المؤلف: الإمام الشافعي؛ محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله
المحقق: أحمد مصطفى الفران
حالة الفهرسة: مفهرس فهرسة كاملة
سنة النشر: 1427 - 2006
عدد المجلدات: 3
رقم الطبعة: 1
عدد الصفحات: 1529
نبذة عن الكتاب: - أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة من جامعة القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالخرطوم - تم دمج المجلدات في ملف واحد للتسلسل تاريخ إضافته: 04 / 11 / 2008
فهرست الموضوعات
-
القسم الأول منهج الإمام الشافعي في التفسير
-
الفصل الأول: مصادر التفسير عند الإمام الشافعي
- تمهيد
- المبحث الأول: تفسيره للقرآن بالقرآن.
- براعة الشافعي في القرآن وتفسيره
- تقسيمه لألفاظ القرآن من حيث العموم والخصوص
- نماذج من تفسيره للقرآن بالقرآن
- المبحث الثاني: تفسيره للقرآن بالسنة.
- وجوه البيان في القرآن الكريم
- منزلة السنة عند الإمام الشافعي من كتاب الله
- نماذج من تفسيره للقرآن بالسنة
- المبحث الثالث: تفسيره للقرآن بالإجماع.
- المبحث الرابع: تفسيره للقرآن بالقياس.
- منزلة القياس عند الإمام الشافعي
- مناقشته لحجية القياس
- شروط القائس عند الإمام الشافعي
- رد الشافعي على من يذم الخلاف في القياس
- نماذج من تفسيره للقرآن الكريم بالقياس
- ملاحظة حول النصوص التي لا يقاس عليها
- المبحث الخامس: تفسيره للقرآن بأقوال الصحابة الكرام
- نظرة الشافعي إلى أقوال الصحابة
- رأي الشافعي في حجية أقوال الصحابة
- نماذج من تفسيره للقرآن بأقوال الصحابة
- المبحث السادس: تفسيره للقرآن بأقوال التابعين والأئمة.
- المبحث السابع: تفسيره للقرآن باللغة العربية، وأساليبها.
4. الفصل الثالث: آثار الإمام الشافعي في التفسير وخصائص تفسيره.
5. الفصل الرابع: مكانة الإمام الشافعي في التفسير، وتأسيسه القواعد مهمة في علم التفسير
العودة الي كتاب تفسير الإمام الشافعي
القسم الأول منهج الإمام الشافعي في التفسير
ويتضمن:
-
الفصل
الأول: مصادر التفسير عند الإمام الشافعي
الفصل الثاني: مواقف الإمام الشافعي في التفسير.
الفصل الثالث: آثار الإمام الشافعي في التفسير وخصائص تفسيره.
الفصل الرابع: مكانة الإمام الشافعي في التفسير، وتأسيسه القواعد مهمة في علم
التفسير
الفصل الأول مصادر التفسير عند الإمام الشافعي
تمهيد
المبحث
الأول: تفسيره للقرآن بالقرآن.
المبحث الثاني: تفسيره للقرآن بالسنة.
المبحث
الثالث: تفسيره للقرآن بالإجماع.
المبحث الرابع: تفسيره للقرآن بالقياس.
المبحث
الخامس: تفسيره للقرآن بأقوال الصحابة الكرام
المبحث السادس: تفسيره للقرآن بأقوال التابعين والأئمة.
المبحث السابع:
تفسيره للقرآن باللغة العربية، وأساليبها.
________________________________________
الفصل الأول مصادر التفسير عند الإمام
تمهيد
لا بد لكل إمام من مصادر يستند إليها في اجتهاده، وقواعد يسير عليها في
استنباط الأحكام، وتفسير النصوص الشرعية الواردة في الكتاب والسنة.
فقد
كان الفقهاء - الذين سبقوا أو عاصروا الإمام الشافعي يجتهدون في فهمهم لمعاني
وغايات النصوص الشرعية ، وما تشير إليه مقاصدها و مصادرها معتمدين على المَلَكَةِ
والسليقة من غير أن يكون بين أيديهم حدود مدونة، وقواعد يرتكز عليها في استنباطهم
للأحكام الشرعية
ولقد اختص الإمام الشافعي رحمه الله تعالى عن غيره - من
أقرانه، أو من سبقه - بأن له الفضل والسبق في وضع علم أصول الفقه، محدداً بذلك
أصول الفهم ،والاستنباط ضابطاً إياها بقواعد عامة كلية، ذكر معظمها في كتاب
الرسالة، وأكملها وكرر بعضها في بعض كتب مستقلة، وردت في الأم كـ كتاب جماع
(العلم و كتاب إبطال الاستحسان وغيرهما.
حتى إن المتتبع للأحكام الفرعية
ليجد بياناً لمسائل كلية، يمكن استخراجها من مناظراته مع الخصوم حول إقرار لحكم،
أو تفسير لنص شرعي.
ونجد أن الشافعي يقسم علم الشريعة إلى
قسمين:
أحدهما علم العامة: وهذا واجب على كل مسلم مكلف معرفته، ويسع كل عاقل
علمه، ولا يعذر أحد بجهله.
الثاني
علم الخاصة وهذا فرض كفاية، يقوم به من أوتوا علم الكتاب والسنة وأخبار الصحابة
واختلاف الناس وبقيامهم في هذا الأمر يسقط الإثم عن المجتمع الإسلامي، ويكون لهم
الفضل والأجر بما قاموا به، وهؤلاء لهم حق الاستنباط، بل يجب عليهم القيام به.
يقول
الشافعي رحمه الله في هذا التقسيم (۱) فقال لي قائل: ما العلم؟ وما يجب على الناس
في العلم؟ فقلت له: العلم علمان:
١ - علم عامة: وهذا لا بالغاً غير مغلوب
على عقله جهله. قال (أي: يسع المحاور مِثل ماذا ؟ قلت: مثل الصلوات الخمس وأن
الله على الناس صوم شهر رمضان وحج البيت إذا استطاعوه، وزكاة في أموالهم، وأنهم
حُرِّم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر وما كان في معنى هذا مما كلّف العباد
أن يعقلوه، ويعملوه، ويعطوه من أنفسهم وأموالهم، وأن يكفوا عنه، بما حُرِّم عليهم
منه، وهذا الصنف كله من العلم موجود نصاً في كتاب الله، وموجود عاماً عند
(۲)
أهل
الإسلام ينقله عوامهم عمن مضى من عوامهم، يحكونه عن رسول الله، ولا ينازعون في
حكايته، ولا وجوبه عليهم وهذا العلم هو الذي لا يمكن فيه من الخبر ولا التأويل،
ولا يجوز فيه التنازع
الغلط
ونرى أن الشافعي رحمه الله : يؤكد على أن
علم العامة، لا تلقى أحداً من المسلمين إلا وجدت علمه عنده ولا يرد فيها أحد
شيئاً على أحد فيه كما وصفت في جمل الفرائض، وعدد الصلوات وما أشبهها
(۳)
(۱)
الرسالة الفقرات / ٩٦١ - ٩٦٧ ص / ٣٥٧-٣٥٩ ، وانظر الأم ج / ٧ ص / ۳۷۸ و ۲۷۹ ،
وانظر كتاب جماع العلم ص / ٣٦ و ٣٧ ، الفقرات / ١٦٨، ١٧٤ ، وانظر الشافعي حياته
وعصره لأبي زهرة ص/ ١٦٠ و ١٦١ .
(۲) ينقله عوامهم عمن مضى من عوامهم المقصود
به الأحاديث المتواترة. (۳) انظر الأم، ج ۷، ص / ۲۷۸ ، وانظر كتاب جماع العلم ص/
٣٦، الفقرة/ ١٧٢ .
٣٦
________________________________________
قال:
فما الوجه الثاني: قلت له :
٢- علم خاصة: وهو ما ينوب العباد من فروع
الفرائض، وما يخص به من الأحكام ،وغيرها مما ليس فيه نص كتاب، ولا في أكثره نص
سنة، وإن كانت
(۱)
في شيء منه سنة فإنما هي من أخبار الخاصة (١) ، لا
أخبار العامة، وما كان منه يحتمل التأويل، ويستدرك قياساً (۲).
ونجد هنا
تقرير الشافعي لذلك بقوله: وعلم الخاصة: علم السابقين والتابعين من بعدهم إلى من
لقيت تختلف أقاويلهم وتتباين تبايناً بيناً ؛ فيما ليس فيه نص كتاب يتأولون فيه
ولم يذهبوا إلى القياس، فيحتمل القياس الاختلاف، فإذا اختلفوا فأقل ما عند
المخالف – لمن أقام عليه خلافه – أنه مخطئ، وكذلك هو عند من خالفه وليست هكذا
المنزلة الأولى.
وما قيل قياساً فأمكن في القياس أن يخطئ القياس، لم يجز
عندك أن يكون القياس إحاطة، ولا يُشهد به كله على الله، كما زعمت
(۳)
ويعلق
الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله فيقول: وعلم الخاصة هو: موضوع بحث الفقهاء، وهو
الذي يجتهد المجتهدون في استنباطه، وهو الذي يجري فيه التنازع، وهو الذي توضع له
الضوابط ؛ ليكون الاستنباط صحيحاً، ولتكون تلك الضوابط المقياس الذي يقاس به
الخطأ والصواب، وتكون الحكم بين المتنازعين والفاصل بين المختلفين
(1)
(٤)
هي
من أخبار الخاصة المقصود به أحاديث الآحاد.
(۲) يستدرك قياساً، المقصود به
يطلب إدراكه بطريق القياس وإعمال الرأي.
(۳) انظر الأم ج / ٧ ص / ٢٧٨ و ٢٧٩
، وانظر كتاب جماع العلم ص/ ٣٦و٣٧، الفقرتين/ ١٧٣ و ١٧٤ (٤) الشافعي حياته وعصره
لأبي زهرة ص/ ١٦٢
۳۷
________________________________________
كما
يعتبر الإمام الشافعي رحمه الله أن العلم خمس مراتب مرتبة متسلسلة
كما
يلي
(1)
المرتبة الأولى الكتاب والسنة إذا ثبتت؛ لأن الشافعي يضع
الكتاب والسنة إذا صحت (وهي ما نقلته عامة عن عامة في مرتبة واحدة، ويعتبرها
المبينة للكتاب والمفصلة لمجمله، ويكتفي بالقرآن إن لم يحتج لبيانها. ويضرب لذلك
مثلاً: جمل الفرائض.
المرتبة الثانية: الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة،
والمراد به إجماع العلماء الذين أوتوا علم الخاصة، ولم يقتصروا على علم العامة،
فيعتبر إجماعهم حجة على من بعدهم فيما اجتمعوا عليه، وذلك أن إجماعهم لا يكون عن
رأي؛ لأنه لو كان بالرأي لتفرقوا ولم يجتمعوا.
المرتبة الثالثة: قول بعض
أصحاب رسول الله رأياً، من غير أن يعرف أن أحداً ،خالفه فرأي الصحابة لنا خير من
رأينا لأنفسنا، إذا كان نقله من الوجه الذي يؤمن فيه الغلط.
المرتبة
الرابعة: اختلاف أصحاب رسول الله في المسألة، فيأخذ من قول بعضهم ما يراه أقرب
إلى الكتاب والسنة أو يرجحه القياس، ولا يتجاوز أقوالهم إلى غيرها.
المرتبة
الخامسة : القياس على أمر عرف حكمه بواحد من المراتب السابقة (الكتاب والسنة
والإجماع)، فيقاس على الأمر المنصوص على حكمه في
(1) الشافعي حياته وعصره /
لأبي زهرة ص/ ١٦٢ و ١٦٣ (بتصرف)، وانظر الأم، ج/ ۷ ص / ۲۷۹، وقد ذكرت بمسمى
(وجوه) غير مرتبة وانظر كتاب جماع العلم، ص / ۳۷ و ۳۸ ، الفقرات/ ١٧٨ و ١٨٥ .
۳۸
________________________________________
الكتاب،
أو السنة، أو عُرف حكمه بالإجماع، أو ثيع فيه قول بعض الصحابة من
غير مخالف،
أو قوله مع اختلاف غيره.
ويقول الشافعي رحمه الله: (١) العلم وجهان:
(الإجماع، والاختلاف) وهما موضوعان في غير هذا الموضع.
ومن جماع علم كتاب
الله: العلم بأن جميع ما أنزل في كتاب الله إنما نزل بلسان العرب وبلسانهم تكون
المعرفة بناسخ كتاب الله ومنسوخه، والفرض في تنزيله، والأدب والإرشاد والإباحة
والمعرفة
بالموضع الذي وضع الله به نبيه من الإبانة عنه، فيما أحكم فرضه
في كتاب
وبينه على لسان نبيه .
وما أراد بجمع فرائضه؟ ومن أراد أكُلَّ الخلق أو
بعضهم دون بعض)؟
وما افترض على الناس من طاعته والانتهاء إلى أمره.
ثم
معرفة ما ضرب فيها من الأمثال الدوال على طاعته المبينة لاجتناب معصية، وترك
الغفلة عن الحظ، والازدياد من نوافل الفضل.
فالواجب على العالمين أن لا
يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه ؛
لكان الإمساك أولى به، وأقرب
السلامة له - إن شاء الله من
التالية:
هذه
هي مراتب العلم وطبقاته عند الشافعي رحمه الله سنبينه في الفصول
(۱) الرسالة
الفقرات / ١٢٦ - ١٣٢ ص / ٤٠ و ٤١ ، وانظر الأم ج / ٧ ص / ٢٥٩-٢٦٥ (بتفصيل). (۲)
المقصود ما ذكر في كتاب الله مفروضاً واجباً)، وما ذكر فيه للأدب والإرشاد مباحاً
(ليس واجباً).
۳۹
________________________________________
مصادر
تفسيره - مواقفه في التفسير - آثاره في التفسير وخصائص تفسيره
- مكانته في
التفسير وتأسيسه لبعض القواعد التفسيرية وعلى الله الاتكال.
وإذا استقر أنا
تفسير الشافعي رحمه الله نجد أنه يعتمد على المصادر التالية
مرتبة كما
يلي:
١- تفسيره القرآن بالقرآن.
٢- تفسيره القرآن بالسنة المتواترة
وبأخبار الآحاد الصحيحة.
-۳- تفسيره القرآن بالإجماع ويعتبره مقدماً على
القياس. ٤- تفسيره القرآن بالقياس على ما سبق.
تفسيره القرآن بأقوال الصحابة
الكرام رضوان الله عليهم. -٦- تفسيره القرآن بأقوال التابعين والأئمة رحمهم
الله.
-
تفسيره القرآن بالأسلوب العربي واستخدام اللغة وأساليبها.
وقد أشار الإمام
الشيخ أبو زهرة رحمه الله إلى هذه الخطوات بدون ترتيب فقال (۱): (وقد سلك الشافعي
رحمه الله ذلك المسلك القويم، فهو يستعين بالاستنباط من القرآن ،بالسنة وإلا تكن
سنة بين يديه حاضرة، استعان بأقوال الصحابة في وفاقهم وخلافهم، وإن لم يكن قول
صحابي استعان بالأسلوب العربي والرأي والقياس).
وسنبين في المباحث التالية
اعتماده على هذه المصادر، وكيفية استخدامه
لها، ونذكر عينات لكل مبحث - إن
شاء الله تعالى -
(۱) انظر الشافعي حياته وعصره أبي زهرة ص/ ١٨٥
٤٠
________________________________________
مرویات
ابن جبير في التفسير من مصادر بعيدة كتفسير الإمام الطبري الذي لم ينقل إلا
مرويات قليلة من هذه المدونة التي جمعها ابن جبير لعبد الملك بن مروان
(1)
(-
قلت
بما سبق نخلص إلى القول: إن التفسير في الشام ومصر انتشر بالتدوين الرسمي - بطلب
من الدولة الإسلامية زمن الأمويين خلال القرن الأول الهجري، بل من منتصفه أي بعد
موت مروان بن الحكم، سنة/ ٦٥ هـ، وكان السبق في ذلك للتابعين الجليلين (مجاهد) بن
جبر، وسعيد بن جبير) رحمهما الله تعالى فكان تفسيرهما هو السائد حتى كان الشافعي
يعتمد على تفسير مجاهد كثيراً، وقد نقل كثيراً من مروياته في التفسير ضمن مصنفه
(الأم)، كما أنه روى عن سعيد بن جبير في التفسير من طريق عبد الملك بن الله جریج
رحمهم
(۲)
(۱) انظر مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية العدد/ ۲۷ شعبان
١٤١٦هـ
ص / ٤٢ - ٨٥
(۲) المرجع السابق.
