اسم الكتاب ـ تفسير الإمام الشافعي المجلد الثالث
المؤلف: الإمام الشافعي؛ محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله
المحقق: أحمد مصطفى الفران
حالة الفهرسة: مفهرس فهرسة كاملة
الموضوع: تفسير أيات الأحكام، تفسير موضوعي، تفسير فقهي
سنة النشر: 1427 - 2006
عدد المجلدات: 3
رقم الطبعة: 1
عدد الصفحات: 1529
نبذة عن الكتاب: - أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة من جامعة القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالخرطوم - تم دمج المجلدات في ملف واحد للتسلسل تاريخ إضافته: 04 / 11 / 2008
فهرست الموضوعات
المؤلف: الإمام الشافعي؛ محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله
المحقق: أحمد مصطفى الفران
حالة الفهرسة: مفهرس فهرسة كاملة
الموضوع: تفسير أيات الأحكام، تفسير موضوعي، تفسير فقهي
سنة النشر: 1427 - 2006
عدد المجلدات: 3
رقم الطبعة: 1
عدد الصفحات: 1529
نبذة عن الكتاب: - أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة من جامعة القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالخرطوم - تم دمج المجلدات في ملف واحد للتسلسل تاريخ إضافته: 04 / 11 / 2008
فهرست الموضوعات
- سورة النمل
- قال الله عز وجل: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله)
- سورة القصص
- قال الله عز وجل: (قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين (٢٦)
- قال الله عز وجل: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه)
- سورة العنكبوت
- قال الله عز وجل: (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا)
- قال الله عز وجل: (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه)
- قال الله عز وجل: (وإلى مدين أخاهم شعيبا)
- قال الله عز وجل: (أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم)
- سورة الروم
- قال الله عز وجل: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون (١٧) وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون (١٨)
- قال الله عز وجل: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها)
- قال الله عز وجل: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه)
- قال الله - عز وجل -: (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات)
- قال الله عز وجل: (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون (٦٠)
- سورة لقمان
- قال الله عز وجل: (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير)
- قال الله عز وجل: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام)
- سورة السجدة
- قال الله عز وجل: (الم (١) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين (٢)
- سورة الأحزاب
- قال الله عز وجل: (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما (١) واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا (٢)
- قال الله عز وجل: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (٤) ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله
- قال الله عز وجل: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم)
- قال الله عز وجل: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا (١٢)
- قال الله عز وجل (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)
- قال الله عز وجل: (وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا (٢٥)
- قال الله عز وجل: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا (٢٨)
- قال الله عز وجل: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن)
- قال الله عز وجل (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)
- قال الله عز وجل: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة)
- قال الله عز وجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة)
- قال الله عز وجل: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه)
- (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج)
- قال الله عز وجل: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)
- قال الله عز وجل: (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن)
- قال الله عز وجل: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك
- قال الله عز وجل: (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك)
- قال الله عز وجل: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك)
- قال الله عز وجل: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا)
- قال الله عز وجل: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (٥٦)
- سورة فاطر
- قال الله عز وجل: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها)
- قال الله عز وجل: (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا)
- سورة يس
- قال الله عز وجل: (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون (١٣) إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون (١٤)
- قال الله عز وجل: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو)
- سورة الصافات
- قال الله عز وجل: (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر)
- قال الله عز وجل: (وإن يونس لمن المرسلين (١٣٩) إذ أبق إلى الفلك المشحون (١٤٠) فساهم فكان من المدحضين (١٤١)
- المجلد الأول من كتاب تفسير الإمام الشافعي لـ أحمد مصطفي الفران
- المجلد الثاني من كتاب تفسير الإمام الشافعي لـ أحمد مصطفي الفران
سورة النمل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وجاء النبيَّ ﷺ رجلٌ في امرأة رجل رماها بالزنا، فقال له: يرجع، فأوحى اللَّه إليه آية اللعان، فلاعن بينهما، وقال اللَّه تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) الآية.
الرسالة: القياس:
قال الشَّافِعِي ﵀: قلنا (أي: للمحاور): فلست تراني كُلِّفتُ الحق من
وجهين:
أحدهما: حق بإحاطة في الظاهر والباطن.
والآخر: حق بالظاهر دون الباطن؟
قال: بلى، ولكن هل تجد في هذا قوة بكتاب أو سنة؟
قلت: نعم، ما وصفت لك مما كلفت في القبلة، وفي نفسي، وفي
غيري،. ..
وقال اللَّه: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) الآية.
٣ / ١١٦٥
فالناس متعبدون بأن يقولوا ويفعلوا ما أمروا به، وينتهوا إليه، لا
يجاوزونه؛ لأنهم لم يعطوا أنفسهم شيئًا، إنما هو عطاء اللَّه، فتسأل اللَّه عطاءً مؤديًا لحقه، موجبًا مزيده - آمين -.
٣ / ١١٦٦
سورة القصص
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦)
وقال الله ﷿: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ)
وقال الله ﷿: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا)
الأم: الإجارات:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد ذكر اللَّه ﷿ الإجارة في كتابه، وعمل بها بعض أنبيائه، قال اللَّه ﷿: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) .
٣ / ١١٦٧
(قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) الآيتان.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد ذكر اللَّه ﷿ أن نبيًا، من أنبيائه آجر نفسه حججًا مسماة ملَّكَه بها بُضعَ امرأة، فدل على تجويز الإجارة، وعلى أنه لا بأس بها على الحجج، إن كان على الحجج استأجره، وإن كان استأجره على غير حجج فهو تجويز الإجارة بكل حال، وقد قيل استأجره على أن يرعى له - الغنم -، واللَّه تعالى أعلم.
قال الشَّافِعِي ﵀: فمضت بها السنة، وعمل بها غير واحد من
أصحاب رسول الله ﷺ، ولا يختلف أهل العلم ببلدنا علمناه في إجازتها، وعوام فقهاء الأمصار.
الأم (أيضًا): باب (ما جاء في النكاح على الإجارة):
قال الشَّافِعِي ﵀: الصداق ثمن من الأثمان، فكل ما يصلح أن يكون
ثمنًا صَلح أن يكون صداقًا،. . . وقد أجازه الله ﷿ في الإجارة في كتابه، وأجازه المسلمون. ..
وذكر قصة شعيب وموسى عليهما الصلاة والسلام في النكاح فقال:
(يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) الآيتان.
وقال اللَّه ﷿: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا) الآية.
٣ / ١١٦٨
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا أحفظ من أحدٍ خلافًا في أن ما جازت عليه
الإجارة، جاز أن يكون مهرًا.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه في الإيمان)
انظر تفسير الآية / ٧٢ من سورة الفرقان فهما مرتبطتان بالتفسير معًا، ولا
حاجة للتكرار.
٣ / ١١٦٩
سورة العنكبوت
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى:
قال البيهقي ﵀: وقرأت في كتاب السنن رواية حرملة عن الشَّافِعِي:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)
الآية، فأخبر جل ثناؤه أن كل آدمي مخلوق من ذكر وأنثى، وسمى الذَّكَر أبًا، والأنثى: أمًّا.
* * *
قال الله ﷿: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
انظر تفسير الآية / ٢٥ من سورة هود ﵇، والآية / ٢٣ من سورة
المؤمنون، فهما مرتبطتان بهذه الآية في التفسير، فلا حاجة للتكرار.
٣ / ١١٧٠
قال الله ﷿: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد
انظر تفسير الآية / ٨٥ من سورة الأعراف، والآية / ٨٤ من سورة هود ﵇، فهما مرتبطتان بهذه الآية في التفسير، فلا حاجة للتكرار.
* * *
قال الله ﷿: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)
الأم: باب (دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) الآية.
يعني: - والله أعلم - آمنًا من صار إليه لا يتخطف اختطاف من حولهم.
٣ / ١١٧١
سورة الروم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨)
الأم: أول ما فرضت الصلاة
قال الشَّافِعِي ﵀: ويقال في قول الله ﷿: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ) المغرب والعشاء، (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) الصبح.
(وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا) العصر، (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) الظهر وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل - واللَّه تعالى أعلم -.
٣ / ١١٧٢
قال الله ﷿: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)
الأم: تفريع القَسْم والعدل بينهم (أي: النساء):
قال الشَّافِعِي ﵀: عماد القَسْم الليل لأنه سَكَن، فقال اللَّه تعالى -:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا كان عند الرجل أزواج حرائر مسلمات أو
كتابيات، أو مسلمات وكتابيات، فهن في القسم سواء، وعليه أن يبيت عند كل واحدة منهن ليلة، وإذا كان فيهن أمَة قَسَم للحرة ليلتين، وللأمة ليلة، ولا يكون له أن يدخل في الليل على التي لم يقسم لها؛ لأن الليل هو القَسْم، ولا بأس أن يدخله في النهار للحاجة، لا ليأوي - وبسط الكلام في المسألة -.
* * *
قال الله ﷿: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة):
قرأت في كتاب أبي الحسن (محمد بن الحسن القاضي)، فيما أخبره أبو
عبد الله (محمد بن يوسف بن النضر)، أخبرنا ابن الحكم قال:
٣ / ١١٧٣
سمعت الشَّافِعِي ينول: في قول اللَّه ﷿: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: معناه: هو أهون عليه في العبرة عندكم، لما كان يقول للشيء كن؛ فيخرج مفصلًا بعينيه وأذنيه، وسمعه ومفاصله، وما خلق اللَّه فيه من العروق فهذا - في العبرة - أشد من أن يقول لشيء قد كان: عُدْ إلى ما كنت.
قال الشَّافِعِي ﵀: فهو ﷾ إنما هو أهون عليه في
العبرة عندكم، ليس أن شيئًا يعظم على الله ﷿.
* * *
قال الله ﷿: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ)
الأم: القول في الإنصات عند رؤية السحاب والرياح
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرني من لا أتهم قال: حدثنا العلاء بن راشد.
عن عكرمة، عن ابن عباس ﵄ قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي ﷺ على ركبتيه، وقال: «اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا. . .» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: قال ابن عباس في كتاب اللَّه ﷿ آيات تشير إلى هذا، منها -: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) الآية.
٣ / ١١٧٤
قال الله ﷿: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (٦٠)
الأم: أبواب الصلاة:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا شريك، عن عمران بن ظبيان، عن حكيم
ابن سعد أن رجلًا من الخوارج قال لعلي ﵁:
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) الآية، فقال علي ﵁:
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)
وهو راكع، وهم يقولون من فعل هذا، يريد به الجواب، فصلاته فاسدة.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا ابن علية، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن
عاصم بن ضمرة، عن علي ﵁ قال: إذا ركعت فقلت: «اللهم لك ركعت، ولك خشعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت» الحديث.
فقد تم ركوعك، وهذا كلام عندهم يفسد الصلاة وهم يكرهون هذا، وهذا عندي كلام حسن، وقد روي عن النبي ﷺ شبيه به، ونحن نأمر بالقول به، وهم يكرهونه.
٣ / ١١٧٥
سورة لقمان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى
قرأت في كتاب (السنن) - رواية حرملة عن الشَّافِعِي ﵀.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) الآية، فأخبر
جل ثناؤه: أن كل آدمي: مخلوق من ذكر وأنثى، وسمى الذَّكَر: أبًا، والأنثى: أُمًّا.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) الآية.
فحجب عن نبيه علم الساعة،
٣ / ١١٧٦
وكان من جاور ملائكة اللَّه المقربين، وأنبياءه المصطفين من عباد الله، أقصر علمًا من ملائكته وأنبيائه؛ لأن اللَّه ﷿ فرض على خلقه طاعة نبيه ولم يجعل لهم بَعدُ من الأمر شيئًا، وأولى أن لا يتعاطوا حكمًا على غيب أحد، لا بدلالة ولا ظن لنفصير علمهم عن علم أنبيائه، الذين فرض اللَّه تعالى عليهم الوقف عما ورد عليهم، حتى يأتيهم أمره، فإنه جل وعز ظاهر عليهم الحجج، فيما جعل إليهم من الحكم في الدنيا، بأن لا يحكموا إلا بما ظهر من المحكوم عليه، وأن لا يجاوزوا أحسن ظاهره.
٣ / ١١٧٧
سورة السجدة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)
الأم: باب (سجود التلاوة والشكر):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد ترجم سجود القرآن في اختلاف علي وابن
مسعود ﵄، وفي اختلاف الحديث، وفي اختلاف مالك والشَّافِعِي رحمهما الله تعالى، مرتين:
أما الأول: ففيه أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀: هشيم، عن شعبة، عن عاصم، عن زر، عن
علي ﵁ قال: عزائم السجود (الم (١) تَنْزِيلُ)، (وَالنجم) .
و(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، ولسنا ولا إياهم نقول بهذا.
نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه..
وأما الثاني: وهو الذي في اختلاف الحديث، ففيه أخبرنا الربيع قال:
٣ / ١١٧٨
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي ذئب، عن
الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن، عن ثوبان، عن أبي هريرة ﵁، أن رسول الله ﷺ قرأ بالنجم فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين، قال: أرادا الشهرة.
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن
ليس بحتم، ولكننا نحب أن لا يُترك؛ لأن النبي ﷺ سجد في النجم وترك.
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي النجم سجدة، ولا أحب أن يدع شيئًا من
سجود القرآن، وإن تركه كرهته له، وليس عليه قضاؤه؛ لأنه ليس بفرض.
٣ / ١١٧٩
سورة الأحزاب
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (٢)
الرسالة: باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى إليه):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه جل ثناؤه لنبيه ﷺ:
(وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (٢) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فأبان الله أنه قد فرض على نبيه اتباع أمره، وشهد
له بالبلاع عنه، وشهد به لنفسه، ونحن نشهد له به، تقرُّبًا إلى اللَّه بالإيمان به، وتوسلًا إليه بتصديق كلماته.
٣ / ١١٨٠
قال الله ﷿: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ)
الأم: ما يحرم من النساء بالقرابة:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن رسول الله ﷺ أراد نكاح (ابنة جحش) ﵂، فكانت عند زيد بن حارثة، فكان النبي ﷺ تبناه، فأمر اللَّه تعالى ذكره.
أن يُدعى الأدعياء لآبائهم: (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)
الآية، وقال: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ) إلى قوله: (وَمَوَالِيكُمْ) الآية.
وقال لنبيه ﷺ:
(فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأشبه - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون قوله: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) الآية، دون أدعيائكم الذين
تسمونهم أبناءكم ولا يكون الرضاع من هذا في شيء، وحرمنا من الرضاع بما حرم الله قياسًا عليه، وبما قال رسول الله ﷺ أنه: «يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة» الحديث.
٣ / ١١٨١
الأم (أيضًا): باب (دعوى الولد):
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت - أي: للمحاور - نعم، زعم بعض أهل
التفسير: أن قول اللَّه ﷿: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) الآية.
ما جعل اللَّه لرجل من أبوين في الإسلام، واستدل بسياق الآية قول اللَّه ﷿: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) الآية.
