
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ
مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ،
وَمَنْ كانَ مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، يُرِيدُ
اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، وَلِتُكْمِلُوا
الْعِدَّةَ، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ، وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (٢- ١٨٥) .
وَفِي السُّنَّةِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: النَّائِمِ حَتَّى
يَسْتَيْقِظَ، وَالصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ»
.
قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: «وَهَكَذَا التَّنْزِيلُ فِي الصَّوْمِ،
وَالصَّلَاةِ عَلَى الْبَالِغِينَ الْعَاقِلِينَ دُونَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ
مِمَّنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ، وَدُونَ الْحَيْضِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ»
.
قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ
النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ
إِيمانًا، وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ الْآيَةُ: ٣- ١٧٣) .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: فَإِذَا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَاسٌ غَيْرُ مَنْ
جَمَعَ لَهُمْ مِنْ النَّاسِ، وَكَانَ المخبرون لَهُم نَاس غَيْرَ مَنْ جَمَعَ
لَهُمْ، وَغَيْرَ مَنْ مَعَهُ مِمَّنْ جُمِعَ عَلَيْهِ مَعَهُ، وَكَانَ
الْجَامِعُونَ لَهُمْ نَاسًا- فَالدَّلَالَةُ بَيِّنَةٌ. لِمَا وَصَفَتْ: مِنْ
أَنَّهُ إنَّمَا جَمَعَ لَهُمْ بَعْضُ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ
أَنْ لَمْ يَجْمَعْ لَهُمْ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَلَمْ يُخْبِرْهُمْ النَّاسُ
كُلُّهُمْ وَلَمْ يَكُونُوا هُمْ النَّاسَ كُلَّهُمْ.
وَلَكِنَّهُ لَمَّا
كَانَ اسْمُ النَّاسِ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةِ نَفَرٍ، وَعَلَى جَمِيعِ النَّاسِ،
وَعَلَى مَنْ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ وَثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ- كَانَ صَحِيحًا فِي
لِسَانِ الْعَرَبِ، أَنْ يُقَالَ: (قالَ لَهُمُ النَّاسُ) . قَالَ: وَإِنَّمَا
كَانَ الَّذِينَ قَالُوا لَهُمْ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ إنَّ النَّاسَ قَدْ
جَمَعُوا لَكُمْ، يَعْنُونَ الْمُنْصَرِفِينَ مِنْ أُحُدٍ، وَإِنَّمَا هُمْ
جَمَاعَةٌ غَيْرُ كَثِيرِينَ مِنْ النَّاسِ، جَامِعُونَ مِنْهُمْ غَيْرَ
الْمَجْمُوعِ لَهُمْ، وَالْمُخْبِرُونَ لِلْمَجْمُوعِ لَهُمْ غَيْرُ
الطَّائِفَتَيْنِ، وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ النَّاسِ فِي بُلْدَانِهِمْ غَيْرُ
الْجَامِعِينَ وَالْمَجْمُوعُ لَهُمْ وَلَا الْمُخْبِرِينَ» .
وَقَالَ
اللَّهُ ﷿: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ: ٢- ٢٤) .