٢٥
السنة العاشرة
________________________________________
المدخل الثاني هل سبق أحد إلى جمع تفسير الإمام الشافعي رحمه الله ؟
أشرنا في التقديم عند بيان سبب اختياري لهذا الموضوع لنيل درجة الدكتوراه
في التفسير إلى أنه لم يتقدم أحدٌ - حسب علمي -، لجمع تفسير الإمام الشافعي رحمه
الله تعالى بطريقة تفسيرية، وبعد تسجيل الموضوع وأثناء العمل تبين لي أمران
أحدهما قديم والآخر حديث، وسنتكلم عنهما، مع المناقشة العلمية فيما يلي:
الأمر
الأول: (كتاب أحكام القرآن جمعه الإمام البيهقي رحمه الله تعالى، من نصوص قام
الإمام الشافعي بتفسيرها، أخذها – كما يقول كما يقول - من كتبه وكتب أصحابه،
فجزاه الله خيراً، وقد قامت بنشره وطبعة دار الكتب العلمية في بيروت - لبنان عام
١٤٠٠هـ / ١٩٨٠م، وكتب مقدمته فضيلة الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله تعالى وكيل
المشيخة الإسلامية في الخلافة العثمانية سابقاً، كما كتب هوامشه فضيلة الشيخ عبد
الغني عبد الخالق رحمه الله تعالى، المدرس بكلية الشريعة الإسلامية في الأزهر
الشريف سابقاً.
قلت: وإذا نظرنا إلى عمله المبارك، نجد أن الإمام
البيهقي:
۱ رتب كتابه وفق العنوان الذي اختاره (أحكام القرآن)، فجاء على
أبواب الفقه وأحكامه.
۲۷
________________________________________
-۲-
لم يستوعب جميع الآيات التي فسرها الإمام الشافعي، حيث بلغ مجموع الآيات التي
وردت في الجزءين الأول والثاني بدون تكرار (٤٧٥) آية من
(٧٦ سورة).
٣-
ورود الآيات مجزأة ومتفرقة على أبواب الفقه، بحسب المسائل الفقهية. ٤- يصعب على
الباحث في تفسير الآية الواحدة تتبعها، وقد تتطلب جهداً كبيراً لجمع ما ورد
فيها.
الأمر الثاني: كتاب تفسير (الشافعي) ظهر حديثاً جمعه وحققه مجدي بن
منصور بن سيّد الشورى، واعتبره - كما قال في مقدمته – اللبنة الأولى في جمع تفسير
الإمام الشافعي، وقد قامت بنشره وطبعه كذلك دار الكتب العلمية في بيروت - لبنان
عام ١٤١٦هـ / ١٩٩٥م في مجلد واحد، يقع في مائتي صفحة من القطع العادي، وقد تفاجأت
به أثناء زيارتي لمكتبة الحرم النبوي الشريف صيف عام ١٤٢٠هـ، وفتشت عنه في مكتبات
المدينة المنورة والرياض وغيرها، فلم أجد نسخة منه، فطلبت تصويره من مدير المكتبة
في الحرم النبوي بمساعدة أحد مشرفي المكتبة (1) ، فوافق المدير مشكوراً، وحصلت
على صورة من الكتاب - فجزاهما الله خيراً -.
قلت وعندما تصفحت الكتاب، وجدت
أن جامع التفسير الأخ (الشوری) قد قام بجهد مشكور كنواة أولى لجمع تفسير الإمام
الشافعي كما ذكر في مقدمته- فجزاه الله خيراً ، ولكن تبين لي ما يلي:
(۱)
الأخ / عبد الله بن ناجي المخلافي حفظه الله.
۲۸
________________________________________
اولاً
- عمله: -۱- ذكر في أول مقدمته - التي بلغت صفحة تقريباً ، أنه اعتمد على كتب
الإمام الشافعي الثلاثة (أحكام القرآن جمعه البيهقي)، و (الرسالة
للشافعي، و
الأم إملاء الشافعي على تلاميذه).
-۲- ذكر ترجمة مختصرة للإمام الشافعي،
بحدود - ثلاث صفحات تقريباً – اتم بها مقدمته.
ابتدأ في جمع التفسير بالآية
/ ۲۰ من سورة البقرة، واختتم جمع التفسير
بالآية/ ٤ من سورة الشرح.
-٤
- مجموع السور التي نقل تفسير الشافعي لبعض آياتها (۳۷) سورة). مجموع الآيات التي
نقل تفسير الشافعي لها (٢٧٤) آية).
-٦- جعل فهرسة لأسماء السور فقط.
ثانياً - ملاحظاتنا على الكتاب (باختصار):
أ- نقد لعمل المحقق:
-
١
لم يذكر طريقة الجمع والتحقيق التي سيسير عليها في الكتاب.
-
۲
لم
يلتزم فيما ذكره في مقدمته من أنه سيعتمد على كتب الإمام الشافعي
الثلاثة،
فنجد
أولاً : لم يتناول جميع الآيات التي وردت في كتاب أحكام القرآن.
ثانياً:
لم يتناول الآيات التي وردت في كتاب الرسالة.
ثالثاً: ثم أنه لم يعزو ولا
آية واحدة إلى كتاب الأم لا في المتن ولا في الهامش. رابعاً: لم يخرج جميع
الأحاديث، إنما خرج بعضها باختصار.
۲۹
________________________________________
خامساً: كُتب الشافعي أكثر مما اعتمد عليه في نقل تفسيره
١- لا يوجد
للمحقق دور فيما نقله من أقوال الشافعي، إنما كان جامع أقوال يعزوها إلى مواضعها
في الكتب التي اعتمدها حسب ما ذكرت في فقرة ٢، وقام بعزو بعض الأحاديث بدون تخريج
إلى كتب الصحاح والسنة في الحاشية، وترك كثيراً لم يعزه ولم يُخرجه!.
-۲- لم
يستغرق جمع كل التفسير للإمام الشافعي في كتابه، حيث نجد أن للإمام الشافعي
تفسيرات أكثر من ذلك وهذا ما أشار إليه المحقق في مقدمته.
-٣- لم يجعل
خاتمة، يبين فيها نتائج عمله في جمعه لتفسير الإمام الشافعي - لم يجعل فهارس
للآيات والأشخاص والأماكن ... الخ، مما يتطلبه البحث
العلمي حالياً.
ب
- نقد على الطبعة:
-۱- أرقام الصفحات غالباً توضع في أسفل الصفحة، وفي بعض
ملازم الكتاب نجدها وضعت في الأعلى!
-۲- كثرة الأخطاء المطبعية غير المصححة،
حتى في الآيات، وبعض الأحاديث !؟ .
- الطبعة تجارية في التحقيق والإخراج،
والعمل (الأكاديمي)
...
بعد هذه المناقشة نجد أننا ما زلنا بحاجة ماسة
إلى جمع تفسير للإمام الشافعي، يكون متكاملاً، وأسأل الله أن يوفقني، ويعينني على
ذلك، فإن أصبت فبفضل الله ورحمته، وإن قصرت أو أخطأت فمني ومن الشيطان - أعوذ
بالله منه ومن أعوانه - والله الهادي إلى سواء السبيل، وعليه الاتكال، وهو حسبي
ونعم الوكيل
************
المبحث الأول تفسير الإمام الشافعي للقرآن بالقرآن
أولاً : براعة الشافعي رحمه الله في القرآن وتفسيره:
حفظ الشافعي
القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، ثم تابع تلقيه للعلوم الشرعية عن علماء المسجد
الحرام، وأغلب نزعة هؤلاء الشيوخ، يتجه إلى الاهتمام بالقرآن الكريم وفهم تفسيره،
فهم تلاميذ ابن عباس رضي الله عنهما، وأتباع مدرسته.
ثم نراه حفظ السنة التي
وجدها عند علماء بلده، انتقل بعدها إلى البادية فحفظ أشعار قبيلة هذيل، بل بقي
عندهم مصاحباً لهم في حلهم وترحالهم، حتى أصبح شاباً يافعاً.
ثم رجع إلى مكة
المكرمة، وقد حاز على مَلكة لغوية جعلته أفصح عصره،
ولولا اتجاهه إلى الفقه
لكان من أنبغ أدباء اللغة العربية وشعرائها وكتابها. يقول المبرد: (رحم الله
الشافعي فإنه كان من أشعر الناس، وآدب الناس،
وأعرفهم بالقرآن) (۱).
ونحب
أن نشير أن براعة الشافعي رحمه الله بالفقه والاستنباط والتفسير ظهرت مبكرة.
(۱)
توالي التأسيس لابن حجر ص/ ١٠٤
٤١
________________________________________
حتى
إن شيخه ابن عيينة رحمه الله : كان إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا،
التفت
إلى الشافعي وقال: (سَلُوا هذا)
(1)
لقد بلغ الشافعي رحمه الله بحفظه
لكتاب الله واهتمامه به، ثم معرفته بعلومه، واستنباط أحكامه، وفهم مقاصده شأواً
عظيماً لا يجارى، شهد له به القريب والبعيد.
فهذا يونس بن الأعلى يقول : كنت
أولاً أجالس أصحاب التفسير،
وأناظر عليه، وكان الشافعي إذا أخذ في التفسير،
كأنه شهد التنزيل) (۳) . ولننظر إلى شهادة إمام أهل الظاهر (داود) نقلاً عن ابن
راهويه رحمهما الله تعالى، إذ يقول : (ذهبت أنا وأحمد بن حنبل رحمه الله إلى
الشافعي بمكة، فسألته عن أشياء فوجدته فصيحاً، حسن الأدب، فلما فارقناه أعلمني
جماعة من أهل القرآن أنه كان أعلم الناس في زمانه بمعاني القرآن، وأنه قد أوتي
فيه فهماً لو كنتُ عرفته للزمته). قال :داود ورأيتُه يتأسف على ما فاته منه
(۳)
ونضيف
شهادة الإمام أحمد - في الشافعي - رحمهما الله: فقد روى الفضيل البزار عن الإمام
أحمد :قوله : (ما رأيت أحداً أفقه في كتاب الله ل من
هذا الفتى القرشي)
(٤)
(۱)
توالي التأسيس لابن حجر ص/٧٦
(۲) توالي التأسيس لابن حجر ص / ۸۹ ، وانظر
مناقب الشافعي لابن كثير تحقيق د/ ملا
خاطر ص/ ١٦٩
(۳) توالي التأسيس/
لابن حجر ص/٩٠
(٤) الجرح والتعديل للرازي ج/ ٧ ص / ٢٠٣ و ٢٠٤
٤٢
________________________________________
ولنقرأ
قول الشافعي رحمه الله في اعتباره أن كل ما أنزله الله في كتابه هو :
(رحمة
وحجة، عَلِمَهُ من عَلِمَه وجَهِلَهُ من جهله، لا يَعْلَمُ من جهله، ولا
يَجْهَلُ
من عَلِمَه)
(1)
وانظر إلى دعائه في مقدمة الرسالة عند
حديثه عن القرآن قوله: نسأل الله جل ثناؤه.... أن يرزقنا فهماً في كتابه، ثم سنة
نبيه، وقولاً وعملاً يؤدّي به عنا
حقه، ويوجب لنا نافلة مزيده
(۲)
بل
نراه يقول جازماً فليست تنزل بأحدٍ من أهل دين الله نازلة ؛ إلا وفي
كتاب
الله الدليل على سبيل الهدى فيها.
وإذا تصفحنا كتاب الرسالة للإمام الشافعي
رحمه الله نجد أن القرآن محورها
وحجتها إلى يوم
الدین
(۳)
ثانياً:
تقسيمه لألفاظ القرآن من حيث العموم والخصوص:
يقسم الشافعي ألفاظ القرآن
الكريم لفهم مراد الله فيه، إلى عامة وخاصة ،
وأن الألفاظ العامة الواردة في
كتاب الله ل تقسم إلى أربعة أقسام هي: القسم الأول: عام ظاهر يراد به العام
الظاهر ، فيدخل في مفهومه كل ما
يشمله اللفظ، ويمثل لذلك بقول الله
تعالى:
- ( اللَّهُ خَلِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
) [الزمر: ٦٢] الآية.
(۱) الرسالة الفقرة ٤٣، ص/ ١٩ (٢) الرسالة الفقرة /
٤٧، ص / ١٩ و ٢٠.
(۳) الرسالة الفقرة/ ٤٨، ص / ٢٠.
٤٣
________________________________________
ب
وقوله تعالى : ( خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ...) [إبراهيم: ۳۲] الآية.
ج-
وقوله تعالى : ( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا
﴾ [هود: ٦] الآية،
ولهذا نظائر في القرآن الكريم.
فالشافعي رحمه الله
يفسر هذه الآيات بعمومها فيقول: كل شيء من سماء وأرض، وذي روح وشجر وغير ذلك
فالله خالقه، وكل دابة فعلى الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها
(1)
القسم
الثاني : عام ظاهر يراد به العام ويدخله الخصوص: ويضرب لذلك
أمثلة منها:
-
-أ
قول الله تعالى : ( مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْهُم مِّنَ
الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا
بِأَنفُسِهِمْ عَن نَفْسِهِ ﴾ [التوبة: ١٢٠] الآية، ففي هذه الآية خصوص هو أولى
بالخطاب، وأحق باللوم.
فالجهاد على من أطاق الجهاد من الرجال فرض كفاية، حتى
يسقط الإثم عن المجتمع كله، فدَفْعُ الظلم واجب على جميع القادرين على دفعه، فإن
دَفَعَ بعضُهم كان له الفضل، وسقط الإثم عن غيره.
ب وقال عز شأنه (
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا )
[النساء: ٧٥] الآية،
(۱) الرسالة الفقرتان ۱۷۹ و ١٨٠ ص / ٥٤,٥٣
٤٤
________________________________________
ففي
هذه الآية ،خصوص، لأن كل أهل القرية لم يكن ظالماً، ولكن الظالمين كثرة، وغير
الظالمين قلة.
ج- وهكذا قول الله : ( حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ
اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيفُوهُمَا ( [الكهف: ٧٧] الآية، ففيها
خصوص على أنهما - أي: موسى والخضر عليهما السلام - لم يستطعما كل أهل القرية، وقس
على ذلك مما ورد كثير في القرآن الكريم
(1)
القسم الثالث: عام الظاهر
وهو يجمع العام والخصوص (٢)، ويمثل له: 1- قول الله تبارك وتعالى: ( إِنَّا
خَلَقْنَكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْتَكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَىكُمْ ) [الحجرات: ١٣]
الآية، قال الشافعي رحمه الله: فبين في كتاب الله أن في هذه الآية العموم
والخصوص، فأما العموم منها، ففي قول الله تبارك وتعالى: ( إِنَّا خَلَقْتَكُم
مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَكُمْ شُعُوبًا وَقَبَابِلَ لِتَعَارَفُوا )
الآية، فكل نفس خوطبت بهذا في زمان
رسول الله ، وقبله ،وبعده مخلوقة من ذكر
وأنثى، وكلها شعوب وقبائل. والخاص منها في قول الله: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ
اللَّهِ أَتْقَنَكُمْ ) الآية ؛ لأن التقوى إنما تكون على من عقلها وكان من أهلها
البالغين من بني آدم، دون
(۱) انظر الرسالة الفقرات/ ۱۸۱ - ۱۸۷ ص / ٥٥,٥٤
(۲) استخدم المصدر (الخصوص) في معنى اسم الفاعل هنا، وقد ورد في كل النسخ
المطبوعة - غير هذه الطبعة - والخاص وهو مخالف للأصل المخطوط، وانظر الرسالة ص/
٥٦ (الهامش)
رقم/
w
٤٥
________________________________________
المخلوقين
من الدواب سواهم ودون المغلوبين على عقولهم منهم، والأطفال
الذين لم يبلغوا
وعُقِل التقوى منهم.
فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا مَنْ عقلها وكان
من أهلها، أو خالفها فكان من غير أهلها.
وقال الله تبارك وتعالى: ( كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
ج
الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا
أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: ١٨٣ - ١٨٤]
الآيتان.
الآية.
ج- وقال: (إِنَّ الصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ كِتَبًا مَّوْقُونًا ﴾ [النساء: ١٠٣]
وهكذا التنزيل في الصوم
والصلاة عموم وخصوص، فيجبان على البالغين العاقلين دون من لم يبلغ ممن غُلِبَ على
عقله، ودون الحيض في أيام
حيضهن(١).
القسم الرابع عام الظاهر يراد به
كله الخاص، فالمراد من لفظه العام تخصيصه ببعض أفراده أو أجزائه، فكأن العام وضع
موضع الخاص، ونضرب
أمثلة على ذلك:
(۱) انظر الرسالة الفقرات / ١٨٨ -
١٩٤ والفقرة / ١٩٦ ص / ٥٦-٥٨
٤٦
________________________________________
1-
وقال الله تبارك وتعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ
جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَنًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) [آل عمران: ١٧٣] الآية.
قال الشافعي رحمه الله فإذا
كان من مع رسول الله ناساً غير من جمع لهم : من الناس، وكان المخبرون لهم ناساً
غير من جُمِعَ لهم، وغير من معه من جمع عليه معه، وكان الجامعون لهم ناساً:
فالدلالة بينة مما وصفت من أنه جمع لهم بعض الناس دون بعض، والعلم يحيط إن لم
يجمع لهم الناس كلهم، ولم يخبرهم الناس كلهم، ولم يكونوا هم الناس كلهم، ولكن لما
كان اسم (الناس) يقع على ثلاثة نفر وعلى جميع الناس، وعلى من بين جميعهم ثلاثة
منهم، صحيحاً في لسان العرب أن يقال: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ) وإنما
الذين قال لهم ذلك أربعة نفر : ( إنّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ... ) يعنون
المنصرفين عن أحد.