قال - أي: المحاور -: فتحتمل هذه الآية معنى غير هذا؟
قلنا: نعم، زعم بعض أهل التفسير: أن معناها غير هذا، قال: فلك به حجة تثبت.
قلنا: أما حتى نستطيع أن نقول هو هكذا غير شك، فلا؛ لأنه محتمل غيره، ولم يقل هذا أحد يلزم قوله.
ولكنه إذا كان يحتمل، وكان معنى الإجماع أن الابن إذا ورث ميراث ابن كامل، فكذلك يرثه الأب ميراث أب كامل، لم يستقم فيه إلا هذا القول.
الأم (أيضًا): باب (المواريث):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه لنبيه ﷺ في زيد بن حارثة ﵁:
(ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الآية
فنسب الموالي نسبين:
أحدهما: إلى الآباء.
والآخر: إلى الولاء، وجعل الولاء بالنعمة.
وقال رسول الله ﷺ:
"ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله.
ما كان من شرط ليس في كتاب
٣ / ١١٨٢
الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرطه أوثق، وإنَّما الولاء لمن أعتق» الحديث.
فبين رسول الله ﷺ أن الولاء إنما يكون للمُعتق.
قال الشَّافِعِي ﵀: وروي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب» الحديث.
فدل الكتاب والسنة على أن الولاء إنما يكون بمتقدم فعل من المعتق، كما يكون النسب بمتقدم وِلاد من الأب.
الأم (أيضًا) (رضاعة الكبير):
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، أنه سئل عن
رضاعة الكبير فقال: (أخبرني عروة بن الزبير، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وكان من أصحاب النبي ﷺ - قد كان شهد بدرًا، وكان قد تبنى سالمًا الذي يقال له: سالم مولى أبي حذيفة، كما تبنى رسول الله ﷺ زيد بن حارثة، وأنكح أبو
حذيفة سالمًا، وهو يرى أنه ابن، فأنكحه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهي يومئذ من المهاجرات الأوَل، وهي يومئذ من أفضل أيامى قريش، فلما أنزل اللَّه في زيد بن حارثة ما أنزل فقال: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الآية.
ردَّ كل واحد
٣ / ١١٨٣
من أولئك من تبنى إلى أبيه، فإن لم يعلم أباه رده إلى الموالي، فجاءت سهلة بنت سهيل، وهي امرأة أبي حذيفة، وهي من بني عامر بن لؤي، إلى رسول الله ﷺ فقالت يا رسول الله، كنا نرى سالمًا ولدًا، وكان يدخل علي وأنا فُضُل، ولبس لنا إلا بيت واحد، فماذا ترى في شأنه؟ فقال رسول الله ﷺ فيما بلغنا: «أرضعيه
خمس رضعات، فيحرم بلبنها»
ففعلت، وكانت تراه ابنًا من الرضاعة، فأخذت بذلك عائشة فيمن كانت تحبُّ أن يدخل عليها من الرجال، فكانت تأمر أختها أم كلثوم، وبنات أختها يرضعن لها من أحبت أن يدخل عليها من الرجال
والنساء، وأبى سائر أزواج النبي ﷺ أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس، وقلن: ما نرى الذي أمر به رسول الله ﷺ سهلة بنت سهيل إلا رخصة في سالم وحده من رسول الله ﷺ، لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد، فعلى هذا من الخبر، كان أزواج النبي ﷺ في رضاعة الكبير) الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وهذا - والله تعالى أعلم - في سالم مولى أبي حذبفة
خاصة.
مختصر المزني: باب (بيع المكاتب):
قال الشَّافِعِي ﵀: بعد أن ذكر حديث عائشة في عتق بريرة - فقال
لي بعض الناس فما معنى إبطال النبي ﷺ شرط عائشة لأهل بريرة؟
قلت: إن بينًا -
٣ / ١١٨٤
واللَّه أعلم - في الحديث نفسه، أن رسول الله ﷺ قد أعلمهم أن الله قد قضى أن الولاء لمن أعتق، وقال: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الآية، وأنه نسبهم إلى مواليهم، كما نسبهم إلى آباءهم، وكما لم يجز أن يحولُوا عن آبائهم فكذلك لا يجوز أن يحولُوا عن مواليهم الذين وَلُوا منتهم.
* * *
قال الله ﷿: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان مما خص اللَّه ﷿ به نبيه ﷺ قوله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الآية. ..
قال الشَّافِعِي ﵀: وقوله: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الآية.
مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب، وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة، ومما وصفت من أن الله أحكم كثيرًا من فرائضه بوحيه، وسن شرائع واختلافها على لسان نبيه ﷺ، وفي فعله، فقوله: (أُمَّهَاتُهُمْ) يعني في معنى دون معنى؛ وذلك أنه لا يحل
لهم نكاحهن بحال، ولا يحرم عليهم نكاح بنات، لو كن لهن، كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم.
٣ / ١١٨٥
قال الشَّافِعِي ﵀: ويشبهن أن يكن أمهات لعظم الحق عليهم مع
تحريم نكاحهن.
الأم (أيضًا): باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة):
قال الشَّافِعِي ﵀: فإنما افترض عليهم طاعته فيما أحبوا وكرهوا، ألا
ترى إلى قوله ﷿: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الآية.
الرسالة: باب (الاختلاف)
قال الشَّافِعِي ﵀ فانول: لك ذلك اللمخاطَب أو للمحاوَر) لقول
الله: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية، فقلت له:
(وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) الآية، نزلت بأن الناس توارثوا
بالحِلْف، ثم توارثوا بالإسلام والهجرة، فكان المهاجر يرث المهاجر، ولا يرثه مِن ورثته مَن لم يكن مهاجرًا، وهو أقرب إليه ممن ورثه، فنزلت: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ) الآية، على ما فُرِضَ لهم قال: فاذكر الدليل على ذلك؟
قلت: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية، على ما فرض لهم، ألا ترى أن من ذوي الأرحام من يرث، ومنهم من لا يرث؛ وأن الزوج يكون أكثر ميراثًا من أكثر ذوي الأرحام ميراثًا؛ وأنك لو كنت إنما تورث بالرحم كانت رحم البنت من الأب كرحم الابن؛ وكان ذوو الأرحام يرثون معًا، ويكونون أحق من الزوج الذي لا رحم له؛ ولو كانت الآية كما وصفتَ كنتَ قد خالفتها فيما
٣ / ١١٨٦
ذكرنا، في أن يترك أخته ومواليه، فتعطى أخته النصف، ومواليه النصف، وليسوا بذوي أرحام، ولا مفروض لهم في كتاب الله فرض منصوص.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (١٢)
الأم: المرتد عن الإسلام:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: أخبر اللَّه ﷿ عن أسرارهم (أي: المنافقين) ولعله لم يعلمه الآدميون، فمنهم من شهد عليه بالكفر بعد الإيمان.
منهم من أقر بعد الشهادة، ومنهم من أقر بغير الشهادة، ومنهم من أنكر بعد الشهادة، وأخبر اللَّه ﷿ عنهم بقول ظاهر، فقال:
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)
فكلهم إذًا قال ما قال، وثبت على قوله، أو جحد، أو أقرَّ وأظهر الإسلام، تركِ بإظهار الإسلام فلم يُقتل.
الأم (أيضًا): تكلف الحجة على قالل القول الأول، وعلى من قال أقبل إظهار التوبة)
قال الشَّافِعِي ﵀: وأخبر اللَّه جل ثناؤه - عن طائفة غيرهم، فقال:
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)
وهذه حكاية عنهم، وعن الطائفة معهم مع ما حكى من كفر المنافقين
٣ / ١١٨٧
منفردًا، وحكى من أن الإيمان لم يدخل قلوب من حكى من الأعراب، وكل
من حقن دمه في الدنيا بما أظهر، مما يعلم جل ثناؤه خلافه من شركهم؛ لأنه
أبان أنه لم يُوَلَّ الحكمُ على السرائر غيره، وأنه قد ولى نبيه الحكم على الظاهر، وعاشرهم النبي ﷺ ولم يقتل منهم أحدًا، ولم يحبسه، ولم يعاقبه، ولم يمنعه سهمه في الإسلام إذا حضر القتال، ولا مناكحة المؤمنين وموارثتهم، والصلاة على موتاهم، وجميع حُكْم الإسلام.
الأم (أيضًا): من ليس للإمام أن يغزو به بحال
قال الشَّافِعِي ﵀: غزا رسول الله ﷺ، فغزا معه بعض من يُعرَفُ نفاقه، فانخزل يوم أحد عنه بثلثمائة، ثم شهدوا معه يوم الخندق، فتكلموا بما حكى الله ﷿ من قولهم: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) الآية.
* * *
قال الله ﷿ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)
الأم: الاستسلام في الزحام - أي: استلام الحجر الأسود -:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا سعيد بن صالم، قال أخبرني موسى بن عبيدة
الرَّبَذِي، عن محمد بن كعب القرظي، أن ابن عباس ﵄ كان يمسح على الركن اليماني والحجر - أي: الأسود - وكان ابن الزبير ﵁ يمسح على
٣ / ١١٨٨
الأركان كلها ويقول: لا ينبغي لبيت اللَّه أن يكون شيء منه مهجورًا، وكان ابن عباس يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: كان ابن عباس ﵄ يخبر عن رسول
الله ﷺ استلام الركن اليماني والحجر، دون الشاميين، وبهذا نقول: وقول ابن الزبير ﵁:
(لا ينبغي أن يكون شيء من بيت الله مهجورًا)
ولكن لم يدع أحد استلام الركن هجرة لبيت اللَّه تعالى، ولكنه استلم ما استلم رسول الله ﷺ وأمسك عما أمسك رسول الله ﷺ عن استلامه، وقد ترك استلام
ما سوى الأركان من البيت، فلم يكن أحد تركه على أن هجر من بيت الله
شيئًا.
* * *
قال الله ﷿: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (٢٥)
الأم: باب (الأذان والإقامة للجمع بين الصلاتين والصلوات)
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرني ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب.
عن المَقبُري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال:
٣ / ١١٨٩
"حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهَوِيٍّ من الليل حتى
كفينا، وذلك قول الله ﷿: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)
فدعا رسول الله ﷺ بلالًا فأمره فأقام الظهر فصلاها، فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضًا) الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأمر الله ﷿ رسوله ﷺ أن يخير نساءه، فقال:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)
فخيرهنَ رسول الله ﷺ فاخترنه، فلم يكن الخيار إذا اخترنه طلاقًا، ولم يجب عليه أن يحدث لهن طلاقًا إذا اخترنه.
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان تخيير رسول الله ﷺ إن شاء اللَّه - كما أمره الله ﷿ إن أردن الحياة الدنيا وزينتها ولم يخترنه، وأحدث لهن طلاقًا لا ليجعل
٣ / ١١٩٠
الطلاق إليهن، لقول الله ﷿: (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)
حْدِثُ لَكُن إذا اخترتن الحياة الدنيا وزينتها متاعًا وسراحًا، فلما اخترنه.
لم يوجب ذلك عليه أن يحدث لهن طلاقًا ولا متاعًا.
فأما قول عائشة ﵂: قد خيَّرنا رسول الله ﷺ فاخترناه، أفكان ذلك طلاقًا؟
تعني: - واللَّه أعلم - لم يوجب ذلك على النبي ﷺ أن يحدث لنا طلاقًا.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا فرض اللَّه ﷿ على النبي ﷺ إن اخترن الحياة الدنيا أن يمتعهن، فاخترن الله ورسوله، فلم يطلق واحدة منهن، فكل من خير امرأته فلم تختر الطلاق، فلا طلاق عليه.
الأم (أيضًا): ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع:
قال الشَّافِعِي ﵀: ذكر الله ﵎ الطلاق في كتابه بثلاثة أسماء:
الطلاق، الفِرَاق، السراح فقال ﷿: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)
وقال جل ثناؤه: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) .
وقال تبارك اسمه لنبيه ﷺ في أزواجه: (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فمن خاطب امرأته، فأفرد لها اسمًا من هذه
الأسماء، فقال: أنت طالق، أو قد طلقتك، أو فارقتك، أو قد سرحتك، لزمه الطلاق، ولم يُنَو في الحكم، ونوَّينَاه فيما بينه وبين الله.
٣ / ١١٩١
الأم (أيضًا): باب تعجيل الصدقة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وهكذا لو تصدق بكفارة يمين قبل أن يحلف فقال:
إن حنث في يمين فهذه كفارتها، فحنث لم تجز عنه من الكفارة؛ لأنه لم يكن
حلف، ولو حلف ثم كفر للحنث، ثم حنث أجزأ عنه من الكفارة.
فإن قال قائل من أين قلت هذا؟
قلت: قال اللَّه ﷿: (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)
فبدأ بالمتاع قبل السراح، وفي كتاب الكفارات: أن النبي ﷺ قال:
«من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي
هو خير منه» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد روي عن عدد من أصحاب النبي ﷺ أنهم كانوا يحلفون، فيكفرون قبل يحنثون.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك، عنَ نافع، عن ابن عمر رضي الله
عنهما: «أنه كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو
ثلاثة» الحديث.
٣ / ١١٩٢
قال الله ﷿: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ)
الأم ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﷿: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) الآية.
فأبانهن به ﷺ من نساء العالمين.
* * *
قال الله ﷿ (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ)
الزاهر باب (الوصية):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله ﷿:
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) الآية.
قال: الأدنى فالأدنى من النبي ﷺ.
وسئل أيدخل النساء في أهل البيت؟
قال: نعم.
٣ / ١١٩٣
قال الله ﷿: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)
الأم: اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: الكتاب: هو ما يتلى عن الله تعالى، والحكمة: وهي
ما جاءت به الرسالة عن الله مما بينت سنة رسول الله ﷺ، وقد قال ﷿ لأزواجه - أي: لأزواج نبيه ﷺ: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) الآية.
الأم (أيضًا): باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها):
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت، أي: للمحاور - وأيهم أولى، إذا ذكر
(الكتاب والحكمة) أن يكونا شيئين، أو شيئًا واحدًا؟
قال: يحتمل أن يكونا كما وصفت كتابًا وسنة، فيكونا شيئين، ويحتمل أن يكونا شيئًا واحدًا.
قلت - له -: فأظهرهما أولاهما، وفي القرآن دلالة على ما قلنا، وخلاف ما ذهبت إليه.
قال: وأين هي؟
قلت: قول اللَّه ﷿: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الآية.
فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان.
قال: فهذا القرآن يتلى، فكيف تتلى الحكمة؟
قلت: إنما معنى التلاوة: أن ينطق بالقرآن، والسنة كما ينطق بها، قال: فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى.
٣ / ١١٩٤
الرسالة: باب (ما نزل عامًا دلت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا)
فذكر الله الكتاب، وهو: القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله ﷺ، وهذا يشبه ما قال، واللَّه أعلم؛ لأن القرآن ذكر وأتبِعَته الحكمة، وذكر الله منهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز - واللَّه أعلم - أن يقال: الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله ﷺ.
وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللَّه، وأن الله افترض طاعة رسوله، وحتَّم على
الناس اتباع أمره فلا يجوز أن يقال لقولٍ: فرضٌ إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله، لما وصفنا، من أن الله جعل الإيمان برسوله مقرونًا بالإيمان به، وسنة رسول اللَّه مبينة عن الله معنى ما أراد، دليلًا على خاصِّه وعامِّه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول الله ﷺ.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)
الأم: باب (الخلاف فيه - أي: حكم من دخل في صلاة أو صوم هل له قطع ما دخل فيه قبل تمامه -؟):
قال الشَّافِعِي ﵀: إذا كان له أن يفطر في السفر في شهر رمضان لا عِلَّة
غيره، برخصة الله، وكان له أن يصوم إن شاء فيجزي عنه، من أفطر قبل أن
٣ / ١١٩٥
يستكمله، دل هذا على معنى قولي: من أنه لما كان له قبل الدخول في الصوم أن لا يدخل فيه، كان بالدخول فيه في تلك الحال غير واجب عليه بكل حال، وكان له إذا دخل فيه أن يخرج منه بكل حال، كما فعل رسول الله ﷺ، فالتطوع بكل وجه أولى أن يكون هكذا من الفرض الذي له تركه في ذلك الوقت إلى أن يقضيه
في غيره.
قال: فتقول بهذا؟
قلت: نعم: أقوله اتباعًا لأمر النبي ﷺ:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) .
الأم (أيضًا): الخلاف في نكاح الشغار:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال - أي: المحاور - فلأي شيء أفسدت أنت
الشغار والمتعة؟
قلت: بالذي أوجب اللَّه ﷿ على من طاعة رسوله ﷺ، وما أجد في كتاب اللَّه من ذلك، فقال:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) الآية.
الأم (أيضًا): بيان فرائض الله تعالى:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: فَرَض اللَّه ﷿ الفرائض - في كتابه من وجهين:
أحدهما: أبان فيه كيف فرض بعضها، حتى استُغني فيه بالتنزيل عن
التأويل وعن الخبر.
٣ / ١١٩٦
والآخر: أنه أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هي على لسان نبيه ﷺ ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله ﷺ في كتابه بقوله ﷿: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) الآية، مع غير آية في القرآن بهذا المعنى، فمن قبل عن رسول الله ﷺ فبفرض الله ﷿ قَبِلَ.
الأم (أيضًا): كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وفرض - اللَّه حليهم اتباع ما أنزل عليه، وسن
رسول ﷺ لهم فقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦)
فأعلم أن معصيته في ترك أمره وأمر رسوله، ولم يجعل لهم إلا اتباعه.
مختصر المزني: ومن كتاب الرسالة إلا ما كان معادًا:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مسلم، وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن
عامر بن صعب، أن طاووسًا أخبره أنه سأل ابن عباس ﵄ عن
الركعتين بعد العصر فنهاه عنهما، قال طاووس فقلت: ما أدعهما.
فقال ابن عباس ﵄: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الآية.
٣ / ١١٩٧
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قال الشَّافِعِي ﵀: - بعد أن ذكر ما سبق في مختصر المزني، زاد ما يلي -:
فرأي ابن عباس ﵄ الحجة قائمة على طاووس بخبره عن النبي ﷺ، ودلَّهُ بتلاوة كتاب اللَّه، على أن فرضًا عليه أن لا تكون له الخيرة إذا قضى الله ورسوله أمرًا.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ)
الأم: باب (المواريث):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﵎: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) الآية، فنسب الموالي نسبين:
أحدهما: إلى الآباء.
والآخر: إلى الولاء، وجعل الولاء بالنعمة.
الأم (أيضًا): باب (الولاء والحِلْف):
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
٣ / ١١٩٨
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي قال: أمر اللَّه ﵎ أن يُنسب من
كان له نسب من الناس نسبين:
١ - من كان له أب: أن ينسب إلى أبيه.
٢ - ومن لم يكن له أب: فلينسب إلى مواليه. ..
وأصل ما قلت من هذا في كتاب اللَّه ﷿، وسنة نبيه ﷺ، وما أجمع عليه عوام أهل العلم، وقال ﷿: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) الآية.
الأم (أيضًا): باب (تفريع العتق)
قال الشَّافِعِي ﵀: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ)
ولو غرب على أحد علم هذا من كتاب اللَّه ﷿، كان في قول رسول اللَّه ﷺ
«إنَّما الولاء لمن أعتق» الحديث.
دليل على أن المسيَّب والمؤمن يعتق الكافر، والكافر يعتق المؤمن، لا يعدون أن يكونوا معتقين، فيكون في سنة رسول اللَّه ﷺ:
«إنَّ الولاء لمن أعتق» الحديث.
٣ / ١١٩٩
الأم (أيضًا): ما يحرم من النساء بالقرابة:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن رسول الله ﷺ أراد نكاح ابنة جحش ﵂، فكانت عند زيد بن حارثة ﵁ فكان النبي ﷺ تبناه فأمر اللَّه تعالى ذكره أن
يدعى الأدعياء لآبائهم. . .، وقال اللَّه لنبيه ﷺ:
* * *
(فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ)
الآية.
الأم (أيضًا): الكلام الذى ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿ لنبيه ﷺ: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: - بعد أن ذكر الآيات التي وردت في مسمى عقد
الزواج - فسمَّى ﵎ النكاح اسمين: النكاح، والتزويج. ..
وفي هذا دلالة على أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج، ولا يقع
بكلام غيرهما، وإن كانت معه نية التزويج.
٣ / ١٢٠٠
قال الله ﷿: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)
الأم: كتاب الجزية:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأنه ﷾، - فتح به ﷺ رحمته، وختم به نبوته، فقال ﷿:
(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) .
* * *
قال الله ﷿: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ)
الأم: الكلام الذي ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، وفي هذا - وغيرها من الآيات - دلالة على أن لا يجوز
نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج، ولا يقع بكلام غيرهما، وإن كانت معه نية التزويج، وأنه مخالف للطلاق الذي يقع بما يشبه الطلاق من الكلام مع نية
٣ / ١٢٠١
الطلاق؛ وذلك أن المرأة قبل أن تزوج محرمة الفرج، فلا تحل إلا بما سمى الله ﷿ أنها تحل به لا بغيره.
الأم (أيضًا): الخلاف في طلاق المختلعة
قال الشَّافِعِي ﵀: فخالفنا بعض الناس في المختلعة، فقال: إذا طلقت
في العدة لحقها الطلاق، قلت: وحكم الله أنه إنما تطلق الزوجة (أي: وقت بقاء الزوجية)؛ لأن اللَّه ﵎ قال: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ)
قال: نعم. فقلت له: كتاب اللَّه إذا كان كما زعمنا وزعمت يدل على أنها
ليست بزوجة، وهي خلاف قولكم!
أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وابن
الزبير، ﵄، أنهما قالا: في المختلعة يطلقها زوجها، قالا: لا يلزمها طلاق؛ لأنه طلق ما لا يملك، - قال - وأنت تزعم أنك لا تخالف واحدًا من أصحاب النبي ﷺ إلا إلى قول مثله، فخالفت ابن عباس وابن الزبير ﵄ معًا، وآيات من كتاب اللَّه تعالى. . ..
الأم (أيضًا): اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، فكان هذا عامًّا للأزواج والنساء، لا يخرج منه زوج مسلم حرٌّ ولا عبدٌ، ولا ذمِّي حرٌّ ولا عبدٌ، فكذلك اللعان لا يخرج منه زوج ولا زوجة.
٣ / ١٢٠٢
الأم (أيضًا) الخلاف في اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإنَّما كتبنا في كتابنا: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، كما قلنا في قول اللَّه ﷿، وأن حكم الكتاب والسنة فيه.
فقال بعض من خالفنا: لا يُلاَعَن بين الزوجين أبدًا حتى يكونا حرين
مسلمين، ليسا بمحدودين في قذف، ولا واحد منهما، فقلت له: ذكر اللَّه ﷿ اللعان بين الأزواج لم يخص واحدًا منهم دون غيره.
وما كان عامًّا في كتاب اللَّه ﵎ فلا نختلف نحن ولا أنت أنه على
العموم كما قلنا.
الأم (أيضًا): الخلاف فيما يؤتى بالزنا:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقلت له - أي: للمحاوَر - قال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، وقال: (فَإِن طَلَّقَهَا)
الآية، فملك الرجال الطلاق وجعل على النساء العِدَد، قال: نعم.
الأم (أيضًا): إباحة الطلاق:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:.
قال الشَّافِعِي ﵀: - بعد أن ذكر الآيات المتعلقة بإباحة الطلاق -
وقال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، مع ما ذكرته
٣ / ١٢٠٣
من الطلاق في غير ما ذكرت، ودلت عليه سُنَّة رسول الله ﷺ من إباحة الطلاق.
فالطلاق مباح لكل زوج لزمه الفرض.
الأم (أيضًا): باب (لا عدة على التي لم يدخل بها زوجها):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فكان بينًا في حكم اللَّه ﷿، أن لا عدة على المطلقة.
قبل أن تُمسَّ، وأن المسيس: هو الإصابة، ولم أعلم في هذا خلافًا.
ثم اختلف بعض المفتين في المرأة يخلو بها زوجها، فيغلق بابًا ويرخي سترًا.
وهي غير مُحْرمِة ولا صائمة، فقال ابن عباس ﵄ وشريح
وغيرهما: لا عدة عليها إلا بالإصابة نفسها؛ لأن اللَّه ﷿ هكذا قال.
قال الشَّافِعِي ﵀: وبهذا أقول وهو ظاهر كتاب الله عز ذكره.
الأم (أيضًا): من يقع علبه الطلاق من النساء.
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ)، مع ما ذكر به الأزواج، ولم أعلم مخالفًا في أن: أحكام اللَّه تعالى في الطلاق، والظهار، والإيلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة النكاح، يحل للزوج جماعها، وما يحل للزوج من امرأته إلا أنه محرم الجماع في الإحرام والمحيض، وما أشبه ذلك حتى ينقضي.
٣ / ١٢٠٤
الأم (أيضًا): باب (ما جاء في الصداق):
قال الشَّافِعِي ﵀: ليس إرخاء الستور يوجب الصداق عندي، لقول
الله جل ثناؤه:. ..
(إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ)
ولا نوجب الصداق إلا بالمسيس، قال وكذا روي عن ابن عباس رضي اللَّه
عنهما وشريح، وهو معنى القرآن.
الأم (أيضًا): ما يعتق به الكاتب:
قال الشَّافِعِي ﵀: كان بينًا في كتاب اللَّه ﷿: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية، أن الطلاق إنما هو بإيقاعه بكلام الطلاق المصرح لا التعريض، ولا ما يشبه الطلاق، هكذا عامة من جمل الفرائض، أحكمت جملها في آية، وأبينت أحكامها في كتاب، أو سنة، أو إجماع.
الأم (أيضًا): الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقلت له - أي: للمحاور - الذي ذهب إليه من
قول اللَّه ﵎: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)
إنما هو على من عليه العدة؛ لقول اللَّه ﷿: (طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)
٣ / ١٢٠٥
فلما لم تكن هذه معتدة بحكم الله.
علمت أن الله ﵎ إنَّما قصد بالرجعة في العدة قصد المعتدات، وكان
المفسَّر من القرآن يدل على معنى الجمل، ويفترق بافتراق حالات المطلقات.
الأم (أيضًا): باب (الخلاف فيه أي: فيمن دخل في صلاة أو صوم، هل له قطعهما قبل إتمامهما؟):
قال الشَّافِعِي رحمه لة: ولقوله: (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية.
قالوا: إنَّما أوجب الله المهر والعدة في الطلاق بالمسيس - وبسط النقاش في المسألة -.
مختصر المزني: (نكاح المتعة والمحلل) من الجامع:
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي القرآن والسنة دليل على تحريم المتعة، قال اللَّه
تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، فلم يحرمهن اللَّه على
الأزواج إلا بالطلاق مع أحكام ما بين الأزواج فكان بينًا - واللَّه أعلم -، أن نكاح المتعة منسوخ بالفرآن والسنة، لأنه إلى مدة، ثم نجده ينفسخ بلا إحداث طلاق فيه، ولا فيه أحكام الأزواج.
مختصر المزني (أيضًا): من كتاب (اليمين مع الشاهد الواحد):
أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج، عن ليث بن أبي سليم، عن
طاووس، عن ابن عباس ﵄ ليس لها إلا نصف المهر، ولا عدة
عليها يعني لمن قال الله تعالى: (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية.
٣ / ١٢٠٦
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه الشَّافِعِي وفي خلع الطلاق والرجعة:
قال البيهقي: قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، أخبرنا عبد الرحمن بن
العباس الشَّافِعِي - قرأت عليه بمصر - قال: سمعت يحيى بن زكريا، يقول: قرأ علي يونس:
قال الشَّافِعِي ﵀: في الرجل يحلف بطلاق المرأة قبل أن ينكحها، قال:
لا شيء عليه، لأني رأيت اللَّه ﷿ ذكر الطلاق بعد النكاح، وقرأ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأحسب قول عائشة ﵂ أحل له
النساء لقول اللَّه ﵎: (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ) إلى قوله: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
٣ / ١٢٠٧
قال الشَّافِعِي ﵀: نذكر اللَّه ﷿ ما أحل لى، فذكر أزواجه اللاتي آتى أجورهن، وذكر بنات عمه، وبنات عماته، وبنات خاله، وبنات خالاته، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ﷺ.
قال الشَّافِعِي ﵀: فدل ذلك على معنيين:
أحدهما: أنه أحل له مع أزواجه من ليس له بزوج يوم أحل له؛ وذلك أنه
لم يكن عنده ﷺ من بنات عمه، ولا بنات عماته، ولا بنات خاله، ولا بنات خالاته امرأة، وكان عنده عدد نسوة.
الثاني: وعلى أنه أباح له من العدد ما حظر على غيره، ومن يائهب
بغير مهر ما حظره على غيره.
الأم (أيضًا): الكلام الذى ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﷿: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَاا) الآية،. ..
فأبان جل ثناؤه أن الهبة لرسول الله ﷺ
دون المؤمنين، والهبة - والله تعالى أعلم - تجمع أن ينعقد له عليها عقدة النكاح، بأن تهب نفسها له بلا مهر.
الأم (أيضًا): كتاب (الصداق):
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر فيثبت، فهذا
دليل على الخلاف بين النكاح والبيوع.
والبيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم،
٣ / ١٢٠٨
والنكاح ينعقد بغير مهر، استدللنا على أن العقد يصلح بالكلام به وأن الصداق لا يفسد عقده أبدًا، فإذا كان هكذا، فلو عقد النكاح بمهر مجهول أو حرام فثبتت العقدة بالكلام، وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت، وعلى أنه لا صداق على من طلق إذا لم يسمِّ مهرًا ولم يدخل؛ وذلك أنه يجب بالعقدة والمسيس، وإن لم يسم مهرًا بالآية، لقول الله ﷿ (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
يريد - واللَّه تعالى أعلم - النكاح والمسيس بغير مهر.
