المؤلف: الحاجة نجاح الحلبي
[الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع]
عدد الصفحات: ٢١٠
الموضوع: علم الفقه، الشريعة، الفروع
فهرس الموضوعات
- [متن الكتاب]
- كتاب الطهارة
- الباب الأول [المياه، الآسار]
- الباب الثاني (قضاء الحاجة) .
- الباب الثالث (الوضوء) .
- الفصل الأول: تعريفه، سببه، شروطه، حكمه
- الفصل الثاني: فرائض الوضوء
- الفصل الثالث: سنن الوضوء
- الفصل الرابع: آداب الوضوء
- الفصل الخامس: مكروهات الوضوء
- الفصل السادس: نواقض الوضوء
- الباب الرابع (المسح على الخفين) .
- الباب الخامس (الغسل) .
- الباب السادس (التيمم) .
- الباب السابع (الحيض والنفاس والاستحاضة) .
- الباب الثامن (الطهارة من النجاسات الحقيقية) .
- العودة إلي كتاب فقه العبادات على المذهب الحنفي لـ نجاح الحلبي
[متن الكتاب]
كتاب الطهارة
الباب الأول [المياه، الآسار]
٢٠
- تقدم العبادات على غيرها من أبواب
الفقه اهتمامًا بشأنها. والصلاة التالية للإيمان، والطهارة مفتاحها، عن علي بن
أبي طالب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (مفتاح الصلاة الطّهور، وتحريمها التكبير،
وتحليلها التسليم) (١) .
تعريف الطهارة:
الطهارة لغة: بفتح الطاء مصدر
بمعنى النظافة، وبكسرها آلة التطهير، وبضمها فَضْل ما يتطهر به.
شرعًا:
النظافة من حَدَثٍ (٢) أو خَبَث (٣) .
سببها: أي سبب وجوبها. وهو إرادة ما
يحل بدونها فرضًا كان أو واجبًا أو نفلًا. وقيل: سببها: الحدث في الحكمية، والخبث
في الحقيقة.
دليلها:
قوله تعالى: ﴿إن الله يحب التوابين ويحب
المتطهرين﴾ (٤) .
وحديث أبي مالك الأشعري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (الطهور
شطر الإيمان) (٥) .
أقسامها:
آ - الطهارة من الحدث: والحدث قسمان:
-١
- أصغر والطهارة منه بالوضوء.
-٢ - أكبر وتكون الطهارة منه بالغسل.
ب -
الطهارة من الخبث: وتكون بغسل عين النجاسة. والمزيل للحدث والخبث الماء اتفاقًا.
أما الخبث فيجوز على المعتمد إزالته بغير الماء من المائعات (٦) .
(١) أبو
داود: ج ١/ كتاب الطهارة باب ٣١/٦١.
(٢) الحَدَثُ: الإبداء. والبَدَا: اسم
مقصور: ما يخرج من دبر الرَّجُل. وبدا الرجل: أنجى فظهر ذلك منه. ويقال للرجل إذا
تغوَّط وأحدث: قد أبدى فهو مُبْدٍ.
(٣) الخَبَث: بفتحتين: النَّجَس.
(٤)
البقرة: ٢٢٢.
(٥) مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١/١.
(٦) وخالف في هذا
الإمام محمد وكذلك الإمام الشافعي.
٢١
الفصل الأول: المياه
٢٢
- المياه التي يصح التطهير بها سبعة، وهي
كل ما نزل من السماء أو نبع من الأرض. وتفصيلها كما يلي:
-١ - المطر لقوله
تعالى: ﴿وأنزلنا من السماء ماء طهورًا﴾ (١) .
-٢ - ماء البحر، لحديث أبي
هريرة ﵁ أن رجلًا سأل النبي ﷺ عن ماء البحر فقال: (هو الطهور ماؤه، الحِلُّ
ميتته) (٢) . كما يُرفع الحدث بماء مهيئ لأن ينعقد ملحًا لا بماء حاصل وبذوبان
ملح وهو الذي يجمد في الصيف ويذوب في الشتاء لبقاء الأول على طبيعته الأصلية
وانقلاب الثاني إلى طبيعته الملحية.
-٣ - ماء النهر.
-٤ - ماء
البئر.
-٥ - ماء الثلج والبرد، لحديث عبد الله بن أبي أوفى ﵁ قال: كان النبي
ﷺ يقول: (اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد. اللهم طهرني من الذنوب
والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ) (٣) .
-٦ - ماء العين.
(١)
الفرقان: ٤٨.
(٢) الترمذي: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٥٢/٦٩.
(٣) مسلم: ج
١ / كتاب الصلاة باب ٤٠/٢٠٤.
٢٣
أقسام
المياه:
تقسم المياه من حيث أوصافها الشرعية إلى:
أولًا - ماء طاهر
مُطَهِّر غير مكروه الاستعمال:
وهو الماء المطلق الذي يخالطه ما يصير به
مقيدًا. وهو الذي يرفع الحدث ويزيل النجس.
أما ماء زمزم فثوابه أكبر في
الوضوء والغسل، لما روى أبو ذر ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (فُرج سقفي وأنا بمكة، فنزل
جبريل ﵇ ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم) (١) . لكن يكره الاستنجاء وإزالة النجاسة
بماء زمزم تحريمًا لأنه يستعمل للتبرك.
ويبقى الماء طاهرًا مطهِّرًا في
الحالات التالية:
-١ - إن خالطه شيء من الطاهرات الجامدة، فغيرت أحد أوصافه
أو كلها على أن لا تزيل سيولته وأن لا يحدث له اسم غير الماء، كالزعفران والأشنان
وورق الشجر، لما روت أم هانئ ﵂ (أنها دخلت على النبي ﷺ يوم فتح مكة، وهو يغتسل،
قد سترته بثوب دونه، في قصعة فيها أثر العجين) (٢)، وما روي عن عائشة ﵂ عن النبي
ﷺ (أنه كان يغسل رأسه بالخَطْميّ (٣) وهو جنب يجتزي بذلك ولا يصب عليه الماء) (٤)
.
-٢ - إن خالطه شيء من الطاهرات المائعة، ولم تغلب عليه، والغلبة تحصل
بظهور وصف واحد من مائع له وصفان، كاللبن له وصفان: اللون والطعم. فإن لم يوجد
جاز به الوضوء وإن وجد أحدهما لم يجز كما لو كان المخالط له وصف واحد فظهر وصفه.
أما إن كان للمائع ثلاثة أوصاف كالخل وظهر وصف واحد فيبقى الماء طاهرًا مطهرًا.
وتكون الغلبة للمائع الذي له نفس أوصاف الماء بالوزن، فإن اختلط رطلان مثلًا من
الماء المستعمل أو ماء الورد الذي انقطعت رائحته برطل من الماء المطلق لا يجوز به
الوضوء. وبالعكس لو كان الأكثر المطلق جاز به الوضوء.
-٣ - إن مات فيه ما لا
دم له سائلًا، كالحشرات والذباب والبعوض والعقرب والصرصور، لما روي عن أبي هريرة
﵁ أن رسول ﷺ قال: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في
أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء) (٥) .
-٤ - إن مات فيه حيوان مائي المولد
كالسمك وكلب البحر، للحديث المتقدم (هو الطَّهور ماؤه، الحلُّ مَيْتَتُه) .
-٥
- ماء مستعمل خالطه ماء مطلق غلب عليه.
-٦ - ماء تغير بطول المكث.
-٧ -
ماء مات فيه ضفدع مائي المولد، فلا ينجسه ويجوز التطهر به، ولكن يحرم شربه لحرمة
أكل لحم الضفادع (٦) .
(١) البخاري: ج ١ / كتاب الحج باب ٧٥/١٥٥٥.
(٢)
النسائي: ج ١ / ص ٢٠٢.
(٣) الخطمي: ضَرْبٌ من النبات يُغسل به. ويقال: يُغسل
به الرأس (الختمية) .
(٤) البيهقي: ج ١ / ص ١٨٢.
(٥) البخاري: ج ٥ /
كتاب الطب باب ٥٧/٥٤٤٥.
(٦) يحرم قتل الضفادع لحديث عبد الرحمن بن عثمان
وفيه قال: (نهى رسول الله ﷺ عن قتل الضفدع) مسند الإمام أحمد: ج ٣ / ص ٤٥٣.
٢٣
ثانيًا
- ماء طاهر مطهر مكروه الاستعمال تنزيهًا مع وجود غيره (١):
وهو الماء الذي
شرب منه حيوان مثل الهرة والدجاجة المُخلاَّة (٢) وسباع الطير. وقد وردت النصوص
بطهارة الهرة لشدة تطوافها على الناس وعدم إمكان الاحتراز من سؤرها، فعن أبي
قتادة ﵁ قال: إن رسول الله ﷺ قال في الهرة: (إنها ليست بنجس إنها من الطوافين
عليكم والطوافات) (٣) .
(١) تزول الكراهة بفقدان الماء المطلق.
(٢)
المُخَلاَّة: المرسلة، التي تجول في القاذورات ولم يعلم طهارة منقارها من نجاسته،
فكُرِه سؤرها للشك. فإن لم يكن كذلك فلا كراهة فيه بأن حُبِست فلا يصل منقارها
لقذر.
(٣) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٣٨/٧٥.
٢٣
ثالثًا
- ماء طاهر في نفسه غير مطهر لغيره (١):
آ - الماء المستعمل: ويعرف بأنه
الماء الذي أزيل به حَدَثٌ، كغسالة الوضوء والماء المنفصل من غسل المحدث، والماء
المستعمل في البدن بنية القربة كالوضوء على الوضوء، وغسل اليدين قبل الطعام لما
روى سلمان ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده) (٢) .
أو وضوء الحائض لتسبيحة الفريضة، أو المنفصل من سنة المضمضة والاستنشاق في
الوضوء.
والقول الراجح: إن الماء يصير مستعملًا عندما ينفصل عن العضو وإن لم
يستقر.
ب - ماء الشجر والثمر.
جـ - ماء زال عن رقته بالطبخ، كماء الحمص
والعدس، وماء خالطه أحد الجامدات الطاهرات فزالت سيولته.
د - الماء الذي حصل
له اسم غير الماء بمخالطة الجامدات الطاهرات، وإن بقي على سيولته، مثل العرق
سوس.
(١) يجوز شربه واستعماله، إن كان نظيفًا مع الكراهة التنزيهية، لإزالة
الحدث. وهو يطهر من الخبث عند عدم وجود غيره.
(٢) أبو داود: ج ٤ / كتاب
الأطعمة باب ١٢/٣٧٦١. وغسل اليدين قبل تناول الطعام سنة.
٢٣
رابعًا
- الماء المتنجس:
وهو قسمان:
آ - ماء جارٍ: وهو ما يعدّه الناس جاريًا
على الأصح، وقيل ما يذهب بتبنة. ولا يعد هذا الماء نجسًا إلا بتغير أحد أوصافه من
لون أو طعم أو ريح.
ويعتبر حوض الحمام جاريًا إذا كان الصنبور والمصرف
مفتوحين لو الماء نازلًا والغرف متدارك بحيث لا يسكن الماء.
ب - الماء
الراكد: وهو إما أن يكون قليلًا أو كثيرًا.
-١ - القليل: يَنْجُس بوقوع
النجاسة فيه ولو لم يظهر أثرها، لما روي عن أبي هريرة ﵁ أنه سمع رسول الله ﷺ
يقول: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) (١) . ويطهر
بالتطفيف، أي بإضافة ماء طاهر إليه حتى يجري فيحكم بطهارته ما لم تظهر أثر
النجاسة فيه.
-٢ - الكثير: وهو ما لا يخلص بعضه إلى بعض أي لا يتحرك أحد
طرفيه بتحرك الآخر. وقال الإمام أبو حنيفة: العبرة في ذلك رأي المُبتلى. وحدد
علماء الحنفية الخلوص بالمساحة فقدَّروها بعشر في عشر من ذراع الكِرباس (٢) . أي
ما يساوي (٤٩) م ٢ مساحة سطح الماء. وعمق ما لا ينجلي بالاغتراف أو لا ينحسر
أسفله أي لا تبدو أرضه إذا اغترف منه.
وحكم الماء الكثير أنه لا ينجس إلا
بتغير أحد أوصافه، وإذا كانت النجاسة مرئية وظاهرة فلا يتوضأ من مكانها.
(١)
البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء باب ٦٨/٢٣٦.
(٢) الكِرباس: فارسيٌّ معّرب بكسر
الكاف وجمعه كرابيس: الثوب الخشن. وقيل أيضًا: هو الثوب الأبيض من القطن.
٢٣
خامسًا
- ماء طاهر مشكوك في طهوريته:
وهو سؤر (١) كل حيوان مختلف في جواز أكل لحمه،
كالحمار الأهلي والبغل الذي أمه أتان (٢) .
حكمه:
آ - يعود طاهرًا
مطهرًا إن خالطه ماء مطلق أكثر منه.
ب - لا يجوز استعماله في الغسل والوضوء
مع وجود غيره. وعند فقد الماء يتوضأ ويتيمم للشك.
جـ - تجوز إزالة النجاسة
به عن الثوب والبدن.
(١) السؤر: هو ما بقي في الإناء بعد الشرب.
(٢)
الأتان: الحمارة، ولا يكره سؤر ما أمه مأكولة كبقرة مثلًا.
٢٣
مياه
الآبار والصهاريج
٢٣
- تعتبر مياه الآبار من
المياه الراكدة القليلة ولا علاقة لعمق البئر وغزارته.
حكم مياه الآبار:
إذا
وقعت في البئر نجاسة، سواء كانت مخففة أو مغلظة ولو قطرة دم أو بول، فإنه يتنجس.
ويعفى عما لا يمكن الاحتراز منه كسقوط الرَّوْث (١) والبعر إن كان قليلًا. أما إن
كان كثيرًا فيتنجس. وضابط الكثير ما يستكثره الناظر أو أن لا يخلو دلو منه.
ولا
يتنجس البئر بوقوع آدمي (٢) أو حيوان إن لم يكن نجس العين وليس على بدنه نجاسة
وأخرج حيًا. وإن أصاب فمه الماء فحكمه حكم سؤره (كما هو مبين في أحكام السؤر)
.
(١) الرَّوث: راث الفرس يَروث روثًا: مثل تغوَّط الرجل.
(٢) إذا وقع
آدمي محدث وأخرج حيًا ينزح من (٤٠ - ٦٠) دلوًا على سبيل الندب.
٢٤
كيفية
تطهير البئر:
أولًا: يطهر بنزح كل ماء البئر بعد إخراج النجاسة منه، ولو نزح
قسم من الماء ثم زاد ماء البئر فينزح بمقدار ما بقي وقت وقوع النجاسة. أما إذا
كان البئر غزيرًا فينزح من (٢٠٠ - ٣٠٠) دلوًا متوسطًا (أو ما يسع صاعًا) (١) .
ويكون
ذلك:
-١ - إذا وقع في البئر خنزير ولو خرج حيًا ولم يصب فمه الماء لنجاسة
عينه.
-٢ - إذا وقع فيه كلب، أو أي سبع من سباع البهائم، وأصاب فمه
الماء.
-٣ - إذا ماتت فيه شاة، أو كلب، أو آدمي. بدليل ما روي عن محمد بن
سيرين «أن زنجيًا وفقع في زمزم يعني فمات، فأمر به ابن عباس فأخرج، وأمر بها أن
تنزح» (٢) .
-٤ - إذا مات فيه حيوان وانتفخ (٣) أو تفسخ أو تمعّط شعره مهما
كان صغيرًا.
ثانيًا: ينزح من (٤٠ - ٦٠) دلوًا بعد إخراج النجاسة، وذلك:
-١
- إذا ماتت فيه دجاجة أو هرة أو نحوهما في الجثة ولم تنتفخ أو تتفسخ.
-٢ -
إذا مات فيه حيوان بين الدجاجة والشاة ولم ينتفخ أو يتفسخ.
ثالثًا: ينزح من
(٢٠ - ٣٠) دلوًا بعد إخراج النجاسة، وذلك:
-١ - إذا ماتت فيه فأرة أو نحوها
كعصفور، ولم تنتفخ أو تتفسخ لقول أنس ﵁ في فأرة ماتت في البئر وأخرجت من ساعتها:
«ينزح عشرون دلوًا».
-٢ - إذا مات فيه حيوان بين الحمامة والفأرة ولم يتمعط
أو تنتفخ.
يطهر البئر بنزح الماء المطلوب كما يطهر كل ما حول البئر من بكرة
وحبل ودلو وغيرها بعد انفصال آخر قطرة عن الدلو.
(١) الصاع: مكيال لأهل
المدينة يأخذ أربعة أمداد.
(٢) البيهقي: ج ١ / ص ٢٦٨.
(٣) الانتفاخ
دليل تقادم العهد. وأدنى حدّ التقادم في الانتفاخ ونحوه ثلاثة أيام.
٢٤
أحكام
الصهاريج وخزانات المياه:
لا تقاس الصهاريج وخزانات المياه على الآبار، إلا
إذا كان أكثرها مطمورًا في الأرض أو الزير (١) الكبير، لأن النصوص جاءت خاصة
بالآبار فلا يقاس عليها.
فلو وقعت نجاسة في صهريج ماؤه دون العشر في عشر (٤٩
م ٢ مساحة مع عمق ٢٥ سم)، يراق كله. أما إن كان مساحة سطح الماء عشرًا في عشر
فأكثر، فالمعتبر هو ظهور أثر النجاسة.
ولكن ما مقدار الزمن الذي يحكم به
بنجاسة البئر أو الصهريج إن وجد فيه حيوان؟ الجواب: إذا أخرج حيوان من صهريج أو
بئر فعلى المتوضئ أو المغتسل من هذا الماء أن يعيد صلاة يوم وليلة إن لم يتفسخ
الحيوان، وثلاثة أيام بلياليها إن تفسخ. أما إن غسل ثوبه دون أن يتوضأ فيعيد غسل
الثوب دون الصلاة إن كان غسله من نجاسة.
(١) الزِير: الدِّن.
٢٤
الفصل الثاني: الأَسْآر
٢٥
تعريف السّؤْر:
لغة: هو البقية
والفضلة.
شرعًا: بقية الماء في الإناء أو الحوض بعد شرب حيوان أو إنسان.
حكمه:
طهارة السّؤر تعتبر بطهارة لحم الحيوان لأن اللعاب متولد من اللحم.
أقسامه:
يقسم أربعة أقسام:
أولًا: سؤر طاهر مطهر: وهو:
-١ - سؤر الآدميّ مطلقًا
رجل أو امرأة ولو كان حائضًا أو جنبًا مسلمًا كان أم كافرًا، لما روي عن عائشة ﵂
أنها قالت: (كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي ﷺ فيضع فاه على موضع فيِّ فيشرب،
وأتعرق العَرِق (١) وأنا حائض ثم أناوله النبي ﷺ فيضع فاه على موضع فيِّ) (٢)
.
-٢ - سؤر ما لا دم له سائلًا.
-٣ - سؤر الفرس وكل ما يؤكل لحمه من
الحيوان.
(١) العَرِق: هو العظم الذي عليه بقية من لحم. ويقال عرقت العظم
إذا أخذت منه اللحم بأسنانك.
(٢) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض - باب ٣ /١٤.
٢٦
ثانيًا:
سؤر نجس مطلقًا:
-١ - سؤر الكلب والخنزير، لما روي عن الدارقطني عن أبي
هريرة ﵁ عن النبي ﷺ (في الكلب يلغ في الإناء أن يغسله ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا)
(١)، ولقوله تعالى: ﴿أو لحم خنزير فإنه رجس﴾ (٢) . وكذلك سؤر سباع الحيوانات غير
الطيور، كالضبع والفهد وابن آوى وكل ما لا يؤكل لحمه.
-٢ - سؤر شارب الخمر
بعد شربها ولو بزمن قليل.
-٣ - سؤر هرة ودجاجة وإبل وبقر علم نجاسة فمها.
(١)
الدارقطني: ج ١ / ص ٦٥. ووَلَغَ الكلب في الإناء يَلَغُ بفتح اللام فيهما
وُلوغًا: شرب ما فيه بأطراف لسانه.
(٢) الأنعام: ١٤٥.
٢٦
ثالثًا:
سؤر طاهر ضرورة أي مكروه استعماله تنزيهًا مع وجود غيره:
-١ - سؤر الهرة
والدجاجة المخلاة.
-٢ - سؤر سباع الطير كالصقر والحدأة والغراب، لأنها تشرب
بمنقارها وهو عظم طاهر، لكن لحومها نجسة فيحكم بكراهة سؤرها.
-٣ - سؤر سواكن
البيوت مما له دم سائل كالفأرة والحية مكروه، لأن حرمة اللحم أوجبت نجاسة السؤر
إلا أنه سقطت النجاسة لعلة الطواف فبقيت الكراهة.
ويكره حمل السؤر المكروه
أو لبس ما أصابه سؤر مكروه في الصلاة.
رابعًا: سؤر طاهر مشكوك (١) في
طهوريته: وهو سؤر البغل (الذي أمه أتان) والحمار لتعارض الآثار في إباحة لحمه،
فإن النبي ﷺ كان يركب حمارًا مَعْروريًّا (٢) في حر الحجاز، ويصيب العرق ثوبه
ويصلي في ذلك الثوب. ولكن لا يجوز استعماله إذا وجد غيره، فإن لم يجد غيره توضأ
به وتيمم. والأفضل تقديم الوضوء.
ويلحق بأحكام السؤر أحكام العَرَق لتولد
العرق من اللحم، ولو خالط الماء فهو كسؤره.
(١) ومعنى الشك التوقف فيه فلا
ينجس الطاهر ولا يَطْهُر النَّجِس.
(٢) مَعْرُور: العَرُّ والعُرُّ
والعُرَّة: الجَرَب. يقال: عُرَّ فهو معرور أي: أجرب.
٢٦
التحرِّي:
وهو
بذل الجهد لنيل القصد.
فلو اختلطت عند امرئ أواني ماء بعضها طاهر والآخر نجس
ولا يملك غيرها تصرَّف كالتالي:
-١ - إن كان أكثرها طاهرًا يتحرى للوضوء
والشرب.
