اسم الكتاب ـ تفسير الإمام الشافعي المجلد الثالث
المؤلف: الإمام الشافعي؛ محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله
المحقق: أحمد مصطفى الفران
حالة الفهرسة: مفهرس فهرسة كاملة
الموضوع: تفسير أيات الأحكام، تفسير موضوعي، تفسير فقهي
سنة النشر: 1427 - 2006
عدد المجلدات: 3
رقم الطبعة: 1
عدد الصفحات: 1529
نبذة عن الكتاب: - أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة من جامعة القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالخرطوم - تم دمج المجلدات في ملف واحد للتسلسل تاريخ إضافته: 04 / 11 / 2008
فهرست الموضوعات
المؤلف: الإمام الشافعي؛ محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله
المحقق: أحمد مصطفى الفران
حالة الفهرسة: مفهرس فهرسة كاملة
الموضوع: تفسير أيات الأحكام، تفسير موضوعي، تفسير فقهي
سنة النشر: 1427 - 2006
عدد المجلدات: 3
رقم الطبعة: 1
عدد الصفحات: 1529
نبذة عن الكتاب: - أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة من جامعة القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالخرطوم - تم دمج المجلدات في ملف واحد للتسلسل تاريخ إضافته: 04 / 11 / 2008
فهرست الموضوعات
- سورة ص
- قال الله عز وجل: (بسؤال نعجتك إلى نعاجه)
- قال الله عز وجل: (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله
- قال الله عز وجل: (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث)
- سورة الزمر
- قال الله عز وجل: (خلق السماوات والأرض)
- قال الله عز وجل: (إنما يتذكر أولو الألباب (٩)
- قال الله عز وجل: (فبشر عباد (١٧) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب (١٨)
- قال الله عز وجل: (قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون (٢٨)
- قال الله عز وجل: (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل (٦٢)
- قال الله عز وجل: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين (٦٥)
- سورة غافر
- قال الله عز وجل: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (١٩)
- سورة فصلت
- قال الله عز وجل: (حم (١) تنزيل من الرحمن الرحيم (٢)
- قال الله عز وجل: (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات)
- قال الله عز وجل: (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون (٣٧)
- قال الله عز وجل: (وإنه لكتاب عزيز (٤١) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (٤٢)
- قال الله عز وجل: (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي)
- سورة الشورى
- قال الله عز وجل: (لتنذر أم القرى ومن حولها)
- قال الله عز وجل: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (١١)
- قال الله عز وجل: (وأمرهم شورى بينهم)
- قال الله عز وجل: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء)
- قال الله عز وجل: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا)
- سورة الزخرف
- قال الله عز وجل: (حم (١) والكتاب المبين (٢) إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون (٣)
- قال الله عز وجل: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (١٣)
- قال الله عز وجل: (إنا وجدنا آباءنا على أمة)
- قال الله عز وجل: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (٢٣)
- قال الله عز وجل: (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم (٤٣)
- قال الله عز وجل: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون (٤٤)
- قال الله عز وجل: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون (٨٦)
- سورة الجاثية
- قال الله عز وجل: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون (١٨)
- قال الله عز وجل: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون (٢٤)
- سورة الأحقاف
- قال الله عز وجل: (قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم)
- سورة محمد
- قال الله عز وجل: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق)
- قال الله عز وجل: (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم (١١)
- قال الله عز وجل: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم (٣١)
- قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم (٣٣)
- سورة الفتح
- قال الله عز وجل: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا (١)
- قال الله عز وجل: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما (١٠)
- قال الله عز وجل: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)
- قال الله عز وجل: (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم)
- قال الله عز وجل: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين)
- قال الله عز وجل: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا)
- سورة الحجرات
- قال الله عز وجل: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)
- قال الله عز وجل: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي)
- قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا)
- قال الله عز وجل: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله
- قال الله عز وجل: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم)
- قال الله عز وجل: (ولا تجسسوا)
- قال الله عز وجل: (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
- قال الله عز وجل: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)
- سورة ق
- قال الله عز وجل: (ق والقرآن المجيد (١)
- قال الله عز وجل: (ونزلنا من السماء ماء مباركا)
- قال الله عز وجل: (والنخل باسقات لها طلع نضيد (١٠)
- قال الله عز وجل: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد (١٦)
- سورة الذاريات
- قال الله عز وجل: (إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم (٤١)
- قال الله عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (٥٦)
- سورة الطور
- قال الله عز وجل: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء)
- سورة النجم
- قال الله عز وجل: (والنجم إذا هوى (١)
- قال الله عز وجل: (أم لم ينبأ بما في صحف موسى (٣٦) وإبراهيم الذي وفى (٣٧) ألا تزر وازرة وزر أخرى (٣٨)
- قال الله عز وجل: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (٣٩)
- قال الله عز وجل: (وأنه هو أضحك وأبكى (٤٣)
- قال الله عز وجل: (وأنتم سامدون (٦١)
- قال الله عز وجل: (فاسجدوا لله واعبدوا (٦٢)
- سورة القمر
- قال الله عز وجل: (اقتربت الساعة وانشق القمر (١)
- قال الله عز وجل: (إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر (١٩)
- سورة الواقعة
- قال الله عز وجل: (وفرش مرفوعة (٣٤) إنا أنشأناهن إنشاء (٣٥) فجعلناهن أبكارا (٣٦) عربا أترابا (٣٧)
- قال الله عز وجل: (لا يمسه إلا المطهرون (٧٩)
- سورة المجادلة
- قال الله عز وجل: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير (١)
- قال الله عز وجل: (الذين يظاهرون منكم من نسائهم)
- قال الله عز وجل: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير (٣)
- قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم د
- قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة)
- قال الله عز وجل: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم)
- سورة الحشر
- قال الله عز وجل: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر
- قال الله عز وجل: (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين (٥)
- قال الله عز وجل (وما أفاء الله على رسوله منهم)
- قال الله عز وجل: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول)
- قال الله عز وجل: (للفقراء المهاجرين)
- قال الله عز وجل: (لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة)
- سورة الممتحنة
- قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء)
- قال الله عز وجل: (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن)
- قال الله عز وجل: (وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا)
- المجلد الأول من كتاب تفسير الإمام الشافعي لـ أحمد مصطفي الفران
- المجلد الثاني من كتاب تفسير الإمام الشافعي لـ أحمد مصطفي الفران
سورة ص
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في حسن مناظرة الشَّافِعِي وغلبته بالعلم
والبيان. .):
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: أنباني أبو أحمد (بكر بن محمد بن حمدان
الصيرفي) بمرو، شفاهًا، وأكثر ظني أن صالحًا بن محمد الحافظ جزرة، حدثهم
قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
كان الشَّافِعِي ﵀ يقول: إذا ناظره إنسان في مسألة عدا منها إلى
غيرها، نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلى ما تريد.
فإذا أكثر عليه قال: مثلك مثل معلم كان بالمدينة يعلم الصبيان القرآن من كراسة، فأملى على صبي: (بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ) فقال: بسؤال، ثم لم يدر ما بعده، فمرَّ رجل فقام إليه فقال: - أصلحك اللَّه - بسؤال نعجتك أو بعجتك؛ فقال له الرجل: يا أبا عبد اللَّه، افرغ من سؤال ثم سل عما هو بعده، إنما هو - ويحك - بسؤال نعجتك.
٣ / ١٢٢٧
قال الله ﷿: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦)
الأم: باب (في الأقضية):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله ﵎: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فأعلمَ اللَّه نبيه ﷺ أن فرضًا عليه، وعلى من قبله، والناس، إذا حكموا أن يحكموا بالعدل، والعدل: اتباع حكمه المنزَّل.
الأم (أيضًا): باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله ﷿: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) الآية.
وليس يؤمر أحد أن يحكم بحق، إلا وقد علم الحق، ولا يكون الحق معلومًا إلا عن اللَّه نصًا أو دلالة، فقد جعل اللَّه الحق في كتابه، ثم سنة نبيه ﷺ.
٣ / ١٢٢٨
ترتيب مسند الشَّافِعِي في سجود التلاوة:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا ابن عيينة، عن عبدة، عن زرِّ بن حُبَيش، عن
ابن مسعود ﵁: «أنه كان لا يسجد في سورة (ص) ويقول إنَّما هي توبة نبي» الحديث.
أخبرنا ابن عيينة، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس ﵄:
عن النبي ﷺ أنه سجدها: يعنى في (ص) الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ)
الأم: من قال لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة سوط.
فجمعها فضربه بها، فإن كان يحيط العلم أنه إذا ضربه بها ماسته كلها، فقد برَّ.
وإن كان يحيط العلم أنها لا تماسه كلها لم يبر، وإن كان العلم مغيبًا قد
تماسه ولا تماسه، فضرب بها ضربة، لم يحنث في الحكم، ويحنث في الورع، فإن قال قائل: فما الحجة في هذا؟
قيل: معقول أنه إذا ماسته أنه ضاربه بها مجموعة.
أو غير مجموعة، وقد قال اللَّه ﷿: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ)
٣ / ١٢٢٩
الآية؛ وضرب رسول الله ﷺ رجلًا نضوًا (١) في الزنا، بأثكال النخل، وهذا شيء مجموع غير أنه إذا ضربه بها ماسته.
(١) النضوُ: المهزول من الإبل وغيره، وقيل: المجهد من السفر، انظر القاموس المحيط، ص / ١٧٢٦، والمعجم الوسيط، ص / ٩٢٩.
٣ / ١٢٣٠
سورة الزمر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
الرسالة: باب (البيان الخامس):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﵎: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
الآية، فهذا عام لا خاص فيه، فكل شيء: من سماء، وأرض، وذي روح.
وشجر وغير ذلك، فالله خلقه.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (٩)
الأم: فيمن تجب عليه الصلاة:
قال الشَّافِعِي ﵀: ومن غلب على عقله بعارض مرض، أي مرض
كان، ارتفع عنه الفرض في قوله تعالى: (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)
٣ / ١٢٣١
وقوله: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) الآية.
وإن كان معقولًا لا يخاطب بالأمر، والنهي إلا من عقلهما.
* * *
قال الله ﷿: (فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٨)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشافعى - من الإيمان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وفرض اللَّه على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما
حرّم اللَّه، وأن يغضي عما نهى اللَّه عنه، فقال: (فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٨) .
فذلك ما فرض الله جل ذكره على السمع، من التنزيه عما لا يحل له.
وهو عمله، وهو من الإيمان.
* * *
قال الله ﷿: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨)
الرسالة: باب (البيان الخامس):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه سبحانه: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الآية.
٣ / ١٢٣٢
قال الشَّافِعِي ﵀: فأقام - اللَّه ﷿ حجته بأن كتابه عربي، في كل آية ذكرناها.
* * *
قال الله ﷿: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢)
الرسالة: باب (البيان الخامس):
انظر تفسير الآية / ٥ من سورة الزمر فتفسيرهما واحد، ولا حاجة للتكرار.
* * *
قال الله ﷿: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥)
الأم: باب (المرتد الكبير)
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي ﵀ قال: وقال تعالى:
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) .
٣ / ١٢٣٣
قال الشَّافِعِي ﵀: يشبه - والله أعلم - أن يكون إذا حقن الدم
بالإيمان، ثم أباحه بالخروج منه، أن يكون حكمه حكم الذي لم يزل كافرًا
محاربًا، وأكبر منه؛ لأنه قد خرج من الذي حقن به دمه، ورجع إلى الذي أبيح الدم فيه والمال، والمرتد به أكبر حكمًا من الذي لم يزل مشركًا؛ لأن اللَّه أحبط بالشرك بعد الإيمان كل عمل صالح قدَّم - المشرك - قبل شركه، وأن اللَّه جل ثناؤه كَفَّر عمَّن لم يزل مشركًا ما كان قبله، وأن رسول الله ﷺ أبان أن من لم يزل مشركًا، ثم أسلم كُفِّر عنه ما كان قبل الشرك، وقال لرجل كان يقدم خيرًا في الشرك:
«أسلمت على ما سبق لك من خير» الحديث.
٣ / ١٢٣٤
سورة غافر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: فأعلم عباده، مع ما أقام عليهم من الحجة، بان
ليس كمثله أحد في شيء، أن علمه بالسر والعلانية واحد، فقال عز وعلا: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) الآية.
مع آيات أخر من الكتاب.
الأم: باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: إن الله ﷿ حكم على عباده حُكمين.
حكمًا فيما بينهم وبينه: أن أثابهم وعاقبهم على ما أسروا، كما فعل بهم فيما أعلنوا، وأعلمهم إقامة الحجة للحجة عليهم، وبينها لهم أنه عَلِم سرائرهم، وعَلِم علانيتهم فقال: (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) .
وقال: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) الآية.
وخلق - خَلْقُه لا يعلمون إلا ما شاء ﷿ وحجب
علم السرائر عن عباده.
٣ / ١٢٣٥
سورة فصلت
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢)
الأم: سجود القرآن:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا هشيم عن شعبة، عن عاصم، عن
زر، عن علي ﵁ قال: عزائم السجود (الم (١) تَنْزِيلٌ)
و(حم (١) تَنْزِيلٌ)، و(النجم) و(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)
ولسنا ولا إياهم - أي: المحاوَرِين - نقول بهذا، نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه. ..
* * *
قال الله ﷿: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ)
الأم: كتاب (العيدين):
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا من لا أتهم، أخبرنا العلاء بن راشد، عن
عكرمة، عن ابن عباس ﵄ قال: ما هبت ريح قط إلا جثا النبي ﷺ
٣ / ١٢٣٦
على ركبتيه وقال: «اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا» الحديث.
قال ابن عباس ﵄ في كتاب اللَّه:
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا) الآية.
أخبرنا من لا أتهم قال: أخبرني صفوان بن سليم قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا تسبوا الريح، وعوذوا بالله من شرها» الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨)
الأم: كتاب (صلاة الكسوف):
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال اللَّه تبارك تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨) .
٣ / ١٢٣٧
قال الشَّافِعِي ﵀: فذكر الله ﷿ الآيات، ولم يذكر معها سجودًا إلا مع الشمس والقمر، وأمر بأن لا يُسجَد لهما، وأمر بأن يُسجَد له، فاحتمل أمره أن يُسجد له عند ذكر الشمس والقمر، بأن يأمر بالصلاة عند حادث في الشمس والقمر، واحتمل أن يكون إنَّما نهي عن السجود لهما، كما نهي عن عبادة ما سواه، فدلت سنة رسول الله ﷺ على أن يصلى لله عند كسوف الشمس والقمر
فأشبه ذلك معنيين:
أحدهما: أن يصلى عند كسوفهما لا يختلفان في ذلك، وأن لا يؤمر عند كل آية كانت في غيرهما بالصلاة، كما أمر بها عندهما؛ لأن الله ﵎ لم يذكر في شيء من الآيات صلاة، والصلاة في كل حال طاعة لله ﵎، وغبطة لمن صلاها.
قال الشَّافِعِي ﵀: فيُصلى عند كسوف الشمس والقمر صلاة جماعة.
ولا يفعل ذلك في شيء من الآيات غيرها.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأنزل الله عليه كتابه فقال: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) .
فنقلهم من الكفر والعَمَى، إلى الضياء والهدى، وبين فيه ما أحل منًّا بالتوسعة على خلقه،
٣ / ١٢٣٨
وما حرّم: لما هو أعلم به من حظهم في الكف عنه في الآخرة والأولى. وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول وعمل، وإمساك عن محارم حماهُمُوها، وأثابهم على طاعته من الخلود في جنته، والنجاة من نعمته: ما عظمت به نعمتُه جل ثناؤه وأعلمهم ما أوجب على أهل معصيته من خلاف ما أوجب لأهل طاعته..
* * *
قال الله ﷿: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ)
الرسالة: باب (البيان الخامس):
قال الشَّافِعِي ﵀: فأقام اللَّه سبحانه حجته بأن كتابه عربي، في كل آية
ذكرناها، ثم أكَّد ذلك بأن نفى عنه - جل ثناؤه - كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه:
١ - فقال ﵎: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣) .
٢ - وقال: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) الآية.
٣ / ١٢٣٩
سورة الشورى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه عز شانه: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)
وأم القرى: مكة، وفيها قومه.
الرسالة (أيضًا): باب (البيان الخامس):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأولى الناس بالفضل في اللسان، مَن لسانه لسانُ
النبي ﷺ، ولا يجوز - واللَّه أعلم - أن يكون أهل لسانه أتباعًا لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد، بل كل لسان تبع للسانه، وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه.
وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه - منها -: وقال:
(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) الآية.
٣ / ١٢٤٠
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)
وأم القرى: مكة، وهي بلده وبلد قومه، فجعلهم في كتابه خاصة.
وأدخلهم مع المنذرين عامة، وقضى أن ينذروا بلسانهم العربي: لسان قومه
منهم خاصة.
أحكام القرآن: فصل: (فيما ذكره الشَّافِعِي ﵀ في التحريض على تعلم
أحكام القرآن):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) الآية.
فأقام حجته بأن كتابه عربي، ثم أكَّد ذلك بأن نفى عنه كل لسان غير لسان العرب.
* * *
قال الله ﷿: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات.
فهو - الله تعالى - على العرش كما أخبر بلا كيف، بائن من خلقه، غير مُمَاسٍّ من خلقه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الآية.
٣ / ١٢٤١
قال الله ﷿: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)
الأم: باب (المشاورة):
انظر تفسير الآية / ١٥٩ من سورة آل عمران فتفسيرهما واحد، ولا حاجة
للتكرار.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ)
الأم: من قال لامرأته: أنت طالق إن خرجت إلا بإذني:
انظر تفسير الآية / ٩٤ من سورة التوبة فقد ورد تفسيرهما مع هذه الآية.
ولا حاجة للتكرار.
* * *
قال الله ﷿: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا)
٣ / ١٢٤٢
وقال ﷿: (صِرَاطِ اللَّهِ)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم مَنَّ - اللَّه ﷿ عليهم بما آتاهم من العلم، وأمرهم بالاقتصار عليه، وأن لا يتولوا غيره إلا بما علَّمهم، وقال لنبيه ﷺ: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) الآية.
الأم (أيضًا): سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل:
قال الشَّافِعِي ﵀: وكذلك افترض عليه، قال اللَّه ﷿: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) .
ففرض عليه الاستمساك بما أوحي إليه، وشهد له أنه على صراط مستقيم، وكذلك قال:
(وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الآية.
فأخبر - اللَّه - أنه فرض عليه اتباع ما أنزل الله، وشهد له بأنه
هادٍ مهتدٍ، وكذلك يشهد له قوله ﷺ:
«لا يمسكنَّ الناس علي بشيء. . .» الحديث.
فإن اللَّه أحل له أشياء حظرها على غيره.
٣ / ١٢٤٣
الأم (أيضًا): الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولم يؤمر الناس أن يتبعوا إلا كتاب اللَّه أو سنة
رسوله ﷺ، الذي قد عصمه الله من الخطأ، وبرَّأه منه، فقال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الآية.
فأما من كان رأيه خطأ أو صوابًا فلا يؤمر أحد باتباعه، ومن قال للرجل يجتهد برأيه فيستحسن على غير أصل، فقد أمر
باتباع من يمكن منه الخطأ، وأقامه مقام رسول الله ﷺ الذي فرض اللَّه اتباعه.
فإن كان قائل هذا ممن بعقل ما تكلم به، فتكلم به بعد معرفة هذا، فأرى للإمام أن يمنعه، وإن كان غبيًا عُلِّم هذا حتى يرجع.
مختصر المزني: كتاب اختلاف الحديث - المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وشهد - اللَّه تعالى - له باتباعه، فقال جل ثناؤه:
(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ) الآيتان.
فأعلمَ اللَّه خلقه أنه يهديهم إلى صراطه.
قال الشَّافِعِي ﵀: فتفام سنة رسول اللَّه، مع كتاب الله جل ثناؤه مقام
البيان عن اللَّه عدد فرضه، كبيان ما أراد بما أنزل عامًّا - العام أراد به أو الخاص - وما أنزل فرضًا، وأدبًا، وإباحة وإرشادًا، إلا أن شيئًا من سنن رسول اللَّه يخالف كتاب اللَّه في حال؛ لأن اللَّه جل ثناؤه قد أعلم خلقه أن رسوله يهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله، ولا أن شيئًا من سنن رسول اللَّه ناسخ لكتاب اللَّه، لأنه قد أعلم خلقه أنه إنما ينسخ القرآن بقرآن مثله، والسنة تبع للقرآن، وقد اختصرت من إبانة السنة عن كتاب اللَّه بعض ما حضرني، مما يدل على مثل معناه إن شاء الله - ثم ذكر أمثلة على ذلك -.
٣ / ١٢٤٤
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: فليست تنزيل بأحدٍ من أهل دين الله نازلة إلا وفي
كتاب اللَّه الدليل على سبيل الهدى فيها - ثم ذكر آيات تدل على ذلك، ومنها - وقال الله تعالى -: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
الرسالة (أيضًا): باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى
إليه، وما شهد له به من اتباع ما أُمر به):
قال الشَّافِعِي ﵀: وشهد له جل ثناؤه باستمساكه بما أمره به، والهدى
في نفسه، وهداية من اتبعه، فقال: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: وما سنَّ رسول الله فيما ليس لله فيه حكم.
فبحكم اللَّه سنَّهُ.
وكذلك أخبرنا اللَّه في قوله:
(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ)
الآيتان.
٣ / ١٢٤٥
سورة الزخرف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣)
الرسالة: باب (البيان الخامس):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأولى الناس بالفضل في اللسان، مَن لسانُه لسانُ
النبي ﷺ ولا يجوز - والله أعلم - أن يكون أهل لسانه اتباعًا لأهل لسان غير لسانه في حرفٍ واحدٍ، بل كل لسانٍ تبَعٌ للسانه وكل أهل دين قَبلَهُ فعليهم اتباع دينه، وقد بين اللَّه في غير آية من كتابه - منها - وقال: (حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) .
* * *
قال الله ﷿: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣)
السنن المأثورة: الدعاء عند ركوب الدابة
أخبرنا أحمد قال: حدثنا المزني قال:
٣ / ١٢٤٦
حدثنا الشَّافِعِي ﵀ عن سفيان قال: قلت لابن عباس رضي اللَّه
عنهما، ما كان أبوك يقول إذا ركب الدابة؟
قال: كان يقول: اللهم إن هذا من رزقك، ومن عطائك، فلك الحمد ربنا على نعمتك: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة):
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه (بالدَّامغان)، أخبرنا الفضل
ابن الفضل الكندي، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: سمعت أبا عبد اللَّه
(ابن أخي ابن وهب) يقول:
سمعت الشَّافِعِي وحمه اطُه يقول: الأمَّة على ثلاثة وجوه:
١ - قوله تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ)
قال: على دِين.
٢ - قوله تعالى: (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ)
قال: بعد زمان.
٣ - وقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ)
قال: معلمًا.
٣ / ١٢٤٧
قال الله ﷿: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: فذكر الله لنبيه ﷺ جوابًا من جواب بعض من عَبَدَ غيره من هذا الصنف، فحكى جل ثناؤه عنهم قولهم: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) الآية.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة):
انظر تفسير الآية / ٢٢ من السورة نفسها (الآية السابقة) فلها متعلق بما ورد
هنا.
* * *
قال الله ﷿: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي رحمه للُه: أعلم نبيه بما فرض من اتباع كتابه، فقال: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) الآية.
٣ / ١٢٤٨
الأم (أيضًا): سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل):
قال الشَّافِعِي ﵀: وكذلك افترض - الله - عليه، قال الله ﷿:
(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
ففرض عليه الاستمساك بما أوحى إليه، وشهد له أنه على صراط مستقيم.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (٤٤)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد
﵀، في قوله: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الآية.
قال: يُقال: ممن الرجل؟
فيقال: من العرب، فيقال: من أي العرب؛ فيقال: من قريش.
قال الشَّافِعِي ﵀ وما قال مجاهد من هذا بيْن في الآية، مستغنى عنه
بالتنزيل عن التفسير.
الرسالة (أيضًا): باب (البيان الخامس):
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان مما عرَّف الله نبيه ﷺ إنعامه أن قال: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الآية.
فخص قومه بالذكر معه بكتابه.
٣ / ١٢٤٩
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قول الله ﷿: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ):
أخبرنا أبو طاهر (محمد بن محمد الفقيه) حدثنا أبو بكر (محمد بن عمر بن
حفص) الزاهد، حدثنا حمدون السِّمسَار، حدثنا الأزرق بن علي، حدثنا حسان ابن إبراهيم الكَرْمَاني، حدثنا سفيان الثوري، عن موسى بن أبي عائشة، عن سليمان بن قَتَّة، عن ابن عباس ﵄ في قوله ﷿: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الآية.
قال: شرف لك ولقومك.
* * *
قال الله ﷿: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦)
الأم: الخلاف في اليمين مع الشاهد:
قال الشَّافِعِي ﵀: فقلت له - أي: للمحاور -: الشهادة على علمه
أولى أن لا يشهد بها حتى يسمعها من المشهود عليه، أو يراها، أو اليمين.
قال - أي: المحاور -: كل لا ينبغي إلا هكذا، وإن الشهادة لأَولاهما أن لا
يشهد منها إلا على ما رأى، أو سمع.
قلتُ: لأن اللَّه ﷿ حكى عن قوم أنهم قالوا:
(وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا)
وقال: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الآية.
قال نعم.
٣ / ١٢٥٠
الأم: (أيضًا): باب (التحفظ في الشهادة):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا يسع شاهدًا أن يشهد إلا بما عَلِمَ، والعلم من
ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: منها ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة.
الوجه الثاني: ومنها ما سمعه فيشهد ما أثبت سمعًا من المشهود عليه.
الوجه الثالث: ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان.
وتثبت معرفته في القلوب، فيشهد على هذا الوجه.
٣ / ١٢٥١
سورة الجاثية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨)
الرسالة: باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى إليه):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى:
(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
فأبان الله أن قد فرض على نبيه اتباع أمره، وشهد له بالبلاع عنه وشهد به لنفسه، ونحن نشهد له به تقربًا إلى الله بالإيمان به، وتوسلًا إليه بتصديق كلماته.
* * *
قال الله ﷿: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٢٤)
مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفة الشافعى بمعاني أخبار رسول
الله ﷺ:
وقرأت - القول: للبيهقي - في كتاب أبي منصور الحمشاذي، أنبأنا أبو
علي الماسَرْجسِي قال: أخبرنا أبو بكر (أحمد بن مسعود)، قال: حدثنا يحيى بن أحمد بن أخي حرملة قال: حدثنا عمي قال:
٣ / ١٢٥٢
قال الشَّافِعِي ﵀: يقول ﷿: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) .
وقال رسول الله ﷺ:
«لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: إنَّما تأويله - واللَّه أعلم - أن العرب كان من شأنها
أن تذمَّ الدهرَ، وتسبَّه عند المصائب التي تنزل بهم: من موت، أو هدم، أو تلف مال أو غير ذلك، وتسب الليل والنهار - وهما: الجديدان، والفتيان - ويقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، وأتى عليهم؛ فيجعلون الليل والنهار اللذين يفعلان ذلك، فقال رسول الله ﷺ:
«لا تسبوا الدهر ...» الحديث.
على أنه الذي يفعل بكم هذه الأشياء؛ فإنكم إن سببتم فاعل هذه الأشياء، فإنما تسبون اللَّه ﷿، فإن اللَّه تعالى فاعل هذه الأشياء.
٣ / ١٢٥٣
سورة الأحقاف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ)
الأم: كتاب: (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم مَنَّ اللَّه عليهم بما آتاهم من العلم، وأمرهم
بالاقتصار عليه، وأن لا يتولوا غيره إلا بما علمهم، وقال لنبيه ﷺ: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) .
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة):
أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع.
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال الله تعالى لنبيه ﷺ: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) الآية.
٣ / ١٢٥٤
سورة محمد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ)
الأم: أصل فرض الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀:
ولما مضت لرسول اللَّه ﷺ مدة من هجرته، أنعم
الله تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها، ففرض اللَّه تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضًا، فقال ﵎: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ)
وذكر آيات أخرى في فرضية الجهاد.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه -. الشَّافِعِي - في قسم الفيء والغنيمة والصدقات:
قال الشَّافِعِي ﵀ ا: كل ما حصل - مما غُنِم من أهل دار الحرب -
قُسِمَ كله، إلا الرجال البالغين، فالإمام فيهم بالخيار: بين أن يمنَّ على من رأى
٣ / ١٢٥٥
منهم، أو يقنل، أو بفادكط، أو يسى - وسبيل ما سبى وما أخذ مما فادى، سبيل ما سواه من الغنيمة.
واحتج - في القديم - بقول الله ﷿: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) الآية.
وذلك - في بيان اللغة - قبل انقطاع الحرب.
قال الشَّافِعِي ﵀: وكذلك فعل رسول الله ﷺ في أسارى بدر، مَنَّ عليهم، وفداهم، والحرب بينه وبين قريش قائمة، وعرض على ثمامة بن أثال الحنفي وهو يومئذ وقومه - أهل اليمامة - حرب لرسول اللَّه ﷺ - أن يمنَّ عليهم - وبسط الكلام فيه -.
مناقب الشَّافِعِي (باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان)
قال الشَّافِعِي ﵀: وفرض - اللَّه - على اليدين: أن لا يبطش بهما إلى
ما حرم اللَّه تعالى، وأن يبطش بهما إلى ما أمر اللَّه من الصدقة، وصلة الرحم، والجهاد في سبيل اللَّه، والطهور للصلوات، فقال في ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)
إلى آخر الآية، وقال: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) الآية؛ لأن الضرب، والحرب، وصلة الرحم، والصدقة من علاجها.
٣ / ١٢٥٦
قال الله ﷿: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (١١)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بمعاني أخبار رسول
الله ﷺ:
أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلمي قال: أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب قال:
حدثنا العباس بن يوسف الشكلي قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشَّافِعِي يقول في معنى قول النبي ﷺ، لعلي بن أبي طالب، ﵁: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» الحديث.
يعني بذلك ولاء الإسلام، وذلك قول اللَّه تعالى:
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) .
وأما قول عمر بن الخطاب لعلي ﵄:
«أصبحت مولى كل مؤمن» الحديث.
يقول: ولي كل مسلم.
٣ / ١٢٥٧
قال الله ﷿: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (٣١)
الرسالة: باب (كيف البيان؟):
قال الشَّافِعِي ﵀: ومنه: ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في
طلبه، وابتلى طاعتهم في الاجتهاد، كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم، فإنه يقول ﵎: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (٣٣)
الأم: الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر:
قال الشَّافِعِي ﵀: فأخبر النبي ﷺ أن الاجتهاد بعد أن لا يكون كتاب الله ولا سنة رسوله، ولقول اللَّه ﷿: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية.
وما لم أعلم فيه مخالفًا من أهل العلم، ثم ذلك موجود في قوله ﷺ
«إذا اجتهد»؛ لأن الاجتهاد ليس بعين قائمة، وإنما هو شيء يحدثه من قبل نفسه، فإذا كان هذا هكذا فكتاب اللَّه، والسنة، والإجماع أولى - به - من رأي نفسه.
٣ / ١٢٥٨
ومن قال الاجتهاد أولى خالف الكتاب والسنة برأيه، ثم هو مثل القِبلَة التي من لثمهد مكة في موضع يمكنه رؤية البيت بالمعاينة، لم يجز له غير معاينتها، ومن غاب عنها توجه إليها باجتهاده.
فإن قيل: فما الحجة في أنه ليس للحاكم أن يجتهد على
غير كتاب ولا سنة، وقد قال رسول الله ﷺ:
«إذا اجتهد الحاكم».
وقال معاذ ﵁: (أجتهد رأيي" الحديث.
ورضي بذلك رسول الله ﷺ - بأبي هو
وأمي -، ولم يقل رسول الله ﷺ إذا اجتهد على الكتاب والسنة؟
قيل: لقول الله ﷿ (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية.
فجعل الناس تبعًا لهما، ثم لم يهملهم - ثم ذكر أدلة أخرى -.
٣ / ١٢٥٩
سورة الفتح
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)
قال الله ﷿: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)
الأم: المهادنة على النظر للمسلمين:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قامت الحرب بين رسول الله ﷺ وقريش، ثم أغارت سراياه على أهل نجد، حتى توقى الناس لقاء رسول الله ﷺ خوفًا
للحرب دونه من سراياه، وإعداد من يعدُّ له من عدوه بنجد، فمنعت منه قريش أهل تهامة، ومنع أهل نجد منه أهل نجد المشرق، ثم اعتمر رسول الله ﷺ عمرة الحديبية في ألف وأربعمائة، فسمعت به قريش فجمعت له، وجدَّت على منعه.
ولهم جموع أكثر ممن خرج فيه رسول الله ﷺ فتداعوا الصلح، فهادنهم رسول اللَّه ﷺ إلى مدة، ولم يهادنهم على الأبد؛ لأن قتالهم حتى يسلموا فرض إذا قوي
عليهم، وكانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين، ونزل عليه في سفره في أمرهم: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) الآية.
٣ / ١٢٦٠
قال ابن شهاب: فما كان في الإسلام فتح أعظم منه، كانت الحرب قد
أحرجت الناس، فلما أمنوا لم يتكلم في الإسلام أحد يعقل إلا قَبِلَهُ، فلقد أسلم في سنين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك.
ثم نقض بعض قريش، ولم ينكر عليه غيره إنكارًا يعتد به عليه، ولم يعتزل
داره، فغزاهم رسول الله ﷺ عام الفتح مخفيًا لوجهه ليصيب منهم غِرَّة.
