المؤلف: الحاجّة كوكب عبيد
الموضوع:علم الفقه والفروع والشريعة
الناشر: مطبعة الإنشاء، دمشق - سوريا.
الطبعة: الأولى ١
٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
عدد الصفحات: ٤٠٢
صفحة المؤلف: [كوكب عبيد]
- كتاب الزكاة -
- الباب الأول: تعريف الزكاة: -
- الباب الثاني: الفصل الأول
- الباب الثالث: مصارف الزكاة
- الباب الرابع: صدقة الفطر
- كتاب الصوم -
- العودة إلي كتاب فقه العبادات على المذهب المالكي
كتاب الزكاة -
الباب الأول: تعريف الزكاة: -
لغة: التطهير، بدليل قوله تعالى: ﴿قد أفلح من
زكاها﴾ (١) أي طهرها من الأدناس، والنماء والزيادة يقال زكا الزرع إذا نما
وزاد.
وشرعًا: إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص (نعم، حرث، نقدين، عروض تجارة،
معادن) بلغ نصابًا لمستحقيه، إن تم الملك وحال الحول على غير معدن وحرث.
حكمها:
ركن من أركان الإسلام، وفرض عين على كل من توفرت فيه شروط الوجوب. وقد فرضت في
السنة الثانية من الهجرة، وفرضيتها معلومة من الدين بالضرورة.
دليل
فرضيتها:
من الكتاب: قوله تعالى: ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ (٢)، وقوله
﷿: ﴿والذين في أموالهم حق معلوم. للسائل والمحروم﴾ (٣) .
ومن السنة: حديث
ابن عمر ﵄: (بني الإسلام على خمس ... وإيتاء الزكاة..) (٤)، وما رواه أبو أمامة ﵁
عن النبي ﷺ قال: (اتقوا اللَّه ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدُّوا زكاة
أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم) (٥) .
وقد أجمعت الأمة على
أنها ركن من أركان الإسلام بشرائط خاصة. ⦗٢٧٠⦘
(١) الشمس: ٩.
(٢)
البقرة: ٤٣.
(٣) المعارج: ٢٤ - ٢٥.
(٤) مسلم: ج ١/ كتاب الإيمان باب
٥/٢١.
(٥) الترمذي: ج ٢ /الصلاة باب ٤٣٤/٦١٦.
٢٦٩
شروط
وجوب الزكاة:
٢٧٠
١- الحرية: فلا تحب على
الرقيق ولو بشائبة حرية لعدم تمام ملكه.
٢٧٠
٢-
بلوغ المال النصاب (١)، ويختلف النصاب باختلاف المال المزكى.
٢٧٠
٣-
الملك التام: وهو أن يكون الشخص صاحب التصرف فيما يملك، فلا زكاة على المكاتب ولا
على من كان تحت يده شيء غير مملوك له كالمرتهن والمُودع والغاصب، أما صداق المرأة
فهو ملكًا تامًا إلا أنها لا تزكيه إلا بعد قبضه وحولان الحول عليه وهو بيدها.
وأما المدين، الذي بيده مال غيره، وكان غنيًا، فإن كان عنده ما يمكنه أن يوفي
الدين منه، من عقار، وجب عليه زكاة المال الذي بيده متى حال عليه الحول، لأنه
بقدرته على دفع قيمته من عنده أصبح مملوكًا له. أما إذا كان المال الموجود عنده
حرثًا، أو ماشية، أو معدنًا، فتجب عليه الزكاة ولو لم يوجد عنده ما يوفي به
الدين؛ فالزارع تستحق عليه زكاة نصابه من الحرث ولو كان عليه دين من إيجار الأرض
أو غيره يستغرق ثمن الحرث.
وكذا المال الموقوف تجب زكاته على مالك الوقف،
فمن وقف ثمر بستان للفقراء وجب عليه أن يزكي هذا الثمر متى خرج وكان بالغًا
للنصاب لوحده أو بالإضافة إلى ثمر بستان آخر يكمل النصاب.
ولا يشترط لوجوب
الزكاة العقل والبلوغ لأنها تجب في مال المجنون والصبي، والخاطب بها وليهما، وكذا
لا يشترط الإسلام للوجوب بل تجب الزكاة على الكافر ولكن لا تصح منه إلا بالنية
والنية لا تصح من الكافر، وإذا أسلم سقطت عنه زكاة السنوات السابقة للإسلام لقوله
تعالى: ﴿قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف﴾ (٢) . ولا فرق بين الكافر
الأصلي والمرتد (فكلاهما تجب عليه الزكاة، وكلاهما تسقط عنه إذا أسلم) .
الأنواع
التي تجب فيها الزكاة:
تجب الزكاة في خمسة أشياء، هي:
٢٧٠
١-
النغم (الإبل والبقر والغنم) الأهلية، فلا زكاة في الوحشية، ولا في المتولدة من
وحشي وأهلي كما لو ضربت فحول الظباء إناث الغنم أو بالعكس.
٢٧٠
٢-
الزروع والثمار.
٢٧١
٣- الذهب والفضة ولو غير
مضروبين.
٢٧١
٤- المعدن والركاز.
٢٧١
٥-
عروض التجارة. ⦗٢٧٢⦘
(١) النصاب لغة: الأصل، شرعًا: القدر الذي إذا بلغه
المال وجبت الزكاة فيه، وسمي نصابًا أخذًا من النُصب لأنه كالعلامة التي نصبت على
وجوب الزكاة أو لأن للفقراء فيه نصيب.
(٢) الأنفال: ٣٨.
٢٧٢
الباب الثاني: الفصل الأول
٢٧٢
زكاة النَّعَم (١)
النَّعم هي:
الإبل والبقر والغنم.
شروط وجوب الزكاة فيها:
يشترط لوجوب الزكاة فيها
بالإضافة إلى شرائط الوجوب العامة للزكاة: مجيء الساعي إلى محل الماشية إن كان
ثَمَّ ساعٍ في النعم، ولا يجزئ (٢) إخراجها قبل مجيئه ولو بعد مرور الحول، لأن في
ذلك إبطال لأمر الإمام الذي عيَّنه لجبي الزكاة؛ ما لم يتخلف الساعي عن المجيء،
فإن تخلف أجزأت.
وإن مات رب الماشية قبل مجيء الساعي ولو بعد تمام الحول فلا
تجب الزكاة على الوارث بل عليه أن يستقبل بها عامًا جديدًا، لأنه ملكها قبل
وجوبها على المورِث، ما لم يكن الوارث عنده نصاب وضم ما ورث إلى ما عنده نصاب وضم
ما ورث إلى ما عنده فعندها تجب عليه زكاة الجميع.
أما إن لم يكن هناك ساع
فتجب الزكاة بمرور الحول، لما روي عن علي ﵁ عن النبي ﷺ قال: (وليس في مال زكاة
حتى يحول عليه الحول) (٣) .
ولا يشترط لوجوب زكاة النعم أن تكون النعم سائمة
(٤) وغير عاملة، بل تجب الزكاة في السائمة، والمعلوفة ولو في جميع العام، وفي
العاملة بالحرث أو الحمولة، وغير العاملة. ⦗٢٧٣⦘
(١) النَّعَم: من الأنعام،
أما النِعم: مفردها نعمة.
(٢) أي مجيء الساعي شرط صحة بالإضافة إلى كونه شرط
وجوب.
(٣) أبو داود: ج ٢/ كتاب الزكاة باب ٤/١٥٧٣.
(٤) السائمة: هي
التي ترعى الحشائش المباحة.
٢٧٢
نصاب
النَّعَم:
من الإبل خمس، ومن البقر ثلاثون، ومن الغنم أربعون. وتضم أصناف
النوع الواحد إلى بعضها، فيضم الجاموس إلى البقر، والمعز إلى الغنم الضأن،
والجمال البخت (بسنامين) إلى الجمال العرب (بسنام) .
وإن كان عنده في أول
الحول دون النصاب، وأثناء الحول وقبل مجيء الساعي تولد منها حتى أصبحت نصابًا، أو
أبدلها من نوعها فتم بالإبدال نصابها، كمن كان عنده أربعًا من الإبل فأبدلها بخمس
منها، فقد وجبت الزكاة فيها، ولو كان تمام النصاب حصل قبل مجيء الساعي بيوم أو
قبل حَوَلان لأن الحول بيوم (إن لم يكن هناك ساعٍ) . أما لو أبدلها من غير نوعها
كمن كان عنده أربعًا من الإبل فأبدلها بأربعين من الشياه، فهذا يستقبل الحول منذ
ملك الأربعين من الشياه.
ومن ملك في أول الحول نصابًا، فيضم إليه ما تجدد
لديه من النعم بهبة أو صدقة أو إرث أو شراء أو غيرها، ولو ملكها قبل تمام الحول
بيوم أو أكثر. أما إن لم يكن مالكًا للنصاب في أول الحول فلا يضم إليه ما تجدد
لديه من النعم سواء كان ما تجدد لديه نصابًا أم أقل، بل يستقبل بالجميع حولًا
جديدًا، والحول يبدأ من تمام النصاب بما تجدد من النعم.
ويبني صاحب الماشية
على الحول الأصلي في الماشية التي رجعت إليه بسبب فساد البيع أو إفلاس المشتري أو
لعيب فيها، ويزكيها عند تمام حولها الأصلي كأن لم تخرج من ملكه.
وإذا مات
شيء من المواشي أو ضاع بغير تفريط قبل مجيء الساعي ولو بعد تمام الحول، أو بعد
مجيء الساعي والعدّ وقبل الأخذ، فلا تحسب في الزكاة وإنما يزكي الباقي إن كان
نصابًا، أما لو ذبح ربُّها أو باع شيئًا منها بعد مجيء الساعي وقبل أخذ الزكاة،
فإنها تدخل في حساب الزكاة.
مقدار الزكاة:
أولا- الإبل:
إذا بلغ
عددها خمسًا إلى أربع وعشرين ففي كل خمس منها لا شاة (ذكر أو أنثى)، فإذا كان
جُلّ غنم البلد معزًا أخرج معزًا. فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها
بنت مخاض (١) (أكملت السنة ودخلت في الثانية) ولا يجزئ ابن مخاض ولا ابن لبون ولو
كان أكبر، إلا إذا عدمت بنت المخاض. وإذا بلغ عدد الإبل ستًا وثلاثين إلى خمس
وأربعين ففيها بنت لبون (٢) ⦗٢٧٤⦘
(أكملت السنتين ودخلت في الثالثة) . فإذا
بلغت ستًا وأربعين إلى ستين ففيها حقَّة (٣) (أكملت الثلاث ودخلت في الرابعة) .
فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين جذعة (٢) (أكملت الأربع ودخلت في الخامسة) .
فإذا بلغت ستًا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون. فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى
عشرين ومائة ففيها حقتان. فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة إلى تسع وعشرين ومائة
ففيها إما حقتان أو ثلاث بنات لبون والخيار هنا للساعي. فإذا زاد العدد على ذلك
فيكون في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.
(١) سميت بذلك لأن الإبل
تحمل سنة وتربي سنة فأمها حامل قد مخض الجنين في بطنها.
(٢) لأن أمها صارت
لبونًا أي ذات لبن.
(٣) لأنها استحقت الحمل وأن يحمل على ظهرها.
(٤)
سميت بذلك لأنها تجذع أسنانها أي تسقطها.
٢٧٣
ثانيًا-
البقر:
إذا بلغ الملك ثلاثين من البقر فزكاته تبيع (١)، وتجزئ الأنثى وهي
أولى. فإذا بلغ الأربعين فزكاته مسنّة (أكملت ثلاثًا ودخلت في الرابعة) أنثى،
ودليل ذلك ما روي عن معاذ ﵁ قال: (بعثني النبي ﷺ إلى اليمن. فأمرني أن آخذ من كل
ثلاثين بقرة، تبيعًا أو تبيعة، ومن كل أربعين، مسنة..) (٢) وبناء على ذلك تكون
مقادير الزكاة كالآتي:
في الثلاثين بقرة تبيع، وفي الأربعين مسنة، وفي
الستين تبيعان، وفي السبعين تبيع ومسنة، وفي الثمانين مسنتان، وفي التسعين ثلاثة
أتبعة، وفي المائة تبيعان ومسنة، وفي العشرة ومائة مسنتان وتبيع، وفي العشرين
ومائة أربع أتبعة أو ثلاثة مسنات والخيار هنا للساعي. وإذا زاد العدد على ذلك
فيكون في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة.
(١) ما له سنتان ودخل في
الثالثة.
(٢) الترمذي: ج ٣/ كتاب الزكاة باب ٥/٦٢٣.
٢٧٤
ثالثًا-
الغنم:
إذا بلغ الملك أربعين إلى مائة وعشرين فزكاته شاة جذعة من الضأن أو
المعز (وهو ما أوفى سنة)، وإذا بلغ مائة وإحدى وعشرين حتى مائتين فزكاته شاتان،
فإذا بلغ مائتين وشاة إلى ثلاثمائة وتسعة وتسعين فزكاته ثلاث شياه، فإذا بلغ
أربعمائة فما فوق ففي كل مائة شاة. أوصاف زكاة النعم:
يجب أن تؤخذ الزكاة من
الصنف الوسط سواء كان النصاب من الوسط أو كان كلُّه من الخيار أو الشرار (مرض،
معيبة)؛ ما لم يتطوع المالك بدفع الخيار أو يرى الساعي أخذ المعيبة لكثرة لحمها
لذبحها للفقراء مع رضا مالكها. وكذلك إذا كان هناك أصناف في النوع الواحد، فإذا
⦗٢٧٥⦘ تساوي الصنفان وكانت الزكاة الواجبة واحدة خُيِّر الساعي أن يأخذ من أي
الصنفين، كأن كان المالك لديه خمسة عشر جاموسًا وخمسة عشر جاموسًا وخمسة عشر بقرة
فيجب عليه تبيع، ويخير الساعي بين أن يأخذ جاموسًا أو بقرًا. أما إن لم يتساو
الصنفان ووجب واحدة أُخذت من الصنف الأكثر، وإن تساوَ الصنفان وكان الأقل يوجب
واحدة فيما لو انفرد وعلى الكل وجب اثنتان، أخذ من كل صنف واحدة، كأن كان الكل
إحدى وعشرين ومائة، منها أربعين من المعز، وإحدى وثمانين من الضأن، فيأخذ من
المعز واحدة ومن الضأن واحدة.
حكم التهرب من الزكاة وطرقه:
كل من حاول
التهرب من الزكاة بطريقة ما، ويُعرف ذلك من قرائن الأحوال أو بإقراره، أخذت منه
الزكاة المستحقة كاملة. ومن الحيل الباطلة للتهرب من الزكاة:
٢٧٤
١-
إبدال الماشية الموجودة لديه والبالغة نصابًا بنوعها أو بغيره أو بعرض أو بقد بعد
انتهاء الحول أو قبله بقليل كشهر، أما إذا كان الإبدال أثناء الحول فلا تؤخذ منه
الزكاة.
٢٧٥
٢- أن يهب ماله أو بعض ماله لولده
أو لزوجته قبل انتهاء الحول بقليل حتى ينتهي وليس عنده ما يستوجب الزكاة، ثم
ينزعه من ولده أو زوجته بعد مرور الحول زاعمًا ابتداء ملكه.
الخلطة في
المواشي:
الخلطة للماشية المتحدة النوع من مالِكَيْن فأكثر، حكمهم فيما يجب
عليهم من الزكاة كحكم المالك الواحد. فمثلًا لو كان الشركاء ثلاثة ولكل منهم
أربعون شاة، فمجموع الخلطة مائة وعشرون شاة والواجب على الخلطاء شاة واحدة على كل
واحد منهم ثلث قيمتها. أما لو لم يكن هناك خلطة لوجب على كل منهم شاة.
شروط
الخلطة:
شروط الخلطة الموجبة لمعاملة الخلطاء كالمالك الواحد أربعة وهي:
٢٧٥
١-
وجود نية الخلطة عند كل واحد من المالكين، أي أن القصد عدم وجود نية التهرب من
الزكاة.
٢٧٥
٢- أن يكون كل منهم حرًا
مسلمًا.
٢٧٥
٣- أن يكون كل منهم مالكًا للنصاب
وخالط به أو ببعضه وحال عليه الحول من يوم ملكه أو زكاه رمن يوم الخلطة. أي إن
كان أحدهم مالكًا للنصاب وحال عليه الحول دون الآخرين فتجب ⦗٢٧٦⦘ عليه زكاة وحده
ولا تجب على الآخرين، أما إذا مر الحول على الخلطة وكان كمل نصاب كل شريك فيه
أخرجت الزكاة عن المجموع باعتبارها خلطة، وإلا من وقت الملك أو التزكية له إن كان
ذلك قبله.
٢٧٥
٤- أن يتحد لجميع الماشية
المخلوطة على السواء المَراحُ (المكان الذي تجتمع فيه نهارًا للاستراحة ثم تساق
منه للمبيت) والمُراح (مكان المبيت) والماءُ الذي تشرب منه كالنهر، والراعي سواء
كان واحدًا أو متعددًا، والفحل الذي يضرب في الجميع سواء كان واحدًا أو متعددًا.
⦗٢٧٧⦘
الفصل الثاني
زكاة الحرث
الحرث بمعنى المحروث ويقصد به
الزروع والثمار، وقد ثبتت فرضية الزكاة في الحرث إضافة لما تقدم من الدليل العام
بدليل خاص من الكتاب، قال تعالى: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ (١) .
(١) الأنعام:
١٤١.
٢٧٦
شروط وجوب زكاة الحرث:
يشترط
لوجوب الزكاة فيها بالإضافة إلى شروط وجوب الزكاة العامة ما يلي:
٢٧٧
١-
الإنبات والغرس من قبل الأشخاص سواء كانت الأرض خراجية (١) أم لا، أما ما نبت من
نفسه فليس فيه زكاة.