فَدَلَّ كِتَابُ
اللَّهِ ﷿ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا وَقُودُهَا بَعْضُ النَّاسِ لِقَوْلِهِ ﷿:
(إِنَّ
الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ: ٢١-
١٠١)» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: «قَالَ اللَّهُ ﷿:
(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ
لَهُ وَلَدٌ: ٤- ١١)» وَذَكَرَ سَائِرَ الْآيَاتِ «١» . ثُمَّ قَالَ: «فَأَبَانَ
أَنَّ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَزْوَاجِ مِمَّا سُمِّيَ فِي الْحَالَاتِ، وَكَانَ
عَامَّ الْمَخْرَجِ. فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا
أُرِيدَ بِهَا بَعْضُ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَزْوَاجِ دُونَ بَعْضٍ وَذَلِكَ أَنْ
يَكُونَ دِينُ الْوَالِدَيْنِ، وَالْمَوْلُودِ، وَالزَّوْجَيْنِ وَاحِدًا وَلَا
يَكُونُ الْوَارِثُ مِنْهُمَا قَاتِلًا، وَلَا مَمْلُوكًا. وَقَالَ تَعَالَى:
(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ، الْآيَةُ: ٤- ١١) . فَأَبَانَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنَّ الْوَصَايَا يُقْتَصَرُ بِهَا عَلَى الثُّلُثِ،
وَلِأَهْلِ الْمِيرَاثِ الثُّلُثَانِ. وَأَبَانَ: أَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ
الْوَصَايَا وَالْمِيرَاثِ، وَأَنْ لَا وَصِيَّةَ وَلَا مِيرَاثَ حَتَّى
يَسْتَوْفِيَ أَهْلُ الدَّيْنِ دَيْنَهُمْ. وَلَوْلَا دَلَالَةُ السُّنَّةِ
(١)
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ،
فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ
كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا
السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ
وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ
فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ، آباؤُكُمْ
وَأَبْناؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٤- ١١) . وَلَكُمْ نِصْفُ مَا
تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ، فَإِنْ كانَ لَهُنَّ
وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها
أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ
وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ
بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً
أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ
فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (٤- ١٢) .
ثُمَّ إجْمَاعُ النَّاسِ-
لَمْ يَكُنْ مِيرَاثٌ إلَّا بَعْدَ وَصِيَّةٍ أَوْ دَيْنٍ، وَلَمْ تَعْدُو
الْوَصِيَّةُ أَنْ تَكُونَ مُقَدَّمَةً عَلَى الدَّيْنِ، أَوْ تَكُونَ
وَالدَّيْنُ سَوَاءً» .
وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ ﵀ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ
الْآيَةِ: آيَةَ الْوُضُوءِ، وَوُرُودَ السُّنَّةِ بِالْمَسْحِ عَلَى
الْخُفَّيْنِ، وَآيَةَ السَّرِقَةِ وَوُرُودَ السُّنَّةِ بِأَنْ لَا قَطْعَ فِي
ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ لِكَوْنِهِمَا غَيْرَ مُحْرَزَيْنِ وَأَنْ لَا يُقْطَعَ
إلَّا مَنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ.
وَآيَة الْجلد فى
الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ، وَبَيَانَ السُّنَّةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا
الْبِكْرَانِ دُونَ الثَّيِّبَيْنِ. وَآيَةَ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، وَبَيَانَ
السُّنَّةِ بِأَنَّهُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، دُونَ
سَائِرِ الْقُرْبَى. وَآيَةَ الْغَنِيمَةِ، وَبَيَانَ السُّنَّةِ بِأَنَّ
السَّلَبَ مِنْهَا لِلْقَاتِلِ. وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْصِيصٌ لِلْكِتَابِ
بِالسُّنَّةِ، وَلَوْلَا الِاسْتِدْلَال بِالسُّنَّةِ كَانَ الطُّهْرُ فِي
الْقَدَمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ لَابِسًا لِلْخُفَّيْنِ وَقَطَعْنَا كُلَّ مَنْ
لَزِمَهُ اسْمُ سَارِقٍ وَضَرَبْنَا مِائَةً كُلَّ مَنْ زَنَى وَإِنْ كَانَ
ثَيِّبًا وَأَعْطَيْنَا سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ
ﷺ قَرَابَةٌ، وَخَمَّسْنَا السَّلَبَ لِأَنَّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ.
«فَصْلٌ فِي فَرْضِ اللَّهِ ﷿ فِي كِتَابِهِ وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ
ﷺ»
أَنَا، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا
الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَضَعَ
اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَسُولَهُ ﷺ مِنْ دِينِهِ وَفَرْضِهِ وَكِتَابِهِ-
الْمَوْضِعَ الَّذِي أَبَانَ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) أَنَّهُ جَعَلَهُ عَلَمًا
لِدِينِهِ بِمَا افْتَرَضَ مِنْ طَاعَتِهِ، وَحَرَّمَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ.