الأم (أيضًا): جماع الهدنة على أن يردَّ الإمام من جاء بلده مسلمًا أو مشركًا: قال الشَّافِعِي ﵀: ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي: أن رسول اللَّه
ﷺ هادن قريشًا عام الحديبية على أن يأمن بعضهم بعضًا، وأن من جاء قريشًا من المسلمين مرتدًا لم يردوه عليه، ومن جاء إلى النبي ﷺ بالمدينة منهم رده عليهم، ولم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلمًا إلى غير المدينة في بلاد
الإسلام والشرك، وإن كان قادرًا عليه، ولم يذكر أحد منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئًا من هذا الشرط، وذكروا أنه أنزل عليه في مهادنتهم: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) الآية.
فقال بعض المفسرين: قضينا لك قضاء مبينًا.
فتم الصلح بين النبي ﷺ وبين أهل مكة على هذا.
أحكام القرآن: فصل: (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة)
أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع:
٣ / ١٢٦١
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال اللَّه لنبيه ﷺ:
(قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) .
ثم أنزل اللَّه ﷿ على نبيه ﷺ: أن غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يعني - واللَّه أعلم -: ما تقدم
من ذنبه قبل الوحي وما تأخر: أن يعصمه فلا يذنب، يعلم اللَّه ما يفعل به من رضاه وأنه أول شافع وأول مشفع يوم القيامة وسيد الخلائق.
وسمعت أبا عبد اللَّه محمد بن إبراهيم بن عبد أن الكَرْماني يقول: سمعت
أبا الحسن محمد بن أبي إسماعيل العلوي (ببخاراء) .
يقول: سمعت أحمد بن محمد بن حسان المصري (بمكة) يقول: سمعت المزني يقول: سئل الشَّافِعِي عن قول اللَّه ﷿: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) الآيتان.
قال: معناه، (مَا تَقَدَّمَ): من ذنب أبيك آدم وهبته لك.
(وَمَا تَأَخَّرَ): من ذنوب أمتك، أدخلهم الجنة بشفاعتك.
قال الشيخ ﵀: وهذا قول مستظرف، والذي وضعه الشَّافِعِي - في
تصنيفه - أصح الروايتين، وأشبه بظاهر الرواية - واللَّه أعلم -.
٣ / ١٢٦٢
قال الله ﷿: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١٠)
الرسالة: باب (ما أمر الله من طاعة رسول الله):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله جل ثناره: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١٠) .
فأعلمهم أن بيعتهم رسوله بيعته، وكذلك أعلمهم أن طاعتهم طاعته.
* * *
قال الله ﷿: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)
الأم: باب (الإحصار بالعدو):
قال الشَّافِعِي ﵀: والحديبية: موضع من الأرض منه ما هو في الحل.
ومنه ما هو في الحرم، فإنما نحر الهدى عندنا في الحل، وفيه مسجد رسول الله ﷺ
٣ / ١٢٦٣
الذي بويع فيه تحت الشجرة، فأنزل الله ﷿: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) الآية.
فبهذا كله نقول: فنقول من أحصر بعدو حل حيث يُحبس، في حل كان أو حرم، ونحر أو ذبح هديًا، وأقل ما يذبح شاة.
* * *
قال الله ﷿: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
الأم: حال المسلمين يقاتلون العدو وفيهم أطفالهم:
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا حصر المسلمون عدوهم، فقام العدو
على سورهم معهم أطفال المسلمين يتترسون بهم، قال: يردونهم بالنبل
والمنجنيق، يعمدون بذلك أهل الحرب، ولا يتعمدون بذلك أطفال المسلمين.
قال الأوزاعي ﵀: يكف المسلمون عن رميهم، فإن برز أحد منهم
رموه، فإن اللَّه ﷿ يقول: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
حتى فرغ من الآية، فكيف يرمي المسلمون من لا يرمون من المشركين.
قال أبو يوسف ﵀: تأول الأوزاعي هذه الآية في غير - موضعها -.
ولو كان يحرم رمى المشركين وقتالهم إذا كان معهم أطفال المسلمين لحرم ذلك
أيضًا منهم إذا كان معهم أطفالهم ونساؤهم، فقد نهى رسول الله ﷺ عن قتل النساء والأطفال والصبيان، وفد حاصر رسول الله ﷺ أهل الطائف، وأهل خيبر، وقريظة، والنضير، وأجلب المسلمون عليهم - فيما بلغنا - أشد ما قدروا
٣ / ١٢٦٤
عليه، وبلغنا أنه نصب على أهل الطائف المنجنيق.
فلو كان يجب على المسلمين الكفُّ عن المشركين إذا كان في ميدانهم الأطفال لنهى رسول الله ﷺ عن قتلهم
ولم يقاتلوا. ..
قال الشَّافِعِي ﵀: أما ما احتج به من قتل المشركين وفيهم الأطفال
والنساء والرهبان، ومن نهي عن قتله، فإن رسول الله ﷺ أغار على بني المصطلق غازين في نعَمِهِم، وسئل عن أهل الدار يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم.
فقال: هم منهم، يعني ﷺ: أن الدار مباحة؛ لأنها دار شرك، وقتال المشركين مباحٌ.
الأم (أيضًا): الإحصار:
قال الشَّافِعِي ﵀: الإحصار الذي ذكره اللَّه ﵎ فقال:
(فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) .
نزلت يوم الحديبية، وأحصر النبي ﷺ بعدو، ونحر ﵊ في الحل، وفد قيل نحر في
الحرم، وإنما ذهبنا إلى أنه نحر في الحل، وبعضها في الحرم؛ لأن الله ﷿ يقول: (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ)
والحرام كله محله عند أهل العلم، فحيثما أحصر الرجل، قريبًا كان أو بعيدًا، بعدو حائل - مسلم أو كافر - وقد أحرم، ذبح شاة وحل، ولا قضاء عليه، إلا أن يكون حَجُّه حجة الإسلام فيحجها، وهكذا السلطان إن حبسه في سجن أو غيره، وهكذا العبد يحرم بغير إذن سيده، وكذلك المرأة تحرم بغير إذن زوجها؛
٣ / ١٢٦٥
لأن لهما أن يحبساهما، وليس هذا للوالد على الولد، ولا للولي على المولى
عليه.
ولو تأنى الذي أحصر رجاء أن يُخلَّى، كان أحبَّ إليَّ. ..
الأم (أيضًا): باب (الإحصار بالعدو):
قال الشَّافِعِي ﵀: والقرآن يدل على أن هدي النبي ﷺ لم يبلغ الحرم.
فإن قال: وأين ذلك؟
قلت: قال اللَّه ﷿: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) الآية.
فإن قال قائل: فإن اللَّه ﷿ يقول: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)؟
قلت: - الله أعلم بمحله هاهنا يشبه أن يكون إذا أحصر، - تَمَّ - نحره حيث أحصر كما وصفت، ومحله في غير الإحصار الحرم، وهو كلام عربي واسع.
وخالفنا بعض الناس فقال: المحصر بالعدو والمرض سواء، وعليهما
القضاء، ولهما الخروج من الإحرام.
- واحتج قائلًا -: ألا ترى أنها تسمى عمرة القضية وعمرة القصاص.
فقيل لبعض من قال هذا القول؛ إن لسان العرب واسع، فهي تقول:
اقتضيت ما صنع بي، واقتصصت ماصنع بي، فبلغت ما منعت مما يجب لي.
وما لا يجب على أن أبلغه وإن وجب لي.
قال الشَّافِعِي ﵀: والذي نذهب إليه من هذا أنها إنما سميت عمرة
القصاص، وعمرة القضية، أن اللَّه ﷿ اقتصَّ لرسوله ﷺ فدخل عليهم كما منعوه، لا على أن ذلك وجب عليه.
٣ / ١٢٦٦
الزاهر باب (الاعتكاف):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأصل الاعتكاف: الإقامة في المسجد والاحتباس.
يقال: عَكَفْتُهُ فعَكَفَ، واعتكف، أي: حبسته فاحتبس.
والعاكف والمعتكف واحد، قال اللَّه ﷿:
(وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُو) الآية.
أي: ممنوعًا محبوسًا.
* * *
قال الله ﷿: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)
الأم: باب (دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة)
قال الشَّافِعِي ﵀: ويحكى أن النبيين كانوا يحجون، فإذا أتوا الحرم
مشوا إعظامًا له ومشوا حفاة، ولم يحك لنا عن أحد من النبيين، ولا الأمم
الخالية، أنه جاء أحد البيت قط إلا حرامًا، ولم يدخل رسول الله ﷺ مكة علمناه إلا حرامًا إلا في حرب الفتح، فبهذا قلنا: إن سنة الله تعالى في عباده أن لا يدخل الحرم إلا حرامًا، وبأن من سمعناه من علمائنا قالوا: فمن نذر أن يأتي البيت يأتيه محرمًا بحج أو عمرة.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا أحسبهم قالوه إلا بما وصفت، وأن الله تعالى
ذكر وجه دخول الحرم فقال: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) الآية.
٣ / ١٢٦٧
قال الشَّافِعِي ﵀: فدل على وجه دخوله للنسك وفي الأمن، وعلى
رخصة اللَّه في الحرب وعفوه فيه عن النسك، وأن فيه دلالة على الفرق بين من يدخل مكة وغيرها من البلدان، وذلك أن جميع البلدان تستوي، لأنها لا تدخَل بإحرام، وإن مكة تنفرد بأن من دخلها منتابًا لها لم يدخلها إلا بإحرام.
قال الشَّافِعِي ﵀: إلا أن من أصحابنا من رخص للحطابين، ومن
مدخله إياها لمنافع أهلها، والكسب لنفسه، ورأيت أحسن ما يحمل عليه هذا القول إلى: أن انتياب هؤلاء مكة انتياب كسب لا انتياب تبرر، وأن ذلك متتابع كثير متصل فكانوا بشبهون المقيمين فيها، ولعل حطابيهم كانوا مماليك غير مأذون لهم بالتشاغل بالنسك.
* * *
قال الله ﷿: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا)
الأم: كتاب (الجزية):
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم اصطفى اللَّه ﷿ سيدنا محمدًا ﷺ من خير آل إبراهيم، وأنزل كتبه قبل إنزاله الفرقان على محمد ﷺ بصفة فضيتله، وفضيلة
من اتبعه به، فقال ﷿: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) الآية.
٣ / ١٢٦٨
سورة الحجرات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)
الزاهر باب (الشهيد):
قال الشَّافِعِي ﵀: (ويضع ياسرة السرير المُقَدِّمَة) وإن شئت المُقَدَّمَة
فمن قال: المقدِّمة، معناه: المتقدمة.
ومنه قوله ﷿: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)
أي: لا تتقدموا: يقال: قدَّم، وتقدَّم، واستقدَم: بمعنى واحد. ومُقَدِّمة
الجيش: بكسر الدال من هذا.
ومن قال المقدَّمة: أراد التي قُدِّمت.
* * *
قال الله ﷿: (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: إن الله ﵎ لِما خص به رسوله من
وحيه، وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه؛ بالفرض على خلقه بطاعته
٣ / ١٢٦٩
في غير آية من كتابه - ومنها - وقال: (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)
الأم: باب (التثبت في الحكم وغيره):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأمر اللَّه من يمضي أمره على أحد من عباده، أن
يكون مستبينًا قبل أن يمضيه.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في خروجه إلى اليمن ومقامه بها، تم في حمله
من اليمن إلى هارون):
قال البيهقي ﵀: واتصل الخبر بالرشيد أن الشَّافِعِي يريد أن يخرج
بأرض اليمن علويًا - وكان الخبر باطلًا - فغضب الرشيد، ثم أرسل إليه
فحمله، وحُمِلَ معه بضعة عشر رجلًا، وذكر الحديث
في إظهار محمد بن الحسن العناية في شأنه، وأنه لم ينفعه ذلك.
٣ / ١٢٧٠
وقتل - الرشيد - منهم تسعة، ثم أُدخِل الشَّافِعِي، فلما واجه الرشيد قال:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) .
فقال الرشيد: أو ليس الأمر كما قيل فيك؟
فقال: يا أمير المؤمنين، وهل في الأرض علوي إلا وهو يظن أن الناس
عبيد له؟ فكيف أخرج رجلًا يريد أن يجعلني له عبدًا، وأغدر بسادات بني عبد مناف وأنا منهم وهم مني؟ فسكن غضب الرشيد.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) .
الأم: كتاب (قتال أهل البغي وأهل الردة):
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) .
٣ / ١٢٧١
قال الشَّافِعِي ﵀: فذكر اللَّه ﷿ اقتتال الطائفتين. والطائفتان المتنعتان: الجماعتان كل واحدة ممتنع أشد الامتناع، أو أضعف إذا لزمها اسم الامتناع، وسماهم اللَّه تعالى المؤمنين، وأمر بالإصلاح بينهم، فحق على كل أحد دعاء المؤمنين إذا افترقوا وأرادوا القتال، أن لا يُقاتلوا حتى يُدعَوا إلى الصلح.
وبذلك قلت: لا يُبيَّتُ أهل البغي قبل دعائهم؛ لأن على الإمام الدعاء كما أمر الله ﷿ قبل القتال، وأمر اللَّه ﷿ بقتال الفئة الباغية، وهي مسماة باسم الإيمان، حتى تفيء إلى أمر اللَّه، فإن فاءت لم يكن لأحد قتالها؛ لأن اللَّه ﷿ إنما أذن في
قتالها في مدة الامتناع بالبغي إلى أن تفيء.
قال الشَّافِعِي ﵀: والفيء: الرجعة عن القتال بالهزيمة، أو التوبة
وغيرها، وأي حال ترك به القتال فقد فاء.
والفيء: بالرجوع عن القتال، الرجوع عن معصية اللَّه تعالى ذكره إلى طاعته، في الكف عما حرم اللَّه ﷿.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال أبو ذؤيب يعيِّر نفرًا من قومه انهزموا عن
رجل من أهله في وقعة فقتل:
لا ينسَأُ اللَّه منا مَعشرًا شَهدوا ... يوم الأمَيلِح لا غابوا ولا جَرَحُوا
عَفوا بسهم فلم يشعر به أحد ... ثم استفاؤوا وقالوا حبذا الوَضَحُ
قال الشَّافِعِي ﵀: وأمر اللَّه تعالى إن فاؤوا أن يُصلح بينهما بالعدل.
ولم يذكر تباعة في دم ولا مال، وإنما ذكر اللَّه تعالى الصلح آخرًا، كما ذكر
الإصلاح بينهم أولًا قبل الإذن بقتالهم: فأشبه هذا - واللَّه تعالى أعلم - أن
تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من الأموال ساقطة بينهم.
٣ / ١٢٧٢
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد يحتمل قول الله ﷿:
(فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) الآية.
أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم
فيعطى بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله ﷿: (بِالْعَدْلِ) .
والعدل: أخذ الحق لبعض الناس من بعض.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإنما ذهبنا إلى أن القَوَدَ ساقط، والآية تحتمل
المعنيين.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مُطرف بن مازن، عن معمر بن راشد، عن
الزُّهري قال: أدركت الفتنة الأولى أصحاب رسول الله ﷺ فكانت فيها دماء وأموال، فلم يُقتص فيها من دم ولا مال ولا قَرْح أصيب بوجه التأويل، إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه.
قال الشَّافِعِي ﵀: وهذا كما قال الزهري عندنا، قد كانت في تلك
الفتنة دماء يُعرف في بعضها القاتل والمقتول، وأتلفت فيها أموال، ثم صار
الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم، فما علمته اقتص أحد من أحد، ولا غَرِم له مالًا أتلفه، ولا علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغي من مال فوجد بعينه فصاحبه أحق به.
قال الشَّافِعِي ﵀: ووجدت قول اللَّه تعالى قال:
(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩)
فذكر الله ﷿ قتالهم ولم يذكر القصاص بينهما،
٣ / ١٢٧٣
فأثبتنا القصاص بين المسلمين على ما حكم الله ﷿ في القصاص، وأزلناه في المتأولين الممتنعين، ورأينا أن المعني بالقصاص من المسلمين هو من لم يكن ممتنعًا متأولًا، فأمضينا الحكمين على ما أمضينا عليه.
وقلت له - أي: للمحاور -: علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه ولي
قتال المتأولين، فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل، وقَتَلَه ابن ملجم متأولًا، فأمر بحبسه، وقال لولده: إن قتلتم فلا تمثلوا، ورأى له القتل، وقتله الحسن بن علي ﵄، وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله ﷺ لا نعلم أحدًا أنكر قتله ولا عابه ولا خالفه في أن يقتل؛ إذ لم يكن له جماعة يمتنع
بمثلها، ولم يَقُد علي وأبو بكر ﵄ قبله ولي من قتلتهُ الجماعة الممتنع بمثلها على التأويل كما وصفنا، ولا على الكفر.
قال الشَّافِعِي ﵀: والآية تدل على أنه إنما أبيح قتالهم في حال.
وليس في ذلك إباحة أموالهم، ولا شيء منها، وأما قطاع الطريق، ومن قتل على غير تأويل فسواء جاعة كانوا أو وحدانًا يقتلون حدًا وبالقصاص بحكم الله ﷿ في القتلة، وفي المحاربين.
الأم (أيضًا): باب (الحال التي لا يحل فيها دماء أهل البغي):
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا دُعِي أهل البغي، فامتنعوا من الإجابة فقوتلوا، فالسيرة فيهم مخالفة للسيرة في أهل الشرك، وذلك بأن الله ﷿ حرَّم ثم رسوله دماء المسلمين، إلا بما بيَّن الله ﵎ ثم رسوله ﷺ، فإنما أبيح قتال أهل البغي ما
كانوا يقاتلون، وهم لا يكونون مقاتلين أبدًا إلا مقبلين، ممتنعين، مريدين، فمتى زايلوا هذه المعاني فقد خرجوا من الحال التي أبيح بها قتالهم، وهم لا يخرجون منها أبدًا، إلا إلى أن تكون دماؤهم محرمة كهي قبل يحدثون، وذلك بيِّنٌ عندي في كتاب
٣ / ١٢٧٤
الله ﷿، قال اللَّه ﵎: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا قاتلت المرأة، أو العبد مع أهل البغي.
والغلام المراهق، فهم مثلهم يقاتلون مقبلين، ويتركون مولين.
قال الشَّافِعِي ﵀: ويختلفون في الأسارى، فلو أسِر البالغ من الرجال
الأحرار، فحُبسَ ليبايع رجوت أن يسع ولا يحبس مملوك، ولا غير بالغ من
الأحرار، ولا امرأة لتبايع، وإنما يبايع النساء على الإسلام، فأما على الطاعة: فهن لا جهاد عليهن، وكيف يبايعن والبيعة على المسلمين المولودين في الإسلام، إنما هي على الجهاد.
أمًا إذا انقضت الحرب فلا أرى أن يُحبس أسيرهم، ولو قال أهل البغي:
أنظرونا ننظر في أمرنا، لم أرَ بأسًا أن ينظروا.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو قالوا: أنظرونا مدة، رأيت أن يجتهد الإمام فيه.
الأم (أيضًا): الخلاف في قتال أهل البغي:
قال الشَّافِعِي ﵀: فقال - أي: المحاور - فكيف يجوز قتلهم مقبلين.
ولا يجوز مدبرين؟
قلت: بما قلنا من أن اللَّه ﷿ إنَّما أذن بقتالهم إذا كانوا باغين، قال الله ﵎: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) الآية، وإنَّما يُقاتل من يُقاتِل، فأما من لا يقاتل، فإنما يقال: اقتلوه، لا فقاتلوه، ولو كان فيما احتججت به من هذا حجة كانت عليك، لأنك تقول: لا تقتلون مدبرًا ولا أسيرًا ولا جريحًا إذا انهزم عسكرهم، ولم تكن لهم فئة.
قال: قلته اتباعًا لعلي بن أبي طالب ﵁.
٣ / ١٢٧٥
الزاهر باب (قتال أهل البغي)
دْكر الشَّافِعِي ﵀: - في المختصر - قول اللَّه ﷿: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)
إلى قوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الآية.
قال - اللَّه تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ) ثم قال: (اقْتَتَلُوا) ولم يقل: اقتتلتا.
ولو قاله لكان جائزًا؛ لأن كل طائفة منهما جماعة.
وقول اللَّه تعالى: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى) الآية، أي: اعتدت
وجارت.
والبغي: الظلم. والباغية: التي تعدل عن الحق، وما عليه أئمة المسلمين
وجماعتهم: يقال: بغى الجرح: إذا ترامى في الفساد.
وبغت المرأة: إذا فجرت.
والبَغِيُّ: الفاجرة.
وقوله -: (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) الآية، أي: ترجع إلى أمر الله تعالى.
وقوله تعالى: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الآية، أي: اعدلوا.
يقال: أقسط فهو مقسط: إذا عدل. وقسط فهو قاسط: إذا جار.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)
الأم: من لا قصاص بينه لاختلاف الدينين:
قال الشَّافِعِي ﵀: جعل - اللَّه تعالى - الأخوة بين المؤمنين - بابتداء
الآية - فقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الآية، وقطع ذلك بين المؤمنين والكافرين، ودلَّت سنة رسول الله ﷺ على مثل ظاهر الآية.
٣ / ١٢٧٦
الأم (أيضًا): شهادة أهل العصبية:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
الآية، وقال رسول الله ﷺ:
«وكونوا عباد الله إخوانًا» الحديث.
فإذا صار رجل إلى خلاف أمر الله ﵎ اسمه، وأمر رسول الله ﷺ بلا سبب يعذر به يخرج به من العصبية، كان مقيمًا على معصية لا تأويل فيها، ولا اختلاف بين المسلمين فيها، ومن أقام على مثل هذا كان حقيقًا أن يكون مردود الشهادة.
* * *
قال الله ﷿: (وَلَا تَجَسَّسُوا)
الأم: باب (الوصية للوارث):
قال الشَّافِعِي ﵀ ًا وقال رسول الله ﷺ:
«أيها الناس قد آنَ لكم أن تنتهوا عن محارم الله تعالى، فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله» الحديث.
فأخبرهم أنه لا يكشفهم عما لا يبدون من أنفسهم، وأنهم إذا أبدوا ما فيه الحق عليهم
٣ / ١٢٧٧
أخذوا بدْلك، وبذلك أمر اللَّه تعالى ذكره فقال: (وَلَا تَجَسَّسُوا) الآية، وبذلك أوصى رسول الله ﷺ.
الأم (أيضًا): اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا للإمام إذا رمى رجل رجلًا بزنا أو حد أن
يبعث إليه، ويسأله عن ذلك؛ لأن اللَّه ﷿ يقول:
(وَلَا تَجَسَّسُوا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإن شبه على أحد أن النبي ﷺ بعث أنيسًا إلى امرأة رجل فقال: «فإن اعترفت فارجمها» الحديث.
فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت، فكان يلزمه ﷺ أن يسأل، فإن أقرَّت حُدَّت، وسقط الحد عن قاذفها.
وإن أنكرت حُدَّ قاذفها.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
الأم: باب (تقويم الناس في الديوان على منازلهم):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه ﷿: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
الآية، وروي عن الزهري، أن النبي ﷺ عرَّف عام حنين على كل عشرة عَريِفًا.
قال الشَّافِعِي ﵀: وجعل النبي ﷺ للمهاجرين شعارًا، وللأوس شعارًا، وللخزرج شعارًا، وعقد النبي ﷺ الألوية عام الفتح، فعقد للقبائل قبيلة
٣ / ١٢٧٨
قبيلة، حتى جعل في القبيلة ألوية كل لواء لأهله، وكل هذا ليتعارف الناس في الحرب وغيرها، وتخف المؤنة عليهم باجتماعهم.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأخبرنا غير واحد من أهل العلم من قبائل قريش.
أن عمر بن الخطاب لما كثر المال في زمانه، أجمع على تدوين الديوان، فاستشار فقال بمن ترون أبدأُ؛ فقال له رجل ابدأ بالأقرب فالأقرب بك، قال: ذكرتموني أبدًا بالأقرب فالأقرب من رسول الله ﷺ، فبدأ ببني هاشم، - ثم فصَّل في هذا الموضوع -.
الأم (أيضًا): باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
فكل نفس مخلوقة من ذكر وأنثى، فهذا عام يراد به العام، وفيه الخصوص، وقال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم.
الرسالة: باب (ما أنزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص)
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
فأما
٣ / ١٢٧٩
العموم منها ففي قول اللَّه: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الآية، فكل نفس خوطبت بهذا في زمان رسول الله ﷺ وقبله وبعده، مخلوقة من ذكر وأنثى، وكلها شعوب وقبائل.
والخاص منها في قول اللَّه: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
لأن التقوى إنما تكون على من عَقَلَها، وكان من أهلها من البالغين من بني آدم، دون المخلوقين من الدوابّ سواهم، ودون المغلوبين على عقولهم منهم، والأطفال الذين لم يبلغوا وَعُقِلَ التقوى منهم، فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها، وكان من أهلها، أو خالفها فكان من غير أهلها.
والكتاب يدل على ما وصفت، وفي السنة دلالة عليها قال رسول الله ﷺ:
رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى
يُفيق» الحديث.
الزاهر باب (الغنيمة والفيء):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الآية.
أما الشعوب والقبائل فقد تقدم تفسيرها.
والمعنى: إنا خلقناكم من آدم وحواء، وكلكم بنو أب وأم واحدة، إليها ترجعون في أنسابكم.
٣ / ١٢٨٠
ثم قال: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الآية، يقول: لم نجعلكم
كذلك لتتفاخروا بآبائكم الذين مضوا في الشعوب والقبائل، وإنَّما جعلناكم
كذلك لتعارفوا.
أي: ليعرف بعضكم بعضًا، وقرابته منكم وتوارثكم بتلك
القرابة، ولما لكم في معرفة القبائل من المصالح في معاقلكم.
ثم قال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
أي: إن أرفعكم منزلة عند اللَّه أتقاكم، وفي هذه الآية نهي عن التفاخر بالنسب، وحضٌّ على معرفته ليستعان به على حيازة المواريث، ومعرفة العواقل في الديات - واللَّه أعلم -.
* * *
قال الله ﷿: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)
الأم: تكلف الحجة على قائل القول الأول، وعلى من قال: أقبل إظهار التوبة إذا كان رجع إلى دين يظهره. . .:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأخبر اللَّه ﷿ عن قوم من الأعراب: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)
فأعلم أنه لم يدخل الإيمان في قلوبهم وأنهم أظهروه، وحقن به دماءهم.
قال مجاهد ﵀: في قوله: (أَسْلَمْنَا قال: أسلمنا مخافة القتل والسِّباء.
٣ / ١٢٨١
الأم (أيضًا) كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم أطلع اللَّه رسوله على قوم يُظهرون الإسلام
وُيسرون غيره، ولم يجعل له أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإسلام، ولم يجعل له أن يقضي عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا، فقال لنبيه ﷺ: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: أسلمنا يعني: أسلمنا بالقول بالإيمان مخافة القتل
والسباء، ثم أخبر أنه يجزيهم إن أطاعوا اللَّه ورسوله، يعني: إن أحدثوا طاعة
رسوله) ﷺ.
٣ / ١٢٨٢
سورة ق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١)
الأم: القراءة في الخطبة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال: حدثني عبد اللَّه
ابن أبي بكر، عن حبيب بن عبد الرحمن بن إساف، عن أم هشام بنت حارثة
ابن النعمان، أنها سمعت النبي ﷺ يقرأ بـ:
(ق) وهو يخطب على المنبر يوم الجمعة، وأنها لم تحفظها إلا من رسول الله ﷺ يوم الجمعة وهو على المنبر.
من كثرة ما كان النبي ﷺ يقرأ بها يوم الجمعة على المنبر.
الأم (أيضًا): القراءة في العيدين:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن ضمرة بن سعيد
المازني، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله ﷺ في الأضحى والفطر؟ فقال: كان رسول الله ﷺ
٣ / ١٢٨٣
يقرأ به: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) الآية، و(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فأحبُّ أن يقرأ في العيدين، في الركعة الأولى ب: (ق) وفي الركعة الثانية بـ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)
وكذلك أحب أن يقرأ في الاستسقاء، وإن قرأ في الركعة الثانية من الاستسقاء: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) الآية، أحببتُ ذلك.
الأم (أيضًا): باب (القراءة في العيدين والجمعة):
سألت الشَّافِعِي باي شيء تحب أن يُقرأ في العيدين فقال: بـ: (ق) .
و(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: بعد إيراد حدبث أبي واقد الليثي -: فقلت - أي:
قال الربيع بن سليمان - للشافعي فإنا لا نبالي بأي سورة قرأ.
فقال - الشَّافِعِي ﵀: ولم لا تبالون وهذه روايتكم عن النبي ﷺ؛ فقلت:
لأنه يجزيه. . . إلى أن قال: ينبغي أن تستحبوا ما صنع رسول الله ﷺ بكل حال.
* * *
قال الله ﷿: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا)
الأم: البروز للمطر:
قال الشَّافِعِي ﵀: بلغنا أن النبي ﷺ كان يَتَمَطر في أول مطرة حتى يصيب جسده.
وروي عن ابن عباس ﵄ أن السماء أمطرت، فقال
٣ / ١٢٨٤
لغلامه: أخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر، فقال أبو الجوزاء لابن عباسٍ ﵄: لم تفعل هذا يرحمك اللَّه؛ فقال: أما تقرأ كتاب اللَّه: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا) الآية.
فأحبُّ أن تصيب البركة فراشي ورحلي.
أخبرنا إبراهيم، عن ابن حرملة، عن ابن المسيب ﵀، أنه رآه في
المسجد، ومطرت السماء، وهو في السقاية، فخرج إلى رحبة المسجد، ثم كشف عن ظهره للمطر حتى أصابه، ثم رجع إلى مجلسه.
* * *
قال الله ﷿: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠)
مختصرالمزني: باب (القراءة في الصلاة):
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا سفيان، عن زياد بن علاقة، عن عمه، قال:
سمعت النبي ﷺ في الصبح يقرأ: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: يعني بـ: (ق) الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: فأعلم - اللَّه تعالى - عباده مع ما أقام عليهم من
الحجة، بأن ليس كمثله أحد في شيء، أن علمه بالسر والعلائنة واحد، فقال
٣ / ١٢٨٥
تعالى ذكره: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) الآية.
٣ / ١٢٨٦
سورة الذاريات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١)
الأم: القول في الإنصات عند رؤية السحاب والمطر:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرني من لا أتهم قال: حدثنا العلاء بن راشد.
عن عكرمة، عن ابن عباس ﵄، قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي ﷺ على ركبتيه وقال:
«اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها
رياحًا ولا تجعلها ريحًا» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: قال ابن عباس ﵄ في كتاب الله ﷿: (إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) الآية.
وذكر آيات أخرى في هذا الباب.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)
الأم: كتاب الجزية:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
٣ / ١٢٨٧
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال الله ﵎: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: خلق الله تعالى الخلق لعبادته.
٣ / ١٢٨٨
سورة الطور
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)
الأم: باب (تفريع حج الصبي والمملوك):
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: فما الحجة أن للصبي حجًا، ولم
يكتب عليه فرضه؟
قيل: إن اللَّه بفضل نعمته أناب الناس على الأعمال
أضعافها، ومَن على المؤمنين بأن ألحقَ بهم ذرياتهم، ووفر عليهم أعمالهم.
فقال: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية.
فلما مَنَّ على الذراري بإدخالهم جنته بلا عمل، كان أن من عليهم بأن بكتب لهم عمل البر في الحج، وإن لم يجب عليهم من ذلك المعنى - ثم ذكر دليلًا حديث المرأة التي رفعت للنبي ﷺ صبيًا - فقالت: يا رسول ألهذا حج؟
قال ﷺ: «نعم، ولَكِ أجر» الحديث -.
٣ / ١٢٨٩
ترتيب مسند الشافعى: الباب السادس (في صفة الصلاة):
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير
ابن مطعم، عن أبيه أنه قال: «سمعت رسول الله ﷺ قرأ بالطور في المغرب» الحديث.
٣ / ١٢٩٠
سورة النجم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١)
الأم: باب (سجود التلاوة والشكر):
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، عن ابن أبي
ذئب، عن الحرث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن، عن ثوبان، عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ:
قرأ بالنجم فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين» الحديث.
قال: أرادا الشهرة.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، عن ابن أبي
ذئب، عن يزيد، عن عبد اللَّه بن قسيط، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن ثابت ﵁: «أنه قرأ عند رسول الله ﷺ بالنجم فلم يسجد فيها» الحديث.
وفي هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن ليس بحتم، ولكنا نحب أن لا يترك؛ لأن النبي ﷺ سجد في النجم وترك.
٣ / ١٢٩١
حدثنا الربيع بن سليمان:
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي النجم سجدة، ولا أحب أن يدع شيئًا من
سجود القرآن، وإن تركه كرهته له، وليس عليه قضاؤه، لأنه ليس بفرض.
قال الشَّافِعِي ﵀: يرد على من زعم أن لا سجود في المفصل
إجماعًا -؛ رويتم عن عمر بن الخطاب ﵁: «أنه سجد في النجم»، ثم لا تروون عن غيره خلافه.
الأم (أيضًا): سجود القرآن:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرني الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا هشيم، عن شعبة، عن عاصم، عن
زر، عن علي رضي اللَّه تعالى عنه قال: عزائم السجود (الم (١) تَنْزِيلُ)
و(حم (١) تَنْزِيلٌ) و(النجم) الآية، و(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)
ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه.
الأم (أيضًا): باب (سجود القرآن):
وقال الشَّافِعِي ﵀: وأخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن الأعرج أن
عمر بن الخطاب ﵁ قرأ: «(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى)
فسجد فيها ثم قام، فقرأ بسورة أخرى» الحديث.
٣ / ١٢٩٢
قال الله ﷿: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨)
الأم: من يلحق بأهل الكتاب:
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان أهل الكتاب المشهور عند العامة، أهل التوراة
من اليهود، والإنجيل من النصارى، وكانوا من بني إسرائيل، وأحطنا أن الله ﷿ أنزل كتبًا غير التوراة، والإنجيل، والفرقان، قال الله ﷿: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) .
فأخبر - اللَّه تعالى - أنَّ لأبراهيم صحفًا.
