الكتاب: أحكام القرآن
المؤلف: أبو بكر أحمد بن الحسين الخسروجردي البيهقي (ت ٤٥٨ هـ)
ميزه وجمعه من كلام: الإمام أبي عبد الله المطلبي محمد بن إدريس الشافعي (ت ٢٠٤ هـ)
حققه وعلق عليه: أبو عاصم الشوامي
الناشر: دار الذخائر
الطبعة: الأولى، ١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م
عدد الصفحات: ٤٢٧
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صفحة المؤلف: [أبو بكر البيهقي]
فهرس الموضوعات
- مقدمة التحقيق
- أولا: التعريف بالكتاب
- ثانيا: منهجي في تحقيق الكتاب، والعلة من إعادة تحقيقه
- أما عن منهجي في تحقيق هذا النص
- ثالثا: ترجمة مختصرة للإمام الشافعي - رضي الله عنه -
- ذكر بعض شيوخه
- أشهر من تلمذ له
- رابعا: ترجمة الإمام الربيع بن سليمان الراوي عن الشافعي
- خامسا: ترجمة الإمام أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم
- سادسا: ترجمة أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم
- سابعا: ترجمة أبي سعيد ابن أبي عمرو
- ثامنا: ترجمة أبي زكريا بن أبي إسحاق المزكي
- تاسعا: ترجمة صاحب الكتاب الإمام أبي بكر البيهقي
- عاشرا: وصف النسخ الخطية
- نماذج من صور المخطوطات
- تحميل الكتاب المتكامل
- العودة الي تفسير أحكام القرآن للشافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
الحمدُ للهِ وَاهِبِ النِّعَم، بَارِئ النَّسَم، خَالِقِ كُلِّ
شَيءٍ مِن عَدَم، أَرسَل رُسَلَه وأَنزلَ كُتبَه لهداية الأُمَم، فَأنزَل
التَّوراةَ والإنْجِيل تَمامًا عَلى الذِي أَحْسنَ وتَفْصِيلًا لكُل شَيءٍ
وأَتَم، ووَكَل حِفْظَهُما إلى أهْلِ الكِتابَين، فَكتَمُوه وحَرَّفُوه
وأَفْسَدُوا في الأرض؛ فَاسْتَوْجَبُوا العَذَاب والنِّقَم، فَمَقَت اللهُ أَهلَ
الأَرضِ، العَربَ مِنهم والعَجَم، ثم أَرْسَل رَسُولَه الخَاتَم، ونِبيَّه
المُعَظَّم، مُحَمَّدَ بنَ عبد الله بن عَبد المُطَّلِب بن هَاشِم، الصَّادِقَ
المُصْدُوقَ الذي لا يُتَّهَم، وأَنزَل عَليه كتابًا لا يَغْسِله المَاءُ، فيه
نَبَأُ مَن قَبْلَكُم وخَبَرُ ما بَعْدَكُم وحُكْمُ ما بَيْنَكُم، تَكَفَّل هو
سُبحَانَه بِحفْظِه، فَأخْرَج به النَّاسَ إلى الهُدَى والنُّور بَعْد الضَّلَال
والظُّلَم، فَاللهُم صَلِّ وبَارِك عَلى نَبيِّنا الأَكْرَم، خَيرِ مَن قَال ومَن
عَلَّم، أَفْصَحِ مَن نَطَقَ وتَكَلَّم، أَصْدَقِ مَن كَبَّر أو عظَّم، وعَلى
آلِه وصَحْبِه وسَلِّم، صَلاةً وسَلامًا دَائِمَين أبدًا، كُلَّما أَشْرَق نَهارٌ
وأَعْتَم.
أما بعد،
فإن الله - عز وجل - أنزل كتَابَه
المُعْجِز، ووَحْيَه المُنْقِذ، وتَكَفَّل بحفظه وصِيانته فقال - جل جلاله:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] .
ولم يكن هذا الحفظ للكتاب قاصرًا على حفظ حروفه ومبانيه، بل كان الحِفظُ في
المَقَام الأول لأحكامه ومعانيه، فالقرآن لم يُنزِلْهُ اللهُ - عز وجل -
ليُتَعبَّد بتلاوته والتَّغَني به
وحَسْب، وإنما أنزله مِنهاجًا
للحياة، وصِراطًا مُستقيمًا، وطريقًا لَاحِبًا للوصول إليه تبارك وتعالى، قال
تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا
دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: ٢٤] .فجعل اللهُ - عز وجل - الاستجابةَ
له ولرسولِه الكريم - صلى الله عليه وسلم: سَبيلًا للنجاة وللحياة الحقيقية.
فكان
لِزامًا لذلك: أن تكون معاني القرآنِ واضِحةً جِليَّةً، كي تَقومَ الحجةُ على
العباد بذلك، فَأبَان اللهُ - عز وجل - على لِسان رَسُولِه - صلى الله عليه وسلم
- معاني القُرآن لأصحابه، وأوضح لهم ما خَفِي عليهم منه، قال تعالى:
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ
وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤] .
فحفظ أصحابُه - رضي الله
عنهم - هذا البيان النبوي، وبلَّغوه مَن بعدهم، وهكذا لتكون الحجة قائمة إلى أن
تقوم الساعة.
وما لم يأت فيه خَبَرٌ عن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -، ولا عن أصحابه: قام له أساطِينُ العِلم وحَمَلةُ لِواءِ الشَّريعة،
وحُفَّاظ الوَحي -الذين حَفِظَ اللهُ تعالى بهم هذا الدين-؛ ليفسروه ويَستَنبِطوا
منه أحكامه التي خَفِيت، أو أُشْكِلَت.
فقام العلماءُ الذين لا
يَتَّسِع هذا المقام لذكرهم وذِكْر مَناهجهم المختلفة في التفسير والبيان على نحو
يَبهر الألباب = بتفسير كتاب الله - عز وجل - (١) ، ومعرفة عامِّه وخاصِّه،
ومُحْكَمِه ومتشابهه، ومُطْلَقِه ومُقَيَّدِه، وناسِخِه ومَنسُوخِه، وما كان منه
مَكيًا وما كان مدنيًا، إلى آخر تلك القواعد المُحكمة
(١) وقد اختلفت
مناهجهم وأغراضهم في ذلك، فمنهم من كان تفسيره أثريا؛ يعتمد على ما في محفوظه من
آثار مسندة تتعلق بتفسير آي الكتاب الحكيم، أيًّا كان الموضوع الذي تتناوله
الآية، ومنهم من كان تفسيره لغويًا، أو نحويًا، أو بلاغيًا، أو جامعًا لكل ما
ذكرنا، أو فقهيًا مذهبيًا؛ وهذا الأخير هو الذي وسمه أكثرهم بقولهم: أحكام
القرآن، وكتابنا الذي نحن بصدد تحقيقه من هذا النوع الأخير.
التي قام
عليها تفسير كتاب الله تعالى، وما ذاك منهم إلا بتسديد الله لهم، وتوفيقه،
وتصديقًا لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] .
وكان من بين هؤلاء: الإمام العلم الكبير
محمد بن إدريس الشافعي - رضي الله عنه - والذي سَنُفردُ له ترجمةً في هذه
المقدمة- فإنه قد أَوْلى آياتِ الكتاب عِنايَتَه، وصَرَف لها هِمَّتَه، فكان له
فيها من الفَتح ما ليس لغيره، وكان ذلك مُفَرَّقًا في تصانيفه، وأماليه. فجاء
الإمام المبارك أبو بكر البيهقي - رحمه الله - بعده بنحو قرنين ونصف مِن الزمان،
فجمع ما تناثر مِمَّا جَادَت به قَريحَةُ الإمام الشافعي في تفسير كتاب الله
تعالى في هذا الكتاب الذي بين يديك: «أحكام القرآن».
وهذا الكتابُ
المُبَارك نُقدِّمه للقارئ الكريم، في صورة قَشِيبَة؛ إذ قد مَرَّ على طبعه أول
مرة زُهَاء سَبعين عامًا، وبعد أن اطَّلَعتُ على منهج مُحَقِّقه الشيخ عبد الغني
عبد الخالق - رحمه الله - في إخراج الكتاب، تبين لي أمورًا سَوَّغَت لي إعادة
تحقيقه مَرَّةً أخرى، وسأذكر ذلك في مبحث مستقل في هذه المقدمة إن شاء الله
تعالى.
* * *
هذا وقد صنف غير واحد من العلماء في أحكام
القرآن، ووسموا كتبهم بنفس الاسم، منهم على سبيل المثال:
١ - الإمام
القاضي أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد الأَزْدِي البصري
الجَهْضَمِي المتوفى: سنة ٢٨٢ هـ. حفيد الإمام حماد بن زيد.
وكتابه
«أحكام القرآن» كتاب مسند يروي فيه الإمام الجهضمي ما وقع له من روايات في
التفسير، وقد رتبه على السور.
وقد طبع الكتاب عن دار ابن حزم سنة ١٤٢٦
هـ - ٢٠٠٥ م بتحقيق الدكتور: عامر حسن صبري.
٢ - الإمام أبو جعفر أحمد
بن محمد بن سَلامة المصري الطَّحَاوي المتوفى: سنة ٣٢١ هـ. صاحب كتاب «بيان مشكل
الآثار»، و «شرح معاني الآثار».
وكتابه أيضًا مُسْنَد، لكنه مرتب على
الأبواب، وقد طبع الكتاب في مركز البحوث الإسلامية التابع لوقف الديانة التركي،
استانبول، بتحقيق الدكتور: سعد الدين أونال.