٢٧٧
٢- بدو الصلاح: ويكون
بالحب بإفراكه (طيب الحب واستغناؤه عن الماء وإن بقي في الأرض)، وفي الثمر بطيبه
(البلح باحمراره أو اصفراره، والعنب بحلاوته) . فإن أخرج الزكاة قبل بدو الصلاح،
بأن قدم زكاته من غيره لم تجزئه، أما إذا أخرجها بعد بدو الصلاح وقبل التنقية
أجزأت.
وإذا باع المالك الثمر أو الحب بعد بدو الصلاح وجبت عليه الزكاة، أما
إذا مات المالك قبل بدو الصلاح فلا زكاة على الوارث (لأنها لم تجب على المورث
بعد)، إلا إذا كان الوارث يملك زرعًا آخر والجميع بلغ النصاب فيصبح عليه الزكاة
من نصيبه ومن زرعه لا من التركة.
ويجب على مالك التمر فقط (بلح، عنب) أن
يخرص ثمره بعد بدو صلاحه وقبل أن يتصرف فيه سواء كان الثمر مما شأنه الجفاف
واليبس أم لا كبلح مصر وعنبها، وذلك لاحتياج مالكه لأكل أو بيع أو إهداء. والخرص
هو تقدير ما على الأشجار من البلح والعنب ⦗٢٧٨⦘ من قبل عدل عارف شجرة شجرة وتحديد
كميتها بعد الجفاف، أي حين يصير البلح تمرًا والعنب زبيبًا. فإذا قدر أن النتاج
من كل نوع يبلغ النصاب فأكثر حَسَبَ مقدار الزكاة الواجب إخراجها على المالك،
وعندئذ يستطيع المالك التصرف في الثمر كيف يشاء.
ويجب على المالك إخراج
الزكاة تمرًا أو زبيبًا إن كان من شأن بلحه وعنبه الجفاف واليبس، وإلا أخرج
الزكاة من الثمن إن باعه، ومن القيمة يوم استحقاق الزكاة إن لم يبعه.
والدليل
على الخرص حديث عتاب بن أُسيد ﵁ قال: «أمر رسول اللَّه ﷺ أن نخرص العنب كما نخرص
النخل، وتؤخذ زكاته زبيبًا كما تؤخذ زكاة النخل تمرًا» (٢) .
وإذا أصاب
الثمر جائحةٌ ما بعد الخرص وحساب الزكاة، أُسقطت الكمية المصابة بالجائحة من
تقدير النتاج؛ فإذا كان الباقي يبلغ نصابًا كانت الزكاة بحسبه وإلا سقطت الزكاة،
وإذا وجد المالك أن النتاج الحقيقي زادت كميته عما قدره الخاص على الشجر أخرج
الزكاة على الأكثر على سبيل الندب أو الوجوب (قولان) .
(١) التي عليها خراج
عندما كانت ملكًا لأهل الذمة ثم باعوها للمسلمين فيبقى الخراج عليها.
(٢)
أبو داود: ج ٢/ كتاب الزكاة باب ١٣/١٦٠٣.
٢٧٧
أنواع
الحرث الواجب فيها الزكاة:
تجب الزكاة في عشرين نوعًا وهي:
أولًا-
الحبوب: وتشمل:
٢٧٨
١- القطاني (١) السبعة:
وهي الحمص، الفول، واللوبيا، العدس، الترمس، الجلبان، البسيلة (٢) .
٢٧٨
٢-
القمح، والسلت (٣)، والشعير، والعلس (٤)، والذرة، والدخن، والأرز.
٢٧٨
٣-
الحبوب ذوات الزيوت الأربعة وهي: الزيتون والسمسم والقرطم وحب الفجل الأحمر (٥)
.
(١) القطاني: جمع قطنية وهي ما له غلاف.
(٢) البزاليا
(٣) نوع
من الشعير لا قشر له.
(٤) نوع من القمح تكون الحبتان منه في قشرة واحدة وهو
غذاء أهل صنعاء باليمن.
(٥) يوجد في بلاد الغرب.
٢٧٨
ثانيًا-
الثمار: وهي نوعان التمر والزبيب. ⦗٢٧٩⦘
نصاب الحرث:
نصابه خمسة أَوْسق
(١)، وقدَّر النبي ﷺ الوسق بستين صاعًا بصاع المدينة المنورة في عهده. والصاع
أربعة أمداد بمد النبي ﷺ. ودليله ما ورد عن أبي سعيد الخدري ﵁ أن النبي ﷺ قال:
«ليس في حب ولا تمر صدقة، حتى تبلغ خمسة أوسق» (٢) .
ويحسب النصاب بعد
التنقية من التبن والصنوان (القشر الذي يخزن الحبوب بدونه كقشر الفول الأخضر)
والجفاف. وتضم أنواع الجنس الواحد لبعضها في حساب النصاب، فتضم القطاني بعضها إلى
بعض، ويضم القمح والشعير والسلت إلى بعضه، أما باقي الأنواع العشرين فلا تضم إلا
بعضها، لكن تضم أصناف النوع الواحد إلى بعضها كالتمر الجيد والتمر الرديء، وتخرج
الزكاة إذا اجتمع منها نصاب، من كل صنف بقدره.
فإذا اجتمع النصاب من أصناف
متساوية، جيد ومتوسط ورديء، أخرج زكاة الجميع من أوسطها، فإن أخرجها من الجيد كان
أفضل، ولا يجزئ إخراجها من أدناها.
وتخرج الزكاة مما ضمت أنواعه لبعضها كل
بحسبه إذا بلغ المجموع نصابًا، لكن يشترط في الضم، أن يزرع المضموم قبل حصاد
المضموم إليه، وإلا فلا يضم وأن يبقى من حب الأول إلى وجوب زكاة الثاني ما يكملان
به نصابًا.
(١) أوسق: جمع وَسق، معناه لغة: الجمع، وشرعًا يساوي ستين
صاعًا.
(٢) مسلم: ج ٢/ كتاب الزكاة /٥.
٢٧٨
مقدار
الزكاة:
٢٧٩
١- مالا يستقى بآلة كأن يسقى بماء
المطر أو السيح (١)، أو بماء ينفق عليه حتى يوصله إلى أرضه ولكن من غير آلة،
فزكاته العشر.
٢٧٩
٢- ما يسقى بآلة فزكاته نصف
العشر، لما روى سالم بن عبد اللَّه عن أبيه عن النبي ﷺ قال: «فيما سقت السماء
والعيون، أو كان عثريًا (٢)، العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر» (٣) والواجب
إخراجه هو: ⦗٢٨٠⦘
آ- نصف عشر الزيت فيما له زيت كالزيتون، أو حب الفجل، أو
القرطم، أو السمسم، إن بلغ الحب نصابًا ولو لم يبلغ الزيت نصابًا، وإن أخرج
الزكاة من حبه أجزأ إلا الزيتون.
ب- نصف عشر الثمن فيما ليس له زيت من نوع
ماله زيت كزيتون مصر إن بيع، أو نصف عشر القيمة يوم طيبه إن لم يبع.
جـ- نصف
عشر ثمن مالا يجف كعنب مصر ورطبها إن بيع، وإلا نصف عشر القيمة إن لم يبع.
د-
نصف عشر الحب أو الثمر فيما يجف ولو أكله أو باعه رطبًا.
٢٧٩
٣-
ما يسقى بآلة وبغيرها معًا يُنظر للزمن، فإن تساوت مدة السقيين أو تقاربت أخرج عن
النصف العشر وعن النصف الآخر نصف العشر وهكذا كل بحسبه. ⦗٢٨١⦘
(١) الماء
الجاري على سطح الأرض.
(٢) عثريا: ما سقي بماء السيل.
(٣) البخاري: ج
٢/ كتاب الزكاة باب ٥٤/١٤١٢.
٢٨٠
الفصل
الثالث
زكاة النقد
شروط وجوب زكاة النقد:
يشترط لجوبها بالإضافة
إلى شرائط الوجوب العامة للزكاة ما يلي:
٢٨١
١-
حولان الحول: فلا تجب الزكاة إلا إذا ملك النصاب وحال عليه حول وهو مالكه، ودليله
الحديث المروي عن غير واحد من أصحاب النبي ﷺ: «أن لا زكاة في المال المستفاد حتى
يحول عليه الحول» (١) .
والمراد بالحول: الحول القمري (٢) لا الشمسي، فإذا
ملك نصابًا من الذهب أو الفضة في أول الحول ثم نقص في أثنائه ثم ربح فيه ما يكمل
النصاب في آخر الحول وجب عليه إخراج الزكاة، لأن حول الربح حول أصله. وكذا لو ملك
أقل من نصاب في أول الحول ثم اتجر فيه فربح ما يكمل النصاب في آخر الحول وجبت
عليه زكاة الجميع، أما إن لم يتم النصاب إلا بعد انتهاء الحول زكَّاه وقت تمامه
وانتقل حوله ليوم تزكيته، ومثال ذلك: من ملك دون النصاب في شهر محرم ثم اتجر به
وربح مالًا يكمل رأس المال إلى النصاب قبل مجيء شهر محرم فتجب عليه الزكاة في شهر
محرم (حول الربح حول أصله)، أما إن لم يتم النصاب من الربح إلا بعد انتهاء الحول
كشهر ربيع زكَّاه وقت تمام النصاب وهو في شهر ربيع ويكون انتقل حوله ليوم
تزكيته.
وحَوْلُ الفائدة يبدأ بعد قبضها سواء كانت عطية (هبة، صدقة، إرث،
دية، صداق قبضته من زوجها) أو كانت متجددة من مال غير مزكى كثمن شيء مقتنى عنده
⦗٢٨٢⦘
كثياب أو دار) ثم باعه، فحوله يبدأ من قبضه، وإذا كانت الفائدة
المقبوضة أقل من النصاب فإنها تضم لفائدة قبضها بعدها ويبدأ حول الجميع بتمام
النصاب. أما إن كان ما قبضه لأول مرة نصابًا ثم نقص أثناء الحول ثم ربح فائدة
أخرى فحول الجميع حول الفائدة الأولى. وإذا ملك نصابًا وحال عليه الحول ووجبت فيه
الزكاة ثم نقص بعد تمام الحول ثم حصل على فائدة تكمل النصاب فيزكي كل مبلغ بعد
انتهاء حوله، كأن ملك في محرم عشرين مثقالًا من الذهب وبعد مرور الحول ووجوب
الزكاة عليه نقص إلى خمسة عشر مثقالًا ثم ربح خمسة مثاقيل في رجب فصار المجموع
كله نصابًا، فيزكي عن الخمسة عشر في محرم وعن الخمسة في رجب.
ويجوز إخراج
الزكاة قبل تمام الحول بشهر تقريبًا لا أكثر لاحتياج الفقراء إليها مع عدم وجود
المانع.
٢٨١
٢- فراغ المال من الدَيْن: فمن
كان عليه دين يستغرق النصاب أو ينقصه، وليس عنده ما يفي به من غير مال الزكاة مما
لا يحتاج إليه في ضرورياته كدار السكنى، فلا تجب عليه الزكاة في المال الذي عنده؛
ولو كان الدين مؤجلًا، أو كان مهرًا لزوجة مقدمًا أو مؤخرًا، أو نفقة لزوجة أو
أقارب، أو زكاة ماضية محققة بذمته. أما إن كان دينَ كفارةِ يمين أو ظهار أو صوم
أو هدي وجب عليه في الحج أو العمرة، فهذا لا يسقط عنه الزكاة (٣) .
(١)
الترمذي: ج ٣/ كتاب الزكاة باب ١٠/٦٣٢.
(٢) السنة القمرية (٣٥٤) يومًا.
(٣)
الفرق بين دَيْن الزكاة ودَيْن الكفارة: أن دَيْن الزكاة يطالب به الإمام ويلاحقه
به، أما دين الكفارة فغير مطالب به.
٢٨٢
أنواع
النقد:
أنواعه الذهب والفضة سواء كانا مسكوكين أو غير مسكوكين كالسبائك
والتبر والأواني والحلي الحرام.
ولا زكاة في النحاس والرصاص وغيرهما من
المعادن ولو سُكَّت نقدًا.
ولا زكاة في الحلي المباح للمرأة، وقبضة السيف
المعد للجهاد، والسنِّ والأنف للرجل، إلا في الحالات التالية فإنه يجب في الحلي
زكاة:
٢٨٢
١- إذا انكسر الحلي ولا يمكن إصلاحه
إلا بسبكة ثانية، ولو كانت لامرأة، وسواء نوى صاحبه إصلاحه أم لا.
٢٨٢
٢-
إذا انكسر وكان يمكن إصلاحه من غير إعادة سبكه، ولكن لم ينو صاحبه إصلاحه.
٢٨٢
٣-
أن يكون معدًَّا لنوائب الدهر وحوادثه، لا للاستعمال.
٢٨٢
٤-
أن يكون معدًا لمن سيوجد من زوجته أو ابنته مثلًا.
٢٨٣
٥-
أن يكون معدًا لصداق من يريد أن يتزوجها، أو يزوجها لابنه مثلًا.
٢٨٣
٦-
أن يكون معدًا للتجارة.
والمعتبر في زكاة الحلي الوزن لا القيمة.
وتجب
الزكاة في الأوراق المالية (بنكنوت)، لأنها حلت محل الذهب والفضة في التعامل، وإن
كانت من سندات الدين لأنها يمكن صرفها فضة فورًا. وتعتبر قيمة الذهب بالنسبة
للبنكنوت وقت إخراج الزكاة.
نصابها:
نصاب الذهب عشرون مثقالًا، ونصاب
الفضة مائتا درهم، وإذا خلط الذهب أو فضة بمعدن آخر كالنحاس أو النيكل وراج
استعمالهما كاستعمال الذهب أو الفضة الخالصين من الشوائب، وجبت زكاتهما كالخالص،
وإن لم يروجا في الاستعمال كالخالص زكَّى الخالص إن بلغ نصابًا والا فلا يزكي.
ودليل
ذلك ما روى علي ﵁ عن رسول اللَّه ﷺ قال: «فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها
الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون
دينارًا، فإذا كان لك عشرون دينارًا فإذا كان لك عشرون دينارًا وحال عليه الحول
ففيها نصف دينار» (١) .
وما روى جابر ﵁ عن رسول اللَّه ﷺ أنه قال: «ليس فيما
دون خمسة أواق من الورِق صدقة» (٢) .
(١) أبو دواد: ج ٢ /كتاب الزكاة باب
٤/١٥٧٣.
(٢) مسلم: ج ٢ /كتاب الزكاة /٦، والأوقية تساوي أربعين درهم.
٢٨٣
مقدار
الزكاة:
مقدار الذهب ربع العشر، وما زاد على النصاب فبحسبانه، وزكاة الفضة
ربع العشر وما زاد على النصاب فبحسبانه.
زكاة الأموال المودعة:
تجب
الزكاة فيها بعض قبضها عن كل عام مضى وهي في يد أمين.
زكاة الأموال المغتصبة
والضائعة:
لا تجب الزكاة فيها إلا عن العام الأخير بعد قبضها ولو مكثت بيد
الغاصب أعوامًا. ⦗٢٨٤⦘
زكاة الدين الذي بيد الغريم:
يزكى بعد قبضه عن
سنة واحدة من يوم ملك الأصل أو من يوم تزكيته عندما كان بيده، ولو مكث بيد المدين
أعوامًا، لكن ضمن شروط:
٢٨٣
١- أن يكون أصل
الدين نقدًا بيد المالك ثم أسلفه للمدين (قرض)، أو عروض تجارة كانت بيده ثم باعها
بثمن لأجل معلوم. أما إن كانت أصل الدين عطية بيد معطيها (كالهبة أو الصداق بيد
الزوج أو الخلع بيد الزوجة) فلا زكاة فيه إلا بعد مرور حول من قبضه.
٢٨٤
٢-
أن يقبض الدين من المدين.
٢٨٤
٣- أن يكون
الدين الذي قبضه نقدًا لا عرضًا فإذا كان عرضًا فلا يزكيه إلا بعد بيعه.
٢٨٤
٤-
أن يكون ما قبضه نصابًا كاملًا، فإن قبضه على دفعات وكانت كل منها أقل من النصاب
فيزكيه عند تمام النصاب. وإن كان ما قبضه أقل من نصاب لكن كُمّل من فائدة تمّ
حولها عند قبض الدين فتجب عليه الزكاة، كأن قبض مائة درهم من الدين وكان عنده
مائة أخرى قد حال عليها الحول، فإنه تجب عليه زكاة.
٢٨٤
٥-
أن لا يكون أخَّر الدين بيد المدين بقصد التهرب من الزكاة، فإن قصد ذلك زكى عن
الأعوام كلها لا عن عام واحد. ⦗٢٨٥⦘
الفصل الرابع
زكاة المعدن
والركاز
أولًا- زكاة المعدن:
المعدن هو ما خلقه اللَّه تعالى في الأرض
من ذهب أو فضة أو غيرهما، وهو ملك للإمام (أي الدولة) في أي أرض وجد، ولو في أرض
معينٍ مالكها، إلا إذا وُجد في أرض مُصالحٍ عليها فهو لأصحابه ما داموا كفارًا،
فإن أسلموا رجع ملكه للإمام (أي لبيت مال المسلمين لا مُلك لذات الإمام) يقتطعه
لمن شاء ليعمل فيه لنفسه مدة من الزمن أو مدة حياة القطع أي يملكه ملك منفعةٍ لا
مُلك ذاتٍ.
ولا تجب الزكاة في المعادن إلا في الذهب والفضة فقط.
شروط
وجوب الزكاة في المعدن:
٢٨٤
١- المُلك (ملك
المستخرج) .
٢٨٥
٢- الإخراج.
٢٨٥
٣-
أن يكون المستخرجَ نصابًا فأكثر.
