اسم المؤلف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (٣٨٤ - ٤٥٨ هـ)
اسم المحقق: السيد أحمد صقر
الناشر: مكتبة دار التراث - القاهرة
الطبعة: الأولى، ١٣٩٠ هـ - ١٩٧٠ م
عدد الأجزاء: ٢
أعده للمكتبة الشاملة: محمد المنصور (٢١/ ٧/ ١٤٣٦ هـ = ١٠/ ٥/ ٢٠١٥ م)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صفحة المؤلف: [أبو بكر البيهقي]
الموضوع: سيرة وترجمة العالم النبيل الإسلامي
- -٢٠ - باب: ما جاء في قدوم الشافعي، رضي الله عنه، العراق
- -٢١ - باب: ما جاء في سبب تصنيف الشافعي، رحمه الله، كتاب الرسالة القديمة
- -٢٢ - باب: ما جاء في قدوم الشافعي، رحمه الله، مصر وتصنيفه بها الكتب المصرية [الجديدة]
- -٢٤ - باب: ما يستدل به على رغبة علماء عصر الشافعي ومن بعدهم في كتبه
- -٢٥ - باب: ما يستدل به على حفظ الشافعي، رحمه الله تعالى، لكتاب الله، عز وجل
- -٢٦ - باب: ما يستدل به على معرفة الشافعي، رحمه الله، بتفسير القرآن ومعانيه، وسبب نزوله
- -٢٧ - باب: ما يستدل به على معرفة الشافعي بمعاني أخبار رسول الله، صلى الله عليه وسلم
- -٢٨ - باب: ما يستدل به على فقه الشافعي، وتقدمه فيه، وحسن استنباطه
- -٢٩ - باب: ما يستدل به على معرفة الشافعي بأصول الفقه
- العودة الي كتاب مناقب الشافعي للبيهقي
باب ما جاء في قدوم الشافعي، رضي الله عنه، العراق، أيام المأمون
للتدريس والتعليم، وانتفاع المسلمين بعلمه
* * *
سمعت أبا عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي،
يقول: سمعت أبا الوليد: حسان بن محمد، الفقيه، يقول: سمعت إبراهيم بن محمود،
يقول:
سمعت الزعفراني، يقول: قدم الشافعي؛ رضي الله عنه، سنة خمس
وتسعين إلى بغداد، وخرج بعد ذلك إلى مكة، ثم رجع فأَقام أشهراً، ثم خرج إلى مصر،
فمات بها سنة أربع ومائتين.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا
أبو الطيب: عبد الله بن محمد القاضي، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا
أحمد بن روح، قال:
حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: قدم علينا
الشافعي - يعني بغداد - سنة خمس وتسعين ومائة، فأَقام عندنا سنتين، ثم خرج إلى
مكة، ثم قدم علينا سنة ثمان وتسعين، فأقام عندنا أشهراً، ثم خرج. وكان يخضب
بالحناء. وكان خفيف العارضين.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال:
أخبرنا أبو الطيب عبد الله بن محمد، القاضي، قال: حدثنا أبو جعفر - يعني ابن عبد
الرحمن الحافظ، قال: سمعت
أبا العباس - يعني المَسْرُوقِي - يقول:
سمعت
أبا ثور يقول (١: قدم علينا الشافعي، فذهبت إليه أنا وحسين الكَرَابِيسِي، فألقى
عليه حسين: ما تقول ١) في رجل اشترى بيضاً فخرج في أحدها فروجة؟ فنظر إلينا فقال:
لا تخلطوا السلام بغيره. قال أبو ثور: فأراد منا أن نعرف موضعه. فنظرنا من الغد
إليه بحال هِبْنَاهُ منه.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني
أبو أحمد بن أبي الحسين [٢] قال: أخبرنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد الحنظلي -
قال: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي في كتابه، قال: حدثنا أبو عبد الله النَّسَوِيّ،
عن أبي ثور، قال:
لما ورد الشافعي، رضي الله عنه، العراق، جاءني حسين
الكرابيسي، وكان يختلف معي إلى أصحاب الرأي، فقال: قد ورد رجل من أصحاب الحديث
يَتَفَقَّه، فقم بنا نسخر به. فقام وذهبنا حتى دخلنا عليه، فسأله الحسين عن
مسألة، فلم يزل الشافعي يقول: قال الله عز وجل، وقال رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، حتى أظلم علينا البيت. فتركنا بدعتنا واتبعناه [٣].
أخبرنا أبو
عبد الله: محمد بن عبد الله، قال: أخبرني محمد بن يوسف الدَّقيقي، قال: حدثنا علي
بن الحسين بن عثمان الورّاق، قال: حدثنا محمد بن علي العمري، قال: حدثنا أبو بكر
بن الجُنَيْد، قال:
سمعت «أبا ثور: إبراهيم بن خالد» يقول: لولا أن
الله، عز وجل، مَنَّ
(١) ما بين الرقمين ساقط من هـ.
(٢)
في هـ: «أبي الحسن».
(٣) حلية الأولياء ٩/ ١٠٣.
عليّ
بالشافعي للقيت الله وأنا ضال. قدم علينا، رضي الله عنه، وأنا أظن أن الله تعالى،
لم يعبده أحد بغير مذهب الرأي. قيل لي: يا أبا ثور، قد قدم مدينة السلام [١] رجل
قرشي من ولد عبد مناف، ينصر مذهب أهل المدينة، فقلت: ولأهل المدينة مذهب ينصر؟
قوموا بنا اذهبوا بنا إليه نسمع ما يقول. فقمت مع أصحابي، فنظرت إليه فإذا هو شاب
[٢] وإذا له لسان لَدَّاغ، فسمعته يقول: قال الله، عز وجل، في خبر خاص يريد به
عاماً. وقال في خبر عام يريد به خاصاً. قلت: رحمك الله، وما الخاص الذي يريد به
العام؟ وما العام الذي يريد به الخاص؟ [(٣ وكنا لا نعرف الخاص من العام، ولا
العام من الخاص ٣)] فقال ببيانه [٤] قوله جل وعلا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا
لَكُمْ [٥]} إنما أراد به أبا سفيان.
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [٦]} فهذا خاص يريد به العام.
قال أبو
ثور: وأورد على مثل هذا. فقلت لأصحابي: إن نقض عليكم أحد أمرنا فهذا ينقضه بلسانه
وبيانه. ثم قلت لأصحابي أرْبَعُوا حتى أسأله عن مسألة ما أتوهم أنه يجيبني عنها.
قالوا: سله. قلت له: رحمك الله، مسألة واقعة. قال: هات. قلت: رجل اشترى من رجل
بيضتين إحداهما بدانق، والأخرى
(١) في هـ: «مدينة الإسلام».
(٢)
في ا: «فاذا هو سناط» وفي هـ «فاذا هو شاباً».
(٣) ما بين الرقمين
ساقط من هـ.
(٤) في هـ: «بلسانه»
(٥) سورة آل عمران ١٧٣
(٦)
سورة الطلاق: ١
بنصف دانق. انكسرت إحداهما في يده فإذا هي فاسدة، لا
بدرى التي انكسرت هي التي بدانق، أو التي بنصف دانق، ما الحكم فيه.