،
ج
كان
ب وقال: ( يَتَأَيُّهَا النَّاسُ
ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ لَن تَخلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُهُمُ
الذِّبَابُ شَيْئًا
لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ
وَالْمَطْلُوبُ ) [الحج: ۷۳] الآية.
قال الشافعي رحمه الله: فخرج اللفظ
العام على الناس كلهم، وبين عند أهل العلم بلسان العرب منهم، أنه إنما يراد بهذا
اللفظ العام المخرج بعض الناس دون بعض؛ لأنه لا يخاطب بهذا إلا من يدعو من دون
الله إلها - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ، لأن فيهم من المؤمنين
المغلوبين على عقولهم، وغير البالغين ممن لا يدعو معه إلهاً.
٤٧
________________________________________
ج
قال الله تبارك وتعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ )
[البقرة:
١٩٩] الآية.
قال الشافعي رحمه الله: فالعلم يحيط - إن شاء
الله - أن الناس كلهم لم يحضروا عرفة في زمان رسول الله ، ورسول الله المخاطب
بهذا ومن معه، ولكن صحيحاً من كلام العرب أن يقال: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ
أَفَاضَ النَّاسُ ) يعني: بعض الناس.
د وقال الله جل ثناؤه : ( وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) [البقرة: ٢٤] و [التحريم: ٦] الآية، فدل كتاب الله على
أنه إنما أراد وقودها بعض الناس، لقول الله: ( إِنَّ
(۱)
الَّذِينَ
سَبَقَتْ لَهُم مِّنَا الْحُسْنَى أُولَبِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) [الأنبياء:
١٠١] الآية (١).
ثالثاً: نماذج من تفسيره القرآن بالقرآن:
إضافة لما
سبق يتضح لنا أن الشافعي كان من أوائل من قسم دلالة اللفظ العام الوارد في كتاب
الله ، بل جعل فهم النص أساس في تطبيق مراد الله تعالى منه فنراه في تفسيره أول
من ينظر في كتاب الله تعالى، فإذا ورد ما يبين العام أو يخصصه، أو يقيد المطلق أو
يصرفه إلى أمر خاص التزم به.
كما نجد أنه يربط في تفسيره الآية مع ما
تماثلها أو تكملها وتوضح معناها،
وهذا واضح جداً في أثناء تفسيره رحمه الله
ولنضرب على ذلك أمثلة منها:
(۱) قلت وقد قسم الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله
هذه الأقسام إلى ثلاثة، ولكن المتتبع لما ورد في الرسالة يجد أنها أربع فقد وضع
الشافعي القسم الأول والثاني من العموم تحت عنوان واحد، وربما كان هذا هو السبب
في تقسيم أبو زهرة العام إلى ثلاثة أقسام وليست أربعة انظر الشافعي حياته وعصره
ص/ ۱۷۱ - ۱۷۵ انظر الرسالة الفقرات / ١٩٧-٢٠٠، ص / ٥٨ - ٦٠ ، والفقرات / ٢٠٢ و
٢٠٣ و ٢٠٥، ص / ٦٠ و ٦١ ، والفقرة/ ٢٧٠، ص / ٦٢ .
٤٨
________________________________________
-أ-
رَبْطُ الإمام الشافعي رحمه الله لتفسير قول الله : ( وَلَا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَتُ )
[آل عمران: ١٠٥] الآية، بقول الله : وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ
إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) [البينة: ٤] الآية.
يقول
الإمام الشافعي رحمه الله : فإنما ذم الله الاختلاف بالموضع الذي أقام عليهم
الحجة، ولم يأذن لهم فيه
(1)
ب يقرر في قبول شهادة الشاهد وجوب العدل
فنراه يقيد المطلق في قوله - تعالى: ﴿ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ... )
[البقرة: ۲۸۲] الآية، بقول الله :
ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾ [الطلاق: ٢]
الآية.
فيقول : أفرأيت حاكمين شهد عندهما شاهدان بأعيانهما فكانا عند أحد
الحكمين ،عدلين وعند الآخر غير عدلين؟
قال - أي المحاور - فعلى الذي عنده
عدلان أن يجيزهما، وعلى الآخر الذي هو عنده غير عدلين أن يردهما . قلت له: فهذا
الاختلاف
(۲)
بل نجده يعتبر أن العدالة أصل في الشهود، سواء ذكر ذلك أم
لم يذكر، فلا بد من العدالة حتى تقبل شهادة الشهود
(۳)
ج - نجد أنه
يصرف آيات النفير في الجهاد على حكم فرض الكفاية بقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ
الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةٌ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ
مِّنْهُمْ
(۱) انظر كتاب جماع العلم ص / ٦٩ ، الأرقام / ٤٣٤ - ٤٣٧ . (۲)
انظر كتاب جماع العلم ص / ٧٠ الأرقام / ٤٤١ - ٤٤٣ .
(۳۰) انظر تفسير الآية /
۲۸۲ من سورة البقرة والآية/ ٢ من سورة الطلاق.
٤٩
________________________________________
طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ
لَعَلَّهُمْ تَحْذَرُونَ ) [التوبة: ١٢٢] الآية.
يقول الشافعي رحمه الله :
فأخبر - سبحانه وتعالى – أن النفير على بعض دون بعض، وأن التفقه إنما هو على بعض
دون بعض وهذا كل ما كان الفرض مقصوداً فيه قصد الكفاية فيما ينوب فإذا قام به من
المسلمين من فيه الكفاية خرج من تخلف عن المأثم، ولو ضيّعوه معاً خِفْتُ أن لا
يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم، بل لا أشك إن شاء الله.
بل نراه يربط
هذا الحكم بآية ثالثة بقوله : ولو ضيعوه - أي: فرض الجهاد كفاية - خِفْتُ أن لا
يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم، بل لا أشك إن شاء الله لقوله : ( إِلَّا
تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) [التوبة: ٣٩] الآية.
وأمثال
ذلك كثير في تفسير الإمام الشافعي لمن أراد الاستزادة من قوة فهمه، وسعة علمه
بكتاب الله تعالى حيث ربط الآيات ببعضها سواء كانت توضيحاً لمجمل، أم تخصيصاً
لمطلق، أم تقييداً لحكم، أو تفسيراً للفظ، وما ذكرناه
نماذج يمكن أن تجد
كثيراً منها في أثناء تفسيره رحمه الله تعالى.
________________________________________
المبحث الثاني تفسير الإمام الشافعي للقرآن بالسنة النبوية
يعتبر الإمام الشافعي رحمه الله أن الكتاب والسنة مرتبة واحدة، بل مصدر
وحيد لهذه الشريعة وغيرها من مصادر التشريع محمول عليهما، ومقتبس من هديهما، وهذه
المصادر مهما تنوعت فإنها ترجع إلى أصل واحد يتكون من شعبتين هما القرآن
الكريم والسنة، فكلاهما في نظر الشافعي من الله، فالنبي موصوف في القرآن الكريم
بأنه: ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ أَلهْوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْى
يُوحَى )
[النجم: ٣-٤] الآيتان وما السنة إلا ملحقة بالكتاب، وكلاهما يتممان شرعاً
واحداً.
يقول الشافعي رحمه الله في باب البيان الرابع) (۱) :
(البيان في
الفرائض المنصوصة في كتاب الله من أحد هذه الوجوه)
غيره
الوجه الأول
(۲) ما أتى الكتاب على غاية البيان منه، فلم يحتج منه إلى
(۳)
(۱)
الرسالة الفقرات / ۹۷ - ۱۰۳ ص ۳۲ و ۳۳ (۲) ترتيب الوجوه بـ الأول الثاني
الثالث
مني لزيادة الإيضاح.
(۳) سنذكر الآيات مع بيانها تحت فقرة نماذج
من تفسير الشافعي للقرآن بالسنة في هذا البحث
لاحقاً.
۰۱
________________________________________
.(1)
قلت
:(۱) مثل بيان القرآن لكيفية اللعان فلا يحتاج معه إلى بيان، وفريضة صوم شهر
رمضان، فلا يحتاج إلى تحديد نوع الشهر، لكن السنة زادت في اللعان التفريق بين
الزوجين بعد الملاعنة، وعدم ثبوت نسب الولد باللعان
الله
(۲)
الوجه
الثاني: ما أتى على غاية البيان في فرضه وافترض طاعة رسوله، فيين رسول الله كيف
فرضه؟ وعلى من فرضه؟ ومتى يزول بعضه ويثبت ويجب؟
عن
قلت: وهذا
نوعان:
أ ترجيح أحد الاحتمالين بدلالة السنة عندما اعتبرت أن زواج المطلقة -
ثلاثاً من آخر غير زوجها، لا يكفي العقد بل يجب الدخول لورود حديث: حتى تذوقي
عسيلته ويذوق عسيلتك الحديث.
(۴)
ب تفصيل السنة لمجمل القرآن كأكثر
الفرائض من صلاة وصيام، وزكاة وغيرها.
الوجه الثالث ما يبينه عن سنه ،نبیه
بلا نص ،کتاب قلت مثل حرمان
الوارث الكافر أو القاتل الوارث، من الميراث
الوارد بآية المواريث العامة. وكل شيء منها في كتاب الله - أي (٤) كل شيء من
السنة - إنما هو بيان لشرع الله في كتابه، فإنه هو المبين عن ربه، والمأمور
بإقامة دينه، كما قال تعالى : ( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزَلَ إِلَيْهِمْ )
[النحل: ٤٤] الآية.
(۱) والتعليق على الوجوه (بقلت) مني لزيادة الإيضاح بضرب
الأمثلة المستوحاة من مجمل تفسير الإمام الشافعي رحمه الله.
(۲) الرسالة
الفقرات / ٤٢١ - ٤٣٨ ص / ١٤٧-١٥٠ .
(۳) انظر الرسالة الفقرات / ٤٤١ - ٤٤٧ ص
/ ١٥٩-١٦١ والحديث صحيح، انظر شفاء العي بتحقيق مسند الشافعي ج ۲ ص / ۷۰، برقم/
١١١ .
(٤) ما بين الشرطتين منقول عن الرسالة حاشية الفقرة/ ١٠١ ص ٣٣.
٥٢
________________________________________
فكل
من قبل عن الله فرائضه في كتابه، قبلَ عن رسول الله سننه، بفرض الله طاعة رسوله
على خلقه، وأن ينتهوا إلى حكمه، ومَن قبل عن رسول الله فعن الله قبل لما افترض
الله من طاعته.
فيجمع القبول لما في كتاب الله ولسنة رسول الله القبول لكل
واحد منهما الله، وإن تفرعت فروع الأسباب التي قبل بها عنهما، كما أحل وحرم،
وفَرَضَ وحَدَّ بأسباب متفرقة، كما شاء جل ثناؤه: ( لَا يُسْتَلُ عَمَّا يَفْعَلُ
وَهُمْ
عن
يُسْتَلُونَ ) [الأنبياء: ۲۳] الآية.
ويستخلص الإمام
الشيخ أبي زهرة رحمه الله طريقة الشافعي في بيانه
للقرآن قائلاً (۱) : إنه
يتجه أولاً :
إلى فهم القرآن من القرآن ،وبالقرآن فما يكون من الأحكام
مبيناً في القرآن نصاً في موضوع واحد، أو في مواضع متفرقة، فبالقرآن وحده ثبت
الحكم، كما رأيت في الصوم واللعان.
.(۲)
ثم يكمل فيقول وإذا لزم أن
يكون مع القرآن بيان، وهو لا بد من السنة؛ لأن السنة ما اشتمل عليه كُلِي يلزم أن
يكون ثمة بيان
ذلك كان هو بجواره، فالسنة هي التي بينت جزئيات الشرع،
والقرآن بيان كلياته، فالصلاة، والزكاة والحج، والجهاد، والصوم، وكل ذلك أوجه
القرآن، والسنة بينته.
أولاً : منزلة السنة المطهرة عند الشافعي من كتاب
الله تعالى
فالشافعي إذ استعان بالسنة في استنباط أحكام القرآن فقد استعان
بالمصدر
الأول لتفسيره.
(1) الشافعي حياته وعصره / لأبي زهرة ص/ ١٨٤
(۲) الشافعي حياته وعصره لأبي زهرة ص/ ١٨٥
۰۳
________________________________________
يقول
الشافعي رحمه الله:
-
أحداً . لم أسمع نسبه الناس أو نسب نفسه إلى
علم
- يخالف في أنَّ فَرْضَ الله م اتباع أمر رسول الله ، والتسليم لحكمه ؛ بأن الله
لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه وأنه لا يلزم قول بكل حال: إلا
بكتاب الله أو
سنة رسوله ، وأن ما سواهما تبع لهما. وأن فرض الله علينا، وعلى من بعدنا، وقبلنا
في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
من هذا ومما سبق،
يتضح لنا أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يعتبر منزلة
السنة النبوية من
القرآن الكريم ترد على خمسة أقسام :
-
١ مبينة لمجمله، مفصلة لإيجازه،
موضحة لكيفية تطبيق النص القرآني. مبينة للعام الذي أراد به الله تعالى العموم
والعام الذي أراد به سبحانه وتعالى الخصوص.
- مزيدة على النص القرآني فيما
ثبت فرضه بالنص.
آتية بحكم ليس في القرآن نص عليه، ولا يعتبر ذلك زيادة على
النص
القرآني.
ه - دالة على الناسخ والمنسوخ
وسنوضح ذلك بالفقرة
التالية، مع ضرب الأمثلة على ما سبق إجماله من
هذه الأقسام الخمسة:
ثانياً
: نماذج لتفسيره القرآن بالسنة النبوية:
القسم الأول: بيان المجمل التي
فصلته السنة، وفسرت إيجازه، ما نراه في
تفسير الآيات التالية:
(۱) انظر
کتاب جماع العلم ص / ٧ و٨
________________________________________
-أ-
قال الله تعالى في الصلاة : ( إِنَّ الصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
كِتَبًا موْقُونًا ) [النساء: ١٠٣] الآية.
يقول الشافعي رحمه الله تعالى:
فبين رسول الله له عن الله تلك المواقيت، وصلى الصلوات بوقتها، وأخبر رسول الله
له أن عدد الصلوات المفروضات خمس وأخبر أن عدد الظهر والعصر والعشاء في الحضر
أربع، وعدد المغرب ثلاث، وعدد الصبح ركعتان...
إلى غير ذلك مما يتعلق
بالصلاة من أحكام في الحضر والسفر، سواء كانت فريضة أو سنة (مؤكدة أو مستحبة)
(1)
ب
ومثل الصلاة تطبيق أحكام الزكاة الواردة بعموم لفظ الله تعالى:
(۲)
(
وَأَقِيمُوا الصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ الزَّكَوةَ ) [البقرة: ٤٣ ، ۸۳، ۱۱۰] (٢)
الآية .
فوضحت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية أحكام الزكاة، وما
تجب فيه الزكاة، وما
مقدارها، وما لا تجب فيه الزكاة؟ (۳).
ج وفرض الله
الحج على من يجد السبيل قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ ججُ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) [آل عمران: ٩٧] الآية، فذكر عن النبي صلى
الله عليه وسلم أن
السبيل: الزاد والمركب. ثم بين كيفية أداء الحج
وأعماله
(۱) انظر الرسالة الفقرات / ٤٨٦ - ٤٩٦ ص / ١٧٦-١٧٨ . (۲) وردت كذلك
في سور أخرى من القرآن الكريم. (۳) انظر الرسالة الفقرات / ٥١٧-٥٣٤ ص / ١٨٦-١٩٦.
(٤) انظر الرسالة الفقرات / ٥٣٥ - ٥٤١ ص / ١٩٧-١٩٩.
(٤)
________________________________________
وقس
على ذلك الفرائض المجملة التي ذكرت في القرآن الكريم، وتكفلت السنة ببيانها
وتفصيل أحكامها، وأوجب علينا ربنا اتباع رسوله ، المبين عن الله مراده في كتابه
الكريم.
(1)
القسم الثاني: بيان العام الذي أراد به الله تعالى العموم
والعام الذي أراد سبحانه وتعالى الخصوص، أي: خصصته السنة النبوية وإن ورد في
القرآن عاماً، وهذا نجده في تفسير الشافعي بمواضع عدة منها:
أ- قال الله
تعالى : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) [المائدة:
۳۸] الآية.
استدللنا
يقول الشافعي رحمه الله : فلو صرنا إلى ظاهر
القرآن، قطعنا كل من لزمه اسم (سرقة)، ولما قطع النبي في ربع دينار، ولم يقطع في
أقل منه ، على أن الله إنما أراد بالقطع بعض السرّاق دون بعض ؛ لأنه – – لا يدرأ
القطع عن بعض السراق والفرض عليه القطع.
ب وقال سبحانه وتعالى : (
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ
﴾ [النور: ٢] الآية.
يقول الشافعي رحمه الله: فلو صرنا إلى ظاهر القرآن
كذلك، ضربنا كل من لزمه اسم (زنى) مائة جلدة!، ولما رجم رسول الله الحرين الثيبين
ولم ،يجلدهما، استدللنا أن الله إنما أراد بالجلد بعض الزناة دون بعض ؛ ؛ لأنه -
- لا يدرأ جلد المائة عن بعض الزناة والفرض عليه الجلد.
