المؤلف: الإمام الشافعي؛ محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله
المحقق: أحمد مصطفى الفران
حالة الفهرسة: مفهرس فهرسة كاملة
سنة النشر: 1427 - 2006
عدد المجلدات: 3
رقم الطبعة: 1
عدد الصفحات: 1529
نبذة عن الكتاب: أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة من جامعة القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالخرطوم - تم دمج المجلدات في ملف واحد للتسلسل تاريخ إضافته: 04 / 11 / 2008
فهرست الموضوعات
- سورة الأنفال
- قال الله عز وجل: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين (١)
- قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار (١٥)
- قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون (٢٠)
- قال الله عز وجل: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين (٣٨)
- قال الله عز وجل: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير (٣٩)
- قال الله عز وجل: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا
- قال الله عز وجل: (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين (٥٨)
- قال الله عز وجل: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم
- قال الله عز وجل: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين)
- قال الله عز وجل: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)
- العودة الي كتاب تفسير الإمام الشافعي لـ أحمد مصطفي الفران المجلد الأول
- العودة الي كتاب تفسير الإمام الشافعي لـ أحمد مصطفي الفران المجلد الثاني
سورة الأنفال
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (يَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ
وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (١)
الأم: كتاب (سير الأوزاعي):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال
محمد بن إسحاق: سئل عبادة بن الصامت ﵁ عن الأنفال، فقال: فينا أصحاب محمد ﷺ أنزلت
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ)
انتزعه اللَّه منا حين اختلفنا، وساءت
أخلاقنا، فجعله اللَّه ﷿ إلى رسوله ﷺ يجعله حيث شاء.
قال أبو يوسف رحمه
اللَّه تعالى: وذلك عندنا، لأنهم لم يحرزوه ويخرجوه إلى
دار الإسلام.
روى
الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مِقسَمٍ، عن ابن عباس رضي
الله عنهما، أن
النبي ﷺ لم يقسم غنائم بدر إلا بعد مقدمه المدينة، والدليل على ذلك أنه ضرب
لعثمان وطلحة في ذلك بسهم سهم، فقالا: وأجرنا، فقال: وأجركما»، ولم يشهدا وقعة
بدر، الحديث.
٢ / ٨٦٦
قال الشَّافِعِي ﵀: غنم
رسول الله ﷺ غنائم بدر بسَيَر (شعب من شعاب الصفراء قريب من بدر)، وكانت غنائم
بدر كما يروي عبادة بن الصامت غنمها المسلمون قبل أن تنزل الآية في سورة الأنفال،
فلما تشاحوا عليها، انتزعها اللَّه من أيديهم بقوله ﷿ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ
وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) الآية، فكانت لرسول الله ﷺ
كلها خالصة،
وقسَّمها بينهم، وأدخل معهم ثمانية نفر لم يشهدوا الوقعة من
المهاجرين
والأنصار بالمدينة المنورة، وإنَّما أعطاهم من ماله.
الأم (أيضًا): سهم
الفارس والراجل وتفضيل الخيل:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد قيل أعطاهم من سهمه،
كسهمان مَن شَهِد.
فأما الرواية المتظاهرة عندنا: فكما وصفت، قال الله ﷿:
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) الآية.
فكانت غنائم بدر
لرسول اللَّه ﷺ يضعها حيث شاء.
٢ / ٨٦٧
الأم
(أيضًا): وطئ السبايا بالمِفك:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأما ما ذكِر من أمر بدر
فإنما كانت الأنفال لرسول
الله ﷺ قال اللَّه ﷿: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) الآية.
فردها رسول
الله ﷺ على المسلمين.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ
الْأَدْبَارَ (١٥)
قال الله ﷿: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ
إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ
بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)
الأم:
تحريم الفرار من الزحف:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا
تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ)
فإذا غزا المسلمون، أو غُزُوا فتهيؤوا للقتال،
فلقوا ضِعفَهم من العدو، حَرُم عليهم أن يولوا عنهم إلا متحرفين - لقتال أو
متحيزين - إلى فئة، فإن كان المشركون أكثر من ضعفهم، لم أحِبَّ لهم أن يولوا
عنهم، ولا يستوجب السخط عندي من اللَّه عز وعلا، لو ولَّوا عنهم إلى غير التحرف
لقتال، أو التحيز لفئة؛ لأنَّا بيَّنَّا: أن اللَّه جل ثناؤه
٢
/ ٨٦٨
إنما يوجب سخطه على من ترك فرضه؛ وأن فرض الله في الجهاد
إنما هو على: أن يجاهد المسلمون ضِعفهم من العدو.
الأم (أيضًا): الخلاف فيمن
تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا
تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) .
أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس
﵄.
قال الشَّافِعِي ﵀: وهذا كما قال ابن عباس ﵄.
ومستغن بالتنزيل - فيه
- عن التأويل.