فقال
له الشافعي: تأمره [١] أن يدعى. قال أبو ثور: فلما سمعت منه هذا قلت: لمن كان
بجنبي من أصحابي: هذا رجل ينقض هذا الكتاب بعينه بلا شك. فقلت: رحمك الله، إنه لا
يدري. قال: فدعه حتى يدري. نحن حكام أو معلِّمون؟!
أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي، قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: أخبرنا زكريا بن يحيى.
قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: سمعت «الحسين بن علي» يقول:
قدم
علينا الشافعي، رضي الله عنه، ونحن ثيران، فما مرت علينا سنة إلا وكل واحد منا
يحتاج إلى زاوية يُجَالَسُ فيها
وأخبرنا أبو عبد الرحمن، قال: أخبرنا
الحسن، إجازة، قال: ذكر زكريا بن يحيى، قال:
قال أبو ثور: قلت
للشافعي، رضي الله تعالى عنه: إني ناظرت رجلا من أصحاب «أبي فلان» فقطعته، فقال:
وتفرح أن قطعت رجلا من أصحاب «أبي فلان» إنما تجتري [٢] على الجَرْحَي. كذا في
كتابي.
(١) سقطت من هـ.
(٢) في هـ: «إنما نجير» وفي هـ
«وإنما تجير».
وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى السّاجِي، قال: حدثنا أبو
القاسم: عثمان ابن سعيد الأحول، قال: سمعت أبا ثور. فذكره.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: أخبرنا عبد
الرحمن - يعني ابن محمد - قال: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي، نزيل مكة، فيما كتب
إليّ قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الدينوري، قال:
سمعت أحمد بن
حنبل، رحمه الله، يقول: كانت أَقْفِيَتُنَا أصحابَ الحديث في أيدي أصحاب أبي
حنيفة، ما تنزع، حتى رأينا الشافعي، وكان أفقه الناس في كتاب الله وسنة رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، ما كان يكفيه [١].
أخبرنا أبو عبد الرحمن
السلمي، قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن السّبْتِي، قال: حدثنا أحمد
بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، قال: حدثنا محمد
بن زفر [٢]، عن علي ابن حسان، عن الحُمَيْدِي، قال: أخبرني رجل من إخواننا، من
أهل بغداد، قال:
قال أحمد بن حنبل: قدم علينا «نعيم بن حماد» فحضّنا
على طلب المسند، فلما قدم «الشافعي» وضعنا على المَحَجَّة البيضاء [٣]
(١)
في حلية الأولياء ٩/ ٩٨: «ما كان يكفيه قليل الطلب في الحديث».
(٢)
سقطت من هـ.
(٣) حلية الأولياء ٩/ ١٠١.
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، قال: وفيما كتب إليّ أبو سعيد الأعرابي، يذكر أنه سمع «الحسن بن
محمد الزعفراني» يقول:
كان أصحاب الحديث رقوداً حتى أيقظهم الشافعي،
رضي الله عنه.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، فيما بلغه عن محمد بن
عبد الله، قال:
قال «إبراهيم الحَرْبِي» رحمه الله تعالى: قدم الشافعي
بغداد، وفي المسجد الجامع الغربي عشرون حلقة لأصحاب الرأي، فلما كان في الجمعة
الثانية لم يثبت منها إلا ثلاث حلق أو أربع حلق [١].
أخبرنا محمد بن
الحسين السلمي، قال: أخبرنا محمد بن علي بن طلحة المروروذي [٢]، قال: حدثنا أحمد
بن علي الأصبهاني، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، قال.
سمعت
«الزعفراني» يقول: قدم الشافعي، رضي الله عنه، فاجتمعنا، فقال: التمسوا من يقرأ
لكم، فلم يختر غيري. وما كان في وجهي شعرة، وإني لأتعجب من انطلاق لساني
وجَسَارَتي بين يديه. فقرأت الكتب كلّها إلا كتابين قرأهما هو: «المناسك» و
«الصلاة». ولقد كتبناها وإنّا نحسب أنا في العبث وما يحصل في أيدينا منها شيء.
ولا نصدِّق بأنه يكون آخر أمرها إلى [٣] هذا؛ لأنه قد كان غلب علينا قول
الكوفيين.
(١) راجع قول أبي الفضل الزجاج في ذلك، في تاريخ بغداد ٢/
٦٨
(٢) في هـ: «الروزوذي».
(٣) في هـ: «إلا هذا».
[م
- ١٥] مناقب
قال: وسمعت الزعفراني، يقول:
إني لأقرأ كتب
الشافعي وتُقْرَأُ عليّ منذ خمسين سنة.
وقرأت في كتاب أبي الحسن
العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، عن أبي عثمان: سعيد بن عبد الله البغدادي، عن
عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبي:
لما قدم الشافعي علينا أخذت
بيد «إسحاق بن راهويه»، فصرنا إلى «الزَّعْفَرَانِي» فقلنا: قد قدم هذا الرجل،
ونحتاج أن نسمع منه هذه الكتب، وأنت أفصح بها منا، فتقرأها لنا عليه. قال:
فقرأتها، وكانت للزعفراني «قراءةً» ولنا «عَرْضاً».
وبلغني عن أبي
حامد المروروذي: أن «أبا علي الزعفراني» كان من أهل [١] اللغة.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: ذكر زكريا بن
يحيى الساجي، قال:
قال «حسين بن علي»: ما رأيت مجلساً قط أنبل من مجلس
الشافعي، كان يحضره أهل الحديث، وأهل الفقه، وأهل [٢] الشعر. وكان يأتيه كبراء
أهل الفقه والشعر [٣] فكلٌّ يتعلّم منه ويستفيد.
أخبرنا محمد بن
الحسين، قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال:
(١) سقطت من هـ.
(٢)
آخر الزيادة من ح.
(٣) في ح «وأهل الشعر».
حدثنا محمد بن
إبراهيم الأَنْمَاطِي، قال:
حدثنا «الحسن بن محمد الزَّعْفَرَانِي»،
قال:
ما ذهبت إلى الشافعي إلا وجدت «أحمد بن حنبل» في مجلسه. وكان
أحمد ألزم للشافعي منا.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا
محمد بن علي بن طلحة، قال: حدثنا أحمد بن علي الأصبهاني، قال: حدثنا زكريا
السَّاجي، قال: حدثني محمد بن إسماعيل، قال:
سمعت الحسين بن علي،
يقول: رأيت «أحمد بن حنبل» مُغَطَّى الرأس عند الشافعي. زاد فيه غيره: قال [١]:
وكذلك كان أحمد بن حنبل يدور على الفقهاء مُغَطَّى الرأس.
أخبرنا أبو
عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن
محمد بن إدريس، قال: حدثنا إبراهيم ابن يوسف، قال:
سمعت الحسن بن محمد
[٢] بن الصبّاح، يقول: قال لي «أحمد بن حنبل»: إذا رأيت الشافعي قد خلا
فأَعْلِمْني. فكان يجيئُه ارتفاعَ النهار فيبقى معه.
قال أبو محمد:
للأُنس بينهما [٣].