(۱) قلت: سبق بيان
ذلك في البحث السابق عند بيان العام في القرآن الكريم وجاءت السنة تبين أنه أريد
به العام، مثل: أن الله خالق كل شيء الآية، وبينت السنة مؤكدة ذلك في أحاديث
النبي الواردة بهذا الخصوص...
________________________________________
ج-
وقال عز ذكره: ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) [المائدة: ٦] الآية.
يقول الشافعي
رحمه الله : فلما مسح رسول الله على الخفين، استدللنا على أن فرض الله غسل
القدمين، إنما هو على بعض المتوضئين دون بعض، وأن المسح لمن أدخل رجليه في الخفين
بكمال الطهارة، استدلالاً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه - - لا يمسح
والفرض عليه غسل القدمين!(۱).
3
القسم الثالث ما ورد في السنة مزيدة
على النص القرآني فيما ثبت فرضه فنراه - وأشباه لها كثيرة في تفسير الشافعي رحمه
الله - في الأمثلة التالية: 1- قال الله تعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهَتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمْتُكُمْ وَخَلَتُكُمْ
وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ ) إلى قوله: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلِيمًا
حَكِيمًا ) [النساء: ٢٣-٢٤] الآيتان.
يقول الشافعي رحمه الله:
فاحتملت الآية معنيين:
أحدهما: أن ما سمّى الله من النساء محرماً محرم، وما
سكت عنه حلال بالصمت عنه، وبقول الله: ( وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَلِكُمْ )
[النساء: ٢٤] الآية، وكان هذا المعنى هو الظاهر من الآية، فكان ما سمّى حلالاً
حلال، وما سمّى
حراماً حرام.
(۱) انظر کتاب جماع العلم ص / ۸۷-۸۸
۰۷
________________________________________
وثانيهما
(1):
أن تحريم الجمع بين الأختين كما نهى عنه الله سبحانه وتعالى غير تحريم الأمهات،
فالحل مقيد بشروط النكاح، وكان في نهيه عن الجمع
بينهما دليل على أنه إنما
حرم الجمع....
(۲)
فجاءت السنة فزادت تحريم جمع الزوجة مع عمتها أو
خالتها (۳)،
النهي عن تحريم الجمع بين الأختين.
مثل
ب- وفي قول
الله تعالى : ( وَأُمَّهَتُكُمُ الَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ
الرَّضَعَةِ ﴾ [النساء: ۲۳] الآية، ففيها دليل تحريم الأم والأخت من الرضاع،
وجاءت السنة فعمَّمت وزادت على النص أن كل ما حرم من النساء بالنسب فهو حرام من
جهة الرضاع.
ج- وقال الله لنبيه : ( قُل لَّا أَجِدُ في مَا أُوحِيَ إِلَى
مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا
مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْتُ أَوْ
فِسْقًا أُهِلَّ
لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ [الأنعام: ١٤٥] الآية.
يقول الشافعي رحمه الله :
فاحتملت الآية معنيين:
(۱) لفظ ثانيهما مني لأن الشافعي لم يشر في الرسالة
إلى المعنى الثاني، والأظهر أنه هنا - والله
أعلم -
(۲) الرسالة
الفقرات / ٥٤٦ - ٥٤٩ ص / ٢٠١ و ٢٠٢
(۳) إشارة إلى حديث أبي هريرة المرفوع أن
النبي قال: لا يُجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها ( الحديث، قال
الشافعي رحمه الله وبهذا نأخذ، ولم أعلم مخالفاً في اتباعه انظر الرسالة الفقرة /
٦٢٨ ص / ٢٢٧ المتن والهامش)، والحديث رواه أحمد وأصحاب الكتب
الستة.
ол
________________________________________
أحدهما:
أن لا يحرم على طاعم أبداً إلا ما استثنى الله .
ثانيهما: (١) في قول الله:
( قُل لَّا أَجِدُ في مَا أُوحِيَ إِلَى مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ
يَطْعَمُهُ
) الآية، احتمالان
الاحتمال الأول: أي من شيء سئل عنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم دون غيره. الاحتمال الثاني: أو مما كنتم تأكلون، وهذا أولى معانيه،
استدلالاً بالسنة عليه دون غيره
أخبرنا سفيان عن ابن شهاب، عن أبي إدريس
الخولاني، عن أبي ثعلبة
أن النبي «نهى عن كل ذي ناب من السباع) (۲) الحديث.
وأخبرنا مالك، عن إسماعيل بن أبي حكم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي، عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكل كل ذي ناب من السباع حرام الحديث.
(۳)
وبذلك
نرى أن السنة ذكرت زيادة عن النص القرآني، تحريم كل ذي ناب، فيضاف إلى تحريم ما
ورد في الآية، كما يضاف غيره، مثل: تحريم كل ذي مخلب وغيرها، مما ورد في السنة
تحريم أكله.
(۱) لفظ ثانيهما وتقسيم هذا الاحتمال إلى قسمين مني ولم يشر
الشافعي كذلك إلى هذا - والله
أعلم - .
(۲) الحديث ورد في الصحيحين
ورواه أحمد في المسند بأسانيد كثيرة، كما رواه أصحاب الكتب
الستة.
(۳)
الحديث ورد في الموطأ (٤٣/٢) كما رواه أحمد في مسنده، ومسلم والنسائي والترمذي
وابن
ماجه
۰۹
________________________________________
القسم
الرابع ما ورد في السنة حكماً ليس في القرآن نص عليه بعينه، ولا يفسر ذلك زيادة
على النص القرآني، فبعد أن ذكر الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله اختلاف العلماء
بشأن وجود هذا القسم (۱) ، نراه يقرر: أن الشافعي رحمه الله في مجموع مذهبه يرى
أنه لا يلزم أن نحاول إرجاع أحكامها – أي: السنة – إلى أصل من الكتاب بل يقرر
أنها تجيء بالزائد على هذا الكتاب، وهي تبع راجعة ،إليه، كما سنبينه فيما يلي:
له،
-أ-
تحريم الحُمُرِ الأهلية برواية العالمي، أن النبي : «نهى عام خيبر عن نكاح
المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية (۲) الحديث.
ب ومثله حرمان القاتل من ميراث
،مورثه الحديث عمرو بن شعبة ليس لقاتل شيء»(۳) الحديث.
ج - العقل، وفكاك
الأسير الحديث أبي جحيفة قال: (سألت علياً : هل كان
龋
عندكم من النبي
شيء سوى القرآن؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ
النسمة، إلا أن يؤتي الله
عبداً فهماً في القرآن وما في هذه الصحيفة، قلت:
(٤)
وما في الصحيفة؟
قال: «العقل وفكاك الأسير، ولا يقتل مؤمن بكافر الحديث، وغير ذلك الأمثلة من التي
أوردها الشافعي في كتابه الرسالة ومما وردت في تفسيره رحمه الله.
(۱) انظر
الشافعي حياته وعصره لأبي زهرة ص / ٢٠٩ و ٢١٠ ففيها تلخيص جيد لهذه المسألة. (۲)
الحديث صحيح انظر شفاء العي بتحقيق مسند الشافعي ج / ۲ ص/ ٣٦٥، برقم/ ٦٠٢ (۳)
الحديث حسن لغيره، لأن إسناده منقطع، لكنه جاء عن البيهقي موصولاً، انظر شفاء
العي بتحقيق مسند الشافعي ج ۲ ص / ٢٢٠ و ٢٢١، برقم/ ٣٦٦ (٤) الحديث صحيح انظر
شفاء العي بتحقيق مسند الشافعي ص / ٢٠٨ و ٢٠٩، برقم / ٣٤٦
و ٣٤٧
٦٠
________________________________________
القسم
الخامس: تأتي السنة دالة على الناسخ والمنسوخ فهذا ما عقدنا له
فصلاً خاصاً،
فليرجع إليه في الفصل الثاني مواقفه في التفسير، المبحث الثالث: موقفه من النسخ
ففيه شرح وافٍ وكفاية إن شاء الله تعالى.
٦١
________________________________________
المبحث الثالث تفسير الإمام الشافعي للقرآن بالإجماع
الإجماع حجة عند الشافعي، ومرتبته تأتي بالمرتبة الثالثة أي بعد الكتاب
والسنة،
ويعتبره
مقدماً
على القياس؛ لأن القياس اجتهاد فردي بينما الإجماع
اتفاق
الأمة على أمر لم يرد به نص.
(1)
الله قال الشافعي رحمه يحكم بالكتاب
والسنة المجتمع عليها، الذي لا
اختلاف فيها، فنقول لهذا حكمنا بالحق في
الظاهر والباطن.
ويحكم بالسنة قد رويت من طريق الانفراد ، لا يجتمع الناس
عليها، فنقول: حكمنا بالحق في الظاهر ؛ لأنه قد يمكن الغلط فيمن روى الحديث.
وتحكم بالإجماع ثم القياس وهو أضعف من هذا، ولكنها منزلة ضرورة ؛
لأنه لا
يحل القياس والخبر موجود...) اهـ.
أولاً: تعريف الإجماع:
يُعرف الشافعي
الإجماع بقوله (۲) (الإجماع هو الذي لو قلت: أجمع الناس، لم تجد حولك أحداً يعرف
شيئاً يقول لك ليس هذا بإجماع).
(۱) الرسالة الفقرات / ۱۸۱٥-۱۸۱۷ ص ۵۹۹ (۲)
کتاب جماع العلم ص/ ٤٩ الفقرة/ ٢٥٨
٦٢
ثانياً
: حكم الأخذ بالإجماع مع الأدلة:
يقرر الشافعي رحمه الله بأن (۱) (الإجماع
حجة على كل شيء ؛ ؛ لأنه لا يمكن فيه الخطأ ويستدل الشافعي على ما ذهب إليه من
حجية الإجماع بدليلين هما: الأول من القرآن الكريم
قال الله تعالى: ( وَمَن
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيِّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ
غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ
وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: ١١٥] الآية. ونستنتج من تفسيره لهذه الآية قوله
جعل الله اتباع غير سبيل المؤمنين كمشاقة لله ولرسوله ؛ أنه سبحانه وتعالى رتب
على المشاققة جزاءً بسبب واحداً، فطالما أن مشاقة الله ورسوله ،حرام فاتباع سبيل
غير المؤمنين حرام، وإذا كان غير سبيلهم حراماً، فاتباع سبيلهم واجب ومخالفة ما
عليه عادتهم من التحليل والتحريم ليست اتباعاً لسبيلهم، إنما هو اتباع جماعتهم في
ذلك. الثاني: من الحديث:
أ - أخبرنا سفيان عن عبد الله بن لبيد، عن ابن
سليمان بن يسار، عن
(۲)
أبيه، أن عمر بن الخطاب الله له خطب الناس
بالجابية ، فقال: «إن رسول الله قام فينا كمقامي فيكم، فقال: أكرموا أصحابي ثم
الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يظهر الكذب، حتى إن الرجل ليحلف ولا يُستحلف،
ويشهد ولا يُستشهد ألا فمَنْ سرَّهُ بحبحة الجنة (۳) فليلزم الجماعة، فإن
الشيطان
(۱) کتاب جماع العلم ص/ ٣٨ الفقرة / ۱۸۷ (۲) في المسند: قام
بالجابية خطيباً .... والجابية إحدى أحياء دمشق القديمة حالياً.
مع
الفذ،
(۳)
في المسند فمن سره أن يسكن بحبوحة الجنة. أن يسكن بحبوحة الجنة.... والبحبحة هي:
التمكن في المقام والحلول
وتوسط المنزل.
٦٣
________________________________________
(1)
وهو
من الاثنين أبعد، ولا يخلون رجل بامرأة، فإن الشيطان ثالثهم ، ومن
(Y)
سرته
حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ( الحديث.
龋
وفي فقرات هذا الحديث نجد حث
النبي على ملازمة الجماعة، ويفسرها
الشافعي بملازمة جماعتهم فيما يكون فيه
التحليل والتحريم، ووجوب الطاعة في ذلك، وليس المقصود بذلك اجتماع الأبدان.
ونراه
يقول في هذا الصدد (۳) : (... فلم يكن في لزوم الأبدان معنى ؛ لأنه لا يمكن ؛
ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئاً، فلم يكن للزوم جماعتهم معنى،
إلا ما
عليهم جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما).
ومن
قال بما تقول
به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف
جماعتهم التي أمر بلزومها، وإنما تكون الغفلة في الفرقة فأما الجماعة فلا يمكن
فيها كافةً غفلة عن معنى كتاب، ولا سنة، ولا قياس، إن شاء الله.
(۱) في
المسند: فإن الشيطان ثالثهما ...
(۲) الحديث مرسل لأن سليمان بن يسار لم
يدرك عمر فسنده ضعیف، وهو صحيح معروف عن عمر به رواه الترمذي وقال عنه حديث حسن
صحيح غريب من هذا الوجه، ورواه أحمد في المسند، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير
(۱۱) وقد أكد المحقق أحمد محمد شاكر وصله، والحديث له شواهد ثلاثة ولبعضه شواهد
في الصحيحين لذلك يعتبر صحيحاً بمجموع هذه الطرق، انظر شفاء العي بتحقيق مسند
الشافعي ج / ۲ ص / ٤٠٧ و ٤٠٨ برقم / ٦٦٧ ، وانظر الرسالة الفقرة / ١٣١٥ ص / ٤٧٤ و
٤٧٥ (الهامش). (۳) الرسالة الفقرة / ۱۳۱۹ و ۱۳۲۰ ص / ٤٧٥-٤٧٦ وانظر الشافعي حياته
وعصره / لأبي
زهرة ص/ ۲۲۷ و ۲۲۸
٦٤
________________________________________
وحديث
أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن
ابن عبد الله بن مسعود،
عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نصر الله
(۱)
عبداً
...)(١) الحديث.
ثالثاً: المعتبر في الإجماع عند الشافعي:
تلخص آراء
الإمام الشافعي في اعتباره الإجماع حجة، وعدم اعتباره له، أو
ليس بحجة عنده
بالأمور التالية:
-١ إجماع الصحابة الكرام، وذَكَرُوا أنه حكاية عن رسول
الله ، فكما قالوا إن شاء الله .
-۲- إجماع الصحابة الكرام، ولم يحكوه عن
النبي ، فاحتمل أن يكون قالوا حكاية عن رسول الله ، واحتمل غيره، ولا يجوز أن
نعده له حكاية ؛ لأنه لا يجوز أن يحكي إلا مسموعاً ولا يجوز أن يحكي شيئاً يتوهم،
يمكن فيه غير ما قال، والقول والكلام (للشافعي بما قالوا اتباعاً لهم، ونعلم أنهم
إذا كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعزب عن عامتهم، وقد تعزب عن
بعضهم، ونعلم أن عامتهم لا تجتمع على خلاف لسنة رسول الله ولا على خطأ، إن شاء
الله. - إجماع علماء الأمصار كافةً على أمر لا يخالف فيه أحد، كالظهر أربع ركعات،
وكتحريم الخمر وما شابههما من إجماع على التحليل أو التحريم فهذا حجة كذلك.
(۱)
الحديث هكذا ذكر أوله، ويقصد بذلك الإشارة إلى ما ورد فيه ومنها: (والنصيحة
للمسلمين ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم انظر الرسالة الفقرة/ ١٣١٤
/
٤) المتن والهامش) والفقرة / ١١٠٢ ص / ٤٠١ و ٤٠٢ المتن) والهامش).
________________________________________
٤
- إجماع أهل المدينة أو أهل العراق أو غيرهم من الأمصار ليس بحجة عنده؛ لأنه وجد
من خالفهم حتى في عصرهم، مع تقديره و إكباره لآراء أهل المدينة، وإشادته باجتهاد
أهل العراق.
- الإجماع السكوتي لا يعتبره الشافعي حجة، لأنه ليس بإجماع في
نظره، ولا بد أن يُنقل رأي كل عالم، ثم تتفق جميع الآراء في هذا الأمر حتى يعتبر
حجة. ويحسن بنا أن نختم بتعليق الشيخ أبي زهرة رحمه الله، ملخصاً ما بسطه في
أمر
الإجماع عند الشافعي فيقول (۱):
نرى أن الشافعي رحمه الله تعالى: ينتهي به
الأمر في الإجماع إلى وضعه في دائرة ضيقة، وهي: جمل الفرائض، التي يعدُّ عِلْمُها
من العلم الضروري في الشريعة الشريفة والله سبحانه وتعالى أعلم).
ولكننا إذا
نظرنا في تفسيره نجد أنه لا يستخدم الإجماع صراحة، وإنما كل ما كان من الأوامر
والنواهي محكماً، وأجمع العلماء عليه، فهو إجماع بناء على ما سبق، وعليه كل أمر
أو نهي لا ترى أحداً يخالف فيه – ممن هو معتبر من أهل العلم والاجتهاد - فهو مجمع
عليه، وحجة عنده.
وقد يميل أحياناً إلى رأي الأكثر في تغليب رأيهم، والأخذ
به، ونرى هذا في قوله سمعت من أرضى من أهل العلم سمعت أهل العلم بالتفسير، ذهب
عوام أهل العلم ذهب بعض أهل العلم بالتفسير، وهذا مصرح فيه بأكثر من ، ولكنه لا
يُعتَبرُ إجماعاً ،عنده إنما قول الأكثرية في علم التفسير، أو من لقيه من أهل
العلم في تلمذته أو في لقاءاته أو مناظراته، أو دروسه.