وَأَبَانَ فَضِيلَتَهُ بِمَا قَرَّرَ: مِنْ الْإِيمَانِ بِرَسُولِهِ مَعَ
الْإِيمَانِ بِهِ.
فَقَالَ تبَارك وتعالي: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ:
٤- ١٣٦) . وَقَالَ تَعَالَى:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ)
(لَمْ
يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ
: ٢٤- ٦٢) . فَجَعَلَ دَلِيلَ ابْتِدَاءِ
الْإِيمَانِ- الَّذِي مَا سِوَاهُ تَبَعٌ لَهُ- الْإِيمَانَ بِاَللَّهِ ثُمَّ
بِرَسُولِهِ ﷺ. فَلَوْ آمَنَ بِهِ عَبْدٌ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِرَسُولِهِ ﷺ لَمْ
يَقَعْ عَلَيْهِ اسْمُ كَمَالِ الْإِيمَانِ أَبَدًا، حَتَّى يُؤْمِنَ بِرَسُولِهِ
﵇ مَعَهُ» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: «وَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى
النَّاسِ اتِّبَاعَ وَحْيِهِ وَسُنَنَ رَسُولِهِ ﷺ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ:
(رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ: ٢- ١٢٩) . وَقَالَ تَعَالَى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا
عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ: ٣- ١٦٤)، وَقَالَ تَعَالَى:
(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ: ٣٣-
٣٤)» . وَذَكَرَ غَيْرَهَا مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي مَعْنَاهَا.
قَالَ: «فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْكِتَابَ، وَهُوَ الْقُرْآنُ وَذَكَرَ
الْحِكْمَةَ، فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ
يَقُولُ: الْحِكْمَةُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قَالَ
(وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِأَنَّ الْقُرْآنَ ذُكِرَ وَأَتْبَعَتْهُ الْحِكْمَةُ
وَذَكَرَ اللَّهُ ﷿ مِنَّتَهُ عَلَى خَلْقِهِ بِتَعْلِيمِهِمْ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ. فَلَمْ يَجُزْ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَنْ تعد الْحِكْمَة
هَاهُنَا إلَّا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَذَلِكَ أَنَّهَا مَقْرُونَةٌ مَعَ
كِتَابِ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ،
وَحَتَّمَ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ.
فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ
لِقَوْلٍ: فَرْضٌ إلَّا لِكِتَابِ اللَّهِ، ثُمَّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى
الله
عَلَيْهِ وَسلم، مُبَيِّنَةً عَنْ اللَّهِ مَا أَرَادَ
دَلِيلًا عَلَى خَاصِّهِ وَعَامِّهِ ثُمَّ قَرَنَ الْحِكْمَةَ بِكِتَابِهِ
فَأَتْبَعَهَا إيَّاهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ غَيْرِ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» . ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ ﵀ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ
فِي فَرْضِ اللَّهِ ﷿ طَاعَةَ رَسُولِهِ ﷺ. مِنْهَا: قَوْلُهُ ﷿: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
مِنْكُمْ: ٤- ٥٩) فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أُولُو الْأَمْرِ أُمَرَاءُ
سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهَكَذَا أَخْبَرَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ
يُشْبِهُ مَا قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ-:
أَنَّ مَنْ كَانَ حَوْلَ مَكَّةَ
مِنْ الْعَرَبِ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ إمَارَةً، وَكَانَتْ تَأْنَفُ أَنْ تُعْطِيَ
بَعْضُهَا بَعْضًا طَاعَةَ الْإِمَارَةِ فَلَمَّا دَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ
بِالطَّاعَةِ، لَمْ تَكُنْ تَرَى ذَلِكَ يَصْلُحُ لِغَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
فَأُمِرُوا أَنْ يُطِيعُوا أُولِي الْأَمْرِ الَّذِينَ أَمَّرَهُمْ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ، لَا طَاعَةً مُطْلَقَةً، بَلْ طَاعَةٌ يُسْتَثْنَى فِيهَا لَهُمْ
وَعَلَيْهِمْ. قَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى
اللَّهِ: ٤- ٥٩) . يَعْنِي إنْ اخْتَلَفْتُمْ فِي شَيْءٍ، وَهَذَا إنْ شَاءَ
اللَّهُ كَمَا قَالَ فِي أُولِي الْأَمْرِ. لِأَنَّهُ يَقُولُ: (فَإِنْ
تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ يَعْنِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) هُمْ وَأُمَرَاؤُهُمْ
الَّذِينَ أُمِرُوا بِطَاعَتِهِمْ. (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)
يَعْنِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) - إلَى مَا قَالَ اللَّهُ وَالرَّسُولُ إنْ
عَرَفْتُمُوهُ وَإِنْ لَمْ تَعْرِفُوهُ سَأَلْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْهُ إذَا
وَصَلْتُمْ إلَيْهِ، أَوْ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ. لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَرْضَ الَّذِي
لَا مُنَازَعَةَ لَكُمْ فِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ ﷿: (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا
مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ)
(يَكُونَ
لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ: ٣٣- ٣٦) . وَمَنْ تَنَازَعَ مِمَّنْ- بَعُدَ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَدَّ الْأَمْرَ إلَى قَضَاءِ اللَّهِ ثُمَّ إلَى قَضَاءِ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَنَازَعُوا فِيهِ قَضَاء نصافيهما،
وَلَا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا- رَدُّوهُ قِيَاسًا عَلَى أَحَدِهِمَا.
وَقَالَ
تَعَالَى: (فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ
بَيْنَهُمْ «١» الْآيَةُ: ٤- ٦٥) . قَالَ الشَّافِعِيُّ: «نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ فِيمَا بَلَغَنَا- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- فِي رَجُلٍ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ
﵁ فِي أَرْضٍ، فَقَضَى النَّبِيُّ ﷺ بِهَا لِلزُّبَيْرِ ﵁، وَهَذَا الْقَضَاءُ
سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لَا حُكْمٌ مَنْصُوصٌ فِي الْقُرْآنِ. وَقَالَ
﷿: (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ
مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ٢٤- ٤٨) وَالْآيَاتُ بَعْدَهَا. فَأَعْلَمَ اللَّهُ
النَّاسَ أَنَّ دُعَاءَهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ،
دُعَاءٌ إلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَإِذَا سَلَّمُوا لِحُكْمِ النَّبِيِّ ﷺ،
فَإِنَّمَا سَلَّمُوا لِفَرْضٍ اللَّهِ» . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ.
قَالَ
الشَّافِعِيُّ ﵁: «وَشَهِدَ لَهُ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) بِاسْتِمْسَاكِهِ بِأَمْرِهِ
بِهِ، وَالْهُدَى فِي نَفْسِهِ وَهِدَايَةِ مَنْ اتَّبَعَهُ. فَقَالَ: (وَكَذلِكَ
أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ
وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ
عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ)
(١) فَلا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ
لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
(٤- ٩٥) .
(اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي
الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ: ٤٢ ٥٢- ٥٣-) . وَذَكَرَ
مَعَهَا غَيْرَهَا. ثُمَّ قَالَ فِي شَهَادَتِهِ لَهُ: إنَّهُ يَهْدِي إلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ. وَفِيمَا وَصَفْتُ-. مِنْ فَرْضِ
طَاعَتِهِ:- مَا أَقَامَ اللَّهُ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَى خَلْقِهِ بِالتَّسْلِيمِ
لِحُكْمِ رَسُولِهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ، فَمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيمَا
لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ حُكْمٌ- فَحُكْمُ اللَّهِ سُنَّتُهُ» . ثُمَّ ذَكَرَ
الشَّافِعِيُّ ﵀ الِاسْتِدْلَالَ بِسُنَّتِهِ عَلَى النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ
مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْفَرَائِضَ الْمَنْصُوصَةَ الَّتِي بَيَّنَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَهَا ثُمَّ ذَكَرَ الْفَرَائِضَ الْجُمَلَ الَّتِي أَبَان
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَيْفَ هِيَ وَمَوَاقِيتُهَا ثُمَّ
ذَكَرَ الْعَامَّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْعَامَّ،
وَالْعَامَّ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ ثُمَّ ذَكَرَ سُنَّتَهُ فِيمَا
لَيْسَ فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ. وَإِيرَادُ جَمِيع ذَلِك هَاهُنَا مِمَّا يَطُولُ
بِهِ الْكِتَابُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ إشَارَةٌ إلَى مَا لَمْ نَذْكُرْهُ.
«فَصْلٌ فِي تَثْبِيتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ الْكِتَابِ»
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا الرَّبِيعُ ابْن سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ
الشَّافِعِيُّ ﵀: «وَفِي كِتَابِ اللَّهِ ﷿ دَلَالَةٌ عَلَى مَا وَصَفْتُ. قَالَ
اللَّهُ ﷿: (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ: ٧١- ١) . وَقَالَ تَعَالَى:
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ: ٢٩- ١٤) . وَقَالَ ﷿:
(وَأَوْحَيْنا
إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ: ٤- ١٦٣) . وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِلى عادٍ
أَخاهُمْ هُودًا: ٧- ٦٥) . وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحًا:
٧- ٧٣) .
وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْبًا: ٧- ٨٥) .
وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ:
(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ: ٢٦- ١٦٠- ١٦٣) . وَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ
ﷺ: (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ
بَعْدِهِ ٤- ١٦٣) . وَقَالَ تَعَالَى: (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ٣- ١٤٤) .
قَالَ الشَّافِعِيُّ: «فَأَقَامَ
(جَلَّ ثَنَاؤُهُ) حُجَّتَهُ عَلَى خَلْقِهِ فِي أَنْبِيَائِهِ بِالْأَعْلَامِ
الَّتِي بَايَنُوا بِهَا خَلْقَهُ سِوَاهُمْ، وَكَانَتْ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ
شَاهَدَ أُمُورَ الْأَنْبِيَاءِ دَلَائِلُهُمْ الَّتِي بَايَنُوا بِهَا
غَيْرَهُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ- وَكَانَ الْوَاحِدُ فِي ذَلِكَ وَأَكْثَرُ
مِنْهُ سَوَاءً- تَقُومُ الْحُجَّةُ بِالْوَاحِدِ مِنْهُمْ قِيَامَهَا
بِالْأَكْثَرِ. قَالَ تَعَالَى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ
إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ
فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ، فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ:
٣٦- ١٣- ١٤) . قَالَ: فَظَاهِرُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِاثْنَيْنِ ثُمَّ
ثَالِثٍ، وَكَذَا أَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَى الْأُمَمِ بِوَاحِدٍ وَلَيْسَ
الزِّيَادَةُ فِي التَّأْكِيدِ مَانِعَةً مِنْ أَنْ تَقُومَ الْحُجَّةُ
بِالْوَاحِدِ إذَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يُبَايِنُ بِهِ الْخَلْقَ غَيْرَ
النَّبِيِّينَ. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِالْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي
الْقُرْآنِ فِي فَرْضِ اللَّهِ طَاعَةَ رَسُولِهِ ﷺ وَمَنْ بَعْدِهِ إلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ وَاحِدًا وَاحِدًا، فِي أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ طَاعَتَهُ وَلَمْ
يَكُنْ أَحَدٌ غَابَ عَنْ رُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَعْلَمُ أَمْرَ رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ، وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ) إلَّا بِالْخَبَرِ عَنْهُ» .