أما في اشتراط التنقية والتصفية لوجوب
الزكاة وعدمه قولان، فعلى القول الأول: لا يدخل في حساب الزكاة ما يتلف أو يضيع
قبل التنقية، وعلى القول الثاني: يدخل في الحساب.
وكذا في اشتراط الحرية
والإسلام لوجوب الزكاة وعدمه قولان، فعلى القول الأول: لا يدخل في حساب الزكاة ما
يتلف أو يضيع قبل التنقية، وعلى القول الثاني: يدخل في الحساب.
وكذا في
اشتراط الحرية والإسلام لوجوب الزكاة وعدمه قولان، والمشهور عدم اشتراطهما. ولا
يشترط حولان الحول وإنما تجب الزكاة حال استخراجه.
النصاب:
هو نصاب
النقد سواء أُخرج دفعة واحدة أو على دفعات ولكن من عرق واحد، أما إذا ⦗٢٨٦⦘ أخرج
في المرة الأولى من عرق وفي الثانية من عرق آخر إلا يضمان لبعضهما، ويضم ما أخرج
مرة واحدة من عرقين فأكثر لبعضهما؛ أي إذا ظهر العرق الثاني قبل انقطاع العمل في
العرق الأول كان العرقان كالعرق الواحد فمتى بلغ المجموع نصابًا زكَّاه والا فلا،
وإن كان ظهور العرق الثاني بعد انقطاع العمل في الأول اعتُبر كلٌّ على حدة، فإذا
بلغ ما أخرج من كل منهما نصابًا زكاه والا فلا، ولو كان مجموع الخارج منهما
نصابًا.
مقدار الزكاة ومصرفها:
مقدار الزكاة في المعدن كمقدارها في
النقد ربع العشر، ومصرفها مصرف الزكاة. باستثناء النُّدْرَة وهي القطعة الخالصة
من الذهب أو الفضة التي لا تحتاج إلى تصفية ولا يحتاج إخراجها إلى نفقة عظيمة أو
عمل كبير فيجب فيها الخمس، سواء كانت تبلغ النصاب أو لا، ويصرف هذا الخمس في
مصارف الغنائم وهو مصالح المسلمين، ولو كان مُخْرِجها عبدًا أو كافرًا. أما إن
احتاج إخراجها إلى نفقة عظيمة أو عمل كبير، فيجب فيها ربع العشر ويصرف في مصارف
الزكاة.
أما باقي المعادن كالنحاس والقصدير وغيرهما فلا يجب فيها شيء إلا
إذا جعلت عروض تجارة فعندها تُزكَّى تزكية العروض التجارية.
ثانيًا- زكاة
الركاز:
الركاز هو ما يوجد في الأرض من دِفْن أهل الجاهلية من ذهب أو فضة أو
غيرهما، ويعرف ذلك بعلامة عليه. فإذا شك في المدفون هل هو دِفن أهل الجاهلية أم
دفن مسلمين أم أهل الذمة لعدم وجود علامة عليه حُمل على أنه دفن أهل الجاهلية.
ويدخل
في حكم الركاز أموال أهل الجاهلية التي توجد على ظهر الأرض أو على ساحل البحر.
ما
يجب في الركاز:
٢٨٥
١- إخراج خُمسه، لحديث أبي
بكر ﵁ أن رسول اللَّه ﷺ قال: «العُجَماء (١) جُبَارٌ (٢)، والبئر جبار، والمعدن
جبار، وفي الركاز الخمس» (٣)، ويكون مصرف هذا الخمس ⦗٢٨٧⦘ كالغنائم فيصرف في
مصالح المسلمين العامة لا في مصارف الزكاة إن لم يحتج إخراجه إلى نفقة عظيمة أو
عمل كبير.
٢٨٦
٢- إخراج ربع العشر (لا الخمس)
إن احتاج إخراجه إلى نفقة عظيمة أو عمل كبير، ويصرف في مصارف الزكاة.
ولا
يشترط لوجوب الزكاة في الركاز أي شرط من شروط وجوب الزكاة، كما لا يشترط في
الحالتين أن يكون الركاز بلغ نصابًا.
والباقي من الركاز بعد إخراج ما يجب
فيه لمالك الأرض التي وُجد فيها، ولو كان ما لكها جيشًا افتتحها عنوة، فإن لم يكن
جيشًا فللمالك إن كان ملكها بإرث أو بإحياء لها، أما إن ملكها بشراء أو هبة
فالباقي من الركاز للمالك الأول وهو البائع أو الواهب، وإن لم تكن الأرض مملوكة
لأحد كموات أرض الإسلام وأرض الحرب، فالباقي يكون لواجد الركاز، وإن وُجد في
الأرض المصالح عليها فلا يجب فيه شيء لا خمس ولا ربع العشر وكله ملك لأصحاب
الأرض، فإذا دخلوا في الإسلام عاد حكمه للإمام كالمعدن.
دفين المسلمين أو
أهل الذمة من الكفار:
حكمه حكم اللقطة: يُعّرف عامًا، فإن عُرف المالك أو
الوارث كان له والا كان لواجده. وإن قامت القرائن على عدم إمكانية معرفة المالك
أو الوارث لتوالي العصور عليه فقيل يملكه واجده وقيل: يوضع في بيت مال المسلمين،
ويصرف في المصالح العامة وهو الأظهر.
زكاة ما يلفظه البحر:
ليس فيما
يلفظه البحر كالعنبر واللؤلؤ والمرجان زكاة، وهو لواجده. ⦗٢٨٨⦘
الفصل
الخامس
زكاة عروض التجارة
العروض جمع عرض وهو ما ليس بذهب ولا فضة،
والتجاره هي التقليب في المال المملوك بمعاوضة، لغرض الربح، مع نية التجارة.
دليل
وجوبها: ما روي عن سمرة بن جندب ﵁ قال: (أما بعد، فإن رسول اللَّه ﷺ كان يأمرنا
أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع) (١) .
(١) أبو داود: ج ٢ /كتاب الزكاة
باب ٢/١٥٦٢.
٢٨٧
شروط وجوب الزكاة في عروض
التجارة:
تجب الزكاة في عروض التجارة على كل من ملكها، سواء كان تاجرًا
محتكرًا (٢) أو مدبرًا (٣)، إذا توفرت الشروط التالية:
٢٨٨
١-
أن تكون العروض مما لا تتعلق الزكاة بعينه كالثياب والكتب ودور السكن، فإن تعلقت
الزكاة بعينه كالحرث والماشية فيزكيها زكاة عين إن بلغت نصابًا، وإن لم تبلغ
نصابًا أو كانت في غير العام الذي زُكيت عينه فيه فتقوَّم وتزكي زكاة العروض.
٢٨٨
٢-
أن تكون العروض ملكت بمعاوضة مالية (لا مملوكة بإرث أو خلع أو هبة أو غير ذلك)،
فإذا ملك شيئًا بغير معاوضة مالية ثم نوى به التجارة فلا زكاة عليه إلا بعد بيعه
حيث يستقبل بثمنه حولًا من يوم قبض الثمن لا من يوم ملكه، وإذا مكث عنده سنين وهو
ناوٍ التجارة به إلا أنه لم يبعه فليس عليه أن يقومه ولا يزكيه ولو كان تاجرًا
مديرًا.
٢٨٨
٣- أن ينوي التجارة بالعروض حال
شرائها، أو ينوي التجارة والغلَّة (الاستغلال ومثال ذلك أن يشتري دارًا ليؤجره مع
نية بيعه إذا وجد من يشتريه بربح)، أو التجارة والقنية (الاقتناء. [ص
٢٨٨
٢٨٩]
ومثال ذلك أن يشتري سيارة ليركبها مع نية بيعها إذا وجد من يشتريها بربح) . أما
إذا نوى القنية فقط أو الغلة فقط أو هما معًا أو لم ينو شيئًا فلا تجب عليه
زكاة.
٢٨٨
٤- أن يكون العِوَض الذي دفعه
التاجر ثمنًا للعروض التجارية نقدًا أو عرضًا امتلكه بمعاوضة مالية، سواء كان
عرضًا تجاريًا أو للقنية، كأن كان عنده دار للسكن ثم باعه لقاء قماش نوى به
التجارة، فإن حَوْلَ زكاة تجارة القماش يبدأ من يوم شراء القماش. وأما إذا كان
دفع ثمن العروض التجارية عروضًا ملكها بهبة أو إرث مثلًا فلا زكاة فيها، ولا يبدأ
حول هذه العروض التجارية إلا من بعد بيعها وقبض ثمنها.
٢٨٨
٥-
أن يبيع العروض التجارية كلها أو بعضها بنقد (ذهب أو فضة) خلال الحول من يوم
ملكها، فإن لم يبع منها شيئًا إلا بعد انتهاء الحول قوَّم المدير وزكى وبدأ الحول
من حينئذٍ لا من حين ملكها.
٢٨٨
٦- أن يكون
المبيعات بلغت نصابًا إن كان التاجر محتكرًا، سواء كانت دفعة واحدة أو على دفعات،
أو أن يكون عند التاجر المحتكر من الفوائد ما يكمل ثمن المبيعات إلى النصاب. أما
إذا كان التاجر مديرًا فلا يشترط أن تكون مبيعاته بلغت نصابًا، بل يكفي مجرد
البيع لأنه يقوّم العروض ويزكي قيمتها لا ثمنها.
٢٨٨
٧-
حولان الحول، للحديث المتقدم: «أن لا زكاة في المال المستفاد حتى يحول عليه
الحول»، ويبدأ الحول من يوم ملك المال الذي اشترى بع العروض أو من يوم تزكيته إن
كان زكاه قبل الشراء به ولو تأخرت إدارته للتجارة.
كيفية حساب زكاة العروض
التجارية:
أولًا- إذا كان التاجر محتكرًا:
إذا توفرت شروط وجوب زكاة
عروض التجارة للمحتكر فيزكي ما باع به من النقدين كزكاة الدين (أي لسنة واحدة فقط
من يوم ملك الأصل، ولو أقامت العروض عنده أعوامًا) إذا كان الثمن عينًا نصابًا
كمل بنفسه (على دفعات) أو بفائدة عنده تم حولها (هبة، إرث ...) أو بمعدن ولو لم
يتم حوله (لأنه لا يشترط لزكاة المعدن تمام الحول) . والديون التي له من التجارة
لا يزكيها إلا بعد قبضها ولعام واحد فقط.
ثانيًا- إذا كان التاجر مديرًا:
وإذا
كان التاجر مديرًا فإنه يقَّوم في كل عام:
٢٨٨
١-
ما عنده من عروض التجارة (باستثناء الأواني التي توضع فيها السلع وآلات العمل
وبهيمة الركوب والحرث لبقاء عينها فأشبهت القنية) ولو كسدت سنين.
٢٩٠
٢-
يقوَّم الديون إن كانت عرضًا كالسلع التي لم يستلمها بعد ودفع ثمنها.
٢٩٠
٣-
يقوَّم الديون النقدية المؤجلة التي له من التجارة إن كان مرجوًا خلاصها؛ حيث
يقدر كم يشتري من العروض فيما لو كانت هذه الديون بيده ثم يقدر بكم يبيعها مالًا،
فهذه القيمة هي التي تعتبر في حساب الزكاة للديون المؤجلة. أما الديون غير مرجوة
الخلاص كأن كانت لمعدمٍ أو لظالم فلا يقوَّمها ولا تدخل في حساب الزكاة وإنما
يخرج زكاتها حال قبضها عن سنة واحدة كالأموال المغصوبة أو الضائعة.
وبعد
حساب هذه (قيمة العروض الموجودة، وقيمة العروض التي بيد المدين وقيمة الديون
النقدية المؤجلة) يضاف إليها الديون النقدية التي له من التجارة والحال أجلها
(أما الديون التي هي سلف فيزكيها لعام واحد) ويضم إليها الأموال المقضية الموجودة
لديه، فإذا بلغ مجموع الكل نصابًا زكاه وإلا فلا زكاة عليه ثالثًا -التاجر
المحتكر والمدير بأن واحد إذا اجتمع عند شخص واحد إدارة في عروض واحتكار في عروض،
فإذا تساوت العروض المدارة مع المحتكرة، أو كان الاحتكار أكثر، زكّى كلًا على
حكمه، أما إذا كانت العروض المدارة أكثر من المحتكرة زكَّى زكاة مدير، أي يقوِّم
جميع السلع المحتكرة والمدارة في كل عام ويزكيها.
تزكية القراض:
القراض
هو المال المدفوع إلى عامل للمتاجرة به تجارة إدارة أو احتكار.
ويجب على ربّ
القراض تزكيةُ رأسِ ماله وحصته من الربح تزكية مدير، إذا قام ربُّ القراض والعامل
بتجارة إدارة أو قام العامل بإدارته لوحده من ماله الخاص لا من مال القراض لئلا
ينقص على العامل، وذلك في كل عام، إذا كان القراض حاضرًا في بلد ربه حقيقة أو
حكمًا (كأن كان المال في غير بلد ربه لكن يعلم ربه بحاله) . أما إذا كان المال في
غير بلد ربه ولا يعلم حاله فلا يزكيه ربه ولو غاب عنه سنين حتى يحضر، إلا أن أمر
العامل أن يزكيه في حال غيابه في كل عام ويحسب الزكاة على ربه، فإذا لم يزكه
العامل في هذه السنين زكاه ربه بعد حضوره عن جميع سنّي الغياب مبتدئًا بسنة
الحضور أولًا، فيحسب ما عليه من زكاة في هذه السنة الأخيرة ثم يخرج بمقدارها عن
كل من ⦗٢٩١⦘ السنين السابقة بعد تنزيل ما يؤخذ من المال زكاة، هذا إذا كان القراض
في كل من السنين السابقة مساويًا للسنة الأخيرة أو زائدًا عليها، أما إن كان أقل
زكاه بقدره بعد تنزيل ما أخذ زكاة.
أما إن كان رب القراض أو العامل أو هما
معًا محتكران فيزكيه ربه بعد قبضه بعام واحد ولو قام بعد العامل سنين.
وأما
العامل فيزكي حصته من الربح، ولو كانت أقل من النصاب، لسنة واحدة بعد قبضها، ولو
أقام القراض بيده سنين وسوء كان العامل ورب القراض مديرين أو محتكرين أو مختلفين،
وذلك ضمن شروط هي:
٢٩٠
١- بقاء القراض بيد
العامل حولًا فأكثر من يوم بَدأ الإتجار به، أما إن كان بقاؤه أقل من ذلك فلا
زكاة عليه.
٢٩١
٢- أن يكون العامل ورب القراض
حرين مسلمين لا دين عليهما.
٢٩١
٣- أن يكون
الربح الكلي (حصة العامل ورب القراض) نصابًا فأكثر، أو أقل من النصاب ولكن عند رب
القراض ما يكمله للنصاب.
٢٩١
الباب الثالث: مصارف الزكاة
٢٩٢
تصرف الزكاة للأصناف الثماينة المزكورة
في قوله تعالى: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها، والمؤلفة
قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين وفي سبيل اللَّه، وابن السبيل فريضة من اللَّه
واللَّه عليم حكيم﴾ (١)، وهم:
(١) التوبة: ٦٠.
٢٩٢
أولًا
- الفقير:
وهو من ملك شيئًا لا يكفيه عامًا، ولو بلغ نصابًا ووجبت فيه
الزكاة، فتصرف له ولو كان له دار يسكنها تناسبه، ولو كان له خادم. أو من كان له
كسب أو راتب لا يكفيه، أو كان هناك من هو ملزم بالنفقة عليه لكن ينفقعليه نفقة لا
تكفيه؛ فإن كان الملزم بالنفقة عليه مليئًا ألزم بإكفائه ولا يعطي من الزكاة، إما
إن كان الملزم بالنفقة عليه غير مليء، أو كان المنفق ينفق تطوعًا من غير إلزام،
فيعطى من الزكاة ما يتم به كفاية عامه.
ثانيًا- المسكين:
وهو من لا
يملك شيئًا ولا يوجد من ينفق عليه ولا كسب له، فهو أسوأ حالًا من الفقير.
ويشترط
في الفقير والمسكين ثلاثة شروط: الحرية، والإسلام، وأن لا يكون كل منهما من نسل
هاشم بن عبد مناف إذا أعطوا ما يكفيهم من الزكاة.
ثالثًا- العامل على
الزكاة:
ويشتمل كل من استعمله الإمام لجباية الزكاة، من جاب أو حاشر أو
قاسم.. إلخ، وتُعطى الزكاة للعامل ولو كان غنيًا على سبيل الأجرة. وإن اجتمع
للعامل على الزكاة صفة الفقر أخذ بوصفيه بصفته كعامل وبصفته كفقير إن لم يُغْنِهِ
ما يأخذه منها بصفته كعامل. ⦗٢٩٣⦘
ويشترط في العامل المستحق للزكاة ثلاثة
شروط أيضًا: الإسلام والحرية وأن لا يكون من نسل بني هاشم.
أما شروط تولية
العامل على الزكاة فهي:
٢٩٢
١- العدالة: وليست
عدالة الشهادة، وإنما عدالة كل عامل فيما وُلّي فيه؛ فعدالة الجابي في جبايتها،
وعدالة الموزع في توزيعها وهكذا.
٢٩٣
٢- العلم
بحكمها: لئلا يأخذ غير حقه، أو يُضيع حقًا، أو يمنع مستحقًا.
فإذا ولي على
الزكاة عبد أو هاشمي أو كافر فلا يعطى أجرته من الزكاة، وإنما يعطى أجرة مثله من
بيت مال المسلمين.
رابعًا- المؤلفة قلوبهم:
هم كفار يرجى إسلامهم
بإعطائهم من الزكاة لتأليف قلوبهم، ولو كانوا من بني هاشم.
وقيل: هم مسلمون
حديثو العهد بالإسلام يعطون من الزكاة ليتمكن الإيمان من قلوبهم.