وبلغني عن أبي حامد المروروذي من أصحابنا أنه ذكر
بإسناد له: أن الشافعي لما قدم بغداد نزل درب الزّعفراني على الحسن بن محمد بن
الصباح
(١) ليست في هـ.
(٢) ليست في هـ.
(٣)
آداب الشافعي ٨٠ - ٨١
الزعفراني، وكان فتى أديباً متصلا بالسلطان.
وكان درب الزعفراني له، ودروب كثيرة. وكان الشافعي [١] يُعَرِّفه عورات مذهب
الكوفيين، حتى استجاب له، وسمع منه كتبه، وصار داعية للشافعي، رحمة الله عليه.
وأخبرنا
أبو عبد الرحمن السُّلَمي، قال: أخبرنا عبد الله السبتي، قال: حدثنا أحمد بن
يوسف، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الرازي، بدمشق، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي
حسّان الزيادي، قال: حدثنا أبي، قال:
لما قدم [علينا [٢]] الشافعي
العراق قال: على من أَنْزِل؟ قيل له: انزل على أبي حسّان الزِّيَادِي. قال: فنزل
على أبي [٣]، فأقام عنده سنة في أَنْعَمِ حال، فلما كان بعد سنة استأذنه في
الخروج إلى المدينة. فوجه أبي: أبو حسان إلى ستة من إخوانه: ست رِقَاع، فما رجعت
[٤] له رقعة [٥] مع خادم لنا يقال له مارد صقلبي [٦] - إلا ومع كل رقعة ألف
دينار، فتركها بين يدي الشافعي. قال: فبكى أبي. فقال له الشافعي: فما [٧] يبكيك
يا أبا حسان، أصلحك الله؟ فقال: ما كنت أقدر أن أكتب إلى أخ من إخواني في أخ مثلك
ينزل عليّ في شرفك ومَنْصِبِكَ فيوجِّه إليّ بألف دينار. ثم قال: لا يزال الناس
في تناقص من إخوانِهم [٨] وأفعالهم. ثم قال: إذا شئت يا أبا عبد الله. قال: فأخذ
الدنانير وخرج من عنده إلى المدينة.
(١) آداب الشافعي ومناقبه ٨٠ -
٨١
(٢) من ح.
(٣) في هـ: «فنزل عليه».
(٤) في
ا: «وقعت».
(٥) سقطت من هـ.
(٦) في هـ: «صقلي» وليست في
ا.
(٧) في هـ: «ما يبكيك».
(٨) في ا: «من أحوالهم».
وفيما
روى حمزة بن يوسف الجُرْجَاني، عن أبيه، عن أبي نعيم، عن محمد ابن عبد الله بن
سليمان بن أبي بكر، عن الربيع بن سليمان:
عن الشافعي، قال: لما قدمتُ
بغداد نزلت على «بشر المريسي» فأنزلني في العلو وهو في السفل إكراماً منه لي،
فكنت [١] عنده مدّة، فقالت أمه لي [٢] ذات يوم: إيش تصنع عند هذا [٣] الزّنديق؟
فخرجتُ من عنده وتركتُه.
وكانت له قَدَمَات، ولا أدري في أي قَدْمَةٍ
كان نزوله على هذا، وعلى أبي حسّان، وعلى الزّعفراني.
(١) في ا:
«فمكثت».
(٢) ليست في ا.
(٣) ليست في هـ.
باب ما جاء في سبب تصنيف الشافعي، رحمه الله، كتاب الرسالة القديمة
* * *
أخبرنا أبو الحسين: علي بن محمد بن عبد الله بن
بِشْرَان العدل، ببغداد، قال: أخبرنا أبو محمد [١]: دَعْلج بن أحمد بن دعلج، قال:
سمعت جعفر ابن أحمد السَّلمَاني، يقول: سمعت جعفر بن أخي أبي ثور، يقول: سمعت
عمي، يقول:
كتب «عبد الرحمن بن مهدي» إلى «الشافعي» وهو شاب أن يضع له
كتاباً فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ
والمنسوخ من القرآن والسنة. فوضع له «كتاب الرسالة».
قال «عبد الرحمن
بن مهدي»: ما أصَلِّي صلاة إلا وأدعو للشافعي فيها.
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الطيب، قال: حدثنا أبو جعفر الأصبهاني، قال: حدثنا
أحمد بن روح، قال: حدثنا محمد
(١) في هـ: «محمود».
ابن
إسماعيل [١]
ح. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أنبأنا عباس بن
الحسين، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد الزعفراني، قال: حدثنا زكريا بن يحيى
السّاجي، قال: حدثني محمد بن إسماعيل، قال:
حدثني «موسى بن عبد الرحمن
بن مهدي» قال: أول من أظهر رأي مالك، رحمه الله، بالبصرة «أبي» أحْتَجَمَ ومسحَ
الحِجَامَةَ، ودخل المسجد فصلى ولم يتوضأ. فاشتد ذلك على الناس. وثبت «أبي» على
أمره. وبلغه خبر الشافعي ببغداد، فكتب إليه يشكو ما هو فيه، فوضع له «كتاب
الرسالة» وبعث به إلى «أبي» فسرّ به سروراً شديداً.
قال موسى: فإني
لأعرف ذلك الكتاب بذلك الخط عندنا.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال:
أخبرني الزبير بن عبد الواحد الحافظ، قال: حدثني الحسن بن سفيان النَّسَوي،
قال:
حدثنا «الحارث بن سريج النَّقَّال» قال: أنا حملت «كتاب الرسالة»
للشافعي، إلى «عبد الرحمن بن مهدي» فأعجب به، فجعل يقول: لو كان أقلّ أُمِّيٍّ
ليفهم.
أخبرنا محمد بن الحسين [٢] السلمي، قال: حدثنا علي بن عمر
الحافظ، قال:
(١) في هـ: «إبراهيم».
(٢) في هـ:
«الحسن».
حدثنا القاضي عمر بن الحسين [١] بن مالك، قال: حدثنا يعقوب
بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن خلاد الذهلي، قال:
سمعت «عبد الرحمن
بن مهدي» وقرأ كتاب الرسالة للشافعي، فقال: هذا م كلا رجل مُفَهِّم.
وقرأت
في كتاب أبي الحسن: محمد بن الحسين [٢] العاصمي، فيما حُكي له عن الزعفراني،
قال:
كتب «عبد الرحمن بن مهدي» إلى «الشافعي» رحمه الله: أن اكتب
إليَّ ببيان مِنْ عِلْمٍ. فكتب إليه بالرسالة. فلما قرأها «عبد الرحمن» قال: ما
ظننت أنه يكون في هذه الأمة اليوم مثل هذا الرجل، أو أنَّ الله، عز وجل، خلق مثل
هذا الرجل.
قلت: وعبد الرحمن بن مهدي بن حسان، أبو سعيد البصري: أحد
أركان أهل العلم بالحديث:
روينا عن علي بن عبد الله بن المَدِينِي أنه
قال:
والله لو أُخِذت وحلِّفت بين الرُّكْنِ [٣] والمقام لحلَفت بالله
أني لم أر قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي.