موضع
(۲)
(1)
الشافعي حياته وعصره / لأبي زهرة ص/ ۲۳۷
(۲) انظر تفسير الآية ٥ من سورة
المائدة، والآية / ۱۲۹ من سورة النساء، والآية/ ٧٩ من سورة الواقعة، والآية / ٣٣
من سورة الحج وغيرها كثير في أثناء تفسير الإمام الشافعي
٦٦
________________________________________
المبحث الرابع تفسير الإمام الشافعي للقرآن بالقياس
(۱)
يرتب الشافعي رحمه الله تعالى أصول العلم كما يلي: (القرآن
الكريم أولاً، ثم السنة ثانياً (١) ، ثم القياس عليهما، والقياس عليهما عنده،
وعند الإمام أحمد رحمهما الله يكون عند فقد النص وفي الضرورات فقط)، ويعتبر
الإمام الشافعي أول من تكلم بالقياس ضابطاً لأصوله وقواعده، موضحاً لأسسه
وطريقته. أخبرنا أبو محمد، حدثنا أبي، سمعت يونس بن عبد الأعلى قال: قال محمد بن
إدريس الشافعي (الأصل ،قرآن أو سنة، فإن لم يكن، فقياس عليهما) (٢).
(۲)
وسأل
الإمام أحمد بن حنبل الإمام الشافعي رحمه الله عن القياس؟ فقال له عند الضرورات)
(۳) .
(٤)
ويقول في كتاب الرسالة: والقياس ما طلب بالدلائل على موافقة
الخبر المتقدم من الكتاب والسنة، لأنها عَلَمُ الحق المفترض طلبه، كطلب ما وصفت
قَبْلَه ، من القبلة والعدل والمثل.
(1) لم يذكر الإجماع هنا، لأن الشافعي
يحصر الإجماع في نطاق ضيق، مما أجمع عليه من الأوامر والنواهي، الواردة بالكتاب
والسنة، لذا انتقل إلى القياس هنا ولم يذكر الإجماع - والله أعلم .
(۲) آداب
الشافعي ومناقبه للرازي ص/ ۲۳۱ (المتن).
(۳) آداب الشافعي ومناقبه للرازي ص
/ ٢٣١ (الهامش برقم ٤).
(٤) الرسالة الفقرات/ ١٢٢ - ١٢٥ ص / ٤٠
٦٧
________________________________________
وموافقته
تكون من وجهين
أحدهما: أن يكون الله أو رسوله حرَّم الشيء منصوصاً، أو أحله
لمعنى،
فإذا وجدنا ما في مثل ذلك المعنى، فيما لم ينص فيه بعينه كتاب ولا
سنة، أحللناه أو حرمناه ؛ لأنه في معنى الحلال أو الحرام
(1)
ثانيهما:
أو نجد الشيء يشبه منه والشيء من غيره، ولا نجد شيئاً أقرب به شبهاً من أحدهما:
فنلحقه بأولى الأشياء شبهاً به، كما قلنا في الصيد).
أولاً : منزلة القياس
عند الشافعي
ومنزلة الإجماع والقياس عند الشافعي يأتيان بعد الكتاب والسنة
فنراه يقول: () (قال - أي المحاور) - فقد حكمت بالكتاب والسنة فكيف حكمت
(۲)
بالإجماع،
ثم حكمت بالقياس فأقمتهما مع كتاب أو سنة؟!.
فقلت: (أي الشافعي إني وإن حكمت
بها كما أحكم بالكتاب والسنة فأصل ما أحكم به منها مفترق.
قال: أفيجوز أن
تكون أصول مفرّقة الأسباب يحكم فيها حكماً واحداً. قلت نعم يحكم بالكتاب والسنة
المجتمع عليها، الذي لا اختلاف فيها، فنقول لهذا: حكمنا بالحق في الظاهر
والباطن.
ويحكم بالسنة قد رُويت من طريق الانفراد لا يجتمع الناس عليها
فنقول:
حكمنا بالحق في الظاهر ؛ لأنه قد يمكن الغلط فيمن روى الحديث.
(۱)
وانظر الشافعي حياته وعصره أبي زهرة رحمه الله ص / ٢٤٣ وسنذكر مثالها ضمن فقرة
نماذج
من تفسيره للقرآن بالقياس.
(۲) الرسالة الفقرات/ ۱۸۱۲ - ١٨٢١ ص/ ٥٩٨ -٦٠٠
٦٨
________________________________________
ونحكم
بالإجماع ثم القياس، وهو أضعف من هذا، ولكنها منزلة ضرورة
لأنه لا يحل
القياس والخبر ،موجود كما يكون التيمم طهارة في السفر عند الإعواز من الماء، ولا
يكون طهارة إذا وجد الماء، إنما يكون طهارة في الإعواز، وكذلك يكون ما بعد السنة
حجة إذا أعوز من السنة، وقد وصفت الحجة في
القياس وغيره قبل هذا.
ثانياً:
مناقشته لحجية القياس
(1)
ويقول الشافعي رحمه الله: في موضع آخر من
الرسالة مناقشاً حجية القياس قال :(أي: المحاور فمن أين قلت: يقال بالقياس فيما
لا كتاب فيه، ولا سنة، ولا إجماع ؟ أَفَالقِياس نص خبر لازم؟
قلت: لو كان
القياس نص كتاب أو سنة، قيل في كل ما كان نص كتاب (هذا حكم الله)، وفي كل ما كان
نص سنة : هذا حكم رسول الله، ولم نقل له
(قياس).
قال: فما القياس ؟ أهو
الاجتهاد ؟ أم هما مفترقان؟
:قلت هما اسمان لمعنى واحد.
قال: فما
حِمَاعُهما ؟
:قلت كل ما أنزل بمسلم ففيه حكم لازم أو على سبيل الحق فيه
دلالة موجودة، وعليه إذا كان فيه بعينه حكم اتباعه، وإذا لم يكن فيه بعينه طُلِبَ
الدلالة على سبيل الحق فيه ،بالاجتهاد والاجتهاد القياس
(۱) الرسالة الفقرات
/ ١٣٢١ - ١٣٣٤ ص / ٤٧٦-٤٧٩
۶۹
________________________________________
(1)
قال:
أفرأيت العالمين إذا قاسوا على إحاطة هم من أنهم أصابوا الحق عند الله؟ وهل يسعهم
أن يختلفوا في القياس؟ وهل كلفوا كل أمر من سبيل واحد، أو سُبُل متفرقة؟ وما
الحجة في أن لهم أن يقيسوا على الظاهر دون الباطن؟ وأنه يسعهم أن يتفرقوا ؟ وهل
يختلف ما كلّفوا في أنفسهم وما كلفوا في غيرهم؟ ومن الذي له أن يجتهد فيقيس في
نفسه دون غيره؟ والذي له أن يقيس في نفسه وغيره؟.
الظاهر
(۲)
فقلت
له: العلم من وجوه منه إحاطة في الظاهر والباطن (٢)، ومنه حق في
(۳)
وعلم
إجماع، وعلم اجتهاد بقياس على طلب إصابة الحق، فذلك حق في الظاهر عند المقايسة،
لا عند العامة من العلماء، ولا يعلم الغيب فيه إلا الله. وإذا طلب العلم فيه
بالقياس فقيس بصحةٍ، أيتفق المقايسون في أكثره، وقد
نجدهم يختلفون
(٤)
والقياس
من وجهين
أحدهما: أن يكون الشيء في معنى الأصل، فلا يختلف القياس فيه.
وثانيهما
) وأن يكون الشيء له في الأصول أشباه، فذلك يلحق بأولاهما به وأكثرهما شبهاً فيه
وقد يختلف القايسون في هذا
(۱) التقدير: أعلى إحاطة هم؟
(۲) المقصود به
ما ورد في الكتاب والسنة المتواترة.
(۳) المقصود به ما ورد في السنة بطريق
الأحاد.
(٤) انظر الشافعي حياته وعصره لأبي زهرة ص / ٢٤٤
(٥) ذكر تتمة
الوجهين مباشرة فأثبت الترتيب (بثانيهما) مني منعاً للالتباس. (٦) انظر الشافعي
حياته وعصره لأبي زهرة ص/ ٢٤٤ و ٢٤٩
(1)
Y.
________________________________________
وضرب
أمثلة لذلك منها التوجه إلى الكعبة عند معاينتها والتوجه إليها من
غير
معاينتها....
(1)
(۲)
ثم قال بعد ذلك - (٢).
:قلت - أي
الشافعي رحمه الله -: هكذا قلنا لك فيما ليس فيه نص حكم لازم، وإنما نطلب باجتهاد
القياس، وإنما كلفنا فيه الحق عندنا.
سے
قال: فتجدك تحكم بأمر واحد من
وجوه مختلفة؟
قلت: نعم، إذا اختلفت أسبابها.
قال: فاذكر منه شيء.
قلت:
-۱
قد يُقِرُّ الرجل عندي على نفسه بالحق لله، أو لبعض الآدميين، فآخذه
بإقراره.
-٢
ولا يُقِرُّ، فآخذه ببينة تقوم عليه.
- ولا تقوم عليه بينة فيُدعَى عليه،
فأمره أن يحلف ويبرأ، فيمتنع.
فآمر خصمه بأن يحلف، ونأخذه بما حلف عليه
خصمه، إذا أبى اليمين التي تبرئه ونحن نعلم أن إقراره على نفسه - بشحه على ماله،
وأنه يخاف ظلمه بالشح عليه - أصدق عليه من شهادة غيره ؛ لأن غيره قد يغلط
ويكذب
(۱) انظر تفسير الآية / ١٤٤ و ١٤٩ من سورة البقرة، وانظر الرسالة
الفقرات / ١٣٣٥ - ١٣٥٧
ص / ٤٨٠-٤٨٣
(۲) الرسالة الفقرات / ١٣٥٨ - ١٣٦٢
ص / ٤٨٣ و ٤٨٤
۷۱
________________________________________
-
عليه
وشهادة العدول عليه أقرب من الصدق من امتناعه من اليمين ويمين خصمه، وهو غيرُ
عدل، وأعطي منه بأسباب بعضها أقوى من بعض.
ثالثاً: شروط القائس عند
الشافعي
,(1)
يشترط الشافعي في من يحق له القياس أربعة شروط هي:
-۱
العلم بأحكام كتاب الله تعالى وما يتعلق به من فرض، وتشريع، وآداب، ونسخ وعموم
وخصوص، وغير ذلك.
-۲- أن يكون عالماً بالسنة وأقوال السلف، وإجماع الناس
واختلافهم. -٣- أن يكون عالماً بلسان العرب حتى يستطيع أن يفهم مقصود الكلام،
ومراميه الواردة بالنصوص المقاس عليها، فإن هذه النصوص في الكتاب والسنة نزلت
بلغتهم ولسانهم.
٤ - أن يكون صحيح العقل، حسن التقدير؛ حتى يستطيع أن يميز
المشتبه، ويتثبت في حكمه الذي سيحكم به.
ويشير الشافعي إلى بعض الطرق التي
يتثبت بها القائس وهي:
-أ لا يمتنع من الاستماع إلى من خالفه، فقد ينبهه إلى
أمر يزداد به تثبيتاً فيما
اعتقده من صواب.
بلوغ غاية جهده في الوصول
إلى الحكم بالقياس.
ج- الإنصاف من د أن لا يكون بما قال أغنى منه بما خالف
حتى يعرف فضل ما يصير إليه
نفسه بحيث يعرف من أين قال ما يقول، وترك ما
يترك؟
على ما يترك.
(۱) الأم ج / ٧ ص / ۳۰۱ و ۳۰۲ (باب : إبطال
(الاستحسان ففيه كلام جميل حول هذا الأمر وما يتعلق به، وانظر الشافعي حياته
وعصره لأبي زهرة ص/ ٢٥١
۷۲
رابعاً
: رد الشافعي على من يذم الخلاف في القياس:
لقد تصدى الشافعي رحمه الله فرد
على من ذم الخلاف في القياس، طالما أن كلاً من القائسين قد استوفى شروط القياس
وملك أداته.
سنة
ونراه يقسم الخلاف في هذا الموضوع إلى قسمين:
الأول:
خلاف مذموم هو الذي يقع فيما أقام الله الحجة على خلقه، فليس لهم فيه إلا اتباع
النص الوارد في كتاب الله ؛ إذا كان لا يحتمل التأويل، أو لرسوله ، فإن اختلفوا
في شيء من هذا فذلك الذي ذم الله أصحابه ؛ لأنهم خالفوا كتاب الله الذي لا يحتمل
التأويل في هذا الحكم، أو سنة لرسوله قائمة، ويضيف إليهما من الخلاف المذموم
مخالفة الجماعة، وإن لم يكن في قولهم كتاب أو سنة.
الثاني: خلاف غير مذموم
وهو الاجتهاد في أمر يحتاج إلى اجتهاد، فإذا ذهب كل قائس إلى معنى يحتمل الأمر ما
ذهب إليه، ويكون له عليه دلائل فلا دم في ذلك الخلاف، حيث إنه لم يخالف كتاباً
ولا سنة ولا إجماعاً، إنما نظر في القياس فأداه إلى غير ما أدى القياس بصاحبه في
الحكم (1) .
خامساً: نماذج من تفسيره القرآن الكريم بالقياس
(۲)
(۱)
يقسم
الإمام الشافعي رحمه الله القياس بالنسبة لوضوح العلة وخفائها، ومقدار توافرها في
الأمر غير المنصوص عليه، إلى ثلاثة أقسام، ويضرب لكل
قسم مثالاً له -
(1)
الأم، ج / ۷ ، ص / ۲۷۸ و ۲۷۹ (باب): حكاية قول من رد حكاية خبر الخاصة). (۲)
الشافعي حياته وعصره لأبي زهرة ، ص / ٢٤٢-٢٤٣ بتصرف.
۷۳
________________________________________
أولها:
أن يكون الفرع أولى بالحكم من الأصل.
أ- كحرمة ضرب الأبوين المستفادة من
قوله تعالى : ( فَلَا تَقُل هُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ( [الإسراء: ۲۳]
الآية، فإنه إذا كان قول (أف) منهياً عنه، فأولى بالنهي
الضرب.
وأيضاً
قول الله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: ۷-۸] الآيتان فإذا كان
مثقال ذرة من خير يحمد ويكافأ عليه، ومثقال ذرة من شر يأثم ويعاقب عليه، فما كان
أكثر من الذرة أكثر حمداً، وأكثر إثماً.
الرتبة:
ثانيهما: أن يكون
الفرع مساوياً للأصل لا يزيد عليه ولا ينقص عنه في
كقوله تعالى: (فَإِنْ
أَتَيْنَ بِفَنحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَتِ مِنَ
الْعَذَابِ ) [النساء: ٢٥] الآية، فإن العبد يقاس على الأمة في هذا التنصيف إن
ارتكب ما يوجب الحد بالجلد.
ثالثهما: أن يكون الفرع أضعف في علة الحكم من
الأصل:
وهذا لا يكون عند الشافعي إلا في قياس الشبه، وهو الذي تكون فيه
المشابهة بين الفرع وبين عدة أمور منصوص عليها، فيلحق بأقربها شبهاً به،
وأدناها
إليه، ويذكر لذلك أمثلة منها:
٧٤
________________________________________
أ
قول الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ
كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) [البقرة: ۲۳۳] الآية.
ب وقال
تعالى : ( وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ إِذَا
سَلّمْتُم مَّا ءَاتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ) [البقرة: ۲۳۳]
الآية.
العلاقة
ج- وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هند بنت عتبة، أن
تأخذ من مال أبي سفيان زوجها لولدها وهم ولده بالمعروف، فدل كتاب الله وسنة نبيه
على أن على الوالد أجرة رضاع ولده ونفقتهم صغاراً، والعلة في هذا الوجوب هو التي
تربط الولد بأبيه ولما أوجبت هذه العلاقة الإنفاق على الولد في الحال التي لا
يستطيع الإنفاق على نفسه فيها، فهي أيضاً توجب على الولد أن ينفق على أبيه إذا
بلغ الأب الأ يغني نفسه بكسيه، وليس له مال، وبمثل هذا يُقْضَى للوالدين وإن
بعدوا وللأولاد وإن سفلوا، لأن العلاقة واحدة.
ملاحظة هامة :(۱): يذكر
الشافعي رحمه الله أن هناك نصوصاً لا يقاس عليها،
وهي التي تأتي بأحكام تكون
مخالفة للأمور الثابتة، فإن هذه يقصر فيها على موضع نصها، ولا يقاس عليه (1) ما
يكون في شأنها في أوصافها، ومثلها ما
يكون تخفيفاً من حكم عام دائم.
(۲)
وقد
ضرب الشافعي رحمه الله أمثلة لذلك منها:
(1) الشافعي حياته وعصره لأبي زهرة
ص/ ٢٤٩، فقرة/ ١٨٨
(۲) أي: لا يقاس على النص غير ما ورد وإن شابهه في
الأوصاف، لأن هذا الحكم استثناء من
القاعدة الأصل، أو تخفيف من الحكم
العام.