الأم (أيضًا): الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ:
قال الشَّافِعِي ﵀: والكتابان المعروفان التوراة والإنجيل ولله كتب
سواهما، قال - أي: المحاور - وما دل على ما قلت؟
قلت: قال اللَّه ﷿: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) . الآيتان.
فالتوراة كتاب موسى، والإنجيل كتاب عيسى، والصحف كتاب إبراهيم - عليهم الصلاة والسلام - ما لم تعرفه العامة من العرب.
٣ / ١٢٩٣
الأم (أيضًا): باب (أخذ الولي بالولي)
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) .
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا ابن عيينة، عن عبد الملك بن أبجر، عن أبان
ابن لقيط، عن أبي رمثة، قال: دخلت مع أبي على النبي ﷺ فقال له النبي ﷺ:
من هذا؟» قال: ابني يا رسول اللَّه أشهد به، فقال النبي ﷺ: «أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه» الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن
عمرو بن أوس، قال: كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم فقال اللَّه ﷿: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) . الآيتان.
قال الشَّافِعِي ﵀: والذي سمعت - واللَّه أعلم - في قول الله تعالى:
(أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية.
أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره، وذلك في بدنه دون ماله، وإن قتل أو كان
حدًا لم يقتل به غيره، ولم يؤخذ، ولم يحد بذنبه فيما بينه وبين اللَّه تعالى؛ لأن الله جل وعز إنما جعل جزاء العباد على أعمال أنفسهم، وعاقبهم عليها، وكذلك أموالهم لا يجني أحد على أحد في ماله، إلا حيث خصَّ رسول الله ﷺ بأن جناية الخطأ من الحر على الآدميين على عاقلته، فأما ما سواهما فأموالهم ممنوعة من
٣ / ١٢٩٤
أن تؤخذ بجناية غيرهم.
وعليهم في أموالهم حقوق سوى هذا من ضيافة وزكاة
وغير ذلك، و- ذلك - ليس من وجه الجناية.
الأم (أيضًا): الفداء بالأساوى:
قال الشَّافِعِي ﵀: قول رسول الله ﷺ:
«أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف» الحديث.
إنما هو أن المأخوذ مشرك، مباح الدم والمال، لشركه من جميع جهاته.
والعفو عنه مباح، فلما كان هكذا لم ينكر أن يقول: أخذتَ، أي: حُبستَ بجريرة حلفائكم ثقيف، ويحبسه بذلك ليصير إلى أن يخلوا من أراد، ويصيروا إلى ما أراد.
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقد غلط بهذا بعض من يشدد الولاية فقال:
يؤخذ الولي - بالولي - من المسلمين، وهذا مشرك يحل أن يؤخذ بكل جهة.
وقد قال رسول الله ﷺ لرجلين مسلمين:
«هذا ابنك؟» قال: نعم، قال: «أما إنه لا يجني عليك ولا تجنى عليه» الحديث، وقضى الله ﷿: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية.
ولما كان حبس هذا حلالًا بغير جناية غيره، وإرسأله مباحًا.
كان جائزًا أن يحبس بجناية غيره؛ لاستحقاقه ذلك بنفسه، ويخلى تطوعًا إذا نال به بعض ما يحب حابسه.
مختصر المزني: باب (في المرور بين يدي المصلي):
قال الشَّافِعِي ﵀: قيل: - أي: المحاور - فما يدل عليه من كتاب الله
من هذا؟
قيل: قضاء اللَّه (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية - والله أعلم - أنه
لا يبطل عمل رجل عمل غيره، وأن يكون سعى كل لنفسه وعليها، فلما كان هذا هكذا، لم يجز أن يكون مرور رجل يقطع صلاة غيره.
٣ / ١٢٩٥
قال الله ﷿: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)
الأم: المشي إلى الجمعة:
قال الشَّافِعِي ﵀: ومعقول أن السعي في هذا الموضع: العمل قال اللَّه ﷿: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) .
وقال: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) .
قال الشَّافِعِي ﵀: قال زهير:
سعى بعدهُمَ قومٌ لكي يُدْركُوهُمُ ... فلم يَفْعَلُوا ولم يُلِيمُوا ولم يَألُوا
مختصر المزني: مقدمه اختلاف الحديث:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقلت له - أي: للمحاور - قد روينا ورويت أن
رسول اللَّه ﷺ أمر امرأة أن تحج عن أبيها، ورجلًا أن يحج عن أبيه، فقلنا نحن وأنت به، وقلنا نحن وأنت معًا: لا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، ولا يصلي أحد عن أحد، فذهب بعض أصحابنا إلى أنَّ ابن عمر ﵄ قال: لا يحج أحد عن أحد، أفرأيت إن احتج له أحد ممن خالفنا فيه؟
فقال: الحج عمل على البدن كالصلاة والصوم، فلا يجوز أن يعمله المرء إلا عن نفسه، وتأول قول اللَّه ﷿:
(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) الآية.
وقال السعي: العمل، والمحجوج عنه غير عامل، فهل الحجة عليه إلا أن الذي روى هذا الحديث محمد رسول الله ﷺ؛
٣ / ١٢٩٦
ممن يثبت أهل الحديث حديثه، وأن اللَّه فرض طاعة رسوله ﷺ، وأن ليس لأحد خلافه، ولا التأول معه؛ لأنه المنزل عليه الكتاب المبين عن اللَّه معناه.
مختصر المزني (أيضًا) (باب (في بكاء الحي على الميت)
بعد أن ذكر حديث عمر ﵁:
«إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه الحديث.
وَرَد أم المؤمنين عائشة ﵂.
قال الشَّافِعِي ﵀: وما روت عائشة عن رسول الله ﷺ له أشبه أن يكون محفوظًا عنه، بدلالة الكتاب ثم السنة.
فإن قيل: فأين دلالة الكتاب؟
قيل في قوله ﷿ (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) الآية.
وذكر غيرها من الآيات المتعلقة بالموضوع
وحديث:»إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه.
* * *
قال الله ﷿: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (٤٣)
مختصر المزني: باب (في بكاء الحي على الميت):
قال الشَّافِعِي ﵀: فلما مات عمر ﵁ ذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله عمر، لا واللَّه ما حدث رسول الله ﷺ أن اللَّه يعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله ﷺ قال:
"إن الله يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه
٣ / ١٢٩٧
فقالت عائشة ﵂ حسبكم القرآن: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
وقال ابن عباس ﵄ عند ذلك.
واللَّه - قال: (أَضْحَكَ وَأَبْكَى) الآية.
قال ابن مليكة: فوالله ما قال ابن عمر من شيء.
* * *
قال الله ﷿: (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (٦١)
أحكام القرآن: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في آيات متفرقة):
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرني أبو عبد الله (أحمد بن محمد بن مهدي
الطوسي)، أخبرنا محمد بن النذر بن سعيد، أخبرنا محمد بن عبد الله بن
عبد الحكم قال:
سمعت الشَّافِعِي يقرل: في قول اللَّه ﷿: (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ) الآية، قال: يقال: هو الغناء، بالحميرية.
وقال بعضهم: غضاب مبرطِمُون.
قال الشَّافِعِي ﵀: من السمود، وكل ما يحدِّث الرجل به: فَلَهَا
عنه، ولم يستمع إليه فهو: السُّمُود.
٣ / ١٢٩٨
قال الله ﷿: (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)
الأم: باب (سجود التلاوة والشكر):
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي النجم سجدة. . . ثم يقول -: فأحب أن يبدأ
الذي يقرأ السجدة فيسجد، وأن يسجد من سمعه.
فإن قال قائل: فلعل أحد هذين الحديثين نسخ الآخر؟
قيل: فلا يدعي أحد أن السجود في النجم منسوخ إلا جاز لأحد أن يدعي أن ترك السجود منسوخ، والسجود ناسخ، ثم يكون أولى؛ لأن السنة السجود، لقول اللَّه جل وعز: (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا)
ولا يقال لواحد من هذا ناسخ ولا منسوخ، ولكن يقال هذا اختلاف من
جهة المباح.
مختصر المزني: باب (سجود القرآن):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأما حديث زيد أنه قرأ عند النبي ﷺ: (النجم)
فلم يسجد، فهو - والله أعلم - أن زيدًا لم يسجد وهو القارئ، فلم يسجد النبي ﷺ ولم يكن عليه فرضًا فيأمره النبي ﷺ به.
حدثنا الربيع:
٣ / ١٢٩٩
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن
عطاء بن يسار، أن رجلًا قرأ عند النبي ﷺ: (السجدة) فسجد، فسجد النبي ﷺ ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد، فلم يسجد النبي ﷺ فقال: يا رسول الله قرأ فلان عندك: (السجدة) فسجدت، وقرأت عندك (السجدة) فلم تسجد؟
فقال النبي ﷺ:
«كنت إمامًا فلو سجدت سجدت معك» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: إني لأحسبه زيد بن ثابت؛ لأنه يحكى أنه قرأ عند
النبي ﷺ: (النجم) فلم يسجد، وإنما روى الحديثين معًا، عطاء بن يسار.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأحب أن يبدأ الذي يقرأ: (السجدة) فيسجد.
ويسجدوا معه.
فإن قال قائل فلعل أحد هذين الحديثين. . . إلخ -
ثم كمل ما ورد في الفقرة الأولى حرفيًا -.
٣ / ١٣٠٠
سورة القمر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١)
الأم: القراءة في العيدين:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال، أخبرنا مالك بن أنس، عن ضَمرة بن سعيد المازني.
عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد اللَّه، أن عمر بن الخطاب ﵁، سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله ﷺ في الأضحى والفطر؛ فقال: كان رسول الله ﷺ يقرأ بـ: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) الآية، و(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأحبّ أن يُقرأ في العيدين في الركعة الأولى ب:
(ق)، وفي الركعة الثانية ب: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) الآية.
وكذلك أحب أن
٣ / ١٣٠١
يقرأ في الاستسقاء، وإن قرأ في الركعة الثانية من الاستسقاء:
(إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) أحببتُ ذلك.
الأم (أيضًا): باب (القراءة في العيدين والجمعة)
قال الربيع:
سألت الشَّافِعِي ﵀: بأي شيء تحب أن يقرأ في العيدين؟
فقال بـ:
(ق) و(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩)
الأم: القول في الإنصات عند رؤية السحاب والريح:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرني من لا أتهم قال، حدثنا العلاء بن راشد.
عن عكرمة، عن ابن عباس ﵄ قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي ﷺ على ركبتيه وقال: «اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: قال ابن عباس ﵄ في كتاب اللَّه ﷿:
(إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا) الآية.
٣ / ١٣٠٢
سورة الواقعة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (٣٥) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (٣٦) عُرُبًا أَتْرَابًا (٣٧)
الزاهر باب (اللعان):
قال - الشَّافِعِي ﵀: وقول اللَّه ﷿: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) الآية، أراد - واللَّه أعلم - وذوات فرش مرفوعة، والدليل على ذلك قول اللَّه ﷿: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (٣٥) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (٣٦) عُرُبًا أَتْرَابًا (٣٧) .
أراد إنا أنشأنا ذوات الفرش المرفوعة التي تقدم ذكرها.
قال الأزهري: - وعلى هذا التفسير يكون -: قوله ﷺ:
الولد للفراش وللعاهر الحجر» الحديث.
أي: الزاني الذي ليس بصاحب الفراش الخيبة، لا شيء له من الولد، وليس معنى الحجر: الرجم، وإنما هو كقولهم: له التراب، أي: الخيبة.
وقال أبو عبيد: معنى قوله: «وللعاهر الحجر» الحديث، أي: لا حق له في
النسب.
٣ / ١٣٠٣
قال الله ﷿: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشافعى بتفسير القرآن
ومعانيه وسبب نزوله):
وقرأت في كتاب السنن - رواية حرملة بن يحيى -:
عن الشَّافِعِي ﵀: في قول اللَّه تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)
قال: فاختلف فيها أهل التفسير:
فقال بعضهم: فَرَضَ لا يمسُّه إلا مُطَهَّر: يعني: متطهر تجوز له الصلاة.
وهذا المعنى تحتمله الآية: وذكر ما يشهد له من السنة.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد ذهب بعض أهل التفسير في قوله:
(لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الآية.
يعني: لا يمسه في اللوح المحفوظ إلا المطهرون من الذنوب.
يعني: الملائكة.
٣ / ١٣٠٤
سورة المجادلة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١)
الأم: باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وجاءته ﷺ امرأة أوس بن الصامت تشكو إليه أوسًا، فلم يجبها حتى أنزل اللَّه ﷿:
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ)
الأم: الخلاف في طلاق المختلعة:
قال الشَّافِعِي ﵀: فخالفنا بعض الناس في المختلعة، فقال: إذا طلقت
في العدة لحقها الطلاق، فسألته هل يروي في قوله خبرًا؛ فذكر حديثًا لا تقوم بمثله حجة عندنا ولا عنده، فقلت: هذا عندنا وعندك غير ثابت.
قال: فقد قال
٣ / ١٣٠٥
- به - بعض التابعين عندك لا يقوم به حجة لو لم يخالفهم غيرهم.
قال: فما حجتك في أن الطلاق لا يلزمها؟
قلت: حجتي فيه من القرآن، والأثر، والإجماع
على ما يدل على أن الطلاق لا يلزمها.
قال: وأين الحجة من القرآن؟
قلت: قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية -
وذكر أدلة أخرى على اللعان، والإيلاء، والميراث -.
الأم (أيضًا): ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﷿: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) الآية.
يعني: أن اللائي ولدنهم أمهاتهم بكل حال، الوارثات والموروثات المحرمات بأنفسهن، والمحرم بهن غيرهن اللائي لم يكن قط إلا أمهات، ليس اللائي يحدثن رضاعًا للمولود، فيكن به أمهات.
وقد كن قبل إرضاعه غير أمهات له، ولا أمهات المؤمنين عامة يحرمن بحرمة
أحدثنها، أو يحدثها الرجل، أو أمهات المؤمنين اللائي حرمن بأنهن أزواج النبي ﷺ، فكل هؤلاء يحرمن بشيء يحدثه رجل يحرمهن، أو يحدثته، أو حرمة النبي ﷺ، والأم
تحرم نفسها وترث وتورث، فيحرم بها غيرها، فأراد بها الأم في جميع معانيها لا في بعض دون بعض كما وصفنا ممن يقع عليه اسم الأم غيرها - والله أعلم -.
الأم (أيضًا): الخلاف في هذا الباب - أي: في عدد ما يحل من الحرائر والإماء. . .:
قال الشَّافِعِي ﵀: فقال بعض الناس إذا طلق الرجل أربع نسوة له
ثلاثًا، أو طلاقًا يملك الرجعة، أو لا رجعة له على واحدة منهن، فلا ينكح حتى
٣ / ١٣٠٦
تنقضي عدتهن، ولا يجمع ماءه في أكثر من أربع، ولو طلق واحدة ثلاثًا لم يكن له أن ينكح أختها في عدتها.
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت لبعض من يقول هذا القول: هل لمطلق نسائه
ثلاثًا زوجة؟
قال: لا: قلت: فقد أباح اللَّه ﷿ لمن لا زوجة له أن ينكح أربعًا، وحرم الجمع بين الأختين، ولم يختلف الناس في إباحة كل واحدة منهما إذا لم يجمع بينهما على الانفراد، فهل جمع بينهما إذا طلق إحداهما ثلاثًا؛ وقد حكم اللَّه بين الزوجين أحكامًا - منها -، وقال: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية.
الأم (أيضًا): من يقع عليه الطلاق من النساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ)
مع ما ذكر به الأزواج، ولم أعلم مخالفًا في أن أحكام اللَّه تعالى في الطلاق.
والظهار، والإيلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة النكاح يحل للزوج جماعها، وما يحل من امرأته، إلا أنه محرم الجماع في الإحرام والمحيض، وما أشبه ذلك حتى ينقضي.
الأم (أيضًا): من يجب عليه الظهار ومن لا يجب عليه:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎:
(الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) .
٣ / ١٣٠٧
قال الشَّافِعِي ﵀: فكل زوج جاز طلاقه، وجرى عليه الحكم، من بالغ غير مغلوب على عقله، وقع عليه الظهار، سواء كان حرًا أو عبدًا، أو من لم تكمل فيه الحرية، أو ذميًا، من قِبَلِ أن أصل الظهار كان طلاقَ الجاهلية، فحكم اللَّه تعالى فيه بالكفارة، فحرّم الجماع على التظاهر بتحريمه للظهار حتى يكفر، وكل هؤلاء ممن يلزمه الطلاق، ويحرم عليه الجماع بتحريمه إذا كانوا بالغين، غير مغلوبين على عقولهم.
الأم (أيضًا): الأيمان والنذور والكفارات في الأيمان:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقول اللَّه تعالى:
(وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) الآية.
ثم جعل فيه الكفارة.
* * *
قال الله ﷿: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) .
الأم: الظهار:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)
٣ / ١٣٠٨
قال الشَّافِعِي ﵀: سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يذكر أن
أهل الجاهلية كانوا يطلقون بثلاثة: (الظهار - والإيلاء - والطلاق) .
فأقرَّ الله الطلاق طلاقًا، وحكم في الإيلاء: بأن أمهل المُولي أربعة أشهر، ثم جعل عليه أن يفيء أو يطلق، وحكم في الظهار بالكفارة، فإذا تظاهر الرجل من امرأته يريد طلاقها، أو يريد تحريمها بلا طلاق، فلا يقع به طلاق بحال وهو متظاهر، وكذلك إذا تكلم بالظهار ولا ينوي شيئًا فهو متظاهر، لأنه متكلم بالظهار، ويلزم الظهار من لزمه الطلاق، ويسقط عمن سقط عنه، وإذا تظاهر الرجل من امرأته قبل أن يدخل بها، أو بعد ما دخل بها فهو متظاهر، وإذا طلقها فكان لا يملك رجعتها في العدة ثم تظاهر منها لم يلزمه الظهار، وإذا طلق امرأتين فكان يملك رجعة إحداهما، ولا يملك رجعة الأخرى، فتظاهر منهما في كلمة واحدة
لزمه الظهار من التي يملك رجعتها، ويسقط عنه من التي لا يملك رجعتها.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا تظاهر من أمته (أم ولد كانت، أو غير أم
ولد) لم يلزمه الظهار، لأن اللَّه ﷿ يقول:
(وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية.
وليست من نسائه ولا يلزمه الإيلاء، ولا الطلاق، فيما لا يلزمه الظهار.
الأم (أيضًا): متى يوجب على المظاهر الكفارة»:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎:
(وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) الآية.
٣ / ١٣٠٩
قال الشَّافِعِي ﵀: الذي عقلت مما سمعت في: (يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا)
الآية، أن المتظاهر حرم مس امرأته بالظهار، فإذا أتت عليه مدة بعد القول
بالظهار لم يحرمها بالطلاق الذي يحرّم به، ولا شيء يكون له مخرج من أن تحرم عليه به، فقد وجب عليه كفارة الظهار، كأنهم يذهبون إلى: أنه إذا أمسك ما حرَّم على نفسه أنه حلال، فقد عاد لما قال فخالفه، فأحلَّ ما حرّم.
ولا أعلم له معنى أولى به من هذا، ولم أعلم مخالفًا في أن عليه كفارة
الظهار، وإن لم يعد بتظاهر آخر، فلم يجز أن يقال: لما لم أعلم مخالفًا في أنه ليس بمعنى الآية.
وإذا حبس المتظاهر امرأته بعد الظهار قدر ما يمكنه أن يطلقها، ولم
يطلقها، فكفارة الظهار له لازمة.
ولو طلقها بعد ذلك، أو لاعَنَها فحرمت عليه على الأبد، لزمته كفارة
الظهار، وكذلك لو ماتت، أو ارتدت، فقتلت على الردة، ومعنى قول اللَّه تعالى: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
وقت لأن يؤدي ما أوجب عليه من الكفارة فيها
قبل الماسة، فإذا كانت المماسة قبل الكفارة فذهب الوقت، لم تبطل الكفارة، ولم يزد عليه فيها، كما يقال له أدِّ الصلاة في وقت كذا، وقبل وقت كذا، فيذهب الوقت فيؤديها؛ لأنها فرض عليه، فإذا لم يؤدها في الوقت أداها قضاء بعده، ولا يقال له زد فيها لذهاب الوقت قبل أن تؤديها.
الأم (أيضًا): باب (الخلاف في عدل الصيام والطعام):
قال الشَّافِعِي ﵀: حكم اللَّه على المظاهر إذا عاد لما قال:
(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فإن لم يجد (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)
فإن لم يستطع (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) .
٣ / ١٣١٠
فكان معقولًا أن إمساك المظاهر عن أن يأكل ستين يومًا
كإطعام ستين مسكينًا، وبهذا المعنى صرت إلى أن إطعام مسكين مكان كل يوم.
الأم (أيضًا): باب (عتق المؤمنة الظهار)
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا وجبت كفارة الظهار على الرجل وهو واجد لرقبة أو ثمنها، لم يجزه فيها إلا تحرير رقبة، ولا تجزئه رقبة على غير دين الإسلام؛ لأن اللَّه ﷿ يقول في القتل: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وكان شرط الله تعالى في رقبة القتل إذا كانت كفارة كالدليل -
واللَّه تعالى أعلم -.
الأم (أيضًا): من له الكفارة بالصيام في الظهار:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿:
(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآيتان.
٣ / ١٣١١
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا لم يجد المتظاهر رقبة يعتقها، وكان يطيق الصوم
فعليه الصوم، ومن كان له مسكين وخادم وليس له مملوك غيره، ولا ما يشتري به مملوكًا غيره كان له الصوم، ومن كان له مملوك غير خادمه ومسكن كان عليه أن يعتق، وكذلك لو كان ثمن مملوك، كان عليه أن يشتري مملوكًا فيعتقه.
الأم (أيضًا): الكفارة بالصيام:
قال الشَّافِعِي ﵀: ومن وجب عليه أن يصوم شهرين في الظهار، لم
يجزه إلا أن يكونا متتابعين كما قال الله عز ذكره، ومتى أفطر من عذر أو غير
عذر فعليه أن يستأنف، ولا يعتد بما مضى من صومه، وكذلك إن صام في
الشهرين يومًا من الأيام التي نهى النبي ﷺ عنها وهي خمس: (يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام منى الثلاث بعد النحر - أي: أيام التشريق -) استأنف الصوم بعد مضيهن، ولم يعتد بهن، ولا بما كان قبلهن، واعتد بما بعدهن، ومتى دخل عليه شيء يفطره في يوم من صومه استأنف الصوم حتى يأتي بالشهرين متتابعين ليس فيهما فطر، وإذا صام بالأهلة صام هلالين، وإن كانا تسعة، أو ثمانية وخمسين، أو ستين يومًا.
الأم (أيضًا): الكفارة بالإطعام:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)
الآيتان.
٣ / ١٣١٢
قال الشَّافِعِي ﵀: فمن تظاهر ولم يجد رقبة، ولم يستطع حين يريد الكفارة عن الظهار صوم شهرين متتابعين، بمرض أو علة ما كانت، أجزأه أن يطعم.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا يجزئه أن يطعم أقل من ستين مسكينًا، كل
مسكين مدًّا من طعام بلده الذي يقتاته.
ولو أطعم ثلاثين مسكينًا مُدَّين مُدَّين في يوم واحد، أو أيام متفرقة، لم يجزه
إلا عن ثلاثين، وكان متطوعًا بما زاد كل مسكين على مذ؛ لأن معقولًا عن اللَّه ﷿ إذا أوجب طعام ستين مسكينًا أن كل واحد منهم غير الآخر. ..
ولا يجزئه أن يعطيهم ثمن الطعام أضعافًا، ولا يعطيهم إلا مكيلة طعام
لكل واحد. ..
ولا يجوز أن يكسوهم مكان الطعام. ..
ولا يجزئه إلا مسكين مسلم، وسواء الصغير منهم والكبير، ولا يجزئه أن
يطعم عبدًا ولا مكاتبًا ولا أحدًا على غير دين الإسلام. ..
وُيكَفرُ في الإطعام قبل المسيس؛ لأنها في معنى الكفارة قبلها.
الأم (أيضًا): البحيرة والوصيلة والسائبة والحام:
قال الشَّافِعِي ﵀: تحرير الرقبة والأطعام ندب اللَّه إليه حين ذكر تحرير
الرقبة، وقال اللَّه ﷿ في المُظَاهَرة: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
الأم (أيضًا): ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقلت - أي: للمحاور -: وكذلك حين أوجب -
الله تعالى - عتق رقبة في الظهار.
ثم قال: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)
لم يكن له أن يصوم وهو يجد عتق رقبةٍ؟
قال: نعم.
٣ / ١٣١٣
الرسالة: باب (الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: وما الذي يغرم الرجل من جنايته
وما لزمه غير الخطأ؟
قلت: قال اللَّه: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) -
وذكر آيات غيرها مما يتعلق بالموضوع المطروح بالسؤال -.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الفقه)
أخبرنا محمد بن موسى قال: حدثنا أبو العباس قال: حدثنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: نال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
إلى قوله: (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) الآية.
فقلنا: لا يجزيه إلا رقبة مؤمنة، ولا يجزيه إلا أن يطعم ستين مسكينًا، والإطعام قبل أن يتماسا.
واذا ذكر اللَّه الكفارة في العتق في موضع فقال: (رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية.
ثم ذكر كفارة مثلها، فقال: (رقبة) - كما في الظهار - نعلم أن الكفارة لا
تكون إلا مؤمنة.
- ثم ساق الكلام إلى أن قال -: لأنهما مجتمعتان في أنهما
كفارتان - كما ذكر الشهود في البيع والزنا ولم يذكر عدلًا - وشرط ذلك في الإشهاد على الوصية - وشرط العدل واجتماعهما في أنهما شهادة يدل على أن لا تقبل فيها إلا العدول - وبسط الكلام فيه -.
٣ / ١٣١٤
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
الأم: الرجل يقيم الرجل من مجلسه يوم الجمعة:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع.
عن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه، ثم يخلفه فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأكره للرجل - من كان إمامًا أو غير إمام - أن
يقيم رجلًا من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن نأمرهم أن يتفسحوا.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال حدثني أبي، عن ابن
عمر ﵄، أن النبي ﷺ قال:
«لا يعمِد الرجل إلى الرجل فيقيمه من مجلسه ثم يقعد فيه» الحديث.
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال: قال
سليمان بن موسى، عن جابر ﵁ أن النبي ﷺ قال:
«لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل تفسحوا» الحديث.
٣ / ١٣١٥
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: إن اللَّه ﵎ لما خصَّ به رسوله من
وحيه، وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه، بالفرض على خلقه بطاعته
في غير آية من كتابه، فقال: (إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)
الأم: باب (الولاء والحِلْف):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تقدست أسماؤه:
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) الآية.
٣ / ١٣١٦
فميز اللَّه ﷿ بينهم بالدين، ولم يقطع الأنساب بينهم، فدل ذلك على أن الأنساب ليست من الدين في شيء.
الأنساب ثابتة لا تزول، والدين شيء يدخلون فيه، أو يخرجون منه.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى:
قال الشَّافِعِي ﵀: يقال - واللَّه أعلم -: إن بعض المسلمين تأثَّمَ من صلة المشركين، أحسب ذلك، لما نزل فرض جهادهم، وقطع الولاية بينهم وبينهم، ونزل:
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) . الآية.
٣ / ١٣١٧
سورة الحشر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)
الأم: العبد المسلم يأبق إلى أهل دار الحرب:
قال الشَّافِعِي ﵀: كل ما كان مما يملكون لا روح له، فإتلافه مباح بكل وجه، وكل ما زعمت أنه مباح، فحلال للمسلمين فعله، وغير محرم عليهم تركه. ..
قال اللَّه ﵎ في بني النضير حين حاربهم رسول الله ﷺ: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم، وإخراب المؤمنين
بيوتهم، وَوَصفُه إياه جل ثناؤه كالرضا به.
الأم (أيضًا): قطع أشجار العدو:
بعد أن ذكر قول أبي حنيفة وقول الأوزاعي،
٣ / ١٣١٨
قال الشَّافِعِي ﵀: قال أبو يوسف ﵀: أخبرنا الثقة من أصحابنا.
عن أصحاب رسول الله ﷺ أنهم كانوا وهم محاصرو بني قريظة إذا غلبوا على دارٍ من دورهم أحرقوها، فكان بنو قريظة يخرجون فينقضونها ويأخذون حجارتها ليرموا بها المسلمين، وقطع المسلمون نخلًا من نخلهم فأنزل الله: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: يقطع النخل ويحرق، وكل ما لا روح فيه كالمسألة قبلها، ولعل أمر أبي بكر ﵁ بأن يكفوا عن أن يقطعوا شجرًا مثمرًا، إنما هو؛ لأنه سمع رسول الله ﷺ يخبر أن بلاد الشام تفتح على المسلمين، فلما كان مباحًا له أن يفطع ويترك، اختار الترك نظرًا للمسلمين، وقد قطع رسول اللَّه ﷺ يوم بنى النضير، فلما أسرع في النخل، قيل له: قد وعدكها الله، فلو استبقيتها
لنفسك، فكفَّ القطعَ استبقاء، لا أن القطع محرّم.
فإن قال قائل: قد ترك في بني النضبر بعد القطع فهو ناسخ له؟
فقد قطع بخيبر وهي بعد بنى النضير، قيل: ثم قطع بالطائف، وهي بعد هذا كله، وآخر غزاة لقي فيها رسول الله ﷺ قتالًا.
* * *
قال الله ﷿: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (٥)
الأم: العبد المسلم يأبق إلى دار الحرب:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأمر رسول الله ﷺ بقطع نخل من ألوان نخلهم، فأنزل اللَّه ﵎ رضًا بما صنعوا من قطع نخيلهم: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) .
٣ / ١٣١٩
فرضي القطع وأباح الترك، فالقطع والترك موجودان في الكتاب والسنة.
وذلك أن رسول الله ﷺ قطع نخل بني النضير وترك، وقطع نخل غيرهم وترك، وممن غزا من لم يقطع نخله.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن
نافع، عن ابن عمر ﵄: «أن رسول الله ﷺ قطع نخل بني النضير» الحديث.
أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن ابن شهاب ﵀: «أن رسول
الله ﷺ حرَّق أموال بني النضير»
فقال قائل:
وهان على سُراةِ بني لُؤَي ... حَريق بالبُويرةِ مُستَطِيرُ
فإن قال قائل: ولعل النبي ﷺ حرَّق مال بني النضير ثم ترك.
قيل: على معنى ما أنزل اللَّه ﷿، وقد قطع وحرق بخيبر، وهي بعد - بني - النضير، وحرق بالطائف وهي آخر غزاة قابل بها، وأمر أسامة بن زيد أن يحرق على أهل (أبنَى) .
٣ / ١٣٢٠
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا بعض أصحابنا، عن عبد اللَّه بن جعفر
الأزهري قال: سمعت ابن شهاب يحدث عن عروة بن أسامة بن زيد قال:
أمرني رسول الله ﷺ أن أغزو صباحًا على أهل (أبنى) وأحرِّق«الحديث.
الأم (أيضًا): في قطع الشجر وحرق المنازل:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا بأس بقطع الشجر المثمر - وغير المثمر -.
وتخريب العامر، وتحريفه من بلاد العدو، وكذلك لا بأس بتحريق ما قدر لهم عليه من مال وطعام لا روح فيه؛ لأن رسول الله ﷺ حرق نخل بني النضير، وأهل خيبر، وأهل الطائف، وقطع، فأنزل الله ﷿ في بني النضير: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا) فأما ماله روح: فإنه يالم مما أصابه فقتله محرم، إلا بأن يذبح فيؤكل، ولا يحل قتله لمغايظة العدو؛ لأن رسول الله ﷺ قال:
من قتل عصفورًا فما فوقها بغير حقها سأله الله عنها»
قيل: وما حقها يا رسول الله؟
قال: «يدعها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي به» الحديث.
الأم (أيضًا) ما عجز الجيش عن حمله من الغنائم:
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: وإذا أصاب المسلمون غنائم، من متاع أو
غنم فعجزوا عن حمله، ذبحوا الغنم، وحرقوا المتاع، وحرقوا لحوم الغنم كراهية أن ينتفع بذلك أهل الشرك.
٣ / ١٣٢١
وقال الأوزاعي ﵀ نهى أبو بكر أن تعفر بهيمة إلا لمأكلة، وأخذ
بذلك أئمة المسلمين وجماعتهم حتى إن كان علماؤهم ليكرهون للرجل ذبح
الشاة والبقرة ليأكل طائفة ويدع سائرها.
وقال أبو يوسف ﵀: قول اللَّه في كتابه أحق أن يتبع، قال اللَّه:
(مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) .
واللينة فيما بلغنا: النخلة. وكل ما قطع من شجرهم وحُرِّق من نخلهم
ومتاعهم، فهو من العون عليهم والقوة.
قال الشَّافِعِي ﵀: أما كل ما لا روح فيه للعدو، فلا بأس أن يحرقه
المسلمون، ويخربوه بكل وجه؛ لأنه لا يكون معذبًا، إنما - يكون - المعذب ما يألم بالعذاب من ذوات الأرواح، قد قطع رسول الله ﷺ أموال بني النضير، وحرقها، وقطع من أعناب الطائف، وهي آخر غزاة غزاها النبي ﷺ، لقي فيها
حربًا.
أما ذوات الأرواح فإن زُعم أنها قياس على ما لا روح فيه.
فليقل للمسلمين: أن يحرقوها كما لهم أن يحرقوا النخل والبيوت، فإن زعم أن المسلمين ذبحوا ما يذبح منها، فإنما أحِل ذبحها للمنفعة، أن تكون مأكولة.
الأم (أيضًا) قطع أشجار العدو:
قال أبو حنيفة ﵀: لا بأس بقطع شجر المشركين ونخيلهم وتحريق
ذلك؛ لأن الله ﷿ يقول: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) الآية.