٣ - الإمام أحمد بن علي
أبو بكر الرازي الجَصَّاص الحنفي المتوفى: ٣٧٠ هـ.
وكتابه مرتب على
السور، وقد طبع الكتاب عن دار إحياء التراث العربي- بيروت ١٤٠٥ هـ. بتحقيق: محمد
صادق القمحاوي.
٤ - الإمام علي بن محمد بن علي، أبو الحسن الطَّبري،
الملقب بعماد الدين، المعروف بالكيا الهراسي الشافعي المتوفى: ٥٠٤ هـ.
وكتابه
مرتب على السور، وقد طبع الكتاب عن دار الكتب العلمية- بيروت ١٤٠٥ هـ. بتحقيق:
جماعة من العلماء بإشراف الناشر.
٥ - القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر
بن العربي المَعَافِري الاشبيلي المالكي المتوفى: ٥٤٣ هـ.
وكتابه مرتب
على السور، وقد طبع عن دار إحياء التراث العربي. بتحقيق علي محمد البجاوي.
وغير
ذلك مما هو مطبوع، ومما لم ير النور إلى الآن، وينظر كتاب «كشف الظنون عن أسامي
الكتب والفنون» للحاج خليفة (١/ ٢٠) .
ومن الجدير بالذكر أَنَّ أَوَّل
مَن صَنَّف في ذلك هو الإمام الشافعي نفسه - رضي الله عنه -، وقد أشارت فهارس
المكتبة الظاهرية أن نسخة مِن هذا الكتاب محفوظة عندهم برقم (٣٨٥٥) جاء في وصفهم
لها ما يأتي:
أوله: هذا كتاب أحكام القرآن العظيم للإمام الشافعي -
رضي الله عنه - مما أخبر عنه الربيعُ بن سليمان فقال:
أخبرنا محمد بن
إدريس الشافعيُّ - رضي الله عنه - قال: قال الله تبارك وتعالى: ... {قَدْ
عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب: ٥٠] وقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} [النساء: ١٩] .
آخره:
قال الشافعي: والحرائر المسلمات والذميات، إذا اجتمعن عند الرجل في القسم سواء،
والقسم هو الليل، يبيت عند كل واحدة منهن ليلتها، ويجب لو آوى عندها نهاره. قال
الشافعي: فإن كان عنده أمة مع حرة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة.
أوصاف
المخطوط: نسخة من القرن الثامن الهجري كتبت بخط معتاد. الأبواب مكتوبة بالأحمر
وبخط أكبر. وهي مخرومة من أولها وينتهي الموجود منها: أول باب القسم للنساء.
أصيبت
بالرطوبة وبالأرضة في مواضع متعددة منها، وقد رُمِّمَت في مواضع منها. توجد هذه
النسخة في مجموع يحوي عددًا مِن الرسائل في الحديث الشريف، والعَروض، والفقه
وغيرها. المجموع مصاب بالرطوبة وبالأرضة التي أثرت على مواضع منه. ينظر: «فهارس
علوم القرآن الكريم لمخطوطات دار الكتب الظاهرية» (٢/ ١٩) .
وفيما يلي
سأذكر مجموعة من المباحث المهمة المتعلقة بالكتاب.
* * *
أولًا: التعريف بالكتاب.
- هو كتابٌ، جَمَع فيه الإمام البيهقي - رحمه الله - أقاويل الإمام
الشافعي - رحمه الله - في «أحكام القرآن وتفسيره» (١) في جزءين، كما ذكر ذلك
البيهقيُّ نفسُه في كتاب «مناقب الشافعي» له (٢/ ٢٦٨) .
وكذلك ذكر
الكتابَ: الإمامُ السبكيُّ في «طبقات الشافعية الكُبرى» (٤/ ١٠) ضمن مجموعة مِن
كتب البيهقي الأخرى، وقال: «وكلها مُصَنَّفات نِظَاف، مَليحَةُ الترتِيبِ
والتهذيب، كَثيرةُ الفَائِدة، يَشهَدُ مَن يَراها مِن العارفين: بأنها لم تَتهَيأ
لأحَدٍ مِن السابقين».
وقال أيضًا في (٢/ ٩٧) : «قال البيهقي في كتاب
«أحكام القرآن» الذي جمعه من كلام الشافعي، وهو كتابٌ نَفِيسٌ مِن ظَريف
مُصَنَّفَاتِ البيهقي ... ».
وكذلك ذكر الكتابَ منسوبًا للبيهقي:
الإمامُ العِراقيُّ - رحمه الله - في «طَرْح التَّثريب» (١/ ٢٨) .
وذكره
الحاج خليفة في «كشف الظنون» (١/ ٢٠) .
- وقد بيَّن البيهقي - رحمه
الله - منهجه في مقدمة الكتاب فقال:
«وقد صَنَّف غَيرُ واحدٍ من
المُتَقَدِّمينَ، والمُتَأخِّرين في تفسير القرآن
(١) يرى البعض أن
ذلك هو اسم الكتاب؛ لنص البيهقي عليه، والذي يترجح لدي والله أعلم أن ذلك منه كان
وصفًا لمادة الكتاب وليست تسمية له، بل الواضح أن البيهقي رحمه الله لم يعنون
للكتاب، وأن ما جاء على طرر النسخ الخطية: هو من اجتهاد النساخ والله أعلم. وقد
أثبت العنوان الذي استعمله العلماء حين ذكروا الكتاب في مصنفاتهم.
ومَعَانِيه،
وإعْرَابه ومَبَانِيه، وذَكَر كُلُّ واحدٍ منهم في أحكامه ما بَلَغه عِلْمُه،
وربما يُوافِقُ قَوْلُه قَوْلَنا، وربما يُخَالِفُه؛ فَرأيتُ مَن دَلَّت الدلالة
على صِحَّة قوله، أبا عبدِ اللهِ محمدَ بنَ إدرِيس الشَّافِعيَّ ... قد أتى على
بيان ما يجبُ علينا مَعرِفَتَه ... وكان ذلك مُفَرَّقًا في كُتُبِه المُصَنَّفة
في الأُصُول والأَحْكَام، فَمَيَّزتُه وجَمَعْتُه في هذه الأجزاء على ترتيب
المُخْتَصَر، ليكونَ طلبُ ذلك منه على مَن أراد أَيْسَر، واقْتَصَرتُ في حكاية
كلامِهِ على ما يَتَبَيَّن منه المُراد دونَ الإطْنَاب، ونَقَلْتُ مِن كَلامِه في
أصولِ الفِقْه، واسْتِشْهَادِه بالآياتِ التي احتاج إليها مِنَ الكِتَاب، على
غَاية الاخْتِصَار، ما يليق بهذا الكتاب».
ويظهر مِن كلام الإمام
البيهقي - رحمه الله - أنه رَتَّب الكتاب على الموضوعات، وليس على السُّوَر،
ملتزمًا بذلك ترتيب الإمام المُزني في مختصره، كما أشار إلى ذلك في المقدمة.
-
وقد حفظ لنا الإمامُ البيهقي - رحمه الله - بعضَ نُصوصِ الإمام الشافعي، التي
رواها عنه بعضُ تلامذته في كتب لهم لم تَصِلْنا، كالإمام أبي يعقوب البُوَيْطِي،
والإمام حَرْمَلَة ابن يحيى التُّجِيْبي، والإمام أبي ثَوْر الكلبي، والإمام أحمد
بن عبد الرحمن ابن وهب، وغَيرِهِم من كبار تلامذة الإمام، وهي في موضعها من هذا
الكتاب.
- هذا والإمامُ البيهقي يروي كلامَ الإمامِ الشافعي، عن
شيوخه: (أبي عبد الله الحاكم، وأبي سعيد ابن أبي عمرو، وأبي زكريا ابن أبي إسحاق،
وأبي عبد الرحمن السُّلَمي) .
فأما الأولان: فَجُل رواية كلام
الشافعي، عنهما، عن أبي العباس الأصم، عن الربيع بن سليمان المرادي المؤذن صاحب
الشافعي، عن الشافعي.
وأما الآخران: فلم يكثر عنهما، ويروي عنهما، عن
الأصم، وغيره، وما رواه الربيع وما روى غيره، عن الشافعي.
وقد أفردت
للأولين ترجمة في هذه المقدمة.
* * *
ثانيًا: منهجي في تحقيق الكتاب، والعِلَّة مِن إعادة تحقيقه.
إن الأساس الذي ينبغي أن يكون واضحًا لكل مُشتَغِل بالتحقيق: هو أن
عَمَله يُشْبهُ في المَقَام الأول عَملَ الورَّاقِين والنُّسَّاخ، والذي كان
قاصرًا على نَسْخ ما أُسْنِد إليهم نَسْخُه، إلى أقرب صورة للأصل الذي ينسخون
منه، بل كانوا يُطَابقون ما نسخوه على الأصل؛ لاستدراك ما فاتهم ونَدَّ عنهم
أثناء النسخ، وأَيُّ تَدَخُّلٍ منهم، بالحذف أو الزيادة أو التغيير، يُعد تدخلًا
قبيحًا، وعملًا مستبشعًا؛ إذ ذلك ينافي الأمانة التي ينبغي أن يتحلى بها
الوراق.