Vo
________________________________________
فرض الله
سبحانه وتعالى الوضوء فقال: ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعَبَيْنِ ) [المائدة (٦) الآية فكان غسل الرجلين ركناً
من أركان الوضوء بمقتضى الحكم العام، فلما مسح رسول الله على الخفين وأجاز ذلك
تخفيفاً من حكم ذلك النص العام، فلا يصح أن يقاس على الخفين ما يكون في معناهما
كالعمامة والقفازين ؛ لأن الحكم فيها استثناء من النص العام، وما جاء استثناء من
النص العام لا يقاس عليه.
وذكره أمثلة كذلك من السنة كجواز (بيع العرايا،
والخراج بالضمان). وبهذا نرى أن الشافعي يأخذ بالقياس على النصوص عامة، وفي تفسير
القرآن الكريم بجملة من القواعد فكان له قصب السبق رحمه الله حيث قرر أن الاجتهاد
بالرأي لا يكون إلا بالقياس، ولا يكون رأي بغيره، فلا عُرْفٌ يحكم ولا استحسان
يرجح بل العبرة عنده في الاجتهاد بالرأي دون سواه ؛ المستند على أصل الدين الكتاب
والسنة دون غيرهما.
٧٦
________________________________________
المبحث الخامس تفسير الإمام الشافعي للقرآن بأقوال الصحابة الكرام
:أولاً : نظرة الشافعي إلى أقوال الصحابة:
ينظر الشافعي رحمه الله
تعالى إلى أقوال الصحابة الكرام ؛ الذين عاصروا التنزيل وتربوا على توجيهات رسول
الله ، نظرة متفحص في أقوالهم فيما اختلفوا فيه إلى نظرتين هما:
النظرة
الأولى: ما كان مشابهاً منها للكتاب والسنة، فيأخذ به.
أخبرنا أبو محمد،
حدثنا يونس بن عبد الله نفسه قال: سمعت الشافعي رحمه الله يقول : إذا جاء عن
أصحاب رسول الله أقاويل مختلفة، ينظر إلى ما أشبه بالكتاب والسنة فيُؤخذ به
هو
(1)
ولعل
الشافعي أعتبر أقاويلهم المختلفة بمثابة الأدلة المتعارضة، فيرجح أحدهما بمرجح،
وهو حملها على ما هي أقرب مماثلة لما ورد في القرآن الكريم،
أو السنة
المطهرة.
ونراه يقول في الرسالة مجيباً عن نظرته هذه بقوله (۲):
(۱)
الرسالة الفقرة / ١٨٠٦ ص / ٥٩٧ حيث قال: (نصير منها إلى ما وافق الكتاب أو السنة
أو الإجماع، أو كان أصح في القياس)، وانظر آداب الشافعي ومناقبه للرازي ص/ ٢٣٥
(۲) الرسالة الفقرات / ١٦٨٢ - ١٧٠٤ ص / ٥٦٢-٥٧٢ ، وانظر آداب الشافعي ومناقبه
للرازي ص / ٢٣٦ ، وانظر أحكام القرآن ج ١ ص / ٢٤٢ - ٢٤٧ ، وانظر الأم ج/ ٥ ص /
٢٠٩-
٢١٤ ، وانظر الشافعي حياته وعصره لأبي زهرة ص/ ٢٧٦ و ٢٧٧
۷۷
________________________________________
قل
ما اختلفوا فيه إلا وجدنا فيه عندنا دلالة من كتاب الله، أو سنة
رسوله، أو
قياساً عليهما، أو على واحد منهما).
ويضرب لذلك مثالاً في اختلافهم بتفسير
لفظ (القُرْء) فيقول:
واختلفوا في الأقراء، وأصح ذلك أن الأقراء: الأطهار ؛
لقول النبي
(۱)
龋
لعمر: «مره (يعني لابن عمر يطلقها في طهر لم
يمسسها فيه، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء (1) الحديث، فلما سماها
رسول الله عدة كان أصح القول فيها (الطهر) ؛ لأن النبي سماها (يعني: الأطهار):
العدة. النظرة الثانية: فإن لم يجد ما يشابه أقوالهم المختلفة شيء من القرآن أو
السنة،
(۲)
فنراه يجعل أتبعهم للقياس، فيأخذ به بشرط ألا يخالف قولهم
نصاً شرعياً. قال الشافعي رحمه الله: (وإذا اختلفوا - يعني: أصحاب رسول الله .
نظر أتبعهم للقياس، إذا لم يوجد أصل يخالفهم، اتبع أتبعهم للقياس) ويضرب أمثلة
على مذهبه هذا في اختلاف الصحابة فيقول: (وقد اختلف وعلي رضي الله عنهما في ثلاث
مسائل: القياسُ فيها مع علي، وبقوله آخذ). وهذه المسائل الثلاث هي:
عمر
الأولى
في زوجة المفقود: قال عمر : يضرب له أجل أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً،
ثم تنكح.
(1) الحديث سبق تخريجه وانظر الرسالة الفقرة / ١٦٨٥ ص / ٥٦٢
والفقرة / ١٦٩٤ ص / ٥٦٦ و ٥٦٧، وهذا مذهب ،عائشة وزيد بن ثابت، وابن عمر رضي الله
عنهم، ويرجحه باللغة،
والسنة، والقرآن، انظر تفسير الآية / ۲۸۸ من سورة
البقرة.
(۲) آداب الشافعي ومناقبه للرازي ص/ ٢٣٥ و ٢٣٦
VɅ
________________________________________
وقال
علي : منسأة لا تنكح أبداً – وقد اختلف فيه عن علي يصح موت أو فراق.
الثانية:
وقال عمر الله في رجل يطلق امرأته في سفر، ثم يرتجعها، فيبلغها الطلاق ولا
تَبْلُغُها الرجعة حتى يَحُلَّ وتَنكِحَ. إنّ زوجها الآخر أولى بها، إذا
دخل
بها.
وقال علي ه: هي للأول أبداً، وهو أحق بها.
: - في الذي ينكح
المرأة في العدة، ويدخل بها - إنه
الثالثة: وقال عمر يفرق بينهما، ثم لا
ينكحها أبداً.
وقال علي : ينكحها بعد
(1)
ثانياً: رأي الشافعي في
حجية اقوال الصحابة رضوان الله عليهم:
رجح الإمام البيهقي وغيره من أصحاب
الشافعي، أن مذهب الشافعي هو اعتبار قول الصحابي حجة عنده ويدللون على ذلك برواية
الربيع عن الشافعي رحمه الله أنه قال: (الأصل كتاب الله أو سنة، أو إجماع الناس،
أو قول بعض أصحاب رسول الله ).
وزعم الأكثرون منهم: أن الشافعي رجع عن هذا
في مذهبه الجديد، ورأى فيه أن قول الصحابي ليس بحجةٍ - والله أعلم - (۲) .
وإذا
تتبعنا أقوال الشافعي الواردة في احتجاجه بأقوال الصحابة أو رأيه في عدم احتجاجه
بأقوالهم نرى خلاصة هذه الأقوال عنده كما يلي:
(۱) آداب الشافعي ومناقبه
للرازي ص/ ٢٣٥و٢٣٦
(۲) مناقب الشافعي لابن كثير ص/ ١٧٣
۷۹
________________________________________
-
إذا أجمعوا على قول، فإنه يعتبر قولهم حجة، ولا يخرج عن قولهم. - فإذا لم يجمعوا،
ووجد قول أحدهم ، ولم يوجد ما يخالفه من كتاب أو سنة أو ،إجماع، اعتبره حجة وأخذ
به.
-
- وأما إذا اختلفوا، فنراه ينظر إلى أقوال الأئمة الأربعة
الراشدين رضي الله عنهم: أ- فما كان من قول أحدهم دلالة من كتاب أو سنة، أخذ به
لوجود
الدلالة.
ب وإن لم يكن لأقوالهم دلالة من كتاب أو سنة، أخذ بقول
الأكثر.
به
لذلك
ج فإن تكافؤوا نظرَ في أحسن أقاويلهم مخرجاً
عنده، فأخذ نراه يقول في حقهم وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا
لأنفسنا
- والله أعلم
-٤- فإذا ذهب أصحاب محمد - أي تفرقت أقوالهم، وخالفت السنة
فحرام على تابعي الاتباع لهم بإحسان (۱).
ثالثاً: نماذج من تفسيره القرآن
بأقوال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم:
۱ - اختلاف الصحابة الكرام في الرد أي)
في رد المواريث إذا زادت التركة عن أصحاب الفروض ولم يكن عصبة فماذا نفعل؟ فقال:
زيد بن ثابت: يعطى كل وارث ما سُمّي له، فإن فَضَلَ فَضل، ولا عصبة للميت كان ما
بقي الجماعة
المسلمين.
(۱) مناقب الشافعي للبيهقي ج ١ ص / ٤٤٢-٤٤٤
(ملخصاً)، وانظر مناقب الشافعي لابن كثير ص / ١٧٣ و ١٧٤ (المتن) وفي (الهامش) نرى
الدكتور خليل ملا خاطر يوفق بين القولين الواردين عن الشافعي في حجية أقوال
الصحابة أو عدمها بقوله : كان الشافعي يأخذ بأقوال الصحابة على أنها سنة - كما هو
رأي مالك - في مذهبه القديم ولكنه في مذهبه الجديد أصبح يأخذ بها تقليداً
واتباعاً. (اهـ) بتصرف، وانظر الشافعي حياته وعصره/ لأبي زهرة ص/ ٢٧٤
۸۰
________________________________________
رابعاً
: رد الشافعي على من يذم الخلاف في القياس:
لقد تصدى الشافعي رحمه الله فرد
على من ذم الخلاف في القياس، طالما أن كلاً من القائسين قد استوفى شروط القياس
وملك أداته.
سنة
ونراه يقسم الخلاف في هذا الموضوع إلى قسمين:
الأول:
خلاف مذموم هو الذي يقع فيما أقام الله الحجة على خلقه، فليس لهم فيه إلا اتباع
النص الوارد في كتاب الله ؛ إذا كان لا يحتمل التأويل، أو لرسوله ، فإن اختلفوا
في شيء من هذا فذلك الذي ذم الله أصحابه ؛ لأنهم خالفوا كتاب الله الذي لا يحتمل
التأويل في هذا الحكم، أو سنة لرسوله قائمة، ويضيف إليهما من الخلاف المذموم
مخالفة الجماعة، وإن لم يكن في قولهم كتاب أو سنة.
الثاني: خلاف غير مذموم
وهو الاجتهاد في أمر يحتاج إلى اجتهاد، فإذا ذهب كل قائس إلى معنى يحتمل الأمر ما
ذهب إليه، ويكون له عليه دلائل فلا دم في ذلك الخلاف، حيث إنه لم يخالف كتاباً
ولا سنة ولا إجماعاً، إنما نظر في القياس فأداه إلى غير ما أدى القياس بصاحبه في
الحكم (1) .
خامساً: نماذج من تفسيره القرآن الكريم بالقياس
(۲)
(۱)
يقسم
الإمام الشافعي رحمه الله القياس بالنسبة لوضوح العلة وخفائها، ومقدار توافرها في
الأمر غير المنصوص عليه، إلى ثلاثة أقسام، ويضرب لكل
قسم مثالاً له -
(1)
الأم، ج / ۷ ، ص / ۲۷۸ و ۲۷۹ (باب): حكاية قول من رد حكاية خبر الخاصة). (۲)
الشافعي حياته وعصره لأبي زهرة ، ص / ٢٤٢-٢٤٣ بتصرف.
۷۳
________________________________________
أولها:
أن يكون الفرع أولى بالحكم من الأصل.
أ- كحرمة ضرب الأبوين المستفادة من
قوله تعالى : ( فَلَا تَقُل هُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ( [الإسراء: ۲۳]
الآية، فإنه إذا كان قول (أف) منهياً عنه، فأولى بالنهي
الضرب.
وأيضاً
قول الله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: ۷-۸] الآيتان فإذا كان
مثقال ذرة من خير يحمد ويكافأ عليه، ومثقال ذرة من شر يأثم ويعاقب عليه، فما كان
أكثر من الذرة أكثر حمداً، وأكثر إثماً.
الرتبة:
ثانيهما: أن يكون
الفرع مساوياً للأصل لا يزيد عليه ولا ينقص عنه في
كقوله تعالى: (فَإِنْ
أَتَيْنَ بِفَنحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَتِ مِنَ
الْعَذَابِ ) [النساء: ٢٥] الآية، فإن العبد يقاس على الأمة في هذا التنصيف إن
ارتكب ما يوجب الحد بالجلد.
ثالثهما: أن يكون الفرع أضعف في علة الحكم من
الأصل:
وهذا لا يكون عند الشافعي إلا في قياس الشبه، وهو الذي تكون فيه
المشابهة بين الفرع وبين عدة أمور منصوص عليها، فيلحق بأقربها شبهاً به،
وأدناها
إليه، ويذكر لذلك أمثلة منها:
٧٤
________________________________________
أ
قول الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ
كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) [البقرة: ۲۳۳] الآية.
ب وقال
تعالى : ( وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ إِذَا
سَلّمْتُم مَّا ءَاتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ) [البقرة: ۲۳۳]
الآية.
العلاقة
ج- وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هند بنت عتبة، أن
تأخذ من مال أبي سفيان زوجها لولدها وهم ولده بالمعروف، فدل كتاب الله وسنة نبيه
على أن على الوالد أجرة رضاع ولده ونفقتهم صغاراً، والعلة في هذا الوجوب هو التي
تربط الولد بأبيه ولما أوجبت هذه العلاقة الإنفاق على الولد في الحال التي لا
يستطيع الإنفاق على نفسه فيها، فهي أيضاً توجب على الولد أن ينفق على أبيه إذا
بلغ الأب الأ يغني نفسه بكسيه، وليس له مال، وبمثل هذا يُقْضَى للوالدين وإن
بعدوا وللأولاد وإن سفلوا، لأن العلاقة واحدة.
ملاحظة هامة :(۱): يذكر
الشافعي رحمه الله أن هناك نصوصاً لا يقاس عليها، وهي التي تأتي بأحكام تكون
مخالفة للأمور الثابتة، فإن هذه يقصر فيها على موضع نصها، ولا يقاس عليه (1) ما
يكون في شأنها في أوصافها، ومثلها ما
يكون تخفيفاً من حكم عام دائم.
(۲)
وقد
ضرب الشافعي رحمه الله أمثلة لذلك منها:
(1) الشافعي حياته وعصره لأبي زهرة
ص/ ٢٤٩، فقرة/ ١٨٨
(۲) أي: لا يقاس على النص غير ما ورد وإن شابهه في
الأوصاف، لأن هذا الحكم استثناء من
القاعدة الأصل، أو تخفيف من الحكم
العام.
Vo
________________________________________
فرض الله
سبحانه وتعالى الوضوء فقال: ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعَبَيْنِ ) [المائدة (٦) الآية فكان غسل الرجلين ركناً
من أركان الوضوء بمقتضى الحكم العام، فلما مسح رسول الله على الخفين وأجاز ذلك
تخفيفاً من حكم ذلك النص العام، فلا يصح أن يقاس على الخفين ما يكون في معناهما
كالعمامة والقفازين ؛ لأن الحكم فيها استثناء من النص العام، وما جاء استثناء من
النص العام لا يقاس عليه.
وذكره أمثلة كذلك من السنة كجواز (بيع العرايا،
والخراج بالضمان). وبهذا نرى أن الشافعي يأخذ بالقياس على النصوص عامة، وفي تفسير
القرآن الكريم بجملة من القواعد فكان له قصب السبق رحمه الله حيث قرر أن الاجتهاد
بالرأي لا يكون إلا بالقياس، ولا يكون رأي بغيره، فلا عُرْفٌ يحكم ولا استحسان
يرجح بل العبرة عنده في الاجتهاد بالرأي دون سواه ؛ المستند على أصل الدين الكتاب
والسنة دون غيرهما.
٧٦
________________________________________
المبحث
الخامس
تفسير الإمام الشافعي للقرآن بأقوال الصحابة الكرام
:أولاً :
نظرة الشافعي إلى أقوال الصحابة:
ينظر الشافعي رحمه الله تعالى إلى أقوال
الصحابة الكرام ؛ الذين عاصروا التنزيل وتربوا على توجيهات رسول الله ، نظرة
متفحص في أقوالهم فيما اختلفوا فيه إلى نظرتين هما:
النظرة الأولى: ما كان
مشابهاً منها للكتاب والسنة، فيأخذ به.
أخبرنا أبو محمد، حدثنا يونس بن عبد
الله نفسه قال: سمعت الشافعي رحمه الله يقول : إذا جاء عن أصحاب رسول الله أقاويل
مختلفة، ينظر إلى ما أشبه بالكتاب والسنة فيُؤخذ به
هو
(1)
ولعل
الشافعي أعتبر أقاويلهم المختلفة بمثابة الأدلة المتعارضة، فيرجح أحدهما بمرجح،
وهو حملها على ما هي أقرب مماثلة لما ورد في القرآن الكريم،
أو السنة
المطهرة.