٣ / ١٣٢٢
وقال الأوزاعي ﵀: أبو بكر يتأول هذه الآية، وقد نهى عن ذلك.
وعمل به أئمة المسلمين.
وقال أبو يوسف ﵀: أخبرنا الثقة من أصحابنا، عن أصحاب رسول
الله ﷺ أنهم كانوا وهم محاصرو بني قريظة إذا غلبوا على دار من دورهم أحرقوها، فكان بنو قريظة يخرجون، فينقضونها، ويأخذون حجارتها؛ ليرموا بها المسلمين، وقطع المسلمون نخلًا من نخلهم فأنزل الله: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)
وأنزل اللَّه ﷿: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: يقطع النخل ويحرق، وكل ما لا روح فيه كالمسألة
قبلها..
ثم ذكر ما كثب في تفسير الآية / ٢، فلا حاجة لتكرارها حول هذه النقطة.
* * *
قال الله ﷿ (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ)
الأم: قَسمُ الغنيمة والفيء:
قال الشَّافِعِي ﵀: وما أخذ من مشرك بوجه من الوجوه، غير ضيافة
من مر بهم من المسلمين، فهو على وجهين لا يخرج منهما، كلاهما مبين قي
كتاب الله تعالى، وعلى لسان رسوله ﷺ، وفي فعله ﵊:
٣ / ١٣٢٣
ئأحدهما: الغنيمة. قال الله ﷿ في سورة الأنفال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) .
والوجه الثاني: الفيء. وهو مقسوم في كتاب الله ﷿ في سورة الحشر، قال الله ﵎: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) إلى قوله: (رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
فهذان المالان اللذان خولهما الله تعالى من جعلهما له من
أهل دينه، وهذه أموال يقوم بها الولاة لا يسعهم تركها، وعلى أهل الذمة
ضيافة، وهذا صلح صولحوا عليه غير مؤقت، فهو لمن مرَّ بهم من المسلمين
خاص دون العام من المسلمين خارج من المالين.
وعلى الإمام إن امتنع من صولح على الضيافة من الضيافة أن يُلزمُه إياها.
الأم (أيضًا): الخمس فيما لم يوجف عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: فلما وجدتُ الله ﷿ قد قال في سورة الحشر: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) الآية.
فحكم فيها حكمه فيما أوجف عليه بالخيل والركاب.
ودلت السنة على أن ذلك الحكم على خمسها، علمتُ أن النبي ﷺ قد أمضى لمن جعل الله له شيئًا مما جعل الله له، وإن لم نُثبت فيه خبرًا عنه، كخبر جبير بن مطعم عنه في سهم ذي القربى من الموجف عليه، كما علمت أن قد أنفذ لليتامى والمساكين وابن السبيل فيما أوجف عليه، مما جُعل لهم بشهادة أقوى من خبر رجل عن رجل، بأن اللَّه ﷿ قد أدَّى إليه رسوله، كما أوجب عليه أداءه والقيام به.
٣ / ١٣٢٤
الأم (أيضًا): كتاب (السبق والنضال)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﵎: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وهذا - أي: السبق - داخل في معنى ما ندب الله ﷿ إليه، وحَمِدَ عليه أهل دينه من الأعداد لعدوه القوة ورباط الخيل، والآية الأخرى:
(فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية؛ لأن هذه الركاب لما كان السبق عليها، يرغب أهلها في اتخاذها لآمالهم إدراك السبق فيها، والغنيمة عليها، كانت من العطايا الجائزة بما وصفتها، فالاستباق فيها حلال، وفيما سواها محرم.
الأم (أيضًا): الرجل يغنم وحده:
قال الشَّافِعِي ﵀: بعث رسول الله ﷺ عمرو بن أمية الضمري، ورجلًا من الأنصار، سرية وحدهما، وبعث عبد اللَّه بن أنيس سرية وحده، فإذا سن رسول الله ﷺ أن الواحد يتسرى وحده، وكثر منه من العدد، ليصيب من
العدو غِرَّة بالحيلة، أو يعطب، فيعطب في سبيل اللَّه، وحكم الله بأن ما أوجف عليه المسلمون فيه الخمس، وسن رسول الله ﷺ أن أربعة أخماسه للموجفين.
فسواء قليل الموجفين وكثيرهم، لهم أربعة أخماس ما أوجفوا عليه.
فأما ما احتج به - يقصد: أبا يوسف ﵀ من قول اللَّه ﷿: (فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية، وحكم اللَّه في أن ما لا يوجفون عليه بخيل ولا ركاب لرسول اللَّه ﷺ ومن سمى معه، فإنما أولئك قوم قاتلوا بالمدينة
٣ / ١٣٢٥
بني النضير، فقاتلوهم بين بيوتهم، لا يوجفون بخيل ولا ركاب، ولم يكلفوا مؤنة، ولم يفتتحوا عنوة، وإنما صالحوا وكان الخمس لرسول اللَّه ﷺ ومن ذكر معهم، والأربعة الأخماس التي تكون لجماعة المسلمين، لو أوجفوا الخيل والركاب لرسول الله ﷺ خالصًا يضعها حيث يضع ماله، ثم أجمع أئمة المسلمين على أنه
ما كان لرسول الله ﷺ من ذلك فهو لجماعة المسلمين؛ لأن أحدًا لا يقوم بعده
مقامه ﷺ، ولو كانت حجة أبي يوسف ﵀ في اللذين دخلا سارقين أنهما لم يوجفا بخيل ولا ركاب، كان ينبغي أن يقول: يخمس ما أصاب، وتكون الأربعة الأخماس لهما؛ لأنهما موجفان.
فإن زعم أنهما غير موجفين انبغى أن يقول: هذا لجماعة المسلمين، أو الذين
زعم أنهم ذكروا مع رسول الله ﷺ في سورة الحشر فما قال بما تأول، ولا بكتاب في الخمس، فإن الله ﷿ أثبته في كل غنيمة تصير من مشرك أوجف عليها أو لم يوجف.
قال الله ﷿: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)
الأم: قسم الغنيمة والفيء:
انظر تفسير الآية السابقة فهما مرتبطان ببعضهما في التفسير.
٣ / ١٣٢٦
الأم (أيضًا): الرجل يغنم وحده:
انظر تفسير الآية السابقة فبعد أن ذكر الشَّافِعِي ﵀ آراء العلماء في
الرجل يغنم وحده واستشهاد أبي يوسف ﵀ بالآيتين:
(وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ)
وقال: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) الآية.
في رده على الإمام الأوزاعي ﵀ أي: ردَّ الشَّافِعِي - على هذه الآية باجتهاده على مستوى الدليل
الوارد في الآيتين / ٦ و٧ من سورة الحشر، ومن السنة النبوية - وقد سبق بيانه في تفسير الآية / ٦ السابقة -.
الأم (أيضًا): الخمس فيما لم يوجف عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: قك - أي: للمحاور - لما احتمل قول عمر ﵁ أن يكون الكل لرسول الله ﷺ، وأن تكون الأربعة الأخماس التي كانت تكون للمسلمين، فيما أوجف عليه لرسول الله ﷺ دون الخمس، فكان النبي ﷺ يقوم فيها مقام المسلمين، استدللنا بقول اللَّه ﷿ في الحشر: (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) الآية.
على أن لهم الخمس، وأن الخمس إذا كان لهم، ولا يُشَكُّ أن
النبي ﷺ سلمه لهم، فاستدللنا إذ كان حكم الله ﷿ في الأنفال:
٣ / ١٣٢٧
(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)
فاتفق الحكمان في سورة الحشر، وسورة الأنفال لقوم موصوفين، وإنما لهم من ذلك الخمس لا غيره.
فقال - أي: المحاور -: فيحتمل أن يكون لهم مما لم يوجف عليه الكل؟
قلت: نعم، فلهم الكل وندع الخبر، قال لا يجوز عندنا ترك الخبر، والخبر يدل على معنى الخاص والعام.
فقال لي قائل غيره: فكيف زعمت أن الخمس ثابت في الجزية، وما أخذه
الولاة من مشرك بوجه من الوجوه، فذكرت له الآية في الحشر.
قلت: في هذا كفاية، وفي أن أصل ما قسم اللَّه من المال ثلاثة وجوه:
١ - الصدقات: وهي ما أخذ من مسلم، فتلك لأهل الصدقات لا لأهل الفيء.
٢ - ما غُنِم بالخيل والركاب فتلك: على ما قسم الله ﷿.
٣ - والفيء: الذي - لا يوجف عليه بخيل ولا ركاب.
فهل تعلم رابعًا؛ قال: لا.
قلت فبهذا قلنا: الخمس ثابت لأهله في كل ما أخذ من مشرك؛ لأنه لا يعدو ما أخذ منه أبدًا أن يكون غنيمة، أو فيئًا.
والفيء: ما رده اللَّه تعالى على أهل دينه من مال - من خالف دينه -.
الأم: (أيضًا) المُدَّعي والمُدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال - أي: المحاور - فإنه بلغني أن رسول الله ﷺ قال: «ما جاءكم عني فاعرضوه على القرآن، فإن وافقه فأنا قلته، وإن خالفه فلم أقله» الحديث.
٣ / ١٣٢٨
فقلت له: فهذا غير معروض عندنا عن رسول الله ﷺ، والمعروض عن رسول اللَّه ﷺ عندنا خلاف هذا، وليس يعرف ما أراد خاصًا وعامًا، وفرضًا وأدبًا، وناسخًا ومنسوخًا إلا بسنته ﷺ فيما أمره الله ﷿ به، فيكون الكتاب بحكم الفرض، والسنة تبينه.
قال: وما دل على ذلك؛ فلت: قول الله ﷿:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية.
فقد بين الله ﷿: أن الرسول قد يسن - السنة
ليست بنص في كتاب -، وفرض اللَّه على الناس طاعته.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا سفيان بن عيينة، قال: حدثني سالم أبو
النضر، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما نهيت عنه، أو أمرت به، فيقول: ما ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقلت له: لو كان هذا الحديث الذي احتججت
به ثابتًا كنت قد تركته فيما وصفنا وفيما سنصف بعض ما يحضرنا منه، إن شاء الله تعالى.
الأم: (أيضًا): باب (حكاية الطائفة التي ردت الأخبار):
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت - أي: للمحاور -: لفد فرض اللَّه جل وعز علينا اتباع أمره ﷺ، فقال:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية.
٣ / ١٣٢٩
قال - أبي: المحاور -: إنه ليبين في التنزيل أن علينا فرضًا أن نأخذ الذي
أمرنا به، وننتهي عما نهانا رسول الله ﷺ.
قال: قلت: والفرض علينا، وعلى من هو قبلنا، ومن بعدنا واحد؟
قال: نعم.
فقلت: فإن كان ذلك علينا فرضًا في اتباع أمر رسول الله ﷺ، أنحيط أنه إذا فرض علينا شيئًا فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرضه؛ قال: نعم.
قلت: فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض اللَّه ﷿ في اتباع أوامر رسول الله ﷺ.
أو أحد قبلك، أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله ﷺ إلا بالخبر عن رسول الله ﷺ
قال: ما أجد السبيل إلى تأدية فرض اللَّه إلا بقبول الخبر عن رسول الله ﷺ، وإن في أن لا آخذ ذلك إلا لما دلَّني على أن اللَّه أوجب على أن أقبل عن رسول الله ﷺ.
الأم (أيضًا): بيان فرائض الله تعالى:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: فرض اللَّه ﷿ الفرائض - في كتابه من وجهين:
أحدهما: أبان فيه كيف فرض بعضها، حتى استغني فيه بالتنزيل عن
التأويل، وعن الخبر.
والآخر: أنه أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هي على لسان نبيه ﷺ، ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله ﷺ في كتابه بقوله ﷿:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية.
وبقوله تبارك اسمه:
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥) .
٣ / ١٣٣٠
وبقوله ﷿:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)
مع غير آية في القرآن بهذه المعنى، فمن قبل عن رسول الله ﷺ فبفرض اللَّه ﷿ قَبِل.
الأم (أيضًا): باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي رحمه اطه: فإن قيل: فما الجملة؛ قيل: ما فرض اللَّه من صلاة
وزكاة وحج، فدل رسول الله ﷺ كيف الصلاة وعددها ووقتها والعمل فيها؟
وكيف الزكاة وفي أي المال هي؟ وفي أي وقت هي؟ وكم قَدرها؟ وبين كيف الحج والعمل فيه وما يدخل به فيه، وما يخرج به منه.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قيل: فهل يقال لهذا كما قيل للأول قبل عن
الله؟
قيل: نعم، فإن قيل: فمن أين قبل؟
قيل: قبل عن الله، لكلامه جملة وقَبِل تفسيره عن اللَّه، بأن اللَّه فرض طاعة نبيه ﷺ فقال ﷿: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية.
مناقب الشَّافِعِي ﵀: باب (ما يستدل به على فقه الشَّافِعِي وتقدمه فيه
وحسن استنباطه):
قال البيهقي ﵀: أخبرنا محمد بن الحسن السلمي قال: سمعت أحمد
ابن الحسن الأصبهاني يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن بشر الحافظ يقول:
سمعت عبد اللَّه بن محمد بن هارون يقول:
٣ / ١٣٣١
سمعت محمد بن إدريس الشَّافِعِي ﵀ يقول بمكة: سلوني عما شئتم
أخبركم من كتاب اللَّه وسنة نبيه ﷺ، فقال له رجل:
أصلحك اللَّه، ما تقول في المُحرم قتل زُنبورًا؛ قال:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال اللَّه تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) الآية، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة ﵁ قال: قال رسول اللَّه ﷺ:
اقتدوا باللَّذَين من بعدي: أبي بكر وعمر ﵄
وحدثنا سفيان، عن مِسعر، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عمر ﵁ أنه أمر بقتل الزُنبور.
قال البيهقي ﵀: ورأيته في (كتاب أبي نعيم الأصبهاني) بإسناد له
عن أبي بكر بن محمد بن يزيد بن حكيم المستملي.
عن الشَّافِعِي ﵀: غير أنه جعل السؤال عن كل فرخ الزنبور.
وقال في الإسناد: حدثنا سفيان، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن
مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة، وقال في إسناده حديث عمر: حدثونا عن إسرائيل، قال المستملي: حدثنا أبو أحمد، عن إسرائيل، عن ابراهيم بن
عبد الأعلى، عن سُوَيد بن غفلة، أن عمر بن الخطاب ﵁ أمر بقتل الزنبور.
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي المعقول أن ما أمر بقتله فحرام أكله.
٣ / ١٣٣٢
قال الله ﷿: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ)
أحكام القرآن: الإذن بالهجرة:
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم دخل أهل المدينة في الإسلام، فأمر رسول اللَّه ﷺ فهاجرت إليهم، غير مُحَرّم على من بقي ترك الهجرة.
وذكر اللَّه ﷿ أهل الهجرة فقال:
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ)
وقال: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) الآية.
آداب الشَّافِعِي ومناقبه: ما ذكر من مناظرة الشَّافِعِي لمحمد بن الحسن وغيره:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿:
(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ) الآية
نسب الدار إلى مالكها؛ أو غير مالكها؟!
وقال النبي ﷺ يوم فتح مكة:
«من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» الحديث.
وقوله ﷺ:
«هل ترك عقيل لنا من رِبَاع» الحديث.
نسب الديار إلى أربابها؛ أو إلى غير أربابها؟
وقال لي: اشترى عمر بن الخطاب ﵁ دار السجن من
مالكِ؟ أو من غير مالك؟ فلما علمت أن الحجة قد لزمنني قمت.
٣ / ١٣٣٣
وجاء في طبقات الشَّافِعِية: قال إسحاق فقلت: الدليل على صحة
قولي: أن بعض التابعين قال به: فقال الشَّافِعِي لبعض الحاضرين: من هذا؟
فقيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي (ابن راهويه) .
فقال الشَّافِعِي ﵀: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم؟
قال إسحاق: هكذا يزعمون.
فقال الشَّافِعِي ﵀: ما أحوجني أن يكون غيرك، فكنت آمر بعرك
أذنيه، أقول: قال رسول الله ﷺ، وأنت تقول: قال: عطاء، وطاووس، والحسن، وإبراهيم؟!
وهل لأحد مع رسول الله ﷺ حجة؟!
* * *
قال الله ﷿: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ)
الرسالة: باب (فرض الصلاة الذي دل الكتاب ثن السنة على من تزول عنه
بالعذر..):
قال الشَّافِعِي ﵀: جماع الإحصان أن يكون دون التحصين مانع من
تناول المحرم، فالإسلام مانع، وكذلك الحرية مانعة، وكذلك الزوج والإصابة مانع، وكذلك الحبس في البيوت مانع، وكل ما منع أحْصَن.
قال الله تعالى: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ)
وقال: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ) .
يعني ممنوعة.
٣ / ١٣٣٤
سورة الممتحنة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)
الأم: المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين:
قيل للشافعي: أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب، بأن
المسلمين يريدون غزوهم، أو بالعورة من عوراتهم، هل يحل ذلك دمه، ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين - على المسلمين -؟
قال الشَّافِعِي ﵀: لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام، إلا أن
يقتل، أو يزني بعد إحصان، أو يكفر كفرًا بينًا بعد إيمان، ثم يثبتَ على الكفر.
وليس الدلالة على عورة مسلم، ولا تأييد كافر بأن يحذِّر أن المسلمين يريدون منه غِرَّة ليحذرها، أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بيِّنٍ.
فقلت للشافعي: - أي: قال الربيع: للشافعي -:
أقلت هذا خبرًا أم قياسًا؟
قال: قلته بما لا يسع مسلمًا علمه عندي، أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد
الاستدلال بالكتاب.
٣ / ١٣٣٥
فقيل للشافعي: فاذكر السنة فيه.
قال: أخبرنا سلمان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد.
عن عبيد اللَّه بن رافع قال سمعت عليًا يقول: بعثنا رسوله الله ﷿ أنا والمقداد والزبير فقال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب».
فخرجنا تُعادي بنا خيلنا، فإذا نحن بالظعينة، ففلنا لها: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، فقلنا لتخرجن الكتاب، أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله ﷺ، فإذا فيه:
«من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة»
يخبر ببعض أمر النبي ﷺ قال: «ما هذا يا حاطب؟!
قال: لا تعجل على يا رسول اللَّه إني كنت امرأً ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قرابائهم، ولم يكن لي بمكة قرابة، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدًا، واللَّه ما فعلته شكًا في ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.
فقال رسول الله ﷺ:
»إنه قد صدق«.
فقال عمر ﵁ يا رسول الله.
دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي ﷺ:
»إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله ﷿ قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" الحديث.
قال فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: في هذا الحديث مع ما وصفنا لك، طرح الحكم
باستعمال الظنون؛ لأنه لما كان الكتاب
٣ / ١٣٣٦
١ - يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال: من أنه لم يفعله شاكًا في
الإسلام -، وأنه فعله ليمنع أهله.
٢ - ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام.
٣ - واحتمل المعنى الأقبح - أي: النفاق -.
كان القول قوله، فيما احتمل فعله، وحكم رسول الله ﷺ فيه بأن لم يقتله.
ولم يستعمل عليه الأغلب، ولا - أعلم - أحدًا أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا؛ لأن أمر رسول الله ﷺ مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده، فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله ﷺ ورسول الله ﷺ يريد غرَّتهم فصدَّقه، - على - ما عاب عليه - من ذلك غير مستعمل عليه - الأغلب مما يقع في النفوس، فيكون لذلك مقبولًا كان من بعده في أقل من حاله، وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه.
قيل للشافعي: أفرأيت إن قال قائل: إن رسول الله ﷺ قال: «قد صدق»
إنما تركه لمعرفته بصدقه، لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره.
فيقال له: قد علم رسول الله ﷺ أن المنافقين كاذبون، وحقن دماءهم بالظاهر، فلو كان حكم النبي رسول الله ﷺ في حاطب بالعلم بصدقه، كان حكمه على المنافقين: القتل بالعلم بكذبهم، ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر.
وتولى الله ﷿ منهم السرائر، ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكمًا له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية، وكل ما حكم به رسول الله ﷺ فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصًا، أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجهلوا له سنة، أو يكون ذلك موجودًا في كتاب الله ﷿.
٣ / ١٣٣٧
قال الله ﷿: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ)
الأم: جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه:
قال - الشَّافِعِي ﵀: صالح رسول الله ﷺ قريشًا بالحديبية على أن يرد من جاء منهم، فأنزل اللَّه ﵎ في امرأة جاءته منهم مسلمة: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) الآية.
ففرض الله ﷿ عليهم أن لا ترد النساء، وقد أعطوهم رد من جاء منهم، وهن منهم.
فحبسهن رسول الله ﷺ بأمر الله ﷿.
الأم (أيضًا): جماع الهُدنَة على أن يرد الإمام من جاء بلده مسلمًا أو مشركًا:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي، أن رسول
الله ﷺ هادن قريشًا عام الحديبية، على أن يأمن بعضهم بعضًا، وأن من جاء قريشًا من المسلمين مرتدًا لم يردوه عليه، ومن جاء إلى النبي ﷺ بالمدينة منهم
رده عليهم، ولم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلمًا إلى غير المدينة في بلاد الإسلام والشرك، وإن كان قادرًا عليه، ولم يذكر أحد منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئًا من هذا الشرط. . .
٣ / ١٣٣٨
حتى جاءته أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط، مسلمة مهاجرة، فنسخ اللَّه ﷿ الصلح في النساء، وأنزل اللَّه ﵎: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ) الآية كلها وما بعدها.
قال الشَّافِعِي ﵀: ويجوز للإمام من هذا، ما روي أن رسول الله ﷺ فعل في الرجال دون النساء؛ لأن الله ﷿ نسخ ردَّ النساء إن كن في الصلح، ومنع أن يرددن بكل حال.
الأم (أيضًا): أصل نقض الصلح فيما لا يجوز:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقدمت عليهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط.
مسلمة مهاجرة، فجاء أخواها يطلبانها فمنعها منهما، وأخبر أن اللَّه ﷿ نقض الصلح في النساء، وحكم فيهن غير حكمه في الرجال.
وإنما ذهبتُ - القول: للشافعي - إلى أن النساء كن في صلح الحديبية، بأنه لو لم يدخل ردهن في الصلح، لم يعط أزواجهن فيهن عوضًا - واللَّه تعالى أعلم -.
قال الشَّافِعِي ﵀: وذكر بعض أهل التفسير، أن هذه الآية نزلت فيها:
(إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ)
قرأ الربيع الآية، ومن قال إن النساء كن في الصلح قال: بهذه الآية مع الآية التي في: (بَرَآءَة) .
الأم (أيضًا): جماع الصلح في المؤمنات:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿:
(إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ)
قرأ الربيع الآية.
٣ / ١٣٣٩
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان بينًا في الآية منع المؤمنات المهاجرات من أن
يرددن إلى دار الكفر، وقطع العصمة بالإسلام بينهن وبين أزواجهن، ودلت السنة على أن قطع العصمة إذا انقضت عددهن ولم يسلم أزواجهن من المشركين.
وكان بينًا فيها: أن يرد على الأزواج نفقاتهم، ومعقول فيها أن نفقاتهم التي
ترد نفقات: اللائي ملكوا عقدهن، وهي: المهور، إذا كان قد أعطوهن إياها.
وبين أن الأزواج الذين يعطون النفقات؛ لأنهم الممنوعون من نسائهم.
وأن نساءهم المأذون للمسلمين بأن ينكحوهن إذا آتوهن أجورهن؛ لأنه لا
إشكال عليهم في أن ينكحوا غير ذوات الأزواج، إنما كان الإشكال في نكاح ذوات الأزواج حتى قطع اللَّه ﷿ عصمة الأزواج بإسلام النساء، وبين رسول الله ﷺ أن ذلك بمضي العدة قبل إسلام الأزواج، فلا يُؤتى أحد نفقته من امرأة
فاتت إلا ذوات الأزواج، وقد قال اللَّه ﷿ للمسلمين:
(وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية، فأبانهن من المسلمين، وأبان رسول الله ﷺ له أن ذلك بمضي
العدة، فكان الحكم في إسلام الزوج، الحكم في إسلام المرأة لا يختلفان.
قال الشَّافِعِي ﵀: (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) .
يعني - واللَّه أعلم - أن أزواج المشركات من المؤمنين إذا منعهم المشركون إتيان أزواجهم بالإسلام، أوتوا ما دفع إليهن الأزواج من المهور، كما يؤدي
المسلمون ما دفع أزواج المسلمات من المهور وجعله اللَّه ﷿ حكمًا بينهم.
الأم (أيضًا): نكاح نساء أهل الكتاب وتحريم إمائهم:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎؛ (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) إلى: (وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
٣ / ١٣٤٠
قال الشَّافِعِي ﵀: فزعم بعض أهل العلم بالقرآن أنها نزلت في
مهاجرة من أهل مكة فسماها بعضهم ابنة عقبة بن أبي معيط، وأهل مكة أهل
أوثان، وأن قول اللَّه ﷿: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)
نزلت فيمن هاجر من أهل مكة مؤمنًا، - قال الربيع -: وإنما نزلت في الهدنة.
الأم (أيضًا): فسخ نكاح الزوجين يسلم أحدهما:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) إلى قوله: (وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) .
وقال ﵎:
(وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: نزلت في الهدنة التي كانت بين النبي ﷺ وبين أهل مكة وهم أهل أوثان
وعن قول اللَّه ﷿: (فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ)
فاعرضوا عليهن الإيمان، فإن قبلن وأقررن به فقد علمتموهن مؤمنات.
وكذلك علم بني آدم الظاهر:
وقال ﵎: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ)
يعني: بسرائرهن في إيمانهن وهذا يدل على أن لم يُعط أحد من بَني آدم
أن يحكم على غير ظاهر.
ومعنى الآيتين واحد، فإن كان الزوجان وثنيين فأيهما أسلم أولًا.
فالجماع ممنوع حتى يسلم المتخلف عن الإسلام منهما، لقول اللَّه تعالى:
(لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
٣ / ١٣٤١
وقوله: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية.
فاحتملت العقدة أن تكون
منفسخة إذا كان الجماع ممنوعًا بعد إسلام أحدهما، فإنه لا يصلح لواحد منهما إذا كان أحدهما مسلمًا والآخر مشركًا أن يبتدئ النكاح، واحتملت العقدة أن لا تنفسخ إلا أن يثبت المتخلف عن الإسلام منهما على المتخلف عنه، مدة من المدد، فيفسخ النكاح إذا جاءت تلك المدة قبل أن يسلم، ولم يكن يجوز أن يقال: لا تنقطع العصمة بين الزوجين حتى يأتي على المتخلف منهما عن الإسلام مدة قبل أن يسلم إلا بخبر لازم.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأخبرنا جماعة من أهل العلم من قريش، وأهل
الغازي وغيرهم، عن عدد قبلهم، أن أبا سفيان بن حرب أسلم بمرٍّ، ورسول الله ﷺ ظاهر عليهما، فكانت بظهوره وإسلام أهلها دار الإسلام، وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة، ومكة يومئذ دار حرب، ثم قدم عليها يدعوها إلى الإسلام، فأخذت بلحيته وقالت: اقتلوا الشيخ الضال.
فأقامت أيامًا قبل أن تسلم ثم أسلمت، وبايعت النبي ﷺ، وثبتا على النكاح.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأخبِرنا أن رسول الله ﷺ دخل مكة، فأسلم أكثر أهلها، وصارت دار الإسلام، وأسلمت امرأة عكرمة بن أبي جهل، وامرأة صفوان بن أمية، وهرب زوجاهما ناحية البحر (من طريق اليمن) كافرين إلى بلد كفر، ثم جاءا فأسلما بعد مدة، وشهد صفوان حنينًا كافرًا، فاستقرَّا على النكاح، وكان ذلك كله ونساؤهن مدخول بهن لم تنقض عددهن، ولم أعلم
مخالفًا في أن المتخلف عن الإسلام منهما، إذا انفضت عدة المرأة قبل أن يسلم
انقطعت العصمة بينهما، وسواء خرج المسلم منهما من دار الحرب، وأقام
المتخلف فيها، أو خرج المتخلف عن الإسلام، أو خرج معًا، أو أقاما معًا، لا تصنع الدار في التحريم والتحليل شيئًا، إنما يصنعه اختلاف الدينين.
٣ / ١٣٤٢
الأم (أيضًا): ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
وقال اللَّه ﵎:
(وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ)
فنهى الله ﷿ في هاتين الآيتين عن نكاح نساء المشركين، كما نهى عن إنكاح رجالهم. ..
قال الشَّافِعِي ﵀: فقال بعض الناس: لم قلت لا يحل نكاح إماء أهل
الكتاب؛ فقلت: استدلالًا بكتاب اللَّه ﷿.
قال: وأين ما استدللت به منه؟
فقلت: قال اللَّه ﵎: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ)
وقال: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ) الآية.
فقلنا نحن وأنتم: لا يحل لمن لزمه اسم كفر، نكاح مسلمة
حرة، ولا أمة بحال أبدًا، ولا يختلف في هذا أهل الكتاب وغيرهم من المشركين؛ لأن الآيتين عامتان، واسم المشرك لازم لأهل الكتاب وغيرهم من المشركين.
الأم (أيضًا): المدَّعي والمدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)
٣ / ١٣٤٣
ثم قال: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الآية، فأحلَّ صنفًا واحدًا من المشركات بشرطين.
أحدهما: أن تكون المنكوحة من أهل الكتاب.
والثاني: أن تكون حرة؛ لأنه لم يختلف المسلمون في أن قول اللَّه ﷿: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) .
هن: الحرائر.
الأم (أيضًا): كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: ففرض - اللَّه - على نبيه أن يقاتل أهل الأوثان
حتى يسلموا، وأن يحقن دماءهم إذا أظهروا الإسلام ثم بين اللَّه، ثم رسوله أن لا يعلم سرائرهم في صدقهم بالإسلام إلا اللَّه، فقال اللَّه ﷿ لنبيه ﷺ:
(إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ)
قرأ الربيع إلى قوله: (فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) الآية.
يعني: واللَّه أعلم بصدقهن بإيمانهن.
وقال: (عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) يعني: ما أمرتكم أن تحكموا به فيهن إذا أظهرن الإيمان، لأنكم لا تعلمون من صدقهن بالإيمان ما يعلم اللَّه، فاحكموا لهن بحكم الإيمان في أن لا ترجعوهن إلى الكفار: (لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
الأم (أيضًا): الخلاف في السبايا:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎:
(فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
فلم يفرق بين المرأة تسلم قبل زوجها، ولا الرجل يسلم قبل امرأته.
٣ / ١٣٤٤
الأم (أيضًا): ما جاء في نكاح المحدودين:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن كن - أي: الزانيات - على الشرك فهن
محرمات على زناة المسلمين وغير زناتهم، وإن كن أسلمن فهن بالإسلام
محرمات على جميع المشركين، لقول الله تعالى: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
الأم (أيضًا): باب (في الحربي يسلم)
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والآية في الممتحنة مثلها، قال الله تعالى:
(فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
فسوَّى بينهما، وكيف فرقتم بينهما؟ - الخطاب هنا: لمن
يحاوره الشَّافِعِي ﵀ وهو قول ابن شهاب -. ..
قال الشَّافِعِي ﵀: هذه الآية في معنى تلك، لا تعدو هاتان الآيتان أن
تكونا تدلان على أنه إذا اختلف دينا الزوجين فكان لا يحل للزوج جماع زوجته لاختلاف الدينين، فقد انقطعت العصمة بينهما، أو يكون لا يحل له في تلك الحال، ويتم انقطاع العصمة إن جاءت عليها مدة، ولم يسلم المتخلف عن الإسلام منهما.
٣ / ١٣٤٥
الأم (أيضًا): المرأة تسلم قبل زوجها، والزوج قبل المرأة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإن قال - أي: المحاور - فما الكتاب؟
قيل: قال الله ﷿: (فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
فلا يجوز في هذه الآية إلا أن يكون اختلاف الدينين يقطع العصمة ساعة اختلفا، أو يكون يقطع العصمة بينهما اختلاف الدينين والثبوت على الاختلاف إلى مدة.
والمدة لا تجوز إلا بكتاب اللَّه، وسنة رسول الله ﷺ فقد دلت سنة رسول الله ﷺ
على ما وصفنا وجمع رسول الله ﷺ بين المسلمة قبل زوجها، والمسلم قبل امرأته، فحكم فيهما حكمًا واحدًا، فكيف جاز أن يفرق بينهما؛ وجمع اللَّه بينهما فقال:
(لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
فإن قال قائل: فإنما ذهبنا إلى قول اللَّه ﷿
(وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية، فهي كالآية قبلها.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا)
الأم: جماع الصلح في المومنات:
قال الشَّافِعِي ﵀: تالا اللَّه تعالى: (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) الآية.
يعني - واللَّه أعلم -: أن أزواج المشركات من
٣ / ١٣٤٦
المؤمنين، إذا منعهم المشركون إتيان أزواجهم بالإسلام، أوتوا ما دفع إليهن
الأزواج من المهور، كما يؤدي المسلمون ما دفع أزواج المسلمات من المهور، وجعله اللَّه ﷿ حكمًا بينهم.
ثم حكم لهم في مثل ذا المعنى حكمًا ثانيًا، فقال عز وعلا: (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ) الآية، -
واللَّه تعالى أعلم - يريد: فلم تعفوا عنهم، إذا لم يعفوا عنكم مهور نسائكم: (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا) الآية.
كأنه يعني: من مهورهن إذا فاتت امرأة مشرك أتتنا
مسلمة قد أعطاها مائة في مهرها، وفاتت امرأة مشركة إلى الكفار قد أعطاها
مائة، حسبت - مائة المسلم بمائة المشرك، فقيل: تلك العقوبة.
قال الشَّافِعِي ﵀: ويكتب بذلك إلى أصحاب عهود المشركين حتى
يعطي المشرك ما قاصصناه به؛ من مهر امرأته للمسلم، الذي فاتت امرأته إليهم ليس له غير ذلك.