الأم (أيضًا): ما جاء في نكاح المشرك:
قال الشَّافِعِي ﵀: لا يحل لمسلم أن يجمع بين أكثر من أربع، إلا ما
خص اللَّه به رسوله ﷺ دون المسلمين من نكاح أكثر من أربع يجمعهن، ومن النكاح بغير -، مهر فقال عز وعلا:
(خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
الأم (أيضًا): باب (الصوم):
قال الشَّافِعِي ﵀: أحل اللَّه ﷿ له - أي: لنبيه ﷺ من عدد النساء ما شاء، وأن يستنكح المرأة إذا وهبت نفسها له، فقال اللَّه تعالى: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
فلم يكن لأحد أن يقول: قد جمع رسول الله ﷺ بين
أكثر من أربع، ونكح رسول الله ﷺ امرأة بغير مهر، وأخذ رسول الله ﷺ صفيًا
٣ / ١٢٠٩
من المغانم وكان لرسول الله ﷺ؛ لأن الله قد بين في كتابه، وعلى لسان رسوله ﷺ
أن ذلك له دونهم، وفرض الله تعالى عليه أن يخير أزواجه في المقام معه والفراق، فلم يكن لأحد أن يقول علي أن أخير امرأتي على ما فرض اللَّه ﷿ على رسول الله ﷺ، وهذا معنى قول النبي ﷺ إن كان قاله:
«لا يمسكن الناس عليَّ بشيء فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله، ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله» الحديث.
الأم (أيضًا): كتاب (النفقات):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية، -
وذكر آيات النفقات ثم قال -: هذا جملة ما ذكر اللَّه ﷿ من الفرائض بين الزوجين، وقد كتبنا ما حضرنا مما فرض
الله ﷿ للمرأة على الزوج، وللزوج على المرأة، مما سنَّ رسول الله ﷺ.
قال الشَّافِعِي ﵀: وفرض اللَّه ﷿ أن يؤدي كل ما عليه بالمعروف.
الأم (أيضًا): جماع عشرة النساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
فجعل اللَّه للزوج على المرأة، وللمرأة على الزوج حقوقًا بينهما في كتابه، وعلى لسان نبيه، مفسرة ومجملة، ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم.
٣ / ١٢١٠
الأم (أيضًا): النفقة على النساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: على الزوج نفقة امرأته وولده الصغار بالمعروف.
والمعروف: نفقة مثلها ببلدها الذي هي فيه، بُرًا كان أو شعيرًا أو ذرة، لا يكلف غير الطعام العام ببلده الذي يقتاته مثلها، ومن الكسوة والأدم بقدر ذلك، لقول الله ﷿: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ) الآية، فلما فرض عليهم نفقة أزواجهم كانت الدلالة كما وصفت في القرآن، وأبان النبي ﷺ ذلك.
الأم (أيضًا): القسْمُ للنساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي.
وأن عليه أن يعدل في ذلك، لا أنه مرخص له أن يجوز فيه، فدل ذلك على أنه إنما أريد به ما في القلوب، مما قد تجاوز الله للعباد عنه، فيما هو أعظم من الميل على النساء - والله أعلم -.
الأم (أيضًا): ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء، وما تحل به الفروح:
أخرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
فأطلق الله ﷿ ما ملكت الأيمان
٣ / ١٢١١
فلم يحد فيهن حدًا يُنتهي إليه، فللرجل أن يتسرى كم شاء، ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا، وانتهى ما أحل اللَّه بالنكاح إلى أربع، ودلت سنة رسول الله ﷺ المبينة عن اللَّه ﷿، على أن انتهاءه إلى أربع تحريمًا منه.
قال الشَّافِعِي ﵀: وذلك مفرق في مواضعه في القسم بينهن والنفقة
والمواريث وغير ذلك.
الأم (أيضًا): جماع القسم في النساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿:
(قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
ولم أعلم مخالفًا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن.
وقد بلغنا أن رسول الله ﷺ
كان يقسم فيعدل ثم يقول:
اللهم هدا قَسمي فيما أملك، وأنت أعلم بما لا أملك» الحديث.
الأم (أيضًا): امرأة المفقود:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎:
(قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
وجعل رسول الله ﷺ على الزوج نفقة امرأته.
وحكم اللَّه ﷿ بين الزوجين أحكامًا منها: اللعان، والظهار، والإيلاء، ووقوع الطلاق.
قال الشَّافِعِي ﵀: فلم يختلف المسلمون - فيما علمته - في أن ذلك
لكل زوجة على كل زوج غائب وحاضر.
٣ / ١٢١٢
قال الله ﷿: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم جعل له في اللاتي يهبن أنفسهن له أن يأتهب.
ويترك، فقال: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فمن اتهب منهن فهي زوجة، لا تحل لأحد بعده.
ومن لم يأتهب فليس يقع عليها اسم زوجة، وهي تحل له ولغيره.
* * *
قال الله ﷿: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: فأنزل اللَّه ﵎: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) الآية.
٣ / ١٢١٣
قال الشَّافِعِي ﵀: قال بعض أهل العلم أنزلت عليه: (لَا يَحِلُّ لَكَ)
بعد تخييره أزواجه.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن عائشة
﵂ أنها قالت: ما مات رسول الله ﷺ حتى أحِل له النساء.
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: كأنها تعني اللاتي حظرن عليه في قول اللَّه تبارك
وتعالى: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه)
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان مما خص اللَّه ﷿، نبيه ﷺ قوله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) .
٣ / ١٢١٤
وقال: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا) . الآية.
فحرم نكاح نسائه من بعده على العالمين، ليس هكذا نساء أحد غيره ﷺ.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)
الأم: باب (التشهد والصلاة على النبي ﷺ:
قال الشَّافِعِي ﵀: فرض اللَّه ﷿ الصلاة على رسوله ﷺ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في
الصلاة، ووجدنا الدلالة عن رسول الله ﷺ، بما وصفت من أن الصلاة على رسوله ﷺ فرضٌ في الصلاة - واللَّه تعالى أعلم -.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني صفوان بن
سُليم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة ﵁ أنه قال: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟
يعني: في الصلاة، قال: قولوا "اللهم صل على محمد
٣ / ١٢١٥
وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم، ثم تسلمون عليَّ» الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني سعد
ابن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، عن كعب بن
عجرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه كان يقول في الصلاة: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل ابراهبم، وبارك على محمد وآل محمد.
كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: فلما رُوِي أن رسول الله ﷺ كان يعلمهم التشهد في الصلاة، وروي أن رسول الله ﷺ علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة لم يجز - والله تعالى أعلم - أن نقول: التشهد واجب، والصلاة على النبي ﷺ غير
واجبة، والخبر فيهما عن النبي ﷺ زيادة فرض القرآن.
قال الشَّافِعِي ﵀: فعلى كل مسلم وجبت عليه الفرائض، أن يتعلم
التشهد، والصلاة على النبي ﷺ، ومن صلى صلاة لم يتشهد فيها ولم يصلي
٣ / ١٢١٦
على النبي ﷺ وهو يحسن التشهد فعليه إعادتها، وإن تشهد ولم يصل على النبي ﷺ أو صلى على النبي ﷺ ولم يتشهد، فعليه الإعادة - حتى يجمعهما جميعًا، وإن كان لا يحسنها على وجههما أتى بما أحسن منهما، ولم يجزه إلا بأن يأتي باسم تشهد وصلاة على النبي ﷺ، وإذا أحسنهما فأغفلهما، أو عمد تركهما، فسدت صلاته، وعليه الإعادة فيهما جميعًا.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات)
وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني ﵀، أخبرنا أبو سعيد
ابن الأعرابي، أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني.
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي ﵀ قال: أحبرنا مالك، عن نعيم بن
عبد اللَّه المجمر - أن محمد بن عبد اللَّه بن زيد الأنصاري - وعبد اللَّه بن زيد: هو الذي كان أُرِيَ النداء بالصلاة، أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: أتانا رسول الله ﷺ في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا اللَّه أن نصلي عليك يا نبي اللَّه؛ فكيف نصلي عليك؟
فسكت النبي ﷺ حتى تمنينا أنه لم يسأله، فقال رسول الله ﷺ قولوا: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين. إنك حميد مجيد» الحديث.
ورواه المزني وحرملة عن الشَّافِعِي، وزاد فيه:
«والسلام كما قد علمتم»
وفي هذا إشارة إلى السلام الذي
٣ / ١٢١٧
في التشهد، على النبي ﷺ، وذلك في الصلاة، فيشبه: أن تكون الصلاة التي أمر بها ﵊ - أيضًا - في الصلاة؛ واللَّه أعلم.
قال الشَّافِعِي ﵀: في رواية حرملة - والذي أذهب إليه - من هذا -
حديث أبي مسعود ﵁ عن النبي ﷺ، وإنَّما ذهبت إليه؛ لأني رأيت اللَّه ﷿ ذكر
ابتداء صلاته على نبيه ﷺ، وأمر المؤمنين بها، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الآية.
٣ / ١٢١٨
سورة فاطر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا)
الأم: كراهيه الاستمطار بالأنواء:
قال الشَّافِعِي ﵀: وبلغني أن بعض أصحاب رسول الله ﷺ كان إذا أصبح وقد مُطر الناس قال: مُطرنا بنوء الفتح، ثم قرأ:
(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) الآية.
وبلغني أن عمر بن الخطاب أوجف بشيخ من بني تميم غدا متكئًا على عكازه، وقد مطر الناس فقال: أجاد ما أقرى المِجدَح البارحة، فأنكر عمر قوله: (أجاد ما أقرى المِجدَح) لإضافة المطر إلى المجدح.
٣ / ١٢١٩
قال الله ﷿: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا)
الأم: باب (تحريم الصيد):
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: فالبحر المعروف البحر المالح، قيل:
نعم، ويدخل فيه العذب، وذلك معروف عند العرب.
فإن قال: فهل من دليل عليه في كتاب الله؟
قيل: نعم، قال اللَّه ﷿:
(وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا)
ففي الآية دلالتان:
إحداهما: أن البحر العذب والمالح، وأن صيدهما مذكور ذِكرًا واحدًا فكل ما
صيد في ماء عذب، أو بحر، قليل أو كثير مما يعيش في الماء للمُحرِم حلال، وحلال اصطياده، وإن كان في الحرم؛ لأن حكمه حكم صيد البحر الحلال للمُحرِم لا يختلف، ومن خوطب بإحلال صيد البحر وطعامه عقل أنه إنما أُحل له ما يعيش في البحر من ذلك، وأنه أحل كل ما يعيش في مائه؛ لأنه صيده وطعامه عندنا: ما ألقى وطفا عليه - واللَّه أعلم - ولا أعلم الآية تحتمل إلا هذا المعنى.
ثانيهما: أو يكون طعامه في دواب تعيش فيه فتؤخذ بالأيدي بغير
تكلُّف، كتكلف صيده، فكان هذا داخلًا في ظاهر جملة الآية - والله أعلم -.
٣ / ١٢٢٠
فإن قال قائل: فهل من خبر يدل على هذا؟
قيل: أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء أنه سئل عن صيد الأنهار، وقِلاَت المياه، أليس بصيد البحر؟
قال: بلى، وتلا: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا) الحديث.
أخبرنا سعيد، عن ابن جريج أن إنسانًا سأل عطاء عن حيتان بركه القرى:
وهي بئر عظيم في الحرم: أتصاد؟
قال: نعم، وَلَوَدَدتُ أن عندنا منه.
الأم (أيضًا): صيد البحر:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله ﷿: «وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا» الآية، فكل ما كان فيه صيد، في بئر كان، أو ماء مستنقع أو غيره، فهو بحر، وسواء كان في الحل والحرم، يصاد ويؤكل؛ لأنه مما لم يُمنع بحرمة شيء، وليس صيده إلا ما كان يعيش فيه أكثر عيشه، فأما طائره فإنما يأوي إلى أرض فيه، فهو من صيد البر، إذا أصيب جزي.
٣ / ١٢٢١
سورة يس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قال الشَّافِعِي ﵀: بعد أن ذكر الآيات الثلاث أعلاه - فظَاهَرَ الحجج
عليهم باثنين، ثم ثالث، وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد، وليس الزيادة في التكيد مانعة أن تقوم الحجة بالواحد، إذ أعطاه الله ما يباين به الخلق غير النبيين.
أخبرنا مالك، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عُجرة، عن عمته زينب
بنت كعب، أن الفُرَيعَة بنت مالك بن سنان أخبرتها:»أنها جاءت إلى النبي ﷺ تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أغبُدٍ له، حتى إذا كان بطرف القَدُّوم لحقهم، فقتلوه، فسألتُ رسول اللَّه أن أرجع إلى أهلي.
فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه، قالت: فقال رسول الله: «نعم».
فانصرفتُ، حتى إذا كنت فى الحجرة أو فى المسجد دعاني، أو أمر بي فدعيت له، فقال: «كيف قلتِ؟»
فرددت عليه القصة التي ذكرتُ له من شأن زوجي،
٣ / ١٢٢٢
فقال: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله».
قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا، فلما كان عثمان أرسل إليَّ، فسألني عن ذلك؛ فأخبرته، فاتَّبعه وقضى به" الحديث.
وعثمان في إمامته وعلمه، يقضي بخبر امرأة بين المهاجرين والأنصار - ثم ذكر خمسة أدلة أخرى من السنة على قبول خبر الواحد، والعمل به -.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قدوم الشَّافِعِي ﵀ مصر وتصنيفه بها
الكتب):
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: أنباني أبو عمرو (عثمان بن أحمد بن
السَّمَّاك) شفاهًا، أن أبا محمد بن الشَّافِعِي أخبرهم في كتابه، قال سمعت أبي
(محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع) يقول:
سمعت محمد بن إدريس الشَّافِعِي ﵀ بقول: لا ينبل قرشي بمكة، ولا
يظهر ذكره حتى يخرج منها؛ وذلك أن النبي ﷺ، لم يظهر أمره حتى خرج من مكة، ولا يكاد يجود شعر القرشي؛ وذلك أن اللَّه جل ذكره، قال لنبيه ﷺ: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ) الآية.
ولا يكاد يجود خط القرشي؛ وذلك أن النبي ﷺ كان أميًّا.
٣ / ١٢٢٣
سورة الصافات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)
الأم: اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: (وقال غيره) سنة رسول اللَّه ﷺ وجهان:
أحدهما: ما تبين مما في كتاب الله، المبين عن معنى ما أراد الله يحَملِه خاصًا وعامًا.
والآخر: ما ألهمه اللَّه من الحكمة، وإلهام الأنبياء وحي، ولعل من حجة من
قال هذا القول أن يقول: قال الله ﷿ فيما يحكي عن إبراهيم ﵊: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) الآية.
فقال غير واحد من أهل التفسير: رؤيا الأنبياء وحي، لقول ابن إبراهيم الذي أمر بذبحه: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) الآية.
ومعرفته أن رؤياه أمرٌ، أُمِرَ به.