وعبد الرحمن بن
مهدي مات قبل الشافعي بسنين [٤]، مات سنة ثمان وتسعين ومائة. وفيها مات أيضاً
يحيى بن سعيد بن فَرُّوْخ: أبو سعيد القطّان،
(١) في ا: «الحسن».
(٢)
في ح، هـ: «الحسن».
(٣) ليست في ح.
(٤) في ح، هـ: «بسنتين»
وهو خطأ واضح.
أخد أئمة هذا الشأن. وكان من المستفيدين من كتاب
الشافعي والمُتَبَجِحِين به.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت
الزبير بن عبد الواحد الحافظ، يقول: سمعت عبدان الأهوازي، يقول: حدثني محمد بن
الفضل، قال: حدثنا هارون، قال:
ذكر «يحيى بن سعيد» الشافعيَّ فقال: ما
رأيت أعقل - أو أفقه - منه قال: و «عَرَضَ عليه» كتاب الرسالة له.
وأخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن
بن محمد، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن الصبّاح، قال:
أُخْبِرت عن
«يحيى بن سعيد القطان» أنه قال: إني لَأَدْعُو الله تعالى للشافعيِّ في كلِّ صلاة
(١ أو في كل ليلة ١) أو في كل يوم. يعني لما فتح الله عليه من العلم ووفقّه
للسّداد فيه.
وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى السّاجي: عن عبد الله بن
داود: أبي عبد الرحمن الطُّوسي، قال: حدثني الزعفراني، قال: سمعت يحيى بن معين،
أو غيره، يقول.
سمعت «يحيى بن سعيد» يقول: أنا أدعو الله للشافعي في
صلاتي منذ
(١) ما بين الرقمين ليس في هـ ولا في ح.
أربعين
سنة. وقد رويناه من وجه آخر، عن يحيى بن معين، عن يحيى ابن سعيد.
قال
أحمد: ثم إنّ الشافعي، رحمه الله، حين خرج إلى «مصر» وصنف الكتب المصرية - أعاد
تصنيف «كتاب الرسالة». وفي كل واحد منهما من بيان أصول الفقه ما لا يستغنى عنه
أهل العلم.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو زكريا يحيى بن
محمد العنبري، قال: حدثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله، قال:
حدثني
«إسحاق بن راهويه» قال: كتبت إلى «أحمد بن حنبل»: أن أَنْفِذ إليَّ مِنْ كتب
الشافعي ما تعلمه أحتاج إليه منها. فكتب إليَّ: لم أعلم ما تحتاج إليه منها
فأُنْفِذَه، لكن [١] قد أنفذت إليك من كتبه كتاباً يدلك على عَوَامِّ أصول العلم
- أو قال: على عوام أصول علمه - وأنفذ إليَّ كتابَ الرسالة [٢]. فرأيت إسحاق
كالمُؤَنِّبِ لأحمدَ يقول: لكنه لو كان هو الكاتب إليّ بمثل ما كتبتُ إليه، ثم
كانت كتب الشافعي، رضي الله عنه، عندي لدريت ما يحتاج هو إليه منها فأنفذه.
وهذا
يدل على أنه كان ينتظر أن يبعث إليه أحمدُ مع كتاب الرسالة غيرَه.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني محمد بن محمد المسَافِرِي، قال: حدثنا محمد
بن المُنْذِر، قال:
(١) ليست في ح، ولا في هـ.
(٢) راجع
آداب الشافعي ٦٢ - ٦٣
سمعت «عبد الملك بن عبد الحميد» يقول: قال لي
«أحمد بن حنبل»: لم لا تنظر في كتب الشافعي؟ فقلت له: يا أبا عبد الله، نحن
مشاغيل، قال: فكِتاب [١] الرسالة فانظر فيها فإنها من أحسن كتبه.
* *
*
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن
حيّان، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأصبهاني، قال: حدثنا أبو علي: أحمد بن
محمد بن مصقله، قال: سمعت فوران يقول:
قسَّمتُ كتبَ أبي عبد الله -
يعني أحمد بن حنبل - بين ولديه: صالح وعبد الله، فوجدت فيها رسالتي الشافعي
العراقي والمصري.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو أحمد:
محمد بن أحمد الكَرَابِيسِي [٢]، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثني عبد الملك بن
عبد الحميد الميموني، قال:
حدثني «محمد بن محمد بن إدريس الشافعي
«قال: قال لي» أبو عبد الله [٣]: أحمد بن حنبل»: إني أدعو الله في الليل أو في
السحر لإخواني - أو أصحابي - أبوك خامسهم.
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، قال: سمعت أبا الوليد يحكي عن بعض شيوخه عن المُزَنِيّ أنه قال:
(١)
في ا: «فقال. كتاب»
(٢) في ح: «محمد بن أحمد بن محمد الكرابيسي.
(٣)
في ح: «أبو عبد الرحمن».
قرأت «كتاب الرسالة» للشافعي خمسمائة مرة، ما
من مرة منها إلا واستفدت [منها] [١] فائدة جديدة لم أستفدها في الأخرى [٢].
وفي
كتاب أبي الحسن العاصمي عن أبي نعيم: عبد الملك بن محمد بن عدي، قال: قال أبو
القاسم الأَنْمَاطِيّ:
قال المُزَني: أنا أنظر في «كتاب الرسالة» عن
الشافعي منذ خمسين سنة، ما أعلم أني نظرت فيه من مرة إلا وأنا أستفيد شيئاً لم
أكن عرفته [٢].
(١) الزيادة من ح.
(٢) نقلهما النووي في
تهذيب الأسماء واللغات ١/ ٤٧
باب ما جاء في قدوم الشافعي، رحمه الله، مصر وتصنيفه بها الكتب المصرية
[الجديدة [١]] وانتفاع المسلمين بها
* * *
أخبرنا أبو سعد: أحمد المَالِينِي، قال: حدثنا أبو
أحمد: عبد الله بن عدي، قال: سمعت أحمد بن علي المدائني، يقول: حدثنا يحيى [٢] بن
عثمان، قال:
سمعت «حَرْمَلَة» يقول: قدم علينا «الشافعي» سنة تسع
وتسعين ومائة، ومات سنة أربع ومائتين عندنا بمصر.
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ: قال: أنبأني أبو عمرو بن السَّمَّاك، شِفَاهاً [٣]: أن أبا سعيد الجصَّاص
حدثني، قال:
حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الزّجّاج - وكان يجالس
الربيع بن سليمان - [عن الربيع بن سليمان [٤]] قال: رأيت [٥] «الشافعي» رحمه
الله، بنصيبين، قبل أن يدخل مصر، فلم أره آكِلاً بنهارٍ، ولا نائماً بليل، وكانت
له جارية سوداء تخدمه، وكان يعمل الباب [٦] من العلم، ثم يقول: يا جارية قومي إلى
القَدَّاح، فتقوم فَتُسْرِجُ له، فيكتب ما يحتاج أن يكتبه ويرسمه في موضعه، ثم
يطفئ
(١) من ح.
(٢) في ح: «علي».
(٣) ليست في
ح.
(٤) ما بين القوسين سقط من ا.
(٥) في ح، هـ «لزمت».