الأم (أيضًا): تفريع أمر نساء المهادنين:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: إذا جاءت المرأة الحرة من نساء أهل الهدنة مسلمة
مهاجرة من دار الحرب، إلى موضع الإمام من دار الإسلام، أو دار الحرب، فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عوض، وإذا طلبها زوجها بنفسه، أو طلبها غيره بوكالته، مُنِعَهَا، وفيها قولان:
٣ / ١٣٤٧
أحدهما: يعطى العوض، والعوض ما قال الله ﷿:
(فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: ومثل ما أنفقوا يحتمل - واللَّه تعالى أعلم -: ما
دفعوا بالصداق لا النفقة غيره، ولا الصداق كله إن كانوا لم يدفعوه.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا جاءت امرأة رجل قد نكحها بمائتين، فأعطاها
مائة ردت إليه مائة، وإن نكحها بمائة فأعطاها خمسين، ردت إليه خمسون؛ لأنها لم تأخذ منه الصداق إلا خمسين، وإن نكحها بمائة ولم يعطها شيئًا من الصداق لم نرد إليه شيئًا؛ لأنه لم ينفق بالصداق شيئًا.
ولو أنفق - بغيره - من عرس وهدية وكرامة، لم يعط من ذلك شيئًا؛ لأنه
تطوع به، ولا ينظر في ذلك إلى مهر مثلها إن كان زادها عليه، أو نقصها منه؛ لأن اللَّه ﷿ أمر بأن يُعطَوا مثل ما أنفقوا، وُيعطى الزوج هذا الصداق من سهم النبي ﷺ من الفيء والغنيمة، دون ما سواه من المال؛ لأن رسول الله ﷺ قال:
«مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم» الحديث.
يعني - واللَّه أعلم - في مصلحتكم؛ وبأن الأنفال تكون عنه.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو قدم الزوج مسلمًا وهي في العدة كان أحق
بها، ولو قدم يطلبها مشركًا ثم أسلم قبل أن تنقضي عدتها كانت زوجته، ورُجع عليه بالعوض، فأخذ منه إن كان أخذه، ولو طلب العوض فأعطيه، ثم لم يسلم حتى تنقضي عدتها، ثم أسلم فله العوض؛ لأنها قد بانت منه بالإسلام في ملك النكاح، ولو نكحها بعد لم نرجع عليه بالعوض؛ لأنه إنما ملكها بعقدٍ غيره.
٣ / ١٣٤٨
وفيه قول ثان: لا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة
العوض، ولو شرط الإمام برد النساء كان الشرط منتقضًا، ومن قال هذا قال: إن شرط رسول الله ﷺ لأهل الحديبية إذا دخل فيه أن يرد من جاءه منهم.
وكان النساء منهم كان شرطًا صحيحًا، فنسخه اللَّه ثم رسوله لأهل الحديبية، ورد عليهم فيما نسخ منه العوض، ولما قضى الله ثم رسوله ﷺ أن لا ترد النساء، لم يكن لأحدٍ ردهن، ولا عليه عوض فيهن؛ لأن شرط من شرط رد النساء بعد نسخ اللَّه ﷿، ثم رسوله لها باطل، ولا يعطى بالشرط الباطل شيء.
٣ / ١٣٤٩
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في حسن مناظرة الشَّافِعِي وغلبته بالعلم
والبيان. .):
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: أنباني أبو أحمد (بكر بن محمد بن حمدان
الصيرفي) بمرو، شفاهًا، وأكثر ظني أن صالحًا بن محمد الحافظ جزرة، حدثهم
قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
كان الشَّافِعِي ﵀ يقول: إذا ناظره إنسان في مسألة عدا منها إلى
غيرها، نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلى ما تريد.
فإذا أكثر عليه قال: مثلك مثل معلم كان بالمدينة يعلم الصبيان القرآن من كراسة، فأملى على صبي: (بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ) فقال: بسؤال، ثم لم يدر ما بعده، فمرَّ رجل فقام إليه فقال: - أصلحك اللَّه - بسؤال نعجتك أو بعجتك؛ فقال له الرجل: يا أبا عبد اللَّه، افرغ من سؤال ثم سل عما هو بعده، إنما هو - ويحك - بسؤال نعجتك.
٣ / ١٢٢٧
قال الله ﷿: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦)
الأم: باب (في الأقضية):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله ﵎: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فأعلمَ اللَّه نبيه ﷺ أن فرضًا عليه، وعلى من قبله، والناس، إذا حكموا أن يحكموا بالعدل، والعدل: اتباع حكمه المنزَّل.
الأم (أيضًا): باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله ﷿: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) الآية.
وليس يؤمر أحد أن يحكم بحق، إلا وقد علم الحق، ولا يكون الحق معلومًا إلا عن اللَّه نصًا أو دلالة، فقد جعل اللَّه الحق في كتابه، ثم سنة نبيه ﷺ.
٣ / ١٢٢٨
ترتيب مسند الشَّافِعِي في سجود التلاوة:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا ابن عيينة، عن عبدة، عن زرِّ بن حُبَيش، عن
ابن مسعود ﵁: «أنه كان لا يسجد في سورة (ص) ويقول إنَّما هي توبة نبي» الحديث.
أخبرنا ابن عيينة، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس ﵄:
عن النبي ﷺ أنه سجدها: يعنى في (ص) الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ)
الأم: من قال لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة سوط.
فجمعها فضربه بها، فإن كان يحيط العلم أنه إذا ضربه بها ماسته كلها، فقد برَّ.
وإن كان يحيط العلم أنها لا تماسه كلها لم يبر، وإن كان العلم مغيبًا قد
تماسه ولا تماسه، فضرب بها ضربة، لم يحنث في الحكم، ويحنث في الورع، فإن قال قائل: فما الحجة في هذا؟
قيل: معقول أنه إذا ماسته أنه ضاربه بها مجموعة.
أو غير مجموعة، وقد قال اللَّه ﷿: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ)
٣ / ١٢٢٩
الآية؛ وضرب رسول الله ﷺ رجلًا نضوًا (١) في الزنا، بأثكال النخل، وهذا شيء مجموع غير أنه إذا ضربه بها ماسته.
(١) النضوُ: المهزول من الإبل وغيره، وقيل: المجهد من السفر، انظر القاموس المحيط، ص / ١٧٢٦، والمعجم الوسيط، ص / ٩٢٩.
٣ / ١٢٣٠
سورة الزمر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
الرسالة: باب (البيان الخامس):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﵎: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
الآية، فهذا عام لا خاص فيه، فكل شيء: من سماء، وأرض، وذي روح.
وشجر وغير ذلك، فالله خلقه.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (٩)
الأم: فيمن تجب عليه الصلاة:
قال الشَّافِعِي ﵀: ومن غلب على عقله بعارض مرض، أي مرض
كان، ارتفع عنه الفرض في قوله تعالى: (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)
٣ / ١٢٣١
وقوله: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) الآية.
وإن كان معقولًا لا يخاطب بالأمر، والنهي إلا من عقلهما.
* * *
قال الله ﷿: (فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٨)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشافعى - من الإيمان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وفرض اللَّه على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما
حرّم اللَّه، وأن يغضي عما نهى اللَّه عنه، فقال: (فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٨) .
فذلك ما فرض الله جل ذكره على السمع، من التنزيه عما لا يحل له.
وهو عمله، وهو من الإيمان.
* * *
قال الله ﷿: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨)
الرسالة: باب (البيان الخامس):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه سبحانه: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الآية.
٣ / ١٢٣٢
قال الشَّافِعِي ﵀: فأقام - اللَّه ﷿ حجته بأن كتابه عربي، في كل آية ذكرناها.
* * *
قال الله ﷿: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢)
الرسالة: باب (البيان الخامس):
انظر تفسير الآية / ٥ من سورة الزمر فتفسيرهما واحد، ولا حاجة للتكرار.
* * *
قال الله ﷿: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥)
الأم: باب (المرتد الكبير)
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي ﵀ قال: وقال تعالى:
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) .
٣ / ١٢٣٣
قال الشَّافِعِي ﵀: يشبه - والله أعلم - أن يكون إذا حقن الدم
بالإيمان، ثم أباحه بالخروج منه، أن يكون حكمه حكم الذي لم يزل كافرًا
محاربًا، وأكبر منه؛ لأنه قد خرج من الذي حقن به دمه، ورجع إلى الذي أبيح الدم فيه والمال، والمرتد به أكبر حكمًا من الذي لم يزل مشركًا؛ لأن اللَّه أحبط بالشرك بعد الإيمان كل عمل صالح قدَّم - المشرك - قبل شركه، وأن اللَّه جل ثناؤه كَفَّر عمَّن لم يزل مشركًا ما كان قبله، وأن رسول الله ﷺ أبان أن من لم يزل مشركًا، ثم أسلم كُفِّر عنه ما كان قبل الشرك، وقال لرجل كان يقدم خيرًا في الشرك:
«أسلمت على ما سبق لك من خير» الحديث.
٣ / ١٢٣٤
سورة غافر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: فأعلم عباده، مع ما أقام عليهم من الحجة، بان
ليس كمثله أحد في شيء، أن علمه بالسر والعلانية واحد، فقال عز وعلا: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) الآية.
مع آيات أخر من الكتاب.
الأم: باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: إن الله ﷿ حكم على عباده حُكمين.
حكمًا فيما بينهم وبينه: أن أثابهم وعاقبهم على ما أسروا، كما فعل بهم فيما أعلنوا، وأعلمهم إقامة الحجة للحجة عليهم، وبينها لهم أنه عَلِم سرائرهم، وعَلِم علانيتهم فقال: (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) .
وقال: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) الآية.
وخلق - خَلْقُه لا يعلمون إلا ما شاء ﷿ وحجب
علم السرائر عن عباده.
٣ / ١٢٣٥
سورة فصلت
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢)
الأم: سجود القرآن:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا هشيم عن شعبة، عن عاصم، عن
زر، عن علي ﵁ قال: عزائم السجود (الم (١) تَنْزِيلٌ)
و(حم (١) تَنْزِيلٌ)، و(النجم) و(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)
ولسنا ولا إياهم - أي: المحاوَرِين - نقول بهذا، نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه. ..
* * *
قال الله ﷿: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ)
الأم: كتاب (العيدين):
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا من لا أتهم، أخبرنا العلاء بن راشد، عن
عكرمة، عن ابن عباس ﵄ قال: ما هبت ريح قط إلا جثا النبي ﷺ
٣ / ١٢٣٦
على ركبتيه وقال: «اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا» الحديث.
قال ابن عباس ﵄ في كتاب اللَّه:
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا) الآية.
أخبرنا من لا أتهم قال: أخبرني صفوان بن سليم قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا تسبوا الريح، وعوذوا بالله من شرها» الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨)
الأم: كتاب (صلاة الكسوف):
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال اللَّه تبارك تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨) .
٣ / ١٢٣٧
قال الشَّافِعِي ﵀: فذكر الله ﷿ الآيات، ولم يذكر معها سجودًا إلا مع الشمس والقمر، وأمر بأن لا يُسجَد لهما، وأمر بأن يُسجَد له، فاحتمل أمره أن يُسجد له عند ذكر الشمس والقمر، بأن يأمر بالصلاة عند حادث في الشمس والقمر، واحتمل أن يكون إنَّما نهي عن السجود لهما، كما نهي عن عبادة ما سواه، فدلت سنة رسول الله ﷺ على أن يصلى لله عند كسوف الشمس والقمر
فأشبه ذلك معنيين:
أحدهما: أن يصلى عند كسوفهما لا يختلفان في ذلك، وأن لا يؤمر عند كل آية كانت في غيرهما بالصلاة، كما أمر بها عندهما؛ لأن الله ﵎ لم يذكر في شيء من الآيات صلاة، والصلاة في كل حال طاعة لله ﵎، وغبطة لمن صلاها.
قال الشَّافِعِي ﵀: فيُصلى عند كسوف الشمس والقمر صلاة جماعة.
ولا يفعل ذلك في شيء من الآيات غيرها.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأنزل الله عليه كتابه فقال: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) .
فنقلهم من الكفر والعَمَى، إلى الضياء والهدى، وبين فيه ما أحل منًّا بالتوسعة على خلقه،
٣ / ١٢٣٨
وما حرّم: لما هو أعلم به من حظهم في الكف عنه في الآخرة والأولى. وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول وعمل، وإمساك عن محارم حماهُمُوها، وأثابهم على طاعته من الخلود في جنته، والنجاة من نعمته: ما عظمت به نعمتُه جل ثناؤه وأعلمهم ما أوجب على أهل معصيته من خلاف ما أوجب لأهل طاعته..
* * *
قال الله ﷿: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ)
الرسالة: باب (البيان الخامس):
قال الشَّافِعِي ﵀: فأقام اللَّه سبحانه حجته بأن كتابه عربي، في كل آية
ذكرناها، ثم أكَّد ذلك بأن نفى عنه - جل ثناؤه - كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه:
١ - فقال ﵎: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣) .
٢ - وقال: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) الآية.
٣ / ١٢٣٩
سورة الشورى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه عز شانه: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)
وأم القرى: مكة، وفيها قومه.
الرسالة (أيضًا): باب (البيان الخامس):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأولى الناس بالفضل في اللسان، مَن لسانه لسانُ
النبي ﷺ، ولا يجوز - واللَّه أعلم - أن يكون أهل لسانه أتباعًا لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد، بل كل لسان تبع للسانه، وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه.
وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه - منها -: وقال:
(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) الآية.
٣ / ١٢٤٠
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)
وأم القرى: مكة، وهي بلده وبلد قومه، فجعلهم في كتابه خاصة.
وأدخلهم مع المنذرين عامة، وقضى أن ينذروا بلسانهم العربي: لسان قومه
منهم خاصة.
أحكام القرآن: فصل: (فيما ذكره الشَّافِعِي ﵀ في التحريض على تعلم
أحكام القرآن):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) الآية.
فأقام حجته بأن كتابه عربي، ثم أكَّد ذلك بأن نفى عنه كل لسان غير لسان العرب.
* * *
قال الله ﷿: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات.
فهو - الله تعالى - على العرش كما أخبر بلا كيف، بائن من خلقه، غير مُمَاسٍّ من خلقه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الآية.
٣ / ١٢٤١
قال الله ﷿: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)
الأم: باب (المشاورة):
انظر تفسير الآية / ١٥٩ من سورة آل عمران فتفسيرهما واحد، ولا حاجة
للتكرار.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ)
الأم: من قال لامرأته: أنت طالق إن خرجت إلا بإذني:
انظر تفسير الآية / ٩٤ من سورة التوبة فقد ورد تفسيرهما مع هذه الآية.
ولا حاجة للتكرار.
* * *
قال الله ﷿: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا)
٣ / ١٢٤٢
وقال ﷿: (صِرَاطِ اللَّهِ)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم مَنَّ - اللَّه ﷿ عليهم بما آتاهم من العلم، وأمرهم بالاقتصار عليه، وأن لا يتولوا غيره إلا بما علَّمهم، وقال لنبيه ﷺ: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) الآية.
الأم (أيضًا): سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل:
قال الشَّافِعِي ﵀: وكذلك افترض عليه، قال اللَّه ﷿: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) .
ففرض عليه الاستمساك بما أوحي إليه، وشهد له أنه على صراط مستقيم، وكذلك قال:
(وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الآية.
فأخبر - اللَّه - أنه فرض عليه اتباع ما أنزل الله، وشهد له بأنه
هادٍ مهتدٍ، وكذلك يشهد له قوله ﷺ:
«لا يمسكنَّ الناس علي بشيء. . .» الحديث.
فإن اللَّه أحل له أشياء حظرها على غيره.
٣ / ١٢٤٣
الأم (أيضًا): الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولم يؤمر الناس أن يتبعوا إلا كتاب اللَّه أو سنة
رسوله ﷺ، الذي قد عصمه الله من الخطأ، وبرَّأه منه، فقال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الآية.
فأما من كان رأيه خطأ أو صوابًا فلا يؤمر أحد باتباعه، ومن قال للرجل يجتهد برأيه فيستحسن على غير أصل، فقد أمر
باتباع من يمكن منه الخطأ، وأقامه مقام رسول الله ﷺ الذي فرض اللَّه اتباعه.
فإن كان قائل هذا ممن بعقل ما تكلم به، فتكلم به بعد معرفة هذا، فأرى للإمام أن يمنعه، وإن كان غبيًا عُلِّم هذا حتى يرجع.
مختصر المزني: كتاب اختلاف الحديث - المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وشهد - اللَّه تعالى - له باتباعه، فقال جل ثناؤه:
(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ) الآيتان.
فأعلمَ اللَّه خلقه أنه يهديهم إلى صراطه.
قال الشَّافِعِي ﵀: فتفام سنة رسول اللَّه، مع كتاب الله جل ثناؤه مقام
البيان عن اللَّه عدد فرضه، كبيان ما أراد بما أنزل عامًّا - العام أراد به أو الخاص - وما أنزل فرضًا، وأدبًا، وإباحة وإرشادًا، إلا أن شيئًا من سنن رسول اللَّه يخالف كتاب اللَّه في حال؛ لأن اللَّه جل ثناؤه قد أعلم خلقه أن رسوله يهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله، ولا أن شيئًا من سنن رسول اللَّه ناسخ لكتاب اللَّه، لأنه قد أعلم خلقه أنه إنما ينسخ القرآن بقرآن مثله، والسنة تبع للقرآن، وقد اختصرت من إبانة السنة عن كتاب اللَّه بعض ما حضرني، مما يدل على مثل معناه إن شاء الله - ثم ذكر أمثلة على ذلك -.
٣ / ١٢٤٤
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: فليست تنزيل بأحدٍ من أهل دين الله نازلة إلا وفي
كتاب اللَّه الدليل على سبيل الهدى فيها - ثم ذكر آيات تدل على ذلك، ومنها - وقال الله تعالى -: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
الرسالة (أيضًا): باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى
إليه، وما شهد له به من اتباع ما أُمر به):
قال الشَّافِعِي ﵀: وشهد له جل ثناؤه باستمساكه بما أمره به، والهدى
في نفسه، وهداية من اتبعه، فقال: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: وما سنَّ رسول الله فيما ليس لله فيه حكم.
فبحكم اللَّه سنَّهُ.
وكذلك أخبرنا اللَّه في قوله:
(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ)
الآيتان.
٣ / ١٢٤٥
سورة الزخرف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣)
الرسالة: باب (البيان الخامس):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأولى الناس بالفضل في اللسان، مَن لسانُه لسانُ
النبي ﷺ ولا يجوز - والله أعلم - أن يكون أهل لسانه اتباعًا لأهل لسان غير لسانه في حرفٍ واحدٍ، بل كل لسانٍ تبَعٌ للسانه وكل أهل دين قَبلَهُ فعليهم اتباع دينه، وقد بين اللَّه في غير آية من كتابه - منها - وقال: (حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) .
* * *
قال الله ﷿: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣)
السنن المأثورة: الدعاء عند ركوب الدابة
أخبرنا أحمد قال: حدثنا المزني قال:
٣ / ١٢٤٦
حدثنا الشَّافِعِي ﵀ عن سفيان قال: قلت لابن عباس رضي اللَّه
عنهما، ما كان أبوك يقول إذا ركب الدابة؟
قال: كان يقول: اللهم إن هذا من رزقك، ومن عطائك، فلك الحمد ربنا على نعمتك: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة):
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه (بالدَّامغان)، أخبرنا الفضل
ابن الفضل الكندي، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: سمعت أبا عبد اللَّه
(ابن أخي ابن وهب) يقول:
سمعت الشَّافِعِي وحمه اطُه يقول: الأمَّة على ثلاثة وجوه:
١ - قوله تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ)
قال: على دِين.
٢ - قوله تعالى: (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ)
قال: بعد زمان.
٣ - وقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ)
قال: معلمًا.
٣ / ١٢٤٧
قال الله ﷿: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: فذكر الله لنبيه ﷺ جوابًا من جواب بعض من عَبَدَ غيره من هذا الصنف، فحكى جل ثناؤه عنهم قولهم: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) الآية.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة):
انظر تفسير الآية / ٢٢ من السورة نفسها (الآية السابقة) فلها متعلق بما ورد
هنا.
* * *
قال الله ﷿: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي رحمه للُه: أعلم نبيه بما فرض من اتباع كتابه، فقال: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) الآية.
٣ / ١٢٤٨
الأم (أيضًا): سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل):
قال الشَّافِعِي ﵀: وكذلك افترض - الله - عليه، قال الله ﷿:
(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
ففرض عليه الاستمساك بما أوحى إليه، وشهد له أنه على صراط مستقيم.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (٤٤)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد
﵀، في قوله: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الآية.
قال: يُقال: ممن الرجل؟
فيقال: من العرب، فيقال: من أي العرب؛ فيقال: من قريش.
قال الشَّافِعِي ﵀ وما قال مجاهد من هذا بيْن في الآية، مستغنى عنه
بالتنزيل عن التفسير.
الرسالة (أيضًا): باب (البيان الخامس):
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان مما عرَّف الله نبيه ﷺ إنعامه أن قال: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الآية.
فخص قومه بالذكر معه بكتابه.
٣ / ١٢٤٩
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قول الله ﷿: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ):
أخبرنا أبو طاهر (محمد بن محمد الفقيه) حدثنا أبو بكر (محمد بن عمر بن
حفص) الزاهد، حدثنا حمدون السِّمسَار، حدثنا الأزرق بن علي، حدثنا حسان ابن إبراهيم الكَرْمَاني، حدثنا سفيان الثوري، عن موسى بن أبي عائشة، عن سليمان بن قَتَّة، عن ابن عباس ﵄ في قوله ﷿: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الآية.
قال: شرف لك ولقومك.
* * *
قال الله ﷿: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦)
الأم: الخلاف في اليمين مع الشاهد:
قال الشَّافِعِي ﵀: فقلت له - أي: للمحاور -: الشهادة على علمه
أولى أن لا يشهد بها حتى يسمعها من المشهود عليه، أو يراها، أو اليمين.
قال - أي: المحاور -: كل لا ينبغي إلا هكذا، وإن الشهادة لأَولاهما أن لا
يشهد منها إلا على ما رأى، أو سمع.
قلتُ: لأن اللَّه ﷿ حكى عن قوم أنهم قالوا:
(وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا)
وقال: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الآية.
قال نعم.
٣ / ١٢٥٠
الأم: (أيضًا): باب (التحفظ في الشهادة):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا يسع شاهدًا أن يشهد إلا بما عَلِمَ، والعلم من
ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: منها ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة.
الوجه الثاني: ومنها ما سمعه فيشهد ما أثبت سمعًا من المشهود عليه.
الوجه الثالث: ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان.
وتثبت معرفته في القلوب، فيشهد على هذا الوجه.
٣ / ١٢٥١
سورة الجاثية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨)
الرسالة: باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى إليه):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى:
(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
فأبان الله أن قد فرض على نبيه اتباع أمره، وشهد له بالبلاع عنه وشهد به لنفسه، ونحن نشهد له به تقربًا إلى الله بالإيمان به، وتوسلًا إليه بتصديق كلماته.
* * *
قال الله ﷿: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٢٤)
مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفة الشافعى بمعاني أخبار رسول
الله ﷺ:
وقرأت - القول: للبيهقي - في كتاب أبي منصور الحمشاذي، أنبأنا أبو
علي الماسَرْجسِي قال: أخبرنا أبو بكر (أحمد بن مسعود)، قال: حدثنا يحيى بن أحمد بن أخي حرملة قال: حدثنا عمي قال:
٣ / ١٢٥٢
قال الشَّافِعِي ﵀: يقول ﷿: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) .
وقال رسول الله ﷺ:
«لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: إنَّما تأويله - واللَّه أعلم - أن العرب كان من شأنها
أن تذمَّ الدهرَ، وتسبَّه عند المصائب التي تنزل بهم: من موت، أو هدم، أو تلف مال أو غير ذلك، وتسب الليل والنهار - وهما: الجديدان، والفتيان - ويقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، وأتى عليهم؛ فيجعلون الليل والنهار اللذين يفعلان ذلك، فقال رسول الله ﷺ:
«لا تسبوا الدهر ...» الحديث.
على أنه الذي يفعل بكم هذه الأشياء؛ فإنكم إن سببتم فاعل هذه الأشياء، فإنما تسبون اللَّه ﷿، فإن اللَّه تعالى فاعل هذه الأشياء.
٣ / ١٢٥٣
سورة الأحقاف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ)
الأم: كتاب: (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم مَنَّ اللَّه عليهم بما آتاهم من العلم، وأمرهم
بالاقتصار عليه، وأن لا يتولوا غيره إلا بما علمهم، وقال لنبيه ﷺ: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) .
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة):
أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع.
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال الله تعالى لنبيه ﷺ: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) الآية.
٣ / ١٢٥٤
سورة محمد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ)
الأم: أصل فرض الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀:
ولما مضت لرسول اللَّه ﷺ مدة من هجرته، أنعم
الله تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها، ففرض اللَّه تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضًا، فقال ﵎: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ)
وذكر آيات أخرى في فرضية الجهاد.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه -. الشَّافِعِي - في قسم الفيء والغنيمة والصدقات:
قال الشَّافِعِي ﵀ ا: كل ما حصل - مما غُنِم من أهل دار الحرب -
قُسِمَ كله، إلا الرجال البالغين، فالإمام فيهم بالخيار: بين أن يمنَّ على من رأى
٣ / ١٢٥٥
منهم، أو يقنل، أو بفادكط، أو يسى - وسبيل ما سبى وما أخذ مما فادى، سبيل ما سواه من الغنيمة.
واحتج - في القديم - بقول الله ﷿: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) الآية.
وذلك - في بيان اللغة - قبل انقطاع الحرب.
قال الشَّافِعِي ﵀: وكذلك فعل رسول الله ﷺ في أسارى بدر، مَنَّ عليهم، وفداهم، والحرب بينه وبين قريش قائمة، وعرض على ثمامة بن أثال الحنفي وهو يومئذ وقومه - أهل اليمامة - حرب لرسول اللَّه ﷺ - أن يمنَّ عليهم - وبسط الكلام فيه -.
مناقب الشَّافِعِي (باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان)
قال الشَّافِعِي ﵀: وفرض - اللَّه - على اليدين: أن لا يبطش بهما إلى
ما حرم اللَّه تعالى، وأن يبطش بهما إلى ما أمر اللَّه من الصدقة، وصلة الرحم، والجهاد في سبيل اللَّه، والطهور للصلوات، فقال في ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)
إلى آخر الآية، وقال: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) الآية؛ لأن الضرب، والحرب، وصلة الرحم، والصدقة من علاجها.
٣ / ١٢٥٦
قال الله ﷿: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (١١)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بمعاني أخبار رسول
الله ﷺ:
أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلمي قال: أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب قال:
حدثنا العباس بن يوسف الشكلي قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشَّافِعِي يقول في معنى قول النبي ﷺ، لعلي بن أبي طالب، ﵁: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» الحديث.
يعني بذلك ولاء الإسلام، وذلك قول اللَّه تعالى:
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) .
وأما قول عمر بن الخطاب لعلي ﵄:
«أصبحت مولى كل مؤمن» الحديث.
يقول: ولي كل مسلم.
٣ / ١٢٥٧
قال الله ﷿: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (٣١)
الرسالة: باب (كيف البيان؟):
قال الشَّافِعِي ﵀: ومنه: ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في
طلبه، وابتلى طاعتهم في الاجتهاد، كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم، فإنه يقول ﵎: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (٣٣)
الأم: الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر:
قال الشَّافِعِي ﵀: فأخبر النبي ﷺ أن الاجتهاد بعد أن لا يكون كتاب الله ولا سنة رسوله، ولقول اللَّه ﷿: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية.
وما لم أعلم فيه مخالفًا من أهل العلم، ثم ذلك موجود في قوله ﷺ
«إذا اجتهد»؛ لأن الاجتهاد ليس بعين قائمة، وإنما هو شيء يحدثه من قبل نفسه، فإذا كان هذا هكذا فكتاب اللَّه، والسنة، والإجماع أولى - به - من رأي نفسه.
٣ / ١٢٥٨
ومن قال الاجتهاد أولى خالف الكتاب والسنة برأيه، ثم هو مثل القِبلَة التي من لثمهد مكة في موضع يمكنه رؤية البيت بالمعاينة، لم يجز له غير معاينتها، ومن غاب عنها توجه إليها باجتهاده.
فإن قيل: فما الحجة في أنه ليس للحاكم أن يجتهد على
غير كتاب ولا سنة، وقد قال رسول الله ﷺ:
«إذا اجتهد الحاكم».
وقال معاذ ﵁: (أجتهد رأيي" الحديث.
ورضي بذلك رسول الله ﷺ - بأبي هو
وأمي -، ولم يقل رسول الله ﷺ إذا اجتهد على الكتاب والسنة؟
قيل: لقول الله ﷿ (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية.
فجعل الناس تبعًا لهما، ثم لم يهملهم - ثم ذكر أدلة أخرى -.
٣ / ١٢٥٩
سورة الفتح
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)
قال الله ﷿: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)
الأم: المهادنة على النظر للمسلمين:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قامت الحرب بين رسول الله ﷺ وقريش، ثم أغارت سراياه على أهل نجد، حتى توقى الناس لقاء رسول الله ﷺ خوفًا
للحرب دونه من سراياه، وإعداد من يعدُّ له من عدوه بنجد، فمنعت منه قريش أهل تهامة، ومنع أهل نجد منه أهل نجد المشرق، ثم اعتمر رسول الله ﷺ عمرة الحديبية في ألف وأربعمائة، فسمعت به قريش فجمعت له، وجدَّت على منعه.
ولهم جموع أكثر ممن خرج فيه رسول الله ﷺ فتداعوا الصلح، فهادنهم رسول اللَّه ﷺ إلى مدة، ولم يهادنهم على الأبد؛ لأن قتالهم حتى يسلموا فرض إذا قوي
عليهم، وكانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين، ونزل عليه في سفره في أمرهم: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) الآية.
٣ / ١٢٦٠
قال ابن شهاب: فما كان في الإسلام فتح أعظم منه، كانت الحرب قد
أحرجت الناس، فلما أمنوا لم يتكلم في الإسلام أحد يعقل إلا قَبِلَهُ، فلقد أسلم في سنين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك.
ثم نقض بعض قريش، ولم ينكر عليه غيره إنكارًا يعتد به عليه، ولم يعتزل
داره، فغزاهم رسول الله ﷺ عام الفتح مخفيًا لوجهه ليصيب منهم غِرَّة.
الأم (أيضًا): جماع الهدنة على أن يردَّ الإمام من جاء بلده مسلمًا أو مشركًا: قال الشَّافِعِي ﵀: ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي: أن رسول اللَّه
ﷺ هادن قريشًا عام الحديبية على أن يأمن بعضهم بعضًا، وأن من جاء قريشًا من المسلمين مرتدًا لم يردوه عليه، ومن جاء إلى النبي ﷺ بالمدينة منهم رده عليهم، ولم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلمًا إلى غير المدينة في بلاد
الإسلام والشرك، وإن كان قادرًا عليه، ولم يذكر أحد منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئًا من هذا الشرط، وذكروا أنه أنزل عليه في مهادنتهم: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) الآية.
فقال بعض المفسرين: قضينا لك قضاء مبينًا.
فتم الصلح بين النبي ﷺ وبين أهل مكة على هذا.
أحكام القرآن: فصل: (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة)
أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع:
٣ / ١٢٦١
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال اللَّه لنبيه ﷺ:
(قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) .
ثم أنزل اللَّه ﷿ على نبيه ﷺ: أن غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يعني - واللَّه أعلم -: ما تقدم
من ذنبه قبل الوحي وما تأخر: أن يعصمه فلا يذنب، يعلم اللَّه ما يفعل به من رضاه وأنه أول شافع وأول مشفع يوم القيامة وسيد الخلائق.
وسمعت أبا عبد اللَّه محمد بن إبراهيم بن عبد أن الكَرْماني يقول: سمعت
أبا الحسن محمد بن أبي إسماعيل العلوي (ببخاراء) .
يقول: سمعت أحمد بن محمد بن حسان المصري (بمكة) يقول: سمعت المزني يقول: سئل الشَّافِعِي عن قول اللَّه ﷿: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) الآيتان.
قال: معناه، (مَا تَقَدَّمَ): من ذنب أبيك آدم وهبته لك.
(وَمَا تَأَخَّرَ): من ذنوب أمتك، أدخلهم الجنة بشفاعتك.
قال الشيخ ﵀: وهذا قول مستظرف، والذي وضعه الشَّافِعِي - في
تصنيفه - أصح الروايتين، وأشبه بظاهر الرواية - واللَّه أعلم -.
٣ / ١٢٦٢
قال الله ﷿: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١٠)
الرسالة: باب (ما أمر الله من طاعة رسول الله):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله جل ثناره: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١٠) .
فأعلمهم أن بيعتهم رسوله بيعته، وكذلك أعلمهم أن طاعتهم طاعته.
* * *
قال الله ﷿: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)
الأم: باب (الإحصار بالعدو):
قال الشَّافِعِي ﵀: والحديبية: موضع من الأرض منه ما هو في الحل.
ومنه ما هو في الحرم، فإنما نحر الهدى عندنا في الحل، وفيه مسجد رسول الله ﷺ
٣ / ١٢٦٣
الذي بويع فيه تحت الشجرة، فأنزل الله ﷿: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) الآية.
فبهذا كله نقول: فنقول من أحصر بعدو حل حيث يُحبس، في حل كان أو حرم، ونحر أو ذبح هديًا، وأقل ما يذبح شاة.
* * *
قال الله ﷿: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
الأم: حال المسلمين يقاتلون العدو وفيهم أطفالهم:
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا حصر المسلمون عدوهم، فقام العدو
على سورهم معهم أطفال المسلمين يتترسون بهم، قال: يردونهم بالنبل
والمنجنيق، يعمدون بذلك أهل الحرب، ولا يتعمدون بذلك أطفال المسلمين.