٣ / ١٢٢٤
فائدة:
جاء في كتاب - (تهذيب تاريخ دمشق): رُوِي عن نوح بن حبيب قال:
سعت الشَّافِعِي ﵀ يقول كلامًا ما سمعت قط أحسن منه، سمعته -
أى: الشَّافِعِي - يقول: قال إبراهيم خليل الله لولده، وقت ما قص عليه ما رأى: ماذا ترى؛ أى: ماذا تشير به؟
قال ذلك ليستخرج من هذه اللفظة، ذكر التفويض.
والصبر، والتسليم، والانقياد لأمر اللَّه، لا لمؤامرته له مع أمر الله، فقال: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: والتفويض: هو الصبر والتسليم، هو الصبر
والانفباد، هو ملاك الصبر، فجمع له الذبيح - أي: إسماعيل ﵇ جميع ما ابتغاه في هذه اللفظة اليسيرة.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١)
الأم: قَسْم النساء إذا حضر السفر:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد ذكر اللَّه ﷿ القرعة في كتابه في موضعين، فكان ذكرها موافقًا ما جاء عن النبي ﷺ:
١ - قال الله ﵎: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) .
٣ / ١٢٢٥
٢ - وقال: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقف الفلك بالذين ركب معهم يونس عليه
السلام، فقالوا: إنما وقف لراكب فيه لا نعرفه، فيقرع فأيكم خرج سهمه ألقي، فخرج سهم يونس علبه السلام فألْقِيَ، فالتقمه الحوت، كما قال ﵎، ثم تداركه بعفوه جل وعز.
الأم (أيضًا): كتاب (القرعة):
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال اللَّه تعالى: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) .
وقال اللَّه ﷿: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فأصل القرعة في كتاب اللَّه ﷿ في قصة المقترعين على مريم، والمقارعي يونس مجتمعة، فلا تكون القرعة - واللَّه أعلم - إلا بين قوم مستوين في الحجة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وجاء النبيَّ ﷺ رجلٌ في امرأة رجل رماها بالزنا، فقال له: يرجع، فأوحى اللَّه إليه آية اللعان، فلاعن بينهما، وقال اللَّه تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) الآية.
الرسالة: القياس:
قال الشَّافِعِي ﵀: قلنا (أي: للمحاور): فلست تراني كُلِّفتُ الحق من
وجهين:
أحدهما: حق بإحاطة في الظاهر والباطن.
والآخر: حق بالظاهر دون الباطن؟
قال: بلى، ولكن هل تجد في هذا قوة بكتاب أو سنة؟
قلت: نعم، ما وصفت لك مما كلفت في القبلة، وفي نفسي، وفي
غيري،. ..
وقال اللَّه: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) الآية.
٣ / ١١٦٥
فالناس متعبدون بأن يقولوا ويفعلوا ما أمروا به، وينتهوا إليه، لا
يجاوزونه؛ لأنهم لم يعطوا أنفسهم شيئًا، إنما هو عطاء اللَّه، فتسأل اللَّه عطاءً مؤديًا لحقه، موجبًا مزيده - آمين -.
٣ / ١١٦٦
سورة القصص
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦)
وقال الله ﷿: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ)
وقال الله ﷿: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا)
الأم: الإجارات:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد ذكر اللَّه ﷿ الإجارة في كتابه، وعمل بها بعض أنبيائه، قال اللَّه ﷿: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) .
٣ / ١١٦٧
(قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) الآيتان.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد ذكر اللَّه ﷿ أن نبيًا، من أنبيائه آجر نفسه حججًا مسماة ملَّكَه بها بُضعَ امرأة، فدل على تجويز الإجارة، وعلى أنه لا بأس بها على الحجج، إن كان على الحجج استأجره، وإن كان استأجره على غير حجج فهو تجويز الإجارة بكل حال، وقد قيل استأجره على أن يرعى له - الغنم -، واللَّه تعالى أعلم.
قال الشَّافِعِي ﵀: فمضت بها السنة، وعمل بها غير واحد من
أصحاب رسول الله ﷺ، ولا يختلف أهل العلم ببلدنا علمناه في إجازتها، وعوام فقهاء الأمصار.
الأم (أيضًا): باب (ما جاء في النكاح على الإجارة):
قال الشَّافِعِي ﵀: الصداق ثمن من الأثمان، فكل ما يصلح أن يكون
ثمنًا صَلح أن يكون صداقًا،. . . وقد أجازه الله ﷿ في الإجارة في كتابه، وأجازه المسلمون. ..
وذكر قصة شعيب وموسى عليهما الصلاة والسلام في النكاح فقال:
(يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) الآيتان.
وقال اللَّه ﷿: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا) الآية.
٣ / ١١٦٨
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا أحفظ من أحدٍ خلافًا في أن ما جازت عليه
الإجارة، جاز أن يكون مهرًا.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه في الإيمان)
انظر تفسير الآية / ٧٢ من سورة الفرقان فهما مرتبطتان بالتفسير معًا، ولا
حاجة للتكرار.
٣ / ١١٦٩
سورة العنكبوت
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى:
قال البيهقي ﵀: وقرأت في كتاب السنن رواية حرملة عن الشَّافِعِي:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)
الآية، فأخبر جل ثناؤه أن كل آدمي مخلوق من ذكر وأنثى، وسمى الذَّكَر أبًا، والأنثى: أمًّا.
* * *
قال الله ﷿: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
انظر تفسير الآية / ٢٥ من سورة هود ﵇، والآية / ٢٣ من سورة
المؤمنون، فهما مرتبطتان بهذه الآية في التفسير، فلا حاجة للتكرار.
٣ / ١١٧٠
قال الله ﷿: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد
انظر تفسير الآية / ٨٥ من سورة الأعراف، والآية / ٨٤ من سورة هود ﵇، فهما مرتبطتان بهذه الآية في التفسير، فلا حاجة للتكرار.
* * *
قال الله ﷿: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)
الأم: باب (دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) الآية.
يعني: - والله أعلم - آمنًا من صار إليه لا يتخطف اختطاف من حولهم.
٣ / ١١٧١
سورة الروم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨)
الأم: أول ما فرضت الصلاة
قال الشَّافِعِي ﵀: ويقال في قول الله ﷿: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ) المغرب والعشاء، (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) الصبح.
(وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا) العصر، (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) الظهر وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل - واللَّه تعالى أعلم -.
٣ / ١١٧٢
قال الله ﷿: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)
الأم: تفريع القَسْم والعدل بينهم (أي: النساء):
قال الشَّافِعِي ﵀: عماد القَسْم الليل لأنه سَكَن، فقال اللَّه تعالى -:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا كان عند الرجل أزواج حرائر مسلمات أو
كتابيات، أو مسلمات وكتابيات، فهن في القسم سواء، وعليه أن يبيت عند كل واحدة منهن ليلة، وإذا كان فيهن أمَة قَسَم للحرة ليلتين، وللأمة ليلة، ولا يكون له أن يدخل في الليل على التي لم يقسم لها؛ لأن الليل هو القَسْم، ولا بأس أن يدخله في النهار للحاجة، لا ليأوي - وبسط الكلام في المسألة -.
* * *
قال الله ﷿: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة):
قرأت في كتاب أبي الحسن (محمد بن الحسن القاضي)، فيما أخبره أبو
عبد الله (محمد بن يوسف بن النضر)، أخبرنا ابن الحكم قال:
٣ / ١١٧٣
سمعت الشَّافِعِي ينول: في قول اللَّه ﷿: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: معناه: هو أهون عليه في العبرة عندكم، لما كان يقول للشيء كن؛ فيخرج مفصلًا بعينيه وأذنيه، وسمعه ومفاصله، وما خلق اللَّه فيه من العروق فهذا - في العبرة - أشد من أن يقول لشيء قد كان: عُدْ إلى ما كنت.
قال الشَّافِعِي ﵀: فهو ﷾ إنما هو أهون عليه في
العبرة عندكم، ليس أن شيئًا يعظم على الله ﷿.
* * *
قال الله ﷿: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ)
الأم: القول في الإنصات عند رؤية السحاب والرياح
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرني من لا أتهم قال: حدثنا العلاء بن راشد.
عن عكرمة، عن ابن عباس ﵄ قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي ﷺ على ركبتيه، وقال: «اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا. . .» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: قال ابن عباس في كتاب اللَّه ﷿ آيات تشير إلى هذا، منها -: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) الآية.
٣ / ١١٧٤
قال الله ﷿: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (٦٠)
الأم: أبواب الصلاة:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا شريك، عن عمران بن ظبيان، عن حكيم
ابن سعد أن رجلًا من الخوارج قال لعلي ﵁:
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) الآية، فقال علي ﵁:
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)
وهو راكع، وهم يقولون من فعل هذا، يريد به الجواب، فصلاته فاسدة.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا ابن علية، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن
عاصم بن ضمرة، عن علي ﵁ قال: إذا ركعت فقلت: «اللهم لك ركعت، ولك خشعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت» الحديث.
فقد تم ركوعك، وهذا كلام عندهم يفسد الصلاة وهم يكرهون هذا، وهذا عندي كلام حسن، وقد روي عن النبي ﷺ شبيه به، ونحن نأمر بالقول به، وهم يكرهونه.
٣ / ١١٧٥
سورة لقمان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى
قرأت في كتاب (السنن) - رواية حرملة عن الشَّافِعِي ﵀.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) الآية، فأخبر
جل ثناؤه: أن كل آدمي: مخلوق من ذكر وأنثى، وسمى الذَّكَر: أبًا، والأنثى: أُمًّا.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) الآية.
فحجب عن نبيه علم الساعة،
٣ / ١١٧٦
وكان من جاور ملائكة اللَّه المقربين، وأنبياءه المصطفين من عباد الله، أقصر علمًا من ملائكته وأنبيائه؛ لأن اللَّه ﷿ فرض على خلقه طاعة نبيه ولم يجعل لهم بَعدُ من الأمر شيئًا، وأولى أن لا يتعاطوا حكمًا على غيب أحد، لا بدلالة ولا ظن لنفصير علمهم عن علم أنبيائه، الذين فرض اللَّه تعالى عليهم الوقف عما ورد عليهم، حتى يأتيهم أمره، فإنه جل وعز ظاهر عليهم الحجج، فيما جعل إليهم من الحكم في الدنيا، بأن لا يحكموا إلا بما ظهر من المحكوم عليه، وأن لا يجاوزوا أحسن ظاهره.
٣ / ١١٧٧
سورة السجدة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)
الأم: باب (سجود التلاوة والشكر):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد ترجم سجود القرآن في اختلاف علي وابن
مسعود ﵄، وفي اختلاف الحديث، وفي اختلاف مالك والشَّافِعِي رحمهما الله تعالى، مرتين:
أما الأول: ففيه أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀: هشيم، عن شعبة، عن عاصم، عن زر، عن
علي ﵁ قال: عزائم السجود (الم (١) تَنْزِيلُ)، (وَالنجم) .
و(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، ولسنا ولا إياهم نقول بهذا.
نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه..
وأما الثاني: وهو الذي في اختلاف الحديث، ففيه أخبرنا الربيع قال:
٣ / ١١٧٨
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي ذئب، عن
الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن، عن ثوبان، عن أبي هريرة ﵁، أن رسول الله ﷺ قرأ بالنجم فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين، قال: أرادا الشهرة.
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن
ليس بحتم، ولكننا نحب أن لا يُترك؛ لأن النبي ﷺ سجد في النجم وترك.
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي النجم سجدة، ولا أحب أن يدع شيئًا من
سجود القرآن، وإن تركه كرهته له، وليس عليه قضاؤه؛ لأنه ليس بفرض.
٣ / ١١٧٩
سورة الأحزاب
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (٢)
الرسالة: باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى إليه):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه جل ثناؤه لنبيه ﷺ:
(وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (٢) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فأبان الله أنه قد فرض على نبيه اتباع أمره، وشهد
له بالبلاع عنه، وشهد به لنفسه، ونحن نشهد له به، تقرُّبًا إلى اللَّه بالإيمان به، وتوسلًا إليه بتصديق كلماته.
٣ / ١١٨٠
قال الله ﷿: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ)
الأم: ما يحرم من النساء بالقرابة:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن رسول الله ﷺ أراد نكاح (ابنة جحش) ﵂، فكانت عند زيد بن حارثة، فكان النبي ﷺ تبناه، فأمر اللَّه تعالى ذكره.
أن يُدعى الأدعياء لآبائهم: (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)
الآية، وقال: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ) إلى قوله: (وَمَوَالِيكُمْ) الآية.
وقال لنبيه ﷺ:
(فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأشبه - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون قوله: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) الآية، دون أدعيائكم الذين
تسمونهم أبناءكم ولا يكون الرضاع من هذا في شيء، وحرمنا من الرضاع بما حرم الله قياسًا عليه، وبما قال رسول الله ﷺ أنه: «يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة» الحديث.
٣ / ١١٨١
الأم (أيضًا): باب (دعوى الولد):
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت - أي: للمحاور - نعم، زعم بعض أهل
التفسير: أن قول اللَّه ﷿: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) الآية.
ما جعل اللَّه لرجل من أبوين في الإسلام، واستدل بسياق الآية قول اللَّه ﷿: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) الآية.
قال - أي: المحاور -: فتحتمل هذه الآية معنى غير هذا؟
قلنا: نعم، زعم بعض أهل التفسير: أن معناها غير هذا، قال: فلك به حجة تثبت.
قلنا: أما حتى نستطيع أن نقول هو هكذا غير شك، فلا؛ لأنه محتمل غيره، ولم يقل هذا أحد يلزم قوله.
ولكنه إذا كان يحتمل، وكان معنى الإجماع أن الابن إذا ورث ميراث ابن كامل، فكذلك يرثه الأب ميراث أب كامل، لم يستقم فيه إلا هذا القول.
الأم (أيضًا): باب (المواريث):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه لنبيه ﷺ في زيد بن حارثة ﵁:
(ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الآية
فنسب الموالي نسبين:
أحدهما: إلى الآباء.
والآخر: إلى الولاء، وجعل الولاء بالنعمة.
وقال رسول الله ﷺ:
"ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله.
ما كان من شرط ليس في كتاب
٣ / ١١٨٢
الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرطه أوثق، وإنَّما الولاء لمن أعتق» الحديث.
فبين رسول الله ﷺ أن الولاء إنما يكون للمُعتق.
قال الشَّافِعِي ﵀: وروي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب» الحديث.
فدل الكتاب والسنة على أن الولاء إنما يكون بمتقدم فعل من المعتق، كما يكون النسب بمتقدم وِلاد من الأب.
الأم (أيضًا) (رضاعة الكبير):
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، أنه سئل عن
رضاعة الكبير فقال: (أخبرني عروة بن الزبير، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وكان من أصحاب النبي ﷺ - قد كان شهد بدرًا، وكان قد تبنى سالمًا الذي يقال له: سالم مولى أبي حذيفة، كما تبنى رسول الله ﷺ زيد بن حارثة، وأنكح أبو
حذيفة سالمًا، وهو يرى أنه ابن، فأنكحه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهي يومئذ من المهاجرات الأوَل، وهي يومئذ من أفضل أيامى قريش، فلما أنزل اللَّه في زيد بن حارثة ما أنزل فقال: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الآية.