-٢ - إن كان أكثرها نجسًا يتحرى للشرب فقط ويتيمم بدل الوضوء.
أما
في اللباس فإن اختلطت عليه وليس عنده ثوب مقطوع بطهارته يتحرى، لأن ستر العورة
واجب. وإن صلى بالتحري ثم تبين له خطأ اجتهاده أعاد الصلاة في الوقت أو بعده.
وهناك
قاعدة في الشك حيث يرجع للأصل دائمًا، مثلًا إنْ وجدنا ذبيحة وشككنا فيمن ذبحها
أهو مسلم أو مجوسي حكمنا بنجاستها ما لم يثبت إيمان المذكّي. أما لو وجدنا ماء
وشككنا بنجاسته فهو طاهر لأنه الأصل. وإذا طرأ الشك على شيء مجهول الأصل كمن كان
في بعض ماله حرام فهنا تكره معاملته.
٢٦
الباب الثاني (قَضَاءُ الحاجَة) .
٢٧
الفصل الأول (سننها ومكروهاتها)
٢٨
-١ - سنن قضاء الحاجة وآدابه:
-١ -
أن يقول عند الدخول: «بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» لحديث أنس
بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (سَتْرُ ما بين أعين الجنّ وعورات بني آدم إذا
وضعوا ثيابهم أن يقولوا: بسم الله) (١)، وعنه أيضًا قال: كان النبي ﷺ إذا دخل
الخلاء قال: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) (٢) .
-٢ - أن يقدم رجله
اليسرى على اليمنى عند الدخول.
-٣ - يجب أن يستتر لحديث أبي هريرة ﵁ قال:
قال رسول الله ﷺ: (ومن أتى الغائط فلْيَسْتَتِر) (٣) . وألا يرفع ثوبه حتى يدنو
من الأرض، وأن يسبل ثوبه قبل انتصابه. والمهم عدم كشف العورة إلا عند الضرورة
وبقدرها، لحديث أنس ﵁ قال: (كان النبي ﷺ إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو
من الأرض) (٤) .
-٤ - أن يجلس معتمدًا على يسراه لأنه أسهل لخروج الخرج،
لحديث سراقة بن جعشم ﵁ قال: (علمنا رسول الله ﷺ إذا دخل أحدنا الخلاء أن يعتمد
اليسرى وينصب اليمنى) (٥) .
-٥ - يستحب أن يتجنب الأمكنة الصلبة حتى لا
يصيبه رشاش البول وإلا يحترز من النجاسة لحديث أبي موسى ﵁ قال: إني كنت مع رسول
الله ﷺ ذات يوم، فأراد أن يبول، فأتى دَمَثًا (٦) في أصل جدار، فبال، ثم قال
النبي ﷺ: (إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتَد لبوله موضعًا) (٧) .
-٦ - أن يخرج
برجله اليمنى ويقول عند الخروج: «غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاي»
لحديث أنس بن مالك ﵁ قال: كان النبي ﷺ إذا خرج من الخلاء قال: (الحمد لله الذي
أذهب عني الأذى وعافاني) (٨)، وعن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ كان إذا خرج من الغائط قال:
(غفرانك) (٩) .
-٧ - أن يغسل يديه بالصابون عند الخروج، لحديث أبي هريرة ﵁
قال: (كان النبي ﷺ إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تَوْر أو رَكوة فاستنجى ثم مسح
يده على الأرض ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ) (١٠) .
(١) مجمع الزوائد: ج ١ / ص
٢٠٥.
(٢) البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء باب ٩ / ١٤٢.
(٣) أبو داود: ج ١ /
كتاب الطهارة باب ١٩ / ٣٥.
(٤) الترمذي: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٠ / ١٤.
(٥)
البيهقي: ج ١ / ص ٩٦.
(٦) الدَمث: المكان السهل الذي يخد فيه البول، فلا
يرتد على البائل.
(٧) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٢ / ٣.
(٨) ابن
ماجة: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٠ / ٣٠١.
(٩) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة
باب ١٧ / ٣٠.
(١٠) البيهقي: ج ١ / ص ١٠٦. والتور: إناء معروف تعرفه العرب،
والركوة: دلو صغير.
٢٩
-٢ - مكروهات قضاء
الحاجة:
-١ - يكره الدخول إلى الخلاء ومعه شيء مكتوب فيه اسم الله، لحديث
أنس ﵁ قال: (كان رسول الله ﷺ إذا دخل الخلاء نزع خاتمه) (١) . وقد ثبت أن نقش
خاتمه ﷺ كان: محمد رسول الله.
-٢ - يكره استقبال مهب الريح، وكذا استقبال
الشمس والقمر.
-٣ - يكره تحريمًا استقبال القبلة بالفرج حال قضاء الحاجة أو
استدبارها، ولو في البنيان، لحديث سلمان ﵁ قال: (لقد نهانا أن نستقبل القبلة
لغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن
نستنجي برَجيع أو بعظم) (٢) . ولما روي عن أبي أيوب ﵁ أن النبي ﷺ قال: (إذا أتيتم
الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرِّقوا أو
غرِّبوا) (٣) . وكذا يكره إمساك الصبي نحو القبلة للبول.
-٤ - يكره ذكر الله
تعالى فلا يحمد إذا عطس ولا يَرُدّ سلامًا، ولا يجيب مؤذِّنًا، لما روي عن
المهاجر بن قنفذ ﵁ أنه أتى النبي ﷺ وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ،
ثم اعتذر إليه فقال: (إني كرهت أن أذكر الله ﷿ إلا على طهر) (٤) . كما يكره مطلق
الكلام إلا لضرورة، لما روى أبو سعيد الخدري ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (لا
يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فإن الله ﷿ يمقت على ذلك)
(٥) .
-٥ - يكره التخلي في طريق الناس أو في الظلّ أو تحت شجرة مثمرة، لحديث
أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (اتقوا اللاعِنَيْنِ، قالوا: وما اللاعنان يا
رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلّهم) (٦) .
-٦ - يكره التخلي
في جُحْر (٧)، لحديث عبد الله بن سَرْجَس ﵁ (أن رسول الله ﷺ نهى أن يبال في
الجُحْر. قال: قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الجحر؟ قال: كان يقال: إنها
مساكن الجن) (٨) .
-٧ - يكره التخلي في الماء الراكد، لما روي عن أبي هريرة
﵁ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: (لا يَبُولنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري،
ثم يغتسل فيه) (٩) . وكذلك يكره بقرب بئر أو نهر أو حوض.
-٨ - يكره البول
قائمًا إلا من عذر، لما روت عائشة ﵂ قالت: (من حدثكم أن النبي ﷺ كان يبول قائمًا
فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدًا) (١٠) .
-٩ - يكره النظر إلى فرجه أو
إلى ما يخرج منه، وقيل: إنه يورث النسيان.
-١٠ - يكره البول في محل الوضوء
لأنه يورث الوسوسة، لحديث عبد الله بن مغفل ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا يبولن
أحدكم في مستحمه، ثم يغتسل فيه، قال أحمد: ثم يتوضأ فإن عامة الوسواس منه) (١١)
.
-١١ - يحرم البول على القبر أو في المسجد أو على كل ما يحرم به الاستنجاء
من طعام الجن أو الإنس.
(١) الترمذي: ج ٤ / كتاب اللباس باب ١٧ / ١٧٤٦.
(٢)
مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٧ / ٥٧. والرَّجيع: الرَّوْث.
(٣) مسلم: ج ١
/ كتاب الطهارة باب ١٧ / ٥٩.
(٤) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٨ /
١٧.
(٥) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٧ / ١٥.
(٦) أبو داود: ج ١ /
كتاب الطهارة باب ١٤ / ٢٥. واللاعنان: أي الذين هما سبب اللعن والشتم غالبًا.
(٧)
الجُحْر: بضم الجيم وإسكان الحاء: الخَرقْ في الأرض والجدار.
(٨) أبو داود:
ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٦ / ٢٩.
(٩) البخاري: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٦٨ /
٢٣٦.
(١٠) الترمذي: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٨ / ١٢.
(١١) أبو داود: ج ١
/ كتاب الطهارة باب ١٥ / ٢٧.
٢٩
الفصل الثاني: الاستنجاء
٣٠
تعريف الاستنجاء:
لغة: مسح موضع
النجاسة أو غسله.
شرعًا: هو إزالة نجس عن سبيل، ومعناه استعمال الماء بقصد
إزالة النَّجْو أي الغائط.
الفرق بين الاستبراء والاستنزاه والاستنقاء.
الاستبراء:
طلب براءة المَخْرج من أثر البول (للرجل فقط) ويكون بنقل الأقدام أو التنحنح (أما
المرأة فتنتظر قليلًا ثم تستنجي) وحكمه لازم (وهو فوق الواجب) لفوات صحة الطهارة
بفواته.
الاستنزاه: طلب البعد عن الأقذار والتطهر من الأبوال.
الاستنقاء:
النقاوة بالدلك حتى يذهب أثر النجاسة بالأحجار عند الاستجمار وبالأصابع عند
الاستنجاء بالماء.
حكم الاستنجاء:
هو سنة مؤكدة لإزالة الخارج من
السبيلين عن مخرجه. أما إذا تجاوزت النجاسة المخرج بقدر الدرهم فتجب إزالتها
بالماء، وكذا المرأة يجب أن تستنجي من البول دائمًا لاتساع المخرج. وإذا زادت
النجاسة المتجاوزة على قدر الدرهم افترض غسلها بالماء، كما يفترض غسل ما في
المخرج عند الاغتسال من الجنابة والحيض والنفاس بالماء.
ويصح أن تستنجي
بالماء فقط، والأفضل الجمع بين الحجر والماء مرتبًا فيمسح الخارج ثم يغسل المخرج
بالماء، وذلك لأن الله تعالى أثنى على أهل قباء بإتباعهم الأحجار الماء، فعن أنس
بن مالك ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرًا في
الطهور فما طهوركم هذا، قالوا يا رسول الله نتوضأ للصلاة والغسل من الجنابة فقال
رسول الله ﷺ: هل مع ذلك غيره. قالوا: لا غير أن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن
يستنجي بالماء. قال: هو ذاك) (١) . وعن ابن عباس ﵄ قال: (لما نزلت هذه الآية في
أهل قباء: فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين. فسألهم رسول الله ﷺ
فقالوا: إنا نتبع الحجارة الماء) (٢) . فكان الجمع سنة. روي عن عائشة ﵂ قالت:
(مُرْنَ أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم، فإن رسول الله ﷺ كان يفعله)
(٣) .
ويصح استعمال الحجر أو الورق وحده في حالة كون النجاسة لم تتجاوز
المخرج، والغسل بالماء أحب لحصول الطهارة وإقامة السنة على الوجه الأكمل.
وفي
الاقتصار على الحجر (الورق) يفضل التثليث، لما روي عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ
قال: (ومن استجمر فليوتر، ومن فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج) (٤) .
(١)
المستدرك: ج ١ / ص ١٥٥.
(٢) مجمع الزوائد: ج ١ / ص ٢١٢.
(٣) الترمذي: ج
١ / كتاب الطهارة باب ١٥/١٩.
(٤) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب
١٩/٣٥.
٣١
سنن الاستنجاء:
-١ - الاعتماد
على الوسطى في الدبر في ابتداء الاستنجاء، ثم يصعد البنصر وغيرها.
-٢ -
التجفيف بعد الغسل احتياطًا من الماء المستعمل.
-٣ - غسل اليدين بعده
بالصابون، لحديث ميمونة ﵂ قالت: (وضع رسول الله ﷺ وضوءًا لجنابة فأكفأ (١) على
شماله مرتين أو ثلاثًا ثم غسل فرجه ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثًا)
(٢) .
(١) أكفأ الإناء: أماله وقلبه ليصُبَّ ما فيه.
(٢) البخاري: ج ١
/ كتاب الغسل باب ١٦/٢٧٠.
٣١
مكروهات
الاستنجاء:
-١ - أن يستنجي باليد اليمنى، لما روي عن أبي قتادة ﵁ أن النبي ﷺ
قال: (إذا بال أحدكم فلا يأخذنّ ذَكره بيمينه، ولا يستنج بيمينه، ولا يتنفّس في
الإناء) (١) .
-٢ - أن يستنجي بعظم أو روث، لحديث عبد الله بن مسعود ﵁ قال:
قال رسول الله ﷺ: (لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم الجنّ) (٢)،
وعنه أيضًا أن النبي ﷺ قال: (أتاني داعي الجن.. فذكر الحديث وفيه: كل عظم ذكر اسم
الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحمًا وكل بعرة علف لدوابكم) (٣) .
وينهي
أيضًا عن الاستنجاء بزجاج أو جصٍّ أو فحم أو خزف أو بشيء محترم لقيمته والنهي هنا
يقتضي كراهة التحريم.
(١) البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء باب ١٩/١٥٣.
(٢)
الترمذي: ج ١ / أبواب الطهارة باب ١٤/١٨.
(٣) البيهقي: ج ١ / ص ١٠٩.
٣١
الباب الثالث (الوُضوُءُ) .
٣٢
الفصل الأول: تعريفه، سببه، شروطه، حكمه
٣٣
تعريفه:
الوضوء لغة: من الوضاءة،
وهي الحسن والنظافة.
وشرعًا: نظافة مخصوصة. والمعنى الشرعي مأخوذ من اللغوي،
لأن الوضوء يُحسِّن أعضاء الوضوء في الدنيا بالنظافة وفي الآخرة بالتحجيل (١)
.
(١) التَّحجيل: الأصل بياضٌ في قوائم الفرس. والمراد هنا بياض في الأيدي
والأرجل من النور الذي يكتسبه صاحبه بالوضوء.
٣٤
سببه:
أ
- استباحة ما لا يحل بدونه، فرضًا كان أو واجبًا (الصلاة، مس المصحف، الطواف)
.
ب - وجوب الصلاة.
جـ - وقيل سببه الحدث. والحدث لغةً: الشيء الحادث،
وشرعًا وصف شرعي يحل بالأعضاء فيزيل الطهارة.
د - وقال أهل الظاهر: سببه
القيام إلى الصلاة لقوله تعالى: ﴿إذا قمتم إلى الصلاة﴾ (١) .
(١) المائدة:
٦.
٣٤
شروطه:
أ - شروط وجوب الوضوء:
-١
- العقل: إذ لا خطاب بدونه.
-٢ - البلوغ: لأنه لا يكلَّف القاصر.
-٣ -
الإسلام: لأن الكافر لا يكلَّف بالفروع.
-٤ - القدرة على استعمال الماء
الطَّهور الكافي لجميع الأعضاء مرة مرة.
-٥ - وجود الحدث: فلا يَلْزم الوضوء
على الوُضوء.
-٦ - النَّقاء من الحيض والنَّفاس بانقطاعهما شرعًا.
-٧ -
ضيق الوقت: لتوجه الخطاب مُضيَّقًا وموسَّعًا في ابتدائه: ﴿إذا قمتم إلى الصلاة﴾
.
ب - شروط صحة الوضوء:
-١ - عدم الحيض أو النّفاس.
-٢ - أن يعم
البشرة، فلو بقي مقدار غرزة الإبرة لم يصح الوضوء.
-٣ - زوال ما يمنع وصول
الماء إلى البشرة لجرم الحائل، كشمع أو شحم وكذا طلاء الأظافر. أما الدسومة التي
لا جرمية لها فلا مانع كدسومة الزيت وما شابهه. ويلزم تحريك الخاتم الضيق.
-٤
- أن لا يحصل ناقض أثناء الوضوء.
-٥ - التَّقاطر.
حكمه:
-١ - هو
فرض للصلاة، لقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين﴾ (١) - ونزلت
هذه الآية في المدينة المنورة ولكن الوضوء فُرِضَ في مكة المكرمة عندما فُرضت
الصلاة، نزل جبريل ﵇ وعلَّمه لرسول الله ﷺ وكذا لحديث ابن عمر ﵄ قال: إني سمعت
رسول الله ﷺ يقول: (لا تُقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة بغير غَلول) (٢) . وسواء
كانت الصلاة فرضًا أم نافلة أم صلاة جنازة، أو كانت من أجزاء الصلاة كسجدة
التلاوة وغيرها مما في معنى الصلاة، فإنها لا تصح إلا بالوضوء.
ويكفر من
أنكر فريضة الوضوء للصلاة، أما لغير الصلاة فلا يكفر.
وهو فرض أيضًا لمس
المصحف لقوله تعالى: ﴿لا يمسُّه إلاّ المطهرون﴾ (٣)، ولما روى عبد الله ابن عمر ﵄
قال: قال النبي ﷺ: (لا يَمَسَّ القرآن إلاّ طاهرًا) (٤)
-٢ - واجب للطواف
حول الكعبة، لحديث طاووس عن رجل قد أدرك النبي ﷺ أن النبي ﷺ قال: (إنما الطواف
صلاة، فإذا طفتم فأقِلُّوا الكلام) (٥)، وباعتباره أشبه الصلاة من وجه دون وجه
لذا وجبت الطهارة فيه، فلا تتوقف صحة الطواف على الوضوء.
-٣ - سنة للنوم،
لحديث البراء بن عازب ﵁ قال: قال النبي ﷺ: (إذا أتيت مضجعك فنتوضأ وضوءك للصلاة،
ثم اضطجع على شِقّك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، فوضت أمري إليك،
وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، اللهم آمنت
بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مُتَّ من ليلتك فأنت على الفطرة،
واجعلهن آخر ما تتكلم به) (٦) .
-٤ - مندوب في ثلاثين موضعًا، نذكر منها:
عقب
الغضب لحديث عطية وقد كانت له صحبة قال: قال رسول الله ﷺ: (إن الغضب من الشيطان،
وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) (٧)
. وبعد القهقهة خارج الصلاة.
وللجلوس في المسجد، لما روي عن عثمان بن عفان ﵁
قال: رأيت رسول الله ﷺ توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: (من توضأ وضوئي هذا ثم أتى
المسجد فركع فيه ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه) (٨) .
كما يندب الوضوء
لجُنُب يريد أكلًا أو شربًا أو نومًا أو جماعًا آخر، لحديث عائشة رضي الله قالت:
(كان رسول الله ﷺ إذا كان جنبًا، فأراد أن يأكل أو ينام، توضأ وضوءه للصلاة) (٩)،
وعن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن
يعود فليتوضأ) (١٠) .
ويندب الوضوء عقب الخطايا والذنوب الصغائر لأنه
يكفرها، فعن عثمان بن عفان ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من توضأ فأحسن الوضوء خرجت
خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره) (١١) . وعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ
قال: (إذا توضأ العبد المسلم - أو المؤمن - فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر
إليها بعينيه مع الماء - أو مع آخر قطْر الماء - فإذا غسل يديه خرج من يديه كل
خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء - أو مع آخر قطْر الماء - فإذا غسل رجليه خرجت كل
خطيئة مشتها رجلاه مع الماء - مع آخر قطْر الماء - حتى يخرج نقيًا من الذنوب)
(١٢) . ويندب بعد الكذب أيضًا.
كما يندب لقراءة القرآن غيبًا وعند ذكر الله
﷿، لما روي عن المهاجر بن قنفذ ﵁ أنه أتى النبي ﷺ وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد
عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: (إني كرهت أن أذكر الله ﷿ إلا على طهر) (١٣)
.
ويندب لحضور مجالس العلم أو غير ذلك.
(١) المائدة: ٦.
(٢) مسلم:
ج ١ / كتاب الطهارة باب ٢/١.
(٣) الواقعة: ٧٩.
(٤) الدارقطني: ج ١ / ص
١٢١.
(٥) مسند الإمام أحمد: ج ٣ / ص ٤١٤.
(٦) البخاري: ج ١ / كتاب
الوضوء باب ٧٥/٢٤٤.
(٧) مسند الإمام أحمد: ج ٤ / ص ٢٢٦.
(٨) مجمع
الزوائد: ج ٢ / ص ٢٨.
(٩) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ٦/٢٢.
(١٠)
مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ٦/٢٧.
(١١) مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة باب
١١/٣٣.
(١٢) مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١١/٣٢.
(١٣) مسلم: كتاب
الطهارة باب ٨/١٧.
٣٤
الفصل الثاني: فرائض الوضوء
٣٥
وهي أربع لقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين
آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم
وأرجلكم إلى الكعبين﴾ (١) .
أولًا: غسل الوجه: الغسل هو إسالة الماء على
الوجه حتى يتقاطر، والوجه هو ما تقع به المواجهة. وحدّه طولًا من مبدأ سطح الجبهة
إلى أسفل الذقن، وعرضًا ما بين شحمتي الأذنين. وهو يشمل الحاجبين والشاربين شعرًا
وبشرًا. أما اللحية فإن كانت خفيفة فيجب إيصال الماء إلى البشرة، وإن كانت كثيفة
فيكفي غسل ظاهر الشعر، ولا يجب غسل ما زاد على دائرة الوجه مما استرسل من
اللحية.
ثانيًا: غسل اليدين مع المرفقين: وتشمل اليد: الكف والساعد والمرفق.
وقد اتفق الفقهاء على أن المرفق داخل بالغسل وخالف الإمام زُفَر، ودليل الجمهور
حديث نعيم بن عبد الله المجمر قال: (رأيت أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه فأسبغ
الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد،
ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله
ﷺ يتوضأ) (٢) .
ومن قطعت يده من المرفق فلا يغسل سوى محل القطع.
ثالثًا:
مسح الرأس: والمسح إمرار اليد المبتلَّة على العضو. والمقدار المطلوب مسحه
مُخْتَلَفٌ فيه على أقوال:
أ - مقدار ثلاث أصابع من أصابع اليد، ودليل أصحاب
هذا القول أن الباء في قوله تعالى ﴿برؤوسكم﴾ للإلصاق. وهي إن اتصلت بالمسموح دلّ
على استيعاب الآلة يعني اليد، والمراد أكثرها وهو يتحقق بثلاث أصابع.