ونراه يقول في الرسالة مجيباً عن نظرته هذه بقوله (۲):
(۱)
الرسالة الفقرة / ١٨٠٦ ص / ٥٩٧ حيث قال: (نصير منها إلى ما وافق الكتاب أو السنة
أو الإجماع، أو كان أصح في القياس)، وانظر آداب الشافعي ومناقبه للرازي ص/ ٢٣٥
(۲) الرسالة الفقرات / ١٦٨٢ - ١٧٠٤ ص / ٥٦٢-٥٧٢ ، وانظر آداب الشافعي ومناقبه
للرازي ص / ٢٣٦ ، وانظر أحكام القرآن ج ١ ص / ٢٤٢ - ٢٤٧ ، وانظر الأم ج/ ٥ ص /
٢٠٩-
٢١٤ ، وانظر الشافعي حياته وعصره لأبي زهرة ص/ ٢٧٦ و ٢٧٧
۷۷
________________________________________
قل
ما اختلفوا فيه إلا وجدنا فيه عندنا دلالة من كتاب الله، أو سنة
رسوله، أو
قياساً عليهما، أو على واحد منهما).
ويضرب لذلك مثالاً في اختلافهم بتفسير
لفظ (القُرْء) فيقول:
واختلفوا في الأقراء، وأصح ذلك أن الأقراء: الأطهار ؛
لقول النبي
(۱)
龋
لعمر: «مره (يعني لابن عمر يطلقها في طهر لم
يمسسها فيه، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء (1) الحديث، فلما سماها
رسول الله عدة كان أصح القول فيها (الطهر) ؛ لأن النبي سماها (يعني: الأطهار):
العدة. النظرة الثانية: فإن لم يجد ما يشابه أقوالهم المختلفة شيء من القرآن أو
السنة،
(۲)
فنراه يجعل أتبعهم للقياس، فيأخذ به بشرط ألا يخالف قولهم
نصاً شرعياً. قال الشافعي رحمه الله: (وإذا اختلفوا - يعني: أصحاب رسول الله .
نظر أتبعهم للقياس، إذا لم يوجد أصل يخالفهم، اتبع أتبعهم للقياس) ويضرب أمثلة
على مذهبه هذا في اختلاف الصحابة فيقول: (وقد اختلف وعلي رضي الله عنهما في ثلاث
مسائل: القياسُ فيها مع علي، وبقوله آخذ). وهذه المسائل الثلاث هي:
عمر
الأولى
في زوجة المفقود: قال عمر : يضرب له أجل أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً،
ثم تنكح.
(1) الحديث سبق تخريجه وانظر الرسالة الفقرة / ١٦٨٥ ص / ٥٦٢
والفقرة / ١٦٩٤ ص / ٥٦٦ و ٥٦٧، وهذا مذهب ،عائشة وزيد بن ثابت، وابن عمر رضي الله
عنهم، ويرجحه باللغة،
والسنة، والقرآن، انظر تفسير الآية / ۲۸۸ من سورة
البقرة.
(۲) آداب الشافعي ومناقبه للرازي ص/ ٢٣٥ و ٢٣٦
VɅ
________________________________________
وقال
علي : منسأة لا تنكح أبداً – وقد اختلف فيه عن علي يصح موت أو فراق.
الثانية:
وقال عمر الله في رجل يطلق امرأته في سفر، ثم يرتجعها، فيبلغها الطلاق ولا
تَبْلُغُها الرجعة حتى يَحُلَّ وتَنكِحَ. إنّ زوجها الآخر أولى بها، إذا
دخل
بها.
وقال علي ه: هي للأول أبداً، وهو أحق بها.
: - في الذي ينكح
المرأة في العدة، ويدخل بها - إنه
الثالثة: وقال عمر يفرق بينهما، ثم لا
ينكحها أبداً.
وقال علي : ينكحها بعد
(1)
ثانياً: رأي الشافعي في
حجية اقوال الصحابة رضوان الله عليهم:
رجح الإمام البيهقي وغيره من أصحاب
الشافعي، أن مذهب الشافعي هو اعتبار قول الصحابي حجة عنده ويدللون على ذلك برواية
الربيع عن الشافعي رحمه الله أنه قال: (الأصل كتاب الله أو سنة، أو إجماع الناس،
أو قول بعض أصحاب رسول الله ).
وزعم الأكثرون منهم: أن الشافعي رجع عن هذا
في مذهبه الجديد، ورأى فيه أن قول الصحابي ليس بحجةٍ - والله أعلم - (۲) .
وإذا
تتبعنا أقوال الشافعي الواردة في احتجاجه بأقوال الصحابة أو رأيه في عدم احتجاجه
بأقوالهم نرى خلاصة هذه الأقوال عنده كما يلي:
(۱) آداب الشافعي ومناقبه
للرازي ص/ ٢٣٥و٢٣٦
(۲) مناقب الشافعي لابن كثير ص/ ١٧٣
۷۹
________________________________________
-
إذا أجمعوا على قول، فإنه يعتبر قولهم حجة، ولا يخرج عن قولهم. - فإذا لم يجمعوا،
ووجد قول أحدهم ، ولم يوجد ما يخالفه من كتاب أو سنة أو ،إجماع، اعتبره حجة وأخذ
به.
-
- وأما إذا اختلفوا، فنراه ينظر إلى أقوال الأئمة الأربعة
الراشدين رضي الله عنهم: أ- فما كان من قول أحدهم دلالة من كتاب أو سنة، أخذ به
لوجود
الدلالة.
ب وإن لم يكن لأقوالهم دلالة من كتاب أو سنة، أخذ بقول
الأكثر.
به
لذلك
ج فإن تكافؤوا نظرَ في أحسن أقاويلهم مخرجاً
عنده، فأخذ نراه يقول في حقهم وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا
لأنفسنا
- والله أعلم
-٤- فإذا ذهب أصحاب محمد - أي تفرقت أقوالهم، وخالفت السنة
فحرام على تابعي الاتباع لهم بإحسان (۱).
ثالثاً: نماذج من تفسيره القرآن
بأقوال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم: ۱ - اختلاف الصحابة الكرام في الرد أي)
في رد المواريث إذا زادت التركة عن أصحاب الفروض ولم يكن عصبة فماذا نفعل؟ فقال:
زيد بن ثابت: يعطى كل وارث ما سُمّي له، فإن فَضَلَ فَضل، ولا عصبة للميت كان ما
بقي الجماعة
المسلمين.
(۱) مناقب الشافعي للبيهقي ج ١ ص / ٤٤٢-٤٤٤
(ملخصاً)، وانظر مناقب الشافعي لابن كثير ص / ١٧٣ و ١٧٤ (المتن) وفي (الهامش) نرى
الدكتور خليل ملا خاطر يوفق بين القولين الواردين عن الشافعي في حجية أقوال
الصحابة أو عدمها بقوله : كان الشافعي يأخذ بأقوال الصحابة على أنها سنة - كما هو
رأي مالك - في مذهبه القديم ولكنه في مذهبه الجديد أصبح يأخذ بها تقليداً
واتباعاً. (اهـ) بتصرف، وانظر الشافعي حياته وعصره/ لأبي زهرة ص/ ٢٧٤
۸۰
________________________________________
قل
ما اختلفوا فيه إلا وجدنا فيه عندنا دلالة من كتاب الله، أو سنة
رسوله، أو
قياساً عليهما، أو على واحد منهما).
ويضرب لذلك مثالاً في اختلافهم بتفسير
لفظ (القُرْء) فيقول:
واختلفوا في الأقراء، وأصح ذلك أن الأقراء: الأطهار ؛
لقول النبي
(۱)
龋
لعمر: «مره (يعني لابن عمر يطلقها في طهر لم
يمسسها فيه، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء (1) الحديث، فلما سماها
رسول الله عدة كان أصح القول فيها (الطهر) ؛ لأن النبي سماها (يعني: الأطهار):
العدة. النظرة الثانية: فإن لم يجد ما يشابه أقوالهم المختلفة شيء من القرآن أو
السنة،
(۲)
فنراه يجعل أتبعهم للقياس، فيأخذ به بشرط ألا يخالف قولهم
نصاً شرعياً. قال الشافعي رحمه الله: (وإذا اختلفوا - يعني: أصحاب رسول الله .
نظر أتبعهم للقياس، إذا لم يوجد أصل يخالفهم، اتبع أتبعهم للقياس) ويضرب أمثلة
على مذهبه هذا في اختلاف الصحابة فيقول: (وقد اختلف وعلي رضي الله عنهما في ثلاث
مسائل: القياسُ فيها مع علي، وبقوله آخذ). وهذه المسائل الثلاث هي:
عمر
الأولى
في زوجة المفقود: قال عمر : يضرب له أجل أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً،
ثم تنكح.
(1) الحديث سبق تخريجه وانظر الرسالة الفقرة / ١٦٨٥ ص / ٥٦٢
والفقرة / ١٦٩٤ ص / ٥٦٦ و ٥٦٧، وهذا مذهب ،عائشة وزيد بن ثابت، وابن عمر رضي الله
عنهم، ويرجحه باللغة،
والسنة، والقرآن، انظر تفسير الآية / ۲۸۸ من سورة
البقرة.
(۲) آداب الشافعي ومناقبه للرازي ص/ ٢٣٥ و ٢٣٦
VɅ
________________________________________
وقال
علي : منسأة لا تنكح أبداً – وقد اختلف فيه عن علي يصح موت أو فراق.
الثانية:
وقال عمر الله في رجل يطلق امرأته في سفر، ثم يرتجعها، فيبلغها الطلاق ولا
تَبْلُغُها الرجعة حتى يَحُلَّ وتَنكِحَ. إنّ زوجها الآخر أولى بها، إذا
دخل
بها.
وقال علي ه: هي للأول أبداً، وهو أحق بها.
: - في الذي ينكح
المرأة في العدة، ويدخل بها - إنه
الثالثة: وقال عمر يفرق بينهما، ثم لا
ينكحها أبداً.
وقال علي : ينكحها بعد
(1)
ثانياً: رأي الشافعي في
حجية اقوال الصحابة رضوان الله عليهم:
رجح الإمام البيهقي وغيره من أصحاب
الشافعي، أن مذهب الشافعي هو اعتبار قول الصحابي حجة عنده ويدللون على ذلك برواية
الربيع عن الشافعي رحمه الله أنه قال: (الأصل كتاب الله أو سنة، أو إجماع الناس،
أو قول بعض أصحاب رسول الله ).
وزعم الأكثرون منهم: أن الشافعي رجع عن هذا
في مذهبه الجديد، ورأى فيه أن قول الصحابي ليس بحجةٍ - والله أعلم - (۲) .
وإذا
تتبعنا أقوال الشافعي الواردة في احتجاجه بأقوال الصحابة أو رأيه في عدم احتجاجه
بأقوالهم نرى خلاصة هذه الأقوال عنده كما يلي:
(۱) آداب الشافعي ومناقبه
للرازي ص/ ٢٣٥و٢٣٦
(۲) مناقب الشافعي لابن كثير ص/ ١٧٣
۷۹
________________________________________
-
إذا أجمعوا على قول، فإنه يعتبر قولهم حجة، ولا يخرج عن قولهم. - فإذا لم يجمعوا،
ووجد قول أحدهم ، ولم يوجد ما يخالفه من كتاب أو سنة أو ،إجماع، اعتبره حجة وأخذ
به.
-
- وأما إذا اختلفوا، فنراه ينظر إلى أقوال الأئمة الأربعة
الراشدين رضي الله عنهم: أ- فما كان من قول أحدهم دلالة من كتاب أو سنة، أخذ به
لوجود
الدلالة.
ب وإن لم يكن لأقوالهم دلالة من كتاب أو سنة، أخذ بقول
الأكثر.
به
لذلك
ج فإن تكافؤوا نظرَ في أحسن أقاويلهم مخرجاً
عنده، فأخذ نراه يقول في حقهم وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا
لأنفسنا
- والله أعلم
-٤- فإذا ذهب أصحاب محمد - أي تفرقت أقوالهم، وخالفت السنة
فحرام على تابعي الاتباع لهم بإحسان (۱).
ثالثاً: نماذج من تفسيره القرآن
بأقوال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم: ۱ - اختلاف الصحابة الكرام في الرد أي)
في رد المواريث إذا زادت التركة عن أصحاب الفروض ولم يكن عصبة فماذا نفعل؟ فقال:
زيد بن ثابت: يعطى كل وارث ما سُمّي له، فإن فَضَلَ فَضل، ولا عصبة للميت كان ما
بقي الجماعة
المسلمين.
(۱) مناقب الشافعي للبيهقي ج ١ ص / ٤٤٢-٤٤٤
(ملخصاً)، وانظر مناقب الشافعي لابن كثير ص / ١٧٣ و ١٧٤ (المتن) وفي (الهامش) نرى
الدكتور خليل ملا خاطر يوفق بين القولين الواردين عن الشافعي في حجية أقوال
الصحابة أو عدمها بقوله : كان الشافعي يأخذ بأقوال الصحابة على أنها سنة - كما هو
رأي مالك - في مذهبه القديم ولكنه في مذهبه الجديد أصبح يأخذ بها تقليداً
واتباعاً. (اهـ) بتصرف، وانظر الشافعي حياته وعصره/ لأبي زهرة ص/ ٢٧٤
۸۰
________________________________________
وقال
غيره: إنه يرد فضل المواريث على أصحاب الفرائض..
وقد اختار الشافعي رحمه
الله رأي زيد بن ثابت وقال: إنه هو الذي يدل عليه كتاب الله تعالى بقوله : ( إن
أمْرُوا هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُمْ أُخْتٌ فَلَهَا
نِصْفُ مَا
تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّمَا وَلَدٌ ﴾ [النساء: ١٧٦] (١)
الآية .
-۲- اختلف الصحابة في ميراث الجد، مع الإخوة والأخوات الشقيقات لأب،
فقد اختلف الصحابة في مقدار ميراثه وحجية هؤلاء الإخوة والأخوات: فقال أبو بكر
وابن عباس وعائشة وابن الزبير رضي الله أجمعين: إنهم جعلوه أباً، وأسقطوا الإخوة
إذا كانوا معه، لأنه أب يأخذ نصيب الأب
عند عدمه.
عنهم
ويختار
الشافعي رحمه الله رأي زيد الله ، فنراه في كتاب الأم يقول: إذا ورث الجد مع
الإخوة قاسمهم ما كانت المقسامة خيراً له ما كانت المقسامة خيراً له من الثلث،
فإذا كان الثلث منه أعطيه، وهذا قول زيد بن ثابته وعنه قبلنا أكثر الفرائض
خيراً
له
الله عنهم في تفسير لفظة القرء، هل هو
(۲)
ثلاث
٣-
اختلافهم رضي حيضات أم ثلاثة أطهار؟ وقد رجح الشافعي تفسيره بالأطهار، استناداً
لمذهب أم المؤمنين عائشة، وزيد بن ثابت، وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين
(۳)
(۱)
انظر تفسيرها وانظر الرسالة الفقرات / ١٧٥٢ - ١٧٧٢ ، ص / ٥٨٦-٥٩٠، وانظر الشافعي
حياته وعصره لأبي زهرة ص/ ۲۷۸ و ۲۷۹.
(۲) الأم، ج / ٤ ، ص ۱۱ وانظر الرسالة
الفقرات/ ۱۷۷۳ - ۱۸۰ ، ص ٥٩١-٥٩٦، وانظر الشافعي حياته وعصره لأبي زهرة ص/
۲۷۹-۲۸۱
(۳) انظر إلى أول هذا المبحث نظرة الشافعي إلى أقوال الصحابة وانظر
تفسير الآية/ ٢٢٨ من سورة البقرة.
۸۱
________________________________________
المبحث السادس تفسيره الإمام الشافعي للقرآن بأقوال التابعين والأئمة
أولاً : هل أقوال التابعين والأئمة حجة عند الإمام الشافعي ؟
لم يذكر
الشافعي رحمه الله في كتبه تصريحاً باتباع أقوال التابعين والأئمة، ولم يُعرف عنه
قول في ذلك لكننا نراه في تفسيره لبعض الآيات يقول: وهذا قول عطاء، وأنا آخذ به،
أو هذا قول مجاهد و به آخذ
.
يقول ابن القيم رحمه الله في ذلك: وقد صرح
الشافعي في موضع آخر بأنه قاله تقليداً لعطاء، وهذا من كمال علمه وفقهه ، فإنه لم
يجد في المسألة غير قول عطاء، فكان قوله عنده - أي: عند الشافعي - أقوى ما وجد في
المسألة. وقال في موضع آخر وهذا يخرج على معنى قول عطاء
(1)
لكن الشيخ
أبا زهرة لا يرى أن الشافعي رحمه يرى تقليد التابعي ؛ لأنه يجوز أن يكون قد نسب
رأيه لعطاء ؛ لأنه وافق قياسه أو لأنه تنبه إلى وجه القياس في القضية مسترشداً في
ذلك بسبق عطاء إلى هذا الرأي، وليس لنا إلا أن نتجه إلى ذلك الاتجاه ؛ لأنه لما
بين مصادر فقهه في كتاب (الرسالة) لم يذكر من بينها أقوال التابعين ولم يجعل لهم
من الاعتبار مكان أقوال الصحابة، ولأنه طرائق الاستدلال في أكثر من موضع من كتبه،
ولم نعثر في أي موضع منها على إشارة أو عبارة تفيد أنه يرى قول التابعي في مكان
الاعتبار لا يخرج عنه
(1) الشافعي حياته وعصره / لأبي زهرة ص/ ۲۸۳
(۲)
المرجع السابق ص / ۲۸۳
(۲)
حصر
۸۲
________________________________________
بل
نراه يناقش التابعين فيما ذهبوا إليه، وكمثال على ذلك دراسته لكتب الحنفية، ثم
الرد عليها، ومنها مناقشته للأوزاعي، ومالك - مع إجلاله لقدر أستاذه - ومخالفة
اجتهاده لاجتهادهم، ونراه يذكر أهل المدينة أثناء مناقشتهم بقوله: قال بعض
أصحابنا.