(٦)
في هـ «الكتاب».
السراج ويستلقي على ظهره، فيعمل الباب من العلم، ثم
يقول: يا جارية قومي إلى القَدّاح، فتقوم وتسرج له، فيكتب الباب من العلم ويرسمه
في موضعه، ثم يطفئ السراج، فكان على هذا منه [١]. فقلت: يا أبا عبد الله، لو تركت
السِّرَاج يَقِد؛ فإن هذه الجارية منك في جهد؟ قال: إنّ السراج يشغل قلبي.
قال:
وقال لي يوماً: كيف تركت أهل مصر؟ فقلت: تركتهم على ضربين:
فرقة منهم
قد مالت إلى قول «مالك» وأخذت به، واعتمدت عليه، وذبَّت عنه وناضلت عنه.
وفرقة
[قد [٢]] مالت إلى قول «أبي حنيفة» فأخذت به، وناضلت عنه. فقال: أرجو أن أقدم [٣]
مصر، إن شاء الله، وآتيهم بشيء أشغلهم به عن القولين جميعاً.
قال
الربيع: ففعل ذلك - والله - حين دخل مصر.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ،
قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا إبراهيم ابن محمود بن حمزة، قال:
سمعت
الربيع بن سليمان، يقول: قدم الشافعي محمد بن إدريس المطلبي مصر [٤] سنة مائتين،
وابتدأ في هذا الكتاب، ومات سنة أربع ومائتين، وسنه [٥] خمس أو أربع وخمسون.
(١)
في هـ «سنة».
(٢) من ح.
(٣) في هـ «أعبر».
(٤)
في ا «بمصر».
(٥) في ح، هـ «وله».
أخبرنا أبو عبد الرحمن:
محمد بن الحسن السلمي قال: أنبأنا عبّاس بن محمد، حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد
الزّعْفَراني، حدثنا زكريا بن يحيى السّاجي، قال:
حدثني ياسين بن عبد
الواحد [١] قال:
لما قدم علينا الشافعي مصر، أتاه جَدِّي، وأنا معه،
فسأله أن ينزل عليه فأبى وقال: إني أريد أن أنزل على أخْوالِي [٢] الأَزْد. فنزل
عليهم.
قال أحمد: وهذا الذي فعله الشافعي، رحمه الله، من النزول على
أخواله، فإنه [٣] قصد به متابعة السُّنَّة فيما فعل النبي، صلى الله عليه وسلم،
حين قدم المدينة من النزول على أخواله.
وهو فيما أخبرنا أبو الحسين بن
الفضل القطان، قال: حدثنا عبد الله ابن جعفر، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال:
حدثنا عبيد الله بن موسى، وعبد الله بن رجاء، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن
البَرَاء، رضي الله عنه، عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، قال:
ومضى
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنا معه، حتى قدمنا المدينة لَيْلاً:
فَتَنَازَعَهُ القومُ أيهم ينزل عليه، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
«إني
أنزل الليلة على بني النَّجَّار، أخوال عبد المطلب، أكرمهم بذلك [٤]».
أخبرنا
محمد بن الحسين السلمي، قال: أنبأنا محمد بن علي بن طلحة، قال:
(١) في
ح، هـ: «عبد الأحد».
(٢) في ا: «إخواني».
(٣) ليست في
ح.
(٤) أخرجه مسلم في كتاب الزهد: باب حديث الهجرة، ويقال له: حديث
الرحل ٤/ ٢٣١٠ وأحمد في المسند ١/ ١٥٤ - ١٥٦ وهو الحديث الثالث فيه. ورواه المؤلف
أيضاً في دلائل النبوة من هذا الطريق حـ ٣ لوحة ١١.
حدثنا أحمد بن علي
الأصبهاني، قال: حدثنا زكريا السّاجي، قال:
سمعت هارون بن سعيد
الأَيْلي، يقول: ما رأيت مثل الشافعي: قدم علينا مصر، فقالوا: قدم رجل من قريش،
فجئْناه وهو يصلّي، فما رأيتُ أحسن صلاة منه، ولا أحسن وجها منه، فلما قضى صلاته
تكلّم، فما رأينا أحسن كلاماً منه، فافْتَتَنَّا به.
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حيان، قال: أنبأنا محمد بن عبد
الرحمن بن زياد، قال:
حدثنا أحمد بن طاهر، قال: حدثنا جدي، قال: كان
الشافعي يجلس إلى هذه الإِسْطِوَانَة في المسجد - وأرانا الشيخ الإسطوانة -
فُتُلْقَى له طُنفُسة فيجلس عليها، وينْحنِي لوجهه؛ لأنه كام مِسْقاماً، فيصنف.
وصنّف هذه الكتب في أربع سنين.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال:
أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني [ابن [١]] محمد بن
إدريس - قال: حدثنا بَحْر بن نصر الخَولاَنِي، بمصر، قال:
قدم الشافعي
من الحجاز فبقى بمصر أربع سنين، ووضع هذه الكتب في أربع سنين، ثم مات. وكان أقدم
معه من الحجاز «كتبَ ابن عيينة»، وخرج إلى يحيى بن حسّان فكتب عنه، وأخذ كتاباً
من [كتب [٢]] أَشْهَب بن عبد العزيز فيه آثار وكلام من كلام أشهب. وكان يضع
الكتب
(١) سقطت من ا
(٢) من ح. وفي الأصل: كتب.
بين
يديه ويصنف الكتب، فإذا ارتفع له كتاب جاءه صديق له يقال له «ابن هرم [١]» فيكتب
ويقرأ عليه البويطي، وجميع من يحضر يسمع في كتاب ابن هرم ثم ينسخونه [بعد [٢]] ،
وكان الربيع على حوائج الناس فربما غاب في حاجة فيعلِّم له [٣]، فإذا رجع قرأ
الربيع عليه ما فاته [٤].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا عبد
الله بن محمد الفقيه، قال: حدثنا أبو جعفر: محمد بن عبد الرحمن الحافظ، قال:
حدثنا خَيْثَمَة بن أبي خَيْثَمَة بن عمرو بن خالد، بمصر، قال:
سمعت
أبي قال: قال أبي: عمرو بن خالد [٥]: جاءني الشافعي وأخذ مني كتاب موسى بن أعين:
«كتاب اختلاف الأوزاعي وأبي حنيفة».
قال أحمد: هذا «كتاب في
السِّيَر»، صنفه أبو حنيفة فرد عليه الأوزاعي ما خالفه فيه، ثم رد أبو يوسف على
الأوزاعي ردَّه على أبي حنيفة، فأخذه الشافعي وردَّ على أبي يوسف ردَّه على
الأوزاعي، ونصر الأوزاعي. وهو [٦] الكتاب الذي يعرف بِسِيَر الأوزاعي.
رواه
الربيع بن سليمان المرادي عن الشافعي. وفيه من أحكام
(١) هو إبراهيم
بن محمد بن هرم، قال ابن حجر في توالي التأسيس ص ٧٩: إنه روى عن الشافعي ومات
قبله، وترجم له السبكي في طبقات الشافعية ٢/ ٨١ وذكر العبادي في طبقاته ص ٢٨ - ٢٩
أن المزني روى عنه عن الشافعي في تفسير قوله تعالى {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ
رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ولكن ورد اسمه فيها محرفا: عبد الله بن
هرم.