ب -
وقال بعضهم المقصود ربع الرأس سواء أكان من مقدم الرأس أو من الناصية على أن يكون
فوق الأذنين، فلو مسح على أسفل الذوائب لا يصح، وذلك لأنه الوارد عن رسول الله ﷺ،
ولأن استيعاب اليد يقتضي مسح ربع الرأس؛ ففي حديث أنس ﵁ قال: (رأيت رسول الله ﷺ
يتوضأ وعليه عمامة قِطرية، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مُقدَّم رأسه ولم ينقض
العمامة) (٣) .
جـ - وذكر الكرخي والطحاوي أن المقصود هو مقدار ناصية الرأس،
لحديث المغيرة ابن شعبة ﵁ قال: (إن النبي ﷺ توضأ ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى
الخفين) (٤) .
رابعًا: غسل الرجلين مع الكعبين: والكعبان هما العظمان
المرتفعان في جانبي القدم، وهما داخلان بالغسل مع القدمين للحديث المتقدم: (.. ثم
غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق)،
ولقوله ﷺ بعدما غسل رجليه - فيما رواه بريدة عنه ﵁ (هذا الوضوء الذي لا يقبل الله
الصلاة إلا به) (٥)، ولحديث أبي هريرة ﵁ قال: (أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم قال:
ويل للأعقاب من النار) (٦) . ويجب غسل شقوق الأرجل إن قدر، ولا يضر أن يمسح عليها
إ لم يقدر أو كان عليها دواء، فإن لم يستطع الغسل ولا المسح ولا إمرار الماء على
الدواء الذي وضعه عليها، يتوضأ ويدع ما يضره من شقوق في رجليه.
(١) المائدة:
٦.
(٢) مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٢/٣٤.
(٣) أبو داود: ج ١ / كتاب
الطهارة باب ٥٧/١٤٧.
(٤) مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٢٣/٨٣.
(٥)
مجمع الزوائد: ج ١ / ص ٢٣١.
(٦) البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء باب ٢٨/١٦٣.
٣٦
الفصل الثالث: سنن الوضوء
٣٧
-١ - النية: وهي لغة: عزم القلب على
الفعل.
وشرعًا قصد القلب إيجاد الفعل جزمًا، أو إزالة الحدث أو استباحة
الصلاة.
وقد اعتبر السادة الحنفية النية سنة في الوضوء، وهي فرض عند غيرهم،
وذلك:
أ - لأنهم قسموا العبادات إلى:
-١ - مقاصد وتكون النية فيها
فرضًا كالصلاة والصوم.
-٢ - وسائل أو بدايات؛ ولا تكون النية فرضًا ولكن لا
يؤجر الإنسان عليها إلا بالنية، لحديث عمر بن الخطاب ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ
يقول: (إنما الأعمال بالنيات) (١) .
ب - ولأن آية الوضوء لم تأمر بالنية،
وإنما أمرت بالغسل والمسح، وثبتت النية بحديث آحاد (٢) فهي زيادة على النص، ولا
تكون إلا بقطعي كالقرآن حسب ما قرروه في أصولهم (٣) .
جـ - إن الوضوء طهارة
بالماء فلا تشترط له النية كإزالة النجاسة. وعلى هذا من اغتسل أو انغمس في ماء
للتبرد أو السباحة صح وضوؤه.
ومحل النية: القلب، وصيغتها: أن ينوي رفع الحدث
أو إقامة الصلاة أو الوضوء. وزمنها: عند غسل الوجه، وفي قولٍ قبل جميع السنن أي
عند غسل اليدين. وقيل: قبل الاستنجاء حتى يكون جميع عمله قربة.
والنية فرض
في التيمم لأن التراب ليس له مطهرًا أصلًا.
-٢ - الترتيب: ومعناه تطهير
الأعضاء واحدًا بعد واحد على الوجه الذي جاءت به آية الوضوء، واستدل السادة
الأحناف على أنه سنة بما يلي:
أ - إن النصّ في آية الوضوء عطف المفروضات
بالواو، وهي لا تقضي إلا مطلق الجمع، ولو أراد الترتيب لعطف بينها بالفاء أو
بثم.
ب - لقول علي ﵁: «ما أبالي إذا أتممت وضوئي بأيِّ أعضائي بدأت» (٤) .
وعن مجاهد قال: قال عبد الله بن مسعود ﵁: «لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك» (٥)
.
جـ - إن حكمة الوضوء المقصودة منه لا تتوقف على الترتيب وهي الوضاءة
والحسن والنظافة.
وما ورد من أحاديث عن وضوئه ﷺ يفيد السميّة لا
الفَرَضية.
-٣ - التسمية في أوله حتى لو نسيها أثناء الوضوء لم يحصل
المقصود، عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من توضأ وذكر اسم الله تطهر جسده
كله، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله لم يتطهر إلا موضع الوضوء) (٦) .
وصيغة
التسمية: «بسم الله العظيم والحمد لله على دين الإسلام»، وقيل: «بسم الله الرحمن
الرحيم».
ودليل التسمية: حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا صلاة
لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه) (٧) .
-٤ - غسل
اليدين إلى الرسغين في ابتداء الوضوء، لأنهما آلة التطهير فيبدأ بهما. والرسغ هو
المفصل بين الساعد والكفّ وبين الساق والقدم، ولحديث أوس بن أوس ﵁ قال: (رأيت
رسول الله ﷺ استوكف ثلاثًا) (٨)، وعن حمران مولى عثمان ﵁ أن عثمان بن عفان ﵁ دعا
بوَضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم
غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه،
ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت
رسول الله ﷺ توضأ نحو وضوئي هذا. ثم قال رسول الله ﷺ: (من توضأ وضوئي هذا، ثم قام
فركع ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه) (٩) .
وغسل
اليدين للمستيقظ من النوم آكد لما ثبت عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (إذا
استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، فإنه لا يدري
أين باتت يده) (١٠) .
كيفية غسلهما: إن كان الإناء صغيرًا فيجب رفعه أو
إمالته وصبُّ الماء باليد اليسرى على اليمنى، وإن كان كبيرًا لا يمكن إمالته
فيغمس أصابع يسراه دون الكفّ فيصب على يمناه ثلاثًا، ثم يدخل اليمنى فيغسل يده
اليسرى ثلاثًا، وذلك حتى لا يصير الماء مستعملًا. وإن زاد على قدر الضرورة بإدخال
الكف مع الأصابع صار الماء مستعملًا (أي الملاقي للكف إذا انفصل لا جميع الماء)
إلا أن ينوي الاغتراف، لأن غسل اليدين في ابتداء الوضوء يجزي عن الفرض ويسقط
حدثهما، فهي سنة تنوب عن الفرض كما أن قراءة الفاتحة في الصلاة واجب ينوب عن
الفرض وهو التلاوة.
فمثلًا إذا نقيت الحائض وأدخلت يدها في الإناء، فإنه
يسقط حدث يدها ولو بدون نية، لكن يسن عند غسل الذراعين إعادة غسل الكفين.
ويكون
غسل اليدين إلى الرسغين سنة إن كانتا طاهرتين. أما إن كانتا متنجستين ولو قلت
النجاسة فغسلهما على وجه لا ينجس الماء فرض، فإن أفضى إلى ذلك تركه - إذا لم
يمكنه الاغتراف بشيء ولو بمنديل أو بفمه، وتيمم وصلى ولم يعد.
-٥ -
الاستياك: وهو سنة مؤكدة عند المضمضة، لما روي عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال:
(لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء) (١١) .
وهو سنة
للوضوء لا للصلاة، فلو توضأ بسواك يحصل الفضل في كل صلاة أداها بهذا الوضوء. وإن
توضأ بدون سواك نُدب له السواك عند الصلاة.
كما أن السواك مستحب عند تغير
رائحة الفم، والقيام إلى الصلاة إن لم يخشَ نقض الوضوء بخروج دم من اللثة، وقراءة
القرآن، ودخول البيت، واجتماع الناس، روي عن أبي أمامة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال:
(تسوكوا فإن السِّواك مَطْهَرَة للفم، مرضاة للرب، ما جاءني جبريل إلاّ أوصاني
بالسِّواك حتى لقد خشيتُ أن يُفْرض عليَّ وعلى أمتي، ولولا أني أخاف أن أشُقَّ
على أمتي لفرضْتُه لهم، وإني لأستاك حتى لقد خَشيت أن أحَفْي مقادِمَ فمي) (١٢)،
وعن عائشة ﵂ (أن النبي ﷺ كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك) (١٣) .
ويصح
الاستياك بالإصبع أو بخرقة خشنة، لما روي عن أنس بن مالك ﵁ أن رجلًا من الأنصار
من بني عمرو بن عوف قال: يا رسول الله إنك رغبتنا في السواك فهل دون ذلك من شيء؟
قال: (إصبعاك سواك عند وضوئك تمرهما على أسنانك) (١٤) .
ويندب أن يكون
السواك، وهو العود الذي يستاك به، لينًا بلا عُقَد، في غِلظ خنصر وطول شبر، ويسن
أن يكون من الأراك (١٥) .
كيفية الاستياك: يجعل خنصر يده اليمنى تحت السواك،
ويجعل البنصر والوسطى والسبابة فوقه، والإبهام أسفل رأس السواك، ويستاك به عرضًا
لا طولًا.
وأقل السواك ثلاث مرات للأعالي وثلاث مرات للأسافل بثلاث مياه.
-٦
- المضمضة والاستنشاق:
المضمضة اصطلاحًا هي استيعاب الماء جميع الفم، ويسن
أن تكون ثلاثًا لما روى عبد الله بن زيد ﵁ في صفة وضوئه ﷺ قال: (فمضمض واستنشق
واستنثر من ثلاث غرفات) (١٦) .
والاستنشاق من النَّشق وهو جذب الماء أو
إيصال الماء إلى المارِن وهو ما لان من الأنف.
وتسن المبالغة في المضمضة
والاستنشاق لغير الصائم لحديث لقيط بن صبرة ﵁ قال: فقلت: يا رسول الله أخبرني عن
الوضوء، قال: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون
صائمًا) (١٧) .
ويسن في المضمضة والاستنشاق خمسة أشياء هي: الترتيب،
والتثليث، وتجديد الماء، وأن يكون الاستنشاق باليمنى والاستنثار باليسرى،
والمبالغة فيهما بالغرغرة ومجاوزة المارن. ودليل ذلك الأحاديث المتقدمة وما روي
عن علي ﵁ في صفة وضوء النبي ﷺ: (فأدخل يده اليمنى في الإناء فملأ فمه فتمضمض
واستنشق واستنثر بيده اليسرى ففعل ذلك ثلاثًا) (١٨) .
-٧ - تخليل اللحية
الكثّة: ويكون بتفريق الشعر من الأسفل إلى الأعلى، ويكون بعد غسل الوجه. وذلك لما
روي عن عثمان ﵁ (أن رسول الله ﷺ توضأ فخلل لحيته) (١٩)، وعن أنس بن مالك ﵁ (أن
رسول الله ﷺ كان إذا توضأ أخذ كفًا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال:
هكذا أمرني ربي ﷿ (٢٠) .
-٨ - تخليل الأصابع في اليدين بإدخال بعضهما في
بعض، وتخليل الأصابع في الرجلين بأن يدخل خنصر يده اليسرى فيبتدئ من خنصر رجله
اليمنى وينتهي بخنصر رجله اليسرى؛ وذلك من أسفل الأصابع إلى أعلاها. لما حدث
المستورد بن شداد ﵁ قال: (رأيت رسول الله ﷺ توضأ فخلل أصابه رجليه بخصره) (٢١)،
وعن ابن عباس ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: (إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك) (٢٢)
.
والتخليل سنة فإذا كانت الأصابع منضمة كان تخليلها فرضًا.
-٩ - تثليث
الغسل لأحاديث كثيرة وردت في صفة وضوئه ﷺ، ومنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده «أن رجلًا أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله كيف الطَّهور؟ فدعاء بماء في إناء،
فغسل كفيه ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا، ثم مسح برأسه فأدخل
أصبعيه السبَّاحتين في أذنيه ومسح بإبهامه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن
أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص
فقد أساء وظلم» (٢٣) وزاد في رواية: (أو تعدّى) (٢٤) .
وغسل المرة فرض
والمرتين يضاعف بهما الأجر مرتين، لما روي عن أبي بن كعب ﵁ (أن رسول الله ﷺ دعا
بماء فتوضأ مرة مرة، فقال: هذا وظيفة الوضوء أو قال: وضوء من لم يتوضأه لم يقبل
الله له صلاة، ثم توضأ مرتين مرتين ثم قال: هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين
من الأجر، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا فقال: هذا وضوئي ووضوء المرسلين من قبلي) (٢٥)
.
-١٠ - استيعاب الرأس بالمسح مرة واحدة، ولا يندب التثليث لأن الوارد في
أكثر الأحاديث في صفة وضوئه ﷺ التثليث في المغسولات وأن السنة في الرأس استيعابه
بالمسح، فعن أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «رأيت عليًا ﵁ توضأ فغسل وجهه
ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه مرة واحدة، ثم قال: هكذا توضأ رسول الله
ﷺ» (٢٦) .
كيفية المسح: يضع كفيه وأصابع يديه على مقدم رأسه ويمرّهما إلى
القفا على وجه يستوعب جميع الرأس، لما روي عن المقدام بن معد يكرب ﵁ قال: «رأيت
رسول الله ﷺ توضأ، فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه فأمرهما حتى بلغ
القفا ثم ردهما إلى المكان الذي منه بدأ» (٢٧) .
-١١ - البداءة بالمسح من
مقدم الرأس للحديث المتقدم، وهي من المستحبات.
-١٢ - مسح الأذنين: يسن مسح
الأذنين ولو بماء الرأس، لما ورد أنه ﷺ غرف غرفة فمسح بها رأسه وأذنيه فعن عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده ﵁ في صفة الوضوء، وفيه: (ثم مسح رأسه، فأدخل أصبعيه في
أذنيه، ومسح بإبهامه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه) (٢٨) وإن أخذ لهما
ماءً جديدًا كان حسنًا.
ويكون مسح الأذنين بأن يمسح ظاهرهما بالإبهامين
وداخِلَهما بالسبَّابتين، ويُدخل الخنصرين في حِجْرَيْهِما ويحركهما لحديث الربيع
بنت معوذ بن عفراء ﵂ «أن النبي ﷺ توضأ فأدخل أصبعيه في حجري أذنيه» (٢٩) .
-١٣
- الدلك بعد الغسل بإمرار يديه على الأعضاء، لحديث عبد الله بن زيد بن عاصم ﵁ (أن
النبي ﷺ توضأ فجعل يقول هكذا يدلك) (٣٠) .
-١٤ - البداءة بالميامن وذلك في
اليدين والرجلين، لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا توضأتم فابدءُوا
بميامنكم) (٣١)، ولحديث عائشة ﵂ قالت: (كان النبي ﷺ يعجبه التيمن في تنعله وترجله
وطهوره وفي شأنه كله) (٣٢) .
-١٥ - البداءة بالغسل من رؤوس الأصابع باليدين
والرجلين، لأن الله تعالى جعل المرفقين والكعبين غاية الغسل فتكون منتهى الفعل،
ولصفة وضوئه ﷺ.
-١٦ - مسح الرقبة، لأن رسول الله ﷺ توضأ وأومأ بيديه من مقدم
رأسه حتى بلغ بهما أسفل عنقه من قبل قفاه، ولقوله ﷺ: (مسح الرقبة أمان من الغل
يوم القيامة) (٣٣) .
ولا يسن مسح الحلقوم لأنه بدعة. وتعتبر السنن الثلاث
الأخيرة من المستحبات.
الموالاة: أي إنجاز أفعال الوضوء متتابعة بحيث لا
يوجد بينها ما يعد فاصلًا بالعُرْف (أي متابعة غسل الأعضاء قبل جفاف ما قبلها)،
وقد صح عن بعض أصحاب النبي ﷺ (أن النبي ﷺ رأى رجلًا يصلي وفي ظهر قدمه لُمعة قدر
الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي ﷺ أن يعيد الوضوء والصلاة) (٣٤) .
(١)
البخاري: ج ١ / كتاب بدء الوحي باب ١/١.
(٢) خبر الآحاد هو ما رواه الواحد
أو الاثنان فأكثر، مما لم تتوفر فيه شروط الحديث المشهور أو المتواتر. وهو يفيد
الظن ويوجب العمل عند السادة الحنفية متى توفرت فيه شروط القبول.
(٣)
محاضرات في الفقه الإسلامي العام للدكتور فوزي فيض الله.
(٤) الدارقطني: ج ١
/ ص ٨٩.
(٥) البيهقي: ج ١ / ص ٨٧.
(٦) البيهقي: ج ١ / ص ٤٥.
(٧)
أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٤٨/١٠١.
(٨) النسائي: ج ١ / ص ٦٤. استوكف
ثلاثًا: أي استقطر الماء وصبه على يديه ثلاث مرات وبالغ حتى وكف منها الماء.
(٩)
مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٣/٣.
(١٠) مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة باب
٢٦/٨٧.
(١١) البخاري: ج ١ / كتاب الصوم باب ٢٧.
(١٢) ابن ماجة: ج ١ /
كتاب الطهارة باب ٧/٢٨٩، وأحَفي: من الإحفاء وهو الاستئصال.
(١٣) مسلم: ج ١
/ كتاب الطهارة باب ١٥/٤٤.
(١٤) البيهقي: ج ١ / ص ٤١.
(١٥) الأرَاك:
شجر معروف وهو شجر السواك يُستاك بفروعه. قال الإمام أبو حنيفة: هو أفضل ما استيك
بفرعه من الشجر وأطيب ما رَعَته الماشية رائحة لبن.
(١٦) مسلم: ج ١ / كتاب
الطهارة باب ٧/١٨.
(١٧) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٥٥/١٤٢.
(١٨)
البيهقي: ج ١ / ص ٤٨.
(١٩) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٥٠/٤٣٠.
(٢٠)
أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٥٦/١٤٥.
(٢١) ابن ماجة: ج ١ / كتاب
الطهارة باب ٥٤/٤٤٦.
(٢٢) الترمذي: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٣٠/٣٩.
(٢٣)
أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٥١/١٣٥.
(٢٤) ابن ماجة: ج ١ / كتاب
الطهارة باب ٤٨/٤٢٢.
(٢٥) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٤٧/٤٢٠.
(٢٦)
أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٥٠/١١٥.
(٢٧) أبو داود: ج ١ / كتاب
الطهارة باب ٥٠/١٢٢.
(٢٨) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٥١/١٣٥.
(٢٩)
أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٥٠/١٣١.
(٣٠) مسند الإمام أحمد: ج ٤ / ص
٣٩.
(٣١) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٤٢/٤٠٢.
(٣٢) البخاري: ج ١
/ كتاب الوضوء باب ٣٠/١٦٦.
(٣٣) أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس
من حديث عمر ﵁ وهو ضعيف.
(٣٤) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٦٧/١٧٥.
٣٨
الفصل الرابع: آداب الوضوء
٣٩
الآداب: جمع أدب وهو لغة: الخصلة
الحميدة، وشرعًا ما فعله النبي ﷺ مرة وتركه أخرى. وتسمى أيضًا مندوبات أو مستحبات
أو تطوعًا.
وحكمه: الثواب بفعله وعدم اللوم على تركه. وآداب الوضوء هي:
-١
- استقبال القبلة، لأنه أقرب إلى قبول الوضوء باعتباره عبادة، وقبول الدعاء
فيه.
-٢ - الجلوس في مكان مرتفع تحرزًا من الغُسَالة.
-٣ - الجمع بين
القلب واللسان في تحصيل النية.
-٤ - الدعاء بالمأثور عن النبي ﷺ وعن أصحابه
رضوان الله عليهم فيقول عند المضمضة: «اللهم أعني على تلاوة القرآن وذكرك وشكرك
وحسن عبادتك». وعند الاستنشاق: «اللهم أرِحْني رائحة الجنة ولا تُرِحْني رائحة
النار». وعند غسل الوجه: «اللهم بيّض وجهي بنورك يوم تبيّض وجوه وتسودّ وجوه».
وعند غسل اليد اليمنى: «اللهم أَعْطِني كتابي بيميني وحاسبني حسابًا يسيرًا».
وعند غسل اليد اليسرى: «اللهم لا تعطني كتابي بيساري ولا من وراء ظهري ولا
تحاسبني حسابًا عسيرًا». وعند مسح الرأس: «اللهم أظلّني تحت ظل عرشك يوم لا ظل
إلا ظلك ولا باقي إلا وجهك». وعند مسح الرقبة: «اللهم أعتق رقبتي من النار».
ويقول عند غسل الرجل اليمنى: «اللهم ثبِّتْ قدمي على الصراط يوم تزلّ الأقدام».
ويقول عند غسل الرجل اليسرى: «اللهم اجعل عملي مشكورًا وذنبي مغفورًا وتجارتي لن
تبور».
-٥ - تحريك الخاتم الواسع مبالغة في الغسل، لما روي عن أبي رافع قال:
(كان رسول الله ﷺ إذا توضأ حرك خاتمه) (١) .
-٦ - أن تكون المضمضة
والاستنشاق باليد اليمنى والاستنثار باليد اليسرى، لحديث علي ﵁ في صفة وضوئه ﷺ:
(.. فأدخل يده اليمنى في الإناء فملأ فمه فتمضمض واستنشق واستنثر بيده اليسرى
ففعل ذلك ثلاثًا) (٢) .
-٧ - إدخال الخنصر في صِماخ (٣) الأذنين مبالغة في
النظافة.
-٨ - التسمية والنية عند كل عضو، لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول
الله ﷺ: (إذا توضأت فقل بسم الله والحمد لله فإن حفظتك لا تبرح تكتب لك الحسنات
حتى تحدث من ذلك الوضوء) (٤) .
-٩ - الوضوء قبل دخول الوقت استعدادًا
للصلاة، إلا المعذور لأنه ينتقض وضوؤه بخروج الوقت.
-١٠ - التشهد بعد
الوضوء، وذلك لحديث عقبة بن عامر وفيه قول مر ﵁ قال - يعني النبي ﷺ (ما منكم من
أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقول حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية
يدخل من أيّها شاء) (٥) .
-١١ - ترك التجفيف إبقاء على آثار الوضوء.