وإذا ذكر أهل العراق يريد مناقشتهم قال: قال بعض الناس ونجد هذا في
أكثر من موضع في تفسيره
(1)
والخلاصة أن الشافعي لا يعتبر آراء
التابعين والأئمة المعاصرين له حجة، حتى يجتهد هو برأيه، فإن وافق رأيه رأي أحدهم
فيكون بما أداه إليه اجتهاده، وإلا فقد اجتهد فيما وضعه لنفسه من طرائق
الاستنباط، والفهم، والتفسير.
لذا نراه يقول (۲) : ومِنْ أن يَرْوِيَ عن رجل
من التابعين، أو من دونهم قولاً لا يلزمه الأخذ به، فيكون إنما رواه لمعرفة قوله
- لا لأنه حجة عليه وافقه أو خالفه).
ويقول في موضع آخر (۳) : (لم أعلم
مخالفاً في أن من مضى من سلفنا والقرون بعدهم إلى يوم كنا قد حَكَمَ حاكِمُهم
وأفتى مفتيهم في أمور ليس فيها نص كتاب ولا سنة) وفي هذا دليل على أنهم إنما
حكموا اجتهاداً، إن شاء الله تعالى.
وما كان يذكره في تفسيره نقلاً عن
الإمام مجاهد فهذا اعتماد على روايته
عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو المقل
في الرواية عنه
(۱) آداب الشافعي ومناقبه للرازي، ص/ ٢٠٢.
(۲) الرسالة
الفقرة/ ١٢٥٤، ص / ٤٦٠ .
(۳) کتاب جماع العلم تحقيق محمد أحمد بن عبد
العزيز، ص/ ٣٢. /
(٤) الإمام الشافعي / للدقر، ص / ١٩٧.
(٤)
۸۳
________________________________________
وقد
يذكر عن عطاء، أو مجاهد أو غيرهما من التابعين إستناداً لمروياتهم، وليس
لاجتهادهم في التفسير إنما وافق تفسيره ما ذهبوا إليه، لذلك نراه يقول بعد ذكر
قول عطاء أو مجاهد أو غيرهما رحمهم الله : وهذا أشبه ما قيل بما قال، أو نحوها من
عبارات تدل على أن اجتهاده وصل إلى ما وصل إليه هذا التابعي.
ثانياً: أقوال
له في مدح التابعين الذين عاصرهم (۱):
١ - وَصفه لمالك وسفيان رحمهما الله.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن، حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري قال: قال
الشافعي رحمه الله: (مالك وسفيان قرينان).
وأخبرنا أبو محمد، عن يونس بن عبد
الأعلى في هذه الحكاية زيادة لم أسمعها من يونس قال: قال الشافعي رحمه الله:
(مالك وسفيان القرينان في
إسناد الحجاز).
وأخبرنا أبو محمد، حدثنا أبي
حدثنا أحمد بن خالد الخلال قال: سمعت الشافعي يقول : لولا) مالك وسفيان لذهب علم
الحجاز).
۲- مَدْحُه لابن عيينة رحمه الله :
أخبرنا أبو أحمد عبد
الرحمن بن أبي حاتم ، حدثنا أبي، حدثنا حرملة بن يحيى (أبو حفص التجيبي قال: سمعت
الشافعي يقول: (ما رأيت أحداً - من الناس - فيه فيه من آلة العلم ما في سفيان بن
عيينة وما رأيت أحداً أكف عن الفتيا منه وما رأيت أحداً أحسن لتفسير الحديث
منه).
(1) النصوص المنقولة من آداب الشافعي ومناقبه للرازي ص/ ٢٠٤-٢١٠
٨٤
________________________________________
-٣-
وصفه لعطاء رحمه الله:
أخبرنا أبو محمد، حدثنا محمد بن مسلم (المعروف بابن
وارة) قال: سمعت بعض أصحاب الشافعي: يُحكي عن الشافعي قال: (ليس من التابعين أحد
أكثر اتباعاً للحديث من عطاء).
٤
- ما قاله في الشعبي رحمه الله:
أخبرنا
أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي) قراءة عليه، وأنا أسمع، قال: حدثنا محمد
بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال: سمعت الشافعي يقول: (الشعبي - في كثرة
الرواية - مثل عروة بن الزبير).
-٥ - مَدْحُه لأهل العراق في الفقه:
قال
أبو محمد: وقال الربيع بن سليمان مرة أخرى): سمعت الشافعي يقول : ( الناس عيال
على أهل العراق في الفقه).
بذلك نرى أن الشافعي رحمه الله تعالى: وإن لم
يحتج بأقوال التابعين لكنه كان يقدرهم ويجلهم ، وإن اختلف معهم في الاجتهاد،
فاختلاف مجتهد للوصول إلى الحق، ولا يهمه إذا وافق هذا أو ذاك، ونراه يستخدم
طريقة الجرح والتعديل في المدح أو القدح، بدون تجريح لشخص المذموم ، وهذه طريقة
السلف الصالح، ولنضرب أمثلة على ذلك (۱) :
أ- قوله: غلط سفيان في إسناد هذا
الحديث ويعني بذلك: حديث ابن الهاد. ب ولما ذكر له حرام بن عثمان قال عنه الحديث
عن حَرَام بن عثمان: حرام يعني أنه ليس بصدوق.
(1) هذه النصوص منقولة من
آداب الشافعي ومناقبه للرازي ص/ ۲۰۹-۲۱۸
٨٥
________________________________________
ج-
وذكر له أبو جابر البياضي (وهو : محمد بن عبد الرحمن فقال: (بَيْضَ اللهُ عيني من
يروي عنه يريد بذلك تغليظاً على من يكذب على رسول الله :
ما قاله في شعبة
رحمه الله: أخبرنا أبو محمد، حدثنا الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي إذا قاس
إنسان فأخطأ، قال: هذا قياس شعبة).
٨٦
________________________________________
المبحث السابع تفسير الإمام الشافعي للقرآن باللغة العربية وأساليبها
مَرّ معنا سابقاً أن الشافعي رحمه الله حجة في اللغة، وما سمعه أحد يلحن
في الكلام ؛ بل يعتبر اللغة العربية مهمة في دين الله ، فبها يتم تفسير كلام الله
تعالى الوارد في كتابه وتفسير كلام رسول الله له الوارد في سنته.
وعندما
أراد أحد المنتقدين انتقاص قيمة الشافعي رحمه الله بأنه ذكر من أقسام المياه
الماء المالح ) ولم يذكر (الماء الملح) جرياً على القرآن الكريم بقوله تعالى : (
وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾ [الفرقان: ٥٣] الآية، جاء الزمخشري) رحمه الله ليبين أن
الشافعي حجة في اللغة واستدل مؤيداً ما ذهب إليه الشافعي بقول الشاعر: فلو
تَفَلَتْ في البحر والبحر مالح لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا
أولاً : كيفية
استخدام الشافعي للغة في التفسير:
كانت طريقة الشافعي في توظيف فصاحته ولغته
الدقيقة في بيان فهم المراد من كتاب الله وسنة رسوله رسوله يستشهد بالشعر العربي
لما يذهب إليه، كما كان يفعل ابن عباس رضي الله عنهما، يقول أبو حسان الزنادي:
(ما رأيت أحداً أقدر على انتزاع المعاني من القرآن والاستشهاد على ذلك من اللغة
من الشافعي (۳).
(۱) في رحاب الإمام الشافعي للعوضي ص/۷۷ (۲) توالي التأسيس
لابن حجر ص/ ۸۹
۸۷
ثانياً:
ثناء العلماء على أنه حجة في اللغة:
بهذه الملكة - اللغوية - التي قبض
زمامها الشافعي، أصبح حجة يقصده العلماء، حتى إنك إذا قرأت في تأليفه، لا تستطيع
أن تضع لفظاً آخر أحكم ولا أبلغ مما اختاره، يقول يونس بن عبد الأعلى (كانت ألفاظ
الشافعي كأنها ويقول أيضاً: كنا إذا قعدنا حوله لا ندري كيف يتكلم، كأنه
شكر)
(۱)
سحر)
(۲)
وقال محمود المصري: سمعت ابن هشام النحوي المعروف يقول: (جالست الشافعي
زماناً، فما سمعته تكلم بكلمة إلا اعتبرها المعتبر، لا يجد كلمة في
العربية
أحسن منها) (۳).
الشافعي: : (كان الشافعي من أفصح
وكان أحمد بن حنبل
يقول عن لغة الناس، وكان مالك يعجبه قراءته، لأنه كان فصيحاً) (٤
(٤)
وقال
داود بن علي الظاهري: (من) تعلق بشيء من بيانه صار محجاجاً) (٥).
ثالثاً: طريقته
في تأليف الكتب
كان الربيع بن سليمان المرادي يرى أن تأليف الشافعي لكتبه
أيسر من كلامه، لأنه يعتمد السهولة ليكون أوضح لعوام الناس، يقول في هذا الصدد:
(لو رأيت الشافعي وحسن بيانه وفصاحته لعجبت منه ولو أنه ألف هذه الكتب على
(۱)
توالي التأسيس/ لابن حجر ص/٩٦.
(۲) المرجع السابق ص / ٩٦ .
(۳) معجم
الأدباء لياقوت الحموي، ج / ۱۷ ص / ۲۹۹-۳۱۷.
(٤) توالي التأسيس لابن حجر، ص
/ ۹۷ ، وانظر آداب الشافعي ومناقبه/ للرازي، ص/١٣٦. (ه) تهذيب الأسماء واللغات
للنؤوي، ج/ ۱ ، ص / ٦٣.
٨٨
________________________________________
عربيته
التي كان يتكلم بها معنا في المناظرة ؛ لم يُقدر على قراءة كتبه لفصاحته، وغرائب
الفاظه، غير أنه كان في تأليفه يجتهد في أن يوضح للعوام) (۱).
(۲)
وللنظر
إلى شهادة الجاحظ في تأليف الشافعي للكتب حيث يقول: (نظرت في كتب هؤلاء النبغة
الذين نبغوا في العلم، فلم أرَ أحسن تأليفاً من المطلبي، كان فاه ينظم دراً إلى
در وهذه شهادة أخرى لأبي ثور حيث يقول: (من) قال: إنه رأى مثل الشافعي في علمه
وفصاحته، ومعرفته، وبيانه، وتمكنه، فقد كذب)
رابعاً : نماذج من تفسيره
القرآن باللغة العربية:
(۳)
۱ - قال الله تعالى : ( ذَلِكَ أَدْنَى
أَلا تَعُولُوا ) [النساء: ٣] الآية.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ سمعت
محمد بن عبد الله الفقيه يقول: سألت
(٤)
أبا عمر غلام ثعلب) عن حروف
أخذت على الشافعي مثل قوله : ماء مالح ومثل قوله: ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا
تَعُولُوا ) الآية، أي: لا يكثر من تعولون(٥).
(۱) توالي التأسيس لابن حجر
ص/ ٩٥
(۲) المرجع السابق ص / ٩٤
(۳) توالي التأسيس ص / ۹۳ ، والوافي
بالوفيات للصفدي ج ۱ ص / ۱۷۷
(٤) سبق ذكرها ورد الزمخشري على من انتقد
الشافعي في هذا القول في مقدمة هذا المبحث). (٥) أي: فسرها الشافعي بهذا التفسير:
لئلا يكثر عيالكم قال الأزهري وهذا يؤيد ما ذهب إليه الشافعي في تفسير هذه الآية
وهو ما نقل عن الكسائي : عال الرجل يعول: إذا افتقر، وانظر
الإمام الشافعي
للدقر ص/ ۲۷۱
۸۹
________________________________________
وقوله:
أينبغي أن يكون كذا وكذا ؟ فقال لي: كلام الشافعي صحيح
(1)
۲- قال
الشافعي رحمه الله: قال الله سبحانه وتعالى: ( فَأَغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ )
[المائدة: ٦] الآية فكان معقولاً أن الوجه ما دون منابت شعر الرأس إلى الأذنين
واللحيين والذقن، وليس ما جاوز منابت شعر الرأس الأغم من النزعتين من
الوجه
(۲)
قال
الربيع : وقد قال الشاعر (۳):
فلا تنكحي إن فرَّق الدَّهر بيننا أغم القفا
والوجه ليس بأَنْزَعَا
-٣- قال الله تبارك وتعالى : ( وَمِنْ حَيْثُ
خَرَجْتَ فَوَلِ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ
فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: ١٥٠].
قال الشافعي رحمه الله :
وشطره: جهته في كلام العرب.
إذا قلت: (أقصد شطر كذا معروف أنك تقول أقصد عين
كذا، يعني: قصد نفس كذا.
:
وكذلك تلقاءه جهته، أي: استقبل تلقاءه
وجهته، وإن كلها معنى واحد، وإن كانت بألفاظ مختلفة ثم استشهد بأربعة أبيات من
الشعر تدل على ما ذهب
إليه وهي:
(۱) مناقب الشافعي للبيهقي، ج / ١ ، ص
/ ٥١ و ٥٢ ، وتوالي التأسيس لابن حجر، ص/ ١٠٣
والإمام الشافعي للدقر ص
۲۷۱
(۲) مناقب الشافعي للبيهقي، ج ۲، ص / ٥٧ و ٥٨ ، وانظر الأم، ج ۱، ص ۲۱ .
/ (۳) البيت الهدبة بن خشرم، كما في الأغاني، ج۲۱، ص / ۲۸۳.
۹۰
________________________________________
کله
قول
خفاف بن ندبة:
الا من مبلغ عمراً رسولاً وما تغني الرسالة شطر عمرو
وقول
ساعدة بن جُويَّة:
أقول لأم :زنباع أقيمى صدور العيس شطر بني تميم
وقول
لقيط الأيادي:
وقد أظلكم من شطر ثغركم هول له ظلم تغشاكم قطعاً
وقول
أحد الشعراء الهذليين (۱):
إن العسير بها داء مخامرها فشطرها بصر العينين
مسحور
يريد: تلقاءها
بصر العينين ونحوها تلقاء جهتها، وهذا
قال
الشافعي رحمه الله: مع غيره من أشعارهم يبين أن شطر الشيء: قصد عين الشيء، إذا
كان معايناً
فبالصواب، وإن كان مغيباً فبالاجتهاد بالتوجه إليه، وذلك أكثر
ما يمكنه فيه (۲
٤ - قال الله تعالى : ... وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ ) [المائدة: ٦] الآية.
(۲)
قال الشافعي رحمه الله
والكعبان اللذان أمر الله بغسلهما: ما أشرف من مجمع مفصل الساق والقدم والعرب
تسمي كل ما أشرف واجتمع كعباً، حتى
تقول: كعب سمن
(1)
(۳)
يرجح
محقق كتاب الرسالة في حاشيته ص / ٣٥ و ٣٦ أن هذا البيت لقيس بن خويلد الهذلي
أخو
بني صاهلة يصف ناقته.
(۲) الرسالة الفقرات / ١٠٤-١١٢ ص / ٣٤-٣٨
(۳)
مناقب الشافعي / للبيهقي ج ۲ ص / ٢٨٥ و ٢٨٦ ، وانظر أحكام القرآن ج ١ ص / ٤٤
۹۱
________________________________________
-
قال الله : ( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة: ۷۹] الآية.
أخبرنا
أبو عبد الله الحسين بن محمد الدينوري، قال: حدثنا ظفران بن حسين قال: حدثنا عبد
الرحمن بن أبي حاتم قال: قال الربيع بن سليمان: سُئِل الشافعي يعني عن الملامسة
فقال: هو المس باليد ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن الملامسة؟ (۱)
الحديث، والملامسة: أن يلمس الثوب بيده، يشتريه ولا يُقلبه. قال الشافعي: قال
الشاعر:
والمست كفي كفه أبتغي الغنى ولم أدر أن الجود من كفه يُعدي
فلا
أنا منه ما أفاد ذوو الغنى أفدت وأعداني فبددت ما عندي
(۲)
إلى غير ذلك
من الأمثلة الكثيرة التي يراها من قرأ تفسير الإمام الشافعي نكتفي بهذا خشية
الإطالة ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى التفسير ففيه ما يشفي الصدور، ويبصر
العيون بضلاعة الشافعي وقوته في اللغة ومعانيها
وأساليبها.
(۱) هذا
إشارة إلى الحديث الصحيح انظر شفاء العي بتحقيق مسند الشافعي ص/ ۲۹۷ و ۲۹۸،
برقم
٤٨٢ وفيه زيادة في آخره: والمنابذة.
(۲) البيتان لبشار بن برد كما في الشعر
والشعراء ج ۲ ص / ۷۳۳