(٢) ليست في ا.
(٣) في ح: «لهم».
(٤) آداب
الشافعي وهامشه ص ٧٠ - ٧١.
(٥) في ح: «سمعت أبي يقول: إن ابن عمرو بن
خالد».
(٦) في ح: «هذا».
[م - ١٦] مناقب
السِّير
[١] شيء كثير.
وأما «كتاب أَشْهَب» فإنما أخذه ليعرف [منه [٢]] ما شذّ
عنه من أقاويل مالك بن أنس وأصحابه؛ فيمكنه الردّ عليهم فيما خالفهم فيه.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أنبأنا الحسين بن أحمد الهَرَوِي [٣] قال: حدثنا
محمد بن بشر العلوي، قال:
حدثنا الربيع بن سليمان، قال: كان الشافعي
جزَّأ الليل ثلاثة أجزاء: الأول يَكْتب، والثاني يُصَلِّي، والثالث ينام.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الوليد: حسّان بن محمد، الفقيه، قال: حدثنا
إبراهيم بن محمود، قال:
سمعت الربيع يقول: ألّف الشافعي هذا الكتاب -
يعني «المَبْسُوط» - حِفْظاً لم يكن معه كتب. قال إبراهيم: فأخبرت يونس [٤] بن
عبد الأعلى بهذا، قال: قد قيل هذا.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ،
قال: أخبرني أبو تراب [٥] المُذَكِّر، قال: حدثنا محمد بن المُنْذِر، قال:
حدثنا
الربيع، قال: بِتُّ عند الشافعي ما لا أُحْصِي، فكان إذا انصرف اتَّشَحَ برداء،
ووضعت له منارة قصيرة، واتكأ على وسادة
(١) في ح، هـ «السنة».
(٢)
من ح.
(٣) في ح «القروي».
(٤) سقطت من ح
(٥) في
ح «أبو ثور».
وتحته مُضَرَّبَتَان، ويأخذ القلم فلا يزال يكتب.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي، قال: حدثنا عبد الرحمن
- يعني ابن محمد - قال:
حدثنا أبو بشر بن أحمد [١] بن حماد، قال:
حدثنا أبو بكر بن إدريس، قال:
سمعت الحميدي يقول: خرجت مع الشافعي إلى
مصر، فكان هو ساكناً في العلو ونحن في الأوساط، فربما خرجت في بعض الليل فأرى
المصباح، فأصيح بالغلام، فيسمع صوتي، فيقول: بِحَقِّي عليك أرْقَ، فأَرْقَى فإذا
قرطاس وجُزء، فأقول: مه يا أبا عبد الله، فيقول: تفكرت في معنى حديث، أو في
مسألة، فخفت أن يَذْهَبَ عَلَيًّ [٢]، فأمرت بالمصباح، فكتبته [٣].
وقرأت
في كتاب زكريا السّاجي، عن أحمد بن محمد بن أبي العباس، عن محمد بن عبد الملك
المصري، قال:
دخل رجل على الشافعي قبل طلوع الفجر، فوجده ينظر في
المصحف، فقاله له: في هذا الوقت يا أبا عبد الله؟ قال: إني لعلى هذا منذ صلّيت
(١)
في ح؛ «حدثنا يونس بن أحمد» وهو خطأ. أما أبو بشر: فهو محمد بن أحمد بن حماد،
الأنصاري الرازي الراق، المعروف بالدولابي. صاحب كتاب الكنى والأسماء. ولد سنة
٢٢٤ وتوفى سنة ٣١٠ هـ. وترجمته في تذكرة الحفاظ ٢/ ٧٥٩ - ٧٦٠
(٢) في
حـ: «تذهب عني» وفي هـ: «يذهب عني»،
(٣) آداب الشافعي ومناقبه ٤٤ - ٤٥
وعنه في حلية الأولياء ٩/ ٩٦.
العَتَمَةَ [١] أنظر في «أحكام
القرآن».
وقرأت في كتاب العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، عن محمد بن
عبد الله القزويني، قاضي مصر، قال:
سمعت الربيع يقول: لما أراد
الشافعي أن يصنف «أحكام القرآن» قرأ القرآن مائة مرة. قال القزويني: أظنه غيرَ
دَرْسه الذي كان يدرسه.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني
أبو بكر: أحمد بن العباس ابن الإمام المقري [٢]، قال: سمعت أبا بكر بن زياد،
الفقيه النيسابوري، يقول عن المزني حكاية أو سماعاً، قال:
كان الشافعي
إذا دخل شهر رمضان يقوم الليل يصلي، فإذا مرت به آية تصلح لباب من أبواب الفقه
يرجع ويسلم، ويُسْرِجُ السّراج ويثبتها، ثم يطفئ السراج، ويعود إلى الصلاة، ثم
يفعل ذلك في الليل [٣] مراراً كثيرة.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ،
قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ، بأَسَدَابَاد، قال: حدثني إسماعيل بن
داود البزاز، بمصر، قال:
سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يقول:
الشافعي [٤] علّم أهل مصر بالاحتجاج.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ،
قال: أنبأني أبو عمرو: عثمان بن أحمد بن السَّمَّاك شِفَاهاً، أنّ أبا محمد [٥]
الشافعي أخبرهم في كتابه، قال: سمعت
(١) العتمة: صلاة العشاء.
(٢)
في ح: المغربي.
(٣) في ح: «في الليلة».
(٤) في ا: يقول
«حدثني الشافعي»
(٥) [«ابن»] سقطت من ح. [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة
«أبا محمد بن الشافعي»، ثم صححت في فهرس التصويبات ٢/ ٤٦٧]
أبي: محمد
بن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع، يقول:
سمعت محمد بن
إدريس الشافعي يقول: لا يَنْبُلُ قرشي بمكة ولا يظهر ذكره حتى يخرج منها؛ وذلك أن
النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يظهر أمره حتى خرج من مكة.
ولا يكاد
يجود شعر القرشي؛ وذلك أن الله، جل ذكره، قال لنبيه، صلى الله عليه وسلم: {وَمَا
عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [١]} .
ولا يكاد يجود خط
القرشي؛ وذلك أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان أمياً [٢].
(١) سورة
يس: ٦٩
(٢) في ا: بعد هذا: آخر الجزء الرابع من أصل المصنف.
باب
ذكر
عدد ما وصل إلينا من مصنفات الشافعي، رحمه الله
* * *
وله
كتب مصنفة في «أصول الفقه» ثم في فروعه [١].
فمن الكتب التي تجمع
الأصول وتدل على الفروع:
١ - كتاب الرسالة القديمة.
٢ -
كتاب الرسالة الجديدة.
٣ - كتاب اختلاف الأحاديث.
٤ - كتاب
جماع العلم.
٥ - كتاب إبطال الاستحسان.
٦ - كتاب أحكام
القرآن.
٧ - كتاب بيان فرض الله، عز وجل.
٨ - كتاب صفة
الأمر والنهي.
٩ - كتاب اختلاف مالك والشافعي.