وَبَسَطَ
الْكَلَامَ فِيهِ.
«فَصْلٌ فِي النَّسْخِ»
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا
الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ النَّاسَ لِمَا
سَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِمَّا أَرَادَ بِخَلْقِهِمْ وَبِهِمْ، (لَا مُعَقِّبَ
لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ: ١٣- ٤١) وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ
[عَلَيْهِمْ] (تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى
لِلْمُسْلِمِينَ: ١٦- ٨٩) [وَ] فَرَضَ [فِيهِ] فَرَائِضَ أَثْبَتَهَا، وَأُخْرَى
نَسَخَهَا، رَحْمَةً لِخَلْقِهِ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ، وَبِالتَّوْسِعَةِ
عَلَيْهِمْ.
زِيَادَةً فِيمَا ابْتَدَأَهُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ،
وَأَثَابَهُمْ عَلَى الِانْتِهَاءِ إلَى مَا أَثْبَتَ عَلَيْهِمْ: جَنَّتَهُ
وَالنَّجَاةَ مِنْ عَذَابِهِ. فَعَمَّتْهُمْ رَحْمَتُهُ فِيمَا أَثْبَتَ
وَنَسَخَ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى نِعَمِهِ. وَأَبَانَ اللَّهُ لَهُمْ أَنَّهُ
إنَّمَا نَسَخَ مَا نَسَخَ مِنْ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ
[لَا نَاسِخَةً لِلْكِتَابِ] وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ لِلْكِتَابِ بِمِثْلِ مَا
نَزَلَ نَصًّا، وَمُفَسِّرَةً مَعْنَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْهُ جَمْلًا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ، قالَ
الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ
قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ
إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ
عَظِيمٍ: ١٠- ١٥) فَأَخْبَرَ اللَّهُ ﷿: أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى نَبِيِّهِ
اتِّبَاعَ مَا يُوحَى إلَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ تَبْدِيلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ
نَفْسِهِ وَفِي [قَوْلِهِ: (مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ
نَفْسِي) بَيَانُ مَا وَصَفْتُ: مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا
كِتَابُهُ كَمَا كَانَ الْمُبْتَدِئُ لِفَرْضِهِ:
فَهُوَ الْمُزِيلُ
الْمُثَبِّتُ لِمَا شَاءَ مِنْهُ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ
لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ لِذَلِكَ «١» قَالَ: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ
وَيُثْبِتُ: ١٣- ٣٩) قِيلَ يَمْحُو فَرْضَ مَا يَشَاءُ [وَيُثْبِتُ فَرْضَ مَا
يَشَاءُ] وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ
دَلَالَةٌ عَلَيْهِ: قَالَ
(١) فى الرسَالَة: (ص ١٠٧): «وَكَذَلِكَ» . وَمَا
بَين الأقواس المربعة مزِيد من الرسَالَة.
اللَّهُ ﷿: (مَا
نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها: ٢-
١٠٦) .
فَأَخْبَرَ اللَّهُ ﷿: أَنَّ نَسْخَ الْقُرْآنِ، وَتَأْخِيرَ
إنْزَالِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ. وَقَالَ:
(وَإِذا
بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما
أَنْتَ مُفْتَرٍ: ١٦- ١٠١) . وَهَكَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لَا
يَنْسَخُهَا إلَّا سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ» . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ.
قَالَ
الشَّافِعِيُّ: «وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ- فِي قَوْله تَعَالَى:
(قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) - وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ- دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ،
أَنْ يَقُولَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ بِتَوْفِيقِهِ فِيمَا لَمْ يُنْزِلْ بِهِ
كِتَابًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ» .
(أَخْبَرَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ- هُوَ: الْأَصَمُّ- أَنَا الرَّبِيعُ: أَنَّ
الشَّافِعِيَّ ﵀ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ ﵎ فِي الصَّلَاةِ: (إِنَّ الصَّلاةَ
كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا: ٤- ١٠٣) فَبَيَّنَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ عَنْ اللَّهِ ﷿ تِلْكَ الْمَوَاقِيتَ وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ
لِوَقْتِهَا، فَحُوصِرَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ
فِي وَقْتِهَا، فَأَخَّرَهَا لِلْعُذْرِ، حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ
وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀:
«أَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ الْمَقْبُرِيِّ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ [أَبِي] سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
بِهَوِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ ﷿: (وَكَفَى
اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ: ٣٣- ٢٥) . قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
بِلَالًا، فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلَّاهَا، فَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا
كَمَا كَانَ
يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ
فَصَلَّاهَا هَكَذَا ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ثُمَّ
أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ أَيْضًا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ
«١» اللَّهُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: (فَرِجالًا أَوْ رُكْبانًا: ٢- ٢٣٩) قَالَ
الشَّافِعِيُّ ﵀: «فَبَيَّنَ أَبُو سَعِيدٍ: أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ
[اللَّهُ] عَلَى النَّبِيِّ ﷺ الْآيَةَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيهَا صَلَاةُ
الْخَوْفِ [وَهِيَ] قَوْل اللَّهِ ﷿: (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ
يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةُ «٢»: ٤- ١٠١) وَقَالَ تَعَالَى:
(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ
مِنْهُمْ مَعَكَ الْآيَةُ «٣»: ٤- ١٠٢) . وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ ﵀ حَدِيثَ
صَالِحِ ابْن خَوَّاتٍ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ ﷺ صَلَاةَ الْخَوْفِ
[يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ] .
ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى مَا
وَصَفْتُ: مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إذَا سَنَّ سُنَّةً، فَأَحْدَثَ اللَّهُ
فِي تِلْكَ السُّنَّةِ نَسْخَهَا أَوْ مَخْرَجًا إلَى سَعَةٍ مِنْهَا-: سَنَّ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سُنَّةً تَقُومُ الْحُجَّةُ عَلَى النَّاسِ بِهَا، حَتَّى
يَكُونُوا إنَّمَا صَارُوا مِنْ سُنَّتِهِ إلَى سُنَّتِهِ الَّتِي بَعْدَهَا-.
قَالَ: فَنَسَخَ اللَّهُ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا فِي الْخَوْفِ إلَى
أَنْ يُصَلُّوهَا- كَمَا أَمَرَ اللَّهُ [فِي وَقْتِهَا] وَنَسَخَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ سُنَّتَهُ فِي تَأْخِيرِهَا، بِفَرْضِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ ثُمَّ
بِسُنَّتِهِ، فَصَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا كَمَا وَصَفْنَا» .
(١) فى
الرسَالَة [ص ١٨١]: «أَن ينزل» وَمَا بَين الأقواس زِيَادَة عَن الرسَالَة.
(٢)
تَمامهَا: (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا) .
(٣)
تَمامهَا: (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ
وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ
وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ
تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ
مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ
أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ
اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا) .
قَالَ
الشَّافِعِيُّ ﵀: «أَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ- أَرَاهُ عَنْ
النَّبِيِّ ﷺ فَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَقَالَ: «إنْ كَانَ خَوْفًا «١»
أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ: صَلُّوا رِجَالًا وَرُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ
وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا» . قَالَ: فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، عَلَى
مَا وَصَفْتُ. مِنْ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي الْمَكْتُوبَةِ عَلَى فَرْضِهَا
أَبَدًا، إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ إلَيْهَا،
وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُسَايَفَةِ وَالْهَرَبِ وَمَا كَانَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي
لَا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ [إلَيْهَا] وَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ فِي هَذَا أَنْ
لَا تُتْرَكَ [الصَّلَاةُ] فِي وَقْتِهَا كَيْفَ مَا أَمْكَنَتْ الْمُصَلِّي»
.