خامسًا-
الرقاب:
وهو الرقيق المؤمن، يُشترى من الزكاة ويُعتق. ويشترط لإعطائه من
الزكاة ثلاثة شروط:
٢٩٣
١- أن يكون مسلمًا.
٢٩٣
٢-
ألا عقدَ حريةٍ فيه (غير مكاتب ولا مدير) .
٢٩٣
٣-
أن يكون ولاؤه للمسلمين لا للمزكي، ومعناه: إذا مات العتيق وله إرث ولم يكن له
ولد يرثه، ورثه بيت مال المسلمين.
سادسًا- الغارِم:
وهو المؤمن الذي
ليس عنده ما يوفي به دينه، فيعطى من الزكاة، حتى ولو مات يُوفى دينه منها. ويشترط
في الغارم:
٢٩٣
١- الحرية.
٢٩٣
٢-
الإسلام.
٢٩٣
٣- ألا يكون هاشميًا.
٢٩٣
٤-
أن يكون الدين مما يحبس فيه إن لم يوفيه، ويخرج بذلك دين الكفارات.
٢٩٣
٥-
أن يكون الدين الذي استدانه لمصلحة شرعية (قوته وقوت عياله) لا لمعصية كشرب خمر
مثلًا.
٢٩٣
٦- أن لا يكون استدان لأخذ الزكاة،
كأن كان عنده ما يكفيه ولكن استدان ليوسع على نفسه لأجل أن يأخذ من الزكاة. فلا
يعتبر غارمًا إلا إن تاب من المعصية أو من القصد الذميم.
سابعًا- سبيل
اللَّه:
والمراد به أهل الجهاد المتلبسين به، فيعطى المجاهد من الزكاة إذا
كان ممن يجب عليهم الجهاد، ولو كان غنيًا عند الجهاد، ليشتري بالزكاة سلاحًا أو
خيلًا. ويلحق به الجاسوس (وهو الذي يرسل للاطلاع على عورات العدو ويعلم المسلمين
بها) ولو كان كافرًا ولكن يشترط فيه الحرية. أما شروط المجاهد الذي يستحق أن يأخذ
من الزكاة فهي: الحرية، والإسلام، والذكورة، والبلوغ، والقدرة، وألا يكون
هاشميًا. ويمكن أن تدفع الزكاة ثمنًا للسلاح.
ثامنًا- ابن السبيل:
وهو
الغريب المحتاج لما يوصله إلى بلده، فيعطى من الزكاة ولو وجد من يسلفه ما يوصله
إلى بلده، إلا إن كان غنيًا في بلده ووجد من يسلفه ليصل فلا يعطى من الزكاة.
ويشترط
في إعطاء ابن السبيل من الزكاة: الحرية، والإسلام، وأن يكون غير هاشمي، وألا تكون
غريبه في معصية كقاطع الطريق مثلًا.
الأشخاص الذين لا يجزئ إعطاء الزكاة
لهم:
٢٩٤
١- العبد: لأن نفقته على سيده فهو
غني به.
٢٩٤
٢- الكافر، ما لم يكن جاسوسًا أو
من المؤلفة قلوبهم، لقوله ﷺ لمعاذ ﵁ حين بعثه إلى اليمن: «فأعلمهم أن اللَّه
افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» (١) . كما لا يجزئ إعطاء
الزكاة لأهل المعاصي إن ظن أنهم يصرفونها فيها، وإلا جاز الإعطاء لهم.
٢٩٤
٣-
بنو هشام (٢): أي كل من كان لهاشم عليه ولادة من ذكر أو أنثى، لقوله ﷺ: «إن هذه
الصدقات أنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» (٣)، ويعطون ما
يحتاجون إليه من بيت مال المسلمين، فإن لم يُعطوا وأضرَّ بهم الفقر أُعطوا من
الزكاة، وإعطائهم حينئذ أفضل من إعطاء غيرهم.
أما صدقة التطوع فتصح لبني
هاشم وغيرهم.
٢٩٤
٤- الغني: وهو من ملك شيئًا
يكفيه لعام، أو كان له كسب أو راتب يكفيه، أو كانت نفقته واجبة على غير وكان
الغير مليئًا قادرًا على الدفع. لقوله ﷺ: «لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» (٤)
.
٢٩٥
٥- من أُلزم صاحب المال بالنفقة عليه،
كالزوجة بالنسبة لزوجها فهو ملزم بالنفقة عليها لذا لا يجزئ إعطاء زكاته لها، إلا
إن كان عليها دَيْن فإنه يجوز له أن يعطيها من زكاته لكي توفي دينها. أما الزوجة
فيجوز لها أن تعطي زكاتها لزوجها مع الكراهة وهو الأرجح، وقيل بعد الجواز لعودها
عليها في النفقة.
(١) مسلم: ج ١ /كتاب الإيمان باب ٧/٢٩.
(٢) هاشم:
أبو جد رسول اللَّه ﷺ فهو أبو عبد المطلب.
(٣) مسلم: ج ٢ /كتاب الزكاة باب
٥١/١٦٨.
(٤) أبو داود: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٢٣/١٦٣٣.
٢٩٥
ما
يجب في إخراج الزكاة لكي تكون مجزئة:
٢٩٥
١-
النية: تجب النية في أداء ما وجب على المالك في ماله أو مال محجوره من الزكاة،
وتكون النية بأن يقصد معنى قوله: «إن هذا المال زكاة مالي» عند التوزيع إن لم
ينوي ذلك عند العزل، وإن نواها عند العزل ثم سرقها من يستحقها أجزأت. (أما إن
سُرق من المال بقدر الزكاة من قبل مستحقها فلا تجزئ لعدم النية) . والنية الحكمية
كافية، كأن عدّ دراهمه وأخرج ما يجب فيها ولم يلاحظ أن هذا المُخْرَجَ زكاة لكن
لو سئل لأجاب أنه زكاة، كفاه ذلك.
أما إن تركت النية ولو جهلًا أو نسيانًا
فلا يُعتد بما أخرجه من الزكاة. وتجزئ نية الإمام عن نية المالك فيما إذا امتنع
صاحبها من أدائها وأخذت منه كرهًا.
ولا يلزم إعلام الآخذ أن ما أخذه هو من
الزكاة، بل يكره لما في ذلك من كسر قلب الفقير.
٢٩٥
٢-
يجب توزيعها في موضع الوجوب أو قربه (وهو ما دون مسافة القصر)، ولا تجزئ إن نقلها
إلى مسافة القصر فأكثر، إلا أن يكون أهل ذلك الموضع أشدّ حاجة من أهل محل الوجوب
فعندها يجب نقل أكثرها إليه ويوزع الباقي في محل الوجوب، فإن خالف في هذه الحالة
ووزعها كلّها في موضع الوجوب، أو أن تساوي أهل هذا الموضع مع أهل محل الوجوب
بالحاجة ومع ذلك نقلها أو بعضها إليهم، أجزأت في الحالتين مع الإثم.
وموضع
الوجوب في الحرث هو: مكان وجود الحرث، وفي الماشية هو مكان وجودها إن كان هنا
ساعٍ وإن لم يكن فمحل المالك، وفي النقد والعروض التجارية هو: موضع وجود المالك
حيث كان ما لم يسافر ويوكل من يخرج عنه زكاة ماله في بلده.
٢٩٥
٣-
يجب عدم تقديم إخراج زكاة الحرث، والماشية التي لها ساعٍ، والديون وقيمة العروض
التجارية للتاجر المحتكر، عن وقت وجوبها، فإن قدمها عن وقت وجوبها ولو بوقت يسير
لم تجزئه، لأنه يكون كمن صلى قبل دخول الوقت.
ووقت وجوبها في الحرث هو بدو
صلاحه، وفي الماشية التي لها ساعٍ هو مجيء الساعي، وفي الديون والعروض التجارية
للتاجر المحتكر هو بعد قبضه.
٢٩٦
٤- يجب على
المالك التزكية على الفور عن ماله الحاضر والغائب، ولا يجوز إبقاء الزكاة عنده
وكلما أتاه أحد أعطاه منها. وإن كان مسافرًا زكى في البلد التي هو فيها ما حضر
لديه من المال فورًا، وما غاب عنه إن لم يوكل من يخرج الزكاة عنه في بلده، ولو
كانت ماشية لكن بشرط أن لا يكون له ساع في مكان وجودها، أما إن كان هناك من يخرج
عنه زكاة ماله في بلده زكَّى المالك المسافر ما حضر لديه فقط في بلد السفر وإن
كان دون النصاب.
٢٩٦
٥- يجب إعطاء الزكاة
لمستحقيها، فإن دفعت لغير مستحق لها فلا تجزئ، وكذا لو اجتهد ودفعها لمستحقيها ثم
تبين في الواقع أنه غير مستحق وتعذر ردها منه لم تجزئه، إلا الإمام إذا دفعها
لمستحقيها باجتهاده ثم تبين أن آخذها غير مستحق فتجزئ لأن اجتهاده حكم.
إلا
أنه لا يجب تعميم الأصناف الثمانية في الإعطاء، بل يجوز دفعها لصنف واحد منهم،
لأن اللام في قوله تعالى: ﴿للفقراء﴾ لبيان المصرف عند السادة المالكية وليست
لبيان الملك، وإلا لوجب تعميم الأصناف الثمانية إن وجد كما عند السادة
الشافعية.
ما يجوز في دفع الزكاة:
٢٩٦
١-
يجوز دفعها لقادر على الكسب إن كان فقيرًا، ولو ترك الكسب اختيارًا.
٢٩٦
٢-
يجوز إعطاء الفقير والمسكين ما يكفيهما سنة، ولو كان أكثر من النصاب. ولا يجوز
إعطاؤهما أكثر من كفاية سنة ولو كان أقل من النصاب.
٢٩٦
٣-
يجوز إعطاء الزكاة لعتقاء بني هاشم.
٢٩٦
٤-
يجوز دفع الزكاة لمدين معدم ثم أخذها منه لقاء الدين، أما إذا كان هناك تواطؤ على
ذلك، بأن يقول له: أدفع لك الزكاة على أن تدفعها لي لقاء الدين، فلا تجزئ، وكذا
لا يجزئ حساب الزكاة من دين على مدين معدم، بأن يقول المالك للمدين المعدم:
أسقطتُ مبلغ كذا مما لي عليك من دين لقاء زكاة مالي، لأن هذا الدين هالك لا قيمة
له.
٢٩٦
٥- يجوز إخراج الزكاة بالفضة عن الذهب
وبالعكس، ولكن لا يجوز إخراج عرض بقيمة الزكاة المتوجبة.
٢٩٦
٦-
يجوز إخراج قيمة زكاة الحرث أو الماشية بالذهب أو الفضة مع الكراهة.
٢٩٧
٧-
يجوز دفع الزكاة لصنف واحد من المستحقين ولو لواحد منهم، إلا العامل على الزكاة،
فلا يجوز دفعها كلها إليه إذا كانت زائدة على أجرة عمله.
ما يندب في دفع
الزكاة:
٢٩٧
١- يندب إيثار المضطر -أي
المحتاج- على غيره، بأن يخص بالإعطاء أو يزاد له فيه على غيره. ولا يندب تعميم
الأصناف.
٢٩٧
٢- الاستنابةُ خوفَ قصدِ الثناء
عليه أو الرياء، وقد تجب الاستنابة إن علم من نفسه قصد الثناء أو جهل المستحق،
وعندها يكره للمستناب تخصيص قريب صاحب المال المزكى إن كان غير ملزم بالنفقة عليه
(وإلا لم تجزئ) أو قريبه هو بالزكاة.
ما يكره في دفع الزكاة:
٢٩٧
١-
يكره إعلام المستحق للزكاة أنها زكاة دفعًا لكسر القلوب.
٢٩٧
٢-
يكره إخراج الزكاة نقدًا عن الحرث والماشية، أما إخراج عرض بقيمة الزكاة أو إخراج
نوع مما فيه زكاة عن نوع آخر فلا تجزئ.
٢٩٧
٣-
يكره تقديم إخراج الزكاة عن وقت وجوبها بشهر فأقل في زكاة النقد، وقيمة العروض
التجارية المدارة، والدين المرجو تحصيله، والماشية التي لا ساعي لها.
٢٩٧
الباب الرابع: صدقة الفطر
٢٩٨
تعريفها والغرض منها:
زكاة الفطر،
ويقال لها أيضًا صدقة الفطر، هي زكاة للأبدان، وتطهير للصائم من الخلل في صومه،
ودليل ذلك حديث ابن عباس ﵄ قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «زكاة الفطر طُهرة للصائم من
اللغو والرفث..» (١) . وقيل سميت زكاة فطر نسبة إلى الفِطرة، وهي الخلقة، لأنها
متعلقة بالأبدان، وقيل لوجوبها بالفطر من الصوم.
والمقصود بإخراج زكاة الفطر
إغناء الفقراء عن سؤال الناس في يوم العيد، كما أنها سبب لقبول الصيام.
حكمها:
هي
واجبة، بدليل حديث ابن عمر ﵄ (أن رسول اللَّه ﷺ فُرض زكاة الفطر من رمضان على
الناس صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين)
(٢) . وفي حديث آخر عن ابن عمر ﵄ قال: (فرض رسول اللَّه ﷺ زكاة الفطر، صاعًا من
تمر أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من
المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) (٣) .
وقد فرضت زكاة
الفطر في السنة التي فرضت فيها رمضان قبل العيد، أي في السنة الثانية من
الهجرة.
(١) أبو داود: ج ٢ /كتاب الزكاة باب ١٧/١٦٠٩.
(٢) شرح الموطأ:
ج ٣ /ص ٣٨٥.
(٣) البخاري: ج ٢ /صدقة الفطر
٢٩٨
على
من تجب صدقة الفطر:
تجب صدقة الفطر على كل حر مسلم قادر على إخراجها في وقت
وجوبها (سواء كانت موجودة عنده أو يمكنه اقتراضها مع رجاء الوفاء) . ⦗٢٩٩⦘
ويشترط
أن تكون زائدة عن قوت المكلف وقوت جميع من تلزمه نفقتهم في يوم العيد.
ويجب
أن يخرجها المكلف عن نفسه، وعن كل مسلم تلزمه نفقته من الأقارب كوالديه الفقيرين،
وأولاده الذكور حتى يبلغ الحلم أو العاجزين عن الكسب ولو كانوا بالغين، والإناث
حتى يتزوجن، وعن زوجته، وزوجة أبيه الفقير، وعن خادمه وخادم كل من هو ملزم
بالنفقة عليه، وعن عبده ولو كان مكاتبًا.
ومن كان عاجزًا عنها وقت وجوبها،
ثم قدر عليها يوم العيد، فلا يجب عليه إخراجها وإنما يندب.
كما يندب للمسافر
الذي وجبت عليه صدقة الفطر أن يخرجها عن نفسه، إذا جرت عادة أهله على إخراجها عنه
أثناء سفره؛ لاحتمال نسيانهم، وإلا فيجب عليه إخراجها عن نفسه.
وقت
وجوبها:
هناك قولان الأول: تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان بناء على تفسير
البعض أن المراد من كلمة الفطر الواردة في الخبر (أن رسول اللَّه ﷺ فرض زكاة
الفطر من رمضان) الفطر الجائز.
ذو القول الثاني: تجب بطلوع فجر أول يوم من
شوال بناء على أن المراد من كلمة الفطر السابقة الذكر في الخبر: الفطر الواجب
الذي يدخل وقته بطلوع فجر شهر شوال.
فكل من ولد له ولد، أو تزوج، أو اشترى
عبدًا، قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان، وجب على الأب، أو الزوج، أو السيد، إخراج
زكاة فطر ولده، أو زوجته، أو عبده. أما إن حصل ذلك بعد الغروب وقبل طلوع فجر يوم
شوال لم تجب بناء على القول الأول، وتجب بناء على القول الثاني.
وقت
إخراجها:
يجوز إخراج صدقة الفطر قبل يوم العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز أكثر
من ذلك على المعتمد. ويندب إخراجها بعد فجر يوم العيد، ويحرم تأخيرها عن يوم
العيد، ولكن لا تسقط بمضي ذلك اليوم، بل تبقى في ذمته أبدًا حتى يخرجها، طالما
كان غنيًا وقت وجوبها.
مقدارها:
صدقة الفطر صاع عن كل شخص، والصاع
أربعة أمداد، والمد حفنة ملء اليدين المتوسطتين.
وإذا وجبت صدقة الفطر على
المكلف ولم يكن مستطيعًا إخراج كامل الصدقة بل بعضها أخرج ذلك البعض وجوبًا،
لحديث أبي بكر ﵁ عن النبي ﷺ قال: (وإذا أمرتكم ⦗٣٠٠⦘ بأمر فأتوا منه ما استطعتم)
(١)، فمثلًا إذا وجب عليه إخراج صدقة الفطر عن عدة أشخاص، وكان غير قادر على
إخراجها عنهم جميعًا، ولكن يستطيع إخراجها عن بعضهم، فإنه يبدأ بإخرجها عن نفسه
أولًا، ثم عن زوجته، ثم عن والديه الفقيرين، ثم عن ولده.
(١) البخاري: ج ٦/
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب ٣/٦٨٥٨.
٢٩٨
ماهيتها:
يخرج
المكلف صدقة الفطر من غالب قوت أهل البلد، الذي هو أحد الأصناف التسعة التالية:
القمح، الشعير، السلت، الذرة، الدخن، الأرز، التمر، الزبيب، الأقط (لبن يابس أخرج
زبده) .
ولا يجزئ إخراجها (١) من غير غالب قوت البلد، إلا إذا كان أفضل كما
لو غلب اقتيات الشعير فأخرج قمحًا.
كما لا يجوز إخراجها من غير هذه الأصناف
التسعة كالفول والعدس، إلا إذا اقتاته الناس وتركوا الأصناف التسعة المذكورة.
وإذا أراد المكلف أن يخرج صدقته من اللحم اعتبر الشبع في الإخراج، فمثلًا إذا كان
الصاع من القمح يشبع اثنين لو خُبِزَ، فيجب أن يخرج من اللحم ما يشبع اثنين.