حتى إنهم وضعوا علامات واصطلحوا على إشارات تجنبهم التدخل في
الأصل الذي ينسخون منه، وتمكنهم من التنبيه على ما يظنونه خطأً، ومثال ذلك:
اصطلاحهم على علامة التَّضْبِيب، وهي رسم حرف «صـ» ممدودة هكذا فوق الكلمة التي
يظنون فسادها؛ لعدم جرأتهم على تغييرها إلى ما يظنون صوابَه.
آثرت أن
أذكر هذا الكلام هنا في هذا المقام، لأن كثيرًا ممن يعالجون التحقيق قد نَصَبُوا
أنفسهم وُصَاة على التراث، فيحق لهم تغيير ما يرونه خطأ، وزيادة ما يحسبونه
حسنًا، وحذف ما يظنونه قبيحًا.
ولَيْتهم سطَّروا ذلك في حواشي الكتاب،
ففي الحاشية متسع لكل رأي، لكنهم -وللأسف- جعلوا استحسانهم واستقباحهم في صلب
الكتاب، فأساءوا من حيث أرادوا أن يصلحوا.
والذي حداني لكتابة هذه
الأسطر: هو كلمة الختام التي خَتَم بها فضيلة
الشيخ عبد الغني عبد
الخالق -رحمة الله تعالى عليه- تحقيقه لهذا الكتاب الذي نحن بصدد تحقيقه، فإنه
قال - رحمه الله: «وَقد يُؤْخَذ علينا: أننا قد أثبتنا -في بعض المواضِع- عبارَة
غير الأَصل وزدنا -كذلِك- ما لا تتحتم زيادته، ولا تتَعَيَّن إِضَافَته. وأننا لم
نلتزم تَخْرِيج أَحَادِيثه، وَلَا التَّعرِيف بأعلامه.
فنقُول: إِن
هذا لا ضرورة له، وذاك مما يتسامح فيه. على أَن لنا في زيادة ما زدنا، وترك ما
تركنا-: من الأعذار البينة العديدة، والأسناد القوية السديدة- ما سندلي به
ونشرحه: عند الحاجة الملحة، والضرورة الملجئة إِن شاء الله.
ويكفي
الآن، أن نقول -في صراحة تامة-: إن هذا أول عمل، من نوعه، قمنا به فلم يسبق لنا
تصحيح كتاب غيره ... إلخ».
قلت: وقد أصاب الشيخ - رحمه الله - في قوله
-عن تخريج الأحاديث والتعريف بالأعلام-: إن هذا لا ضرورة له.
لكنه لم
يُصب في قوله -بشأن الزيادة والتغيير في الأصل-: وذاك مما يُتَسامح فيه.
بل
إن هذا الأخير مما لا يُتَسامَح فيه مطلقًا، ولو تُرك هذا البابُ مفتوحًا لكل
أحد، لضاع تراث هذه الأمة، وتُقُوِّل على أئمتها ما لم يقولوا.
لا شك
عندي أن سماحة الشيخ عبد الغني عبد الخالق قد قام بجهد عظيم، أشهد له بذلك والله
حسيبه، يكفي أنه قرأ النص قراءة جيدة جدًا، ووصله بنص كتاب «الأم»، على الرغم من
تَشَتُّت مادة الكتاب -أعني «أحكام القرآن» - في كتاب «الأم»، فإن الإمام البيهقي
- رحمه الله - كان يضم كل
نظير إلى نظيره من طول الكتاب وعرضه،
فاستطاع الشيخ عبد الغني ... عبد الخالق - رحمه الله - أن يتتبع ذلك في الكتاب،
في وقت لم تُتَح فيه هذه الوسائل الإلكترونية، ولا الفهارس، ولا الرفاهية
الموجودة الآن، ونفس الكلام بشأن كتاب «الرسالة» للشافعي.
وكذلك تتبع
كتب البيهقي الأخرى المطبوعة في زمانه - رحمه الله - كـ «السنن الكبير».
بل
تتبع الكلام في الشروح والمطولات، ككتاب «فتح الباري» لابن حجر العسقلاني.
لكن
الذي عِبْته على هذا العمل، وسَوَّغ لي إعادة تحقيقه: هو ما ذكرته أولا، بل ما
ذكره الشيخ نفسه في كلمته التي ختم بها عمله.
وأمر آخر: وهو أن الشيخ
اعتبر أن الكتاب -أعني «أحكام القرآن» - نسخة أخرى من كتاب «الأم» فحاكم ما جاء
في الكتاب إلى ما جاء في كتاب «الأم»، وغَيَّر وزاد وحذف على هذا الأساس.
ولم
يفطن - رحمه الله - إلى أن كتاب «الأم» المطبوع: من رواية أبي علي الحسن بن
حَبِيب بن عبد الملك الدمشقي الحصائري، عن الربيع بن سليمان، عن الشافعي.
أما
الإمام البيهقي - رحمه الله - فإنه يروي كتب الشافعي، من طريق أبي العباس محمد بن
يعقوب الأصم، عن الربيع بن سليمان، عن الشافعي.
وهنا وقع الاختلاف في
الرواية، بين ما يرويه البيهقي، وبين ما جاء في كتاب «الأم».
بل إنه
-رحمة الله عليه- أحيانًا لا يعجبه ما جاء في الأصل ولا ما جاء في «الأم»، ويضع
مِن عنده ما يراه مناسبًا، ينظر على سبيل المثال حاشيته رقم (٩) (ص ٨٦) .
وكذلك:
فإن الشيخ قد أثقل حواشي الكتاب بمباحث لو أراد البيهقي - رحمه الله - أن يذكرها
لذكرها، ولكن البيهقي أبان في مقدمته أنه اختصر الكلام، والبيهقي مَن هو؟ ! ناصر
مذهب الشافعي وصاحب المطولات في نُصرة مذهبه وما كتاب «معرفة السنن والآثار»، و
«السنن الكبير»، و «الخلافيات»، وغيرها عنك ببعيد.
بل إن من المفارقات
في هذا العمل أن الشيخ - رحمه الله - عاب على الشيخ أبي الأشبال أحمد شاكر - رحمه
الله - إطنابه في حاشية من حواشي كتاب «الرسالة» (ص ٣٦٥) حول الفعل (غزّى) ، فقد
ذهب الشيخ أحمد شاكر إلى أنه من الرباعي، وليس من الثلاثي (غزا) ، وسطر الشيخ
شاكر ثمانية أسطر؛ ليؤيد ما ذهب إليه، فعاب الشيخ عبد الغني - رحمه الله - عليه
ذلك، وقال: «هو تحكم غريب وزعم جريء لا نعقل له معنى، ولا نجد له مبررًا؛ إلا
الرغبة في إظهار المعرفة بالفرق بين الثلاثي والرباعي ... » ثم قال - رحمه الله:
«ثم نقول إن الإطالة في مثل هذه الأبحاث اللفظية التافهة، عمل لا يليق بالتعليق
على كتاب كالرسالة».
قلت: فسطر الشيخ عبد الغني - رحمه الله - ستة عشر
سطرًا، لينقض إطالة الشيخ شاكر - رحمه الله - في حاشيته ذات الثمانية أسطر!
وقد
كفاني الشيخ عبد الغني عبد الخالق - رحمه الله - ذكر أمثلة على الزيادة في الأصل،
والعدول عنه إلى غيره، بما ذكره هو من أن هذا كان منهجه، لكن لا
بأس
بذكر مثال أو مثالين:
- جاء في (١/ ٢٩٩) السطر السادس: (وقلوبهم على
الطمأنينة) . ثم قال في الحاشية: كذا بالأم وفي الأصل «الإطمأنينة» وهو تحريف.
قلت:
هي كذلك في الثلاثة الأصول التي اعتمدتها «الإطمأنينة» قال القاضي عياض في «مشارق
الأنوار» (١/ ٣٢٥) : «وفي تراجم البخاري: بَابُ الإطْمَأْنِينَةِ بكسر الهمزة
وضمها، وكذا ذكره في حديث أبي حميد قبله، ومعناه السكون، كذا لجمهورهم، وعند
القابسي: الطُّمَأْنِينَةِ، وهو الصواب، قال الحربي: هو الاسم. قال غيره: ويصح أن
يكون الإطمأنينة بكسر الهمزة والميم مصدر اطْمأن، ويقال اطمئنانًا أتى بغير هاء
... ».
فالكلمة لها توجيه حسن، واتفقت عليه الأصول، فلم العدول عنها؟
!
- جاء في (١/ ٢٨٢) السطر التاسع بين معكوفين هكذا: [وبه نأخذ؛ ففي
المسلم يقتل خطأ: مائة من الإبل] ثم قال في الحاشية زيادة مفيدة عن الأم ...
قلت:
هذه الزيادة ليست في الأصول الثلاثة التي اعتمدتها.
والكتاب من أوله
على آخره محشو بمثل ذلك، ولو تعرضت لذكر كل ما ينافي منهج التحقيق القويم، لخرجت
المقدمة عن مقصودها.
أليس هذا تحكم لا معنى له، وتَعَدٍّ على مقام
صاحب الكتاب، فَأيُّ أعذار بَيِّنة يُعتذر بها عن مثل ذلك.
وكذلك:
تركت التنبيه على التصحيفات والتحريفات التي وقعت في الكتاب، والتي أظنها من
الطابع، فقد صنع الشيخ عبد الغني - رحمه الله - قائمة
بتصويبات
الأخطاء التي وقعت منه في الكتاب.
ولا بأس بذكر بعض ما فات الشيخ من
هذه الأخطاء:
- جاء في (ص ١٩) السطر التاسع: (البر الرحيم) .