قال الأوزاعي ﵀: يكف المسلمون عن رميهم، فإن برز أحد منهم
رموه، فإن اللَّه ﷿ يقول: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
حتى فرغ من الآية، فكيف يرمي المسلمون من لا يرمون من المشركين.
قال أبو يوسف ﵀: تأول الأوزاعي هذه الآية في غير - موضعها -.
ولو كان يحرم رمى المشركين وقتالهم إذا كان معهم أطفال المسلمين لحرم ذلك
أيضًا منهم إذا كان معهم أطفالهم ونساؤهم، فقد نهى رسول الله ﷺ عن قتل النساء والأطفال والصبيان، وفد حاصر رسول الله ﷺ أهل الطائف، وأهل خيبر، وقريظة، والنضير، وأجلب المسلمون عليهم - فيما بلغنا - أشد ما قدروا
٣ / ١٢٦٤
عليه، وبلغنا أنه نصب على أهل الطائف المنجنيق.
فلو كان يجب على المسلمين الكفُّ عن المشركين إذا كان في ميدانهم الأطفال لنهى رسول الله ﷺ عن قتلهم
ولم يقاتلوا. ..
قال الشَّافِعِي ﵀: أما ما احتج به من قتل المشركين وفيهم الأطفال
والنساء والرهبان، ومن نهي عن قتله، فإن رسول الله ﷺ أغار على بني المصطلق غازين في نعَمِهِم، وسئل عن أهل الدار يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم.
فقال: هم منهم، يعني ﷺ: أن الدار مباحة؛ لأنها دار شرك، وقتال المشركين مباحٌ.
الأم (أيضًا): الإحصار:
قال الشَّافِعِي ﵀: الإحصار الذي ذكره اللَّه ﵎ فقال:
(فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) .
نزلت يوم الحديبية، وأحصر النبي ﷺ بعدو، ونحر ﵊ في الحل، وفد قيل نحر في
الحرم، وإنما ذهبنا إلى أنه نحر في الحل، وبعضها في الحرم؛ لأن الله ﷿ يقول: (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ)
والحرام كله محله عند أهل العلم، فحيثما أحصر الرجل، قريبًا كان أو بعيدًا، بعدو حائل - مسلم أو كافر - وقد أحرم، ذبح شاة وحل، ولا قضاء عليه، إلا أن يكون حَجُّه حجة الإسلام فيحجها، وهكذا السلطان إن حبسه في سجن أو غيره، وهكذا العبد يحرم بغير إذن سيده، وكذلك المرأة تحرم بغير إذن زوجها؛
٣ / ١٢٦٥
لأن لهما أن يحبساهما، وليس هذا للوالد على الولد، ولا للولي على المولى
عليه.
ولو تأنى الذي أحصر رجاء أن يُخلَّى، كان أحبَّ إليَّ. ..
الأم (أيضًا): باب (الإحصار بالعدو):
قال الشَّافِعِي ﵀: والقرآن يدل على أن هدي النبي ﷺ لم يبلغ الحرم.
فإن قال: وأين ذلك؟
قلت: قال اللَّه ﷿: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) الآية.
فإن قال قائل: فإن اللَّه ﷿ يقول: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)؟
قلت: - الله أعلم بمحله هاهنا يشبه أن يكون إذا أحصر، - تَمَّ - نحره حيث أحصر كما وصفت، ومحله في غير الإحصار الحرم، وهو كلام عربي واسع.
وخالفنا بعض الناس فقال: المحصر بالعدو والمرض سواء، وعليهما
القضاء، ولهما الخروج من الإحرام.
- واحتج قائلًا -: ألا ترى أنها تسمى عمرة القضية وعمرة القصاص.
فقيل لبعض من قال هذا القول؛ إن لسان العرب واسع، فهي تقول:
اقتضيت ما صنع بي، واقتصصت ماصنع بي، فبلغت ما منعت مما يجب لي.
وما لا يجب على أن أبلغه وإن وجب لي.
قال الشَّافِعِي ﵀: والذي نذهب إليه من هذا أنها إنما سميت عمرة
القصاص، وعمرة القضية، أن اللَّه ﷿ اقتصَّ لرسوله ﷺ فدخل عليهم كما منعوه، لا على أن ذلك وجب عليه.
٣ / ١٢٦٦
الزاهر باب (الاعتكاف):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأصل الاعتكاف: الإقامة في المسجد والاحتباس.
يقال: عَكَفْتُهُ فعَكَفَ، واعتكف، أي: حبسته فاحتبس.
والعاكف والمعتكف واحد، قال اللَّه ﷿:
(وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُو) الآية.
أي: ممنوعًا محبوسًا.
* * *
قال الله ﷿: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)
الأم: باب (دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة)
قال الشَّافِعِي ﵀: ويحكى أن النبيين كانوا يحجون، فإذا أتوا الحرم
مشوا إعظامًا له ومشوا حفاة، ولم يحك لنا عن أحد من النبيين، ولا الأمم
الخالية، أنه جاء أحد البيت قط إلا حرامًا، ولم يدخل رسول الله ﷺ مكة علمناه إلا حرامًا إلا في حرب الفتح، فبهذا قلنا: إن سنة الله تعالى في عباده أن لا يدخل الحرم إلا حرامًا، وبأن من سمعناه من علمائنا قالوا: فمن نذر أن يأتي البيت يأتيه محرمًا بحج أو عمرة.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا أحسبهم قالوه إلا بما وصفت، وأن الله تعالى
ذكر وجه دخول الحرم فقال: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) الآية.
٣ / ١٢٦٧
قال الشَّافِعِي ﵀: فدل على وجه دخوله للنسك وفي الأمن، وعلى
رخصة اللَّه في الحرب وعفوه فيه عن النسك، وأن فيه دلالة على الفرق بين من يدخل مكة وغيرها من البلدان، وذلك أن جميع البلدان تستوي، لأنها لا تدخَل بإحرام، وإن مكة تنفرد بأن من دخلها منتابًا لها لم يدخلها إلا بإحرام.
قال الشَّافِعِي ﵀: إلا أن من أصحابنا من رخص للحطابين، ومن
مدخله إياها لمنافع أهلها، والكسب لنفسه، ورأيت أحسن ما يحمل عليه هذا القول إلى: أن انتياب هؤلاء مكة انتياب كسب لا انتياب تبرر، وأن ذلك متتابع كثير متصل فكانوا بشبهون المقيمين فيها، ولعل حطابيهم كانوا مماليك غير مأذون لهم بالتشاغل بالنسك.
* * *
قال الله ﷿: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا)
الأم: كتاب (الجزية):
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم اصطفى اللَّه ﷿ سيدنا محمدًا ﷺ من خير آل إبراهيم، وأنزل كتبه قبل إنزاله الفرقان على محمد ﷺ بصفة فضيتله، وفضيلة
من اتبعه به، فقال ﷿: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) الآية.
٣ / ١٢٦٨
سورة الحجرات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)
الزاهر باب (الشهيد):
قال الشَّافِعِي ﵀: (ويضع ياسرة السرير المُقَدِّمَة) وإن شئت المُقَدَّمَة
فمن قال: المقدِّمة، معناه: المتقدمة.
ومنه قوله ﷿: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)
أي: لا تتقدموا: يقال: قدَّم، وتقدَّم، واستقدَم: بمعنى واحد. ومُقَدِّمة
الجيش: بكسر الدال من هذا.
ومن قال المقدَّمة: أراد التي قُدِّمت.
* * *
قال الله ﷿: (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: إن الله ﵎ لِما خص به رسوله من
وحيه، وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه؛ بالفرض على خلقه بطاعته
٣ / ١٢٦٩
في غير آية من كتابه - ومنها - وقال: (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)
الأم: باب (التثبت في الحكم وغيره):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأمر اللَّه من يمضي أمره على أحد من عباده، أن
يكون مستبينًا قبل أن يمضيه.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في خروجه إلى اليمن ومقامه بها، تم في حمله
من اليمن إلى هارون):
قال البيهقي ﵀: واتصل الخبر بالرشيد أن الشَّافِعِي يريد أن يخرج
بأرض اليمن علويًا - وكان الخبر باطلًا - فغضب الرشيد، ثم أرسل إليه
فحمله، وحُمِلَ معه بضعة عشر رجلًا، وذكر الحديث
في إظهار محمد بن الحسن العناية في شأنه، وأنه لم ينفعه ذلك.
٣ / ١٢٧٠
وقتل - الرشيد - منهم تسعة، ثم أُدخِل الشَّافِعِي، فلما واجه الرشيد قال:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) .
فقال الرشيد: أو ليس الأمر كما قيل فيك؟
فقال: يا أمير المؤمنين، وهل في الأرض علوي إلا وهو يظن أن الناس
عبيد له؟ فكيف أخرج رجلًا يريد أن يجعلني له عبدًا، وأغدر بسادات بني عبد مناف وأنا منهم وهم مني؟ فسكن غضب الرشيد.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) .
الأم: كتاب (قتال أهل البغي وأهل الردة):
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) .
٣ / ١٢٧١
قال الشَّافِعِي ﵀: فذكر اللَّه ﷿ اقتتال الطائفتين. والطائفتان المتنعتان: الجماعتان كل واحدة ممتنع أشد الامتناع، أو أضعف إذا لزمها اسم الامتناع، وسماهم اللَّه تعالى المؤمنين، وأمر بالإصلاح بينهم، فحق على كل أحد دعاء المؤمنين إذا افترقوا وأرادوا القتال، أن لا يُقاتلوا حتى يُدعَوا إلى الصلح.
وبذلك قلت: لا يُبيَّتُ أهل البغي قبل دعائهم؛ لأن على الإمام الدعاء كما أمر الله ﷿ قبل القتال، وأمر اللَّه ﷿ بقتال الفئة الباغية، وهي مسماة باسم الإيمان، حتى تفيء إلى أمر اللَّه، فإن فاءت لم يكن لأحد قتالها؛ لأن اللَّه ﷿ إنما أذن في
قتالها في مدة الامتناع بالبغي إلى أن تفيء.
قال الشَّافِعِي ﵀: والفيء: الرجعة عن القتال بالهزيمة، أو التوبة
وغيرها، وأي حال ترك به القتال فقد فاء.
والفيء: بالرجوع عن القتال، الرجوع عن معصية اللَّه تعالى ذكره إلى طاعته، في الكف عما حرم اللَّه ﷿.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال أبو ذؤيب يعيِّر نفرًا من قومه انهزموا عن
رجل من أهله في وقعة فقتل:
لا ينسَأُ اللَّه منا مَعشرًا شَهدوا ... يوم الأمَيلِح لا غابوا ولا جَرَحُوا
عَفوا بسهم فلم يشعر به أحد ... ثم استفاؤوا وقالوا حبذا الوَضَحُ
قال الشَّافِعِي ﵀: وأمر اللَّه تعالى إن فاؤوا أن يُصلح بينهما بالعدل.
ولم يذكر تباعة في دم ولا مال، وإنما ذكر اللَّه تعالى الصلح آخرًا، كما ذكر
الإصلاح بينهم أولًا قبل الإذن بقتالهم: فأشبه هذا - واللَّه تعالى أعلم - أن
تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من الأموال ساقطة بينهم.
٣ / ١٢٧٢
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد يحتمل قول الله ﷿:
(فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) الآية.
أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم
فيعطى بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله ﷿: (بِالْعَدْلِ) .
والعدل: أخذ الحق لبعض الناس من بعض.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإنما ذهبنا إلى أن القَوَدَ ساقط، والآية تحتمل
المعنيين.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مُطرف بن مازن، عن معمر بن راشد، عن
الزُّهري قال: أدركت الفتنة الأولى أصحاب رسول الله ﷺ فكانت فيها دماء وأموال، فلم يُقتص فيها من دم ولا مال ولا قَرْح أصيب بوجه التأويل، إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه.
قال الشَّافِعِي ﵀: وهذا كما قال الزهري عندنا، قد كانت في تلك
الفتنة دماء يُعرف في بعضها القاتل والمقتول، وأتلفت فيها أموال، ثم صار
الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم، فما علمته اقتص أحد من أحد، ولا غَرِم له مالًا أتلفه، ولا علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغي من مال فوجد بعينه فصاحبه أحق به.
قال الشَّافِعِي ﵀: ووجدت قول اللَّه تعالى قال:
(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩)
فذكر الله ﷿ قتالهم ولم يذكر القصاص بينهما،
٣ / ١٢٧٣
فأثبتنا القصاص بين المسلمين على ما حكم الله ﷿ في القصاص، وأزلناه في المتأولين الممتنعين، ورأينا أن المعني بالقصاص من المسلمين هو من لم يكن ممتنعًا متأولًا، فأمضينا الحكمين على ما أمضينا عليه.
وقلت له - أي: للمحاور -: علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه ولي
قتال المتأولين، فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل، وقَتَلَه ابن ملجم متأولًا، فأمر بحبسه، وقال لولده: إن قتلتم فلا تمثلوا، ورأى له القتل، وقتله الحسن بن علي ﵄، وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله ﷺ لا نعلم أحدًا أنكر قتله ولا عابه ولا خالفه في أن يقتل؛ إذ لم يكن له جماعة يمتنع
بمثلها، ولم يَقُد علي وأبو بكر ﵄ قبله ولي من قتلتهُ الجماعة الممتنع بمثلها على التأويل كما وصفنا، ولا على الكفر.
قال الشَّافِعِي ﵀: والآية تدل على أنه إنما أبيح قتالهم في حال.
وليس في ذلك إباحة أموالهم، ولا شيء منها، وأما قطاع الطريق، ومن قتل على غير تأويل فسواء جاعة كانوا أو وحدانًا يقتلون حدًا وبالقصاص بحكم الله ﷿ في القتلة، وفي المحاربين.
الأم (أيضًا): باب (الحال التي لا يحل فيها دماء أهل البغي):
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا دُعِي أهل البغي، فامتنعوا من الإجابة فقوتلوا، فالسيرة فيهم مخالفة للسيرة في أهل الشرك، وذلك بأن الله ﷿ حرَّم ثم رسوله دماء المسلمين، إلا بما بيَّن الله ﵎ ثم رسوله ﷺ، فإنما أبيح قتال أهل البغي ما
كانوا يقاتلون، وهم لا يكونون مقاتلين أبدًا إلا مقبلين، ممتنعين، مريدين، فمتى زايلوا هذه المعاني فقد خرجوا من الحال التي أبيح بها قتالهم، وهم لا يخرجون منها أبدًا، إلا إلى أن تكون دماؤهم محرمة كهي قبل يحدثون، وذلك بيِّنٌ عندي في كتاب
٣ / ١٢٧٤
الله ﷿، قال اللَّه ﵎: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا قاتلت المرأة، أو العبد مع أهل البغي.
والغلام المراهق، فهم مثلهم يقاتلون مقبلين، ويتركون مولين.
قال الشَّافِعِي ﵀: ويختلفون في الأسارى، فلو أسِر البالغ من الرجال
الأحرار، فحُبسَ ليبايع رجوت أن يسع ولا يحبس مملوك، ولا غير بالغ من
الأحرار، ولا امرأة لتبايع، وإنما يبايع النساء على الإسلام، فأما على الطاعة: فهن لا جهاد عليهن، وكيف يبايعن والبيعة على المسلمين المولودين في الإسلام، إنما هي على الجهاد.
أمًا إذا انقضت الحرب فلا أرى أن يُحبس أسيرهم، ولو قال أهل البغي:
أنظرونا ننظر في أمرنا، لم أرَ بأسًا أن ينظروا.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو قالوا: أنظرونا مدة، رأيت أن يجتهد الإمام فيه.
الأم (أيضًا): الخلاف في قتال أهل البغي:
قال الشَّافِعِي ﵀: فقال - أي: المحاور - فكيف يجوز قتلهم مقبلين.
ولا يجوز مدبرين؟
قلت: بما قلنا من أن اللَّه ﷿ إنَّما أذن بقتالهم إذا كانوا باغين، قال الله ﵎: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) الآية، وإنَّما يُقاتل من يُقاتِل، فأما من لا يقاتل، فإنما يقال: اقتلوه، لا فقاتلوه، ولو كان فيما احتججت به من هذا حجة كانت عليك، لأنك تقول: لا تقتلون مدبرًا ولا أسيرًا ولا جريحًا إذا انهزم عسكرهم، ولم تكن لهم فئة.
قال: قلته اتباعًا لعلي بن أبي طالب ﵁.
٣ / ١٢٧٥
الزاهر باب (قتال أهل البغي)
دْكر الشَّافِعِي ﵀: - في المختصر - قول اللَّه ﷿: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)
إلى قوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الآية.
قال - اللَّه تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ) ثم قال: (اقْتَتَلُوا) ولم يقل: اقتتلتا.
ولو قاله لكان جائزًا؛ لأن كل طائفة منهما جماعة.
وقول اللَّه تعالى: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى) الآية، أي: اعتدت
وجارت.
والبغي: الظلم. والباغية: التي تعدل عن الحق، وما عليه أئمة المسلمين
وجماعتهم: يقال: بغى الجرح: إذا ترامى في الفساد.
وبغت المرأة: إذا فجرت.
والبَغِيُّ: الفاجرة.
وقوله -: (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) الآية، أي: ترجع إلى أمر الله تعالى.
وقوله تعالى: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الآية، أي: اعدلوا.
يقال: أقسط فهو مقسط: إذا عدل. وقسط فهو قاسط: إذا جار.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)
الأم: من لا قصاص بينه لاختلاف الدينين:
قال الشَّافِعِي ﵀: جعل - اللَّه تعالى - الأخوة بين المؤمنين - بابتداء
الآية - فقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الآية، وقطع ذلك بين المؤمنين والكافرين، ودلَّت سنة رسول الله ﷺ على مثل ظاهر الآية.
٣ / ١٢٧٦
الأم (أيضًا): شهادة أهل العصبية:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
الآية، وقال رسول الله ﷺ:
«وكونوا عباد الله إخوانًا» الحديث.
فإذا صار رجل إلى خلاف أمر الله ﵎ اسمه، وأمر رسول الله ﷺ بلا سبب يعذر به يخرج به من العصبية، كان مقيمًا على معصية لا تأويل فيها، ولا اختلاف بين المسلمين فيها، ومن أقام على مثل هذا كان حقيقًا أن يكون مردود الشهادة.
* * *
قال الله ﷿: (وَلَا تَجَسَّسُوا)
الأم: باب (الوصية للوارث):
قال الشَّافِعِي ﵀ ًا وقال رسول الله ﷺ:
«أيها الناس قد آنَ لكم أن تنتهوا عن محارم الله تعالى، فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله» الحديث.
فأخبرهم أنه لا يكشفهم عما لا يبدون من أنفسهم، وأنهم إذا أبدوا ما فيه الحق عليهم
٣ / ١٢٧٧
أخذوا بدْلك، وبذلك أمر اللَّه تعالى ذكره فقال: (وَلَا تَجَسَّسُوا) الآية، وبذلك أوصى رسول الله ﷺ.
الأم (أيضًا): اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا للإمام إذا رمى رجل رجلًا بزنا أو حد أن
يبعث إليه، ويسأله عن ذلك؛ لأن اللَّه ﷿ يقول:
(وَلَا تَجَسَّسُوا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإن شبه على أحد أن النبي ﷺ بعث أنيسًا إلى امرأة رجل فقال: «فإن اعترفت فارجمها» الحديث.
فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت، فكان يلزمه ﷺ أن يسأل، فإن أقرَّت حُدَّت، وسقط الحد عن قاذفها.
وإن أنكرت حُدَّ قاذفها.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
الأم: باب (تقويم الناس في الديوان على منازلهم):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه ﷿: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
الآية، وروي عن الزهري، أن النبي ﷺ عرَّف عام حنين على كل عشرة عَريِفًا.
قال الشَّافِعِي ﵀: وجعل النبي ﷺ للمهاجرين شعارًا، وللأوس شعارًا، وللخزرج شعارًا، وعقد النبي ﷺ الألوية عام الفتح، فعقد للقبائل قبيلة
٣ / ١٢٧٨
قبيلة، حتى جعل في القبيلة ألوية كل لواء لأهله، وكل هذا ليتعارف الناس في الحرب وغيرها، وتخف المؤنة عليهم باجتماعهم.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأخبرنا غير واحد من أهل العلم من قبائل قريش.
أن عمر بن الخطاب لما كثر المال في زمانه، أجمع على تدوين الديوان، فاستشار فقال بمن ترون أبدأُ؛ فقال له رجل ابدأ بالأقرب فالأقرب بك، قال: ذكرتموني أبدًا بالأقرب فالأقرب من رسول الله ﷺ، فبدأ ببني هاشم، - ثم فصَّل في هذا الموضوع -.
الأم (أيضًا): باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
فكل نفس مخلوقة من ذكر وأنثى، فهذا عام يراد به العام، وفيه الخصوص، وقال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم.
الرسالة: باب (ما أنزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص)
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
فأما
٣ / ١٢٧٩
العموم منها ففي قول اللَّه: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الآية، فكل نفس خوطبت بهذا في زمان رسول الله ﷺ وقبله وبعده، مخلوقة من ذكر وأنثى، وكلها شعوب وقبائل.
والخاص منها في قول اللَّه: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
لأن التقوى إنما تكون على من عَقَلَها، وكان من أهلها من البالغين من بني آدم، دون المخلوقين من الدوابّ سواهم، ودون المغلوبين على عقولهم منهم، والأطفال الذين لم يبلغوا وَعُقِلَ التقوى منهم، فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها، وكان من أهلها، أو خالفها فكان من غير أهلها.
والكتاب يدل على ما وصفت، وفي السنة دلالة عليها قال رسول الله ﷺ:
رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى
يُفيق» الحديث.
الزاهر باب (الغنيمة والفيء):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الآية.
أما الشعوب والقبائل فقد تقدم تفسيرها.
والمعنى: إنا خلقناكم من آدم وحواء، وكلكم بنو أب وأم واحدة، إليها ترجعون في أنسابكم.
٣ / ١٢٨٠
ثم قال: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الآية، يقول: لم نجعلكم
كذلك لتتفاخروا بآبائكم الذين مضوا في الشعوب والقبائل، وإنَّما جعلناكم
كذلك لتعارفوا.
أي: ليعرف بعضكم بعضًا، وقرابته منكم وتوارثكم بتلك
القرابة، ولما لكم في معرفة القبائل من المصالح في معاقلكم.
ثم قال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
أي: إن أرفعكم منزلة عند اللَّه أتقاكم، وفي هذه الآية نهي عن التفاخر بالنسب، وحضٌّ على معرفته ليستعان به على حيازة المواريث، ومعرفة العواقل في الديات - واللَّه أعلم -.
* * *
قال الله ﷿: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)
الأم: تكلف الحجة على قائل القول الأول، وعلى من قال: أقبل إظهار التوبة إذا كان رجع إلى دين يظهره. . .:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأخبر اللَّه ﷿ عن قوم من الأعراب: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)
فأعلم أنه لم يدخل الإيمان في قلوبهم وأنهم أظهروه، وحقن به دماءهم.
قال مجاهد ﵀: في قوله: (أَسْلَمْنَا قال: أسلمنا مخافة القتل والسِّباء.
٣ / ١٢٨١
الأم (أيضًا) كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم أطلع اللَّه رسوله على قوم يُظهرون الإسلام
وُيسرون غيره، ولم يجعل له أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإسلام، ولم يجعل له أن يقضي عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا، فقال لنبيه ﷺ: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: أسلمنا يعني: أسلمنا بالقول بالإيمان مخافة القتل
والسباء، ثم أخبر أنه يجزيهم إن أطاعوا اللَّه ورسوله، يعني: إن أحدثوا طاعة
رسوله) ﷺ.
٣ / ١٢٨٢
سورة ق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١)
الأم: القراءة في الخطبة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال: حدثني عبد اللَّه
ابن أبي بكر، عن حبيب بن عبد الرحمن بن إساف، عن أم هشام بنت حارثة
ابن النعمان، أنها سمعت النبي ﷺ يقرأ بـ:
(ق) وهو يخطب على المنبر يوم الجمعة، وأنها لم تحفظها إلا من رسول الله ﷺ يوم الجمعة وهو على المنبر.
من كثرة ما كان النبي ﷺ يقرأ بها يوم الجمعة على المنبر.
الأم (أيضًا): القراءة في العيدين:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن ضمرة بن سعيد
المازني، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله ﷺ في الأضحى والفطر؟ فقال: كان رسول الله ﷺ
٣ / ١٢٨٣
يقرأ به: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) الآية، و(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فأحبُّ أن يقرأ في العيدين، في الركعة الأولى ب: (ق) وفي الركعة الثانية بـ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)
وكذلك أحب أن يقرأ في الاستسقاء، وإن قرأ في الركعة الثانية من الاستسقاء: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) الآية، أحببتُ ذلك.
الأم (أيضًا): باب (القراءة في العيدين والجمعة):
سألت الشَّافِعِي باي شيء تحب أن يُقرأ في العيدين فقال: بـ: (ق) .
و(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: بعد إيراد حدبث أبي واقد الليثي -: فقلت - أي:
قال الربيع بن سليمان - للشافعي فإنا لا نبالي بأي سورة قرأ.
فقال - الشَّافِعِي ﵀: ولم لا تبالون وهذه روايتكم عن النبي ﷺ؛ فقلت:
لأنه يجزيه. . . إلى أن قال: ينبغي أن تستحبوا ما صنع رسول الله ﷺ بكل حال.
* * *
قال الله ﷿: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا)
الأم: البروز للمطر:
قال الشَّافِعِي ﵀: بلغنا أن النبي ﷺ كان يَتَمَطر في أول مطرة حتى يصيب جسده.
وروي عن ابن عباس ﵄ أن السماء أمطرت، فقال
٣ / ١٢٨٤
لغلامه: أخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر، فقال أبو الجوزاء لابن عباسٍ ﵄: لم تفعل هذا يرحمك اللَّه؛ فقال: أما تقرأ كتاب اللَّه: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا) الآية.
فأحبُّ أن تصيب البركة فراشي ورحلي.
أخبرنا إبراهيم، عن ابن حرملة، عن ابن المسيب ﵀، أنه رآه في
المسجد، ومطرت السماء، وهو في السقاية، فخرج إلى رحبة المسجد، ثم كشف عن ظهره للمطر حتى أصابه، ثم رجع إلى مجلسه.
* * *
قال الله ﷿: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠)
مختصرالمزني: باب (القراءة في الصلاة):
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا سفيان، عن زياد بن علاقة، عن عمه، قال:
سمعت النبي ﷺ في الصبح يقرأ: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: يعني بـ: (ق) الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: فأعلم - اللَّه تعالى - عباده مع ما أقام عليهم من
الحجة، بأن ليس كمثله أحد في شيء، أن علمه بالسر والعلائنة واحد، فقال
٣ / ١٢٨٥
تعالى ذكره: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) الآية.
٣ / ١٢٨٦
سورة الذاريات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١)
الأم: القول في الإنصات عند رؤية السحاب والمطر:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرني من لا أتهم قال: حدثنا العلاء بن راشد.
عن عكرمة، عن ابن عباس ﵄، قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي ﷺ على ركبتيه وقال:
«اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها
رياحًا ولا تجعلها ريحًا» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: قال ابن عباس ﵄ في كتاب الله ﷿: (إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) الآية.
وذكر آيات أخرى في هذا الباب.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)
الأم: كتاب الجزية:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
٣ / ١٢٨٧
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال الله ﵎: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: خلق الله تعالى الخلق لعبادته.
٣ / ١٢٨٨
سورة الطور
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)
الأم: باب (تفريع حج الصبي والمملوك):
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: فما الحجة أن للصبي حجًا، ولم
يكتب عليه فرضه؟
قيل: إن اللَّه بفضل نعمته أناب الناس على الأعمال
أضعافها، ومَن على المؤمنين بأن ألحقَ بهم ذرياتهم، ووفر عليهم أعمالهم.
فقال: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية.
فلما مَنَّ على الذراري بإدخالهم جنته بلا عمل، كان أن من عليهم بأن بكتب لهم عمل البر في الحج، وإن لم يجب عليهم من ذلك المعنى - ثم ذكر دليلًا حديث المرأة التي رفعت للنبي ﷺ صبيًا - فقالت: يا رسول ألهذا حج؟
قال ﷺ: «نعم، ولَكِ أجر» الحديث -.
٣ / ١٢٨٩
ترتيب مسند الشافعى: الباب السادس (في صفة الصلاة):
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير
ابن مطعم، عن أبيه أنه قال: «سمعت رسول الله ﷺ قرأ بالطور في المغرب» الحديث.
٣ / ١٢٩٠
سورة النجم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١)
الأم: باب (سجود التلاوة والشكر):
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، عن ابن أبي
ذئب، عن الحرث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن، عن ثوبان، عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ:
قرأ بالنجم فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين» الحديث.
قال: أرادا الشهرة.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، عن ابن أبي
ذئب، عن يزيد، عن عبد اللَّه بن قسيط، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن ثابت ﵁: «أنه قرأ عند رسول الله ﷺ بالنجم فلم يسجد فيها» الحديث.
وفي هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن ليس بحتم، ولكنا نحب أن لا يترك؛ لأن النبي ﷺ سجد في النجم وترك.
٣ / ١٢٩١
حدثنا الربيع بن سليمان:
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي النجم سجدة، ولا أحب أن يدع شيئًا من
سجود القرآن، وإن تركه كرهته له، وليس عليه قضاؤه، لأنه ليس بفرض.
قال الشَّافِعِي ﵀: يرد على من زعم أن لا سجود في المفصل
إجماعًا -؛ رويتم عن عمر بن الخطاب ﵁: «أنه سجد في النجم»، ثم لا تروون عن غيره خلافه.
الأم (أيضًا): سجود القرآن:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرني الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا هشيم، عن شعبة، عن عاصم، عن
زر، عن علي رضي اللَّه تعالى عنه قال: عزائم السجود (الم (١) تَنْزِيلُ)
و(حم (١) تَنْزِيلٌ) و(النجم) الآية، و(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)
ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه.
الأم (أيضًا): باب (سجود القرآن):
وقال الشَّافِعِي ﵀: وأخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن الأعرج أن
عمر بن الخطاب ﵁ قرأ: «(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى)
فسجد فيها ثم قام، فقرأ بسورة أخرى» الحديث.
٣ / ١٢٩٢
قال الله ﷿: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨)
الأم: من يلحق بأهل الكتاب:
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان أهل الكتاب المشهور عند العامة، أهل التوراة
من اليهود، والإنجيل من النصارى، وكانوا من بني إسرائيل، وأحطنا أن الله ﷿ أنزل كتبًا غير التوراة، والإنجيل، والفرقان، قال الله ﷿: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) .
فأخبر - اللَّه تعالى - أنَّ لأبراهيم صحفًا.
الأم (أيضًا): الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ:
قال الشَّافِعِي ﵀: والكتابان المعروفان التوراة والإنجيل ولله كتب
سواهما، قال - أي: المحاور - وما دل على ما قلت؟
قلت: قال اللَّه ﷿: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) . الآيتان.
فالتوراة كتاب موسى، والإنجيل كتاب عيسى، والصحف كتاب إبراهيم - عليهم الصلاة والسلام - ما لم تعرفه العامة من العرب.
٣ / ١٢٩٣
الأم (أيضًا): باب (أخذ الولي بالولي)
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) .
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا ابن عيينة، عن عبد الملك بن أبجر، عن أبان
ابن لقيط، عن أبي رمثة، قال: دخلت مع أبي على النبي ﷺ فقال له النبي ﷺ:
من هذا؟» قال: ابني يا رسول اللَّه أشهد به، فقال النبي ﷺ: «أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه» الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن
عمرو بن أوس، قال: كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم فقال اللَّه ﷿: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) . الآيتان.
قال الشَّافِعِي ﵀: والذي سمعت - واللَّه أعلم - في قول الله تعالى:
(أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية.
أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره، وذلك في بدنه دون ماله، وإن قتل أو كان
حدًا لم يقتل به غيره، ولم يؤخذ، ولم يحد بذنبه فيما بينه وبين اللَّه تعالى؛ لأن الله جل وعز إنما جعل جزاء العباد على أعمال أنفسهم، وعاقبهم عليها، وكذلك أموالهم لا يجني أحد على أحد في ماله، إلا حيث خصَّ رسول الله ﷺ بأن جناية الخطأ من الحر على الآدميين على عاقلته، فأما ما سواهما فأموالهم ممنوعة من
٣ / ١٢٩٤
أن تؤخذ بجناية غيرهم.
وعليهم في أموالهم حقوق سوى هذا من ضيافة وزكاة
وغير ذلك، و- ذلك - ليس من وجه الجناية.
الأم (أيضًا): الفداء بالأساوى:
قال الشَّافِعِي ﵀: قول رسول الله ﷺ:
«أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف» الحديث.
إنما هو أن المأخوذ مشرك، مباح الدم والمال، لشركه من جميع جهاته.
والعفو عنه مباح، فلما كان هكذا لم ينكر أن يقول: أخذتَ، أي: حُبستَ بجريرة حلفائكم ثقيف، ويحبسه بذلك ليصير إلى أن يخلوا من أراد، ويصيروا إلى ما أراد.
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقد غلط بهذا بعض من يشدد الولاية فقال:
يؤخذ الولي - بالولي - من المسلمين، وهذا مشرك يحل أن يؤخذ بكل جهة.
وقد قال رسول الله ﷺ لرجلين مسلمين:
«هذا ابنك؟» قال: نعم، قال: «أما إنه لا يجني عليك ولا تجنى عليه» الحديث، وقضى الله ﷿: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية.
ولما كان حبس هذا حلالًا بغير جناية غيره، وإرسأله مباحًا.
كان جائزًا أن يحبس بجناية غيره؛ لاستحقاقه ذلك بنفسه، ويخلى تطوعًا إذا نال به بعض ما يحب حابسه.