(١)
يجوز عند السادة الحنفية إخراج قيمة الصاع نقدًا، بل إن ذلك عندهم أفضل، لأنه
أكثر نفعًا للفقراء.
٣٠٠
مصرفها:
تصرف
صدقة الفطر إلى الفقراء والمساكين. لا العاملين عليها ولا المؤلفة قلوبهم ولا
غيرهم، إلا إذا كانوا فقراء أو مساكين.
ويشترط فيمن تعطى له صدقة الفطر:
الحرية الإسلام وعدم كونه من بني هاشم.
ويجوز دفع آصاع متعددة لمسكين واحد،
كما يجوز تجزئة الصاع على عدة مساكين، ولكن الأوْلى إعطاء صاع لكل مسكين.
مندوباتها:
٣٠٠
١-
يندب إخرجها (١) بعد فجر يوم العيد وقبل الذهاب لصلاة العيد.
٣٠٠
٢-
يندب أن لا تزيد عن صاع عن كل شخص.
٣٠٠
٣-
يندب دفعها للإمام ليوزعها. ⦗٣٠١⦘
(٣) ويجوز عند السادة الشافية إخراج
الزكاة في أول رمضان، بشرط كون آخذها مستحقًا وقت وجوبها ووقت دفعها، وبشرط وجود
آخذها في بلد المزكي وقت الوجوب.
٣٠٠
كتاب الصوم -
٣٠٢
الباب الأول ⦗٣٠٣⦘: تعريف الصوم:
٣٠٢
الصوم لغة: الإمساك عن الشيء. بدليل
قوله تعالى: ﴿إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم أنسيًا﴾ (١) أي صمتًا.
وشرعًا:
الإمساك عن المفطرات من شهوتي البطن والفرج، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس
بنية.
(١) مريم: ٢٦.
٣٠٣
أقسام الصوم:
٣٠٣
١-
الصوم المفروض.
٣٠٣
٢- الصوم المندوب
٣٠٣
٣-
الصوم المكروه.
٣٠٣
٤- الصوم المحرم. ⦗٣٠٤⦘
أولًا
- الصوم المفروض
وهو صوم رمضان أداءً وقضاءً، وصوم الكفارات، والصوم
المنذور.
صوم رمضان
صوم رمضان فرض عين بدليل قوله تعالى: ﴿يا أيها
الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أيامًا
معدودات فمن كان منكم مريضاُ أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه
فديةٌ طعامُ مسكين فمن تطوع خيرًا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم
الشهر فليصمه ...﴾ (١) .
وما روى ابن عمر ﵄ قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «بني
الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمد عبده ورسوله، وإقام
الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان» (٢) .
وقد أجمعت الأمة على
فرضية الصوم ولم يخالف أحد من المسلمين، فهو معلوم من الدين بالضرورة ويكفر
منكره.
(١) البقرة: ١٨٣-١٨٥.
(٢) مسلم: ج ١ /كتاب الإيمان باب
٥/٢١.
٣٠٤
ثبوت شهر رمضان:
يثبت رمضان
بأحد الأمور التالية:
٣٠٤
١- بكمال شهر شعبان
ثلاثين يومًا، لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال أبو القاسم ﷺ: «صوموا لرؤيته وأفطروا
لرؤيته، فإن غبّي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» (١)
٣٠٥
٢-
برؤية هلال رمضان من قبل شاهدين عدلين (والعَدْل: ذكر بالغ عاقل غير مرتكب لكبيرة
ولا مصرّ على صغيرة) . ويجب الصوم على كل من أخبره العدلان برؤية الهلال أو سمع
أنهما يخبران غيره وإن لم يرفعا الشهادة إلى الحاكم. فإن ثبت رمضان برؤيتهما ولم
يُرَ هلال شوال بعد الثلاثين يومًا من قبل غيرهما حال كون السماء صحوًا ليلة
الإحدى والثلاثين كُذٍبا في شهادتهما برؤية رمضان. ووجب تبييت نية الصوم لأنه تبن
عدم انتهاء رمضان، أما إذا كانت السماء غائمة فلا يكذبا.
ولا يتحقق صوم
رمضان برؤية عدل واحد، أو عدل وامرأة، أو امرأتين، للهلال ولا يجب الصيام
بذلك.
٣٠٥
٣- برؤية جماعة مستفيضة يفيد خبرهم
العلم، وإن لم يكونوا عدولًا ولا ذكورًا ولا أحرارًا، ولكن يُؤمَن تواطؤهم على
الكذب، حال كون كل منهم يدعي أنه رأى الهلال لا أنه سمع برؤيته.
٣٠٥
٤-
برؤية واحد بالنسبة لمن لا اعتناء لهم برؤية الهلال، ولو كان هذا الواحد امرأة أو
عبدًا لكن بشرط أن يكون غير مشهور بالكذب وتثق النفس بخبره.
٣٠٥
٥-
يجب الصوم وإظهاره على كل من رأى الهلال، ولو لم يؤخذ بشهادته، فإذا أفطر فعليه
القضاء والكفارة، ولو تأول على الأرجح أي كأن قال: لعلّي أنا مخطئ برؤيتي إذا لم
يره غيري.
(١) البخاري: ج ٢/كتاب الصوم باب ١١/١٨١٠. وقال الإمام مالك: إذا
توالى الغيم شهورًا أكملوا عدة الجميع حتى يظهر خلافه، ويقضوا إن تبين لهم خلاف
ما هم عليه.
٣٠٥
متى يعم الصوم:
٣٠٥
١-
يعم الصوم سائر البلاد والأقطار إذا نقلت جماعة مستفيضة أو عن عدلين، أو نقل
عدلان عن جماعة مستفيضة أو عن عدلين، ثبوت شهر رمضان، ولو لم يقع النقل عن طريق
الحاكم.
٣٠٥
٢- يجب الصوم ويعم إن نقل بحكم
حاكم.
٣٠٥
٣- يجب الصوم ويعم سائر الأقطار إذا
ثبت الهلال بقطر منها، لا فرق بين القريب والبعيد من جهة الثبوت، ولا عبرة
باختلاف المطالع مطلقًا. ⦗٣٠٦⦘
حكم التماس الهلال:
يفترض على المسلمين
فرض كفاية التماس الهلال في غروب شمس اليوم التاسع والعشرين من شعبان ورمضان حتى
يتبينوا أمر صومهم وإفطارهم. فيجب على كل من رأى الهلال إن كان عدلًا أو عدلين،
أو كان مرجوًّا قبول شهادته عند الحاكم، فيحكم عندها الحاكم بثبوت شهر رمضان،
وربما يرى الحاكم أن يأخذ بشهادة العدل الواحد ويحكم بثبوت رمضان.
ولا يثبت
دخول الشهر بقول المنجمين أي الموقِّتين الذين يعرفون سير القمر لا في حق أنفسهم
ولا في حق الآخرين، لأنّ الشارع أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلال لا
بوجوده.
يوم الشك: يوم الشك هو يوم الثلاثين من شهر شعبان إن كانت ليلته
غائمة ولم يُرَ هلال رمضان أما إذا كانت السماء صحوًا، ولم يُرَ الهلال لم يكن
يوم شك وإنما من شعبان حقًا.
حكم صومه:
٣٠٥
١-
يكره صوم يوم الشك وقيل يحرم إن صامه احتياطًا، بأن يقول: أصومه لعله أن يكون من
رمضان أحتسبه وإن لم يكن كان تطوعًا. ففي هذه الحالة لا يجزئه عن رمضان إن تبين
أنه منه، وإن وجب عليه الإمساك فيه لحرمة الشهر وعليه القضاء. لقول عمار بن ياسر
﵄: (من صام اليوم الذي يشك فيه الناس فقد عصى أيا القاسم ﷺ (١) .
٣٠٦
٢-
يندب إن صامه تطوعًا لأجل عادة كأن كان عادته صيام رجب وشعبان ورمضان أو صوم يومي
الاثنين والخميس من كل شهر وصادف يوم الشك أحدهما.
٣٠٦
٣-
يجب صومه إن كان قضاء عن رمضان قبله، أو كفارة يمين، أو نذرًا معين صادف يوم الشك
(كأن يقول نذرٌ عليّ أن أصوم يوم قدوم زيد، وصادف ذاك اليوم يوم الشك) فإن صامه
ثم تبين أنه من رمضان لم يجزئه عن رمضان الحاضر لعدم نيته ولا عن غيره من القضاء
أو الكفارة، لأن زمن رمضان لا يقبل صومًا غيره، ويصبح عليه قضاء ذلك اليوم عن
رمضان الحاضر وقضاء يوم آخر عن رمضان الفائت أو عن الكفارة أو عن النذر إن لم يكن
معينًا أما إن كان النذر معينًا كما في المثال فات وقته وليس عليه قضاؤه.
٣٠٦
٤-
يندب الإمساك يوم الشك ليتحقق الحال، فإذا ثبت رمضان وجب الإمساك لحرمة الشهر
وقضاء يوم بعده، فإن لم يمسك بعد ما تبين أنه رمضان وجب عليه القضاء والكفارة
لانتهاك ⦗٣٠٧⦘ حرمة رمضان، بأن أفطر عالمًا بالحرمة ووجوب الإمساك. أما إذا لم
يكن ممسكًا قبل أن يتبين أنه من رمضان فلا كفارة عليه، وإنما يجب الإمساك
والقضاء.
شروط الصوم:
أولًا: شروط الوجوب
يجب صوم رمضان على كل
مسلم ذكر أو أنثى، حرٍ أو عبدٍ بالشروط التالية:
٣٠٦
١-
البلوغ: فلا يجب الصوم على الصبي.
٣٠٧
٢-
العقل: فلا يجب على المجنون ولا المغمي عليه، لما رُوي عن علي بن أبي طالب ﵁ عن
النبي ﷺ قال: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم،
وعن المجنون حتى يعقل» (١) .
٣٠٧
٣- القدرة
على الصوم: فلا يجب على العاجز حقيقة أو حكمًا (كمرضع لها قدرة على الصوم لكن
خافت على الرضيع هلاكًا أو شدة ضرر) .
٣٠٧
٤-
الإقامة: فلا يجب المسافر سفر قصر.
٣٠٧
٥-
النقاء من الحيض والنفاس، فإن نقيت الحائض أو النفساء قبل الفجر بلحظة أو مع
الفجر وجب عليها صوم رمضان أو صوم كفارة أو صوم اعتكاف أو نذر في أيام معينة.
(١)
أبو داود: ج ٤/ كتاب الحدود باب ١٦/٤٤٠٣.
٣٠٧
ثانيًا-
شروط صحة الصوم
٣٠٧
١- النية: هي شرط لصحة
الصوم على الراجح، لأنها قصد الشيء خارج عن ماهيته. (وقيل: هي ركن) .
صيغتها:
قصد الصوم جزمًا ولو لم تلاحظ نية التقرب إلى اللَّه تعالى ولكن تندب. ولا يصح
الصوم سواء كان فرضًا أم نفلًا بغير نية، وتكفي نية واحدة في صوم يجب تتابعه
كرمضان، وكفارته (الفطر بالجماع)، وكفارة القتل، وكفارة الظهار، وكالنذر المتتابع
كمن نذر صوم شهر أو عشرة أيام متتابعة، ذلك لأن واجب التتابع كالعبادة الواحدة من
حيث ارتباط بعضها ببعض وعدم جواز التفريق، فكفت النية الواحدة. أما إذا انقطع ما
يجب تتابعه بمرض أو سفر فلا تكفي النية الأولى ولو استمر صائمًا بل لا بد من
تبييت النية كل ليلة ولو استمر بالصوم رغم السفر أو المرض وهو المعتمد، وقيل:
تكفي نية واحدة إذا استمر ⦗٣٠٨⦘ بالصوم، وأما إذا انقطع الصوم المتتابع بالحيض أو
النفاس أو الجنون أو الإغماء (مما يوجب عدم الصحة) فلا تكفي النية بل لا بد من
إعادتها ولو حصل المانع بعد الغروب وزال قبل الفجر.
وأما الصوم الذي لا يجب
فيه التتابع كقضاء رمضان وكفارة اليمين فلا بد فيه من النية كل ليلة ولا تكفيه
نية واحدة في أوله.
والنية الحكمية كافية، فلو تسحر ولم يخطر بباله الصوم
وكان بحيث إذا سئل لماذا تتسحر؟ أجاب: لأصوم، كفاه ذلك.
شروط النية
٣٠٧
١ً-
التبييت من الليل (من غروب الشمس إلى طلوع الفجر) سواء كان الصوم فرضًا أم نفلًا،
بدليل ما روته حفصة ﵂ عن النبي ﷺ قال: «من لم يُبيِّت الصيام قبل الفجر فلا صيام
له» (١) .
ولا يضر ما يحدث بعد تبييت النية من أكل أو شرب أو غير ذلك من
المفطرات إذا كان ذلك قبل الفجر، بخلاف الإغماء والجنون إذا حصل أحدهما بعد تبييت
النية فتبطل ويجب تجديدها إن بقي وقتها بعد الإفاقة، أما إن أفاق بعد طلوع الفجر
لم تصح النية، وأما لو نوى الصوم في آخر جزء من الليل بحيث يطلع الفجر عقب النية
أو معها صح صومه.
٣٠٨
٢ً- التعيين: أي تحديد
ما قَصدَ من الصوم هل هو نفل أم رمضان أم قضاء أم نذر أم كفارة، فإن جزم بنية
الصوم وشك بعد ذلك هل نوى تطوعًا أم نذرًا أم قضاءً، انعقد صومه تطوعًا.
٣٠٨
٢-
النقاء من الحيض والنفاس: فلا يصحّ صوم حائض أو نفساء ما لم تنق قبل الفجر ولو
بلحظة أو مع الفجر، ويكون النقاء بقَصَّة أو جفوف ولو لمعتادة القصة (أي إذا رأت
الجفاف معتادة القصة فلا تنظرها بل يجب عليها الصوم)، فإن شكّت هل طهرت قبل الفجر
أو بعده فعليها صوم ذلك اليوم لاحتمال طهارتها قبل الفجر وعليها القضاء لاحتمال
طهارتها بعد الفجر.
٣٠٨
٣- العقل: فلا يصح من
المجنون والمغمي عليه. أما وجوب القضاء ففيه تفصيل:
إذا أغمي على الشخص
يومًا كاملًا؛ أو معظم اليوم، أو نصف اليوم، أو أقله وكان أوله عند النية مغمي
عليه، ففي كل هذه الحالات يجب القضاء. أما إذا أغمي عليه لمدة ⦗٣٠٩⦘ نصف اليوم أو
أقل وكان ساعة النية مفيقًا فلا قضاء عليه إن نوى قبل الإغماء. والمجنون كالمغمي
عليه في تفصيل القضاء.
وأما النائم فلا يجب عليه قضاء ما فاته وهو نائم ولو
نام الشهر كله إن بيَّت النية في أول الشهر.
وأما حالة السكر فهي في تفصيل
القضاء كحالة المغمي عليه، وقيل لا إنما تلحق بالنوم إذا كان السكر بحلال وتلحق
بالإغماء إذا كان السكر بحرام.
٣٠٨
٤-
الإسلام: فلا يصح الصوم من الكافر وإن كان واجبًا عليه ويعاقب على تركه زيادة على
عقاب الكفر.
٣٠٩
٥- صلاحية الزمن للصوم: فلا
يصح الصوم في الأيام التي يحرم صومها (كيومي العيدين، والثاني والثالث من أيام
التشريق لغير الحاج لأن فيه إعراض عن ضيافة اللَّه تعالى) .
(١) النسائي: ج
٤ /ص ١٩٦.
٣٠٩
أركان الصوم:
للصوم ركنان،
أولهما النية، وثانيهما: الإمساك عن المفطرات، فمفهوم الصيام لا يتحقق إلا بهما.
ورجح بعضهم أن النية شرط لا ركن وهو المعتمد ويبقى للصيام ركن واحد وهو الإمساك
عن المفطرات. والمفطرات هي:
٣٠٩
١- تغييب حشفة
بالغ (إن كان غير بالغ فلا يفسد صوم الواطئ ولا الموطوء) أو قدرها من مقطوعها في
فرج مطيق (سواء في القبل أو الدبر) وسواء كان الموطوء نائمًا أو مستيقظًا وسواء
كان حيًّا أو ميتًا وسواء كان آدميًا أو بهيمة، وإن لم ينزل. واحترز بالإطاقة عما
لو كان الإدخال بين الإليتين أو الفخذين أو في فرج صغير لا يطيق، فلا يبطل الصوم
ما لم يُخرج منيًا أو مذيًا.
٣٠٩
٢- إنزال
المني أو المذي بلذة معتادة كمقدمات الجماع ولو نظرًا أو تفكرًا (فإن فعل وجب
القضاء والكفارة)، أما لو خرج المني أو المذي بنفسه أو بلذة غير معتادة بسبب
الاحتلام فلا يفسد الصوم.
٣٠٩
٣- الاستقياء:
فمن استقاء عمدًا وجب عليه القضاء إن لم يبتلع شيئًا، فإن ابتلع وجب عليه القضاء
والكفارة. أما من درعه الفيء فلا قضاء عليه ما لم يبتلع منه شيئًا، لحديث أبي
هريرة ⦗٣١٠⦘ ﵁ أن النبي ﷺ قال: «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا
فليقضِ» (١) .
٣٠٩
٤- وصول متحلل (٢) من منفذ
عالٍ إلى الحلق، وإن لم يصل إلى المعدة، ولو وصل سهوًا (شاردًا) أو غلبة، فإنه
مفسد للصوم (أما الجامد إذا وصل إلى الحلق فلا يفسد الصوم كما يكون بين الأسنان
فلا يفطر ولو تعمد بلعه) وسواء كان الوصول عن طريق الفم أو العين أو الآنف أو
الأذن أو مسام الرأس، فمن اكتحل نهارًا أو استنشق شيئًا فوصل أثره إلى حلقه أفسد
صومه وعليه القضاء، أما من اكتحل ليلًا أو وضع شيئًا في أذنه أو أنفه أو دهن رأسه
ليلًا فوصل أثره إلى حلقه نهارًا فلا شيء عليه.