«فَصْلٌ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ ﵀ فِي إبْطَالِ الِاسْتِحْسَانِ
وَاسْتَشْهَدَ فِيهِ بِآيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ»
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنَا
الشَّافِعِيُّ ﵀ قَالَ: «حُكْمُ اللَّهِ، ثُمَّ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ
حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ- دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَنْ اسْتَأْهَلَ أَنْ
يَكُونَ حَاكِمًا أَوْ مُفْتِيًا: أَنْ يَحْكُمَ وَلَا أَنْ يُفْتِيَ إلَّا مِنْ
جِهَةِ خَبَرٍ لَازِمٍ- وَذَلِكَ:
الْكِتَابُ، ثُمَّ السُّنَّةُ.- أَوْ مَا
قَالَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، أَوْ قِيَاسٌ عَلَى بَعْضِ
هَذَا. وَلَا يَجُوزُ لَهُ: أَنْ يَحْكُمَ وَلَا يُفْتى بالاستحسان إِذْ «٢» لَمْ
يَكُنْ الِاسْتِحْسَانُ وَاجِبًا، وَلَا فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي» .
وَذَكَرَ- فِيمَا احْتَجَّ بِهِ- قَوْلُ اللَّهِ ﷿:
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ
أَنْ يُتْرَكَ سُدىً: ٧٥- ٣٦) [قَالَ] «فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ
بِالْقُرْآنِ فِيمَا عَلِمْتُ أَنَّ (السُّدَى) الَّذِي لَا يُؤْمَرُ وَلَا
يُنْهَى. وَمَنْ أَفْتَى أَو حكم بمالم يُؤْمَرْ بِهِ فَقَدْ اخْتَارَ»
لِنَفْسِهِ
أَنْ يَكُونَ فِي مَعَانِي السُّدَى- وَقَدْ أَعْلَمَهُ ﷿ أَنَّهُ لَمْ
يُتْرَكْ
(١) فى بعض نسخ الرسَالَة: «خوف» . وَلَا خلاف فى الْمَعْنى.
[.....]
(٢) فى الأَصْل: إِذا. والتصحيح من كتاب ابطال الِاسْتِحْسَان
الملحق بِالْأُمِّ [ج ٧ ص ٢٧١]
(٣) عبارَة الام.: أجَاز. وهى أوضح.
سُدًى-
وَرَأَى «١» أَنْ قَالَ أَقُولُ مَا شِئْتُ وَادَّعَى مَا نَزَلَ الْقُرْآنُ
بِخِلَافِهِ. قَالَ اللَّهُ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) لِنَبِيِّهِ ﷺ: (اتَّبِعْ مَا
أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ: ٦- ١٠٦) وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَنِ احْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ
أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ: ٥- ٤٩) ثُمَّ
جَاءَهُ قَوْمٌ، فَسَأَلُوهُ عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَغَيْرِهِمْ فَقَالَ
«أُعْلِمُكُمْ غَدًا» .
(يَعْنِي: أَسْأَلُ جِبْرِيلَ ﵇، ثُمَّ
أُعْلِمُكُمْ) . فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ
ذلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ: ١٨- ٢٣- ٢٤) . وَجَاءَتْهُ امْرَأَةُ
أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، تَشْكُو إلَيْهِ أَوْسًا، فَلَمْ يُجِبْهَا حَتَّى
نَزَلَ عَلَيْهِ: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها:
٥٨- ١) وَجَاءَهُ الْعَجْلَانِيُّ يَقْذِفُ «٢» امْرَأَتَهُ فَقَالَ: «لَمْ ينزل
فيكما» وانتظر الْوَحْيَ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ﷿ عَلَيْهِ: دعاهما، وَلَا
عَن بَيْنَهُمَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ ﷿» وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي
الِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ، فِي رَدِّ الْحُكْمِ
بِمَا اسْتَحْسَنَهُ الْإِنْسَانُ، دُونَ الْقِيَاسِ عَلَى الْكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ «٣» .