١٠ - كتاب
اختلاف العراقيِّين.
١١ - كتاب الردّ على محمد بن الحسن.
(١)
في ا: «فروعها».
١٢ - كتاب عليّ وعبد الله.
١٣ - كتاب
فضائل قريش.
* * *
ومن الكتب التي هي مصنفة في الفروع، وهي
التي تعرف بالأم:
في الطهارات
١ - كتاب الوضوء.
٢
- والتيمم.
٣ - والطهارة.
٤ - ومسألة المني.
٥
- وكتاب الحيض.
وفي الصلوات
٦ - كتاب استقبال القبلة.
٧
- كتاب الإمامة.
٨ - كتاب الجمعة.
٩ - كتاب صلاة الخوف.
١٠
- كتاب صلاة العيدين.
١١ - كتاب الخسوف.
١٢ - كتاب
الاستسقاء.
١٣ - كتاب صلاة التطوع.
١٤ - الحكم في تارك
الصلاة.
١٥ - كتاب الجنائز.
١٦ - كتاب غسل الميت
في
الزكوات
١٧ - كتاب الزكاة.
١٨ - كتاب [زكاة [١]] مال
اليتيم.
١٩ - كتاب زكاة الفطر.
٢٠ - كتاب فرض الزكاة.
٢١
- كتاب قسم الصدقات.
وفي الصيام
٢٢ - كتاب الصيام
الكبير.
٢٣ - كتاب صوم التطوع.
٢٤ - كتاب الاعتكاف.
وفي
الحج
٢٥ - كتاب المناسك الكبير.
٢٦ - مختصر الحج
الأوسط.
٢٧ - مختصر الحج الصغير [٢].
وفي المعاملات
٢٨
- كتاب البيوع.
٢٩ - كتاب الصَّرْف.
٣٠ - كتاب
السَّلَم.
(١) من ح.
(٢) في ح: الأصغر.
٣١ -
كتاب الرهن الكبير.
٣٢ - كتاب الرهن الصغير.
٣٣ - كتاب
التَّفْلِيس.
٣٤ - كتاب الحجر وبلوغ الرشد.
٣٥ - كتاب
الصلح.
٣٦ - كتاب الاستحقاق.
٣٧ - كتاب الحمالة
والكفالة.
٣٨ - والحوالة والوكالة والشركة
٣٩ - كتاب
الإقرار والمواهب
٤٠ - كتاب الإقرار بالحكم الظاهر
٤١ -
كتاب إقرار الأخ بأخيه
٤٢ - كتاب العارية.
٤٣ - كتاب
الغضب.
٤٤ - كتاب الشفعة
وفي الإجارات
٤٥ -
كتاب الإجارة
٤٦ - الأوسط في الإجارة.
٤٧ - كتاب الكراء
والإجارات.
٤٨ - اختلاف الأجير والمستأجر.
٤٩ - كتاب كراء
الأرض.
٥٠ - كراء الدواب.
٥١ - كتاب المزارعة.
٥٢
- كتاب المساقاة.
٥٣ - كتاب القراض.
٥٤ - كتاب عمارة
الأرضين وإحياء الموات.
وفي العطايا
٥٥ - كتاب المواهب.
٥٦
- كتاب الأحباس.
٥٧ - كتاب العُمْرَى والرُّقْبَى.
وفي
الوصايا
٥٨ - كتاب الوصية للوارث.
٥٩ - والوصايا في
العتق.
٦٠ - كتاب تغيير [١] الوصية.
٦١ - صدقة الحي عن
الميت.
٦٢ - وصية الحامل.
وفي الفرائض وغيرها
٦٣
- كتاب المواريث.
٦٤ - كتاب الوديعة.
٦٥ - كتاب اللقطة.
٦٦
- كتاب اللقيط.
(١) في ح «تعيين». وما أثبته هو الموافق لما في كتاب
الأم ٤/ ٤٥
وفي الأنكحة
٦٧ - كتاب التعريض بالخطبة.
٦٨
- كتاب تحريم الجمع.
٦٩ - كتاب الشغار.
٧٠ - كتاب
الصداق.
٧١ - كتاب الوليمة.
٧٢ - كتاب القسم.
٧٣
- كتاب إباحة الطلاق.
٧٤ - كتاب الرَّجْعَة.
٧٥ - كتاب
الخلع والنّشُوز.
٧٦ - كتاب الإيلاء.
٧٧ - كتاب
الظِّهار.
٧٨ - كتاب اللعان.
٧٩ - كتاب العدد.
٨٠
- كتاب الاسْتِبْرَاء.
٨١ - كتاب الرضاع.
٨٢ - كتاب
النفقات.
وفي الجراح
٨٣ - كتاب جراح العمد.
٨٤
- كتاب جراح الخطأ والديات.
٨٥ - [اصطدام السفينتين] [١]
(١)
من حـ، هـ.
٨٦ - الجناية على أم الولد.
٨٧ - الجناية على
الجنين.
٨٨ - خطأ الطبيب.
٨٩ - جناية المعلم.
٩٠
- [جناية] البَيْطَار والحجَّام.
٩١ - كتاب القَسَامَة.
٩٢
- صَوْل الفحل.
وفي الحدود
٩٣ - كتاب الحدود.
٩٤
- كتاب القطع في السرقة
٩٥ - قطّاع الطريق.
٩٦ - صفة
النفي.
٩٧ - كتاب المرتد الكبير.
٩٨ - كتاب المرتد
الصغير.
٩٩ - الحكم في السّاحر.
١٠٠ - كتاب قتال أهل
البغي.
وفي السير والجهاد
١٠١ - كتاب الجزية.
١٠٢
- كتاب [١] على سِيَر الأوزاعي.
١٠٣ - كتاب على سِيَرَ الواقدي.
(١)
في ح: «كتابه»
١٠٤ - كتاب قتال المشركين.
١٠٥ - كتاب
الأُسَارَى والغُلُول.
١٠٦ - كتاب السَّبْق والرّمي.
١٠٧ -
كتاب قسم الفيء والغنيمة.
وفي الأطعمة
١٠٨ - كتاب الطعام
والشراب.
١٠٩ - كتاب الضحايا الكبير.
١١٠ - كتاب الضحايا
الصغير.
١١١ - كتاب الصيد والذبائح.
١١٢ - كتاب ذبائح بني
إسرائيل.
١١٣ - كتاب الأشربة.
وفي القضايا
١١٤
- كتاب آداب القاضي.
١١٥ - كتاب الشهادات.
١١٦ - كتاب
القضاء باليمين مع الشاهد.
١١٧ - كتاب الدّعوى والبينات.
١١٨
- كتاب الأقضية.
١١٩ - كتاب الإيمان والنذور.
وفي العتق
وغيره
١٢٠ - كتاب العتق.
١٢١ - كتاب القُرْعَة.
١٢٢
- كتاب البَحِيرَة والسَّائبَة.
١٢٣ - كتاب الولاء والحلف.
١٢٤
- كتاب الولاء الصغير.
١٢٥ - كتال المُدَبَّر.
١٢٦ - كتاب
المُكاتَب.
١٢٧ - كتاب عتق أمهات الأولاد.