-١٢
- أن يشرب من فضل وضوئه قائمًا مستقبلًا القبلة كما يفعل في شربه من ماء زمزم.
روي عن علي ﵁ «أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ثم قام فشرب فضل وضوئه وقال: صنع رسول
الله ﷺ كما صنعت» (٦) . والأفضل، فيما سوى ذلك، أن يشرب قاعدًا لنهيه ﷺ عن الشرب
قائمًا؛ فعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا يشربنَّ أحد منكم قائمًا فمن
نسي فليستقئ) (٧) والنهي لأمر طبي لا ديني.
-١٣ - أن يقرأ سورة القدر ثلاثًا
إثر وضوئه.
-١٤ - تهيئة ماء الوضوء للمرة الثانية.
(١) البيهقي: ج ١ /
ص ٥٧.
(٢) البيهقي: ج ١ / ص ٤٨.
(٣) الصِّماخ من الأذن: الخَرْق الباطن
الذي يفضي إلى الأذن.
(٤) مجمع الزوائد: ج ١ / ص ٢٢٠، رواه الطبراني في
الصغير وإسناده حسن.
(٥) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٦٥/١٦٩.
(٦)
النسائي: ج ١ / ص ٨٧.
(٧) مسلم: ج ٣ / كتاب الأشربة باب ١٤/١١٦.
٤٠
الفصل الخامس: مكروهات الوضوء
٤١
المكروه هو ضد المحبوب من العمل. ويكره
للمتوضئ فعل كل ما هو ضد المستحب.
-١ - الإسراف في صب الماء، لحديث عبد الله
بن عمرو بن العاص ﵄ أن رسول الله ﷺ مرَّ بسعد وهو يتوضأ فقال: (ما هذا السَّرَف؟
فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم وإن كنت على نهرٍ جارٍ) (١) . ومنه تثليث المسح
بماء جديد.
-٢ - الزيادة على الثلاث في الغسل وكذا النقص عن الثلاث، لأنه
خلاف السنة، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ﵃ قال: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ
يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثًا ثلاثًا ثم قال: (هكذا الوضوء، فمن زاد على
هذا، فقد أساء وتعدى وظلم) (٢) وفي رواية أبي داود: (فمن زاد على هذا أو نقص) (٣)
.
-٣ - التقتير والاقتصاد الزائد في صب الماء بحيث يصير الغسل كأنه مسح، إذ
لابد من التقاطر حتى يسمى غسلًا لحديث طلحة عن أبيه عن جده قال: (دخلت - يعني على
النبي ﷺ وهو يتوضأ والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره) (٤) .
-٤ - لطم
الوجه بالماء لمنافاة شرف الوجه، فينبغي أن يغسل وجهه برفق، ولا يغمض عينه، ولا
يطبق شفتيه حتى يستوعب الغسل الوجه كله.
-٥ - يكره التكلم بكلام الناس أثناء
الوضوء إلا لضرورة، لأن الكلام يصرف الإنسان عن الحضور والذكر والعبادة، وذكر بعض
الصالحين أن الاستحضار في الصلاة يتبع الحضور في الوضوء؛ وعدمه في عدمه.
-٦
- يكره الاستعانة بغيره بدون عذر، لحديث ابن عباس ﵄ قال: (كان رسول الله ﷺ لا
يَكِلُ طهوره إلى أحد ولا صدقَتَه التي يتصدق بها، يكون هو الذي يتولاها بنفسه)
(٥)، ولحديث عمر ﵁ قال: (رأيت رسول الله ﷺ يستقي ماء لوضوئه فبادرته أستقي له
فقال: مه يا عمر فإني أكره أن يشركني في طهوري أحد) (٦) .
-٧ - الوضوء في
موضع نجس، لحديث عبد الله بن مغفل ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا يبولنّ أحدكم في
مستحمه ثم يغتسل فيه) قال أحمد: ثم يتوضأ فيه، فإن عامة الوسواس منه) (٧) .
-٨
- يكره أن يستخلص لنفسه إناء دون غيره، كما يكره أن يكون الإناء من خزف.
(١)
ابن ماجة: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٤٨/٤٢٥.
(٢) النسائي: ج ١ / ص ٨٨.
(٣)
أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٥١/١٣٥.
(٤) أبو داود: ج ١ / كتاب
الطهارة باب ٥٤/١٣٩.
(٥) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٣٠/٣٦٢.
(٦)
مجمع الزوائد: ج ١ / ص ٢٢٧.
(٧) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب
١٥/٢٧.
٤٢
الفصل السادس: نواقض الوضوء
٤٣
النواقض جمع ناقض وهو كل ما يُبطل المراد
أو المقصود منه، وناقض الوضوء: هو ما يجعله غير صالح لإفادة العبادات التي لا تصح
بلا وضوء.
والنواقض قسمان:
أ - النواقض الحقيقية:
-١ - كل خارج من
السبيلين من بول أو غائط أو ريح أو مذي أو ودي وإن كان قليلًا سواء أكان معتادًا
أم غير معتاد كالدودة والحصاة.
ودليل الانتقاض في الغائط قوله تعالى: ﴿أو
جاء أحد منكم من الغائط ... فلم تجدوا ماء فتيمموا﴾ (١) .
أما البول فبالسنة
المستفيضة والإجماع والقياس على الغائط.
وأما الريح فلحديث أبي هريرة ﵁ قال:
قال رسول الله ﷺ: (لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ) . قال رجل من حضرموت: ما
الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط (٢) . وروي عن عباد بن تميم عن عمه ﵁ قال
شكا إلى رسول الله ﷺ: الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: (لا ينفتل -
أو ينصرف - حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) (٣) . وهذا يخص الريح من الدبر، أما من
القبل فلا يفسد الوضوء لأنه اختلاج.
وأما المذي فعن ابن عباس ﵄ قال: قال علي
بن أبي طالب ﵁: أرسلنا المقداد بن الأسود إلى رسول الله ﷺ فسأله عن المذي يخرج من
الإنسان كيف يفعل به؟ فقال رسول الله ﷺ: (توضأ وانضح فرجك) (٤) .
وأما الودي
فلما روي عن ابن مسعود ﵁ قال: «الودي الذي يكون بعد البول فيه الوضوء» (٥) .
وأما
أدلة انتقاض الوضوء في الخارج غير المعتاد فعموم قوله ﷺ فيما رواه عنه ابن عباس
﵄: (الوضوء مما خرج وليس مما دخل) (٦)، وما روي عن عطاء بن أبي رباح أنه قال في
الذي يتوضأ فيخرج الدود من دبره: «عليه الوضوء» (٧) .
وكذا إذا حشى الإحليل
بقطنة فظهر البلل للطرف الخارج انتقض وضوؤه، ولو أدخل إصبعه في دبره ينتقض
وضوؤه.
-٢ - كل نجاسة سائلة من غير السبيلين كالدم والقيح، لما روى تميم
الداري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (الوضوء من كل دم سائل) (٨) .
ويشترط
السيلان عن موضع الجرح، وهو خروج النجاسة وتجاوز محلها يطلب تطهيره ولو ندبًا،
كدم وقيح وصديد وماء الثدي وماء السُرَّة والأذن إن كان لمرض ولو سال بالعصر، أو
كلما خرج مسحه إذ لو تركه لسال فيعتبر ناقضًا. أما لو كان الخروج في مجالس متفرقة
كلما خرج مسحه قبل أن يسيل فلا ينقض. وإذا انتفخ رأس الجرح فظهر به قيح لا ينقض
ما لم يتجاوز الورم لأنه لا يجب غسل موضع الورم أي إذا كان يضره غسل ذلك المتورم
ومسحه وإلا فينبغي أن ينتقض. ولا يُنْقَضُ الوضوء لو خرج ماء صاف عن حرق أو عين
أو غيره إلا أن يشوبه دم أو قيح. ولو وضع المريض قطنة أو رباطًا على الجرح فلم
يسل الدم لا يفسد الوضوء إلا عند فك الرباط وحينئذ فقط ينفصل الدم عن الجرح، كذلك
يفسد الوضوء عند سيلان الدم حول العِصابة (٩)، وكذا لو تشربت القطنة القيح.
-٣
- القيء إن ملأ الفم، مهما كان نوعه طعامًا أو دمًا، ولو لم يتغير. لحديث أبي
الدرداء ﵁: (إن رسول الله ﷺ قاء فتوضأ) . قال أبو الدرداء: فلقيت ثوبان في مسجد
دمشق فذكرت ذلك له فقال: «صدق أنا صببت له وضوءه» (١٠) وعن عائشة ﵂ قالت: قال
رسول الله ﷺ: (من أصابه قيء أو رعاف (١١) أو قَلْس (١٢) أو مذي فلينصرف فليتوضأ
ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم) (١٣) . وضابط ملء الفم ما لا يمسكه الفم
ويطبق عليه بمشقة، وقيل ما يمنع الكلام. ولو قاء على فترات يبلغ مجموعها ملء الفم
ينقض وضوؤه إذا اتحد المجلس عند الإمام أبي يوسف، أما الإمام محمد فيقول بانتقاضه
ولو لم يتحد المجلس بشرط اتحاد السبب للقيء.
ويكون القيء نجسًا مطلقًا إن
كان خارجًا من المعدة، أما لو كان خارجًا من المري قبل وصوله إلى المعدة فليس
بنجس كالصبي إذا تقيأ ساعة رضاعته فورًا، وكذا ماء فم النائم فهو ليس بنجس ولو
كان بحيث لو جُمع لملأ الفم إلا أن يكون منتنًا أو أصفرًا فهو نجس (١٤) على قول
الإمام أبي يوسف. أما ماء فم الميت فنجس مطلقًا.
-٤ - نزول دم من الأسنان أو
الفم إذا غلب البصاق أو ما ساواه، والعبرة باللون. أما إن كان من المعدة أو الرأس
فهو ناقض مطلقًا بسيلانه إلى الفم وإن قلَّ، وإن كان بشكل علقة فيعتبر فيه ملء
الفم.
-٥ - لو مصت علقة عضوًا فامتلأت من الدم يفسد الوضوء، ويقاس عليها
إبرة الدم حيث يخرج دم مسفوح، أما إن كان قليلًا فلا ينقض كالبّق والذباب.
-٦
- المباشرة دون حائل، لأنه مظنة خروج المذي، والعبرة لوجود الشهوة إذا كانت فاحشة
بتماس فرجين ولو بين امرأتين أو رجلين أو رجل وصبي أو رجل وامرأة مع الانتشار ولو
بلا بلل.
ب - نواقض الوضوء الحكمية: أي أنها ليست إحداثًا بذاتها بل هي
أسباب للأحداث وهي:
-١ - نوم غير المتمكن، والناقض هنا عدم وعي الحدث لحديث
علي بن أبي طالب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (وكاء السَّه العينان، فمن نام فليتوضأ)
(١٥) .
-٢ - القهقهة في الصلاة تفسد الوضوء والصلاة معًا، إذا كان المصلي
بالغًا، لما روي عن معبد ﵁ عن النبي ﷺ قال: بينما هو في الصلاة إذ أقبل أعمى يريد
الصلاة، فوقع في زبية فاستضحك القوم حتى قهقهوا، فلما انصرف النبي ﷺ قال: (من كان
منكم قهقه فليعد الوضوء والصلاة) (١٦) . وضابط القهقهة أن يسمع مَن بجواره صوته،
وإن لم يسمعه من بجواره ففيه إعادة الصلاة فقط. وليس على التبسم شيء لأنه ﷺ تبسم
عندما جاءه جبريل ﵇ في الصلاة وأخبره أن من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشرًا ...
ولم يعد صلاته.
والقهقهة مفسدة للوضوء زجرًا لأنه انتهاك لحرمة الصلاة لذا
يشترط البلوغ لأن الصبي لا يعاقب. وإذا قهقه الإمام في الصلاة أو أحدث عمدًا بطلت
صلاته ووضوؤه وبطلت صلاة المؤتمين، فإذا ضحكوا قهقهة بعده لا يبطل وضوؤهم لأنهم
تقهقهوا بعد فساد الصلاة. ولو كانت القهقهة عند السلام لا يبطل الصلاة بل تنقض
الوضوء لخروجه بها من الصلاة إلا أنه تارك واجب السلام.
-٣ - الإغماء: وهو
مرض يُضْعف القوى ويستر العقل.
-٤ - الجنون: وهو مرض يزيل العقل ويزيد
القوى.
-٥ - السُّكْر: وهو خِفّة يظهر أثرها بالتمايل وتلعثم الكلام.
ملحق:
هناك أشياء غير ناقضة للوضوء نجملها فيما يلي:
-١ - ظهور دم لم يسل عن محل
خروجه.
-٢ - سقوط لحم من غير سيلان دم.
-٣ - خروج دودة من غير
السبيلين.
-٤ - مس العورة، لحديث طلق بن علي ﵁ قال: قدمنا على نبي الله ﷺ،
فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله، ما ترى في مسِّ الرجل ذكره بعدما يتوضأ
فقال: (هل هو إلا مضغة منه أو قال: بضعة منه) (١٧) .
-٥ - مس امرأة غير محرم
مطلقًا، لحديث عائشة ﵂ (أن النبي ﷺ قبّل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة، ولم
يتوضأ) (١٨)، ولأن تفسير ﴿أو لامستم النساء﴾ (١٩) في الآية المقصود به الجماع،
لكن يندب الوضوء للخروج من الخلاف.
-٦ - قيء لا يملأ الفم.
-٧ - قيء
بلغم (٢٠) ولو كان كثيرًا.
-٨ - تمايل نائم احتمل زوال مقعدته، لما روي عن
أنس ﵁ قال: (كان أصحاب رسول الله ﷺ ينتظرون العشاء الآخرة حتى تَخفِق رؤوسهم ثم
يصلون ولا يتوضؤون) (٢١) .
-٩ - نوم مصلٍّ قائمًا أو راكعًا أو ساجدًا على
الهيئة المسنونة بأن أبدى ذراعيه وجافى بطنه عن فخذيه (ولو في غير الصلاة على
المعتمد) لحديث ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا يجب الوضوء على من نام
جالسًا أو قائمًا أو ساجدًا حتى يضع جنبيه، فإنه إذا وضع جنبيه استرخت مفاصله)
(٢٢) . وكذا لا ينقض وضوء من نام متوركًا أو محتبيًا (٢٣) إذا كانت مقعدته
متمكنة. وإلا فعليه الوضوء بالنوم الذي لا يفهم معه الخطاب. لما روي عن أبي هريرة
﵁ قال: «ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم ولا على الساجد النائم
وضوء حتى يضطجع فإذا اضطجع توضأ» (٢٤) .
ولا شبه المنكّب على وجهه (٢٥) .
وكذا
نوم قاعد متمكّن مستند إلى شيء كحائط أو وسادة بحيث لو زال أو أزيل المستَندُ
إليه لسقط الشخص، لما روي عن ابن عباس ﵄ قال: «من نام وهو جالس فلا وضوء عليه،
وإن اضطجع فعليه الوضوء» (٢٦) .
ما يحرم بالحدث الأصغر:
-١ - الصلاة
وكل ما كان مثلها كسجدة التلاوة وسجدة الشكر وصلاة الجنازة، لحديث أبي هريرة ﵁
قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ) (٢٧) .
-٢ - مس
المصحف ولو آية، إلا بغلاف منفصل، لقوله تعالى: ﴿لا يمسه إلا المطهرون﴾ (٢٨) .
-٣
- الطواف لحديث ابن عباس ﵄ أن النبي ﷺ قال: (الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا
أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير) (٢٩) .
تعقيبات:
-١
- إن شك في بعض وضوئه أعاد إن لم يكن له عادة في الشك.
-٢ - إن تيقن الوضوء
وشك بالحدث فهو متوضئ، أما لو تيقن الحدث وشك بالوضوء بعده فهو محدث. وذلك عملًا
باليقين. لما روى عباد بن تميم عن عمه ﵁ قال: شكي إلى النبي ﷺ الرجل يخيل إليه
أنه يجد الشيء في الصلاة. قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) (٣٠) .
-٣
- إن شك في نجاسة ماء أو ثوب أو طلاق أو عِتْق لم يعتبر.
(١) النساء: ٤٣.
(٢)
البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء باب ٢/١٣٥.
(٣) البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء باب
٤/١٣٧. وليس وجدان الرائحة أو السمع شرطًا في ذلك، بل المراد حصول اليقين بخروج
شيء منه.
(٤) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ٤/١٩.
(٥) البيهقي: ج ١ / ص
١١٥.
(٦) البيهقي: ج ١ / ص ١١٦.
(٧) البيهقي: ج ١ / ص ١١٦.
(٨)
الدارقطني: ج ١ / ص ١٥٧.
(٩) العصابة: كلّ ما شد به من منديل أو خِرْقَة.
(١٠)
الترمذي: ج ١ / أبواب الطهارة باب ٦٤/٨٧.
(١١) الرُّعاف: سيلان الدم من
الأنف.
(١٢) القَلْس: ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه وليس بِقَيءٍ فإن
عاد فهو قيء.
(١٣) ابن ماجة: ج ١ / كتاب إقامة الصلاة باب ١٣٧/١٢٢١.
(١٤)
الفتوى على طهارته.
(١٥) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٨٠/٢٠٣.
(١٦)
الدارقطني: ج ١ / ص ١٦٧.
(١٧) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٧١/١٨٢.
(١٨)
أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٦٩/١٧٩.
(١٩) النساء: ٤٣.
(٢٠)
البلغم: هو الرطوبة التي تخرج من الفم.
(٢١) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة
باب ٨٠/٢٠٠.
(٢٢) البيهقي: ج ١ / ص ١٢١.
(٢٣) المحتبي: هو الذي يجمع
ظهره وساقيه بعمامته أو يديه، ويضع قدميه على الأرض ورأسه على ركبتيه.
(٢٤)
البيهقي: ج ١ / ص ١٢٣.
(٢٥) أي من نام واضعًا إليته على عقبيه وبطنه على
فخذيه.
(٢٦) البيهقي: ج ١ / ص ١٢٠.
(٢٧) البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء
باب ٢/١٣٥.
(٢٨) الواقعة: ٧٩.
(٢٩) الترمذي: ج ١ / كتاب الحج باب
١١٢/٩٦٠.
(٣٠) مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٢٦/٩٨.
٤٤
الباب الرابع (المسح على الخفين) .
٤٥
- الخف هو لباس القدم الساتر للكعبين،
وأخذ من الخِفَّة لأن الحكم فيه يخفف من الغسل إلى المسح رخصة.
حكمه: يجوز
المسح على الخفين في الوضوء لا الغسل في سفر وحضر للرجال والنساء.
دليله:
ثبتت مشروعية المسح على الخفين بأحاديث كثيرة بلغت حد التواتر فزادت على ثمانين
حديث. لذا يُخشى على من أنكر مشروعيته الكفر. ولو اعتقد المكلف جوازه ولكن تكلَّف
نزعه يثاب على العزيمة.
ومن الأدلة: ما روى المغيرة بن شعبة ﵁ قال: كنت مع
النبي ﷺ في سفر، فأهويت لأنزع خفيه فقال: (دَعْهما فإني أدخلتهما طاهرتَيْن، فمسح
عليهما) (١) . وعن صفوان بن عسال ﵁ قال: (كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا كنا سَفرًا
أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)
(٢) . وقال الإمام أبو حنيفة ﵁: «ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثلُ ضوءِ
النهار».
(١) البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء باب ٤٨/٢٠٣.
(٢) الترمذي: ج
١ / أبواب الطهارة باب ٧١/٩٦.
٤٦
شروط جواز
المسح على الخفين:
-١ - لبسهما بعد رفع الحدث عن القدمين، لقول رسول الله ﷺ
في الحديث المتقدم: (دَعْهما فإني أدخلتهما طاهرتين) يعني قدميه.
-٢ - كون
الخفين ساترين للكعبين من الجوانب.
-٣ - إمكان متابعة المشي فيهما فرسخًا أي
ما يقدر بـ (٥. ٥) كم تقريبًا.
-٤ - خلوّ كلّ منهما عن خَرْقٍ يزيد على ثلاث
أصابع من أصغر أصابع القدم.
-٥ - استمساكهما على الرجلين من غير شدِّ.
-٦
- أن لا يشفّا الماء، فيجب أن يمنعا وصول الماء إلى القدمين.
-٧ - أن يبقى
من قدمه ما يكفي للمسح، فإن كان مقطوع مقدم القدم لا يمسح الباقي بل يغسل.
مدة
المسح على الخفين:
يمسح المقيم يومًا وليلى، ويمسح المسافر ثلاثة أيام
بلياليهن، لما روي عن شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة ﵂ أسألها عن المسح على الخفين
فقالت: عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله ﷺ فسألناه فقال:
(جعل رسول الله ﷺ ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم) (١) .
ولو
مسح المكلف وهو مقيم ثم سافر تمم المدة إلى ثلاثة أيام، ولو مسح وهو مسافر ثم
أقام بعد يوم وليلة انتهت مدة المسح.
أما المعذور فإذا لبس الخفين أثناء
انقطاع عذره فمدة مسحه كغيره، وإن لبسهما أثناء استمرار عذره انتهت مدة المسح في
آخر الوقت الذي توضأ فيه.
وتبدأ مدة المسح من وقت الحدث الحاصل بعد لبس
الخفين، لأنه منذ وقوع الحدث بدأ عمل الخفين في منع سراية الحدث إلى الرجلين،
فيصح لذلك رفع الحدث عنهما بالمسح دون الغسل. وقيل: إنها تبدأ من وقت لبس الخفين،
وقيل أيضًا إنها تبدأ من أول وضوء بعد لبسهما.
(١) مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة
باب ٢٤/٨٥.
٤٦
محل المسح على الخفين
وكيفيته:
إن المطلوب هو مسح ظاهر الخفين وأعلاهما فقط، لما روي عن علي ﵁
قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول
الله ﷺ يمسح على ظاهر خفيه) (١) .
والمقدار المفروض مسحه هو ثلاث أصابع من
أصغر أصابع اليد.
كيفيته المسنونة: أن يبدأ من رؤوس أصابع القدم، فيضع يديه
مفرَّجتي الأصابع قليلًا، ثم يمرّهما خطوطًا على مشطي قدميه إلى ساقيه.