أحكام القرآن: فصل (فيما لا يجب عليه الجهاد):
روى
الشَّافِعِي ﵀ بإسناد آخر عن ابن عباس ﵄ قال:
من فرَّ من ثلاثة: فلم يفرَّ،
ومن فرَّ من اثنين: فقد فرَّ» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا
فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) .
وقال تعالى: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ
يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى
فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) الآيتان.
٢ /
٨٦٩
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا فرَّ الواحد من اثنين فأقل متحرفًا
لقتال
يمينًا، وشمالًا، ومدبرًا، ونيته العودة للقتال، أو متحيزًا إلى فئة
(من المسلمين) .
قَلَّت أو كَثرت، كانت بحضرته أو مَبينةً عنه فسواء؛ إنما
يصير الأمر في ذلك إلى نية المتحرف، أو المتحيز، فإن كان اللَّه ﷿ يعلم أنه إنما
تحرَّف ليعود للقتال، أو تحيز لذلك، فهو الذي استثنى اللَّه ﷿، فأخرجه من سَخَطِه
في التحرُّف والتَّحيز.
وإن كان لغير هذا المعنى: فقد خِفتُ عليه أن يكون قد
باء بسَخَطٍ من اللَّه.
إلا أن يعفو اللَّه عنه.
* * *
قال الله
﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا
تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠)
الرسالة: باب (بيان فرض الله
في كتابه اتباع سنة نبيه ﷺ):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأن اللَّه افترض طاعة
رسوله، وحتَّم على الناس
اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقولٍ: فرض إلا لكتاب
اللَّه ثم سُنة رسوله.
قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الآية.
٢ / ٨٧٠
قال
الله ﷿: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ
سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨)
الأم:
صلاة المرتد:
قال الشَّافِعِي ﵀: إذا ارتد الرجل عن الإسلام، ثم أسلم، كان
عليه
قضاء كل صلاة تركها في ردته، وكل زكاة وجبت عليه فيها، فإن غلب على
عقله في ردته - لمرض أو غيره -، قضى الصلاة في أيام غلبته على عقله، كما يقضيها
في أيام عقله.
فإن قيل: فلِمَ لَمْ تجعله قياسًا على المشرك يسلم، فلا تأمره
بإعادة
الصلاة؟
قيل: فرق اللَّه ﷿ بينهما فقال: (قُلْ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الآية، وأسلم رجال
فلم يأمرهم رسول الله ﷺ قضاء صلاة، ومَن رسول اللَّه ﷺ على المشركين، وحرّم
اللَّه دماء أهل الكتاب، ومنع أموالهم بإعطاء
الجزية، ولم يكن المرتد في هذه
المعاني، بل أحبط اللَّه عمله بالردة.
الأم (أيضًا): ما قتل أهل دار الحرب
من المسلمين فأصابوا من أموالهم:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي
﵀: ولا يتبع أهل دار الحرب من المشركين بغرم مال ولا
غيره، إلا ما وصفت من
أن يوجد عند أحد منهم مال رجل بعينه فيؤخذ منه.
فإن قال قائل: ما دلَّ على
ما وصفت؟
قيل: قد قال اللَّه ﷿ ْ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا
يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الآية، وما قد سلف: تقضَّى
٢
/ ٨٧١
وذهب، ودلت السنة عن رسول الله ﷺ أنه يطرح عنهم ما بينهم
وبين اللَّه عز ذكره والعباد، وقال رسول الله ﷺ: «الإيمان يجبُّ ما كان قبله»
الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ
فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ
بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩)
الأم (أيضًا): الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه
ومن لا تؤخذ:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وفرض الله عليه جهادهم،
فقال: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) الآية.
فقيل: فيه فتنة:
شرك، ويكون الدين كله واحدًا لله.
الأم (أيضًا): (الأمان):
قال
الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال اللَّه ﷿ في غير أهل الكتاب: (وَقَاتِلُوهُمْ
حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) الآية.
فحقن
اللَّه دماء من لم يدن دين أهل الكتاب من المشركين بالإيمان لا غيره، وحقن دماء
من دان دين
٢ / ٨٧٢
أهل الكتاب بالإيمان، أو
إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون، والصغار: أن
يجري عليهم الحكم (أي: دفع
الجزية) لا أعرف منهم خارجًا من هذا من
الرجال.
الأم (أيضًا): باب
(المرتد الكبير):
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا محمد بن إدريس
الشَّافِعِي قال: قال اللَّه ﵎:
(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ
فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) الآية.
وحكم اللَّه ﷿ في قتل
من لم يسلم من المشركين، وما أباح جل ثناؤه من أموالهم،. . . وأن من سنة رسول
الله ﷺ فيمن ظفر به من رجال المشركين لأنه قتل بعضهم، ومَن على بعضهم، وفادى
ببعض، وأخذ الفدية من بعض، فلم يختلف المسلمون أنه: لا يحل أن يفادى بمرتد بعد
إيمانه، ولا يمن عليه، ولا تؤخذ منه فدية، ولا يترك بحال حتى يسلم أو يقتل -
واللَّه أعلم -.