والصواب
كما في النسخ: (البار الرحيم) . وقال الشيخ في تصويباته: في الأصل (البار) وهو
تحريف (١) !
- جاء في (ص ١٩) السطر العاشر: (أن يجزينا) .
والصواب
كما في النسخ الخطية: (أن يحسن) .
- جاء في (ص ١٩) السطر الحادي عشر
(التقدير والبيان) .
والصواب: (التقريب والبيان) .
- جاء
في (ص ٢٠) السطر الثالث: (أنا أبو بكر حمدون) .
والصواب: (أنا أبو بكر
ابن حمدون) .
- جاء في (ص ٢١) السطر الثاني عشر: (المديم بها) .
والصواب:
(المديمها) .
- جاء في (ص ٣٢) السطر الخامس عشر: بعد قوله: (طاعة
رسوله - صلى الله عليه وسلم - [ثم قال: وكان فرضه على من غاب عن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -] ) سقط ما بين المعقوفين، وهو ثابت في جميع النسخ.
(١)
قال ابن منده في كتاب «التوحيد» (٢/ ٩١ (: «ومن أسماءِ اللَّهِ - عز وجل:
البَارُّ، قَوْلُ اللَّهِ - عز وجل: {هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور: ٢٨] .
قَالَ الْحَسَنُ: «بَارٌّ بِعباده، مُحْسِنٌ إِليهِم، معناه لا ينقطع بره
وإحسانه».
- جاء في (ص ٤٠) السطر العاشر: (أنا أبو عبد الله محمد بن
حيان القاضي) .
والصواب (أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن
محمد بن حيان القاضي) .
وإني كنت في بداية عملي في الكتاب أذكر أخطاء
المطبوعة في الحاشية، ثم تراجعت عن ذلك؛ لأني وجدت ذلك سيثقل حواشي الكتاب بما لا
طائل تحته، واكتفيت بذكر أمثلة في المقدمة، وفي الإشارة كفاية لكل مسترشد.
وأخيرًا:
فإن أهم مسوغات إعادة التحقيق لهذا الكتاب القيم مرة أخرى: هو عثوري بفضل الله
تعالى على نسختين أخرتين للكتاب غير التي اعتمدها الشيخ - رحمه الله -، وسيأتي
وصفهما إن شاء الله تعالى.
غير أني في نهاية كلمتي هذه أحب أن أعيد
إشادتي بعمل الشيخ ... عبد الغني عبد الخالق - رحمه الله - الذي يدل على علمه
وسعة اطلاعه، وإني أعتذر عنه في هذا المقام إذ كان كما ذكر أول عمل يقوم بتحقيقه،
ولم تكن مناهج التحقيق قبل سبعين عامًا قد نضجت واستقرت كما هي الآن.
لكني
بَيَّنتُ ما بينت؛ غَيرةً على التراث، وعلى مقام أئمة هذه الأمة من أن يُعبَث
بتراثهم.
هذا وليس للكتاب فيما نعلم أي طبعة أخرى سوى التي حققها
الشيخ عبد الغني عبد الخالق - رحمه الله - وقدم لها الشيخ محمد زاهد الكوثري -
رحمه الله - سنة ١٣٧١ هـ.
اللهم إلا أن طبعت مرة أخرى بدار إحياء
العلوم ببيروت سنة ١٤١٠ هـ
باعتناء محمد شريف سكر، والذي صور طبعة
الشيخ عبد الغني عبد الخالق، كما هي، وكان اعتنائه بها: أن زاد الطين بلة، فقد
وضع عناوين جانبية على النص من عند نفسه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم.
أما عن منهجي في تحقيق هذا النص
فقد اتضح من خلال نعيي على منهج مَن سبقني، أن مقصدي الأول:
-
هو إخراج النص في أقرب صورة تركها عليه مصنفه، وذلك لا يكون إلا بتبجيل الأصول
الخطية، وعدم العدول عما جاء فيها إلا في الضرورة القصوى، وهذا ما فعلته حسب
طاقتي.
- ثم إني خرجت الآيات الواردة في النص، وكذلك الأحاديث
والآثار.
- وترجمت لأكثر الأعلام الذين وردوا في الكتاب.
-
وبينت غريب الألفاظ التي ألفيتها غير واضحة.
- وضبطت أغلب كلمات
الكتاب بالشكل، وكذلك ضبطت أسماء أعلامه.
- كما ترجمت في مقدمة الكتاب
لرواته، بدءًا من الإمام الشافعي - رحمه الله - صاحب الكلام، ونزولًا حتى الإمام
البيهقي، الذي جمع الكلام ورتبه على ترتيب المختصر.
- كذلك قمت بتحويل
اختصارات صيغ التحديث المستخدمة في الأسانيد إلى أصلها، وفق ما هو مقرر في علم
مصطلح الحديث، فإن العلماء كانوا يختصرون صيغ التحديث في الكتابة فقط توفيرًا
لجهد الكتابة، فكانوا يختصرون «حدثنا»: إلى «نا»، و «ثنا»، و «دثنا».
ويختصرون
«أخبرنا»: إلى «أنا»، و «أبنا»، و «أرنا».
إلى غير ذلك مما هو مبسوط
في كتب علوم الحديث.
- وقمت بصناعة مجموعة من الفهارس العلمية تعين
الباحث على الوصول لمراده من الكتاب.
ولا يفوتني هنا أن أتقدم بالشكر
لكل من ساهم في إخراج هذا الكتاب، وعلى رأسهم أخي وصديقي الحبيب المحقق الأستاذ
هشام الجَوْجَري حفظه الله.
وأخي الحبيب الكريم الشيخ أبا عمر خالد بن
محمد زكي صاحب «دار الذخائر» العامرة؛ فله علي يد يجزيه الله بها.
وإني
في الختام لا أَدَّعي لنفسي عِصمة، ولا أُسَلِّم قولي عن وَصْمة، فالمعصوم السالم
هو كتاب الله المجيد الذي لا ريب فيه، وكل كتاب سواه عرضة للريب والتحريف.
فأسأل
الله تعالى أن يقبل مني صوابه، ويتجاوز لي عن خطئه؛ إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا
ونعم الوكيل، والحمد لله أولا وآخرًا ظاهرًا وباطنًا.
وكَتبهُ
أبو
عاصم الشَّوَامِي محمد بن محمود بن إبراهيم
في التاسع عشر من شهر ربيع
الأول سنة أربعين وأربعمائة وألف
من هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم
-
* * *
ثالثًا: ترجمة مختصرة للإمام الشافعي - رضي الله عنه - (١)
.
هو الإمام: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب
ابن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ابن مرة بن
كعب بن لؤي بن غالب، الإمام، عالم العصر، ناصر الحديث، فقيه الملة، أبو عبد الله
القرشي، ثم المطلبي، الشافعي، المكي، الغزي المولد، نسيب رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - وابن عمه، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب.
اتفق
مولد الإمام بغزة، ومات أبوه إدريس شابًّا، فنشأ محمد يتيمًا في حجر أمه، فخافت
عليه الضيعة، فتحولت به إلى مَحْتِده وهو ابن عامين، فنشأ بمكة، وأقبل على
الرَّمْي، حتى فاق فيه الأقران، وصار يُصيب مِن عشرة أسهم تسعة، ثم أقبل على
العربية والشرع، فبرع في ذلك، وتقدم.
ثم حُبِّب إليه الفقه، فساد أهل
زمانه.
(١) ينظر ترجمته في التاريخ الكبير للبخاري (١/ ٤٢) ، والجرح
والتعديل (٧/ ٢٠١) ، وحلية الأولياء (٩/ ٦٣ - ١٦١) ، والانتقاء لابن عبد البر:
(٦٥ - ١٢١) ، تاريخ بغداد (٢/ ٥٦ - ٧٣) ، طبقات الفقهاء للشيرازي: (٤٨ - ٥٠) ،
وطبقات الحنابلة (١/ ٢٨٠) ، والأنساب (٧/ ٢٥١ - ٢٥٤) ، وتاريخ ابن عساكر (١٤/ ٣٩٥
- ٤١٨ و ١٥/ ١ - ٢٥) ، صفة الصفوة (٢/ ٩٥) ، وآداب الشافعي ومناقبه لابن أبي
حاتم، ومناقب الشافعي للبيهقي، ومعجم الأدباء (١٧/ ٢٨١ - ٣٢٧) ، ووفيات الأعيان
لابن خلكان (٤/ ١٦٣ - ١٦٩) ، وتهذيب الكمال للمزي (٢٤/ ٣٥٥) وسير أعلام النبلاء
للذهبي (١٠/ ٥) وتهذيب التهذيب لابن حجر (٩/ ٢٥) ، توالي التأسيس بمعالي ابن
إدريس، النجوم الزاهرة (٢/ ١٧٦، ١٧٧) . وغير ذلك.
ذكر بعض شيوخه:
أخذ العلم ببلده عن: مسلم بن خالد الزنجي-مفتي مكة- وداود بن عبد
الرحمن العطار، وعمه؛ محمد بن علي بن شافع - فهو ابن عم العباس جد الشافعي-
وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، وسعيد بن سالم، وفضيل بن عياض،
وعدة.
وحمل عن الإمام مالك بن أنس «الموطأ»، عرضه من حفظه.
وأخذ
عن محمد بن الحسن؛ فقيه العراق، ولازمه، وحمل عنه وقر بعير.