ولو
بدأ من الساق أو مسح عرضًا صح ولكن خالف السنة.
(١) أبو داود: ج ١ / كتاب
الطهارة باب ٦٣/١٦٢.
٤٦
نواقض المسح على
الخفين:
-١ - كل ما ينقض الوضوء ينقض المسح، وفي هذه الحالة يتوضأ ويمسح إذا
كانت المدة باقية.
-٢ - نزعهما، فإذا نزع أحد الخفين انتقض المسح ولزمه نزع
الآخر وغسل رجليه.
-٣ - إصابة الماء أكثر إحدى القدمين.
-٤ - انقضاء
المدة.
وفي الحالات الثلاث الأخيرة لا يجب عليه الوضوء بل يكفي غسل
القدمين.
ملاحظة: لا يجوز المسح على العمامة والقلنسوة والقفازين قياسًا على
الخفين، لأن المسح على الخفين ثبت على خلاف القياس، وما ثبت على خلاف القياس
فغيره عليه لا يقاس.
المسح على الجوربين:
دليله: ما روى المغيرة بن
شعبة ﵁ (أن رسول الله ﷺ توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) (١) .
ويشترط
لجواز المسح على الجوربين أن يكونا منعلَّين أو مجلَّدين بالاتفاق بين أئمة
الحنفية.
أما إذا كانا غير منعلين ولا مجلدين فيجوز المسح عليهما عند
الصاحبين (٢) إذا كانا صفيقين (٣) ثخينين لا يشفّان الماء، ويمكن متابعة المشي
فيهما، فإن كانا رقيقين يشفّان الماء فلا يجوز المسح عليهما بالاتفاق.
(١)
أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٦١/١٥٩.
(٢) وإلى قولهما رجع الإمام أبو
حنيفة وعليه الفتوى.
(٣) الصَّفيق: المتين: ونقول: ثوب صفيق أي كثيف
نسجُه.
٤٦
المسح على الجبيرة:
الجبيرة:
هي كل شُدَّ على جرح أو كسر بخرقة أو خشب أو غيرها.
وكل من لا يستطيع غسل
العضو أو مسحه ولو مرة واحدة جاز له المسح على الجبيرة. ودليله: ما روي عن علي ﵁
قال: انكسرت إحدى زَنْدَيَّ فسألت النبي ﷺ (فأمرني أن أمسح على الجبائر) (١) .
وقال
الفقهاء: إن الحرج فيها فوق الحرج في نزع الخف فكانت أولى بشرع المسح.
حكمه:
قيل هو فرض بدلًا من غسل العضو المريض أو مسحه، لما روى ثوبان ﵁ قال: بعث رسول
الله ﷺ سرية فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله ﷺ أمرهم أن يمسحوا على
العصائب والتّساخين) (٢) ولحديث علي ﵁ المتقدم. ولا يجب فيه استيعاب. وقال
الإمام: إن المسح على الجبيرة واجب لأن العذر أسقط فرضية الغسل عن العضو المصاب،
وقد ثبتت فرضية غسل الصحيح بأمر قطعي فلا يخُصُّ بالظني الذي هو حديث رسول الله ﷺ
(فيكون المسح على الجبيرة فرضًا عمليًا لثبوته بظني. وهذا قولهما وإليه رجع
الإمام وعليه الفتوى) . ولو ضره المسح على الجرح تركه دفعًا للحرج لأن الغسل سقط
بالعذر فالمسح أولى، وليس عليه إعادة صلاة ولو كان الجرح بأعضاء التيمم.
فروق
بين المسح على الخفين والمسح على الجبائر:
-١ - لا يشترط في الجبيرة وضعها
على طهارة.
-٢ - لا يتقيد المسح على الجبيرة بمدة.
-٣ - يجوز مسح
الجبيرة عن رِجْل وغسل الأخرى.
-٤ - لا يسقط حكم المسح بسقوط الجبيرة إلا أن
تسقط عن بُرْء، فلو سقطت عن برء أثناء الصلاة بطلت.
-٥ - الجنابة والحدث
سواء في حق الجبيرة بخلاف المسح على الخفين.
-٦ - المسح على الجبيرة مشروط
بالعجز عن مسح الموضع ذاته أو غسله، ولا يشترط هذا في الخفين.
-٧ - لا تُمسح
العصابة السفلى إذا نُزعت العليا، ولا يبطل مسحها بابتلال ما تحتها، ويجوز
تبديلها بغيرها بعد مسحها ولا يجب إعادة المسح عليها.
ويضاف إلى الجبيرة
المسافات حول الرباط إن ضرَّ حلُّه.
ويقاس على الجبيرة كل موضع فيه دواء على
جرح يتعذر بلّه، وكذلك العين لو رمدت وضرَّ بلُّها مسح عليها.
(١) ابن ماجة:
ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٣٤/٦٥٧.
(٢) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب
٥٧/١٤٦، والتّساخين: الخفاف ولا واحد لها.
٤٦
الباب الخامس (الغُسْلُ) .
٤٧
تعريف الغسل:
لغة: تمام غسل الجسد،
واسم للماء الذي يغتسل به.
شرعًا: غسل البدن من جنابة أو حيض أو نفا (أي
الغسل الذي هو فرض) . قال تعالى: ﴿وإن كنتم جنبًا فاطَّهروا﴾ (١) .
(١)
النساء: ٤٣.
٤٨
سبب الغسل: إرادة ما لا يحل مع
الحدث الأكبر إلا به.
٤٩
حكم الغسل:
أ -
فرض: يكون الغسل فرضًا في الحالات التالية (وهي موجباته):
-١ - خروج المني
بشهوة إلى ظاهر الجسد، لحديث أبي سعيد الخدري ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: (إنما الماء
من الماء) (١) . إذا انفصل عن مقره أي عن الصلب للرجل وعن الترائب (٢) للمرأة.
ولا يشترط دوام الشهوة حتى يخرج المني إلى الظاهر بل يكفي وجودها عند انفصاله من
الصلب خلافًا لأبي يوسف.
وسواء كان نزول المني عن جماع أو احتلام أو نظر أو
استمناء فإنه موجب للغسل، ودليل وجوب الغسل حال الاحتلام حديث أم سلمة ﵂ قالت:
جاءت أم سليم إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على
المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله ﷺ: (نعم إذا رأت الماء) . فقالت أم
سلمة: يا رسول الله وتحتلم المرأة؟ فقال: (تَربَتْ يداك فبم يشبهها ولدها) (٣)
.
وإذا استيقظ من النوم فوجد منيًا ولم يتذكر احتلامًا وجب عليه الغسل، لما
روت عائشة ﵂ قالت: سئل رسول الله ﷺ عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا. قال:
(يغتسل) (٤) . أما من ذكر حلمًا ولم ير بللًا فلا غسل عليه.
ويوجب الغسل:
إنزال المني بوطء ميتة أو بهيمة أو إدخال إصبع فإن نزل المني وجب الغسل لقصور
الشهوة. وكذا لو وجد المني بعد سكر أو إغماء.
ولو خرج المني بدون شهوة عن
مرض، أو تعب، أو حمل ثقيل، أو ضرب على الصلب، فلا غسل عليه. وذلك لما روي عن
مجاهد قال: «بيننا نحن أصحاب ابن عباس حلق في المسجد، طاووس، وسعيد بن جبير،
وعكرمة، وابن عباس قائم يصلي، إذ وقف علينا رجل فقال: هل من مُفتٍ؟ فقلنا: سل.
فقال: إني كلما بلت تبعه الماء الدافق، قلنا: الذي يكون منه الولد؟ قال: نعم،
قلنا: عليك الغسل، قال: فولى الرجل وهو يرجع، قال: وعجل ابن عباس في صلاته، ثم
قال لعكرمة: عليَّ بالرجل، وأقبل علينا فقال: أرأيتم ما أفتيتم به هذا الرجل عن
كتاب الله؟ قلنا: لا، قال: فعن رسول الله ﷺ؟ قلنا: لا، قال: فعن أصحاب رسول الله
ﷺ؟ قلنا: لا، قال: فعمَّه؟ قلنا: عن رأينا، قال: فلذلك قال رسول الله ﷺ: فقيه
واحد أشد على الشيطان من ألف عابد. قال: وجاء الرجل، فأقبل عليه ابن عباس فقال:
أرأيت إذا كان ذلك منك أتجد شهوة في قبلك؟ قال: لا، قال: فهل تجد خدرًا في جسدك؟
قال: لا، قال: إنما هي إبردة يجزيك منها الوضوء».
-٢ - التقاء الختانين ولو
بدون إنزال، لما روي عن عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: (إذا جلس بين شُعبها
الأربع، ومسّ الختان الختان، فقد وجب الغسل) (٥)، وعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ
قال: (إذا جلس بين شعبها الأربع وأجهد نفسه فقد وجب الغسل، أنزل أم لم ينزل) (٦)
.
وكذا يجب الغسل إذا كان الإيلاج في الدبر، قال علي ﵁: «توجبون فيه الحد
ولا توجبون فيه صاعًا من ماء».
-٣ - انقطاع الحيض والنفاس، لقوله تعالى:
﴿فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث
أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين﴾ (٧) .
ويجب الغسل بعد
الولادة ولو كانت بغير دم.
-٤ - الموت: ووجوب الغسل بحق الميت المسلم فقط،
وغسله فرض كفاية على المسلمين، لما روي عن ابن عباس ﵄ أن رجلًا كان مع النبي ﷺ
فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال رسول الله ﷺ: (اغسلوه بماء وسِدْر) (٨) .
ويجب
الغسل احتياطًا لمن أصاب كل جسده نجاسة أو بعضه وخفي مكانها.
ب - سنة: ويكون
الغسل سنة لأمور:
-١ - لصلاة الجمعة، لحديث عمر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ:
(إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل) (٩) . والغسل للصلاة فلو اغتسل ثم أحدث فتوضأ
لم تحصل السنة، وقيل الغسل لليوم.
-٢ - لصلاة العيدين، لما روى الفاكه بن
سعد - وكانت له صحبة ﵁ أن رسول الله ﷺ (كان يغتسل يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم
الفطر ويوم النحر) (١٠) .
والحكمة من الغسل في أيام الاجتماعات لدفع أذى
الرائحة الكريهة.
-٣ - للوقوف بعرفة بعد الزوال لفضل زمان الوقوف، للحديث
المتقدم ولما روي عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «اغتسلت مع ابن مسعود يوم عرفة تحت
الأراك» (١١) . ويسقط عنه إن لم يجد ساترًا.
-٤ - للإحرام بالحج أو العمرة،
والغاية منه التنظيف لا التطهير، لذا يسن للمرأة الحائض والنفساء. وذلك لما روي
عن زيد بن ثابت ﵁ أنه (رأى النبي ﷺ تجرد لإهلاله واغتسل) (١٢) . ولا يتيمم بدله
إن فقد الماء.
-٥ - للإسلام، إن أسلم وهو طاهر عن موجبات الغسل.
-٦ -
البلوغ بالسن لا بالاحتلام.
جـ - مندوب:
-١ - يندب الغسل لمن أفاق من
جنون أو سكر أو إغماء، لما روي عن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على عائشة
فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله ﷺ؟ قالت: بلى. (ثقل النبي ﷺ. فقال: أصلى
الناس؟ قلنا: لا. وهم ينتظرونك يا رسول الله! قال: ضعوا لي ماء في المِخْضَبِ.
ففعلنا. فاغتسل. ثم ذهب ليَنُوء فأغمي عليه. ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا.
وهم ينتظرونك يا رسول الله فقال: ضعوا لي ماء في المخضب. ففعلنا. فاغتسل..) (١٣)
.
-٢ - لإحياء الليالي الوارد إحياؤها عن رسول الله ﷺ كليلة النصف من شعبان
وليلة القدر.
-٣ - بعد تغسيل الميت، لحديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (من
غسَّل ميتًا فليغتسل) (١٤) .
-٤ - لصلاة الكسوف والخسوف والاستسقاء وصلاة
الخوف.
-٥ - لمن حكم عليه بالقتل، فيغتسل قبل أن ينفذ فيه الحكم.
-٦ -
للقادم من السفر.
-٧ - للتائب من الذنب.
-٨ - لمن أصابته نجاسة وخفي
عليه مكانها.
-٩ - لدخول مكة أو المدينة، فعن ابن عمر ﵄ أنه (كان لا يقدم
مكة إلا بات بذي طوى، حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهارًا ويذكر عن النبي ﷺ أنه
فعله) (١٥) .
-١٠ - لرمي الجمار.
-١١ - للوقوف بمزدلفة.
-١٢ -
لطواف الزيارة.
-١٣ - المستحاضة إذا انقطع عنها الدم.
-١٤ - بعد
الحجامة.
(١) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ٢١/٨١، ويقصد بالماء الأول الغسل
وبالثاني المني.
(٢) الترائب: عظام الصدر.
(٣) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض
باب ٦/٣٢.
(٤) الترمذي: ج ١ / أبواب الطهارة باب ٨٢/١١٣.
(٥) مسلم: ج
١ / كتاب الحيض باب ٢٢/٨٨.
(٦) الدارقطني: ج ١ / ص ١١٢.
(٧) البقرة:
٢٢٢.
(٨) البخاري: ج ٢ / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب ٣٢/١٧٥٣، والوَقْص:
كَسْر العنق. والسِّدر شجر النَّبق.
(٩) مسلم: ج ٢ / كتاب الجمعة /٤.
(١٠)
مسند الإمام أحمد: ج ٤ / ص ٧٨.
(١١) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ١٥٣.
(١٢)
الترمذي: ج ٣ / كتاب الحج باب ١٦/٨٣٠.
(١٣) مسلم: ج ١ / كتاب الصلاة باب
٢١/٩٠، ومعنى لِنَوء، أي ليقوم وينهض.
(١٤) ابن ماجة: ج ١ / كتاب جنائز باب
٨/١٤٦٣.
(١٥) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٣٨/٢٢٧.
٥٠
فرائض
الغسل:
للغسل ركن واحد وهو تعميم البدن بالماء، ويشمل الفرض العملي والفرض
الاعتقادي حيث لم يفصّل الله تعالى في فرائض الغسل كما فصّل في فرائض الوضوء، قال
تعالى: ﴿وإن كنتم جنبًا فاطهروا﴾ (١) . والمبالغة في قوله تعالى: ﴿فاطهروا﴾ تفيد
غسل الجسم ظاهرًا وباطنًا، ويسقط ما لا يمكن لوجود الحرج. وعلى هذا فرائض الغسل
هي:
-١ - تعميم ما أمكن من البدن شَعْره وبَشره بالماء الطاهر، لما روي عن
أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر) (٢)
. فيجب تعهد ثنايا الجسم وتحت الإبطين والشعر بالغسل.
-٢ - المضمضة
والاستنشاق، لما روى ابن عباس ﵄ عن خالته ميمونة قالت: وضعت لرسول الله ﷺ غسلًا
فاغتسل من الجنابة وذكرت الحديث وفيه: (ثم مضمض واستنشق..) (٣) ويكفي في المضمضة
الشرب عبًَّا.
-٣ - غسل الفرج الظاهر والسرّة، لحديث عائشة ﵂ قالت: (كان
رسول الله ﷺ إذا اغتسل من الجنابة، يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله
فيغسل فرجه) (٤)، وعن ابن عمر ﵄ قال: (كان (٥) إذا اغتسل من الجنابة نضخ الماء في
الماء عينيه وأدخل إصبعه في سرته) (٦) . أخذ السادة الأحناف من الحديث وجوب غسل
السرة دون وجوب غسل العينين.
-٤ - إزالة ما يمنع من وصول الماء إلى
الجسد.
-٥ - غسل تحت الشعر وتبليغ الماء إلى أصول الشعر، ويفترض نقض المضفور
من شعر الرجل للغسل وتنقض المرأة ضفائرها إذا لم تتأكد من وصول الماء إلى أصل
الشعر، بدليل ما روي عن أم سلمة ﵂ قالت: قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضَفْرَ
رأسي فأنقضه لغُسْل الجنابة؟ قال: (لا إنما يكفيك أن تَحثْي على رأسك ثلاث
حَثَيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) (٧) .
(١) النساء: ٤٣.
(٢)
الترمذي: ج ١ / أبواب الطهارة باب ٧٨/١٠٦.
(٣) البيهقي: ج ١ / ص ١٧٧.
(٤)
مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ٩/٣٥.
(٥) يقصد النبي ﷺ.
(٦) البيهقي: ج ١
/ ص ١٧٧.
(٧) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ١٢/٥٨.
٥١
سنن
الغسل:
يسن في الغسل ما يسن في الوضوء عدا الترتيب.
-١ - التسمية قبل
كشف العورة، لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا صلاة لمن لا وضوء له
ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه) (١) .
-٢ - النية، ليكون فعله
قربة، والابتداء بالتسمية يصاحب النية لأن النية فعل القبل والتسمية باللسان.
-٣
- أن يبدأ المغتسل بيديه.
-٤ - أن يزيل الأذى والنجاسة إن كانت على بدنه.
-٥
- غسل الفرج إن لم يكن به نجاسة لفعل النبي ﷺ، وليطمئن بوصول الماء إلى الجزء
الذي ينضم من فرجه حال القيام. روي عن عائشة ﵂ قالت: (كان رسول الله ﷺ إذا اغتسل
من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه
للصلاة، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن
على رأسه ثلاث حَفَنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه) (٢) .
-٦ - أن
يتوضأ وضوءه للصلاة فيثلث الغسل ويمسح الرأس ويؤخر غسل الرجلين إن كان يقف حال
الاغتسال في محل يجمع فيه الماء لاحتياجه لغسلهما ثانية.
-٧ - تعهد مواضع
الانعطاف.
-٨ - تخليل أصول الشعر ثلاثًا بيده المبللة.
-٩ - أن يفيض
الماء على بدنه ثلاثًا، فالإفاضة سنة لأنه لو انغمس في ماء جار أو كثير طهر من
الجنابة حكمًا.
-١٠ - البداية من الرأس ثم الطرف الأيمن ثم الأيسر، لحديث
جبير بم مطعم ﵁ قال: تذاكرْنا غسل الجنابة عند رسول الله ﷺ فقال: (أما أنا فآخذ
ملء كفي ثلاثًا فأصب على رأسي ثم أفيضه بعد على سائر جسدي) (٣) . وعن عائشة ﵂ أن
رسول الله ﷺ (كان يتوضأ من الجنابة، ثم يدخل يده اليمنى في الماء، ثم يخلل بها شق
رأسه الأيمن فيتبع أصول الشعر، ثم يفعل بشق رأسه الأيسر بيده اليسرى كذلك يستبرئ
البشرة، ثم يصب على رأسه ثلاثًا) (٤) .
-١١ - التكرار ثلاثًا، وهو في الغسل
أولى منه في الوضوء.
-١٢ - الدلك في المرة الأولى ثم يصب الماء وهو واجب عند
الإمام أبي يوسف.
-١٣ - الموالاة.
-١٤ - نقض الشعر للغسل سنة للمرأة إن
أمكن التعميم بدونه، وإلا فهو فرض كما ذكرنا. ويصح بلة العضو من العضو السابق
(بانتقال الماء) في الغسل ولكن بشرط التقاطر.
(١) أبو داود: ج ١ / كتاب
الطهارة باب ٤٨/١٠١.
(٢) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ٩/٣٥.
(٣) مسند
الإمام أحمد: ج ٤ / ص ٨١.
(٤) البيهقي: ج ١ / ص ١٧٥.
٥٢
آداب
الغسل:
-١ - استقبال القبلة على أن لا يكون مكشوف العورة حال الاغتسال وإلا
فالأفضل عدم استقبالها.
-٢ - عدم التكلم أثناء الاغتسال ولو بدعاء. د
-٣
- عدم الإسراف في الماء أو التقتير فيه، لما روي عن عبد الله بن مغفل ﵁ قال: فإني
سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء)
(١) .
-٤ - أن يغتسل في مكان لا يراه فيه أحد.
-٥ - أن يستتر قدر
الإمكان، لما روي عن يعلى ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (إن الله ﷿ حَيِيٌّ سِتّير. يحب
الحياء والسِتّر. فإذا اغتسل أحدكم فليستتر) (٢)، وذلك سواء أكان وحده أو معه أحد
من جنسه. أما المرأة بين الرجال فتؤخر غسلها وتتيمم للصلاة ثم تعيد. ويجوز للمرأة
أن تتجرد للغسل وكذا الرجل إذا كان المحل صغيرًا جدًا.
-٦ - يستحب بعد الغسل
صلاة ركعتين كما في الوضوء.
(١) البيهقي: ج ١ / ص ١٩٧.
(٢) أبو داود: ج
١ / كتاب الحمّام باب ٢/٤١٢، وحييّ: أي منزّه عن النقائص.
٥٣
ما
يحرم بالحدث الأكبر:
-١ - يحرم بالحدث الأكبر ما يحرم بالحدث الأصغر وهو
الصلاة والسجود للتلاوة والشكر، وكذلك الطواف - فرضًا أو نفلًا - ومس المصحف أو
علاّقته، لقوله تعالى: ﴿لا يمسه إلا المطهرون﴾ (١)، أما حمل المصحف تبعًا فلا
يمنع منه كأن كان في صندوق فلا بأس للجنب أن يحمله.
-٢ - قراءة القرآن
قليلًا كان أو كثيرًا ولو بعض آية ما كانت بنية التلاوة، لما روي عن علي ﵁ قال:
(كان رسول الله ﷺ يقرأ القرآن على كل حال ليس الجنابة) (٢)، ولحديث ابن عمر ﵄
قال: قال رسول الله ﷺ: (لا يقرأ الجُنب والحائض شيئًا من القرآن) (٣) . تحرم
قراءة القرآن على الجنب دون المحدث، بخلاف مسّ القرآن فإنه يحرم على الجميع، لأن
الحدث حلَّ الجسم والجنابة حلت الفم.
أما قراءة آيات الذكر في القرآن بنية
الذكر فجائزة، كقوله عند المصيبة: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، أو حتى قرأ آية
الكرسي بنية الذكر أو قرأ بعض آية في حديثه ومواعظه يقصد بها الذكر فلا يحرم بشرط
أن يكون في الآية أو بعضها ذكر كقوله «الحمد لله رب العالمين».