الأم (أيضًا): باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي
رحمه الله تعالى: وأباح اللَّه دماء أهل الكفر من خلقه، فقال:
(وَقَاتِلُوهُمْ
حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) الآية.
فجعل
حينئذ دماء المشركين مباحة وقتالهم حتمًا وفرضًا عليهم، إن لم يظهروا الإيمان.
٢
/ ٨٧٣
اختلاف الحديث: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال
اللَّه تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ
كُلُّهُ لِلَّهِ) الآية.
فكان ظاهر مخرج هذا عامًا على كل مشرك.
فأنزل
اللَّه: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ
دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ
عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩) .
فدلَّ أمر اللَّه جل ثناؤه بقتال
المشركين من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية
على أنه: إنما أراد بالآيتين
اللتين أمر فيهما بقتال المشركين حيث وُجدوا حتى
يقيموا الصلاة، وأن
يُقاتلوا حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله للهِ، مَن
خالف أهل الكتاب مِن
المشركين، وكذلك دلت سُنة رسول الله ﷺ على قتال أهل الأوثان حتى يسلموا، وقتال
أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، فهذا من العام الذي دلَّ اللَّه على أنه إنما أراد
به الخاص، لا أن واحدة من الآيتين ناسخة للأخرى، لأن لإعمالهما معًا وجهًا، بأن
كان كل أهل الشرك صنفين: صنف أهل الكتاب، وصنف غير أهل الكتاب.
ولهذا في
القرآن نظائر، وفي السنن مثل هذا.
اختلاف الحديث: باب (المجمل
والمفسَّر):
حدثنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال
اللَّه ﷿: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) الآية.
وقال الله عز ثناؤه:
(وَقَاتِلُوهُمْ
حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) الآية.
٢
/ ٨٧٤
أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عمرو بن علقمة،
عن أبي سلمة.
عن أبي هريرة ﵁ أنَّ النبي ﷺ قال:
«لا أزال أقائل الناس
حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بحقها، وحسابهم على الله» الحديث.
حدثنا الربيع:
أخبرنا
الشَّافِعِي قال: أخبرنا الثقة، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن
عبد الله،
عن أبي هريرة ﵁: أن عمر قال لأبي بكر فيمن منع الصدقة؛ أليس قد قال رسول الله
ﷺ:
«لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد
عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بحقها، وحسابهم على الله»
الحديث.
فقال أبو بكر: هذا من حقها يعني: منعهم الصدقة.
وقال
الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) الآية.
فكان ظاهر مخرج هذا عامًّا على
كلّ مشرك.
أحكام القرآن: فصل (فيمن لا يجب عليه الجهاد):
قال
الشَّافِعِي ﵀: فأمرُ اللَّه تعالى بقتال المشركين حتى يؤمنوا - والله
أعلم
- أمْرُه بقتال المشركين: من أهل الأوثان.
وكذلك حديث أبي هريرة - في
المشركين من أهل الأوثان - دون أهل الكتاب.
وفَرْضُ اللَّه: قتال أهل
٢
/ ٨٧٥
الكتاب (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ
صَاغِرُونَ) الآية.
إن لم يؤمنوا. وكذلك حديث بريدة - في أهل الأوثان خاصة
-.
فالفرض فيمن دان وآباؤه دين أهل الأوثان - من المشركين -: أن يقاتلُوا
-
إذا قُدِرَ عليهم - حتى يسلموا، ولا يحل أن يقبل منهم جزية، بكتاب الله
وسنة
رسوله.
والفرض في أهل الكتاب، ومن دان قبل نزول القرآن - كله - دينهم: أن
يقاتلوا
حتى يُعطوا الجزية، أو يسلموا، وسواء كانوا عربًا أو عجمًا.
* * *
قال
الله ﷿: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ
السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا
يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ (٤١)
الأم: الاختلاف - (في توزيع الفيء):
قال الشَّافِعِي ﵀:
وإذا قسم اللَّه ﷿ الفيء فقال:
(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ
شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية.
وسنَّ رسول الله ﷺ
أن أربعة
أخماسه لمن أوجف على الغنيمة، للفارس من ذلك ثلاثة أسهم، وللراجل
سهم، فلم نعلم رسول الله ﷺ فضل الفارس ذاْ الغناء العظيم على الفارس الذي ليس
٢
/ ٨٧٦
مثله، ولم نعلم المسلمين إلا سووا بين الفارسين، حتى
قالوا: لو كان فارس
أعظم الناس غناء، وآخر جبان سووا بينهما، وكذلك قالوا في
الرَّجَّالة.
الأم (أيضًا): جماع سنن قَسْمِ الغنيمة والفيء:
قال
الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ
فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية.
وقال اللَّه تعالى: (مَا
أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى)
وقال تعالى: (وَمَا
أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فالغنيمة
والفيء يجتمعان في أن فيهما معًا الخمس
من جميعهما لمن سماه اللَّه تعالى
له، ومن سماه اللَّه ﷿ له - في الآيتين معًا -
سواء مجتمعين غير متفرقين.