ردَّ كل واحد
٣ / ١١٨٣
من أولئك من تبنى إلى أبيه، فإن لم يعلم أباه رده إلى الموالي، فجاءت سهلة بنت سهيل، وهي امرأة أبي حذيفة، وهي من بني عامر بن لؤي، إلى رسول الله ﷺ فقالت يا رسول الله، كنا نرى سالمًا ولدًا، وكان يدخل علي وأنا فُضُل، ولبس لنا إلا بيت واحد، فماذا ترى في شأنه؟ فقال رسول الله ﷺ فيما بلغنا: «أرضعيه
خمس رضعات، فيحرم بلبنها»
ففعلت، وكانت تراه ابنًا من الرضاعة، فأخذت بذلك عائشة فيمن كانت تحبُّ أن يدخل عليها من الرجال، فكانت تأمر أختها أم كلثوم، وبنات أختها يرضعن لها من أحبت أن يدخل عليها من الرجال
والنساء، وأبى سائر أزواج النبي ﷺ أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس، وقلن: ما نرى الذي أمر به رسول الله ﷺ سهلة بنت سهيل إلا رخصة في سالم وحده من رسول الله ﷺ، لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد، فعلى هذا من الخبر، كان أزواج النبي ﷺ في رضاعة الكبير) الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وهذا - والله تعالى أعلم - في سالم مولى أبي حذبفة
خاصة.
مختصر المزني: باب (بيع المكاتب):
قال الشَّافِعِي ﵀: بعد أن ذكر حديث عائشة في عتق بريرة - فقال
لي بعض الناس فما معنى إبطال النبي ﷺ شرط عائشة لأهل بريرة؟
قلت: إن بينًا -
٣ / ١١٨٤
واللَّه أعلم - في الحديث نفسه، أن رسول الله ﷺ قد أعلمهم أن الله قد قضى أن الولاء لمن أعتق، وقال: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الآية، وأنه نسبهم إلى مواليهم، كما نسبهم إلى آباءهم، وكما لم يجز أن يحولُوا عن آبائهم فكذلك لا يجوز أن يحولُوا عن مواليهم الذين وَلُوا منتهم.
* * *
قال الله ﷿: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان مما خص اللَّه ﷿ به نبيه ﷺ قوله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الآية. ..
قال الشَّافِعِي ﵀: وقوله: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الآية.
مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب، وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة، ومما وصفت من أن الله أحكم كثيرًا من فرائضه بوحيه، وسن شرائع واختلافها على لسان نبيه ﷺ، وفي فعله، فقوله: (أُمَّهَاتُهُمْ) يعني في معنى دون معنى؛ وذلك أنه لا يحل
لهم نكاحهن بحال، ولا يحرم عليهم نكاح بنات، لو كن لهن، كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم.
٣ / ١١٨٥
قال الشَّافِعِي ﵀: ويشبهن أن يكن أمهات لعظم الحق عليهم مع
تحريم نكاحهن.
الأم (أيضًا): باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة):
قال الشَّافِعِي ﵀: فإنما افترض عليهم طاعته فيما أحبوا وكرهوا، ألا
ترى إلى قوله ﷿: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الآية.
الرسالة: باب (الاختلاف)
قال الشَّافِعِي ﵀ فانول: لك ذلك اللمخاطَب أو للمحاوَر) لقول
الله: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية، فقلت له:
(وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) الآية، نزلت بأن الناس توارثوا
بالحِلْف، ثم توارثوا بالإسلام والهجرة، فكان المهاجر يرث المهاجر، ولا يرثه مِن ورثته مَن لم يكن مهاجرًا، وهو أقرب إليه ممن ورثه، فنزلت: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ) الآية، على ما فُرِضَ لهم قال: فاذكر الدليل على ذلك؟
قلت: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية، على ما فرض لهم، ألا ترى أن من ذوي الأرحام من يرث، ومنهم من لا يرث؛ وأن الزوج يكون أكثر ميراثًا من أكثر ذوي الأرحام ميراثًا؛ وأنك لو كنت إنما تورث بالرحم كانت رحم البنت من الأب كرحم الابن؛ وكان ذوو الأرحام يرثون معًا، ويكونون أحق من الزوج الذي لا رحم له؛ ولو كانت الآية كما وصفتَ كنتَ قد خالفتها فيما
٣ / ١١٨٦
ذكرنا، في أن يترك أخته ومواليه، فتعطى أخته النصف، ومواليه النصف، وليسوا بذوي أرحام، ولا مفروض لهم في كتاب الله فرض منصوص.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (١٢)
الأم: المرتد عن الإسلام:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: أخبر اللَّه ﷿ عن أسرارهم (أي: المنافقين) ولعله لم يعلمه الآدميون، فمنهم من شهد عليه بالكفر بعد الإيمان.
منهم من أقر بعد الشهادة، ومنهم من أقر بغير الشهادة، ومنهم من أنكر بعد الشهادة، وأخبر اللَّه ﷿ عنهم بقول ظاهر، فقال:
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)
فكلهم إذًا قال ما قال، وثبت على قوله، أو جحد، أو أقرَّ وأظهر الإسلام، تركِ بإظهار الإسلام فلم يُقتل.
الأم (أيضًا): تكلف الحجة على قالل القول الأول، وعلى من قال أقبل إظهار التوبة)
قال الشَّافِعِي ﵀: وأخبر اللَّه جل ثناؤه - عن طائفة غيرهم، فقال:
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)
وهذه حكاية عنهم، وعن الطائفة معهم مع ما حكى من كفر المنافقين
٣ / ١١٨٧
منفردًا، وحكى من أن الإيمان لم يدخل قلوب من حكى من الأعراب، وكل
من حقن دمه في الدنيا بما أظهر، مما يعلم جل ثناؤه خلافه من شركهم؛ لأنه
أبان أنه لم يُوَلَّ الحكمُ على السرائر غيره، وأنه قد ولى نبيه الحكم على الظاهر، وعاشرهم النبي ﷺ ولم يقتل منهم أحدًا، ولم يحبسه، ولم يعاقبه، ولم يمنعه سهمه في الإسلام إذا حضر القتال، ولا مناكحة المؤمنين وموارثتهم، والصلاة على موتاهم، وجميع حُكْم الإسلام.
الأم (أيضًا): من ليس للإمام أن يغزو به بحال
قال الشَّافِعِي ﵀: غزا رسول الله ﷺ، فغزا معه بعض من يُعرَفُ نفاقه، فانخزل يوم أحد عنه بثلثمائة، ثم شهدوا معه يوم الخندق، فتكلموا بما حكى الله ﷿ من قولهم: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) الآية.
* * *
قال الله ﷿ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)
الأم: الاستسلام في الزحام - أي: استلام الحجر الأسود -:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا سعيد بن صالم، قال أخبرني موسى بن عبيدة
الرَّبَذِي، عن محمد بن كعب القرظي، أن ابن عباس ﵄ كان يمسح على الركن اليماني والحجر - أي: الأسود - وكان ابن الزبير ﵁ يمسح على
٣ / ١١٨٨
الأركان كلها ويقول: لا ينبغي لبيت اللَّه أن يكون شيء منه مهجورًا، وكان ابن عباس يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: كان ابن عباس ﵄ يخبر عن رسول
الله ﷺ استلام الركن اليماني والحجر، دون الشاميين، وبهذا نقول: وقول ابن الزبير ﵁:
(لا ينبغي أن يكون شيء من بيت الله مهجورًا)
ولكن لم يدع أحد استلام الركن هجرة لبيت اللَّه تعالى، ولكنه استلم ما استلم رسول الله ﷺ وأمسك عما أمسك رسول الله ﷺ عن استلامه، وقد ترك استلام
ما سوى الأركان من البيت، فلم يكن أحد تركه على أن هجر من بيت الله
شيئًا.
* * *
قال الله ﷿: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (٢٥)
الأم: باب (الأذان والإقامة للجمع بين الصلاتين والصلوات)
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرني ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب.
عن المَقبُري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال:
٣ / ١١٨٩
"حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهَوِيٍّ من الليل حتى
كفينا، وذلك قول الله ﷿: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)
فدعا رسول الله ﷺ بلالًا فأمره فأقام الظهر فصلاها، فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضًا) الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأمر الله ﷿ رسوله ﷺ أن يخير نساءه، فقال:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)
فخيرهنَ رسول الله ﷺ فاخترنه، فلم يكن الخيار إذا اخترنه طلاقًا، ولم يجب عليه أن يحدث لهن طلاقًا إذا اخترنه.
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان تخيير رسول الله ﷺ إن شاء اللَّه - كما أمره الله ﷿ إن أردن الحياة الدنيا وزينتها ولم يخترنه، وأحدث لهن طلاقًا لا ليجعل
٣ / ١١٩٠
الطلاق إليهن، لقول الله ﷿: (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)
حْدِثُ لَكُن إذا اخترتن الحياة الدنيا وزينتها متاعًا وسراحًا، فلما اخترنه.
لم يوجب ذلك عليه أن يحدث لهن طلاقًا ولا متاعًا.
فأما قول عائشة ﵂: قد خيَّرنا رسول الله ﷺ فاخترناه، أفكان ذلك طلاقًا؟
تعني: - واللَّه أعلم - لم يوجب ذلك على النبي ﷺ أن يحدث لنا طلاقًا.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا فرض اللَّه ﷿ على النبي ﷺ إن اخترن الحياة الدنيا أن يمتعهن، فاخترن الله ورسوله، فلم يطلق واحدة منهن، فكل من خير امرأته فلم تختر الطلاق، فلا طلاق عليه.
الأم (أيضًا): ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع:
قال الشَّافِعِي ﵀: ذكر الله ﵎ الطلاق في كتابه بثلاثة أسماء:
الطلاق، الفِرَاق، السراح فقال ﷿: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)
وقال جل ثناؤه: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) .
وقال تبارك اسمه لنبيه ﷺ في أزواجه: (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فمن خاطب امرأته، فأفرد لها اسمًا من هذه
الأسماء، فقال: أنت طالق، أو قد طلقتك، أو فارقتك، أو قد سرحتك، لزمه الطلاق، ولم يُنَو في الحكم، ونوَّينَاه فيما بينه وبين الله.
٣ / ١١٩١
الأم (أيضًا): باب تعجيل الصدقة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وهكذا لو تصدق بكفارة يمين قبل أن يحلف فقال:
إن حنث في يمين فهذه كفارتها، فحنث لم تجز عنه من الكفارة؛ لأنه لم يكن
حلف، ولو حلف ثم كفر للحنث، ثم حنث أجزأ عنه من الكفارة.
فإن قال قائل من أين قلت هذا؟
قلت: قال اللَّه ﷿: (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)
فبدأ بالمتاع قبل السراح، وفي كتاب الكفارات: أن النبي ﷺ قال:
«من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي
هو خير منه» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد روي عن عدد من أصحاب النبي ﷺ أنهم كانوا يحلفون، فيكفرون قبل يحنثون.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك، عنَ نافع، عن ابن عمر رضي الله
عنهما: «أنه كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو
ثلاثة» الحديث.
٣ / ١١٩٢
قال الله ﷿: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ)
الأم ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﷿: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) الآية.
فأبانهن به ﷺ من نساء العالمين.
* * *
قال الله ﷿ (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ)
الزاهر باب (الوصية):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله ﷿:
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) الآية.
قال: الأدنى فالأدنى من النبي ﷺ.
وسئل أيدخل النساء في أهل البيت؟
قال: نعم.
٣ / ١١٩٣
قال الله ﷿: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)
الأم: اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: الكتاب: هو ما يتلى عن الله تعالى، والحكمة: وهي
ما جاءت به الرسالة عن الله مما بينت سنة رسول الله ﷺ، وقد قال ﷿ لأزواجه - أي: لأزواج نبيه ﷺ: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) الآية.
الأم (أيضًا): باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها):
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت، أي: للمحاور - وأيهم أولى، إذا ذكر
(الكتاب والحكمة) أن يكونا شيئين، أو شيئًا واحدًا؟
قال: يحتمل أن يكونا كما وصفت كتابًا وسنة، فيكونا شيئين، ويحتمل أن يكونا شيئًا واحدًا.
قلت - له -: فأظهرهما أولاهما، وفي القرآن دلالة على ما قلنا، وخلاف ما ذهبت إليه.
قال: وأين هي؟
قلت: قول اللَّه ﷿: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الآية.
فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان.
قال: فهذا القرآن يتلى، فكيف تتلى الحكمة؟
قلت: إنما معنى التلاوة: أن ينطق بالقرآن، والسنة كما ينطق بها، قال: فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى.
٣ / ١١٩٤
الرسالة: باب (ما نزل عامًا دلت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا)
فذكر الله الكتاب، وهو: القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله ﷺ، وهذا يشبه ما قال، واللَّه أعلم؛ لأن القرآن ذكر وأتبِعَته الحكمة، وذكر الله منهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز - واللَّه أعلم - أن يقال: الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله ﷺ.
وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللَّه، وأن الله افترض طاعة رسوله، وحتَّم على
الناس اتباع أمره فلا يجوز أن يقال لقولٍ: فرضٌ إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله، لما وصفنا، من أن الله جعل الإيمان برسوله مقرونًا بالإيمان به، وسنة رسول اللَّه مبينة عن الله معنى ما أراد، دليلًا على خاصِّه وعامِّه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول الله ﷺ.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)
الأم: باب (الخلاف فيه - أي: حكم من دخل في صلاة أو صوم هل له قطع ما دخل فيه قبل تمامه -؟):
قال الشَّافِعِي ﵀: إذا كان له أن يفطر في السفر في شهر رمضان لا عِلَّة
غيره، برخصة الله، وكان له أن يصوم إن شاء فيجزي عنه، من أفطر قبل أن
٣ / ١١٩٥
يستكمله، دل هذا على معنى قولي: من أنه لما كان له قبل الدخول في الصوم أن لا يدخل فيه، كان بالدخول فيه في تلك الحال غير واجب عليه بكل حال، وكان له إذا دخل فيه أن يخرج منه بكل حال، كما فعل رسول الله ﷺ، فالتطوع بكل وجه أولى أن يكون هكذا من الفرض الذي له تركه في ذلك الوقت إلى أن يقضيه
في غيره.
قال: فتقول بهذا؟
قلت: نعم: أقوله اتباعًا لأمر النبي ﷺ:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) .
الأم (أيضًا): الخلاف في نكاح الشغار:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال - أي: المحاور - فلأي شيء أفسدت أنت
الشغار والمتعة؟
قلت: بالذي أوجب اللَّه ﷿ على من طاعة رسوله ﷺ، وما أجد في كتاب اللَّه من ذلك، فقال:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) الآية.
الأم (أيضًا): بيان فرائض الله تعالى:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: فَرَض اللَّه ﷿ الفرائض - في كتابه من وجهين:
أحدهما: أبان فيه كيف فرض بعضها، حتى استُغني فيه بالتنزيل عن
التأويل وعن الخبر.