٣١٠
٥-
وصول مائع إلى المعدة من الأسافل من منفذ متسع كالدبر.
٣١٠
٦-
وصول غير مائع إلى المعدة من الفم، أما إدخال جامد من منفذ أسفل المعدة فلا يضر
ولو كان على شكل تحاميل.
٣١٠
٧- وصول بخور، أي
الدخان المتصاعد من حرق عود بخور، إلى الحلق. ومثله بُخار القدر ودخان السجائر
والنشوق فكلها مفطرة إذا وصلت إلى الحلق، أما إذا وصلت إلى الحلق بغير اختيار أي
بدون استنشاق فلا قضاء عليه.
أما دخان الحطب وغبار الطريق فلا يفطر بوصوله
إلى الحلق ولو تعمد استنشاقه، وكذا رائحة المسك والعنبر والزبد فلا تفطر ولو
استنشقها؛ إلا أنها مكروهة.
٣١٠
٨- وصول قيء
أو قلس إلى المعدة (الماء الذي يخرج مع التدشئة) إذا أمكن طرحه (فإن لم يمكن طرحه
بأن لم يجاوز الحلق فلا شيء فيه مطلقًا) سواء كان القيء لعلة أو لامتلاء معدة،
قلّ أو كثُر، تغيّر أم لا، رجع عمدًا أم سهوًا، فإنه يفطر.
أما البلغم سواء
كان من الصدر أو الرأس فالمعتمد أنه لا يفطر مطلقًا ولو وصل إلى طرف اللسان
للمشقة وقيل: إن كان بالإمكان طرحه فابتلعه، فإنه يفطر.
٣١٠
٩-
وصول شيء يغلب سبقه إلى الحلق، من أثر ماء المضمضة أو رطوبة سواك، بأن لم يكن
طرحه. فإذا وصل شيء إلى حلقه أو معدته فعليه القضاء في الفرض. أما إذا وصل شيء من
ذلك إلى حلقه في صوم النفل فلا يفسده. ⦗٣١١⦘
(١) الترمذي: ج ٣ / كتاب الصوم
باب ٢٥/٧٢٠.
(٢) مائع أو ما يتحلل ولو في المعدة.
٣١٠
أشياء
لا تفطر:
٣١١
١- غلبة القيء إن لم يبتلع منه
شيئًا ولو كثر.
٣١١
٢- وصول غبار الطريق إلى
حلق الصائم، أو دخول ذباب إلى حلقه، أو الدقيق لصانعه، أو غبار كيل (لمثل طحان،
وناخل، ومغربل) .
٣١١
٣- إذا طلع عليه الفجر
وهو يأكل أو يشرب مثلًا فطرح المأكول ونحوه من فيه بمجرد طلوع الفجر.
٣١١
٤-
غلبة المني أو المذي بمجرد النظر أو الفكر.
٣١١
٥-
ابتلاع الريق المتجمع في فمه أو ابتلاع ما بين أسنانه من بقايا الطعام، إلا إذا
كان كثيرًا عرفًا وابتلعه.
٣١١
٦- دهن جرح في
بطنه متصلٍ بجوفه (يقال له جائفة) .
٣١١
٧-
الاحتلام.
٣١١
٨- أخذ حقنة في الإحليل، لأنه
منفذ لا يصل إلى المعدة، وكذا الحقنة من القبل للمرأة. ولكن كره الإمام مالك
الحقنة للصائم.
الأعذار المبيحة للفطر في رمضان:
أولًا: المرض:
حكم
بسبب المرض:
٣١١
١ً- يجب الفطر ويحرم الصوم
على من غلب على ظنه الهلاك أو الضرر الشديد بسبب الصوم، كذهاب منفعة عضو أو حاسة
من الحواس، سواء كان مريضًا أو صحيحًا وخاف من ذلك. لقوله تعالى: ﴿ولا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة﴾ (١) . وقوله ﷿: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾ (٢) .
٣١١
٢ً-
يجوز الفطر إذا مرض الصائم أو خاف زيادة المرض بالصوم أو خاف تأخر البرء من المرض
أو حصلت له مشقة شديدة بالصوم. قال تعالى: ﴿فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة
من أيام أخر﴾ (٣) . ⦗٣١٢⦘
(١) البقرة: ١٩٥.
(٢) النساء: ٢٩.
(٣)
البقرة: ١٨٤.
٣١١
ثانيًا: الحمل والرضاع:
٣١٢
١-
يجب على الحامل والمرضع، ولو كانت المرضع مستأجرة، الفطر إن خافتا بالصوم هلاكًا
أو ضررًا شديدًا على نفسهما أو على ولديهما.
٣١٢
٢-
يجوز الفطر للحامل والمرضع إن خافتا بالصوم المرض أو زيادته على نفسهما أو على
نفسهما وولدهما، أما إن كان الخوف على الولد فقط فعليها القضاء مع الفدية.
٣١٢
٣-
يجب الصوم على المرضع ولو خافت على نفسها أو ولدها أو ولدها ونفسها إن كان
بإمكانها استئجار مرضع، أما إن لم يمكن لفقدان المرضع أو لعدم قبول الطفل ثدي
المرضع أو لعدم توفر أجرة المرضع فيجوز لها الفطر. وإذا استأجرت المرضع كانت
الأجرة من مال الولد إن كان له مال موقوف، أو من مال أبيه إن كان له أب لأن نفقته
عليه.
ثالثًا: الجوع والعطش الشديدان:
يجوز الفطر لمن يعد قادرًا على
الصوم مع حصول شدة جوع وعطش، وعليه القضاء فقط.
رابعًا: كبر السن:
يجوز
الفطر للشيخ الهرم الذي لا يقدر على الصوم في جميع فصول السنة، ومثله المريض
مرضًا لا يرجى برؤه، قال تعالى: ﴿لا يكلف اللَّه نفسًا إلا وسعها﴾ (١) . ويستحب
لكليهما أن يخرجا فدية عن كل يوم إطعام مسكين.
(١) البقرة: ٢٨٦.
٣١٢
خامسًا:
السفر:
يجوز الفطر مع الكراهية في يوم السفر وفي أيام الإقامة في السفر إن
كانت أقل من أربعة أيام. قال تعالى: (وأن تصوموا خير لكم) (١)، وعن عائشة زوج
النبي ﷺ (أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي ﷺ: أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام
فقال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر) (٢) .
والفطر للمسافر في رمضان وإن كان
جائزًا، فإن الصوم أفضل له إن لم يجد مشقة أما إذا خشي التضرر به، كما لو خاف على
نفسه من التلف، أو خاف تلف عضو منه، أو تعطيل منفعة فيكون الفطر عندها واجبًا
ويحرم الصوم، لما روى جابر ﵁ (أن رسول اللَّه ﷺ خرج ⦗٣١٣⦘ عام الفتح إلى مكة فصام
حتى بلغ كراع الغميم. فصام الناس- وفي رواية عن جعفر زاد فيها: إن الناس قد شق
عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدحٍ من ماء بعد العصر (٣) - ثم دعا
بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب. فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد
صام فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة) (٤) .
شروط جواز الفطر في السفر:
٣١٢
١-
أن يكون السفر سفر قصر.
٣١٣
٢- أن يكون السفر
مباحًا.
٣١٣
٣- أن يكون شرع في السفر قبل
الفجر بحيث يصل إلى المكان الذي يبدأ فيه بقصر الصلاة قبل طلوع الفجر، فإذا شرع
في السفر بعد الفجر وكان مبيتًا للصوم يحرم عليه الفطر، وإن أفطر كان عليه القضاء
فقط.
٣١٣
٤- أن يبيت نية الفطر بحيث يطلع عليه
الفجر وقد نوى الفطر.
فمن أفطر في رمضان بسبب السفر -ضمن الشروط المذكورة-
فعليه القضاء فقط دون الفدية. قال تعالى: ﴿فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة
من أيام أخر﴾ (٥)، أما إذا اختل شرط من هذه الشروط وأفطر فعليه القضاء والكفارة
كما في الحالات التالية:
٣١٣
١- إذا أصبح
مفطرًا في الحضر وعازمًا على السفر ولكن بعد الفجر، فعليه القضاء والكفارة سواء
سافر أم لا، وسواء كان متأولًا أم لا.
٣١٣
٢-
إذا أصبح صائمًا في السفر ثم أفطر أثناء النهار، فعليه القضاء والكفارة ولا يعتبر
تأويله، لأنه جاز له الفطر فاختار الصوم وترك الرخصة، فإذا صام فليس له أن يخرج
منه إلا بعذر، فلما أفطر متعمدًا كانت عليه الكفارة لانتهاكه حرمة الدين.
٣١٣
٣-
إذا بيَّت الصوم في الحضر وعزم على السفر بعد الفجر فأفطر قبل الشروع فيه بلا
تأويلٍ، فعليه الكفارة لانتهاك الحرمة عند عدم التأويل، أما إذا أوّل بأن ظن
إباحة الفطر فأفطر فلا تلزمه الكفارة.
وهناك خلاف فيمن سافر لأجل الفطر في
رمضان هل يعامل بنقيض مقصوده مثلًا وتلزمه الكفارة مع القضاء أم لا. ⦗٣١٤⦘
(١)
البقرة: ١٨٤.
(٢) البخاري: ج ٢/ كتاب الصوم باب ٣٣/١٨٤١.
(٣) مسلم: ج
٢ / كتاب الصيام باب ١٥/٩١.
(٤) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ١٥/٩٠.
(٥)
البقرة: ١٨٤.
٣١٣
الأمور المرتبة على الصائم
إذا أفطر:
أولًا- القضاء:
يجب القضاء على كل من أفطر في الحالات
التالية:
آ- في الصوم المفروض:
يجب القضاء على كل من أفطر مطلقًا سواء
كان الفطر لعذر (مرض، حيض،..) أو لاختلال ركن (كرفع نية الصوم، أو صب مائع بالحلق
وهو نائم، أو أكله شاكًا في طلوع الفجر أو في الغروب.. وهنا يحرم فطره؛ أما لو
أكل معتقدًا بقاء الليل أو حصول الغروب ثم طرأ الشك فلا حرمة في ذلك ويجب عليه
القضاء فقط) أو كان الفطر واجبًا (كمن خاف على نفسه هلاكًا) أو جائزًا (كمن أفطر
لشدة ألم أو لخوف حدوث مرض أو زيادته) أو حرامًا (أي عمدًا لغير سبب) أو سهوًا أو
غلبة (سبقه شيء إلى حلقه) أو إكراهًا.
ويشمل الصوم المفروض: المفروض المعين
كرمضان، والمفروض غير المعين الواجب التتابع فيه ككفارة الظهار والقتل، وغير
المعين غير الواجب التتابع فيه ككفارة اليمين وقضاء رمضان وجزاء الصيد وفدية
الأذى والنذر غير المعين وصوم المتمتع والقارن الذي لم يجد الهدي.
ويندب لمن
عليه شيء من رمضان تعجيل القضاء كما يندب التتابع، لكن إن مات ولم يقض فليس بعاص
لأنه لا يجب القضاء على الفور (١) ككل صوم ولا يجب التتابع كصوم كفارة اليمين
والتمتع وجزاء الصيد، ففي كلها يندب التتابع ولا يجب.
(١) عند السادة
الأحناف: القضاء على الفور، فالفاء عندهم في قوله تعالى: ﴿فعدة من أيام أخر﴾
للتعقيب لذا من مات قبل أن يقضي مات عاصيًا.
٣١٤
ب-
في الصوم المنذور المعين:
إن أفطر لعذر فلا قضاء عليه، أما إذا بقي شيء منه
بعد زوال العذر تعين الصوم فيه، وأما إن أفطر ناسيًا فعليه القضاء.
الإفطار
في القضاء صوم واجب:
من أفطر متعمدًا في يوم من الأيام التي يقضي فيها ما
فاته من صوم رمضان أو أي صوم واجب آخر، فليس عليه قضاء الأصل، وذلك على أرجح
الأقوال. ⦗٣١٥⦘
جـ- في صوم التطوع:
يحرم الفطر عمدًا في صوم التطوع، من
غير ضرورة ولا عذر، ولو أفطر لسفر طرأ عليه، أو لحلف أحد عليه بطلاق البتِّ
(الثلاث)، وعليه القضاء، أما إن علم الصائم -في الحالة الأخيرة- تعلق قلب الحالف
بمن حلف بطلاقها بحيث لو حنث يخشى عليه أن لا يتركها جاز له في هذه الحالة الفطر
لقاء الحلف ولا قضاء عليه.
أما من أفطر ناسيًا، أو غلبة، أو مكرهًا، أو
لعذر، أو لخوف مرض، أو زيادته، أو شدة جوع أو عطش، أو عمدًا طاعة لأحد والديه،
إذا أمره بالفطر شفقة عليه من إدامة الصيام، أو طاعة لشيخ صالح أخذ على نفسه
العهد أن لا يخالفه، وكذا طاعة الشيخ العلم الشرعي، أو طاعة لسيده إذا كان عبدًا،
ففي كل هذه الحالات إذا أفطر فلا حرمة في فطره ولا قضاء عليه.
ثانيًا-
الإمساك بقية اليوم عن المفطرات:
الحالات التي يجب فيها الإمساك:
٣١٤
١-
من أفطر بغير عذر في صوم فرض معين كصوم رمضان أو نذر معين بوقت، سواء أفطر عمدًا
أو غلبة أو نسيانًا أو كرهًا أو خطأ كمن نذر أن يصوم الخميس فصام الأربعاء طنًا
منه أنه الخميس فيتم الأربعاء وعليه صوم الخميس.
٣١٥
٢-
من أفطر سهوًا في فرض غير معين ولكن يجب فيه التتابع ككفارة الظهار والقتل، إلا
في اليوم الأول فالإمساك فيه مستحب.
٣١٥
٣- من
أفطر ناسيًا في صوم تطوع وكذا من أفطر عمدًا على القول المرجوح.
- أما من
أفطر عمدًا أو سهوًا في فرض غير معين ولا يجب التتابع فيه كجزاء الصيد وفدية
الأذى وكفارة اليمين ونذر مضمون (أي غير معين بوقت) وقضاء رمضان، فيُخيّر بين
الإمساك وعدمه.
- وأما من أفطر بعذر فزال عذره في النهار كمن كان مسافرًا
فأقام أو كان مجنونًا فأفاق فلا يجب عليه الإمساك ولا يستحب.
ثالثًا-
الكفارة الكبرى:
ماهيتها:
٣١٥
١ً-
بالنسبة للحر الرشيد: هي على التخيير إما إطعام أو عتق أو صوم، وأفضلها الإطعام
فالعتق فالصوم. ⦗٣١٦⦘
آ- الإطعام: يجب تمليك ستين مسكينًا أو فقيرًا كلّ
واحد منهم مدًا بمد النبي ﷺ، وهو ملء اليدين المتوسطين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين،
من غالب طعام أهل البلد من قمح أو غيره. ولا يجزئ عن ذلك أن يطبخ ويدعو ستين
مسكينًا على غداء أو عشاء، ولا يجزئ إعطاء الطعام إلى من تلزمه نفقتهم.
ب-
العتق: وهو عتق رقبة مؤمنة سالمة من العيوب المضرة كالعمى والبكم والجنون.
جـ-
الصيام: وهو صوم شهرين متتابعين كل شهر ثلاثين يومًا، فإن أفطر في يوم منها ولو
بعذر شرعي كالسفر أصبح ما صامه نفلًا ووجب عليه استئناف الصيام لانقطاع التتابع
فيه. هذا بالإضافة إلى صوم يوم القضاء.
٣١٥
٢ً-
بالنسبة للعبد: هي الصوم فقط، فإن أذن له سيده أن يكفر بالإطعام جاز ذلك.
٣١٦
٣ً-
بالنسبة للأمة: يكفر عنها سيدها بالإطعام أو العتق لا بالصوم إن وطئها ولو
أطاعته.
٣١٦
٤ً- بالنسبة للسفيه: يأمره وليه
بالتكفير بالصوم، فإن امتنع أو كان عاجزًا عن الصوم كفر عنه وليه بأدنى النوعين
قيمة إما العتق أو الإطعام.
٣١٦
٥ً- بالنسبة
للزوجة: يكفر عنها زوجها بالعتق أو الإطعام إن أكرهها على الوطء، أما إن أطاعته
كفرت عن نفسها بأحد أنواع الكفارة الثلاثة.
شروط وجوبها:
٣١٦
١-
العمد: فلا كفارة على ناسٍ أو مخطئ أو معذور.
٣١٦
٢-
الاختيار: فلا كفارة على مُكْرَه، أو من أفطر غلبة.
٣١٦
٣-
العلم بحرمة الفطر في رمضان، أما إن كان جاهلًا بحرمة الفطر فيه كأن كان جديد عهد
بالإسلام أو جاهلًا أنه يوم رمضان، كمن أفطر يوم الشك ثم تبين أنه من رمضان فلا
كفارة عليه. أما من جهل وجوب الكفارة على الفطر العمد في رمضان مع علمه بالحرمة
فلا تسقط الكفارة عنه.
٣١٦
٤- أن يكون الفطر
في أداء رمضان، فإن كان في غيره كقضاء رمضان أو نذر ... فلا تجب الكفارة.