قال
الشَّافِعِي ﵀: ثم يتعرف الحكم في الأربعة الأخماس، بما بيَّن
الله ﷿ على
لسان نبيه، وفي فعله، فإنه قسم أربعة أخماس الغنيمة.
والغنيمة: هي الموجف
عليها بالخيل والركاب لمن حضر من غني وفقير.
والفيء: وهو ما لم يوجف عليه
بخيل ولا ركاب.
فكانت سنة رسول الله ﷺ في قرى عُرَينَة - التي أفاءها اللَّه
عليه - أن أربعة أخماسها لرسول اللَّه ﷺ خاصة، دون المسلمين، يضعه رسول الله ﷺ
حيث
أراه اللَّه ﷿.
٢ / ٨٧٧
الأم
(أيضًا): الأنفال:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقلنا قد يحتمل أن يكون قول اللَّه
تعالى: (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية، على أكثر الغنيمة لا على كلها، فيكون
السلَب مما لم يرد من
الغنيمة، وصفي النبي ﷺ، وما غنم مأكولًا فأكله من
غُنمِه، ويكون هذا بدلالة السنة، وما بقي تحتمله الآية، وإذا كان النبي ﷺ أعطى
السلَب من قتل، لم يجز عندي
- واللَّه أعلم - أن يخمس ويقسم، إذا كان اسم
السلب يكون كئيرًا وقليلًا، ولم يستثن النبي ﷺ قليل السلب ولا كثيره، أن يقول
يعطى القليل من السلب دون الكثير، ونقول دلَّت السنة أنه إنما أراد بما يخمس ما
سوى السلَب من الغنيمة.
الأم (أيضًا): سنَّ تفريق القسم:
قال
الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تبارك اسمه: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ
شَيْءٍ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مُطرِّف، عن مَعْمَر، عن الزهري، أن
محمد
ابن جبير بن مطعم، أخبره عن أبيه قال: لما قسم النبي ﷺ سهم ذي القربى
بين بني هاشم وبني المطلب، أتيته أنا وعثمان بن عفان، فقلنا: يا رسول اللَّه،
هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ينكر فضلهم، لمكانك الذي وضعك اللَّه به منهم،
أرأيت إخواننا، من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا - أو منعتنا - وإنَّما قرابتنا
وقرابتهم واحدة، فقال النبي ﷺ: «إنما بنو هاشم وينو المطلب شيء واحد هكذا.
وشبَّك
بين أصابعه» الحديث.
٢ / ٨٧٨
أخبرنا الربيع
قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا - أحسبه - داود العطار، عن ابن
المبارك،
عن يونس، عن ابن شهاب الأزهري، عن ابن المسيب، عن جبير بن مطعم، عن النبي ﷺ بمثل
معناه
قال الشَّافِعِي ﵀: وأخبرنا عن الزهري، عن ابن المسيب، جبير بن
مطعم
قال: «قسم رسول الله ﷺ سهم ذي القربى بين بنى هاشم وبني المطلب، ولم يعط منه
أحدًا من بني عبد شمس، ولا بنى نوفل شيئًا» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت
قول الله ﷿: (وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى)
فهل تراه أعطاهم بغير اسم
القرابة؛ قال: لا، وقد يحتمل أن يكون
أعطاهم باسم القرابة ومعنى الحاجة.
قلت:
فإن وجدتَ رسول الله ﷺ أعطى من ذوي القربى غنيًا لا دين عليه ولا حاجة به؛ بل
يعول عامة أهل بيته، ويتفضل على غيره لكثرة ماله، وما من الله ﷿ به عليه من سعة
خلقه، قال إذًا يبطل المعنى الذي ذهبتُ إليه، قلت: فقد
أعطى أبا الفضل
العباس بن عبد الطلب وهو كما وصفت في كثرة المال، يعول عامة بني المطلب، ويتفضل
على غيرهم. قال: فليس لما قلت من أن يعطوا على الحاجة معنى، إذا أعْطَيه
الغني.
وقلت له: أرأيت لو عارضك معارض أيضًا.
فقال: قال الله ﷿ في
الغنيمة: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ
وَلِلرَّسُولِ) الآية.
فاستدللنا: أن الأربعة الأخماس لغير أهل الخمس،
فوجدنا
رسول الله ﷺ أعطاها من حضر القتال.
٢ / ٨٧٩
فلو
غزا قوم فغنموا غنائم كثيرة أعطيناهم بقَدرِ ما كانوا يأخذون في
زمان النبي
ﷺ، قال: ليس ذلك له، قد علم الله أن يستغنموا القليل والكثير، فإذا بين النبي ﷺ
أن لهم أربعة أخماس فسواء قلَّت أو كثرت، أو قلوا أو كثروا، أو
استغنوا أو
افتقروا.
قلتُ: فلم لا تقول هذا في سهم ذي القربى؟!.
الأم (أيضًا):
الخمس فيما لم يوجف عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال لي قائل: قد احتججتَ بأن
النبي ﷺ أعطى سهم ذي القربى، عام خيبر ذوي القربى، وخيبر مما أوجف عليه، فكيف
زعمت أن الخمس لهم مما لم يوجف عليه؟
فقلت له: وجدت المالين أخذا من
المشركين.