٣ / ١١٩٦
والآخر: أنه أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هي على لسان نبيه ﷺ ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله ﷺ في كتابه بقوله ﷿: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) الآية، مع غير آية في القرآن بهذا المعنى، فمن قبل عن رسول الله ﷺ فبفرض الله ﷿ قَبِلَ.
الأم (أيضًا): كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وفرض - اللَّه حليهم اتباع ما أنزل عليه، وسن
رسول ﷺ لهم فقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦)
فأعلم أن معصيته في ترك أمره وأمر رسوله، ولم يجعل لهم إلا اتباعه.
مختصر المزني: ومن كتاب الرسالة إلا ما كان معادًا:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مسلم، وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن
عامر بن صعب، أن طاووسًا أخبره أنه سأل ابن عباس ﵄ عن
الركعتين بعد العصر فنهاه عنهما، قال طاووس فقلت: ما أدعهما.
فقال ابن عباس ﵄: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الآية.
٣ / ١١٩٧
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قال الشَّافِعِي ﵀: - بعد أن ذكر ما سبق في مختصر المزني، زاد ما يلي -:
فرأي ابن عباس ﵄ الحجة قائمة على طاووس بخبره عن النبي ﷺ، ودلَّهُ بتلاوة كتاب اللَّه، على أن فرضًا عليه أن لا تكون له الخيرة إذا قضى الله ورسوله أمرًا.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ)
الأم: باب (المواريث):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﵎: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) الآية، فنسب الموالي نسبين:
أحدهما: إلى الآباء.
والآخر: إلى الولاء، وجعل الولاء بالنعمة.
الأم (أيضًا): باب (الولاء والحِلْف):
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
٣ / ١١٩٨
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي قال: أمر اللَّه ﵎ أن يُنسب من
كان له نسب من الناس نسبين:
١ - من كان له أب: أن ينسب إلى أبيه.
٢ - ومن لم يكن له أب: فلينسب إلى مواليه. ..
وأصل ما قلت من هذا في كتاب اللَّه ﷿، وسنة نبيه ﷺ، وما أجمع عليه عوام أهل العلم، وقال ﷿: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) الآية.
الأم (أيضًا): باب (تفريع العتق)
قال الشَّافِعِي ﵀: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ)
ولو غرب على أحد علم هذا من كتاب اللَّه ﷿، كان في قول رسول اللَّه ﷺ
«إنَّما الولاء لمن أعتق» الحديث.
دليل على أن المسيَّب والمؤمن يعتق الكافر، والكافر يعتق المؤمن، لا يعدون أن يكونوا معتقين، فيكون في سنة رسول اللَّه ﷺ:
«إنَّ الولاء لمن أعتق» الحديث.
٣ / ١١٩٩
الأم (أيضًا): ما يحرم من النساء بالقرابة:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن رسول الله ﷺ أراد نكاح ابنة جحش ﵂، فكانت عند زيد بن حارثة ﵁ فكان النبي ﷺ تبناه فأمر اللَّه تعالى ذكره أن
يدعى الأدعياء لآبائهم. . .، وقال اللَّه لنبيه ﷺ:
* * *
(فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ)
الآية.
الأم (أيضًا): الكلام الذى ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿ لنبيه ﷺ: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: - بعد أن ذكر الآيات التي وردت في مسمى عقد
الزواج - فسمَّى ﵎ النكاح اسمين: النكاح، والتزويج. ..
وفي هذا دلالة على أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج، ولا يقع
بكلام غيرهما، وإن كانت معه نية التزويج.
٣ / ١٢٠٠
قال الله ﷿: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)
الأم: كتاب الجزية:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأنه ﷾، - فتح به ﷺ رحمته، وختم به نبوته، فقال ﷿:
(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) .
* * *
قال الله ﷿: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ)
الأم: الكلام الذي ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، وفي هذا - وغيرها من الآيات - دلالة على أن لا يجوز
نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج، ولا يقع بكلام غيرهما، وإن كانت معه نية التزويج، وأنه مخالف للطلاق الذي يقع بما يشبه الطلاق من الكلام مع نية
٣ / ١٢٠١
الطلاق؛ وذلك أن المرأة قبل أن تزوج محرمة الفرج، فلا تحل إلا بما سمى الله ﷿ أنها تحل به لا بغيره.
الأم (أيضًا): الخلاف في طلاق المختلعة
قال الشَّافِعِي ﵀: فخالفنا بعض الناس في المختلعة، فقال: إذا طلقت
في العدة لحقها الطلاق، قلت: وحكم الله أنه إنما تطلق الزوجة (أي: وقت بقاء الزوجية)؛ لأن اللَّه ﵎ قال: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ)
قال: نعم. فقلت له: كتاب اللَّه إذا كان كما زعمنا وزعمت يدل على أنها
ليست بزوجة، وهي خلاف قولكم!
أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وابن
الزبير، ﵄، أنهما قالا: في المختلعة يطلقها زوجها، قالا: لا يلزمها طلاق؛ لأنه طلق ما لا يملك، - قال - وأنت تزعم أنك لا تخالف واحدًا من أصحاب النبي ﷺ إلا إلى قول مثله، فخالفت ابن عباس وابن الزبير ﵄ معًا، وآيات من كتاب اللَّه تعالى. . ..
الأم (أيضًا): اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، فكان هذا عامًّا للأزواج والنساء، لا يخرج منه زوج مسلم حرٌّ ولا عبدٌ، ولا ذمِّي حرٌّ ولا عبدٌ، فكذلك اللعان لا يخرج منه زوج ولا زوجة.
٣ / ١٢٠٢
الأم (أيضًا) الخلاف في اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإنَّما كتبنا في كتابنا: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، كما قلنا في قول اللَّه ﷿، وأن حكم الكتاب والسنة فيه.
فقال بعض من خالفنا: لا يُلاَعَن بين الزوجين أبدًا حتى يكونا حرين
مسلمين، ليسا بمحدودين في قذف، ولا واحد منهما، فقلت له: ذكر اللَّه ﷿ اللعان بين الأزواج لم يخص واحدًا منهم دون غيره.
وما كان عامًّا في كتاب اللَّه ﵎ فلا نختلف نحن ولا أنت أنه على
العموم كما قلنا.
الأم (أيضًا): الخلاف فيما يؤتى بالزنا:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقلت له - أي: للمحاوَر - قال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، وقال: (فَإِن طَلَّقَهَا)
الآية، فملك الرجال الطلاق وجعل على النساء العِدَد، قال: نعم.
الأم (أيضًا): إباحة الطلاق:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:.
قال الشَّافِعِي ﵀: - بعد أن ذكر الآيات المتعلقة بإباحة الطلاق -
وقال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، مع ما ذكرته
٣ / ١٢٠٣
من الطلاق في غير ما ذكرت، ودلت عليه سُنَّة رسول الله ﷺ من إباحة الطلاق.
فالطلاق مباح لكل زوج لزمه الفرض.
الأم (أيضًا): باب (لا عدة على التي لم يدخل بها زوجها):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فكان بينًا في حكم اللَّه ﷿، أن لا عدة على المطلقة.
قبل أن تُمسَّ، وأن المسيس: هو الإصابة، ولم أعلم في هذا خلافًا.
ثم اختلف بعض المفتين في المرأة يخلو بها زوجها، فيغلق بابًا ويرخي سترًا.
وهي غير مُحْرمِة ولا صائمة، فقال ابن عباس ﵄ وشريح
وغيرهما: لا عدة عليها إلا بالإصابة نفسها؛ لأن اللَّه ﷿ هكذا قال.
قال الشَّافِعِي ﵀: وبهذا أقول وهو ظاهر كتاب الله عز ذكره.
الأم (أيضًا): من يقع علبه الطلاق من النساء.
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ)، مع ما ذكر به الأزواج، ولم أعلم مخالفًا في أن: أحكام اللَّه تعالى في الطلاق، والظهار، والإيلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة النكاح، يحل للزوج جماعها، وما يحل للزوج من امرأته إلا أنه محرم الجماع في الإحرام والمحيض، وما أشبه ذلك حتى ينقضي.
٣ / ١٢٠٤
الأم (أيضًا): باب (ما جاء في الصداق):
قال الشَّافِعِي ﵀: ليس إرخاء الستور يوجب الصداق عندي، لقول
الله جل ثناؤه:. ..
(إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ)
ولا نوجب الصداق إلا بالمسيس، قال وكذا روي عن ابن عباس رضي اللَّه
عنهما وشريح، وهو معنى القرآن.
الأم (أيضًا): ما يعتق به الكاتب:
قال الشَّافِعِي ﵀: كان بينًا في كتاب اللَّه ﷿: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية، أن الطلاق إنما هو بإيقاعه بكلام الطلاق المصرح لا التعريض، ولا ما يشبه الطلاق، هكذا عامة من جمل الفرائض، أحكمت جملها في آية، وأبينت أحكامها في كتاب، أو سنة، أو إجماع.
الأم (أيضًا): الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقلت له - أي: للمحاور - الذي ذهب إليه من
قول اللَّه ﵎: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)
إنما هو على من عليه العدة؛ لقول اللَّه ﷿: (طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)
٣ / ١٢٠٥
فلما لم تكن هذه معتدة بحكم الله.
علمت أن الله ﵎ إنَّما قصد بالرجعة في العدة قصد المعتدات، وكان
المفسَّر من القرآن يدل على معنى الجمل، ويفترق بافتراق حالات المطلقات.
الأم (أيضًا): باب (الخلاف فيه أي: فيمن دخل في صلاة أو صوم، هل له قطعهما قبل إتمامهما؟):
قال الشَّافِعِي رحمه لة: ولقوله: (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية.
قالوا: إنَّما أوجب الله المهر والعدة في الطلاق بالمسيس - وبسط النقاش في المسألة -.
مختصر المزني: (نكاح المتعة والمحلل) من الجامع:
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي القرآن والسنة دليل على تحريم المتعة، قال اللَّه
تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، فلم يحرمهن اللَّه على
الأزواج إلا بالطلاق مع أحكام ما بين الأزواج فكان بينًا - واللَّه أعلم -، أن نكاح المتعة منسوخ بالفرآن والسنة، لأنه إلى مدة، ثم نجده ينفسخ بلا إحداث طلاق فيه، ولا فيه أحكام الأزواج.
مختصر المزني (أيضًا): من كتاب (اليمين مع الشاهد الواحد):
أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج، عن ليث بن أبي سليم، عن
طاووس، عن ابن عباس ﵄ ليس لها إلا نصف المهر، ولا عدة
عليها يعني لمن قال الله تعالى: (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية.
٣ / ١٢٠٦
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه الشَّافِعِي وفي خلع الطلاق والرجعة:
قال البيهقي: قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، أخبرنا عبد الرحمن بن
العباس الشَّافِعِي - قرأت عليه بمصر - قال: سمعت يحيى بن زكريا، يقول: قرأ علي يونس:
قال الشَّافِعِي ﵀: في الرجل يحلف بطلاق المرأة قبل أن ينكحها، قال:
لا شيء عليه، لأني رأيت اللَّه ﷿ ذكر الطلاق بعد النكاح، وقرأ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأحسب قول عائشة ﵂ أحل له
النساء لقول اللَّه ﵎: (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ) إلى قوله: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
٣ / ١٢٠٧
قال الشَّافِعِي ﵀: نذكر اللَّه ﷿ ما أحل لى، فذكر أزواجه اللاتي آتى أجورهن، وذكر بنات عمه، وبنات عماته، وبنات خاله، وبنات خالاته، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ﷺ.
قال الشَّافِعِي ﵀: فدل ذلك على معنيين:
أحدهما: أنه أحل له مع أزواجه من ليس له بزوج يوم أحل له؛ وذلك أنه
لم يكن عنده ﷺ من بنات عمه، ولا بنات عماته، ولا بنات خاله، ولا بنات خالاته امرأة، وكان عنده عدد نسوة.
الثاني: وعلى أنه أباح له من العدد ما حظر على غيره، ومن يائهب
بغير مهر ما حظره على غيره.
الأم (أيضًا): الكلام الذى ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﷿: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَاا) الآية،. ..
فأبان جل ثناؤه أن الهبة لرسول الله ﷺ
دون المؤمنين، والهبة - والله تعالى أعلم - تجمع أن ينعقد له عليها عقدة النكاح، بأن تهب نفسها له بلا مهر.
الأم (أيضًا): كتاب (الصداق):
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر فيثبت، فهذا
دليل على الخلاف بين النكاح والبيوع.
والبيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم،
٣ / ١٢٠٨
والنكاح ينعقد بغير مهر، استدللنا على أن العقد يصلح بالكلام به وأن الصداق لا يفسد عقده أبدًا، فإذا كان هكذا، فلو عقد النكاح بمهر مجهول أو حرام فثبتت العقدة بالكلام، وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت، وعلى أنه لا صداق على من طلق إذا لم يسمِّ مهرًا ولم يدخل؛ وذلك أنه يجب بالعقدة والمسيس، وإن لم يسم مهرًا بالآية، لقول الله ﷿ (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
يريد - واللَّه تعالى أعلم - النكاح والمسيس بغير مهر.
الأم (أيضًا): ما جاء في نكاح المشرك:
قال الشَّافِعِي ﵀: لا يحل لمسلم أن يجمع بين أكثر من أربع، إلا ما
خص اللَّه به رسوله ﷺ دون المسلمين من نكاح أكثر من أربع يجمعهن، ومن النكاح بغير -، مهر فقال عز وعلا:
(خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
الأم (أيضًا): باب (الصوم):
قال الشَّافِعِي ﵀: أحل اللَّه ﷿ له - أي: لنبيه ﷺ من عدد النساء ما شاء، وأن يستنكح المرأة إذا وهبت نفسها له، فقال اللَّه تعالى: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
فلم يكن لأحد أن يقول: قد جمع رسول الله ﷺ بين
أكثر من أربع، ونكح رسول الله ﷺ امرأة بغير مهر، وأخذ رسول الله ﷺ صفيًا
٣ / ١٢٠٩
من المغانم وكان لرسول الله ﷺ؛ لأن الله قد بين في كتابه، وعلى لسان رسوله ﷺ
أن ذلك له دونهم، وفرض الله تعالى عليه أن يخير أزواجه في المقام معه والفراق، فلم يكن لأحد أن يقول علي أن أخير امرأتي على ما فرض اللَّه ﷿ على رسول الله ﷺ، وهذا معنى قول النبي ﷺ إن كان قاله:
«لا يمسكن الناس عليَّ بشيء فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله، ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله» الحديث.
الأم (أيضًا): كتاب (النفقات):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية، -
وذكر آيات النفقات ثم قال -: هذا جملة ما ذكر اللَّه ﷿ من الفرائض بين الزوجين، وقد كتبنا ما حضرنا مما فرض
الله ﷿ للمرأة على الزوج، وللزوج على المرأة، مما سنَّ رسول الله ﷺ.