٣١٦
٥-
أن يكون منتهكًا لحرمة الشهر بلا تأويل قريب، أي غير مبالٍ بحرمة الشهر. أما إن
كان متأولًا تأويلًا قريبًا فلا كفارة عليه. والمتأول تأويلًا قريبًا هو المستند
في فطره إلى أمر موجود. ومن أمثلة التأويل القريب: من أفطر ناسيًا أو مكرهًا، فظن
أنه لا يجب عليه الإمساك بقية ⦗٣١٧⦘ اليوم بعد التذكر، فتناول مفطرًا عمدًا، فلا
كفارة عليه لا ستناده إلى أمر موجود، وهو الفطر أولًا نسيانًا أو بإكراه.
أو
من سافر مسافة أقل من مسافة القصر، فظن أن الفطر مباح له لظاهر قوله تعالى: ﴿ومن
كان مريضًا أو على سفرًا فعدة من أيام أخر﴾ (١) فنوى الفطر من الليل وأصبح مفطرًا
لظاهر فلا كفارة عليه.
أو من رأى الهلال نهار الثلاثين من رمضان، فظن أنه
يوم عيد وأن الفطر مباح فأفطر لظاهر قوله ﵊: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» (٢)،
فلا كفارة عليه.
وأما المتأول تأويلًا بعيدًا فهو المستند في فطره إلى أمر
غير موجود، كالمرأة تعتاد الحيض في يوم معين فتبيت نية الفطر لظنها إباحته في ذلك
اليوم لمجيء الحيض فيه عادة، فتصبح مفطرة أي تعجل الفطر قبل مجيء الحيض، فعليها
الكفارة ولو رأت الحيض في ذلك اليوم حيث نوت الفطر قبل مجيئه. وكذا من رأى هلال
رمضان ولكن لم تقبل شهادته أمام الحاكم فظن إباحة الفطر له فأفطر. أو من أفطر
لعزمه على السفر في ذاك اليوم فلم يسافر فيه، أما إن سافر فعليه القضاء فقط دون
الكفارة.
(١) البقرة: ١٨٥.
(٢) البخاري: ج ٢ /كتاب الصوم باب
١١/١٨١٠.
٣١٦
موجبات الكفارة الكبرى:
٣١٧
١-
تجب على كل من جامع مفسدًا للصوم سواء كان فاعلًا أو مفعولًا.
٣١٧
٢-
إخراج المني عمدًا ولو بطريق إدامة الفكر أو النظر (أما إن أنزل بمجرد الفكر
والنظر من غير إدامة فلا كفارة عليه وإنما القضاء فقط) إن كانت عادته الإنزال عند
استدامة النظر، أما إن لم تكن عادته الإنزال عند استدامة النظر ففي وجوب الكفارة
وعدمها قولان. أما إخراج المذي فإنه يوجب القضاء فقط.
٣١٧
٣-
تعمد رفع نية الصوم نهارًا، كأن يقول: رفعت نية صومي أو رفعت نيتي، ومن باب أوْلى
إذا رفعها ليلًا بعد أن كان بيتها وطلع الفجر وهو رافعًا لها، لا إن علق الفطر
على شيء ولم يحصل عليه كأن قال: إن وجدت طعامًا أكلت فلم يجده أو وجده ولم يفطر
فلا قضاء عليه.
٣١٧
٤- تعمد إيصال مفطر إلى
المعدة عن طريق الفم فقط بشروط الوجوب المبنية سابقًا، أما وصول المائع إلى الحلق
ورده فلا يوجب الكفارة وإنما يلزم القضاء فقط.
٣١٧
٥-
وصول شيء إلى المعدة نتيجة تعمد الاستياك بالجوزاء (القشر المتخذ من أصول الجوز)
نهارًا ولو كان ابتلاعها غلبة.
٣١٨
٦- وصول
شيء إلى المعدة من القيء المتعمد إخراجه ولو وصل عمدًا أو غلبة لا نسيانًا.
وكذا
تجب الكفارة على من صبّ شيئًا عمدًا في حلق شخص آخر وهو نائم ووصل إلى معدته.
تعدادها:
لا
تجب الكفارة الكبرى إلا عن كل يوم أفطره عمدًا بالموجبات المذكورة وضمن
الشروط.
وتتعدد بتعدد الأيام لا بتعدد موجبات الفطر في اليوم الواحد، فلو
جامع في نهار رمضان ثم أكل عمدًا فلا تجب عليه إلا كفارة كبرى واحدة عن ذاك
اليوم.
رابعًا- التأديب:
يجب تأديب من أفطر عمدًا في فرض أو نفل بما
يراه الحاكم من ضرب أو سجن أو هما معًا، إلا أن يأتي تائبًا قبل الظهور عليه
فيعفى عنه.
خامسًا- الكفارة الصغرى (الفدية):
الحالات الموجبة للكفارة
الصغرى:
٣١٨
١- تجب على كل من فرط في قضاء
رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر. ويكون التفريط إن أمكن قضاء ما عليه من رمضان في
شهر شعبان ولم يقض حتى حلول رمضان آخر، ويتحقق الإمكان بكون الباقي من شهر شعبان
بقدر ما عليه من رمضان وهو صحيح مقيم خال من الأعذار.
أما إن اتصل عذره بقدر
الأيام التي عليه إلى تمام شعبان، كمن كان عليه خمسة أيام مثلًا من رمضان وترك
قضاءها وأخرها إلى أن بقي من شهر شعبان خمسة أيام، فلما بقي ذلك مرض حتى دخل عليه
رمضان آخر، فلا كفارة عليه ولو كان في كل السنة مستطيعًا للقضاء. أما إن كان عليه
خمسة أيام وبقي من شهر شعبان خمسة أيام فلم يقض ومرض في اليومين الأخيرين، فليس
عليه كفارة إلا عن ثلاثة أيام فقط.
٣١٨
٢- تجب
الفدية على المرضع إذا أفطرت خوفًا على ولدها فقط.
وتستحب الفدية لمن أفطر
لكبر سن أو لمرض لا يرجى برؤه (هناك قول أنه يجب الإطعام) . ⦗٣١٩⦘
ماهية
الفدية:
إطعام مدٍّ من غالب قوت البلد، بمد رسول اللَّه ﷺ، لمسكين أو فقير
عن كل يوم فرط بقضائه حتى أتى رمضان مثله أو عن كل يوم لم يصمه المكلف بالحالات
المذكورة سواء وجب عليه قضاؤه أم لا.
ولا تتكرر الفدية بتكرر المثل (أي لا
تتضاعف إذا مر رمضانان دون أن يقضي) فإذا كان عليه يومان من رمضان ومضى على ذلك
ثلاثة رمضانات أو أكثر فلا يلزمه إلا مدان عن كل يوم مد.
ولا يجزئ إعطاء
مسكين واحد مدين عن يومين ولو كان كلّ مدّ في يومه، إذا كان هذان اليومان يعودان
لشهر رمضان واحد. أما إن كان فرط في قضاء يوم في شهر رمضان حتى أتى مثله ثم فرط
في قضاء يوم من شهر رمضان حتى أتى مثله، فأصبح عليه فديتان عن يومين كل يوم يعود
لعام فهنا يجوز إعطاء مسكين واحد فديتي اليومين.
وقت إخراجها: تُخرج فدية كل
يوم مع قضائه ندبًا، وإلا تخرج متى وجبت (بمرور رمضان آخر) ولو قبل القضاء، أما
قبل فلا يصح إخراجها.
ما يندب في رمضان وما يستحب للصائم:
٣١٨
١-
تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب وقبل الصلاة، وأن يكون فطره على رُطَبات (بلح) فإن
لم توجد فتمرات، ويكون عددها وترًا. فإن لم يجد تمرات فماء. لما روى سهل بن سعد ﵁
أن رسول اللَّه ﷺ قال: «لا يزال بخير ما عجلوا الفطر» (١)، وما روى أنس ﵁ قال:
«كان النبي ﷺ يفطر، قبل أن يصلي على رطباتٍ. فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم
تكن تميرات، حسا حسوات من ماء» (٢) .
٣١٩
٢-
الدعاء عقب الفطر بالدعاء المأثور: «اللَّهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وعليك
توكلت، وبك آمنت، ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء اللَّه، يا واسع
المغفرة اغفر لي، الحمد للَّه الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت».
٣١٩
٣-
السحور للتقوي به على الصوم ولو جرعة ماء، لحديث أنس ﵁ عن النبي ⦗٣٢٠⦘ ﷺ قال:
«تسحروا فإن في السحورْ بركة» (٣) . ويدخل وقته بنصف الليل الثاني، وكلما تأخر
كان أفضل بشرط أن لا يقع في شك بدخول الفجر.
٣١٩
٤-
صلاة التراويح في رمضان لحديث أبي بكر ﵁ أن رسول اللَّه ﷺ قال: «من قام رمضان
إيمانًا (٤) واحتسابًا (٥) غفر (٦) له ما تقدم من ذنبه» (٧) .
٣٢٠
٥-
كف اللسان والجوارح عن فضول الكلام والأفعال التي لا أثم فيها، أما التي فيها إثم
كالغيبة والنميمة فيجب الكف عنها في كل وقت ويتأكد في رمضان. لما روى أبو بكر ﵁
عن النبي ﷺ قال: «و[؟؟] إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإنه سابه أحد
أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم» (٨) .
٣٢٠
٦-
الإكثار من الصدقات والإحسان إلى ذوي الأرحام والفقراء والمساكين، لما روى ابن
عباس ﵄ قال: «كان النبي ﷺ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان» (٩)
.
٣٢٠
٧- الإكثار من تلاوة القرآن ومن الذكر
كلما تيسر له ذلك.
٣٢٠
٨- الاعتكاف وخاصة في
العشر الأواخر من رمضان لتلمس ليلة القدر، لما روت عائشة ﵂ قالت: «كان رسول
اللَّه ﷺ يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره» (١٠) وما روى أبو بكر ﵁ عن
النبي ﷺ قال: «ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»
(١١) .
٣٢٠
٩- يندب الصوم في السفر إذا كان
رمضان لقوله تعالى: ﴿وأن تصوموا خير لكم﴾ (١٢) ولكن لا يجب ولو علم الوصول إلى
الوطن بعد الفجر. ⦗٣٢١⦘
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٤٤/١٨٥٦.
(٢)
البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ١٠/٦٩٦.
(٣) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب
٩/٤٥.
(٤) تصديقًا بما وعد اللَّه به.
(٥) محتسبًا ومدخرًا أجره عند
اللَّه.
(٦) غفرت له ذنوبه كلها غير حقوق العباد فإنه متوقف على إبراء
ذمته.
(٧) البخاري: ج ٢ /كتاب صلاة الترويح باب ١/١٩٠٥.
(٨) البخاري:
ج ٢ /كتاب الصوم باب ٩/١٨٠٥.
(٩) البخاري: ج ٢ /كتاب الصوم باب ١/١٨٠٣.
(١٠)
مسلم: ج ٢/ كتاب الاعتكاف باب ٣/٨.
(١١) البخاري: ج ٢ /كتاب صلاة الترويح
باب ٢/١٩١٠.
(١٢) البقرة: ١٨٤.
٣٢٠
ما
يكره للصائم:
٣٢١
١- ذوق شيء له طعم كملح، أو
عسل، أو خل، ولو لصانعه، مخافة أن يسبق منه لحلقه. فإذا ذاق شيء منه وجب مجه، وإن
وصل شيء إلى حلقه غلبة أو عمدًا فعليه القضاء، فضلًا عن الكفارة في رمضان في حالة
العمد.
٣٢١
٢- مضغ علك، أو كل ما يُعلك،
كِلبان وتمر ليعطى لطفل، فإن سبق منه شيء إلى حلقه فعليه القضاء، وإن كان ذلك
عمدًا فالقضاء والكفارة.
٣٢١
٣- مداواة حفر
الأسنان نهارًا، إلا إن خاف الضرر إذا أخر المداواة إلى الليل فلا تكره نهارًا بل
تجب إن خاف هلاكًا أو شديد الأذى.
٣٢١
٤- يكره
للنساء غزل الكتان الذي له طعم، ما لم تضطر للغزل فلا يكره. وأما الكتان الذي لا
طعم له فلا يكره غزله.
٣٢١
٥- حصاد الزرع إذا
كان يؤدي للفطر، ما لم يضطر الحصّاد لذلك. أما رب الزرع فله الاشتغال به ولو أدى
إلى الفطر، لأن رب المال مضطر إلى حفظه.
٣٢١
٦-
تكره مقدمة الجماع كالقبلة والفكر والنظر إن علمت السلامة من نزول المني أو
المذي، فإن علم عدم السلامة أو ظن أو شك حرمت؛ فإذا فعلها ولم يحصل له إمذاء ولا
إمناء فالصوم صحيح. وكذا إذا كان القصد من الفكر أو النظر أو القبلة اللذة فتحرم،
أما إن كان بدون قصد اللذة كقبلة وداع أو رحمة فلا كراهة، فإذا نزل المذي أو
المني في حالة الحرمة فعليه القضاء وتلزمه الكفارة اتفاقًا. أما إن أمنى أو أمذى
بدون مقدمة الجماع فليس عليه شيء ويبقى صيامًا صحيحًا. وإذا أمذى أو أمنى بسبب
مقدمة الجماع في حالة الكراهة، فقيل: لا كفارة عليه إلا إذا تابع حتى أنزل، وقيل:
عليه القضاء والكفارة مطلقًا إن تابع أو لم يتابع (وهو قول الإمام مالك) والقول
المعتمد هو: أن هناك فرق بين اللمس والقبلة والمباشرة وبين النظر والفكر،
فالإنزال بالثلاثة الأول موجب للكفارة مطلقًا وبالأخيرين لا كفارة فيه إلا إن
تابع.
٣٢١
٧- التطيب نهارًا أو شم الطيب لأنه
من جملة شهوة الأنف، والطيب أيضًا محرك لشهوة الفرج. ٨- الحجامة والفصد إذا كان
مريضًا وشك في سلامة من زيادة المرض التي تؤدي إلى الفطر، فإن علم السلامة من
زيادة المرض جاز له ذلك، أو كان صحيحًا ولم تؤذه الحجامة أو الفصد جاز له ذلك،
أما إن علم المريض أو السليم أن الحجامة أو الفصد تزيد في مرضه حرم عليه ذلك.
٣٢١
٩-
الاستياك بعود رطب ويتحلل منه شيء، أما إن كان بشيء لا يتحلل فلا كراهة بالاستياك
طوال النهار لأنه مستحب عند المقتضى الشرعي وهو الوضوء.
ما يجوز في
الصوم:
٣٢٢
١- المضمضة لشدة العطش أو الحر،
وتكره لغير موجب.
٣٢٢
٢- الاستياك طوال
النهار.
٣٢٢
٣- الإصباح بجنابة.
٣٢٢
٤-
صوم الدهر، والحجة في ذلك الإجماع على لزومه لمن نذره ولو كان مكروهًا أو ممنوعًا
لما لزمه.
٣٢٢
٥- صوم يوم الجمعة رغم ورود
النهي عن ذلك وهو قوله ﷺ فيما رواه أبو هريرة ﵁ (لا يَصُم أحدكم يوم الجمعة. إلا
أن يصوم قبله أو يصوم بعده) (١) فعلة النهي هنا خوفه ﷺ من فرضه على المسلمين وقد
انتفت هذه العلة بوفاته ﵊.
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٢٤/١٤٧.
٣٢٢
ثانيًا-
الصوم المندوب
دليله: ما روي عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول اللَّه ﷺ:
«ما من عبد يصوم يومًا في سبيل اللَّه إلا باعد اللَّه بذلك اليوم، وجهه عن النار
سبعين خريفًا» (١) .
١- صوم يوم عرفة لغير الحاج لما ورد أنه يكفر ذنوب
سنتين، ويندب صوم الثمانية أيام قبله. روى أبو قتادة ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال في
صيام يوم عرفة: «أحتسب على اللَّه أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده»
(٢)، وعن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب
إلى اللَّه من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول اللَّه ولا الجهاد في سبيل
اللَّه؟ فقال: ولا الجهاد في سبيل اللَّه إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من
ذلك بشيء» (٣) . ٢- صوم يوم تاسوعاء وعاشوراء والثمانية أيام قبلهما من شهر محرم
وبقية شهر محرم، لحديث أبي قتادة عن النبي ﷺ أنه قال في صيام يوم عاشوراء: «أحتسب
على اللَّه أن يكفر السنة التي ⦗٣٢٣⦘ قبله» (٤)، وحديث ابن عباس ﵄ قال: قال رسول
اللَّه ﷺ: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» (٥)، وما روى أبو هريرة ﵁ قال: قال
رسول اللَّه ﷺ: «أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر اللَّه المحرم، وأفضل الصلاة، بعد
الفريضة صلاة الليل» (٦) .
٣٢٢
٣- صوم رجب
وشعبان وبقية الأشهر الحرم.
٣٢٣
٤- صوم
الاثنين والخميس، لما روى أسامة ﵁ «أن النبي ﷺ كان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس»
(٧) .
٣٢٣
٥- صوم ثلاثة أيام من كل شهر، لما
روى أبو هريرة ﵁ قال: «أوصاني النبي ﷺ بثلاث لست بتاركهن في حضر ولا سفر نوم على
وتر. وصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى..» (٨) والحكمة من ذلك أن الحسنة
بعشر أمثالها فلذلك كان الإمام مالك يصوم اليوم الأول من الشهر، والحادي عشر،
والحادي والعشرين.
ويكره صيام أيام الليالي البيض، وهي الثالث عشر والرابع
عشر والخامس عشر، فرارًا من تحيد أيام بعينها.
٣٢٣
٦-
صوم يوم النصف من شهر شعبان.
٣٢٣
٧- صوم ستة
من شوال بشرط عدم اعتقاد وجوبها، لما روى أبو أيوب الأنصاري ﵁ أن رسول اللَّه ﷺ
قال: «من صام رمضان ثم اتبعه ستًا من شوال، كان كصيام الدهر» (٩) .