وخولهما بعض أهل دين اللَّه ﷿، ووجدتُ الله ﵎ اسمه، حكم في خمس
الغنيمة بأنه على خمسة؛ لأن قول الله ﵎: (لِلَّهِ) الآية، مفتاح كلام كل شيء، وله
الأمر من قبل ومن بعد، فأنفذ رسول الله ﷺ لذوي القربى حقهم، فلا يُشك أنه قد أنفذ
لليتامى، والمساكين، وابن السبيل حقهم، وأنه قد
انتهى إلى كل ما أمره الله ﷿
به.
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت: لما احتمل قول عمر أن يكون الكل
لرسول
الله ﷺ، وأن تكون الأربعة الأخماس التي كانت تكون للمسلمين، فيما أوجف عليه لرسول
اللَّه ﷺ دون الخمس، فكان النبي ﷺ يقوم فيها مقام
المسلمين، استدللنا بقول
الله ﷿ في الحشر:
(فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى)
على أن
لهم الخمس، وأن الخمس إذا كان لهم، ولا يشك أن
٢ / ٨٨٠
النبي
ﷺ سلمه لهم، فاستدللنا: إذا كان حكم الله ﷿ في الأنفال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا
غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية، فاتفق الحكمان في سورة
الحشر، وسورة
الأنفال لقوم موصوفين، وإنَّما لهم من ذلك الخمس لا غيره.
الأم
(أيضًا): بلاد العنوة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وكل ما وصفت أنه يجب قَسمُه، فإن
تركه الإمام، ولم يقسمه، فَوَقَفَه المسلمون، أو تركه لأهله، ردَّ حكم الإمام
فيه؛ لأنه مخالف للكتاب ثم السنة معًا، فإن قيل: فأين ذكر ذلك في الكتاب؟
قيل:
قال اللَّه ﷿: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ
خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية، وقسم رسول الله ﷺ الأربعة الأخماس على من أوجف
عليه بالخيل والركاب، من كل ما أوجف عليه من أرض أو عمارة أو مال، وإن تركها
لأهلها، أتبع أهلها بجميع ما كان في أيديهم من غلتها، فاستُخرج من أيديهم، وجعل
لهم أجر مثلهم، فيما قاموا عليه فيها، وكان لأهلها
أن يتبعوا الإمام بكل ما
فات فيها، لأنها أموالهم أفاتها.
الأم (أيضًا): كتاب (سير الأوزاعي):
قال
الشَّافِعِي ﵀: وإنما نزلت: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ
فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية، بعد غنيمة بدر، ولم يُعلم - أن -
رسول الله ﷺ أسهم لخلق
٢ / ٨٨١
لم يشهدوا
الوقعة بعد نزول الآية، ومن أعطى رسول الله ﷺ من المؤلفة وغيرهم.
فإنما من
ماله أعطاهم، لا من شيء من أربعة الأخماس، وأما ما احتج به من
وقعة عبد الله
بن جحش، وابن الحضرمي، فذلك قبل بدر، وقبل نزول الآية.
الأم (أيضًا): سهم
الفارس والراجل وتفضيل الخيل:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإنما نزلت: (وَاعْلَمُوا
أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي
الْقُرْبَى) الآية.
بعد بدر على ما وصفتُ لك، يُرفع خمسها، وُيقسم أربعة
أخماسها واقرأ على من حضر الحرب من المسلمين.
إلا السلَب: فإنه سُن أنه
للقاتل في الإقبال، فكان السلب خارجًا منه.
وإلا الصِّفِيَ: فإنه قد اختلف
فيه، فقيل: كان يأخذه ﷺ من سهمه من الخمس.
وإلا البالغين من السبي:
فإن
رسول الله ﷺ سَنَّ فيهم سننًا، ففتل بعضهم.
- وفادى بعضهم، ومَنَّ على بعضهم
-، وفادى ببعضهم أسرى المسلمين.
فالإمام في البالغين من السبي مخير فيما
حكيتُ أن النبي ﷺ سَنَّه فيهم، فإن أخذ
٢ / ٨٨٢
من
أحد منهم فدية، فسبيلها سبيل الغنيمة، وإن استرقَّ منهم أحدًا، فسبيل
المرقوق
سبيل الغنيمة، وإن فادى بهم بقتل أو فادى بهم أسيرًا مسلمًا، فقد
خرجوا من
الغنيمة، وذلك كله كما وصفتُ.
الأم (أيضًا): وطء السبابا بالمِلك:
قال
الشَّافِعِي ﵀: ثم نزل جمليه منصرفه من بدر: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ
مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية، فجعل الله له ولمن
سَمِّي معه
الخمس، وجعل رسول الله ﷺ لمن أوجف الأربعة الأخماس بالحضور،
للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم.