-٣ - دخول
المسجد، وذلك لحديث أم سلمة ﵂ قالت: (دخل رسول الله ﷺ صَرْحَة (٤) هذا المسجد
فنادى بأعلى صوته: إن المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض) (٥) . فلا يجوز للجنب دخول
المسجد مطلقًا سواء للعبور أو المكث، إلا عند الضرورة، كما إذا كان الماء في
المسجد ولا يوجد غيره أو كان داره داخل المسجد، فيتيمم ويَعْبُر.
(١)
الواقعة: ٧٩.
(٢) النسائي: ج ١ / ص ١٤٤.
(٣) ابن ماجة: ج ١ / كتاب
الطهارة باب ١٠٥/٥٩٦.
(٤) الصَّرْحة من الأرض: ما استوى وظهر.
(٥) ابن
ماجة: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٢٦/٦٤٥. (٦) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب
٩٣/٢٣٢.
٥٤
الباب السادس (التَيَمُّم) .
٥٥
- التيمم خَلَفٌ عن الوضوء والغسل، وهو
من خصائص الأمة.
تعريفه:
لغة: القصد، قال الله تعالى: ﴿ولا تيَّمموا
الخبيث منه تُنفقون﴾ (١) وقال أيضًا: ﴿ولا آمينّ البيت الحرام﴾ (٢) .
شرعًا:
قصد صعيد مطهِّر واستعماله حقيقة أو حكمًا بصفة مخصوصة.
معنى التعريف:
-١
- القصد هو النية، وهي شرط في التيمم.
-٢ - صعيد مطهِّر احترز بقوله مطهر عن
الأرض التي وقعت عليها نجاسة وجفت؛ فتكون طاهرة غير مطهرة.
-٣ - استعماله
حقيقة في التراب وحكمًا في الحجر الأملس.
-٤ - الصفة المخصوصة هي كيفية
التيمم المأثورة عن النبي ﷺ.
(١) البقرة: ٢٦٧.
(٢) المائدة: ٢.
٥٦
دليله:
ثبتت
مشروعية التيمم بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: ﴿وإن كنتم
مرضى أو على سفر، أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء، فلم تجدوا ماء
فتيمموا صعيدا طيبًا﴾ (١) .
وأما السنة، فحديث جابر بن عبد الله ﵄ أن النبي
ﷺ قال: (أُعْطيتُ خمسًا لم يُعْطَهنَّ أحد قبلي، نُصِرت بالرّعب مسيرة شهر وجُعلت
لي الأرض مسجدًا وطَهُورًا فأيُّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأُحِلَّت
لي المغانم ولم تحلَّ لأحد قبلي، وأُعطيت الشفَّاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه
خاصة وبُعثت إلى الناس عامّة) (٢) .
(١) النساء: ٤٣.
(٢) البخاري: ج ١
/ كتاب التيمم باب ١/٣٢٨.
٥٧
سبب التيمم:
إرادة ما لا يحل إلا به، فعن عمران بن حصين ﵁ أن رسول الله ﷺ (رأى رجلًا معتزلًا،
لم يصلّ في القوم فقال: يا فلان، ما منعك أن تصلي في القوم. فقال: يا رسول الله،
أصابتني جنابة ولا ماء قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك) (١) .
(١) البخاري: ج
١ / كتاب التيمم باب ٧/٣٤١.
٥٧
شروط صحة
التيمم:
يصح التيمم بشروط ثمانية هي:
أولًا: النية: وهي شرط في التيمم
دون الوضوء، لأن الماء مطهِّر بطبعه فلا يحتاج إلى النية بخلاف التراب فهو ملوث
بالأصل فلا يصير مطهِّرًا إلا بالنية.
والنية: عقد القلب على إيجاد الفعل
جزمًا.
وقتها: عند ضرب يده على ما يتيمم به، أو عند مسح أعضائه بتراب
أصابها.
شروط صحتها:
-١. الإسلام ليصير الفعل سببًا للثواب.
-٢.
التمييز ليفهم ما يتكلم به.
-٣. العلم بما ينويه.
صيغتها:
-١. نية
الطهارة من الحدث القائم.
-٢. نية استباحة الصلاة.
-٣. نية استباحة
عبادة مقصودة لا تصح إلا بطهارة.
ولو قيد النية بأن نوى التيمم لقربة لا
يُشترط لها الطهارة من الحدث الأصغر كدخول المسجد أو قراءة القرآن من الذاكرة،
فلا تصح به الصلاة لأن نية الأدنى لا تكون نية للأعلى، بعكس ما لو نوى التيمم
للصلاة فإنه يصح له بهذا التيمم كل الأعمال. ولو تيمم للدخول في الإسلام فلا تصح
الصلاة بهذا التيمم، إلا عند الإمام أبي يوسف فتجوز.
ثانيًا: وجود عذر مبيح
للتيمم:
-١ً - بُعْدُ الشخص ميلًا عن الماء، وهو ما يعادل ثلث فرسخٍ (١) .
ويجب عليه قبل أن يتيمم أن يطلب الماء إن ظنّ قربه بمقدار (٤٠٠) خطوة، أو أن
يطلبه من رفقته، كما يلزمه شراؤه بثمن مثله وبغبن يسير إن كان معه فاضلًا عن
نفقته.
-٢ً - المرض، لما روي عن ابن عباس ﵄ قال: «رخص للمريض التيمم
بالصعيد». وهناك حالات:
أ - ضرر الماء إنْ كان في استعماله حصول المرض، أو
اشتداده، أو بطء في الشفاء، بتجربة أو إخبار طبيب مسلم عَدْل (٢) . لما روي عن
ابن عباس ﵄ في قوله: ﴿وإن كنتم مرضى أو على سفر﴾ قال: «إذا كانت بالرجل الجراحة
في سبيل الله أو القروح أو الجدري فيجنب فيخاف أن يموت إن اغتسل، يتيمم» (٣) .
ب
- عجزه عن التحرك لاستعمال الماء (كمن أجري له عمل جراحي) .
جـ - عجزه عن
الفعل بنفسه كالمقعد أو المشلول، ففي هذه الحالة:
-١ - إن لم يجد من يوضئه
جاز له التيمم إجماعًا، قال الحسن «في المريض عنده الماء ولا يجد من يناوله
يتيمم» (٤) .
-٢ - وجد من يوضئه لكنه ليس من أهل طاعته جاز له التيمم.
-٣
- إن وجد من يطيعه فمختلف فيه (لا يجب على أحد الزوجين أو يوضئ صاحبه ولا أن
يتعهده فيما يتعلق بالصلاة، ولا يعتبر أحدهما قادرًا بقدرة الآخر) .
د -
مريض مرضًا لا يستطيع الوضوء ولا التيمم بنفسه أو بغيره:
-١ - لا يصلي حتى
يقدر على أحدهما برأي الإمام.
-٢ - قال الإمام أبو يوسف يصلي تشّبهًا
ويعيد.
-٣ً - إن كان نصف البدن أو أكثر جريحًا، وتعتبر الكثرة بعدد الأعضاء؛
فلو كانت الجراحة بالرأس والوجه واليدين جراحة ولو قليلة، يتيمم.
أما إذا
كان أكثر البدن صحيحًا، غسل الصحيح ومسح الجريح بمرّ يده على الجسد، فإن لم يستطع
فبخرقة، وإن ضرَّه المسح تركه، لما روي عن ابن عمر ﵄ قال: «من كان له جرح معصوب
عليه توضأ ومسح على العصائب ويغسل ما حول العصائب» (٥) .
وإن كانت الجراحة
في بطنه ويضره استعمال الماء صار كغالب الجراحة حكمًا للضرورة. ولا يصح أن يجمع
بين الغسل والتيمم.
-٤ً - بَرْد شديد غلب على الظن تلف بعض الأعضاء بسببه،
وهذا غالبًا ما يكون خارج المصر، أي العمران، إذ أن تسخين الماء في البيت ممكن.
وقد يكون في المصر لكن لا يجد ما يسخن به الماء. وذلك لما روي عن عمرو بن العاص ﵁
قال: «احتلمت في ليلة باردة، في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك
فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي ﷺ، فقال: (يا عمرو صليت بأصحابك
وأنت جنب؟) فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: ﴿ولا
تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا﴾ فضحك رسول الله ﷺ ولم يقل شيئًا) (٦) .
-٥ً
- خوف عدو آدمي أو غيره على ماله أو نفسه، أو خوف فاسق عند الماء.
-٦ ً -
عنده ماء قليل لكن خاف على نفسه أو ما معه من حيوانات العطش. لما روي عن علي ﵁
قال:»في الرجل يكون في السفر، فتصيبه الجنابة ومعه الماء القليل يخاف أن يعطش،
قال: يتيمم ولا يغتسل«(٧) .
-٧ً - خوف فوت صلاة الجنازة أو عيد ولو جنبًا
يتيمم لهما، لأنهما تفوتان بلا خَلَف.
لما روي عن ابن عمر ﵄»أنه أتي بجنازة
وهو على غير وضوء فيتمم ثم صلى عليها" (٨) .
ثالثًا: أن يكون التيمم بطاهر
من جنس الأرض، كالتراب المُنْبِت والرمل والحجر والعقيق ولو لم يكن عليها غبار.
وكل ما يحترق بالنار ليس من جنس الأرض، وكذا كل ما ينطبع ويلين بالنار ليس من جنس
الأرض أيضًا كالذهب والفضة. قال تعالى: ﴿فتيمموا صعيدًا طيبًا﴾ (٩) والصعيد اسم
لوجه الأرض ترابًا كان أو حجرًا وقال تعالى: ﴿صعيدًا زلقًا﴾ (١٠) أي حجرًا
أملس.
رابعًا: استيعاب الوجه واليدين بالمسح. فيجب نزع الخاتم ولو واسعًا
والسوار الضيق وتخليل الأصابع، لأن التيمم قائم مقام الوضوء فيشترط فيه ما يشترط
في الوضوء.
خامسًا: أن يمسح الأعضاء بجميع اليد أو بأكثرها، فلا يجزئ المسح
بأقل من ثلاث أصابع.
سادسًا: أن يكون التيمم بضربتين بباطن الكفين، لحديث
عمار بن ياسر ﵄ (أنه كان يحدث أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله ﷺ بالصعيد لصلاة
الفجر فضربوا بأكفهم الصعيد، ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا، فضربوا
بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم)
(١١) . ويقوم مقام الضربتين إذا أصاب التراب جسده فمسحه بنية التيمم. وقوله:
ضربتان خرج مخرج الغالب، والمهم هو مسح الوجه واليدين بالغبار بنية التيمم.
سابعًا:
انقطاع ما ينافي الطهارة من حيض أو نفاس أو حدث.
ثامنًا: زوال ما يمنع المسح
على البشرة كشمع أو شحم.
(١) ثلث الفرسخ يساوي (٤٠٠٠) خطوة (أي ما يعادل
مسيرة نصف ساعة) وهو يساوي ١٨٤٧ متر.
(٢) العدل: من لا كبيرة له، كما أنه لا
يُصرّ على الصغائر.
(٣) الدارقطني: ج ١ / ص ١٧٧.
(٤) البخاري: ج ١ /
كتاب التيمم باب ٢.
(٥) البيهقي: ج ١ / ص ٢٨٨.
(٦) أبو داود: ج ١ /
كتاب الطهارة باب ١٢٦/٣٣٤.
(٧) الدارقطني: ج ١ / ص ٢٠٢.
(٨) الجوهر
النقي (ذيل السنن الكبرى للبيهقي): ج ١ / ص ٢٣٠.
(٩) المائدة: ٦.
(١٠)
الكهف: ٤٠.
(١١) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٢٣/٣١٨.
٥٨
شروط
وجوب التيمم:
-١ - العقل.
-٢ - البلوغ.
-٣ - الإسلام.
-٤ -
وجود الحدث.
-٥ - عدم المنافي.
-٦ - ضيق الوقت مع وجود العذر
المبيح.
-٧ - القدرة على ما يجوز به التيمم.
٥٩
أركان
التيمم:
للتيمم ركنان، لقوله تعالى: ﴿فتيمموا صعيدًا طيبًا فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم﴾ (١) .
الركن الأول: مسح الوجه.
الركن الثاني: مسح اليدين إلى
المرفقين. وجاءت الآية في اليدين مطلقًا بينما جاءت آية الوضوء مقيدة بالمرفقين
فحمل المطلق على المقيد، وقد وردت أحاديث صحيحة تدل على أن المسح إلى المرفقين
فقط، فعن أبي جهم ﵁ قال: (أقبل رسول الله ﷺ من بئر جمل إما من غائط أو من بول.
فسلمت عليه فلم يرد علي السلام. فضرب الحائط بيده ضربة فمسح بها وجهه، ثم ضرب
أخرى فمسح بها ذراعيه إلى المرفقين ثم رد علي السلام) (٢) . وعن ابن عمر ﵄ قال:
«التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين» (٣) .
(١) المائدة:
٦.
(٢) الدارقطني: ج ١ / ص ١٧٧.
(٣) الدارقطني: ج ١ / ص ١٨٠.
٦٠
كيفية
التيمم:
ذكر الإمام الأعظم كيفية التيمم عندما سأله عنها الإمام أبو يوسف
فقال: «أن يضرب المتيمم بيديه على الأرض ضربة واحدة يُقْبِل بهما ويدبر، ثم
يرفعهما وينفضهما أو ينفخ فيهما، ثم يمسح بهما وجهه، ثم يضرب بهما الأرض مرة أخرى
فيقبل بهما ويدبر، ثم ينفضهما، ثم يمسح بأربع أصابع يده اليسرى ظاهر يده اليمنى
من رؤوس الأصابع إلى المرفق، ثم يمسح بكفه اليسرى باطن يده اليمنى ويمر بباطن
إبهام يده اليسرى على ظاهر إبهام يده اليمنى، ثم يفعل باليسرى كذلك».
وهذه
هي الكيفية سواء أكان عن الوضوء أم الغسل، لما روي عن عمار بن ياسر ﵄ قال: بعثني
رسول الله ﷺ في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء. فتمرَّغت في الصعيد كما تَمَرغ
الدابة، ثم أتيت النبي ﷺ فذكرت ذلك له فقال: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا.
ثم ضرب بيديه ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفَّيْه ووجهه) (١)،
وللحديث المتقدم: (التيمم ضربتان، ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) .
(١)
مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ٢٨/١١٠.
٦١
سنن
التيمم:
-١ - التسمية في أوله.
-٢ - الترتيب، بأن يبدأ بالوجه ثم
اليدين، لحديث أبي جم المتقدم.
الموالاة.
-٣- التيامن، لحديث عائشة ﵂
قالت: (كان النبي ﷺ يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) (١) .
-٤
- الإقبال باليدين وإدبارهما ونفضهما، لحديث عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه، وفيه
(أن النبي ﷺ ضرب بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه) (٢) .
-٥
- تفريج الأصابع.
-٦ - يندب تأخير التيمم حتى آخر الوقت لمن يرجو أن يجد
الماء قبل فوات الصلاة، لما روي عن علي ﵁ قال: «إذا أجنب الرجل في السفر تلوَّم
ما بينه وبين آخر الوقت، فإن لم يجد الماء تيمم وصلى» (٣) .
(١) البخاري: ج
١ / كتاب الوضوء باب ٣٠/١٦٦.
(٢) البخاري: ج ١ / كتاب التيمم باب
٣/٣٣١.
(٣) البيهقي: ج ١ / ص ٢٣٣.
٦٢
صفة
التيمم:
التيمم بدل عن الوضوء (١)، فهو يرفع الحدث إلى وقت وجود الماء، وذلك
لحديث أبي ذر ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (إن الصعيد الطيب طَهور المسلم، وإن لم يجد
الماء عشر سنين، فإن وجد الماء فليُمسه بشرته فإن ذلك خير) (٢) .
ويترتب على
هذا ما يلي:
-١ - يصح التيمم قبل دخول الوقت أو بعده، لعموم قوله تعالى:
﴿فلم تجدوا ماء فتيمموا﴾ يدل على جوازه قبل الوقت وكما جاز الوضوء قبله فكذا
التيمم لابد منه (٣) .
-٢ - يصلي المتيمم ما شاء من الفرائض والنوافل.
-٣
يصلي المتيمم فرضي صلاة أو أكثر، ويجوز أن يتيمم للفريضة أو النافلة، والأَوْلى
أن يتيمم لكل فرض وبعد دخول الوقت للخروج من خلاف الفقهاء.
-٤ - لا يجمع بين
الغسل والتيمم، لأنه لا يجوز شرعًا أن يجمع بين البدل والمبدل.
يجوز أن
يقتدي المتوضئ بالمتيمم عند الإمام أبي حنيفة والإمام أبي يوسف خلافًا للإمام
محمد.
(١) وعند السادة الشافعية بدل ضروري.
(٢) الترمذي: ج ١ / كتاب
الطهارة باب ٩٢/١٢٤.
(٣) الجوهر النقي ذيل السنن الكبرى للبيهقي: ج ١ / ص
٢٢٢.
٦٣
نواقض التيمم:
-١ - ينقض التيمم
كل ما ينقض الوضوء والغسل، لأن ناقض الأصل ناقض البدل.
-٢ - زوال العذر
المبيح للتيمم.
-٣ - إذا وجد الماء أثناء الصلاة بطلت صلاته، أما لو وجده
بعد الصلاة صحت ولا تجب الإعادة في حقه لا في الوقت ولا في بعده. لما روي عن نافع
قال: «تيمم ابن عمر على رأس ميل أو ميلين من المدينة فصلى العصر فقدم والشمس
مرتفعة فلم يعد الصلاة» (١) .
(١) الدارقطني: ج ١ / ص ١٨٦.
٦٤
الباب السابع (الحَيْض والنِّفاس والاسْتِحَاضَة) .
٦٥
- إن معرفة مسائل الحيض والنفاس مهمة
جدًا لما يترتب عليها من أحكام: كالطهارة، والصلاة، والقراءة، والصوم، والاعتكاف،
والحج، والبلوغ، والوطء، والطلاق، والعِدّة والاستبراء.
أولًا: الحيض:
تعريفه:
لغة:
السيلان، يقال حاض الوادي إذا سال ماؤه، وحاضت الشجرة إذا نزل منها الصمغ.
شرعًا:
-١
- من حيث هو حدث: صفة شرعية مانعة لما تشترط له الطهارة.
-٢ - من حيث هو
نجس: دم يخرج من رحم امرأة بالغة لا داءَ بها ولا حَبَل ولم يبلغ سن اليأس.
صفته:
دم أسود لذّاع كريه الرائحة.
سبب الحيض: ما ورد في حديث عائشة ﵂ قالت: قال
رسول الله ﷺ: (إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم) (١) .
(١) البخاري: ج ١ /
كتاب الحيض باب ١/٢٩٠
٦٦
ركن الحيض: بروز
الدم إلى خارج الفرج. (وقال الإمام محمد إنه يثبت بإحساس المرأة ولو لم ينزل إلى
الفرج الخارج، فيجب عليها إعادة يوم رمضان إن أحست بنزول الدم إلى الفرج ولو لم
ترَ الدم قبل الغروب) أما عند الإمام والمفتى به أنه لا يثبت الحيض إلا برؤية
الدم.
شروط الحيض:
-١ - تقدم نصاب الطهر وهو خمسة عشر يومًا ولو
حكمًا.
-٢ - أن يدوم ثلاثة أيام بلياليها على الأقل، فإذا انقطع قبل مضي
ثلاثة أيام تتوضأ وتصلي ما فاتها لأنه حينذاك لا يكون حيضًا. ولا يشترط أن يستمر
الدم دون انقطاع بل العبرة لأوله وآخره.
مدة الحيض:
أقل الحيض ثلاثة
أيام بلياليهن، وأكثره عشرة أيام بلياليها. وما نقص عن الثلاث أو زاد على العشرة
فهو استحاضة، إلا أن تكون لها عادة فتردّ إلى عادتها. واستُدل على ذلك بعدة
أحاديث أكثرها موقوف (١) أو في إسناده ضعف، إلا أن تعدُّد طرق الحديث يرفعه
ويقويه. ومن هذه الأحاديث ما روي عن أبي أمامة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (أقل ما
يكون من المحيض للجارية البكر والثيب ثلاث، وأكثر ما يكون المحيض عشرة أيام، فإذا
رأت الدم أكثر من عشرة أيام فهي مستحاضة) (٢) .
وعن واثلة بن الأسقع ﵁ قال:
قال رسول الله ﷺ: (أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام) (٣) .
(١) الحديث
الموقوف: هو ما روي عن الصحابي من قول له أو فعل أو تقرير متصلًا كان أو منقطعًا.
واشترط بعضهم أن يكون متصل الإسناد إلى الصحابي غير منقطع.
(٢) الدارقطني: ج
١ / ص ٢١٨.
(٣) الدارقطني: ج ١ / ص ٢١٩.
٦٦
ألوان
الحيض: يُعد ما تراه الحائض من الألوان في مدة حيضها حيض، لما روي أن النساء كن
يبعثن عائشة بالدُّرجة فيها الكُرْسُف فيه الصفرة فتقول: «لا تعجلْنَ حتى ترين
القَصَّة البيضاء» (١) . تريد بذلك الطهر من الحيضة. والمعتمد أن الكدرة حيض في
أوله وآخره، وقال الإمام أبو يوسف: هي قبل الدم طُهْر وبعده حيض. والمعتمد باللون
حال الرؤية لا بعد التغير.
ويستحب وضع القطن للمرأة في حالة الحيض للبكر،
وفي حالة الحيض والطهر للثيب.
(١) البخاري: ج ١ / كتاب الحيض باب ١٩،
والكرسف: القطن.
٦٦
ثانيًا: النِفّاس:
تعريفه:
لغة:
الولادة.
شرعًا: هو الدم الخارج عقب الولادة، أو هو خروج أكثر الولد ولو
سَقْطًا بشرط أن يكون متخلقًا (١) . ولو أخرج الولد عن غير طريق الفرج إن سال
الدم عقب ولادتها من الرحم فنفساء وإلا فذات جرح لا تعطى حكم النفساء.