وعن:
إسماعيل ابن علية، وعبد الوهاب الثقفي، وخلق.
أشهر من تلمذ له
الحميدي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وسليمان بن داود
الهاشمي، وأبو يعقوب يوسف البويطي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وحرملة بن
يحيى، وموسى بن أبي الجارود المكي، وحسين بن علي الكرابيسي، وإبراهيم بن المنذر
الحزامي، والحسن بن محمد الزعفراني، وإسحاق بن راهويه، وإسحاق بن بهلول، وأبو عبد
الرحمن أحمد بن يحيى الشافعي المتكلم، والحارث بن سريج النقال، وحامد بن يحيى
البلخي، وسليمان بن داود المهري، وهارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن سنان القطان،
وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، ويونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان
المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وبحر بن نصر
الخولاني، وخلق سواهم.
وقد أفرد الدارقطني كتاب «من له رواية عن
الشافعي» في جزأين، وصنف الكبار في مناقب هذا الإمام (١) .
فأما جدهم
السائب المطلبي، فكان من كبراء من حضر بدرا مع الجاهلية، فأسر يومئذ، وكان يشبه
بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
(١) قال السبكي في «طبقات الشافعية»
(١/ ٣٤٣ - ٣٤٥) : «وأول من بلغني صنف في مناقب الشافعي الإمام داود بن علي
الأصفهاني إمام أهل الظاهر، له مصنفات في ذلك.
ثم صنف زكريا بن يحيى
الساجي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، ثم صنف أبو الحسن محمد بن الحسين ابن إبراهيم
الآبري كتابًا حافلًا رتبه على أربعة وسبعين بابا، ثم ألف الحاكم أبو عبد الله
ابن البيع الحافظ مصنفا جامعا، وصنف في عصره أيضا أبو علي الحسن بن الحسين بن
حمكان الأصبهاني مختصرا في هذا النوع، ثم صنف أبو عبد الله ابن شاكر القطان
مختصره المشهور، ثم صنف الإمام الزاهد إسماعيل بن محمد السرخسي القراب مجموعًا
حافلا، رتبه على مئة وستة عشر بابا،
ثم صنف الأستاذ الجليل أبو منصور
عبد القاهر بن طاهر البغدادي كتابين: أحدهما كبير حافل يختص بالمناقب، والآخر
مختصر محقق يختص بالرد على الجرجاني الحنفي الذي تعرض لجناب هذا الإمام.
ثم
صنف الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي كتابه في المناقب، المشهور، والحسن الجامع
المحقق، وكتبًا أخر في هذا النوع، مثل «بيان خطأ من خطأ الشافعي» وغيره، ثم صنف
الحافظ الكبير أبو بكر الخطيب مجموعًا في المناقب، ومختصرًا في الاحتجاج
بالشافعي، ثم صنف الإمام فخر الدين الرازي كتابه المشهور، والمرتب على أبواب
وتقاسيم، وصنف الحافظ أبو عبيد الله محمد بن محمد بن أبي زيد الأصبهاني، المعروف
بابن المقرئ، كتابين: أحدهما سماه «شفاء الصدور في محاسن صدر الصدور»، والآخر
مجلد كبير، وهو مختصر من شفاء الصدور، سماه: «الكتاب الذي أعده شافعي في مناقب
الإمام الشافعي».
وصنف الحافظ أبو الحسن بن أبي القاسم البيهقي،
المعروف بفندق، كتابًا كبيرًا في المناقب».
ووالدته: هي الشفاء بنت
أرقم بن نضلة.
ونضلة: هو أخو عبد المطلب؛ جد النبي - صلى الله عليه
وسلم - فيقال: إنه بعد أن فدى نفسه، أسلم.
وابنه شافع: له رؤية، وهو
معدود في صغار الصحابة، وولده عثمان: تابعي.
قال ابن عبد الحكم: قال
لي الشافعي: ولدت بغزة، سنة خمسين ومائة، وحملت إلى مكة ابن سنتين.
قال
المزني: ما رأيت أحسن وجها من الشافعي - رحمه الله - وكان ربما قبض على لحيته،
فلا يفضل عن قبضته.
قال الربيع المؤذن: سمعت الشافعي يقول: كنت ألزم
الرمي، حتى كان الطبيب يقول لي: أخاف أن يصيبك السُّل من كثرة وقوفك في الحر.
قال:
وكنت أصيب من العشرة تسعة.
قال الحميدي: سمعت الشافعي يقول: كنت يتيما
في حجر أمي، ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أقوم على
الصبيان إذا غاب، وأخفف عنه.
وعن الشافعي، قال: كنت أكتب في الأكتاف
والعظام، وكنت أذهب إلى الديوان، فأستوهب الظهور، فأكتب فيها.
وقال
عمرو بن سواد: قال لي الشافعي: كانت نهمتي في الرمي، وطلب العلم، فنلت من الرمي
حتى كنت أصيب من عشرة عشرة، وسكت عن
العلم. فقلت: أنت -والله- في
العلم أكبر منك في الرمي.
قال أبو عبيد: ما رأيت أعقل من الشافعي،
وكذا قال يونس بن ... عبد الأعلى، حتى إنه، قال: لو جمعت أمة لوسعهم عقله.
وقال
يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة، ثم افترقنا،
ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق
في مسألة (١) .
قال أحمد: «إذا سئلت عن مسألة لا أعْرِفُ فيها خبَرًا،
قلت فيها بقول الشافعي، لأنه إمام عالم من قريش.
ورُوَى عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «عالم قريش يملأ الأرض علمًا».
وذُكِرَ
في الخبر: «أنّ الله تعالى، يُقَيِّضُ في رأس كل مائة سنة رجلا يعلِّم الناس
دينهم».
ورَوَى أحمد ذلك عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -.
قال
أحمد بن حنبل: فكان في المائة الأولى: عمر بن عبد العزيز، وفي المائة الثانية:
الشافعي.
قال أبو عبد الله: وإني لأدْعُو للشافعي منذ أربعين سنة في
صلاتي» (٢) .
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: يا أبة، أي رجل
كان الشافعي؟ فإني أسمعك تكثر الدعاء له، فقال: يا بني، كان الشافعي - رحمه الله
-
(١) ما مضى كله نقلته من ترجمة الإمام الشافعي من كتاب «سير أعلام
النبلاء» للذهبي (١٠/ ٥) بتصرف يسير.
(٢) ينظر فيما مضى «مناقب
الشافعي» للبيهقي (١/ ٥٤) ، وما بعده.
كالشمس للدنيا وكالعافية للناس
فانظر هل لهذين من عوض أو خلف (١) .
وروى البيهقي بسنده في «مناقب
الشافعي» (١/ ٥٨) إلى أبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل أنه قال: «لا أُحب
أن يَحضُر مَجلسي مبتدعٌ، ولا طعّان، ولا لعّان، ولا فاحش، ولا بذئ، ولا منحرف عن
الشافعي، ولا عن أصحاب الحديث».
روى البيهقي في «مناقب الشافعي» (٢/
٢٩٥) بسنده إلى المزني قال:
دخلت على الشافعي في بعض علله قلت له: كيف
أصبحت؟ فقال: أصبحت بين أمر ونهي، أصبحت آكل رزقي وأنتظر أجلي.
فقلت:
ألا أُدْخِلُ عليك طبيباً؟ فقال: افعل. فأدخلت عليه طبيبًا نصرانيًا، فجسّ يده
فحسّ الشافعي بالعلّة في يد الطبيب، فجعل الشافعي يقول:
جاء الطَّبيبُ
يَجُسُّني فَجَسَسْتُه ... فإذا الطَبِيبُ لِمَا بِهِ مِن حَالِ
وغَدَا
يُعَالِجُني بِطُولِ سقَامِه ... ومِن العَجَائِب أَعْمَش كَحَّالِ
قال
المزني: فما مضت الأيام والليالي حتى مات المُتَطَبِّبُ، فقيل للشافعي: قد مات
المتطبب، فجعل يقول:
إنّ الطبيب بطبِّه ودوائِه ... لا يستطيعُ
دِفَاعَ مَقْدُورِ القَضَا
ما للطبيب يَمُوتُ بالدَّاءِ الذِي ... قَد
كان يُبرئُ مِثلَه فِيمَا مَضَى
(١) روى ذلك ابن عبد البر في
«الانتقاء» (١/ ٧٥) .
هَلَكَ المدَاوِي والمُدَاوَى والذي ... جَلَبَ
الدواءَ وبَاعَه ومَن اشْتَرَى
وروى بسنده إلى الربيع أن الشافعي مات
سنة أربع ومائتين، في آخر يوم من رجب يوم الجمعة، وهو ابن نيف وخمسين سنة.
وترجمة
هذا الإمام العلم والجبل الأشم رضي الله تعالى عنه وطَيَّب ثَراه وسَقَى جَدَثَهُ
= مما يُعجِز الكُتَّاب؛ لسعة فضله، وتعدد شمائله، وقد اكتفيت بهذه النبذة كي لا
تطول مقدمة الكتاب وتخرج عن قصدها، واكتفيت بذكر المصادر المطولة لمن أراد أن
ينهل من سيرة هذا الحبر الكبير، علمًا وأدبًا.
* * *
رابعًا: ترجمة الإمام الربيع بن سليمان الراوي عن الشافعي (١) .
هو الإمام، المحدث، الفقيه الكبير، بقية الأعلام، أبو محمد المرادي
مولاهم، المصري، المؤذن، صاحب الإمام الشافعي، وناقل علمه، وشيخ المؤذنين بجامع
الفسطاط، ومستملي مشايخ وقته.