مختصرالمزني: مختصرمن كتاب (قسم الفيء وقسم
الغنائم):
قال الشَّافِعِي ﵀: أصل ما يقوم به الولاة من جمل المال ثلاثة
وجوه:
أحدها: ما أخِذ من مال مسلم تطهيرًا له، فذلك لأهل الصدقات، لا لأهل
الفيء.
والوجهان الآخران: ما أخِذ من مال مشرك، كلاهما مبين في كتاب الله
تعالى،
وسُنَّة رسوله ﷺ وفعله.
فأحدهما: الغنيمة، قال الله ﵎: (وَاعْلَمُوا
أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) .
والوجه
الثاني: هو الفيء، قال الله تعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ
أَهْلِ الْقُرَى) .
٢ / ٨٨٣
قال الشَّافِعِي
﵀: فالغنيمة والفيء يجتمعان في أن فيهما معًا الخمس
من جميعهما لمن سماه
اللَّه تعالى له في الآيتين معًا سواء. ..
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه
- الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات):
قال
الشَّافِعِي ﵀: آل محمد ﷺ: الذين حرم اللَّه عليهم الصدقة، وعوضهم منها الخمس،
وقال اللَّه ﷿: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ
خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) فكانت هذه الآية في معنى قول النبي
ﷺ:
«إنَّ الصدقة لا تحلُّ لمحمدٍ، ولا لآل محمدٍ» الحديث.
وكان الدليل
عليه: أن لا يوجد أمر يقطع العنت، وُيلزم أهل العلم - واللَّه أعلم - إلا الخبر
عن رسول الله ﷺ.
فلما فرض اللَّه على نبيه ﷺ أن يؤتي ذا القربى حقه، وأعلمه:
أن لله خمسه وللرسول ولذي القربى، فأعطى سهم ذي القربى في بني هاشم وبني
المطلب.
دلَّ ذلك على أن الذين أعطاهم رسول الله ﷺ الخمس هم: آل محمد الذين
أمر رسول اللَّه ﷺ بالصلاة عليهم معه، والذين اصطفاهم من خلقه، بعد نبيه ﷺ.
آداب
الشَّافِعِي: ما في الزكاة والسيَر:
وقال يونس:
قال الشَّافِعِي ﵀: إن
غنائم بدر لم ثخَمَّس ألبَتَّة، وإنما نزلت آية
الخُمس بعد رجوعهم من بدر،
وقَسْم الغنائم.
٢ / ٨٨٤
قال الله ﷿:
(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (٥٨)
الأم: جماع نقض العهد بلا
خيانة:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ
خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْخَائِنِينَ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: نزلت في أهل هدنة، بلغ النبي ﷺ عنهم
شيء، استدلَّ به على خيانتهم.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا جاءت دلالة على إن لم
يوف أهل هدنة بجميع
ما هادنهم عليه فله أن ينبذ إليهم؛ ومن قلت له أن ينبذ
إليه، فعليه أن يُلحقه
بمأمنه، ثم له أن يحاربه، من لا هُدنة له.
قال
الشَّافِعِي ﵀: فإن قال الإمام: أخاف خيانة قوم، ولا دلالة له
على خيانتهم
من خبر، ولا عيان فليس له - واللَّه تعالى أعلم - نقض مدتهم إذا كانت صحيحة.
الأم
(أيضًا): نقض العهد:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن علم الإمام غير ما قال -
الموادَع -، نبذ إليه.
وردَّه إلى مأمنه، ثم قاتله، وسبى ذريته، وغنم ماله
إن لم يُسلم، أو يعط الجزية -
٢ / ٨٨٥
إن كان
من أهلها - فإن لم يعلم غير قوله، وظهر منه ما يدلُّ على خيانته.
وختره (١)،
أو خَوفِ ذلك منه، نبذ إليه الإمام، وألحقه كامنه، ثم قانله، لقول اللَّه ﷿:
(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ)
.
قال الشَّافِعِي ﵀: نزلت - واللَّه تعالى أعلم - في قوم أهل مهادنة، لا
أهل
جزية، وسواء ما وصفت فيمن تؤخذ منه الجزية أو لا تؤخذ، إلا أن من لا تؤخذ منه
الجزية إذا عرض الجزية، لم يكن للإمام أخذها منه على الأبد.
وأخذها منه إلى
مدة.
الأم (أيضًا): ما أحدث أهل الذمة الموادعون مما لا يكون نقضًا:
قال
الشَّافِعِي ﵀: وإن صنع بعض ما وصفتُ، من هذا أو ما في
معناه موادعَ إلى
مدة، نبذ إليه، فإذا بلغ مامنه، قوتل إلا أن يُسلم، أو يكون ممن تقبل منه الجزية
فيعطيها، لقول اللَّه ﷿: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ
إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ) الآية.
مختصر المزنى: باب (نقض العهد):
قال
الشَّافِعِي ﵀: فغزا رسول الله ﷺ قريشًا عام الفتح، بغدر ثلاثة نفر منهم، وتركهم
معونة خزاعة، وإيوائهم من قاتلها.