(١)
السَّقْط والسِّقْط: الوليد لغير تمام، والتخلق يكون بعد الثمانين يومًا.
٦٦
مدته:
لا حد لأقله عند جمهور العلماء، فقد ينقطع حال استهلال المولود. وأكثر النفاس
أربعين يومًا بلياليها، لما روت أم سلمة ﵂ قالت: «كانت النفساء تجلس على عهد رسول
الله ﷺ أربعون يومًا» (١)، وعن أنس ﵁ قال: (كان رسول الله ﷺ وقّت للنفساء أربعين
يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك) (٢) .
وما زاد على أربعين يومًا فهو
استحاضة، إلا أن يكون لها عادة فتردّ إلى عادتها فإذا رأت الدم أكثر من عادتها
يتبع النفاس، فإذا انقطع قبل الأربعين أو عنده دل على تغير عادتها، وإن استمر بعد
الأربعين تقضي ما زاد على عادتها من الصلاة والصوم.
النفساء لتوأمين: يجب أن
يكون بين الولدين أقل من ستة أشهر، ويعتبر النفاس من ولادة الأول. فلو وضعت
الثاني بعد الأربعين فلا نفاس لها بعد الثاني بل تغتسل وتصلي.
ويكون انقضاء
العدة (الطلاق أو الوفاة) بعد نزول الثاني لأن العبرة لبراءة الرحم.
مسألة:
هل لمن أسقطت نفاس؟ الجواب: يكون الجنين نطفة (٤٠) يومًا، ثم علقة (٤٠) يومًا، ثم
مضغة (٤٠) يومًا. والمضغة يكون عمرها من الـ (٨١ - ١٢٠) يومًا وخلال هذه المدة
يظهر تخلقها. فإذا كان السَّقْط مضغة غير مخلَّقة فما دون، فليس لها نفاس وإنما
يكون حيضًا. وإن كان السَّقط مضغة ظهر بعض تخلقها فللمرأة نفاس وعليها غسل.
(١)
الترمذي: ج ١ / أبواب الطهارة باب ١٠٥/١٣٩.
(٢) ابن ماجه: ج ١ / كتاب
الطهارة باب ١٢٨/٦٤٩.
٦٦
الطهر:
تعريفه:
هو المدة التي تفصل بين حيضتين أو بين حيض ونفاس.
مدته: أقل الطهر بين
حيضتين أو بين حيض ونفاس بعد أن أتمت أكثر النفاس خمسة عشر يومًا. ولا حدّ
لأكثره. لما روي عنه ﷺ أنه قال: (أقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة، وأقل ما بين
الحيضتين خمسة عشر يومًا) . إما إذا استمر الدم فتحدد مدة الطهر كما يلي:
أ
- المعتادة: وهي التي سبق لها دم وطهر صحيحان، فطهرها وحيضها ما اعتادت إن كان
طهرها أقل من ستة أشهر، فإن كان ستة أشهر أو أكثر ترد إلى ستة أشهر إلا ساعة
وحيضها بحاله. وهذا على قول الأكثر.
ب - المبتدأة: وهي مراهقة بلغت وهي
مستحاضة واستمر بها الدم، فحيضها من أول ابتداء الدم عشرة أيام وطهرها عشرون
يومًا، ونفاسها أربعون يومًا وطهرها بعد النفاس عشرون يومًا. وفي حالة العدة
تعتبر عدتها تسعين يومًا (عشرين طهر وعشرة حيض) .
جـ - المتحيرة: وهي التي
نسيت عادتها، فلا يقدر حيضها وطهرها إلى في حق العدة (١) والصلاة.
(١) فيقدر
حيضها بعشرة وطهرها بستة أشهر إلا ساعة فتنقضي عدتها بتسعة عشر شهرًا وعشرة أيام
غير أربع ساعات.
٦٦
الطهر بين الدمين: إذا
انقطع الدم ثم عاد، فإن كانت المدة خمسة عشر يومًا فأكثر يكون فاصلًا بين الدمين
في الحيض اتفاقًا فما بلغ من كل الدمين نصابًا جعل حيضًا وأنه إذا كان أقل من
ثلاثة أيام لا يكون فاصلًا وإن كان أكثر من الدمين اتفاقًا. واختلفوا فيما بين
ذلك على عدة أقوال الأَوّلى الأخذ بقول أبي يوسف وهو قول الإمام الآخر: إن الطهر
المتخلل بين الدمين لا يفصل بل يكون كالدم المتوالي بشرط إحاطة الدم لطرفي الطهر
المتخلل. فلو رأت مبتدأة يومًا دمًا وأربعة عشر طهرًا ويومًا دمًا فالعشرة الأولى
حيض. ولو رأت المعتادة قبل عادتها يومًا دمًا وعشرة طهرًا ويومًا دمًا فالعشرة
التي لم تر فيها الدم حيض إن كانت عادتها وإلا ردت إلى أيام عادتها. وقيل إن
الشرط في جعل الطهر المتخلل بين الدمين حيضًا كون الدمين المحيطين به في مدة
الحيض لا في مدة الطهر.
أما الطهر المتخلل بين الأربعين في النفاس فلا يفصل
عند الإمام أبي حنيفة سواء كان خمسة عشر أو أقل أو أكثر ويجعل إحاطة الدمين
بطرفيه كالدم المتوالي وعليه الفتوى. وعندهما الخمسة عشر تفصل. فلو رأت بعد
الولادة يومًا دمًا وثمانية وثلاثين طهرًا ويومًا دمًا فعنده الأربعون نفاس
وعندهما الدم الأول.
أحكام الحيض والنفاس وما يحرم على المرأة فيهما:
-١
- يمنع الحيض والنفاس صحة الطهارة، إلا إذا قصدت التنظيف فلا يحرم، لأنه يستحب
للحائض أو النفساء أن تتوضأ لوقت كل صلاة وتقعد في مصلاها تسبح وتهلل وتكبر بقدر
أدائها كي لا تفتر همتها.
-٢ - يمنع الاعتكاف ويفسده إذا طرأ عليه.
-٣
- يمنع وجوب طواف الصَّدر أو الوداع (أي يصبح سنة في حقها)، لما روى ابن عباس ﵄
قال: (أُمِرَ الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفِّفَ عن الحائض) (١)
.
-٤ - يحرم الطلاق في أثنائهما، لما روي عن ابن عمر ﵄ أنه طلق امرأته وهي
حائض في عهد رسول الله ﷺ، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله ﷺ عن ذلك. فقال له رسول
الله ﷺ: (مُرْه فليراجعها..) (٢) ولكن يقع الطلاق وإن كان بدعيًا.
-٥ -
تَبْلُغ الصبيَّة بالحيض سِنّ التكليف، لحديث عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال: (لا يقبل
الله صلاة حائض إلا بخمار) (٣) .
-٦ - يُوجب الغسل عند الانقطاع، لحديث
عائشة ﵂ قالت: إن أم حبيبة ﵂ سألت رسول الله ﷺ عن الدم ... فقال رسول الله ﷺ:
(امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي) (٤) .
-٧ - يقطع الحيض
التتابع في صوم كفارة اليمين، ولا يقطعه في صوم كفارة القتل والإفطار. أما النفاس
فيقطع التتابع في كل الكفارات.
-٨ - يمنع الصلاة فلا تصح، وتحرم، ولا يجب
عليها القضاء للحرج، فقد ثبت في حديث عائشة ﵂ قول النبي ﷺ لفاطمة بنت أبي حبيش ﵂:
(فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة) (٥) . ويتبع الصلاة سجود التلاوة وسجود الشكر،
وكل ما هو من نوع الصلاة.
-٩ - يمنع صحة الصوم، لما روى أبو سعيد الخدري ﵁
أن النبي ﷺ قال للنساء: (أليس إذا حاضت - يعني المرأة - لم تصل ولم تصم) (٦) .
ويثبت وجوبه في الذمة فيجب عليها قضاؤه، لما روت عائشة ﵂ قالت: (كان يصيبنا ذلك
فنؤمر بقضاء الصوم ولا نمر بقضاء الصلاة) (٧) . ولو شرعت بالصوم أو بالصلاة
تطوعًا ثم حاضت وجب عليها قضاء ذلك اليوم، لقوله تعالى: ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾ (٨)
.
-١٠ - يمنع دخول المسجد، إلا المرور فيجوز بشرط أن يكون باب الدار داخل
المسجد ولم يمكن تحويله ولا السكنى في غيره، فحينئذ تتيمم وتمر. روت عائشة ﵂
قالت: قال رسول الله ﷺ: (وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض
ولا جنب) (٩) . ولو حاضت امرأة في المسجد تتيمم وتخرج.
-١١ - يحرم بهما
الطواف بالكعبة، لقوله ﷺ لعائشة ﵂ حين حاضت في الحج: (افعلي ما يفعل الحاج غير أن
لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) (١٠) . ولو طافت حائض طواف الركن جاز منها ولزمها
بَدَنة فتحل به، أما لو طاف محدث حدثًا أصغر لزمه شاة لشرف البيت، إلا أن يعاد
على طهارة في أيام النحر.
-١٢ - يحرم بهما مس المصحف إلا بغلاف منفصل عنه،
لقوله تعالى: ﴿لا يمسّه إلا المطهرون﴾ (١١) . ويكره حمله بالكمّ تحريمًا لتبعية
اللباس للابسه. ويلحق بالقرآن كتب التفسير التي غلبت فيها الآيات القرآنية
التفسير، كما يحرم مسّ أي آية كتبت على لوح أو جدار أو قطعة ورق. ويجوز لأهل
العلم أخذ الكتب بحائل لضرورة الدراسة، كما يجوز تقليب ورق المصحف بنحو قلم، أو
أمر صبي بحمله (١٢) . أما كتابة القرآن فلا بأس بها بحيث لا تحمل الكتابة.
-١٣
- تحرم قراءة القرآن ولو آية واحدة، لحديث ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا
يقرأ الجنب والحائض شيئًا من القرآن) (١٣)، وأبيح لمن تُعَلِّم القرآن أن تقرأ
كلمة أو أقل من آية. أما لو قرأت على وجه الدعاء فلا مانع كما لو قرأت آيات
الدعاء أو آية الكرسي أو غيرها. ولا بأس بقراءة أدعية من القرآن.
-١٤ - يحرم
وطئوها، لقوله تعالى: ﴿ولا تقربوهن حتى يَطْهرن﴾ (١٤)، ولما روى أنس ﵁ قال: قال
رسول الله ﷺ: (اصنعوا كل شيء إلا الجماع) (١٥) . والنهي للتحريم، وقيل يكفر
مستحله لأن حرمته ثبتت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وقيل لا يكفر مستحلّه لأنه
حرام لغيره لا لعينه. وإن وطئها في الحيض أثما إن كانا طائعَيْن، ويكفيهما
الاستغفار والتوبة، ويُستحب أن يتصدق بدينار إن كان أول الحيض، وبنصف دينار إن
كان آخر الحيض، لما روي عن ابن عباس ﵄ قال: «إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا
أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار» (١٦)، وعنه أيضًا أن النبي ﷺ قال: (إذا كان
دمًا أحمر فدينار، وإذا كان دمًا أصفر فنصف دينار) (١٧) . أما إذا كان أحدهما
طائعًا والآخر مُكرهًا فيأثم الطائع دون المكره.
-١٥ - يحرم استمتاع الزوج
بها ما بين السرة والركبة إلا بحائل، لما روي عن زيد بن أسلم ﵁ أن رجلًا سأل
النبي ﷺ فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض، فقال رسول الله ﷺ: (لِتَشُدَّ
إزارها، ثم شأنك بأعلاها) (١٨)، وعن عائشة ﵂ قالت: (كان رسول الله ﷺ يأمرني
فأتَّزر فيباشرني وأنا حائض) (١٩) . وقال الإمام محمد: يجتنب شعار الدم أي الجماع
فقط، لما روي عن أنس بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (واصنعوا كل شيء غير
النكاح) (٢٠)، ولكنه قال: «هو رتع حول الحمى» فيمنع منه حذرًا من الوقوع في
المحرم. وعن عائشة ﵂ قالت: «وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله ﷺ يملك إربه» (٢١)
. وعند الإمام أبي حنيفة لا يجوز الاستمتاع بما تحت الإزار ولا بالنظر.
(١)
البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٤٣/١٦٦٨.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الطلاق باب
١/١.
(٣) ابن ماجه: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٣٢/٦٥٥.
(٤) مسلم: ج ١ /
كتاب الحيض باب ١٤/٦٥.
(٥) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ١٥/٦٩.
(٦)
البخاري: ج ١ / كتاب الحيض باب ٦/٢٩٨.
(٧) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب
١٤/٦٢.
(٨) محمد: ٣٣.
(٩) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب
٩٣/٢٣٢.
(١٠) البخاري: ج ١ / كتاب الحيض باب ٧/٢٩٩.
(١١) الواقعة:
٧٩.
(١٢) ولا يجوز لف شيء في ورق كُتِب فيه فقه أو اسم الله تعالى أو اسم
النبي ﷺ.
(١٣) ابن ماجة: ج ١/ كتاب الطهارة باب ١٠٥/٥٩٦.
(١٤) البقرة:
٢٢٢.
(١٥) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٢٥/٦٤٤.
(١٦) أبو داود:
ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٠٦/٢٦٥.
(١٧) الترمذي: ج ١ / أبواب الطهارة باب
١٠٣/١٣٧.
(١٨) الموطأ: ص ٤٩.
(١٩) البخاري: ج ١ / كتاب الحيض باب
٥/٢٩٥.
(٢٠) البيهقي: ج ١ / ص ٣١٣.
(٢١) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب
١/٢.
٦٦
متى تنتهي المرأة من حيضها ويحل لها
ما حرم به؟
-١ - إذا انقطع الدم لأكثر الحيض وهو عشرة أيام. ويجوز في هذه
الحالة الوطء قبل الغسل، إلا أنه يستحب في هذه الحالة الغسل للخروج من خلاف
العلماء، ولقراءة التشديد في قوله تعالى: ﴿فإذا تطهرن﴾ . ويجوز أيضًا أن تغتسل
وتصلي ولو لم ينقطع الدم، كما يجوز لها التيمم لصلاة الجنازة والعيد لأنهما
تفوتان لغير عوض.
-٢ - أن ينقطع الدم لأقل من عشرة أيام ودون عادتها وأكثر
من ثلاثة أيام، كأن تكون عادتها سبعًا فينقطع الدم لستة أيام، تغتسل وتصلي وتصوم
ولا يحل وطؤها احتياطًا لاحتمال عود الدم.
-٣ - أن ينقطع الدم لعادتها ولدون
عشرة أيام، تغتسل وتصلي وتصوم. ويحل وطؤها بأحد ثلاثة أشياء: إما أن تغتسل، أو
تتيمم لعذر مبيح للتيمم وتصلي على الأصح، أو تصير الصلاة دينًا في ذمتها وذلك بأن
تجد بعد الانقطاع زمنًا يسع الغسل والتحريمة فما فوقهما ولكن لم تغتسل ولم تتيمم
حتى خرج الوقت فبمجرد خروجه يحل وطؤها.
تعقيب: إذا طهرت المرأة قبل خروج
الوقت بما لا يتسع للغسل والتحريمة، فلا تجب عليها الصلاة. أما إذا طهرت لتمام
عشر، فتجب عليها الصلاة وتثبت في ذمتها ولو طهرت قبل فوت الوقت بمقدار
التحريمة.
ثالثًا - الاستحاضة وأحكامها:
الاستحاضة بالتعريف: هي كل دم
تراه المرأة أقل من ثلاثة أيام، وما زاد على الأكثر الحيض، وكذا ما تراه المرأة
في طهرها، والصغيرة قبل تسع سنين من العمر، وما تراه الآيسة والحامل قبل خروج
أكثر الولد، وما زاد على أكثر النفاس. روي عن أبي أمامة الباهلي ﵁ قال: قال رسول
الله ﷺ: (أقل ما يكون من المحيض عشرة أيام، فإذا رأت الدم أكثر من عشرة أيام فهي
مستحاضة) (١) .
(١) الدارقطني: ج ١ / ص ٢١٨.
٦٦
أحكام
الاستحاضة:
-١ - لا تمنع الاستحاضة الصلاة، لحديث عائشة ﵂ قالت: جاءت فاطمة
بنت أبي حبيش إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر.
أفأدع الصلاة. قال: (لا. إنما ذلك عرق وليس بالحيضة. اجتنبي الصلاة أيام محيضك ثم
اغتسلي وتوضئي لكل صلاة وإن قطر الدم على الحصير) (١) .
-٢ - لا تمنع الصوم
ولا الجماع، لأن الصلاة لا تصح إلا بالطهارة ومع ذلك صحت منها، ولما روى عدي بن
ثابت عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ أنه قال في المستحاضة: (تدع الصلاة أيام أقرائها
التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة، وتصوم وتصلي) (٢)، وعن عكرمة
قال: «كانت أم حبيبة تُسْتحاض فكان زوجها يغشاها» (٣) . وحكم المستحاضة هو نفس
حكم المعذور دائم العذر.
(١) البيهقي: ج ١ / ص ٣٤٥.
(٢) الترمذي: ج ١ /
أبواب الطهارة باب ٩٤/١٢٦.
(٣) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب
١٢٠/٣٠٩.
٦٦
أحكام المعذور وشروطه:
تعريف
المعذور: هو كل من به عذر دائم كالمستحاضة، ومن به سلس بول، أو استطلاق بطن، أو
جرح ينز، أو رعاف دائم. وطهارة هؤلاء ضرورية أي ليست حقيقية لمقارنة الحدث.
ومن
الأدلة على ذلك، ما روي عن خارجة بن زيد قال: «كبر زيد حتى سلسل منه البول فكان
يداويه ما استطاع فإذا غلبه توضأ وصلى» (١) .
وعن المسور بن مخرمة «أنه دخل
على عمر بن الخطاب ﵁ بعد أن صلى الصبح من الليلة التي طعن فيها، فأوقظ عمر فقيل
له الصلاة الصبح. فقال: نعم. ولاحظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى عمر وجرحه
يثعب دمًا» (٢) .
وعن عكرمة قال: في الرعف لا يرقأ: «يسد أنفه ويتوضأ ويصلي»
(٣) .
(١) البيهقي: ج ١ / ص ٣٥٧.
(٢) البيهقي: ج ١ / ص ٣٥٧.
(٣)
البيهقي: ج ١ / ص ٣٥٧.
٦٦
أحكام المعذور:
-١
- يتوضأ لكل وقت صلاة، لا لكل فرض، لما روت عائشة ﵂ قالت: جاءت فاطمة بنت أبي
حبيش إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله: إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع
الصلاة؟ فقال: (لا. إنما ذلك عرق وليس بالحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة،
وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي) . قال: قال أبي (١)، ثم (توضئي لكل صلاة حتى
يجيء ذلك الوقت) (٢) . ويصلي بوضوئه هذا ما شاء من الفرائض، أداء للوقتية وقضاء
لغيرها، والنوافل، ويقرأ القرآن، ويصلي الواجبات كالوتر والعيد والجنازة.
-٢
- ينتقض وضوء المعذور:
أ - بكل ناقض للوضوء ما عدا الناقض الذي هو سبب
العذر.
ب - بدخول الوقت الآخر عند الإمام زُفَر، وبخروج الوقت عند الإمام
أبي حنيفة والإمام محمد، وبدخوله وخروجه عند الإمام أبي يوسف. ويظهر أثر الخلاف
في صلاة الضحى بوضوء الصبح إذا لم يحدث المعذور، فعند الإمام زُفَر لا تصح صلاة
الظهر بوضوء الضحى وتصح عند الإمام.
(١) يعني أبي عروة راوي الحديث عن عائشة
﵂.
(٢) البيهقي: ج ١ / ص ٣٤٤. قال التركماني في (الجوهر النقي ذيل السنن
الكبرى للبيهقي): «يضمر الوقت. والتقدير لوقت كل صلاة».
٦٦
شروط
المعذور:
-١ - ثبوت العذر (متى يكون المرء معذورًا): أن يستوعب العذر وقتًا
كاملًا حقيقة باستمرار السيلان بلا انقطاع بقدر الوضوء والصلاة، أو حكمًا بأن
ينقطع لمدة أقل مما يكفي للطهارة والصلاة.
-٢ - دوام العذر: أي وجود العذر
بعد ثبوته، بأن لا يخلو وقت كامل منه ولو مرة واحدة في الوقت.
-٣ - شرط
انقطاع العذر: خلوّ وقت كامل عن العذر بانقطاعه كل الوقت.
مثاله: رجل رعف أو
سال جرحه في أثناء الوقت، ينتظر آخر الوقت. فإن انقطع الدم فبها، وإن لم ينقطع
توضأ وصلى قبل خروج الوقت، فإذا فعل ذلك ثم دخل وقت صلاة أخرى ثانية وانقطع ودام
الانقطاع، تبين أنه صحيح صلى صلاة المعذورين (أي يجب عليه إعادة الصلاة الأولى)،
وإن لم ينقطع الدم في وقت الصلاة الثانية حتى خرج الوقت، جازت الصلاة لأنه تبين
أنه معذور. فالوقت الثاني هو المعتبر في إثبات العذر وعدمه لمن ابتدأه العذر في
أثناء الوقت الأول. فمن سال جرحه قبل دخول وقت العصر ينتظر إلى آخر الوقت فيصلي
الظهر آخر الوقت مع سيلان الجرح، فإذا دخل وقت العصر ودام السيلان إلى المغرب،
تبين أنه صار معذورًا لاستيعاب وقتًا كاملًا، وعندها تبين صحة صلاة الظهر. أما من
ابتدأه العذر مع ابتداء الوقت الأول فلا يحتاج لإثبات عذره استيعاب الوقت
الثاني.
ملاحظة هامة: لا يجب على المعذور قضاء الأوقات التي صلاها أيام عذره
لأنها صحت منه.
مسألة: لو أصاب ثوب المعذور نجاسة من عذره فلا يجب عليه
غسله، إلا إذا كان يضمن أنه لا يتلوث خلال الصلاة، لأن طهارة الجسد آكد من طهارة
الثوب وقد صحت الصلاة بدونها. هذا عن النجاسة في ثوب المعذور، أما في ثوب غيره
فيجب غسلها بالإجماع.