مولده: في سنة أربع وسبعين ومائة، أو
قبلها بعام.
سمع: محمد بن إدريس المطلبي الشافعي، وعبد الله بن وهب،
وبشر بن بكر التنيسي، وأيوب بن سويد الرملي، ، ويحيى بن حسان، وأسد السنة، وسعيد
بن أبي مريم، وأبا صالح، وعددًا كثيرا.
وهو الذي روى أكثر كتب
الشافعي، وقال الشافعي في حقه: الربيع راويتي، وقال: ما خَدَمَني أحد ما خدمني
الربيع، وكان يقول له: يا ربيع، لو أمكنني أن أُطْعِمَك العِلمَ لأَطْعَمْتُك.
ويُحكى عنه أنه قال: دَخلتُ على الشافعي - رضي الله عنه - عند وفاته، وعنده
البُوَيْطي والمُزَني وابنُ عبد الحَكَم، فنظر إلينا ثم قال: أما أنت يا أبا
يعقوب -يعني البويطي- فتموت في حَدِيدِك، وأما أنت يا مُزَنِيُّ فستكون لك في مصر
هنات وهنات، ولَتُدرِكَنَّ زَماناً تكون فيه أَقْيَس أَهلِ زَمانِك، وأما أنت يا
محمدُ -يعني ابن عبد الحكم- فترجع إلى مذهب مَالِك، وأما أنت يا ربيعُ، فأنت
أَنفَعُهُم لي في نَشْر الكُتب، قم يا أبا يعقوب فَتَسلَّم الحَلْقَة. قال
الربيعُ: فلمَّا ماتَ الشافعيُّ - رضي الله عنه - صار كُلُّ واحدٍ منهم إلى ما
قاله، حتى كأنه ينظر إلى الغَيْب مِن سِتر رقيق.
(١) أفدت ترجمته من
«سير أعلام النبلاء» (١٢/ ٥٨٧) ، و «وفيات الأعيان» لابن خلكان (٢/ ٢٩١) .
حدث
عنه: أبو داود، وابنُ مَاجهْ، والنَّسائيُّ، وأبو عِيسَى بواسطة في كتبهم،
والواسطة الذي في (الجامع) هو محمد بن إسماعيل السلمي، ومنهم: أبو زُرعَة، وأبو
حاتم، وزكريا السَّاجي، وصالح بن محمد، وابن أبي دواد، وابن صاعد، وأبو جعفر
الطحاوي، وعبد الرحمن ابن أبي حاتم، ومحمد بن هارون الرُّويَاني، وأبو عَوَانَة
الإسفراييني، وأبو علي بن حبيب الحصائري، وأبو العباس الأصم، وخلق كثير من
المشارقة والمغاربة.
وطال عمره، واشتهر اسمه، وازدحم عليه أصحاب
الحديث، ونِعم الشيخ كان، أفنى عمره في العلم ونشره.
قال أبو جعفر
الطحاوي: مات الربيع مؤذن جامع الفسطاط في يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء لإحدى
وعشرين ليلة خلت من شوال، سنة سبعين ومائتين، وصلى عليه الأمير خمارويه -يعني:
صاحب مصر- وابن صاحبها أحمد بن طولون.
* * *
خامسًا: ترجمة الإمام أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم (١) .
هو: الإمام محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان، أبو العباس
الأصم مولى بني أمية النيسابوري.
راوي المذهب، كان إمامًا، ثقةً،
حافظًا، ضابطًا، صدوقًا، دَيِّنًا، حَدَّث في الإسلام سِتًّا وسبعين سنة، ورحل
إليه الناس من الأقطار، وألحق الأحفاد بالأجداد، روى الكثير، وطوف في البلاد،
ودخل مصر، فسمع من إبراهيم بن منقذ، وبحر بن نصر، وبكار بن قتيبة، والربيع بن
سليمان، سمع منه كتب الشافعي - رضي الله عنه -، المبسوط، وغيره، ومحمد بن عبد
الله بن عبد الحكم، وسمع من بيروت: من العباس ابن الوليد مسائل الأوزاعي، وسمع
ببلدان شتى، مِن خلق وأُمَم.
حدث عنه: الحسين بن محمد بن زياد
القباني، وأبو حامد الأعمشي ... -وهما أكبر منه- وحسان بن محمد الفقيه، وأبو أحمد
ابن عدي، وأبو عمرو ابن حمدان، والحافظ أبو علي النيسابوري، والإمام أبو بكر
الإسماعيلي، وأبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، وأبو عبد الله بن منده، وأبو عبد
الله الحاكم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، وأبو طاهر بن
محمِش، ويحيى بن إبراهيم المزكي، وأبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، وأبو
صادق محمد بن أحمد بن أبي الفوارس العطار، والفقيه أبو نصر محمد بن علي الشيرازي،
وغيرهم.
قال الحاكم: كان يكره أن يقال له: الأصم، فكان أمامنا أبو بكر
بن
(١) أفدت ترجمته من «سير أعلام النبلاء» (١٥/ ٤٥٢) ، و «طبقات
الشافعيين» (ص ٢٧٠) .
إسحاق الصبغي، يقول: المعقلي (١) قال:
وإنما
حدث به الصمم بعد انصرافه من الرحلة، وكان محدث عصره، ولم يختلف أحد في صدقه وصحة
سماعاته، وضبط أبيه يعقوب الوراق لها، وكان يرجع إلى حسن مذهب وتدين.
وبلغني
أنه أذن سبعين سنة في مسجده.
قال: وكان حسن الخلق، سخي النفس، وربما
كان يحتاج إلى الشيء لمعاشه، فيورق، ويأكل من كسب يده، وهذا الذي يعاب به، من أنه
كان يأخذ على الحديث، إنما كان يعيبه به من لا يعرفه، فإنه كان يكره ذلك أشد
الكراهة ولا يناقش أحدًا فيه، إنما كان وراقه وابنه يطلبان الناس بذلك، فيكره هو
ذلك، ولا يقدر على مخالفتهما.
سمع منه: الآباء والأبناء والأحفاد،
وكفاه شرفًا أن يحدث طول تلك السنين، ولا يجد أحد فيه مَغمزًا بحجة، وما رأينا
الرحلة في بلاد من بلاد الإسلام أكثر منها إليه، فقد رأيت جماعة من أهل الأندلس،
وجماعة من أهل طراز، وإسبيجاب على بابه، وكذا جماعة من أهل فارس، وجماعة من أهل
الشرق.
سمعته غير مرة يقول: ولدت سنة سبع وأربعين ومائتين.
ومناقب
هذا الإمام جمة، وقد توفي - رحمه الله - في الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة ست
وأربعين وثلاث مائة.
(١) يعني: نسبة إلى جده معقل بن سنان.
سادسًا: ترجمة أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم (١) .
هو الإمام: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
حمدويه بْن نُعَيْم بْن الحَكَم الضَّبَّيّ الطَّهْمانيّ النَّيْسابوريّ الحافظ،
أبو عَبْد الله الحاكم المعروف بابن البَيع، صاحب التّصانيف في علوم الحديث.
وُلِدَ
يوم الاثنين ثالث ربيع الأوّل سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة.
وطلب العلم
من الصغَر باعتناء أبيه وخاله، فأول سماعه سنة ثلاثين، واستملي عَلَى أَبِي حاتم
بْن حِبّان سنة أربع وثلاثين.
ورحل إلى العراق سنة إحدى وأربعين بعد
موت إسماعيل الصّفّار بأشهر. وحجّ، ورحل إلى بلاد خُراسان وما وراء النهر. وشيوخه
الّذين سَمِعَ منهم بنَيْسابور وحدها نحو ألف شيخ، وسمع بالعراق وغيرها من
البلدان مِن نحو ألف شيخ.
وحدّث عَنْ أَبِيهِ، -وقد رَأَى أَبُوهُ
مسلم بن الحجاج- وعن محمد بْن عليّ المذّكر، ومحمد بْن يعقوب الأصمّ، ومحمد بْن
يعقوب بْن الأخرم، ومحمد بْن عَبْد الله بْن أحمد الإصبهانيّ الصّفّار نزيل
نَيْسابور، وأبي بَكْر أحمد بْن إِسْحَاق الصّبْغيّ الفقيه، وأبي بَكْر أحمد بْن
سلمان النّجّاد، وأبي عليّ الحسين بْن عليّ النَّيْسابوري الحافظ وبِهِ تخرّج،
وأبي الوليد حسّان بْن محمد المُزكي الفقيه، وعبد الباقي بْن قانع الأمويّ
الحافظ، وغيرهم
(١) راجع «تاريخ الإسلام» للذهبي (٩/ ٨٩) ، و «طبقات
الشافعية الكبرى» (٤/ ١٥٥) ، و «سير أعلام النبلاء» (١٧/ ١٦٢) ، و «لسان الميزان»
لابن حجر (٧/ ٢٥٦) .
روى عَنْهُ أبو الحَسَن الدّارقُطْنيّ وهو مِن
شيوخه، وأبو الفتح بْن أَبِي الفوارس، وأبو العلاء محمد بْن علي الواسطي، ومحمد
بْن أحمد بْن يعقوب، وَأَبُو ذَرّ عَبْد بْن أحْمَد الهَرَوي، وَأَبُو بَكْر أحمد
بْن الحسين البَيْهقيّ، وأبو يَعْلي الخليل بْن عَبْد الله القَزْوينيّ،
وغيرهم.