(١) الخَترُ: الغدر والخديعة، أو أقبح
الغدر، انظر الفاموس المحيط، ص / ٤٨٩، والمعجم الوسيط ص / ٢١٧) .
٢
/ ٨٨٦
قال الشَّافِعِي ﵀: ومتى ظهر من مهادنين ما يدل على
خيانتهم نبذ
إليهم عهدهم، وأبلغهم مأمنهم، ثم هم حربٌ، قال اللَّه تعالى:
(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً) الآية.
* * *
قال الله ﷿:
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا
تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (٦٠)
الأم: كيف
تفريق القَسْم:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن الله ﷿ ندب إلى اتخاذ الخيل فقال:
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) الآية.
فأطاع في
الرباط، وكانت عليهم مؤنة في اتخاذه، وله غناء بشهوده عليه، ليس الراجل شبيهًا
به.
أخبرنا الثقة، عن إسحاق الأزرق، عن عبد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر.
أن
النبي ﷺ ضرب للفرس بسهمين، وللفارس بسهم، فزعم بعض الناس أنه لا يُعطى فرس إلا
سهمًا، وفارس سهمًا، ولا يُفَضل فرس على مسلم.
فقلت لبعض من يذهب مذهبه: هو
كلام عربي، وإنما يعطى الفارس
بسبب القوة والغناء مع السنة، والفرس لا يملك
شيئًا، إنما يملكه فارسه، ولا يقال: لا يفضل فرس على مسلم، والفرس بهيمة لا يقاس
بمسلم، ولو كان هذا كما قال صاحبك، لم يجز أن يسوى بين فرس ومسلم، وفي قوله
وجهان:
٢ / ٨٨٧
أحدهما: خلاف السنة.
والآخر:
قياسه الفرس بالمسلم، وهو لو كان قياسًا له دخل عليه أن يكون
قد سوَّى فرسًا
بمسلم، وقال بعض أصحابه: بقولنا في: سهمان الخيل.
وقال: هذه السنة التي لا
ينبغي خلافها.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأحبُّ الأقاويل إليَّ، وأكثر قول أصحابنا
أن
البراذين والمقاريف يسهم لها سهمان العربية؛ ولأنها قد تغني غناءها في
كئير
من المواطن، واسم الخيل جامع لها.
الأم (أيضًا): كتاب (السبق والنضال):
قال
الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه ﵎، فيما ندب إليه أهل
دينه:
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ)
الآية.
فزعم أهل العلم بالتفسير أن القوة: هي الرمي، وقال اللَّه ﵎: (وَمَا
أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ
خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية.
٢ / ٨٨٨
قال
الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن نافع)
ابن أبي
نافع، عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (
«لا سبق إلا في نصلٍ أو حافرٍ
أو خفٍّ» الحديث.
وأخبرنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر ﵄:
«أن
رسول الله ﷺ سابق بين الخيل التى قد أضمرت» الحديث.
الأم (أيضًا): سهم
الفارس والراجل وتفضيل الخيل:
قال الشَّافِعِي ﵀: ندب اللَّه ﷿ إلى اتخاذ
الخيل فقال جل وعز: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ
رِبَاطِ الْخَيْلِ) الآية، فإذا أعطاهم رسول الله ﷺ ما وصفنا، فإنما سهما الفرس
لراكبه لا للفرس، والفرس لا يملك شيئًا، إنما يملكه
فارسه بعنائه، والمؤنة
عليه فيه، وما ملَّكه رسول الله ﷺ.
الأم (أيضًا): ما عجز الجيش عن حمله من
الغنائم:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله ﵎: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا
اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) الآية، وإنَّما كره المسلمون أن يحرقوا النخل
والشجر؛ لأن الصائفة
كانت تغزو كل عام، فيتقوون بذلك على عدوهم، ولو حرقوا
ذلك، خافوا أن لا تحملهم البلاد، والذي في تخريب ذلك من خزي العدو ونكايتهم أنفع
للمسلمين، وأبلغ ما يتقوى به الجند في القتال.
٢ / ٨٨٩
حدثنا
بعض مشايخنا عن رسول الله ﷺ أنه حين حاصر الطائف، أمر بِكَرْمٍ لبني الأسود ابني
مسعود أن يقطع، حتى طلب بنو الأسود إلى أصحاب رسول اللَّه ﷺ
أن يطلبوا إلى
النبي ﷺ أن يأخذها لنفسه، ولا يقلعها، فكفَّ عنها رسول الله ﷺ.
* * *
قال
الله ﷿: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ
يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ)
وقال الله ﷿:
(الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ
مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ)
الأم: تحريم الفرارمن
الزحف:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ
الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ
يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) الآية.
وقال ﷿: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ
وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ
يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) الآية.
أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن
عباس ﵄
قال: لا نزلت (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا
مِائَتَيْنِ) الآية، فكُتِبَ
٢ / ٨٩٠
عليهم
ألا يفر العشرون من المائين، فأنزل الله ﷿: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ
وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ
يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) الآية.
فخُففَ عنهم، وكُتِب عليهم ألا يفرَّ مائة
من المائتين.