مختصر المزني: باب (في المرور بين يدي المصلي):
قال الشَّافِعِي ﵀: قيل: - أي: المحاور - فما يدل عليه من كتاب الله
من هذا؟
قيل: قضاء اللَّه (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية - والله أعلم - أنه
لا يبطل عمل رجل عمل غيره، وأن يكون سعى كل لنفسه وعليها، فلما كان هذا هكذا، لم يجز أن يكون مرور رجل يقطع صلاة غيره.
٣ / ١٢٩٥
قال الله ﷿: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)
الأم: المشي إلى الجمعة:
قال الشَّافِعِي ﵀: ومعقول أن السعي في هذا الموضع: العمل قال اللَّه ﷿: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) .
وقال: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) .
قال الشَّافِعِي ﵀: قال زهير:
سعى بعدهُمَ قومٌ لكي يُدْركُوهُمُ ... فلم يَفْعَلُوا ولم يُلِيمُوا ولم يَألُوا
مختصر المزني: مقدمه اختلاف الحديث:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقلت له - أي: للمحاور - قد روينا ورويت أن
رسول اللَّه ﷺ أمر امرأة أن تحج عن أبيها، ورجلًا أن يحج عن أبيه، فقلنا نحن وأنت به، وقلنا نحن وأنت معًا: لا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، ولا يصلي أحد عن أحد، فذهب بعض أصحابنا إلى أنَّ ابن عمر ﵄ قال: لا يحج أحد عن أحد، أفرأيت إن احتج له أحد ممن خالفنا فيه؟
فقال: الحج عمل على البدن كالصلاة والصوم، فلا يجوز أن يعمله المرء إلا عن نفسه، وتأول قول اللَّه ﷿:
(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) الآية.
وقال السعي: العمل، والمحجوج عنه غير عامل، فهل الحجة عليه إلا أن الذي روى هذا الحديث محمد رسول الله ﷺ؛
٣ / ١٢٩٦
ممن يثبت أهل الحديث حديثه، وأن اللَّه فرض طاعة رسوله ﷺ، وأن ليس لأحد خلافه، ولا التأول معه؛ لأنه المنزل عليه الكتاب المبين عن اللَّه معناه.
مختصر المزني (أيضًا) (باب (في بكاء الحي على الميت)
بعد أن ذكر حديث عمر ﵁:
«إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه الحديث.
وَرَد أم المؤمنين عائشة ﵂.
قال الشَّافِعِي ﵀: وما روت عائشة عن رسول الله ﷺ له أشبه أن يكون محفوظًا عنه، بدلالة الكتاب ثم السنة.
فإن قيل: فأين دلالة الكتاب؟
قيل في قوله ﷿ (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) الآية.
وذكر غيرها من الآيات المتعلقة بالموضوع
وحديث:»إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه.
* * *
قال الله ﷿: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (٤٣)
مختصر المزني: باب (في بكاء الحي على الميت):
قال الشَّافِعِي ﵀: فلما مات عمر ﵁ ذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله عمر، لا واللَّه ما حدث رسول الله ﷺ أن اللَّه يعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله ﷺ قال:
"إن الله يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه
٣ / ١٢٩٧
فقالت عائشة ﵂ حسبكم القرآن: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
وقال ابن عباس ﵄ عند ذلك.
واللَّه - قال: (أَضْحَكَ وَأَبْكَى) الآية.
قال ابن مليكة: فوالله ما قال ابن عمر من شيء.
* * *
قال الله ﷿: (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (٦١)
أحكام القرآن: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في آيات متفرقة):
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرني أبو عبد الله (أحمد بن محمد بن مهدي
الطوسي)، أخبرنا محمد بن النذر بن سعيد، أخبرنا محمد بن عبد الله بن
عبد الحكم قال:
سمعت الشَّافِعِي يقرل: في قول اللَّه ﷿: (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ) الآية، قال: يقال: هو الغناء، بالحميرية.
وقال بعضهم: غضاب مبرطِمُون.
قال الشَّافِعِي ﵀: من السمود، وكل ما يحدِّث الرجل به: فَلَهَا
عنه، ولم يستمع إليه فهو: السُّمُود.
٣ / ١٢٩٨
قال الله ﷿: (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)
الأم: باب (سجود التلاوة والشكر):
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي النجم سجدة. . . ثم يقول -: فأحب أن يبدأ
الذي يقرأ السجدة فيسجد، وأن يسجد من سمعه.
فإن قال قائل: فلعل أحد هذين الحديثين نسخ الآخر؟
قيل: فلا يدعي أحد أن السجود في النجم منسوخ إلا جاز لأحد أن يدعي أن ترك السجود منسوخ، والسجود ناسخ، ثم يكون أولى؛ لأن السنة السجود، لقول اللَّه جل وعز: (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا)
ولا يقال لواحد من هذا ناسخ ولا منسوخ، ولكن يقال هذا اختلاف من
جهة المباح.
مختصر المزني: باب (سجود القرآن):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأما حديث زيد أنه قرأ عند النبي ﷺ: (النجم)
فلم يسجد، فهو - والله أعلم - أن زيدًا لم يسجد وهو القارئ، فلم يسجد النبي ﷺ ولم يكن عليه فرضًا فيأمره النبي ﷺ به.
حدثنا الربيع:
٣ / ١٢٩٩
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن
عطاء بن يسار، أن رجلًا قرأ عند النبي ﷺ: (السجدة) فسجد، فسجد النبي ﷺ ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد، فلم يسجد النبي ﷺ فقال: يا رسول الله قرأ فلان عندك: (السجدة) فسجدت، وقرأت عندك (السجدة) فلم تسجد؟
فقال النبي ﷺ:
«كنت إمامًا فلو سجدت سجدت معك» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: إني لأحسبه زيد بن ثابت؛ لأنه يحكى أنه قرأ عند
النبي ﷺ: (النجم) فلم يسجد، وإنما روى الحديثين معًا، عطاء بن يسار.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأحب أن يبدأ الذي يقرأ: (السجدة) فيسجد.
ويسجدوا معه.
فإن قال قائل فلعل أحد هذين الحديثين. . . إلخ -
ثم كمل ما ورد في الفقرة الأولى حرفيًا -.
٣ / ١٣٠٠
سورة القمر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١)
الأم: القراءة في العيدين:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال، أخبرنا مالك بن أنس، عن ضَمرة بن سعيد المازني.
عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد اللَّه، أن عمر بن الخطاب ﵁، سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله ﷺ في الأضحى والفطر؛ فقال: كان رسول الله ﷺ يقرأ بـ: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) الآية، و(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأحبّ أن يُقرأ في العيدين في الركعة الأولى ب:
(ق)، وفي الركعة الثانية ب: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) الآية.
وكذلك أحب أن
٣ / ١٣٠١
يقرأ في الاستسقاء، وإن قرأ في الركعة الثانية من الاستسقاء:
(إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) أحببتُ ذلك.
الأم (أيضًا): باب (القراءة في العيدين والجمعة)
قال الربيع:
سألت الشَّافِعِي ﵀: بأي شيء تحب أن يقرأ في العيدين؟
فقال بـ:
(ق) و(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩)
الأم: القول في الإنصات عند رؤية السحاب والريح:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرني من لا أتهم قال، حدثنا العلاء بن راشد.
عن عكرمة، عن ابن عباس ﵄ قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي ﷺ على ركبتيه وقال: «اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: قال ابن عباس ﵄ في كتاب اللَّه ﷿:
(إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا) الآية.
٣ / ١٣٠٢
سورة الواقعة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (٣٥) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (٣٦) عُرُبًا أَتْرَابًا (٣٧)
الزاهر باب (اللعان):
قال - الشَّافِعِي ﵀: وقول اللَّه ﷿: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) الآية، أراد - واللَّه أعلم - وذوات فرش مرفوعة، والدليل على ذلك قول اللَّه ﷿: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (٣٥) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (٣٦) عُرُبًا أَتْرَابًا (٣٧) .
أراد إنا أنشأنا ذوات الفرش المرفوعة التي تقدم ذكرها.
قال الأزهري: - وعلى هذا التفسير يكون -: قوله ﷺ:
الولد للفراش وللعاهر الحجر» الحديث.
أي: الزاني الذي ليس بصاحب الفراش الخيبة، لا شيء له من الولد، وليس معنى الحجر: الرجم، وإنما هو كقولهم: له التراب، أي: الخيبة.
وقال أبو عبيد: معنى قوله: «وللعاهر الحجر» الحديث، أي: لا حق له في
النسب.
٣ / ١٣٠٣
قال الله ﷿: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشافعى بتفسير القرآن
ومعانيه وسبب نزوله):
وقرأت في كتاب السنن - رواية حرملة بن يحيى -:
عن الشَّافِعِي ﵀: في قول اللَّه تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)
قال: فاختلف فيها أهل التفسير:
فقال بعضهم: فَرَضَ لا يمسُّه إلا مُطَهَّر: يعني: متطهر تجوز له الصلاة.
وهذا المعنى تحتمله الآية: وذكر ما يشهد له من السنة.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد ذهب بعض أهل التفسير في قوله:
(لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الآية.
يعني: لا يمسه في اللوح المحفوظ إلا المطهرون من الذنوب.
يعني: الملائكة.
٣ / ١٣٠٤
سورة المجادلة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١)
الأم: باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وجاءته ﷺ امرأة أوس بن الصامت تشكو إليه أوسًا، فلم يجبها حتى أنزل اللَّه ﷿:
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ)
الأم: الخلاف في طلاق المختلعة:
قال الشَّافِعِي ﵀: فخالفنا بعض الناس في المختلعة، فقال: إذا طلقت
في العدة لحقها الطلاق، فسألته هل يروي في قوله خبرًا؛ فذكر حديثًا لا تقوم بمثله حجة عندنا ولا عنده، فقلت: هذا عندنا وعندك غير ثابت.
قال: فقد قال
٣ / ١٣٠٥
- به - بعض التابعين عندك لا يقوم به حجة لو لم يخالفهم غيرهم.
قال: فما حجتك في أن الطلاق لا يلزمها؟
قلت: حجتي فيه من القرآن، والأثر، والإجماع
على ما يدل على أن الطلاق لا يلزمها.
قال: وأين الحجة من القرآن؟
قلت: قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية -
وذكر أدلة أخرى على اللعان، والإيلاء، والميراث -.
الأم (أيضًا): ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﷿: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) الآية.
يعني: أن اللائي ولدنهم أمهاتهم بكل حال، الوارثات والموروثات المحرمات بأنفسهن، والمحرم بهن غيرهن اللائي لم يكن قط إلا أمهات، ليس اللائي يحدثن رضاعًا للمولود، فيكن به أمهات.
وقد كن قبل إرضاعه غير أمهات له، ولا أمهات المؤمنين عامة يحرمن بحرمة
أحدثنها، أو يحدثها الرجل، أو أمهات المؤمنين اللائي حرمن بأنهن أزواج النبي ﷺ، فكل هؤلاء يحرمن بشيء يحدثه رجل يحرمهن، أو يحدثته، أو حرمة النبي ﷺ، والأم
تحرم نفسها وترث وتورث، فيحرم بها غيرها، فأراد بها الأم في جميع معانيها لا في بعض دون بعض كما وصفنا ممن يقع عليه اسم الأم غيرها - والله أعلم -.
الأم (أيضًا): الخلاف في هذا الباب - أي: في عدد ما يحل من الحرائر والإماء. . .:
قال الشَّافِعِي ﵀: فقال بعض الناس إذا طلق الرجل أربع نسوة له
ثلاثًا، أو طلاقًا يملك الرجعة، أو لا رجعة له على واحدة منهن، فلا ينكح حتى
٣ / ١٣٠٦
تنقضي عدتهن، ولا يجمع ماءه في أكثر من أربع، ولو طلق واحدة ثلاثًا لم يكن له أن ينكح أختها في عدتها.
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت لبعض من يقول هذا القول: هل لمطلق نسائه
ثلاثًا زوجة؟
قال: لا: قلت: فقد أباح اللَّه ﷿ لمن لا زوجة له أن ينكح أربعًا، وحرم الجمع بين الأختين، ولم يختلف الناس في إباحة كل واحدة منهما إذا لم يجمع بينهما على الانفراد، فهل جمع بينهما إذا طلق إحداهما ثلاثًا؛ وقد حكم اللَّه بين الزوجين أحكامًا - منها -، وقال: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية.
الأم (أيضًا): من يقع عليه الطلاق من النساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ)
مع ما ذكر به الأزواج، ولم أعلم مخالفًا في أن أحكام اللَّه تعالى في الطلاق.
والظهار، والإيلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة النكاح يحل للزوج جماعها، وما يحل من امرأته، إلا أنه محرم الجماع في الإحرام والمحيض، وما أشبه ذلك حتى ينقضي.
الأم (أيضًا): من يجب عليه الظهار ومن لا يجب عليه:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎:
(الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) .
٣ / ١٣٠٧
قال الشَّافِعِي ﵀: فكل زوج جاز طلاقه، وجرى عليه الحكم، من بالغ غير مغلوب على عقله، وقع عليه الظهار، سواء كان حرًا أو عبدًا، أو من لم تكمل فيه الحرية، أو ذميًا، من قِبَلِ أن أصل الظهار كان طلاقَ الجاهلية، فحكم اللَّه تعالى فيه بالكفارة، فحرّم الجماع على التظاهر بتحريمه للظهار حتى يكفر، وكل هؤلاء ممن يلزمه الطلاق، ويحرم عليه الجماع بتحريمه إذا كانوا بالغين، غير مغلوبين على عقولهم.
الأم (أيضًا): الأيمان والنذور والكفارات في الأيمان:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقول اللَّه تعالى:
(وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) الآية.
ثم جعل فيه الكفارة.
* * *
قال الله ﷿: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) .
الأم: الظهار:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)
٣ / ١٣٠٨
قال الشَّافِعِي ﵀: سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يذكر أن
أهل الجاهلية كانوا يطلقون بثلاثة: (الظهار - والإيلاء - والطلاق) .
فأقرَّ الله الطلاق طلاقًا، وحكم في الإيلاء: بأن أمهل المُولي أربعة أشهر، ثم جعل عليه أن يفيء أو يطلق، وحكم في الظهار بالكفارة، فإذا تظاهر الرجل من امرأته يريد طلاقها، أو يريد تحريمها بلا طلاق، فلا يقع به طلاق بحال وهو متظاهر، وكذلك إذا تكلم بالظهار ولا ينوي شيئًا فهو متظاهر، لأنه متكلم بالظهار، ويلزم الظهار من لزمه الطلاق، ويسقط عمن سقط عنه، وإذا تظاهر الرجل من امرأته قبل أن يدخل بها، أو بعد ما دخل بها فهو متظاهر، وإذا طلقها فكان لا يملك رجعتها في العدة ثم تظاهر منها لم يلزمه الظهار، وإذا طلق امرأتين فكان يملك رجعة إحداهما، ولا يملك رجعة الأخرى، فتظاهر منهما في كلمة واحدة
لزمه الظهار من التي يملك رجعتها، ويسقط عنه من التي لا يملك رجعتها.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا تظاهر من أمته (أم ولد كانت، أو غير أم
ولد) لم يلزمه الظهار، لأن اللَّه ﷿ يقول:
(وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية.
وليست من نسائه ولا يلزمه الإيلاء، ولا الطلاق، فيما لا يلزمه الظهار.
الأم (أيضًا): متى يوجب على المظاهر الكفارة»:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎:
(وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) الآية.
٣ / ١٣٠٩
قال الشَّافِعِي ﵀: الذي عقلت مما سمعت في: (يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا)
الآية، أن المتظاهر حرم مس امرأته بالظهار، فإذا أتت عليه مدة بعد القول
بالظهار لم يحرمها بالطلاق الذي يحرّم به، ولا شيء يكون له مخرج من أن تحرم عليه به، فقد وجب عليه كفارة الظهار، كأنهم يذهبون إلى: أنه إذا أمسك ما حرَّم على نفسه أنه حلال، فقد عاد لما قال فخالفه، فأحلَّ ما حرّم.
ولا أعلم له معنى أولى به من هذا، ولم أعلم مخالفًا في أن عليه كفارة
الظهار، وإن لم يعد بتظاهر آخر، فلم يجز أن يقال: لما لم أعلم مخالفًا في أنه ليس بمعنى الآية.
وإذا حبس المتظاهر امرأته بعد الظهار قدر ما يمكنه أن يطلقها، ولم
يطلقها، فكفارة الظهار له لازمة.
ولو طلقها بعد ذلك، أو لاعَنَها فحرمت عليه على الأبد، لزمته كفارة
الظهار، وكذلك لو ماتت، أو ارتدت، فقتلت على الردة، ومعنى قول اللَّه تعالى: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
وقت لأن يؤدي ما أوجب عليه من الكفارة فيها
قبل الماسة، فإذا كانت المماسة قبل الكفارة فذهب الوقت، لم تبطل الكفارة، ولم يزد عليه فيها، كما يقال له أدِّ الصلاة في وقت كذا، وقبل وقت كذا، فيذهب الوقت فيؤديها؛ لأنها فرض عليه، فإذا لم يؤدها في الوقت أداها قضاء بعده، ولا يقال له زد فيها لذهاب الوقت قبل أن تؤديها.
الأم (أيضًا): باب (الخلاف في عدل الصيام والطعام):
قال الشَّافِعِي ﵀: حكم اللَّه على المظاهر إذا عاد لما قال:
(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فإن لم يجد (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)
فإن لم يستطع (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) .
٣ / ١٣١٠
فكان معقولًا أن إمساك المظاهر عن أن يأكل ستين يومًا
كإطعام ستين مسكينًا، وبهذا المعنى صرت إلى أن إطعام مسكين مكان كل يوم.
الأم (أيضًا): باب (عتق المؤمنة الظهار)
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا وجبت كفارة الظهار على الرجل وهو واجد لرقبة أو ثمنها، لم يجزه فيها إلا تحرير رقبة، ولا تجزئه رقبة على غير دين الإسلام؛ لأن اللَّه ﷿ يقول في القتل: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وكان شرط الله تعالى في رقبة القتل إذا كانت كفارة كالدليل -
واللَّه تعالى أعلم -.
الأم (أيضًا): من له الكفارة بالصيام في الظهار:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿:
(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآيتان.
٣ / ١٣١١
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا لم يجد المتظاهر رقبة يعتقها، وكان يطيق الصوم
فعليه الصوم، ومن كان له مسكين وخادم وليس له مملوك غيره، ولا ما يشتري به مملوكًا غيره كان له الصوم، ومن كان له مملوك غير خادمه ومسكن كان عليه أن يعتق، وكذلك لو كان ثمن مملوك، كان عليه أن يشتري مملوكًا فيعتقه.
الأم (أيضًا): الكفارة بالصيام:
قال الشَّافِعِي ﵀: ومن وجب عليه أن يصوم شهرين في الظهار، لم
يجزه إلا أن يكونا متتابعين كما قال الله عز ذكره، ومتى أفطر من عذر أو غير
عذر فعليه أن يستأنف، ولا يعتد بما مضى من صومه، وكذلك إن صام في
الشهرين يومًا من الأيام التي نهى النبي ﷺ عنها وهي خمس: (يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام منى الثلاث بعد النحر - أي: أيام التشريق -) استأنف الصوم بعد مضيهن، ولم يعتد بهن، ولا بما كان قبلهن، واعتد بما بعدهن، ومتى دخل عليه شيء يفطره في يوم من صومه استأنف الصوم حتى يأتي بالشهرين متتابعين ليس فيهما فطر، وإذا صام بالأهلة صام هلالين، وإن كانا تسعة، أو ثمانية وخمسين، أو ستين يومًا.
الأم (أيضًا): الكفارة بالإطعام:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)
الآيتان.
٣ / ١٣١٢
قال الشَّافِعِي ﵀: فمن تظاهر ولم يجد رقبة، ولم يستطع حين يريد الكفارة عن الظهار صوم شهرين متتابعين، بمرض أو علة ما كانت، أجزأه أن يطعم.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا يجزئه أن يطعم أقل من ستين مسكينًا، كل
مسكين مدًّا من طعام بلده الذي يقتاته.
ولو أطعم ثلاثين مسكينًا مُدَّين مُدَّين في يوم واحد، أو أيام متفرقة، لم يجزه
إلا عن ثلاثين، وكان متطوعًا بما زاد كل مسكين على مذ؛ لأن معقولًا عن اللَّه ﷿ إذا أوجب طعام ستين مسكينًا أن كل واحد منهم غير الآخر. ..
ولا يجزئه أن يعطيهم ثمن الطعام أضعافًا، ولا يعطيهم إلا مكيلة طعام
لكل واحد. ..
ولا يجوز أن يكسوهم مكان الطعام. ..
ولا يجزئه إلا مسكين مسلم، وسواء الصغير منهم والكبير، ولا يجزئه أن
يطعم عبدًا ولا مكاتبًا ولا أحدًا على غير دين الإسلام. ..
وُيكَفرُ في الإطعام قبل المسيس؛ لأنها في معنى الكفارة قبلها.
الأم (أيضًا): البحيرة والوصيلة والسائبة والحام:
قال الشَّافِعِي ﵀: تحرير الرقبة والأطعام ندب اللَّه إليه حين ذكر تحرير
الرقبة، وقال اللَّه ﷿ في المُظَاهَرة: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
الأم (أيضًا): ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقلت - أي: للمحاور -: وكذلك حين أوجب -
الله تعالى - عتق رقبة في الظهار.
ثم قال: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)
لم يكن له أن يصوم وهو يجد عتق رقبةٍ؟
قال: نعم.
٣ / ١٣١٣
الرسالة: باب (الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: وما الذي يغرم الرجل من جنايته
وما لزمه غير الخطأ؟
قلت: قال اللَّه: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) -
وذكر آيات غيرها مما يتعلق بالموضوع المطروح بالسؤال -.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الفقه)
أخبرنا محمد بن موسى قال: حدثنا أبو العباس قال: حدثنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: نال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
إلى قوله: (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) الآية.
فقلنا: لا يجزيه إلا رقبة مؤمنة، ولا يجزيه إلا أن يطعم ستين مسكينًا، والإطعام قبل أن يتماسا.
واذا ذكر اللَّه الكفارة في العتق في موضع فقال: (رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية.
ثم ذكر كفارة مثلها، فقال: (رقبة) - كما في الظهار - نعلم أن الكفارة لا
تكون إلا مؤمنة.
- ثم ساق الكلام إلى أن قال -: لأنهما مجتمعتان في أنهما
كفارتان - كما ذكر الشهود في البيع والزنا ولم يذكر عدلًا - وشرط ذلك في الإشهاد على الوصية - وشرط العدل واجتماعهما في أنهما شهادة يدل على أن لا تقبل فيها إلا العدول - وبسط الكلام فيه -.
٣ / ١٣١٤
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
الأم: الرجل يقيم الرجل من مجلسه يوم الجمعة:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع.
عن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه، ثم يخلفه فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأكره للرجل - من كان إمامًا أو غير إمام - أن
يقيم رجلًا من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن نأمرهم أن يتفسحوا.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال حدثني أبي، عن ابن
عمر ﵄، أن النبي ﷺ قال:
«لا يعمِد الرجل إلى الرجل فيقيمه من مجلسه ثم يقعد فيه» الحديث.
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال: قال
سليمان بن موسى، عن جابر ﵁ أن النبي ﷺ قال:
«لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل تفسحوا» الحديث.
٣ / ١٣١٥
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: إن اللَّه ﵎ لما خصَّ به رسوله من
وحيه، وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه، بالفرض على خلقه بطاعته
في غير آية من كتابه، فقال: (إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)
الأم: باب (الولاء والحِلْف):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تقدست أسماؤه:
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) الآية.
٣ / ١٣١٦
فميز اللَّه ﷿ بينهم بالدين، ولم يقطع الأنساب بينهم، فدل ذلك على أن الأنساب ليست من الدين في شيء.
الأنساب ثابتة لا تزول، والدين شيء يدخلون فيه، أو يخرجون منه.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى:
قال الشَّافِعِي ﵀: يقال - واللَّه أعلم -: إن بعض المسلمين تأثَّمَ من صلة المشركين، أحسب ذلك، لما نزل فرض جهادهم، وقطع الولاية بينهم وبينهم، ونزل:
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) . الآية.
٣ / ١٣١٧
سورة الحشر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)
الأم: العبد المسلم يأبق إلى أهل دار الحرب:
قال الشَّافِعِي ﵀: كل ما كان مما يملكون لا روح له، فإتلافه مباح بكل وجه، وكل ما زعمت أنه مباح، فحلال للمسلمين فعله، وغير محرم عليهم تركه. ..
قال اللَّه ﵎ في بني النضير حين حاربهم رسول الله ﷺ: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم، وإخراب المؤمنين
بيوتهم، وَوَصفُه إياه جل ثناؤه كالرضا به.
الأم (أيضًا): قطع أشجار العدو:
بعد أن ذكر قول أبي حنيفة وقول الأوزاعي،
٣ / ١٣١٨
قال الشَّافِعِي ﵀: قال أبو يوسف ﵀: أخبرنا الثقة من أصحابنا.
عن أصحاب رسول الله ﷺ أنهم كانوا وهم محاصرو بني قريظة إذا غلبوا على دارٍ من دورهم أحرقوها، فكان بنو قريظة يخرجون فينقضونها ويأخذون حجارتها ليرموا بها المسلمين، وقطع المسلمون نخلًا من نخلهم فأنزل الله: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: يقطع النخل ويحرق، وكل ما لا روح فيه كالمسألة قبلها، ولعل أمر أبي بكر ﵁ بأن يكفوا عن أن يقطعوا شجرًا مثمرًا، إنما هو؛ لأنه سمع رسول الله ﷺ يخبر أن بلاد الشام تفتح على المسلمين، فلما كان مباحًا له أن يفطع ويترك، اختار الترك نظرًا للمسلمين، وقد قطع رسول اللَّه ﷺ يوم بنى النضير، فلما أسرع في النخل، قيل له: قد وعدكها الله، فلو استبقيتها
لنفسك، فكفَّ القطعَ استبقاء، لا أن القطع محرّم.
فإن قال قائل: قد ترك في بني النضبر بعد القطع فهو ناسخ له؟
فقد قطع بخيبر وهي بعد بنى النضير، قيل: ثم قطع بالطائف، وهي بعد هذا كله، وآخر غزاة لقي فيها رسول الله ﷺ قتالًا.
* * *
قال الله ﷿: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (٥)
الأم: العبد المسلم يأبق إلى دار الحرب:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأمر رسول الله ﷺ بقطع نخل من ألوان نخلهم، فأنزل اللَّه ﵎ رضًا بما صنعوا من قطع نخيلهم: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) .
٣ / ١٣١٩
فرضي القطع وأباح الترك، فالقطع والترك موجودان في الكتاب والسنة.
وذلك أن رسول الله ﷺ قطع نخل بني النضير وترك، وقطع نخل غيرهم وترك، وممن غزا من لم يقطع نخله.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن
نافع، عن ابن عمر ﵄: «أن رسول الله ﷺ قطع نخل بني النضير» الحديث.
أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن ابن شهاب ﵀: «أن رسول
الله ﷺ حرَّق أموال بني النضير»
فقال قائل:
وهان على سُراةِ بني لُؤَي ... حَريق بالبُويرةِ مُستَطِيرُ
فإن قال قائل: ولعل النبي ﷺ حرَّق مال بني النضير ثم ترك.
قيل: على معنى ما أنزل اللَّه ﷿، وقد قطع وحرق بخيبر، وهي بعد - بني - النضير، وحرق بالطائف وهي آخر غزاة قابل بها، وأمر أسامة بن زيد أن يحرق على أهل (أبنَى) .
٣ / ١٣٢٠
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا بعض أصحابنا، عن عبد اللَّه بن جعفر
الأزهري قال: سمعت ابن شهاب يحدث عن عروة بن أسامة بن زيد قال:
أمرني رسول الله ﷺ أن أغزو صباحًا على أهل (أبنى) وأحرِّق«الحديث.
الأم (أيضًا): في قطع الشجر وحرق المنازل:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا بأس بقطع الشجر المثمر - وغير المثمر -.
وتخريب العامر، وتحريفه من بلاد العدو، وكذلك لا بأس بتحريق ما قدر لهم عليه من مال وطعام لا روح فيه؛ لأن رسول الله ﷺ حرق نخل بني النضير، وأهل خيبر، وأهل الطائف، وقطع، فأنزل الله ﷿ في بني النضير: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا) فأما ماله روح: فإنه يالم مما أصابه فقتله محرم، إلا بأن يذبح فيؤكل، ولا يحل قتله لمغايظة العدو؛ لأن رسول الله ﷺ قال:
من قتل عصفورًا فما فوقها بغير حقها سأله الله عنها»
قيل: وما حقها يا رسول الله؟
قال: «يدعها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي به» الحديث.
الأم (أيضًا) ما عجز الجيش عن حمله من الغنائم:
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: وإذا أصاب المسلمون غنائم، من متاع أو
غنم فعجزوا عن حمله، ذبحوا الغنم، وحرقوا المتاع، وحرقوا لحوم الغنم كراهية أن ينتفع بذلك أهل الشرك.
٣ / ١٣٢١
وقال الأوزاعي ﵀ نهى أبو بكر أن تعفر بهيمة إلا لمأكلة، وأخذ
بذلك أئمة المسلمين وجماعتهم حتى إن كان علماؤهم ليكرهون للرجل ذبح
الشاة والبقرة ليأكل طائفة ويدع سائرها.
وقال أبو يوسف ﵀: قول اللَّه في كتابه أحق أن يتبع، قال اللَّه:
(مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) .
واللينة فيما بلغنا: النخلة. وكل ما قطع من شجرهم وحُرِّق من نخلهم
ومتاعهم، فهو من العون عليهم والقوة.
قال الشَّافِعِي ﵀: أما كل ما لا روح فيه للعدو، فلا بأس أن يحرقه
المسلمون، ويخربوه بكل وجه؛ لأنه لا يكون معذبًا، إنما - يكون - المعذب ما يألم بالعذاب من ذوات الأرواح، قد قطع رسول الله ﷺ أموال بني النضير، وحرقها، وقطع من أعناب الطائف، وهي آخر غزاة غزاها النبي ﷺ، لقي فيها
حربًا.
أما ذوات الأرواح فإن زُعم أنها قياس على ما لا روح فيه.
فليقل للمسلمين: أن يحرقوها كما لهم أن يحرقوا النخل والبيوت، فإن زعم أن المسلمين ذبحوا ما يذبح منها، فإنما أحِل ذبحها للمنفعة، أن تكون مأكولة.
الأم (أيضًا) قطع أشجار العدو:
قال أبو حنيفة ﵀: لا بأس بقطع شجر المشركين ونخيلهم وتحريق
ذلك؛ لأن الله ﷿ يقول: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) الآية.
٣ / ١٣٢٢
وقال الأوزاعي ﵀: أبو بكر يتأول هذه الآية، وقد نهى عن ذلك.
وعمل به أئمة المسلمين.
وقال أبو يوسف ﵀: أخبرنا الثقة من أصحابنا، عن أصحاب رسول
الله ﷺ أنهم كانوا وهم محاصرو بني قريظة إذا غلبوا على دار من دورهم أحرقوها، فكان بنو قريظة يخرجون، فينقضونها، ويأخذون حجارتها؛ ليرموا بها المسلمين، وقطع المسلمون نخلًا من نخلهم فأنزل الله: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)
وأنزل اللَّه ﷿: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: يقطع النخل ويحرق، وكل ما لا روح فيه كالمسألة
قبلها..
ثم ذكر ما كثب في تفسير الآية / ٢، فلا حاجة لتكرارها حول هذه النقطة.
* * *
قال الله ﷿ (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ)
الأم: قَسمُ الغنيمة والفيء:
قال الشَّافِعِي ﵀: وما أخذ من مشرك بوجه من الوجوه، غير ضيافة
من مر بهم من المسلمين، فهو على وجهين لا يخرج منهما، كلاهما مبين قي
كتاب الله تعالى، وعلى لسان رسوله ﷺ، وفي فعله ﵊:
٣ / ١٣٢٣
ئأحدهما: الغنيمة. قال الله ﷿ في سورة الأنفال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) .
والوجه الثاني: الفيء. وهو مقسوم في كتاب الله ﷿ في سورة الحشر، قال الله ﵎: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) إلى قوله: (رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
فهذان المالان اللذان خولهما الله تعالى من جعلهما له من
أهل دينه، وهذه أموال يقوم بها الولاة لا يسعهم تركها، وعلى أهل الذمة
ضيافة، وهذا صلح صولحوا عليه غير مؤقت، فهو لمن مرَّ بهم من المسلمين
خاص دون العام من المسلمين خارج من المالين.
وعلى الإمام إن امتنع من صولح على الضيافة من الضيافة أن يُلزمُه إياها.
الأم (أيضًا): الخمس فيما لم يوجف عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: فلما وجدتُ الله ﷿ قد قال في سورة الحشر: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) الآية.
فحكم فيها حكمه فيما أوجف عليه بالخيل والركاب.
ودلت السنة على أن ذلك الحكم على خمسها، علمتُ أن النبي ﷺ قد أمضى لمن جعل الله له شيئًا مما جعل الله له، وإن لم نُثبت فيه خبرًا عنه، كخبر جبير بن مطعم عنه في سهم ذي القربى من الموجف عليه، كما علمت أن قد أنفذ لليتامى والمساكين وابن السبيل فيما أوجف عليه، مما جُعل لهم بشهادة أقوى من خبر رجل عن رجل، بأن اللَّه ﷿ قد أدَّى إليه رسوله، كما أوجب عليه أداءه والقيام به.
٣ / ١٣٢٤
الأم (أيضًا): كتاب (السبق والنضال)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﵎: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وهذا - أي: السبق - داخل في معنى ما ندب الله ﷿ إليه، وحَمِدَ عليه أهل دينه من الأعداد لعدوه القوة ورباط الخيل، والآية الأخرى:
(فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية؛ لأن هذه الركاب لما كان السبق عليها، يرغب أهلها في اتخاذها لآمالهم إدراك السبق فيها، والغنيمة عليها، كانت من العطايا الجائزة بما وصفتها، فالاستباق فيها حلال، وفيما سواها محرم.