وانتخب علي خلقٍ كثير، وجرّح وعدَّل، وقُبل قوله في ذَلِكَ
لسعة علمه ومعرفته بالعِلل والصّحيح والسّقيم.
وقد شرع الحاكم في
التّصنيف سنة سبْعٍ وثلاثين، فأتَّفق لَهُ مِن التّصانيف ما لعلّه يبلغ قريبًا من
ألف جزءٍ من تخريج «الصّحيحين» والعلَل، والتّراجم، والأبواب، والشيوخ، ثمّ
المجموعات مثل: «معرفة علوم الحديث»، و «مُستدرك الصحيحين»، و «تاريخ
النيسابوريين»، وكتاب «مزكى الأخبار»، و «المدخل إلى علم الصحيح»، وكتاب
«الإكليل»، و «فضائل الشّافعيّ»، وغير ذَلِكَ.
قال الإمام الذهبي:
ولقد سَمِعْتُ مشايخنا يذكرون أيّامه، ويحكون أنّ مقدّمي عصره مثل الإمام أَبِي
سهل الصُّعْلُوكيّ، والإمام ابن فُورك، وسائر الأئمة يقدمونه على أنفسهم،
ويُراعون حق فضله، ويعرفون لَهُ الحُرمة الأكيدة. ثمّ أطنب عَبْد الغافر في نحو
ذَلِكَ مِن تعظيمه، وقال: هذه جُمل يسيرة هِيَ غيض من فَيْض سِيَره وأحواله، ومَن
تأمّل كلامه في تصانيفه، وتصرُّفه في أمَاليه، ونظره في طُرق الحديث أذعن بفضله،
واعترف له بالمزية على من تقدمه، وإتعابه مَن بعده، وتعجيزه اللاحقين عَنْ بلوغ
شأوه. عاش حميدًا، ولم يخلف في وقته مثله. مضى إلى رحمة الله في ثامن صفر سنة
خمسٍ
وأربعمائة.
وذكر أبو موسى المديني في ترجمة الحاكم مفردة قال: كان دخل
الحمام واغتسل، وخرج فقال: آه. وقبض روحه وهو مُتَّزِر لم يلبس القميص بعد، وصلى
عليه القاضي أبو بكر الحيري.
* * *
سابعًا: ترجمة أبي سعيد ابن أبي عمرو (١) .
هو الإمام: محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان، أبو سعيد ابن أبي
عَمْرو النَّيْسابوريّ الصَّيْرفيّ.
أحد الثّقات والمشاهير
بنَيْسابور. سمع الكثير من أبي العبّاس الأصم، وأبي عبد الله محمد بن يعقوب بن
الأخرم، ويحيى بن منصور القاضي، وأبي حامد أَحْمَد بن محمد بن شعيب، وجماعة.
وكان
أبوه ينفق على الأصمّ، فكان الأصمّ لا يحدِّث حتّى يحضر أبو سعيد، وإذا غاب عن
سماع جزءٍ أعاده له.
روى عنه: أبو بكر البيهقي، والخطيب، وشيخ الإسلام
أبو إسماعيل الأنصاري، وأبو عبد الله الثَّقَفيّ، وأبو القاسم بن منده، وأبو بكر
أحمد بن سهل السراج، وأبو زاهر طاهر بن محمد الشِّحامي، وخلقٌ آخرهم موتًا ...
عبد الغفار الشّيرُوييّ المُتَوَفَّى سنة عشر وخمسمائة.
توفي في ذي
الحجة سنة أربعمائة وواحد وعشرين، - رحمه الله -.
* * *
(١)
راجع «تاريخ الإسلام» للذهبي (٩/ ٣٦٩) ، و «سير أعلام النبلاء» (١٧/ ٣٥٠) ، و
«التقييد» لابن نقطة (ص ١٠٩) .
ثامنًا: ترجمة أبي زكريا بن أبي إسحاق المزكي (١) .
هو: الإمام يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أبو زكريا بن
المُزَكِّي أَبِي إِسْحَاق. مُسند نَيْسابور وشيخ التَّزْكية.
كَانَ
ثقةً نبيلًا زاهدًا صالحًا، ورِعًا مُتقنًا، وما كَانَ يحدِّث إلا وأَصْلُه بيده
يُقابل بِهِ. وعقد الإملاء مدّة، وقُرئ عَليه الكثير. وكان بصيرًا بالمذهب
الشافعي، وقد تفقَّه على الأستاذ أبِي الوليد حسان بن محمد.
روى عن
أبي العباس الأصم، وأبي عبد الله محمد بْن يعقوب الأخرم، وأبي الحَسَن أحمد بْن
محمد بْن عَبْدُوس، والحسن بْن يعقوب البُخاري، وأبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي
الفقيه، وطائفة مِن النَّيْسابوريّين، وأبي سهل بن زياد، وأحمد بن سلمان
النَّجَّاد، وعبد الله بن إسحاق الخُراساني، وأحمد بن كامل القاضي، وأحمد بن
عثمان الأَدَميّ البغداديين، ومحمد بن علي بن دُحيم الكوفي، وجماعة كثيرة. وانتقى
عَليهِ الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الإصبهاني، وغيره.
وحدَّث عنه أبو
بكر البَيْهَقيُّ في جميع كُتبه، وأبو صالح المؤذن، وعثمان بن محمد المَحْمِيّ،
وعلي بن أحمد المؤذِّن ابن الأخرم، وهبة الله ابن أبي الصهْباء، وابنه أبو بكر
محمد بن يحيى، والقاسم بن الفضل الثَّقَفيُّ،
(١) راجع «تاريخ
الإسلام» للذهبي (٩/ ٢٤٥) ، و «سير أعلام النبلاء» (١٧/ ٢٩٥) ، و «طبقات
الشافعيين» (ص ٣٧٩) .
وآخرون.
تُوُفِّي: في ذي الحجة سنة
أربع عشرة وأربع مائة.
* * *
تاسعًا: ترجمة صاحب الكتاب الإمام أبي بكر البيهقي.
هو: الإمام الحافظ العلامة، الثبت، الفقيه، شيخ الإسلام، أبو بكر
أحمد ابن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى الخُسْرَوْجِرْدِي، الخُرَاسَانِي،
البَيْهَقِي.
وخُسْرَوْجِرْد بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون
السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَكسر الْجِيم وَسُكُون
الرَّاء وَفِي آخرهَا الدَّال الْمُهْملَة قَرْيَة من نَاحيَة بيهق.
ولد:
في سنة أربع وثمانين وثلاث مائة في شعبان. وقد سمع وهو ابن خمس عشرة سنة من: أبي
الحسن محمد بن الحسين العلوي؛ صاحب أبي حامد بن الشرقي، وهو أقدم شيخ عنده، وفاته
السماع من أبي نعيم الإسفراييني؛ صاحب أبي عوانة، وروى عنه بالإجازة في
البيوع.
قال الإمام الذهبي:
وبُورِك له في علمه، وصنف
التصانيف النافعة، ولم يكن عنده «سنن النسائي»، ولا «سنن ابن ماجه»، ولا «جامع
أبي عيسى» بلى عنده عن الحاكم وقر بعير أو نحو ذلك، وعنده «سنن أبي داود» عاليًا،
وتفقه على ناصر العمري، وغيره.
وانقطع بقريته مقبلا على الجمع
والتأليف، فعمل «السنن الكبير» في عشر مجلدات، ليس لأحد مثله، وألف كتاب «السنن
والآثار» في أربع مجلدات، وكتاب «الأسماء والصفات» في مجلدتين، وكتاب «المعتقد»
مجلد، وكتاب «البعث» مجلد، وكتاب «الترغيب والترهيب» مجلد، وكتاب «الدعوات» مجلد،
وكتاب «الزهد» مجلد، وكتاب «الخلافيات» ثلاث
مجلدات، وكتاب «نصوص
الشافعي» مجلدان، وكتاب «دلائل النبوة» أربع مجلدات، وكتاب «السنن الصغير» مجلد
ضخم، وكتاب «شعب الإيمان» مجلدان، وكتاب «المدخل إلى السنن» مجلد، وكتاب «الآداب»
مجلد، وكتاب «فضائل الأوقات» مجيليد، وكتاب «الأربعين الكبرى» مجيليد، وكتاب
«الأربعين الصغرى»، وكتاب «الرؤية» جزء، وكتاب «الإسراء»، وكتاب «مناقب الشافعي»
مجلد، وكتاب «مناقب أحمد» مجلد، وكتاب «فضائل الصحابة» مجلد، وأشياء لا يحضرني
ذكرها.
قال الحافظ عبد الغافر بن إسماعيل في «تاريخه»: كان البيهقي
على سيرة العلماء، قانعًا باليسير، متجملا في زهده وورعه.
وقال أيضا:
هو أبو بكر الفقيه، الحافظ الأصولي، الدَّيِّن الوَرِع، واحد زمانه في الحفظ،
وفرد أقرانه في الإتقان والضبط، من كبار أصحاب الحاكم، ويزيد على الحاكم بأنواع
من العلوم، كتب الحديث، وحفظه من صباه، وتفقه وبرع، وأخذ فن الأصول، وارتحل إلى
العراق والجبال والحجاز، ثم صَنَّف، وتَوالِيفُه تُقَارِب ألف جزء مما لم يسبقه
إليه أحد، جمع بين علم الحديث والفقه، وبيان علل الحديث، ووجه الجمع بين
الأحاديث، طلب منه الأئمة الانتقال من بَيْهَق إلى نَيْسَابُور، لِسَماع الكتب،
فأتى في سنة إحدى وأربعين وأربع مائة، وعَقَدُوا له المجلس لسماع كتاب «المعرفة»
وحضره الأئمة.