قال الشَّافِعِي ﵀: وهذا كما قال ابن عباس - إن شاء اللَّه
تعالى -
مستغنى فيه بالتنزيل عن التأويل.
الأم (أيضًا): من لا يجب عليه
الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد قال - الله - لنبيه ﷺ: (حَرِّضِ
الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) الآية، فدل على أنه أراد بذلك الذكور دون
الإناث؛ لأن الإناث: المؤمنات.
الرسالة: باب (فرض الصلاة الذي دلَّ الكتاب
ثم السنة على من تزول عنه
بالعذر..):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ
مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ) إلى أخر الآية، ثم أبان في كتابه أنه:
وَضَعَ
عنهم أن يقوم الواحد بقتال العشرة، وأثبت عليهم أن يقوم الواحد بقتال الاثنين،
فقال: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا)
إلى
آخر الآية.
ثم ذكر ما ورد في الأم (تحريم الفرار من الزحف) حرفيًا -.
٢
/ ٨٩١
قال الله ﷿: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)
الأم: الرد في المواويث:
قال
الشَّافِعِي ﵀: ومن كانت له فريضة في كتاب الله ﷿، أو سنة رسوله ﷺ، أو ما جاء عن
السلف، انتهينا به إلى فريضته، فإن فَضُل من المال شيء لم نرده عليه، وذلك أن
علينا شيئين:
أحدهما: أن لا نُنقصه مما جعله اللَّه تعالى له.
والآخر:
أن لا نزيده عليه، والانتهاء إلى حكم اللَّه ﷿ هكذا قال بعض الناس: نرده عليه إذا
لم يكن للمال من يستغرقه، وكان من ذوي الأرحام، وأن لا نرده على زوجٍ ولا
زوجة.
وقالوا: روينا قولنا هذا عن بعض أصحاب النبي ﷺ.
قلنا لهم: أنتم
تتركون ما تروون عن علي بن أبي طالب ﵁، وعبد اللَّه بن مسعود ﵁ في أكثر الفرائض،
لقول زيد بن ثابت، وكيف لم يكن هذا مما تتركون؟
قالوا: إنا سمعنا قول اللَّه
﷿: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)
الآية.
فقلنا: معناها على غير ما ذهبتم إليه، ولو كان على ما ذهبتم إليه
كنتم قد
تركتموه، قالوا: فما معناها؟
٢ / ٨٩٢
قلنا:
توارث الناس بالحِلْف والنصرة، ثم توارثوا بالإسلام والهجرة، ثم نسخ
ذلك،
فنزل قول اللَّه ﷿: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي
كِتَابِ اللَّهِ) الآية.
على معنى ما فرض اللَّه عز ذكره، وسن رسوله ﷺ، لا
مطلقًا هكذا.
ألا ترى أن الزوج يرث أكثر مما يرث ذوو الأرحام، ولا رحم له،
أو لا
ترى أن ابن العم البعيد يرث المال كله، ولا يرثه الخال، والخال أقرب
رحمًا منه، فإنما معناها - أي: الآية - على ما وصفت لك من أنها: على ما فرض
اللَّه لهم، وسن رسول الله ﷺ.
وأنتم تقولون: إن الناس يتوارثون بالرحم،
وتقولون خلافه في موضع
آخر!.
تزعمون: أن الرجل إذا مات وترك أخواله
ومواليه، فمالُه لمواليه دون
أخواله، فقد منعت ذوي الأرحام الذين قد تعطيهم
في حال، وأعطيت المولى
الذي لا رحم له المال!.
الرسالة: باب
(الاختلاف):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال - أي المحاور - فأقولُ: لك ذلك، لقول
الله:
(وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ
اللَّهِ) الآية.
فقلتُ له: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ) الآية، نزلت، بأن الناس
توارثوا بالحِلف، ثم توارثوا بالإسلام
والهجرة، فكان المهاجر يرث المهاجر، ولا يرثه من ورثته من لم يكن مهاجرًا، وهو
أقرب إليه ممن ورثه، فنزلت: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ) الآية، على ما فُرضَ لهم.
٢
/ ٨٩٣
قال: فاذكر الدليل على ذلك؟
قلت: (وَأُولُو
الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية، على ما
فُرضِ
لهم، ألا ترى أن مِن ذوي الأرحام من يرث، ومنهم من لا يرث؛ وأن
الزوج يكون
أكثر ميراثًا من أكثر ذوي الأرحام ميراثًا؛ وأنك لو كنت إنما تورِّث بالرحم كانت
رحم البنت من الأب كرحم الابن؛ وكان ذوو الأرحام يرثون معًا؛ ويكونون أحق من
الزوج الذي لا رحم له؟!
ولو كانت الآية كما وصفت، كنت قد خالفتها فيما
ذكرنا، في أن يَترُك
أخته ومواليه، فنعطي أخته النصف، ومواليه النصف، وليسوا
بذوي أرحام، ولا مفروض لهم في كتاب اللَّه فرض منصوص.
٢ /
٨٩٤