٦٦
الباب الثامن (الطهارة من النجاسات الحقيقية) .
٦٧
تعريف النجاسة:
النجاسة لغة: ما
يستقذر.
وشرعًا: اسم لعين مستقذرة شرعًا.
أقسامها: النجاسة قسمان:
-١
- نجاسة حقيقية وتكون من الخبث.
-٢ - ونجاسة حكمية وتكون من الحدس.
وبعد
أن تكلمنا عن النجاسة الحكمية وكيفية التطهر منها، نبحث في النجاسة الحقيقية
وكيفية تطهير محلّها.
والنجاسة الحقيقية قسمان:
أ - نجاسة مغلَّظة.
ب
- نجاسة مخَّففة.
والمعتبر في التقسيم هو المقدار المعفوّ عنه من كل منها لا
كيفية تطهيرها.
أ - النجاسة المغلظة:
وهي عند الإمام: ما توافقت على
نجاستها الأدلة، أي ورد في نجاستها نص لم يعارضه نص آخر وهي عند الصاحبين: ما
اتفق العلماء على نجاستها ولا بلوى في إصابتها.
وتشمل النجاسات المغلظة ما
يلي:
-١ - الخمر: وهو ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف الزبد. وقد ورد النص
بنجاستها قال تعالى: ﴿إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان
فاجتنبوه لعلكم تفلحون﴾ (١)، ولم يعارض بنصّ آخر، ولم يختلف الفقهاء في نجاستها
فهي مغلظة بالاتفاق. أما نوع المسْكِرات ففيها ثلاثة أقوال: التغليظ والتخفيف
والطهارة، والراجح أنها نجاسة مخففة. ويتبع الخمر الكحول فهو لا يصنع إلا من
الخمر، ويعفى (٢) عنه عند استعماله للجروح لعموم البلوى.
-٢ - الدم المسفوح
من سائر الحيوانات التي لها دم سائل، قال تعالى: ﴿أو دمًا مسفوحًا فإنه رجس﴾ (٣)،
ويستثنى من الدم ما يبقى في اللحم بعد الذبح، وما يبقى في العروق والكبد والطحال،
كما يعفى عن دم السمك، وذلك لما روي عن عبد الله بن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال:
(أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد
والطحال) (٤) . أما الدم غير المسفوح فطاهر ما لم يسل على المختار، إذ ما لم يكن
حدثًا فليس بنجس، وقال الإمام محمد: إنه نجس احتياطًا. ودم الشهيد طاهر في حقه
للضرورة.
-٣ - كل ما يخرج من جسم الإنسان وينقض الوضوء كالبول، والغائط،
والدم، والصَّديد، والقيح، والمذي، والودي، والمني، هو نجس. وبول الصغير كالكبير
أكل أو لم يأكل. أما البول فنجس، لحديث ابن عباس ﵄ قال: مر النبي ﷺ بقبرين فقال:
(إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما
الآخر فكان يمشي بالنميمة) (٥) . وأما الغائط، فلما روى أنس بن مالك ﵁ قال: (كان
النبي ﷺ إذا تبرز لحاجته، أتيته بماء فيغسل به) (٦) . وأما الدم، فلما روت أسماء
بنت أبي بكر الصديق ﵄ قالت: سألت رسول الله ﷺ عن دم الحيض يكون في الثوب. قال:
(اقرصيه واغسليه وصلي فيه) (٧)، وعن حماد قال: «البول عندنا بمنزلة الدم ما لم
يكن قدر الدرهم فلا بأس فيه» (٨) . وأما الصديد والقيح فإنهما نجسان قياسًا على
الدم. وأما المذي والودي، فعن ابن عباس ﵄ قال: «المني والمذي والودي. فالمني منه
الغسل ومن هذين الوضوء، يغسل ذكره ويتوضأ» (٩) . وأما المني، فلما روي عن عائشة ﵂
أنها قالت في المني: (كنت أغسله من ثوب رسول الله ﷺ، فيخرج إلى الصلاة، وأثر
الغسل في ثوبه: بُقع الماء) (١٠) .
-٤ - الخنزير نجس العين، وكل ما يخرج منه
من لعاب وغيره نجس، لقوله تعالى: ﴿أو لحم خنزير فإنه رجس﴾ (١١) .
-٥ - بول
ما يؤكل لحمه من الحيوان، وروثه، ولعابه، كنجو الكلب ورجيع السباع وبول الفأرة
كلها نجسة مطلقًا إذا حلت بالماء. ويعفى عن قليله في الثوب والطعام للضرورة.
-٦
- ميتة الحيوان ذي الدم السائل، لقوله تعالى: ﴿حرَّمت عليكم الميتة﴾ (١٢) .
والإنسان إذا مات فهو نجس، فإن كان الميت مسلمًا إذا غسل فطاهر وقبل الغسل مختلف
في نجاسته حدث أو خبث. ويستثنى من الميتة العظم والشعر فهما طاهران، لقوله ﷺ
لثوبان ﵁: (يا ثوبان اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج) (١٣)، أما الجلد
فهو نجس قبل الدبغ لحديث ابن عباس ﵄ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إذا دبغ الإهاب
فقد طهر) (١٤) .
-٧ - خرء الدجاج والبط والإوز وكل حيوان طائر يزرق على
الأرض خرؤه، فهو نجس.
-٨ - رَوْث وبعر ما يؤكل لحمه من الحيوان هو نجس نجاسة
مغلظة عند الإمام، لما روي عن عبد الله بن مسعود ﵁ أنه قال: (أتى النبي ﷺ الغائط
فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار ... فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى
الروثة وقال: هذا رِكْس) (١٥) . وهو نجاسة مخففة عند الصاحبين لقول الإمام مالك
بطهارته، ولعموم البلوى لكثرته في الشوارع وعدم إمكان الناس التحرزّ منه.
(١)
المائدة: ٩٠.
(٢) أي لا تسقط عنه صفة النجاسة. والضرورة تقدر بقدرها،
والتداوي بالمحرم جائز عند الضرورة إذا لم يوجد غيره.
(٣) الأنعام: ١٤٥.
(٤)
ابن ماجة: ج ٢ / كتاب الأطعمة باب ٣١/٣٣١٤.
(٥) البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء
باب ٥٥/٢١٥.
(٦) البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء باب ٥٥/٢١٤.
(٧) ابن
ماجة: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١١٨/٦٢٩.
(٨) مسند الإمام أحمد: ج ٤ / ص
٣٩١.
(٩) البيهقي: ج ١ / ص ١١٥.
(١٠) البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء باب
٦٤/٢٢٨.
(١١) الأنعام: ١٤٥.
(١٢) المائدة: ٣.
(١٣) أبو داود: ج ٤
/ كتاب الترجل باب ٢١/٤٢١٣.
(١٤) أبو داود: ج ٤ / كتاب اللباس باب
٤١/٤١٢٣.
(١٥) البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء باب ٢٠/١٥٥. والّرِكْس بالكسر:
الّرِجس. وهو أيضًا الَّرجيع، وذلك لرجوعه من حال الطهارة إلى حالة النجاسة.
٦٨
ب
- النجاسة المخففة:
وهي عند الإمام: ما تعارض نصان في نجاستها وطهارتها.
وعند
الصاحبين: ما اختلف العلماء في نجاستها أو عمت بها البلوى.
والنجاسات
المخففة هي:
-١ - بول ما يؤكل لحمه مطلقًا، لحديث أبي هريرة ﵁ أن رسول الله
ﷺ قال: (استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه) (١)، ولحديث أنس ﵁ قال: (إن
ناسًا اجتووا في المدينة، فأمرهم النبي ﷺ أن يلحقوا براعيه، يعني الإبل، فيشربوا
من ألبانها وأبوالها) (٢) . ولذا فهو نجس نجاسة مخففة عند الإمام لتعارض النصين،
وعند الصاحبين لأن السادة المالكية قالوا بطهارته فوقع الخلاف في طهارته ونجاسته.
واختلف في بول الفرس قيل طاهر، والأصح أنه نجس.
-٢ - خَرء سباع الطير وكل ما
لا يؤكل لحمه من الطيور التي تزرق في الهواء. أما الطيور الأهلية والتي يؤكل
لحمها فخرؤها طاهر كالحمام والعصفور.
-٣ - سؤر البغل والحمار مشكوك في
طهوريته، وهو طاهر على الأظهر، لما روي عن جابر بن عبد الله ﵄ قال: قيل يا رسول
الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: (نعم وبما أفضلت السباع كلها) (٣) .
(١)
الدارقطني: ج ١ / ص ١٢٨.
(٢) البخاري: ج ٥ / كتاب الطب باب ٦/٥٣٦٢.
واجتووا: أصابهم مرض البطن.
(٣) البيهقي: ج ١ / ص ٢٤٩.
٦٨
المقدار
والمعفو عنه من النجاسات:
-١ - المغلّظة: يُعفى عن قدر الدرهم بالوزن أو ما
يعادل مساحة مُقعّر الكفّ داخل مفاصل الأصابع.
-٢ - المخفّفة: يُعفى عن قدر
ما دون ربع الثوب الكامل أو البدن على الصحيح، وذلك لقيام الربع مقام الكل، كقيام
ربع الرأس مقام كل المسح. وقيل إن المعفوَّ عنه هو مقدار ربع جزء من العضو أو
الثوب الذي أصابته النجاسة (الكم، أو الطَّرَف، أو البَنِيقه) (١) .
(١)
البَنِيقة: طَوْق الثوب الذي يضم النحر وما حوله.
٦٨
نجاسات
معفو عنها:
-١ - يعفى عن رشاش البول كرؤوس الإبر في الثوب والبدن والمكان
للضرورة، ولو أصاب الماء لا ينجسه سواء أكان الماء جاريًا أو راكدًا. قال ابن
عباس ﵄: «إنا لنرجو من الله تعالى أوسع من هذا».
-٢ - يعفى عما لا يمكن
الاحتراز منه من الغُسَالة عند تغسيل الميت إذا كان على بدنه نجاسة.
-٣ -
إذا انتشر الدهن المتنجس فزاد على المقدار المعفو عنه لا يضر على أحد قولين.
-٤
- يعفى عن طين الشارع، لكن لو مشى حافيًا في الشارع فابتلت قدماه لم تجز صلاته
لغلبة النجاسة.
-٥ - إذا نام على فراش متنجس فعرق، لا يحكم بنجاسته إلا إذا
ظهر أثر النجاسة في الثوب وكذا لا ينجس ثوب طاهر جاف إذا لُفَّ بثوب نجس رطب، إلا
إذا تسرب أثر النجاسة.
-٦ - إذا نشر ثوب رطب على أرض نجسة فلا ينجس، وكذا لو
هَّبت ريح من أرض نجسة على ثياب طاهرة لا تَنْجُس. والحاصل: يبقى الثوب الطاهر
على أصله ما لم يظهر أثر النجاسة عليه.
كيفية التطهير:
الماء المطلق هو
الأصل في إزالة النجاسة ولا تزول النجاسة الحكمية إلا به، أما النجاسات الحقيقية
فتزول بالماء ولو كان مستعملًا، وبكل مائع طاهر قالع للنجاسة، كماء الخلّ أو
الورد على الأصح.
وتكون كيفية التطهير بالماء على الشكل التالي:
أولًا:
النجاسات المرئية:
-١ - تزول بزوال عين النجاسة عن الجسم أو الثوب أو المكان
بغسلها ولو مرة واحدة بشرط أن يُصبَّ الماء عليها أو يكون جاريًا، أما لو غسلت في
إناء فلا بد من ثلاث مرات تعصر في كل مرة، ولا يضر بقاء أثر من لون أو رائحة،
لحديث أبي هريرة ﵁ أن خولة بنت يسار أتت النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إنه ليس لي
إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: (إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه.
فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره) (١) . ويطهر الثوب
المصبوغ بمتنجس بالغسل حتى يصير الماء صافيًا، وقيل يغسل بعد أن يصبح الماء
صافيًا ثلاث مرات.
-٢ - تزول النجاسة عن الجروح والحجامة بمسحها بثلاث خرق
رطبات، ويقوم هذا مقام الغسل.
-٣ - أما الحصير والسجاد وما لا يمكن عصره
فذهب الإمام محمد إلى أنه لا يطهر، وقال الإمام أبو يوسف: يجفف ثلاث مرات بعد
الغسل فيطهر. وقيل لو صبّ عليه الماء بشدة يطهر (٢) .
-٤ - تطهر الأواني
الفخارية والخشب القديم بالغسل بالماء ثلاثًا وبانقطاع تقاطره في كل مرة، وقيل
يحرق الفخار إن كان جديدًا، أما الخشب فيُنْحت.
-٥ - تطهر المائعات كالسَّمن
والدُّهن والزيت بصبّ الماء عليها ثلاثًا ثم رفعه عنها. أما المائعات الأخرى كنحو
العسل والدبس فتطهر بصب الماء عليها ثلاثًا وغليها حتى تعود كما كانت.
(١)
أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٣٢/٣٦٥.
(٢) وهذا مذهب الإمام الشافعي
أيضًا
٦٨
ثانيًا: النجاسات غير المرئية:
يُغسل
الثوب إذا كانت النجاسة غير مرئية بالماء ثلاث مرات وجوبًا ويعصر الثوب في كل
مرة، أما إذا وضع المتنجس في الماء الجاري أو صب عليه ماء كثير وجرى عليه الماء
فيطهر بدون عصر ولا تثليث غسل.
أما إذا كانت النجاسة نجاسة كلب فتغسل سبعًا
مع التتريب ندبًا، لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (طهور إناء أحدكم،
إذا ولغ فيه الكلب، أن يغسله سبع مرات. أولاهن بالتراب) (١)، فحُمل الحديث على
الندب وذلك لما روي أنه سئل رسول الله ﷺ عن الكلب يَلِغُ في الإناء. فقال:
(يُغْسَل ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا)، وعن أبي هريرة ﵁ قال: «يغسل من ولوغه ثلاث
مرات» (٢) .
وهناك طرق أخرى للتطهير نوضحها فيما يلي:
-١ - اللحس
يُطهِّر الفم، والإصبع تَطْهُر بلحسها ثلاث مرات، كما يطهر الثدي بلحسه. والهرة
تطهر بلعق جسمها.
-٢ - الدلك للخفين والنعل، فيطهر النعل بالدلك والتراب حتى
يزول أثر النجاسة ذات الجرم، لما روي عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (إذا
وطئ أحدكم بنَعْلِه الأذى فإن التراب له طَهور) (٣) بشرط أن لا يكون في النعل
نتوء تمنع إزالة النجاسة بالدلك. أما إذا كان كذلك، أو كانت النجاسة مائعة
يتشربها النعل، فلا بد من الغسل.
-٣ - المسح للمرايا والسيوف والزجاج وكل
الأشياء المصقولة، فقد كان الصحابة ﵃ يجاهدون ويمسحون سيوفهم ويصلون فيها.
-٤
- الجفاف، تطهر الأرض بجفافها بالشمس والريح، ويطهر تبعًا لها كل ما نبت عليها من
شجر أو غيره، وذلك لما روي عن نافع قال: سئل ابن عمر عن الحيطان تكون فيها العذرة
وأبوال الناس وروث الدواب فقال: «إذا سالت عليها الأمطار وجففته الرياح فلا بأس
بالصلاة فيه». يذكر ذلك عن النبي ﷺ (٤) / وعن أبي قلابة قال: «جُفوف الأرض
طَهورُها». هذا ويجوز بعدها الصلاة عليها لا التيمم بها، وذلك لاشتراط الطّيب
نصًّا في التيمم بقوله تعالى: ﴿فتيمموا صعيدًا طيبًا﴾، ولأن التراب طاهر مطهر
وبالجفاف بعد النجاسة يعود طاهرًا غير مطهر.
-٥ - الفَرْك للمني الجاف على
الثوب، ولا يضر بقاء أثره، لما روي عن عائشة ﵂ في المني. قالت: (كنت أفْرُكُه من
ثوب رسول الله ﷺ (٥)، أما إذا كان طريًا فلا يطهر إلا بالغسل، لما روي عن عائشة
أيضًا ﵂ قالت: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله ﷺ إذا كان يابسًا وأغسله إذا كان
رطبًا) (٦) .
-٦ - التَّقْوير: يطهر السَّمن الجامد بالتقوير إذا وقعت به
نجاسة فتطرح وما حولها. لما روت ميمونة ﵂ قالت: سئل النبي ﷺ عن فأرة وقعت في سمن
فماتت. فقال: (ألقوها وما حولها وكلوه) (٧) .
-٧ - الاستحالة (٨): كالخمر
تطهر إذا تخّللت، والميتة إذا صارت ملحًا، والرَوْث إذا صار رمادًا، والزيت إذا
تنجس فصُنع صابونًا طَهُر. وبالاستحالة يصبح المسك طاهرًا طيّبًا، وهو في الأصل
دم الغزال يستحيل طيبًا فيصبح طاهرًا، عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول الله
ﷺ: (أطيب الطِّيب المسك) (٩) . كما يطهر العنبر والزباد وهو وسخ يجتمع تحت ذَنَب
السَّنَّور) بالاستحالة أيضًا. ولا يعتبر التقطير استحالة فبخار الماء النجس
نجس.
-٨ - التَّمويه: هو إدخال المعدن المسقيّ بالنجس في النار حتى يصير
كالجمر ثم يُطفأ بالماء الطاهر ثلاث مرات مع التجفيف.
-٩ - النَّدف للصوف
والقطن يطهرهما.
-١٠ - التغوير للبئر، إذا لم يبق للنجاسة أثر، أو النَّزْح
بعد إخراج النجاسة منها.
-١١ - التفريق للحبوب، كما لو بالت حمرٌ على حبوب
تدوسها يفرق بعضه ببَيْع أو هِبة فيَطْهُر الباقي.
-١٢ - الدباغة: وهي إخراج
الرطوبة النجسة من الجِلْد الطاهر بالأصل، روي عن ابن عباس ﵄ قال: سمعت رسول الله
ﷺ يقول: (أيَّما إهاب دُبغ فقد طَهُر) (١٠) . فتطهر جميع الجلود التي تحتمل الدبغ
إلا جلد الخنزير لنجاسة عينه وجلد الإنسان لكرامته. وتجوز الصلاة على الجلد
المدبوغ والوضوء منه سواء أكان الدابغ مسلمًا أم كافرًا أم امرأة، وسواء أكانت
الدباغة حقيقية بالقَرَظ والعفص (١١) وقشور الرمان والشبّ (١٢) والملح، أو دباغة
حكمية بالتتريب والتشميس والإلقاء في الهواء. وقميص الحية طاهر بدون دبغ.
-١٣
- الذَّكاة الشرعية: وهي لغة: الذبح، وشرعًا: تَسْييل الدم النجس، فعن رافع بن
خديج ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (... ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ...) (١٣) .
والذكاة تطهر لحم الحيوان المأكول، أما غير المأكول فيطهر جلده بالذبح دون لحمه،
والذكاة تطهر الحيوان المذبوح سواء أكان الذابح مسلمًا أم كتابيًا، ويبقى كل ما
لا تحله من الحيوان طاهرًا كالريش والمنقار والشعر والحافر والعظم، ما لم يكن به
(أي العظم) وَدَك (أي دسم) فهو نجس؛ فإذا زال عنه الدسم طهر.
-١٤ - النَّحت
للخشب الجديد، لأنه يتشرب النجاسة، ويكفي في الخشب القديم الغسل.
-١٥ -
غَسْلُ طرف الثوب يغني عن غسله كله إذا نسي مكان النجاسة.
-١٦ - النار: كل
ما يحرق بالنار يطهر. (والعاصي يطهر في نار جهنم) .
-١٧ - الغَلْي: يُطهر
اللحم المطبوخ بالنجاسة بغليه ثلاث مرات وإراقة المرق، والأصح أنه لا يطهر. وإذا
إلى الماء وفيه الدجاجة مع أحشائها تطهر بالغلي ثلاث مرات بعد إخراج النجاسة
منها. أما إذا سخنت لإزالة الريش فطهارتها بالغسل من غير غليان.
-١٨ -
التطفيف للحليب والزيت، وكل مائع يضاف له من جنسه طاهر حتى يفيض على الأرض.
(١)
مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٢٧/٩١.
(٢) أخرجه الدارقطني والطحاوي.
(٣)
أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٤١/٣٨٥.
(٤) مجمع الزوائد: ج ١ / ص
٢٨٦.
(٥) مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٣٢/١٠٥.
(٦) الدارقطني: ج ١ /
ص ١٢٥.
(٧) البخاري: ج ٥ / كتاب الذبائح والصيد باب ٣٤/٥٢٢٠.
(٨)
الاستحالة: انقلاب العين النجسة.
(٩) الترمذي: ج ٣ / كتاب الجنائز باب
١٦/٩٩١.
(١٠) الترمذي: ج ٤ / كتاب اللباس - حديث ١٧٢٨، والإهاب: الجلْد قبل
الدبغ لأنه تهيأ للدبغ.
(١١) القَرَظ: شجر يُدبغ به، وقيل هو ورق السَّلَم
يُدبغ به الآدَم، والعَفْص: حَمْل شجرة البلوط.
(١٢) الشَّبّ: حَجَر معروف
يشبه الزَّاج، يُدبغ به الجلود.
(١٣) مسلم: ج ٣ / كتاب الأضاحي باب
٤/٢٠.
٦٨
حكم الغُسالة:
-١ - غسالة
النجاسة الحكيمة: طاهرة غير مطهرة على أظهر الأقوال.
-٢ - غسالة النجاسة
الحقيقية: نجسة سواء انفصلت متغيرة أو غير متغيرة، وسواء انفصلت الغُسالة عن
المحل طاهرًا كان أم نجسًا؛ لأن حكم الغُسالة هي حكم المحل قبل ورود الماء
عليه.
لكن لو أصابت النجاسة ثوبًا أو محلًا فإنه يطهر بالغسل مرات مختلفة
حسب انفصاله عن المحل بعد الغسلة الأولى أو الثانية.
٦٨