وقال الذهبي أيضًا: «وبلغنا عن إمام الحرمين أبي
المعالي الجُوَيْنِيِّ قال: ما من فقيه شافِعي إلا وللشافعي عليه مِنَّةٌ إلا أبا
بكر البَيْهَقِي، فإن المِنَّةَ له على الشافعي لِتَصَانِيفِه في نُصْرَة
مَذْهَبِه».
قال الذهبي: «قلت: أصاب أبو المعالي، هكذا هو، ولو شاء
البيهقي أن يَعْمَل لِنَفْسِه مذهبًا يَجْتَهِدُ فيه؛ لكان قادرًا على ذلك،
لِسَعَة عُلُومِهِ، ومَعْرَفِتِه بالاختلاف، ولهذا تراه يُلَوِّحُ بِنَصْر
مَسائِل مِمَّا صَحَّ فِيهَا الحَدِيث.
ولَمَّا سَمِعُوا منه ما أحبوا
في قَدْمَتِهِ الأخيرة، مَرِضَ، وحَضَرَت المَنِيَّةُ، فَتُوفِّي: في عاشر شهر
جمادى الأولى، سنة ثمان وخمسين وأربعِمائة، فَغُسِّل وكُفِّنَ، وعُمِلَ له
تَابُوت، فَنُقِل ودُفِن بِبَيْهَق، وهي نَاحِية قَصَبَتِها خُسْرَوْجِرد، هي
مَحْتِدِهُ، وهي على يومين من نيسابور، وعاش أربعًا وسبعين سنة» (١) .
هذا
والإمام البيهقي - رحمه الله - أشعري المعتقد قد اشتهر بذلك، وقد عده الإمام ابن
عساكر في «تبيين كذب المفتري» (٢) ضمن أعيان الأشاعرة، وقال ابن السبكي في
«الطبقات» (٣) : «وقرأ علم الكلام على مذهب الأشعري».
وذكر شيخ
الإسلام ابن تيمية أنه يتولى مذهب المتكلمين من أصحاب أبي الحسن الأشعري ويذب
عنهم وأنه من فضلاء الأشاعرة (٤) .
* * *
(١) ما نقل عن
الإمام الذهبي هو من ترجمته للبيهقي في «سير أعلام النبلاء» (١٨/ ١٦٣) ، وما
بعدها.
(٢) «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن
الأشعري» ص (٢٦٥) .
(٣) «طبقات الشافعية» (٤/ ٩) .
(٤)
ينظر «محموع فتاوى ابن تيمية» (٥/ ٨٧) (٦/ ٥٣) ، و «شرح العقيدة الأصفهانية» (ص
٢٠٣) .
عاشرًا: وصف النسخ الخطية.
فإنه قد توفر لدي لهذا
الكتاب ثلاث نسخ خطية وهي كالآتي:
١ - نسخة مكتبة عارف حكمت بتركيا،
مجموع رقم ١٩٤/ ٨٠ وهي من مصورات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة حرسها الله،
وقد أتحفني بها وبالتي بعدها فضيلة الشيخ الهمام، أبي عبد الله حسين بن عكاشة
حفظه الله ورعاه.
وهي ضمن مجموع يحتوي على عدة كتب من مصنفات البيهقي،
كتاب أحكام القرآن أولها، و:
كتاب الانتقاد على أبي عبد الله
الشافعي.
كتاب حياة الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.
الكلام
على حديث الجويباري.
كتاب إثبات عذاب القبر.
كتاب بيان خطأ
من أخطأ على الشافعي.
جماع أبواب قراءة القرآن في الصلاة على الإمام
والمأموم.
فصل في الخاتم من كتاب الجامع له.
رسالته إلى
أبي محمد الجويني.
وتقع النسخة في ثمانين ورقة، في كل ورقة وجهان،
ومسطرتها زهاء ثلاث وعشرين سطرًا، في كل سطر زهاء اثنتي عشر كلمة.
كتبت
بخط نسخ عادي واضح، وهي أجود النسخ الثلاث، وتنفرد بتصويبات وزيادات ليست في
الأخرتين.
والنسخة قوبلت على غيرها، يبدو ذلك من التصويبات، وبعض
الفروق المدونة، في الحاشية والمرموز لها بحرف (ط) .
وقد ذيل الناسخ
ظهر كل صفحة بتعقيبة.
وجاء في آخرها:
نقل من أصل نسخة
مسموعة على الشيخ الإمام أبي محمد عبد الجبار ابن محمد الخواري البيهقي، بروايته
عن المصنف سماعًا، أو بالإجازة التي لا شك فيها، بقراءة أحمد بن إسماعيل
القزويني، وسمع المرادي، ... والطبري، وعورض بها. والحمد لله أولًا وآخرًا.
وقد
اصطلحت لها الرمز (م) .
وقد خلت من ذكر تاريخ النسخ، واسم الناسخ.
٢
- نسخة المكتبة الظاهرية، رقم (٣٩٦٣) ، وتقع في اثنين وسبعين ورقة، في كل ورقة
وجهان، ومسطرتها زهاء خمس وعشرين سطرًا، في كل سطر زهاء ثلاثة عشر كلمة.
وهي
نسخة جيدة من القرن الثاني عشر الهجري كتبت بخط نسخي معتاد، الفصول ورءوس الفِقَر
مكتوبة بالأحمر وبخط أكبر. توجد النسخة في مجموع يحوي: تخريج أحاديث منهاج الأصول
لزين الدين عبد الرحيم العراقي، على الورقة الأولى قيد وقف باسم مصطفى بن عبد
الرزاق على
طلبة العلم من المسلمين، تاريخه جمادى الأولى سنة ١١٨٠
هـ.
وقد ذيل الناسخ ظهر كل صفحة بتعقيبة.
وجاء في
آخرها:
تم بحمد الله وعونه الكتاب نهار الأربعاء المبارك أوائل شهر
شعبان المبارك من شهور سنة ألف ومائة وثلاث وثلاثين (١١٣٣ هـ) ، وصلى الله على
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وذلك على يد الفقير عمر بن عثمان
بن علي بالي القدسي الحنفي عفا عنهما، ونفع ببركة الصالحين يارب العالمين.
وقد
اصطلحت لها الرمز (د) .
٣ - نسخة دار الكتب المصرية برقم (٧١٥) مجاميع
طلعت رقم الميكروفيلم (١٤٣٠٩) ، والتي اعتمدها وحدها الشيخ عبد الغني ... عبد
الخالق - رحمه الله - في تحقيق الكتاب.
وتقع في سبع وستين ورقة، في كل
ورقة وجهان، ومسطرتها زهاء خمس وعشرين سطرًا، في كل سطر زهاء ثلاثة عشر كلمة.
وهي
نسخة جيدة بقلم نسخي معتاد، جاء في طرتها مع العنوان، ختم وقف باسم السيد أحمد
الحسيني بن يوسف الحسيني سنة ١٣٢٣ هـ.
وهي ضمن مجموع تقع هي في أوله،
ثم كتاب التنوير في إسقاط التدبير لابن عطاء السكندري.
وكتاب التبر
المسبوك في نصيحة الملوك للغزالي.
وكتاب الحكم المنسوب للإمام علي -
رضي الله عنه -.
وكتاب الحكم العطائية لابن عطاء السكندري.
وكتاب
الدرر المنثورة في بيان زُبَد العلوم المشهورة للشعراني.
وجاء في آخر
الكتاب أبيات منسوبة للإمام الشافعي، أولها:
خَبَت نارُ قلبي لاشتعال
مَفَارِقي ... وأظلم ليلي حين ضاء شِهابها
هذا، وناسخ هذه النسخة هو
نفسه الذي نسخ التي قبلها، إلا أن هذه تقدمت في النسخ فقد كان الفراغ منها في
نهار الاثنين لثمان عشر يومًا خلت من شهر جماد الثاني من شهور سنة مائة وألف
وإحدى وثلاثين ١١٣١ هـ.
يعني أن النسختين الأخيرتين أعني: نسخة
المكتبة الظاهرية، ونسخة دار الكتب المصرية = نُسِخَتا من أصل واحد، وكان هذا
ظاهرًا لي بوضوح أثناء العمل؛ فهما متفقتان في أكثر المواضع إن لم تكونا في كل
المواضع.
* * *
نَمَاذج مِن صُوَر المَخطُوطَات
الورقة الأولى من نسخة مكتبة عارف حكمت (م)
الورقة
الثانية من نسخة مكتبة عارف حكمت (م)
الورقة الأخيرة من نسخة عارف
حكمت (م)
الورقة الأولى من نسخة دار الكتب الظاهرية (د)
الورقة
الثانية من نسخة دار الكتب الظاهرية (د)
الصفحة الأخيرة من نسخة دار
الكتب الظاهرية (د)
الصفحة الأولى من نسخة دار الكتب المصرية (ط)
الورقة
الثانية من نسخة دار الكتب المصرية (ط)
الصفحة الأخيرة من نسخة دار
الكتب المصرية (ط)
تحميل الكتاب
- أحكام القرآن للشافعي - جمع البيهقي - ت الشوامي - ط الذخائر