قال الشَّافِعِي ﵀: وفرض اللَّه ﷿ أن يؤدي كل ما عليه بالمعروف.
الأم (أيضًا): جماع عشرة النساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
فجعل اللَّه للزوج على المرأة، وللمرأة على الزوج حقوقًا بينهما في كتابه، وعلى لسان نبيه، مفسرة ومجملة، ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم.
٣ / ١٢١٠
الأم (أيضًا): النفقة على النساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: على الزوج نفقة امرأته وولده الصغار بالمعروف.
والمعروف: نفقة مثلها ببلدها الذي هي فيه، بُرًا كان أو شعيرًا أو ذرة، لا يكلف غير الطعام العام ببلده الذي يقتاته مثلها، ومن الكسوة والأدم بقدر ذلك، لقول الله ﷿: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ) الآية، فلما فرض عليهم نفقة أزواجهم كانت الدلالة كما وصفت في القرآن، وأبان النبي ﷺ ذلك.
الأم (أيضًا): القسْمُ للنساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي.
وأن عليه أن يعدل في ذلك، لا أنه مرخص له أن يجوز فيه، فدل ذلك على أنه إنما أريد به ما في القلوب، مما قد تجاوز الله للعباد عنه، فيما هو أعظم من الميل على النساء - والله أعلم -.
الأم (أيضًا): ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء، وما تحل به الفروح:
أخرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
فأطلق الله ﷿ ما ملكت الأيمان
٣ / ١٢١١
فلم يحد فيهن حدًا يُنتهي إليه، فللرجل أن يتسرى كم شاء، ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا، وانتهى ما أحل اللَّه بالنكاح إلى أربع، ودلت سنة رسول الله ﷺ المبينة عن اللَّه ﷿، على أن انتهاءه إلى أربع تحريمًا منه.
قال الشَّافِعِي ﵀: وذلك مفرق في مواضعه في القسم بينهن والنفقة
والمواريث وغير ذلك.
الأم (أيضًا): جماع القسم في النساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿:
(قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
ولم أعلم مخالفًا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن.
وقد بلغنا أن رسول الله ﷺ
كان يقسم فيعدل ثم يقول:
اللهم هدا قَسمي فيما أملك، وأنت أعلم بما لا أملك» الحديث.
الأم (أيضًا): امرأة المفقود:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎:
(قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
وجعل رسول الله ﷺ على الزوج نفقة امرأته.
وحكم اللَّه ﷿ بين الزوجين أحكامًا منها: اللعان، والظهار، والإيلاء، ووقوع الطلاق.
قال الشَّافِعِي ﵀: فلم يختلف المسلمون - فيما علمته - في أن ذلك
لكل زوجة على كل زوج غائب وحاضر.
٣ / ١٢١٢
قال الله ﷿: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم جعل له في اللاتي يهبن أنفسهن له أن يأتهب.
ويترك، فقال: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فمن اتهب منهن فهي زوجة، لا تحل لأحد بعده.
ومن لم يأتهب فليس يقع عليها اسم زوجة، وهي تحل له ولغيره.
* * *
قال الله ﷿: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: فأنزل اللَّه ﵎: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) الآية.
٣ / ١٢١٣
قال الشَّافِعِي ﵀: قال بعض أهل العلم أنزلت عليه: (لَا يَحِلُّ لَكَ)
بعد تخييره أزواجه.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن عائشة
﵂ أنها قالت: ما مات رسول الله ﷺ حتى أحِل له النساء.
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: كأنها تعني اللاتي حظرن عليه في قول اللَّه تبارك
وتعالى: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه)
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان مما خص اللَّه ﷿، نبيه ﷺ قوله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) .
٣ / ١٢١٤
وقال: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا) . الآية.
فحرم نكاح نسائه من بعده على العالمين، ليس هكذا نساء أحد غيره ﷺ.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)
الأم: باب (التشهد والصلاة على النبي ﷺ:
قال الشَّافِعِي ﵀: فرض اللَّه ﷿ الصلاة على رسوله ﷺ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في
الصلاة، ووجدنا الدلالة عن رسول الله ﷺ، بما وصفت من أن الصلاة على رسوله ﷺ فرضٌ في الصلاة - واللَّه تعالى أعلم -.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني صفوان بن
سُليم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة ﵁ أنه قال: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟
يعني: في الصلاة، قال: قولوا "اللهم صل على محمد
٣ / ١٢١٥
وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم، ثم تسلمون عليَّ» الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني سعد
ابن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، عن كعب بن
عجرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه كان يقول في الصلاة: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل ابراهبم، وبارك على محمد وآل محمد.
كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: فلما رُوِي أن رسول الله ﷺ كان يعلمهم التشهد في الصلاة، وروي أن رسول الله ﷺ علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة لم يجز - والله تعالى أعلم - أن نقول: التشهد واجب، والصلاة على النبي ﷺ غير
واجبة، والخبر فيهما عن النبي ﷺ زيادة فرض القرآن.
قال الشَّافِعِي ﵀: فعلى كل مسلم وجبت عليه الفرائض، أن يتعلم
التشهد، والصلاة على النبي ﷺ، ومن صلى صلاة لم يتشهد فيها ولم يصلي
٣ / ١٢١٦
على النبي ﷺ وهو يحسن التشهد فعليه إعادتها، وإن تشهد ولم يصل على النبي ﷺ أو صلى على النبي ﷺ ولم يتشهد، فعليه الإعادة - حتى يجمعهما جميعًا، وإن كان لا يحسنها على وجههما أتى بما أحسن منهما، ولم يجزه إلا بأن يأتي باسم تشهد وصلاة على النبي ﷺ، وإذا أحسنهما فأغفلهما، أو عمد تركهما، فسدت صلاته، وعليه الإعادة فيهما جميعًا.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات)
وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني ﵀، أخبرنا أبو سعيد
ابن الأعرابي، أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني.
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي ﵀ قال: أحبرنا مالك، عن نعيم بن
عبد اللَّه المجمر - أن محمد بن عبد اللَّه بن زيد الأنصاري - وعبد اللَّه بن زيد: هو الذي كان أُرِيَ النداء بالصلاة، أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: أتانا رسول الله ﷺ في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا اللَّه أن نصلي عليك يا نبي اللَّه؛ فكيف نصلي عليك؟
فسكت النبي ﷺ حتى تمنينا أنه لم يسأله، فقال رسول الله ﷺ قولوا: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين. إنك حميد مجيد» الحديث.
ورواه المزني وحرملة عن الشَّافِعِي، وزاد فيه:
«والسلام كما قد علمتم»
وفي هذا إشارة إلى السلام الذي
٣ / ١٢١٧
في التشهد، على النبي ﷺ، وذلك في الصلاة، فيشبه: أن تكون الصلاة التي أمر بها ﵊ - أيضًا - في الصلاة؛ واللَّه أعلم.
قال الشَّافِعِي ﵀: في رواية حرملة - والذي أذهب إليه - من هذا -
حديث أبي مسعود ﵁ عن النبي ﷺ، وإنَّما ذهبت إليه؛ لأني رأيت اللَّه ﷿ ذكر
ابتداء صلاته على نبيه ﷺ، وأمر المؤمنين بها، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الآية.
٣ / ١٢١٨
سورة فاطر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا)
الأم: كراهيه الاستمطار بالأنواء:
قال الشَّافِعِي ﵀: وبلغني أن بعض أصحاب رسول الله ﷺ كان إذا أصبح وقد مُطر الناس قال: مُطرنا بنوء الفتح، ثم قرأ:
(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) الآية.
وبلغني أن عمر بن الخطاب أوجف بشيخ من بني تميم غدا متكئًا على عكازه، وقد مطر الناس فقال: أجاد ما أقرى المِجدَح البارحة، فأنكر عمر قوله: (أجاد ما أقرى المِجدَح) لإضافة المطر إلى المجدح.
٣ / ١٢١٩
قال الله ﷿: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا)
الأم: باب (تحريم الصيد):
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: فالبحر المعروف البحر المالح، قيل:
نعم، ويدخل فيه العذب، وذلك معروف عند العرب.
فإن قال: فهل من دليل عليه في كتاب الله؟
قيل: نعم، قال اللَّه ﷿:
(وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا)
ففي الآية دلالتان:
إحداهما: أن البحر العذب والمالح، وأن صيدهما مذكور ذِكرًا واحدًا فكل ما
صيد في ماء عذب، أو بحر، قليل أو كثير مما يعيش في الماء للمُحرِم حلال، وحلال اصطياده، وإن كان في الحرم؛ لأن حكمه حكم صيد البحر الحلال للمُحرِم لا يختلف، ومن خوطب بإحلال صيد البحر وطعامه عقل أنه إنما أُحل له ما يعيش في البحر من ذلك، وأنه أحل كل ما يعيش في مائه؛ لأنه صيده وطعامه عندنا: ما ألقى وطفا عليه - واللَّه أعلم - ولا أعلم الآية تحتمل إلا هذا المعنى.
ثانيهما: أو يكون طعامه في دواب تعيش فيه فتؤخذ بالأيدي بغير
تكلُّف، كتكلف صيده، فكان هذا داخلًا في ظاهر جملة الآية - والله أعلم -.
٣ / ١٢٢٠
فإن قال قائل: فهل من خبر يدل على هذا؟
قيل: أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء أنه سئل عن صيد الأنهار، وقِلاَت المياه، أليس بصيد البحر؟
قال: بلى، وتلا: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا) الحديث.
أخبرنا سعيد، عن ابن جريج أن إنسانًا سأل عطاء عن حيتان بركه القرى:
وهي بئر عظيم في الحرم: أتصاد؟
قال: نعم، وَلَوَدَدتُ أن عندنا منه.
الأم (أيضًا): صيد البحر:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله ﷿: «وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا» الآية، فكل ما كان فيه صيد، في بئر كان، أو ماء مستنقع أو غيره، فهو بحر، وسواء كان في الحل والحرم، يصاد ويؤكل؛ لأنه مما لم يُمنع بحرمة شيء، وليس صيده إلا ما كان يعيش فيه أكثر عيشه، فأما طائره فإنما يأوي إلى أرض فيه، فهو من صيد البر، إذا أصيب جزي.
٣ / ١٢٢١
سورة يس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قال الشَّافِعِي ﵀: بعد أن ذكر الآيات الثلاث أعلاه - فظَاهَرَ الحجج
عليهم باثنين، ثم ثالث، وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد، وليس الزيادة في التكيد مانعة أن تقوم الحجة بالواحد، إذ أعطاه الله ما يباين به الخلق غير النبيين.
أخبرنا مالك، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عُجرة، عن عمته زينب
بنت كعب، أن الفُرَيعَة بنت مالك بن سنان أخبرتها:»أنها جاءت إلى النبي ﷺ تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أغبُدٍ له، حتى إذا كان بطرف القَدُّوم لحقهم، فقتلوه، فسألتُ رسول اللَّه أن أرجع إلى أهلي.
فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه، قالت: فقال رسول الله: «نعم».
فانصرفتُ، حتى إذا كنت فى الحجرة أو فى المسجد دعاني، أو أمر بي فدعيت له، فقال: «كيف قلتِ؟»
فرددت عليه القصة التي ذكرتُ له من شأن زوجي،
٣ / ١٢٢٢
فقال: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله».
قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا، فلما كان عثمان أرسل إليَّ، فسألني عن ذلك؛ فأخبرته، فاتَّبعه وقضى به" الحديث.
وعثمان في إمامته وعلمه، يقضي بخبر امرأة بين المهاجرين والأنصار - ثم ذكر خمسة أدلة أخرى من السنة على قبول خبر الواحد، والعمل به -.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قدوم الشَّافِعِي ﵀ مصر وتصنيفه بها
الكتب):
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: أنباني أبو عمرو (عثمان بن أحمد بن
السَّمَّاك) شفاهًا، أن أبا محمد بن الشَّافِعِي أخبرهم في كتابه، قال سمعت أبي
(محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع) يقول:
سمعت محمد بن إدريس الشَّافِعِي ﵀ بقول: لا ينبل قرشي بمكة، ولا
يظهر ذكره حتى يخرج منها؛ وذلك أن النبي ﷺ، لم يظهر أمره حتى خرج من مكة، ولا يكاد يجود شعر القرشي؛ وذلك أن اللَّه جل ذكره، قال لنبيه ﷺ: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ) الآية.
ولا يكاد يجود خط القرشي؛ وذلك أن النبي ﷺ كان أميًّا.
٣ / ١٢٢٣
سورة الصافات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)
الأم: اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: (وقال غيره) سنة رسول اللَّه ﷺ وجهان:
أحدهما: ما تبين مما في كتاب الله، المبين عن معنى ما أراد الله يحَملِه خاصًا وعامًا.
والآخر: ما ألهمه اللَّه من الحكمة، وإلهام الأنبياء وحي، ولعل من حجة من
قال هذا القول أن يقول: قال الله ﷿ فيما يحكي عن إبراهيم ﵊: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) الآية.
فقال غير واحد من أهل التفسير: رؤيا الأنبياء وحي، لقول ابن إبراهيم الذي أمر بذبحه: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) الآية.
ومعرفته أن رؤياه أمرٌ، أُمِرَ به.
٣ / ١٢٢٤
فائدة:
جاء في كتاب - (تهذيب تاريخ دمشق): رُوِي عن نوح بن حبيب قال:
سعت الشَّافِعِي ﵀ يقول كلامًا ما سمعت قط أحسن منه، سمعته -
أى: الشَّافِعِي - يقول: قال إبراهيم خليل الله لولده، وقت ما قص عليه ما رأى: ماذا ترى؛ أى: ماذا تشير به؟
قال ذلك ليستخرج من هذه اللفظة، ذكر التفويض.
والصبر، والتسليم، والانقياد لأمر اللَّه، لا لمؤامرته له مع أمر الله، فقال: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: والتفويض: هو الصبر والتسليم، هو الصبر
والانفباد، هو ملاك الصبر، فجمع له الذبيح - أي: إسماعيل ﵇ جميع ما ابتغاه في هذه اللفظة اليسيرة.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١)
الأم: قَسْم النساء إذا حضر السفر:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد ذكر اللَّه ﷿ القرعة في كتابه في موضعين، فكان ذكرها موافقًا ما جاء عن النبي ﷺ:
١ - قال الله ﵎: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) .
٣ / ١٢٢٥
٢ - وقال: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقف الفلك بالذين ركب معهم يونس عليه
السلام، فقالوا: إنما وقف لراكب فيه لا نعرفه، فيقرع فأيكم خرج سهمه ألقي، فخرج سهم يونس علبه السلام فألْقِيَ، فالتقمه الحوت، كما قال ﵎، ثم تداركه بعفوه جل وعز.
الأم (أيضًا): كتاب (القرعة):
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال اللَّه تعالى: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) .
وقال اللَّه ﷿: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فأصل القرعة في كتاب اللَّه ﷿ في قصة المقترعين على مريم، والمقارعي يونس مجتمعة، فلا تكون القرعة - واللَّه أعلم - إلا بين قوم مستوين في الحجة.