الأم (أيضًا): الرجل يغنم وحده:
قال الشَّافِعِي ﵀: بعث رسول الله ﷺ عمرو بن أمية الضمري، ورجلًا من الأنصار، سرية وحدهما، وبعث عبد اللَّه بن أنيس سرية وحده، فإذا سن رسول الله ﷺ أن الواحد يتسرى وحده، وكثر منه من العدد، ليصيب من
العدو غِرَّة بالحيلة، أو يعطب، فيعطب في سبيل اللَّه، وحكم الله بأن ما أوجف عليه المسلمون فيه الخمس، وسن رسول الله ﷺ أن أربعة أخماسه للموجفين.
فسواء قليل الموجفين وكثيرهم، لهم أربعة أخماس ما أوجفوا عليه.
فأما ما احتج به - يقصد: أبا يوسف ﵀ من قول اللَّه ﷿: (فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية، وحكم اللَّه في أن ما لا يوجفون عليه بخيل ولا ركاب لرسول اللَّه ﷺ ومن سمى معه، فإنما أولئك قوم قاتلوا بالمدينة
٣ / ١٣٢٥
بني النضير، فقاتلوهم بين بيوتهم، لا يوجفون بخيل ولا ركاب، ولم يكلفوا مؤنة، ولم يفتتحوا عنوة، وإنما صالحوا وكان الخمس لرسول اللَّه ﷺ ومن ذكر معهم، والأربعة الأخماس التي تكون لجماعة المسلمين، لو أوجفوا الخيل والركاب لرسول الله ﷺ خالصًا يضعها حيث يضع ماله، ثم أجمع أئمة المسلمين على أنه
ما كان لرسول الله ﷺ من ذلك فهو لجماعة المسلمين؛ لأن أحدًا لا يقوم بعده
مقامه ﷺ، ولو كانت حجة أبي يوسف ﵀ في اللذين دخلا سارقين أنهما لم يوجفا بخيل ولا ركاب، كان ينبغي أن يقول: يخمس ما أصاب، وتكون الأربعة الأخماس لهما؛ لأنهما موجفان.
فإن زعم أنهما غير موجفين انبغى أن يقول: هذا لجماعة المسلمين، أو الذين
زعم أنهم ذكروا مع رسول الله ﷺ في سورة الحشر فما قال بما تأول، ولا بكتاب في الخمس، فإن الله ﷿ أثبته في كل غنيمة تصير من مشرك أوجف عليها أو لم يوجف.
قال الله ﷿: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)
الأم: قسم الغنيمة والفيء:
انظر تفسير الآية السابقة فهما مرتبطان ببعضهما في التفسير.
٣ / ١٣٢٦
الأم (أيضًا): الرجل يغنم وحده:
انظر تفسير الآية السابقة فبعد أن ذكر الشَّافِعِي ﵀ آراء العلماء في
الرجل يغنم وحده واستشهاد أبي يوسف ﵀ بالآيتين:
(وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ)
وقال: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) الآية.
في رده على الإمام الأوزاعي ﵀ أي: ردَّ الشَّافِعِي - على هذه الآية باجتهاده على مستوى الدليل
الوارد في الآيتين / ٦ و٧ من سورة الحشر، ومن السنة النبوية - وقد سبق بيانه في تفسير الآية / ٦ السابقة -.
الأم (أيضًا): الخمس فيما لم يوجف عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: قك - أي: للمحاور - لما احتمل قول عمر ﵁ أن يكون الكل لرسول الله ﷺ، وأن تكون الأربعة الأخماس التي كانت تكون للمسلمين، فيما أوجف عليه لرسول الله ﷺ دون الخمس، فكان النبي ﷺ يقوم فيها مقام المسلمين، استدللنا بقول اللَّه ﷿ في الحشر: (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) الآية.
على أن لهم الخمس، وأن الخمس إذا كان لهم، ولا يُشَكُّ أن
النبي ﷺ سلمه لهم، فاستدللنا إذ كان حكم الله ﷿ في الأنفال:
٣ / ١٣٢٧
(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)
فاتفق الحكمان في سورة الحشر، وسورة الأنفال لقوم موصوفين، وإنما لهم من ذلك الخمس لا غيره.
فقال - أي: المحاور -: فيحتمل أن يكون لهم مما لم يوجف عليه الكل؟
قلت: نعم، فلهم الكل وندع الخبر، قال لا يجوز عندنا ترك الخبر، والخبر يدل على معنى الخاص والعام.
فقال لي قائل غيره: فكيف زعمت أن الخمس ثابت في الجزية، وما أخذه
الولاة من مشرك بوجه من الوجوه، فذكرت له الآية في الحشر.
قلت: في هذا كفاية، وفي أن أصل ما قسم اللَّه من المال ثلاثة وجوه:
١ - الصدقات: وهي ما أخذ من مسلم، فتلك لأهل الصدقات لا لأهل الفيء.
٢ - ما غُنِم بالخيل والركاب فتلك: على ما قسم الله ﷿.
٣ - والفيء: الذي - لا يوجف عليه بخيل ولا ركاب.
فهل تعلم رابعًا؛ قال: لا.
قلت فبهذا قلنا: الخمس ثابت لأهله في كل ما أخذ من مشرك؛ لأنه لا يعدو ما أخذ منه أبدًا أن يكون غنيمة، أو فيئًا.
والفيء: ما رده اللَّه تعالى على أهل دينه من مال - من خالف دينه -.
الأم: (أيضًا) المُدَّعي والمُدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال - أي: المحاور - فإنه بلغني أن رسول الله ﷺ قال: «ما جاءكم عني فاعرضوه على القرآن، فإن وافقه فأنا قلته، وإن خالفه فلم أقله» الحديث.
٣ / ١٣٢٨
فقلت له: فهذا غير معروض عندنا عن رسول الله ﷺ، والمعروض عن رسول اللَّه ﷺ عندنا خلاف هذا، وليس يعرف ما أراد خاصًا وعامًا، وفرضًا وأدبًا، وناسخًا ومنسوخًا إلا بسنته ﷺ فيما أمره الله ﷿ به، فيكون الكتاب بحكم الفرض، والسنة تبينه.
قال: وما دل على ذلك؛ فلت: قول الله ﷿:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية.
فقد بين الله ﷿: أن الرسول قد يسن - السنة
ليست بنص في كتاب -، وفرض اللَّه على الناس طاعته.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا سفيان بن عيينة، قال: حدثني سالم أبو
النضر، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما نهيت عنه، أو أمرت به، فيقول: ما ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقلت له: لو كان هذا الحديث الذي احتججت
به ثابتًا كنت قد تركته فيما وصفنا وفيما سنصف بعض ما يحضرنا منه، إن شاء الله تعالى.
الأم: (أيضًا): باب (حكاية الطائفة التي ردت الأخبار):
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت - أي: للمحاور -: لفد فرض اللَّه جل وعز علينا اتباع أمره ﷺ، فقال:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية.
٣ / ١٣٢٩
قال - أبي: المحاور -: إنه ليبين في التنزيل أن علينا فرضًا أن نأخذ الذي
أمرنا به، وننتهي عما نهانا رسول الله ﷺ.
قال: قلت: والفرض علينا، وعلى من هو قبلنا، ومن بعدنا واحد؟
قال: نعم.
فقلت: فإن كان ذلك علينا فرضًا في اتباع أمر رسول الله ﷺ، أنحيط أنه إذا فرض علينا شيئًا فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرضه؛ قال: نعم.
قلت: فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض اللَّه ﷿ في اتباع أوامر رسول الله ﷺ.
أو أحد قبلك، أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله ﷺ إلا بالخبر عن رسول الله ﷺ
قال: ما أجد السبيل إلى تأدية فرض اللَّه إلا بقبول الخبر عن رسول الله ﷺ، وإن في أن لا آخذ ذلك إلا لما دلَّني على أن اللَّه أوجب على أن أقبل عن رسول الله ﷺ.
الأم (أيضًا): بيان فرائض الله تعالى:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: فرض اللَّه ﷿ الفرائض - في كتابه من وجهين:
أحدهما: أبان فيه كيف فرض بعضها، حتى استغني فيه بالتنزيل عن
التأويل، وعن الخبر.
والآخر: أنه أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هي على لسان نبيه ﷺ، ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله ﷺ في كتابه بقوله ﷿:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية.
وبقوله تبارك اسمه:
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥) .
٣ / ١٣٣٠
وبقوله ﷿:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)
مع غير آية في القرآن بهذه المعنى، فمن قبل عن رسول الله ﷺ فبفرض اللَّه ﷿ قَبِل.
الأم (أيضًا): باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي رحمه اطه: فإن قيل: فما الجملة؛ قيل: ما فرض اللَّه من صلاة
وزكاة وحج، فدل رسول الله ﷺ كيف الصلاة وعددها ووقتها والعمل فيها؟
وكيف الزكاة وفي أي المال هي؟ وفي أي وقت هي؟ وكم قَدرها؟ وبين كيف الحج والعمل فيه وما يدخل به فيه، وما يخرج به منه.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قيل: فهل يقال لهذا كما قيل للأول قبل عن
الله؟
قيل: نعم، فإن قيل: فمن أين قبل؟
قيل: قبل عن الله، لكلامه جملة وقَبِل تفسيره عن اللَّه، بأن اللَّه فرض طاعة نبيه ﷺ فقال ﷿: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية.
مناقب الشَّافِعِي ﵀: باب (ما يستدل به على فقه الشَّافِعِي وتقدمه فيه
وحسن استنباطه):
قال البيهقي ﵀: أخبرنا محمد بن الحسن السلمي قال: سمعت أحمد
ابن الحسن الأصبهاني يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن بشر الحافظ يقول:
سمعت عبد اللَّه بن محمد بن هارون يقول:
٣ / ١٣٣١
سمعت محمد بن إدريس الشَّافِعِي ﵀ يقول بمكة: سلوني عما شئتم
أخبركم من كتاب اللَّه وسنة نبيه ﷺ، فقال له رجل:
أصلحك اللَّه، ما تقول في المُحرم قتل زُنبورًا؛ قال:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال اللَّه تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) الآية، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة ﵁ قال: قال رسول اللَّه ﷺ:
اقتدوا باللَّذَين من بعدي: أبي بكر وعمر ﵄
وحدثنا سفيان، عن مِسعر، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عمر ﵁ أنه أمر بقتل الزُنبور.
قال البيهقي ﵀: ورأيته في (كتاب أبي نعيم الأصبهاني) بإسناد له
عن أبي بكر بن محمد بن يزيد بن حكيم المستملي.
عن الشَّافِعِي ﵀: غير أنه جعل السؤال عن كل فرخ الزنبور.
وقال في الإسناد: حدثنا سفيان، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن
مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة، وقال في إسناده حديث عمر: حدثونا عن إسرائيل، قال المستملي: حدثنا أبو أحمد، عن إسرائيل، عن ابراهيم بن
عبد الأعلى، عن سُوَيد بن غفلة، أن عمر بن الخطاب ﵁ أمر بقتل الزنبور.
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي المعقول أن ما أمر بقتله فحرام أكله.
٣ / ١٣٣٢
قال الله ﷿: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ)
أحكام القرآن: الإذن بالهجرة:
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم دخل أهل المدينة في الإسلام، فأمر رسول اللَّه ﷺ فهاجرت إليهم، غير مُحَرّم على من بقي ترك الهجرة.
وذكر اللَّه ﷿ أهل الهجرة فقال:
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ)
وقال: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) الآية.
آداب الشَّافِعِي ومناقبه: ما ذكر من مناظرة الشَّافِعِي لمحمد بن الحسن وغيره:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿:
(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ) الآية
نسب الدار إلى مالكها؛ أو غير مالكها؟!
وقال النبي ﷺ يوم فتح مكة:
«من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» الحديث.
وقوله ﷺ:
«هل ترك عقيل لنا من رِبَاع» الحديث.
نسب الديار إلى أربابها؛ أو إلى غير أربابها؟
وقال لي: اشترى عمر بن الخطاب ﵁ دار السجن من
مالكِ؟ أو من غير مالك؟ فلما علمت أن الحجة قد لزمنني قمت.
٣ / ١٣٣٣
وجاء في طبقات الشَّافِعِية: قال إسحاق فقلت: الدليل على صحة
قولي: أن بعض التابعين قال به: فقال الشَّافِعِي لبعض الحاضرين: من هذا؟
فقيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي (ابن راهويه) .
فقال الشَّافِعِي ﵀: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم؟
قال إسحاق: هكذا يزعمون.
فقال الشَّافِعِي ﵀: ما أحوجني أن يكون غيرك، فكنت آمر بعرك
أذنيه، أقول: قال رسول الله ﷺ، وأنت تقول: قال: عطاء، وطاووس، والحسن، وإبراهيم؟!
وهل لأحد مع رسول الله ﷺ حجة؟!
* * *
قال الله ﷿: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ)
الرسالة: باب (فرض الصلاة الذي دل الكتاب ثن السنة على من تزول عنه
بالعذر..):
قال الشَّافِعِي ﵀: جماع الإحصان أن يكون دون التحصين مانع من
تناول المحرم، فالإسلام مانع، وكذلك الحرية مانعة، وكذلك الزوج والإصابة مانع، وكذلك الحبس في البيوت مانع، وكل ما منع أحْصَن.
قال الله تعالى: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ)
وقال: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ) .
يعني ممنوعة.
٣ / ١٣٣٤
سورة الممتحنة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)
الأم: المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين:
قيل للشافعي: أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب، بأن
المسلمين يريدون غزوهم، أو بالعورة من عوراتهم، هل يحل ذلك دمه، ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين - على المسلمين -؟
قال الشَّافِعِي ﵀: لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام، إلا أن
يقتل، أو يزني بعد إحصان، أو يكفر كفرًا بينًا بعد إيمان، ثم يثبتَ على الكفر.
وليس الدلالة على عورة مسلم، ولا تأييد كافر بأن يحذِّر أن المسلمين يريدون منه غِرَّة ليحذرها، أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بيِّنٍ.
فقلت للشافعي: - أي: قال الربيع: للشافعي -:
أقلت هذا خبرًا أم قياسًا؟
قال: قلته بما لا يسع مسلمًا علمه عندي، أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد
الاستدلال بالكتاب.
٣ / ١٣٣٥
فقيل للشافعي: فاذكر السنة فيه.
قال: أخبرنا سلمان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد.
عن عبيد اللَّه بن رافع قال سمعت عليًا يقول: بعثنا رسوله الله ﷿ أنا والمقداد والزبير فقال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب».
فخرجنا تُعادي بنا خيلنا، فإذا نحن بالظعينة، ففلنا لها: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، فقلنا لتخرجن الكتاب، أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله ﷺ، فإذا فيه:
«من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة»
يخبر ببعض أمر النبي ﷺ قال: «ما هذا يا حاطب؟!
قال: لا تعجل على يا رسول اللَّه إني كنت امرأً ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قرابائهم، ولم يكن لي بمكة قرابة، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدًا، واللَّه ما فعلته شكًا في ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.
فقال رسول الله ﷺ:
»إنه قد صدق«.
فقال عمر ﵁ يا رسول الله.
دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي ﷺ:
»إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله ﷿ قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" الحديث.
قال فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: في هذا الحديث مع ما وصفنا لك، طرح الحكم
باستعمال الظنون؛ لأنه لما كان الكتاب
٣ / ١٣٣٦
١ - يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال: من أنه لم يفعله شاكًا في
الإسلام -، وأنه فعله ليمنع أهله.
٢ - ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام.
٣ - واحتمل المعنى الأقبح - أي: النفاق -.
كان القول قوله، فيما احتمل فعله، وحكم رسول الله ﷺ فيه بأن لم يقتله.
ولم يستعمل عليه الأغلب، ولا - أعلم - أحدًا أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا؛ لأن أمر رسول الله ﷺ مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده، فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله ﷺ ورسول الله ﷺ يريد غرَّتهم فصدَّقه، - على - ما عاب عليه - من ذلك غير مستعمل عليه - الأغلب مما يقع في النفوس، فيكون لذلك مقبولًا كان من بعده في أقل من حاله، وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه.
قيل للشافعي: أفرأيت إن قال قائل: إن رسول الله ﷺ قال: «قد صدق»
إنما تركه لمعرفته بصدقه، لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره.
فيقال له: قد علم رسول الله ﷺ أن المنافقين كاذبون، وحقن دماءهم بالظاهر، فلو كان حكم النبي رسول الله ﷺ في حاطب بالعلم بصدقه، كان حكمه على المنافقين: القتل بالعلم بكذبهم، ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر.
وتولى الله ﷿ منهم السرائر، ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكمًا له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية، وكل ما حكم به رسول الله ﷺ فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصًا، أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجهلوا له سنة، أو يكون ذلك موجودًا في كتاب الله ﷿.
٣ / ١٣٣٧
قال الله ﷿: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ)
الأم: جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه:
قال - الشَّافِعِي ﵀: صالح رسول الله ﷺ قريشًا بالحديبية على أن يرد من جاء منهم، فأنزل اللَّه ﵎ في امرأة جاءته منهم مسلمة: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) الآية.
ففرض الله ﷿ عليهم أن لا ترد النساء، وقد أعطوهم رد من جاء منهم، وهن منهم.
فحبسهن رسول الله ﷺ بأمر الله ﷿.
الأم (أيضًا): جماع الهُدنَة على أن يرد الإمام من جاء بلده مسلمًا أو مشركًا:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي، أن رسول
الله ﷺ هادن قريشًا عام الحديبية، على أن يأمن بعضهم بعضًا، وأن من جاء قريشًا من المسلمين مرتدًا لم يردوه عليه، ومن جاء إلى النبي ﷺ بالمدينة منهم
رده عليهم، ولم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلمًا إلى غير المدينة في بلاد الإسلام والشرك، وإن كان قادرًا عليه، ولم يذكر أحد منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئًا من هذا الشرط. . .
٣ / ١٣٣٨
حتى جاءته أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط، مسلمة مهاجرة، فنسخ اللَّه ﷿ الصلح في النساء، وأنزل اللَّه ﵎: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ) الآية كلها وما بعدها.
قال الشَّافِعِي ﵀: ويجوز للإمام من هذا، ما روي أن رسول الله ﷺ فعل في الرجال دون النساء؛ لأن الله ﷿ نسخ ردَّ النساء إن كن في الصلح، ومنع أن يرددن بكل حال.
الأم (أيضًا): أصل نقض الصلح فيما لا يجوز:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقدمت عليهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط.
مسلمة مهاجرة، فجاء أخواها يطلبانها فمنعها منهما، وأخبر أن اللَّه ﷿ نقض الصلح في النساء، وحكم فيهن غير حكمه في الرجال.
وإنما ذهبتُ - القول: للشافعي - إلى أن النساء كن في صلح الحديبية، بأنه لو لم يدخل ردهن في الصلح، لم يعط أزواجهن فيهن عوضًا - واللَّه تعالى أعلم -.
قال الشَّافِعِي ﵀: وذكر بعض أهل التفسير، أن هذه الآية نزلت فيها:
(إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ)
قرأ الربيع الآية، ومن قال إن النساء كن في الصلح قال: بهذه الآية مع الآية التي في: (بَرَآءَة) .
الأم (أيضًا): جماع الصلح في المؤمنات:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿:
(إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ)
قرأ الربيع الآية.
٣ / ١٣٣٩
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان بينًا في الآية منع المؤمنات المهاجرات من أن
يرددن إلى دار الكفر، وقطع العصمة بالإسلام بينهن وبين أزواجهن، ودلت السنة على أن قطع العصمة إذا انقضت عددهن ولم يسلم أزواجهن من المشركين.
وكان بينًا فيها: أن يرد على الأزواج نفقاتهم، ومعقول فيها أن نفقاتهم التي
ترد نفقات: اللائي ملكوا عقدهن، وهي: المهور، إذا كان قد أعطوهن إياها.
وبين أن الأزواج الذين يعطون النفقات؛ لأنهم الممنوعون من نسائهم.
وأن نساءهم المأذون للمسلمين بأن ينكحوهن إذا آتوهن أجورهن؛ لأنه لا
إشكال عليهم في أن ينكحوا غير ذوات الأزواج، إنما كان الإشكال في نكاح ذوات الأزواج حتى قطع اللَّه ﷿ عصمة الأزواج بإسلام النساء، وبين رسول الله ﷺ أن ذلك بمضي العدة قبل إسلام الأزواج، فلا يُؤتى أحد نفقته من امرأة
فاتت إلا ذوات الأزواج، وقد قال اللَّه ﷿ للمسلمين:
(وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية، فأبانهن من المسلمين، وأبان رسول الله ﷺ له أن ذلك بمضي
العدة، فكان الحكم في إسلام الزوج، الحكم في إسلام المرأة لا يختلفان.
قال الشَّافِعِي ﵀: (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) .
يعني - واللَّه أعلم - أن أزواج المشركات من المؤمنين إذا منعهم المشركون إتيان أزواجهم بالإسلام، أوتوا ما دفع إليهن الأزواج من المهور، كما يؤدي
المسلمون ما دفع أزواج المسلمات من المهور وجعله اللَّه ﷿ حكمًا بينهم.
الأم (أيضًا): نكاح نساء أهل الكتاب وتحريم إمائهم:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎؛ (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) إلى: (وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
٣ / ١٣٤٠
قال الشَّافِعِي ﵀: فزعم بعض أهل العلم بالقرآن أنها نزلت في
مهاجرة من أهل مكة فسماها بعضهم ابنة عقبة بن أبي معيط، وأهل مكة أهل
أوثان، وأن قول اللَّه ﷿: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)
نزلت فيمن هاجر من أهل مكة مؤمنًا، - قال الربيع -: وإنما نزلت في الهدنة.
الأم (أيضًا): فسخ نكاح الزوجين يسلم أحدهما:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) إلى قوله: (وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) .
وقال ﵎:
(وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: نزلت في الهدنة التي كانت بين النبي ﷺ وبين أهل مكة وهم أهل أوثان
وعن قول اللَّه ﷿: (فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ)
فاعرضوا عليهن الإيمان، فإن قبلن وأقررن به فقد علمتموهن مؤمنات.
وكذلك علم بني آدم الظاهر:
وقال ﵎: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ)
يعني: بسرائرهن في إيمانهن وهذا يدل على أن لم يُعط أحد من بَني آدم
أن يحكم على غير ظاهر.
ومعنى الآيتين واحد، فإن كان الزوجان وثنيين فأيهما أسلم أولًا.
فالجماع ممنوع حتى يسلم المتخلف عن الإسلام منهما، لقول اللَّه تعالى:
(لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
٣ / ١٣٤١
وقوله: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية.
فاحتملت العقدة أن تكون
منفسخة إذا كان الجماع ممنوعًا بعد إسلام أحدهما، فإنه لا يصلح لواحد منهما إذا كان أحدهما مسلمًا والآخر مشركًا أن يبتدئ النكاح، واحتملت العقدة أن لا تنفسخ إلا أن يثبت المتخلف عن الإسلام منهما على المتخلف عنه، مدة من المدد، فيفسخ النكاح إذا جاءت تلك المدة قبل أن يسلم، ولم يكن يجوز أن يقال: لا تنقطع العصمة بين الزوجين حتى يأتي على المتخلف منهما عن الإسلام مدة قبل أن يسلم إلا بخبر لازم.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأخبرنا جماعة من أهل العلم من قريش، وأهل
الغازي وغيرهم، عن عدد قبلهم، أن أبا سفيان بن حرب أسلم بمرٍّ، ورسول الله ﷺ ظاهر عليهما، فكانت بظهوره وإسلام أهلها دار الإسلام، وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة، ومكة يومئذ دار حرب، ثم قدم عليها يدعوها إلى الإسلام، فأخذت بلحيته وقالت: اقتلوا الشيخ الضال.
فأقامت أيامًا قبل أن تسلم ثم أسلمت، وبايعت النبي ﷺ، وثبتا على النكاح.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأخبِرنا أن رسول الله ﷺ دخل مكة، فأسلم أكثر أهلها، وصارت دار الإسلام، وأسلمت امرأة عكرمة بن أبي جهل، وامرأة صفوان بن أمية، وهرب زوجاهما ناحية البحر (من طريق اليمن) كافرين إلى بلد كفر، ثم جاءا فأسلما بعد مدة، وشهد صفوان حنينًا كافرًا، فاستقرَّا على النكاح، وكان ذلك كله ونساؤهن مدخول بهن لم تنقض عددهن، ولم أعلم
مخالفًا في أن المتخلف عن الإسلام منهما، إذا انفضت عدة المرأة قبل أن يسلم
انقطعت العصمة بينهما، وسواء خرج المسلم منهما من دار الحرب، وأقام
المتخلف فيها، أو خرج المتخلف عن الإسلام، أو خرج معًا، أو أقاما معًا، لا تصنع الدار في التحريم والتحليل شيئًا، إنما يصنعه اختلاف الدينين.
٣ / ١٣٤٢
الأم (أيضًا): ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
وقال اللَّه ﵎:
(وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ)
فنهى الله ﷿ في هاتين الآيتين عن نكاح نساء المشركين، كما نهى عن إنكاح رجالهم. ..
قال الشَّافِعِي ﵀: فقال بعض الناس: لم قلت لا يحل نكاح إماء أهل
الكتاب؛ فقلت: استدلالًا بكتاب اللَّه ﷿.
قال: وأين ما استدللت به منه؟
فقلت: قال اللَّه ﵎: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ)
وقال: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ) الآية.
فقلنا نحن وأنتم: لا يحل لمن لزمه اسم كفر، نكاح مسلمة
حرة، ولا أمة بحال أبدًا، ولا يختلف في هذا أهل الكتاب وغيرهم من المشركين؛ لأن الآيتين عامتان، واسم المشرك لازم لأهل الكتاب وغيرهم من المشركين.
الأم (أيضًا): المدَّعي والمدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)
٣ / ١٣٤٣
ثم قال: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الآية، فأحلَّ صنفًا واحدًا من المشركات بشرطين.
أحدهما: أن تكون المنكوحة من أهل الكتاب.
والثاني: أن تكون حرة؛ لأنه لم يختلف المسلمون في أن قول اللَّه ﷿: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) .
هن: الحرائر.
الأم (أيضًا): كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: ففرض - اللَّه - على نبيه أن يقاتل أهل الأوثان
حتى يسلموا، وأن يحقن دماءهم إذا أظهروا الإسلام ثم بين اللَّه، ثم رسوله أن لا يعلم سرائرهم في صدقهم بالإسلام إلا اللَّه، فقال اللَّه ﷿ لنبيه ﷺ:
(إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ)
قرأ الربيع إلى قوله: (فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) الآية.
يعني: واللَّه أعلم بصدقهن بإيمانهن.
وقال: (عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) يعني: ما أمرتكم أن تحكموا به فيهن إذا أظهرن الإيمان، لأنكم لا تعلمون من صدقهن بالإيمان ما يعلم اللَّه، فاحكموا لهن بحكم الإيمان في أن لا ترجعوهن إلى الكفار: (لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
الأم (أيضًا): الخلاف في السبايا:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎:
(فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
فلم يفرق بين المرأة تسلم قبل زوجها، ولا الرجل يسلم قبل امرأته.
٣ / ١٣٤٤
الأم (أيضًا): ما جاء في نكاح المحدودين:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن كن - أي: الزانيات - على الشرك فهن
محرمات على زناة المسلمين وغير زناتهم، وإن كن أسلمن فهن بالإسلام
محرمات على جميع المشركين، لقول الله تعالى: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
الأم (أيضًا): باب (في الحربي يسلم)
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والآية في الممتحنة مثلها، قال الله تعالى:
(فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
فسوَّى بينهما، وكيف فرقتم بينهما؟ - الخطاب هنا: لمن
يحاوره الشَّافِعِي ﵀ وهو قول ابن شهاب -. ..
قال الشَّافِعِي ﵀: هذه الآية في معنى تلك، لا تعدو هاتان الآيتان أن
تكونا تدلان على أنه إذا اختلف دينا الزوجين فكان لا يحل للزوج جماع زوجته لاختلاف الدينين، فقد انقطعت العصمة بينهما، أو يكون لا يحل له في تلك الحال، ويتم انقطاع العصمة إن جاءت عليها مدة، ولم يسلم المتخلف عن الإسلام منهما.
٣ / ١٣٤٥
الأم (أيضًا): المرأة تسلم قبل زوجها، والزوج قبل المرأة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإن قال - أي: المحاور - فما الكتاب؟
قيل: قال الله ﷿: (فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
فلا يجوز في هذه الآية إلا أن يكون اختلاف الدينين يقطع العصمة ساعة اختلفا، أو يكون يقطع العصمة بينهما اختلاف الدينين والثبوت على الاختلاف إلى مدة.
والمدة لا تجوز إلا بكتاب اللَّه، وسنة رسول الله ﷺ فقد دلت سنة رسول الله ﷺ
على ما وصفنا وجمع رسول الله ﷺ بين المسلمة قبل زوجها، والمسلم قبل امرأته، فحكم فيهما حكمًا واحدًا، فكيف جاز أن يفرق بينهما؛ وجمع اللَّه بينهما فقال:
(لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
فإن قال قائل: فإنما ذهبنا إلى قول اللَّه ﷿
(وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية، فهي كالآية قبلها.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا)
الأم: جماع الصلح في المومنات:
قال الشَّافِعِي ﵀: تالا اللَّه تعالى: (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) الآية.
يعني - واللَّه أعلم -: أن أزواج المشركات من
٣ / ١٣٤٦
المؤمنين، إذا منعهم المشركون إتيان أزواجهم بالإسلام، أوتوا ما دفع إليهن
الأزواج من المهور، كما يؤدي المسلمون ما دفع أزواج المسلمات من المهور، وجعله اللَّه ﷿ حكمًا بينهم.
ثم حكم لهم في مثل ذا المعنى حكمًا ثانيًا، فقال عز وعلا: (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ) الآية، -
واللَّه تعالى أعلم - يريد: فلم تعفوا عنهم، إذا لم يعفوا عنكم مهور نسائكم: (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا) الآية.
كأنه يعني: من مهورهن إذا فاتت امرأة مشرك أتتنا
مسلمة قد أعطاها مائة في مهرها، وفاتت امرأة مشركة إلى الكفار قد أعطاها
مائة، حسبت - مائة المسلم بمائة المشرك، فقيل: تلك العقوبة.
قال الشَّافِعِي ﵀: ويكتب بذلك إلى أصحاب عهود المشركين حتى
يعطي المشرك ما قاصصناه به؛ من مهر امرأته للمسلم، الذي فاتت امرأته إليهم ليس له غير ذلك.
الأم (أيضًا): تفريع أمر نساء المهادنين:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: إذا جاءت المرأة الحرة من نساء أهل الهدنة مسلمة
مهاجرة من دار الحرب، إلى موضع الإمام من دار الإسلام، أو دار الحرب، فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عوض، وإذا طلبها زوجها بنفسه، أو طلبها غيره بوكالته، مُنِعَهَا، وفيها قولان:
٣ / ١٣٤٧
أحدهما: يعطى العوض، والعوض ما قال الله ﷿:
(فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: ومثل ما أنفقوا يحتمل - واللَّه تعالى أعلم -: ما
دفعوا بالصداق لا النفقة غيره، ولا الصداق كله إن كانوا لم يدفعوه.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا جاءت امرأة رجل قد نكحها بمائتين، فأعطاها
مائة ردت إليه مائة، وإن نكحها بمائة فأعطاها خمسين، ردت إليه خمسون؛ لأنها لم تأخذ منه الصداق إلا خمسين، وإن نكحها بمائة ولم يعطها شيئًا من الصداق لم نرد إليه شيئًا؛ لأنه لم ينفق بالصداق شيئًا.
ولو أنفق - بغيره - من عرس وهدية وكرامة، لم يعط من ذلك شيئًا؛ لأنه
تطوع به، ولا ينظر في ذلك إلى مهر مثلها إن كان زادها عليه، أو نقصها منه؛ لأن اللَّه ﷿ أمر بأن يُعطَوا مثل ما أنفقوا، وُيعطى الزوج هذا الصداق من سهم النبي ﷺ من الفيء والغنيمة، دون ما سواه من المال؛ لأن رسول الله ﷺ قال:
«مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم» الحديث.
يعني - واللَّه أعلم - في مصلحتكم؛ وبأن الأنفال تكون عنه.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو قدم الزوج مسلمًا وهي في العدة كان أحق
بها، ولو قدم يطلبها مشركًا ثم أسلم قبل أن تنقضي عدتها كانت زوجته، ورُجع عليه بالعوض، فأخذ منه إن كان أخذه، ولو طلب العوض فأعطيه، ثم لم يسلم حتى تنقضي عدتها، ثم أسلم فله العوض؛ لأنها قد بانت منه بالإسلام في ملك النكاح، ولو نكحها بعد لم نرجع عليه بالعوض؛ لأنه إنما ملكها بعقدٍ غيره.
٣ / ١٣٤٨
وفيه قول ثان: لا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة
العوض، ولو شرط الإمام برد النساء كان الشرط منتقضًا، ومن قال هذا قال: إن شرط رسول الله ﷺ لأهل الحديبية إذا دخل فيه أن يرد من جاءه منهم.
وكان النساء منهم كان شرطًا صحيحًا، فنسخه اللَّه ثم رسوله لأهل الحديبية، ورد عليهم فيما نسخ منه العوض، ولما قضى الله ثم رسوله ﷺ أن لا ترد النساء، لم يكن لأحدٍ ردهن، ولا عليه عوض فيهن؛ لأن شرط من شرط رد النساء بعد نسخ اللَّه ﷿، ثم رسوله لها باطل، ولا يعطى بالشرط الباطل شيء.
٣ / ١٣٤٩