أما إذا
صامها متتابعة وبعد العيد مباشرة، فإنه يكره لاحتمال اعتقاد الوجوب لأنهم فسروا
«من» في قوله ﷺ «من شوال» للبيان أنها من شوال فلا يشترط فيها التتابع.
(١)
مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣١/١٦٧.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب
٣٦/١٩٦.
(٣) الترمذي: ج ٣ / كتاب الصوم باب ٥٢/٧٥٧.
(٤) مسلم: ج ٢ /
كتاب الصيام باب ٣٦/١٩٦.
(٥) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٢٠/١٣٤.
(٦)
مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣٨/٢٠٢.
(٧) الدرامي: ج ٢ /ص ٢٠.
(٨)
مسند الإمام أحمد: ج ٢/ ﷺ ٢٧١.
(٩) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣٩/٢٠٤.
٣٢٣
ثالثًا-
الصوم المكروه
٣٢٣
١- يكره نذر صوم يوم مكرر،
أو صوم الدهر، لأن النفس إذا لزمها شيء متكرر أو دائم، أتت ⦗٣٢٤⦘ به على ثقل وندم
فعندها يكون لغير الطاعة أقرب.
٣٢٣
٢- يكره
صوم يوم المولد النبوي الشريف لإلحاقه بالأعياد.
٣٢٤
٣-
يكره صوم ضيف بغير إذن رب المنزل.
٣٢٤
٤- يكره
صوم التطوع قبل صوم واجب غير معين كقضاء رمضان وكفارة ونذر، وإن عُيِّن كنذر يوم
معين حُرِّم التطوع فيه.
٣٢٤
٥- يكره صوم
اليوم الثالث من أيام التشريق، إلا للحاج إذا لزمه هدي ولم يجده فإنه يصوم بلا
كراهة.
٣٢٤
٦- يكره تتابع الصوم لمن يضعفه ذلك
عن عمل أفضل من الصوم.
٣٢٤
٧- يكره صوم يوم
عرفة (وقبله يوم) للحاج، لأن الفطر يقويه على الوقوف بعرفة.
٣٢٤
٨-
يكره صوم ست من شوال لمن كان يُقتدى به، إن صامها متتابعة ومتصلة بيوم العيد
وأظهر صومها لكي لا يعتقد العامة وجوبها، أما إن اختل شرط من هذه الشروط فلا يكره
صومها.
رابعًا- الصوم المُحرَّم
٣٢٤
١-
صوم المرأة نفلًا بغير إذن زوجها، لما روى أبو بكر ﵁ عن النبي ﷺ قال: «لا تصوم
المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه يومًا، من غير شهر رمضان إلا بإذنه» (١) . فإن صامت
بغير إذنه فله أن يفطرها بالجماع لا بأكل وشرب ويجب عليها القضاء (أما إن
استأذنته فليس له ذلك) إلا إذا لم يكن محتاجًا لها كأن كان مسافرًا أو محرمًا أو
معتكفًا فلها أن تصوم بغير إذنه.
٣٢٤
٢- صوم
يومي عيد الفطر وعيد الأضحى، لحديث أبي سعيد الخدري ﵁ قال: «نهى النبي ﷺ عن صوم
يوم الفطر والنحر» (٢) .
٣٢٤
٣- صوم اليومين
الأولين من أيام التشريق، إلا للحاج المتمتع أو القارن إن لم يجد الهدي وفاته صوم
ثلاثة أيام قبل عرفة فيصوم في أيام التشريق، لحديث نُبيشة الهُذَلي قال: قال رسول
اللَّه ﷺ: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر للَّه» (٣) . ⦗٣٢٥⦘
(١) ابن
ماجة: ج ١ /كتاب الصيام باب ٥٣/١٧٦١.
(٢) البخاري: ج ٢ /كتاب الصوم باب
٦٥/١٨٩٠.
(٣) مسلم: ج ٢ /كتاب الصيام باب ٢٣/١٤٤.
٣٢٤
الباب الثاني: الاعتكاف
٣٢٥
تعريفه:
الاعتكاف لغة: هو مطلق
لزوم لشيء (خير أو شر) بدليل قوله تعالى: ﴿فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم﴾
(١) .
وشرعًا: هو لزوم مسلم مميزٍ مسجدًا مباحًا، بصوم كافًّا عن الجماع
ومقدماته، يومًا مع ليلته فأكثر، للعبادة بنية.
(١) الأعراف: ١٣٨.
٣٢٥
دليله:
قوله
تعالى: ﴿ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد﴾ (١)، وما روت عائشة ﵂ «أن النبي ﷺ
كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه اللَّه ﷿ ثم اعتكف أزواجه من بعده»
(٢) .
(١) البقرة: ١٨٧.
(٢) مسلم: ج ٢ /كتاب الاعتكاف باب ١/٥.
٣٢٥
حكمه:
مندوب
مؤكد على المشهور.
شروط صحة الاعتكاف:
٣٢٥
١-
الإسلام: فلا يصح من كافر.
٣٢٥
٢- التمييز:
ولا ينضبط التمييز بسن بل يختلف باختلاف الأشخاص.
٣٢٥
٣-
النية، لحديث «إنما الأعمال بالنية» (١) ولأن الاعتكاف عبادة وكل عبادة تفتقر إلى
نية.
٣٢٥
٤- أن يكون في المسجد، لقوله تعالى:
﴿وأنتم عاكفون في المساجد﴾ فلا يصح في بيت ولا ⦗٣٢٦⦘ غيره (٢) . ومن فرضت عليه
الجمعة ونذر اعتكافًا أو أراد اعتكافًا لا يخلو من جمعة فيتعين عليه الاعتكاف في
الجامع، فإن لم يعتكف في الجامع خرج للجمعة وجوبًا ويبطل اعتكافه بمجرد خروجه
وعليه القضاء وجوبًا.
٣٢٥
٥- أن يكون في مسجد
مباح للناس، فلا يصح في مسجد البيوت المحجورة ولو للنساء، ولا في الكعبة ولا في
مقام ولي إن كان محجورًا، أما إذا لم يكن محجورًا وجُعل مسجدًا كمقام الحسين
والشافعي والسيد البدوي ﵃ فيصح الاعتكاف فيه.
٣٢٦
٦-
الصوم: سواء كان الصوم فرضًا (رمضان، نذر، كفارة) أو نفلًا، فلا يصح بدونه.
٣٢٦
٧-
أن يكفّ عن الجماع ومقدماته.
٣٢٦
٨- أن يكون
لمدة لا تقل عن يوم وليلة باستثناء وقت خروجه لأجل قضاء حاجته من بول أو غائط أو
وضوء أو غسل من جنابة. وليلة اليوم هي الليلة السابقة عليه، فإن نذر اعتكاف ليلة
لزمه يومها لأن الاعتكاف شرطه الصيام ولا يتحقق الصوم إلا في النهار، وأما لو نذر
اعتكاف بعض يوم فلا يلزمه شيء.
٣٢٦
٩-
الاشتغال بالعبادة فقط من ذكر، وصلاة، وتلاوة القرآن (٣) .
٣٢٦
١٠-
التتابع لمن نذر الاعتكاف مطلقًا دون أن يذكر نية التتابع أو عكسه، فإن قيد بشيء
عمل به، أما غير المنذور فليزمه ما ينوي قل أو كثر.
٣٢٦
١١-
الدخول قبل الغروب أو معه ليتحقق له كمال الليلة.
٣٢٦
١٢-
الخروج من معتكفه بعد الغروب ليتحقق له كمال النهار.
(١) مسلم: ج ٢ /كتاب
الإمارة باب ٤٥/١٥٥.
(٢) عند السادة الحنفية: المرأة تعتكف في بيتها.
(٣)
عند السادة الحنفية: الاعتكاف هو حبس النفس على طاعة اللَّه تعالى، وأقله لحظة،
ويصح أن يشتغل أثنائه بالعلم لأنه من جملة العبادة عندهم.
٣٢٦
مبطلات
الاعتكاف:
مبطلات الاعتكاف قسمان:
القسم الأول ما يبطل ما فُعل منه
ويجب استئنافه. ويشمل:
٣٢٦
١- الخروج من
المسجد، ولو كان الخروج واجبًا لصلاة جمعة مثلًا، وهو معتكف في مسجد لا في جامع،
أو لمرض أحد والديه، إذ يجب عليه الخروج لبرِّه بعيادته، أو لحضور جنازة أحد
والديه والآخر منهما حي، فإن لم يكن الآخر حيًا فلا يجب عليه الخروج. ويبطل
الاعتكاف ⦗٣٢٧⦘ أيضًا إن كان الخروج لغير ضرورة (ومثال الخروج لضرورة: شراء مأكول
أو مشروب أو قضاء حاجة)، ففي كل هذه الحالات يبطل الاعتكاف وعليه القضاء.
٣٢٦
٢-
الإفطار عامدًا لا سهوًا ولا مكرهًا.
٣٢٧
٣-
شرب مسْكر ليلًا عامدًا، وكذا كل مغيّب للعقل. واختلف في فعل الكبائر غير المسكر
كالغيبة، والنميمة، والقذف، والسرقة، والعقوق، فقيل يبطل فعلها الاعتكاف وقيل
لا.
٣٢٧
٤- الوطء ولو من غير مطيقة عمدًا أو
سهوًا (بخلاف الحلم) واللمس والقبلة بشهوة، لقوله تعالى: ﴿ولا تباشروهن وأنتم
عاكفون في المساجد﴾ . وإن وقع مثل ذلك سهوًا، لحائض معتكفة نذرًا خرجت بسبب حيضها
من المسجد، بطل اعتكافها وعليها إعادته من أوله.
القسم الثاني: مالا يبطل ما
فُعل إذا لم يأت بمنافٍ للاعتكاف، ويشمل:
٣٢٧
١-
ما يمنع الصوم فقط كالعيد والمرض الخفيف، فإنه يستطيع المكث في المسجد دون الصوم
كمن نذر صوم ذي الحجة أو نواه عند دخوله، فلا يخرج يوم الأضحى وإلا بطل اعتكافه
من أصله.
٣٢٧
٢- ما يمنع المكث في المسجد فقط
كسلس بول أو إسالة جرح أو دمل يخشى معه تلوث المسجد، فيخرج منه وجوبًا وعليه حرمة
الاعتكاف، ولكن عند خروجه لا يقدم على الأفعال الممنوع منها المعتكف من جماع
ومقدماته ... (وإلا بطل اعتكافه من أصله) ويبني وجوبًا فورًا بمجرد زوال عذره
المانع من المكث في المسجد، فيرجع إلى المسجد ويقضي الزمن الذي حصل فيه المانع
ويكمل نذره ولو انقضى زمنه، إذا كان معينًا كالعشر الأخير من رمضان، فيقضي ما
فاته أيام العذر ويأتي بما أدركه منها ولو بعد العيد. وأما ما نواه متطوعًا فإن
كان بقي منه شيء أتى به وإلا انتهى اعتكافه ولا قضاء لما فاته بالعذر. وإن أخّر
رجوعه للمسجد ولو لنسيان أو إكراه بطل اعتكافه واستأنفه من أوله، إلا إن أخّره
ليلة العيد ويومه فلا يبطل لعدم صحة صومه أو أخره لخوف من الطريق.
ولو اشترط
المعتكف لنفسه سقوط القضاء عنه على فرض حصول عذر أو مبطل، فلا ينفعه الاشتراط
وشرطه لغو ويجب عليه القضاء.
٣٢٧
٣- ما يمنع
المكث في المسجد والصوم معًا كالحيض والنفاس: كالحالة السابقة، فإذا حاضت المرأة
أو نُفِسَت تخرج من المسجد ثم تبني على ما تقدم من اعتكافها بعد زوال عذرها.
الجوار:
تعريفه:
هو الاعتكاف إذا أطلق، فمن نذر جوارًا في مسجد مباح أو نواه، وأطلق بأن لم ⦗٣٢٨⦘
يقيده بليل أو نهار ولا فطر، كأن قال للَّه علي مجاورة هذا المسجد، أو نويت
الجوار فيه فهو اعتكاف بلفظ جوار، فتجري فيه جميع أحكام الاعتكاف، ويلزمه يوم
وليلة في حالة النذر، أما إن لم يكن نذرًا فيلزمه في الجوار ما حدده بالنية.
وأما
إن قيد بيوم وليلة فأكثر لزمه ما نذر وبالدخول ما نواه، فإن قيد بنهار فقط أو ليل
فقط لزمه ما نذر ولا يلزمه ما نواه فله الخروج متى شاء. ولا صوم عليه فيهما إن
قيد بالفطر.
وللجوار فضل كبير ولو قيد بزمن قليل ولو ساعة، أو قيده بفطر،
فمن دخل المسجد لأمر ما ونوى الجوار فيه أثابه اللَّه على ذلك ما دام ما كثًا
فيه، لحديث أبي بكر ﵁ أن رسول اللَّه ﷺ قال: «الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في
مصلاه تقول اللَّهم اغفر له اللَّه ارحمه» (١)، وعنه أيضًا أن رسول اللَّه ﷺ قال:
«لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة تقول الملائكة اللَّهم اغفر
له اللَّهم ارحمه حتى ينصرف أو يحدث» (٢) .
(١) مسند الإمام أحمد: ج ٢ /ص
٤٨٦.
(٢) مسند الإمام أحمد: ج ٢ /ص ٤١٥.
٣٢٧
ما
يندب للمعتكف:
٣٢٨
١- يندب للمعتكف المكث ليلة
العيد إن اتصل اعتكافه بها ليخرج في الصباح إلى صلاة العيد ويصل عبادة بعبادة.
٣٢٨
٢-
يندب المكث في آخر المسجد لأنه أبعد عن الناس.
٣٢٨
٣-
يندب الاعتكاف في رمضان لأنه من أفضل الشهور وفيه ليلة القدر، ويندب كونه في
العشر الأواخر من رمضان لأنه ليلة القدر فيه أرجى، لما روت عائشة ﵂ قالت: «كان
رسول اللَّه ﷺ يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيره» (١)،
٣٢٨
٤-
يندب إعداد ثوب آخر غير الذي عليه.
٣٢٨
٥-
يندب اشتغاله حال الاعتكاف بالذكر وتلاوة القرآن والصلاة والاستغفار والصلاة على
رسول اللَّه ﷺ، ومن الذكر: الفكر القلبي في ملكوت السموات والأرض ودقائق الحكم بل
هو أعظم الذكر، لقول أبي الحسن الشاذلي ﵁: «ذرة من عمل القلوب خير من مثاقيل
الجبال من عمل الأبدان»، ولقول بعض العارفين: إن تفجير ينابيع الحكمة من القلب لا
يكون إلا بالفكر ولذلك كانت عبادة النبي ﷺ قبل البعثة الفكر عند أهل التحقيق
٣٢٨
٦-
يندب أن يعتكف محصلًا على ما يحتاج إليه من مأكل ومشرب وملبس. ⦗٣٢٩⦘
(١)
مسلم: ج ٢ / كتاب الاعتكاف باب ٣/٨.
٣٢٨
ما
يكره للمعتكف:
٣٢٩
١- يكره للمعتكف الأكل في
فناء المسجد أو رحبته التي ألحقت به لتوسيعه. وإن أكل خارج ذلك بطل اعتكافه.
٣٢٩
٢-
يكره اعتكاف شخص غير مكفي لأنه ذريعة لخروجه إلى شراء ما يحتاج إليه، فإن احتاج
إلى شيء جاز له الخروج لذلك بحيث لا يتجاوز أقرب مكان يمكنه الشراء منه، وإلا فسد
اعتكافه.
٣٢٩
٣- يكره للمعتكف إذا خرج لقضاء
حاجة، أن يدخل بيتًا فيه أهله (زوجته، أسرته) لئلا يطرأ عليه منهما ما يفسد
اعتكافه.
٣٢٩
٤- يكره الاشتغال بالعلم ولو
شرعيًا تعليمًا أو تعلمًا، لأن المقصود من الاعتكاف صفاء القلب بمراقبة الرب،
ويحصل هذا غالبًا بالذكر وعدم الاشتغال بالناس.
٣٢٩
٥-
يكره الاشتغال بالكتابة، ولو كتابة مصحف، لما فيه الانشغال عن ملاحظة الرب تعالى.
وليس المقصود من الاعتكاف كثرة الثواب بل صفاء مرآة القلب الذي به سعادة الدارين.
ومحل كراهة الاشتغال بالعلم والكتابة كثرته. كما يكره الاشتغال بأي فعل آخر غير
الذكر والصلاة وتلاوة القرآن.
٣٢٩
٦- يكره
للمعتكف عيادة مريض في المسجد إن انتقل إليه المعتكف لا إن كان بقربه، وصلاة
جنازة ولو وضعت بجانبه، وصعود منارة المسجد أو سطحه للأذان، أما إن كان الآذان في
مكانه أو في صحن المسجد فلا يكره، وتكره إقامته للصلاة، ويكره السلام على الغير
إن بَعُد.
٣٢٩
٧- يكره للمعتكف حلق رأسه إذا
خرج من المسجد لغسل جنابة أو جمعة أو عيد.
ما يجوز للمعتكف:
٣٢٩
١-
السلام على من بقربه.
٣٢٩
٢- التطيب، وإن كره
الطيب للصائم غير المعتكف، لأن الاعتكاف نفسه مانع مما يُخشى منه إفساد الاعتكاف
بخلاف الصوم.
٣٢٩
٣- أن يعقد النكاح لنفسه أو
يعقد النكاح لمن له ولاية عليها، إذا لم ينتقل من مجلسه ولم يطل الزمن، وإلا
كره.
٣٣٠
٤- قص الشارب والأظافر وحلق العانة
إذا خرج من المسجد لغسل جنابة أو جمعة أو عيد.
٣٣٠
٥-
انتظار جفافا ثوبه إذا لم يكن عنده غيره وخرج لغسله من نجاسة، أما إن كان عنده
غيره كره له انتظار جفافه.
٣٣٠