١٢٨ - كتاب
الشروط.
فذلك مائة ونيف وأربعون كتابا
* * *
وله
كتاب في الطهارة، وكتاب في الصلاة، وكتاب في الزكاة، وكتاب في الحج، وكتاب في
النكاح وما في معناه، وكتاب في الطلاق وما في معناه، وفي الإيلاء، والظهار،
واللعان، والنفقات:
أملاها على أصحابه، ورواها عنه الربيع بن سليمان
المرادي، رحمه الله، مع ما تقدم ذكرنا له من الكتب المصنفة.
غير أنه
لم يَسْمَع منه من الكتب التي صَنَّفَها عِدَّةَ كُتُبٍ فيقول فيها: قال الشافعي،
رحمه الله، منها:
كتاب الوصايا الكبير، وكتاب علي وعبد الله، رضي الله
عنهما، وكتاب إحياء الموات، وكتاب الطعام والشراب، وكتاب ذبائح بني إسرائيل،
وكتاب غسل الميت.
ولأبي يعقوب: يوسف بن يحيى البويطي، والربيع بن
سليمان المرادي، عن الشافعي مختصرات تشتمل على هذه الكتب، وفيها زيادات كثيرة.
*
* *
وللشافعي كتاب يسمى «كتاب السنن [١]» يشتمل على هذه الكتب، وفيه
زيادات كثيرة من الأخبار والآثار والمسائل، رواه عنه حَرْمَلةُ بن يحيى المصري،
وأبو إبراهيم: إسماعيل بن يحيى المزني، رحمهم الله.
وروى أيضاً حرملة
بن يحيى من الكتب المصنفة التي رواها الربيع عدة كتب، وفي روايته زيادات.
وفيما
حكى أبو الحسن العاصمي بإسناده عن «حرملة» أنه قال: عندي قِمَطْرٌ من مسائل
الشافعي مَنْثورَة
* * *
وقد صنف الشافعي، رحمه الله، في
القديم أكثر هذه الكتب التي رواها [٢] عنه الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني،
رحمه الله، منها:
كتاب السنن، وكتاب الطهارة، والصلاة، والزكاة،
والصيام، والحج، والاعتكاف، والبيوع، والرهن، والإجارة، والنكاح [٣]، والطلاق،
والصداق، والظهار، والايلاء، واللعان، والجراحات، والحدود، والسَّيَر، والقضايا،
وقتال أهل البغي [والعتق [٤]] ، وغير ذلك.
ثم أعاد تصنيف هذه الكتب في
الجديد غير [٥] كتب معدودة منها:
(١) في ا: «السير».
(٢)
في حـ: «الكتب ورواها».
(٣) سقطت من هـ.
(٤) من حـ، هـ.
(٥)
في ا: «عن».
كتاب الصيام، وكتاب الصداق، وكتاب الحدود، وكتاب الرهن
الصغير، وكتاب الإجازة، وكتاب الجنائز.
فكان يأمر بقراءة هذه الكتب
عليه في الجديد، ثم يأمر بتخريق ما تغير اجتهاده فيه، وربما يدعه إكتفاء بما ذكر
في موضع آخر.
وله كتب صنفها في القديم، وحملها عنه الحسين بن علي
الكَرَابِيسي، وأبو عبد الرحمن: أحمد بن يحيى بن عبد العزيز البغدادي، الذي يعرف
بالشافعي، غير أن روايتهما سقطت، وتلك الكتب عدمت في زماننا هذا إلا القليل
منها.
وقد وقع بيدي منها «كتاب السير» رواية أبي عبد الرحمن، وفيه
زيادات كثيرة.
* * *
ولأبي ثور: إبراهيم بن خالد الكلبي
أيضاً روايات، وفيها زيادات
ولأبي عبد الله: أحمد بن حنبل الإمام
أيضاً روايات في المسائل المَنثُورَة، ثم في أنساب قريش، وغيرها، مما أخذه عن
الشافعي، سوى ما روى عنه من الأخبار المسندة.
ثم لأبي إبراهيم المزني،
رحمه الله، رواية بزيادات [١] أورد بعضها في «المختصر الكبير»، ثم في «المختصر
الصغير»، ثم في «المنثورات».
(١) في حـ: في روايته زيادات.
ولأبي
الوليد: موسى بن أبي الجَارُود «مختصر» كمختصر البُوَيْطِي يرويه عن الشافعي، وفي
روايته زيادات.
ثم لسائر [١] أصحابه: كعبد الله بن الزبير
الحُمَيْدِي، ويونس بن عبد الأعلى ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وعبد العزيز
بن عِمْرَان بن مِقْلاَص، والربيع بن سليمان الجِيْزِي - وهو غير المرادي -
والحارث بن سُرَيج النَّقَّال، والحسين [٢] القَلاَّس، وبحر بن نصر الخُوْلاَنِي؛
وغيرهم - روايات في مسائل معدودة، ينفرد كل واحد منهم بما لا يشاركه فيه [غيره
[٣]] .
وذلك يدل على «كتب» أملاها أو قرأها عليهم غير ما سمينا. والله
يرحمنا وإياهم.
* * *
ثم له في سائر أنواع العلوم حظّ
وافر، ونحن نشير - إن شاء الله تعالى - في كلّ نوع منها إلى طَرَفٍ منه، دون
الإطناب فيه مخافة تطويل الكتاب وبالله التوفيق.
* * *
قرأت
في كتاب أبي الحسن العاصمي فيما كتب [٤] إليه مكحول البيروتي يذكر عن الربيع بن
سليمان، قال: سمعت الشافعي يقول:
(١) في ا «ثم اثار أصحابه»
(٢)
في ا: «والحسين بن الفلاس».
(٣) من ح.
(٤) في ح:
«كتبه».
[م - ١٧] مناقب
«ألفت هذه الكتب» واستفرغت مجهودي
فيها، ووددت أن يتعلمها الناس ولا تنسب إلى.
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس الأصم، قال:
سمعت
الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي يقول: وَدْدِتُ أن الناس، أو الخلق،
تعلّموا هذا - يعني كتبه - على أن لا ينسب إلي منه شيء.
أخبرنا أبو
عبد الرحمن السُّلَمي، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد ابن عبد الرحمن البستي [١]،
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الرّازي
[٢]، قال: حدثنا إسحاق بن محمد الأنصاري، بِصيْدَا:
عن محمد بن إسحاق
بن راهويه، قال: سمعت أبي وسُئلَ: كيف وضع الشافعي هذه الكتب كلها ولم يكن بكبير
السن؟ فقال: عجَّل الله له عقله لقلّة عمره.
وأخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، قال: قال العباس بن أحمد بن الطيب الشافعي، شيخ عصره، بمصر: حدثنا عبد
الواحد بن أحمد بن الخصيب، بتنّيس، قال: حدثنا أبو بكر: أحمد بن مروان، قال:
حدثنا جعفر بن محمد النَّيْسَابُورِي، قال:
(١) من ا.
(٢)
في ح «محمد بن عبد الرحمن الدارمي»
سمعت إسحاق بن راهويه وسئل فقيل
له: كيف وضع الشافعي هذه الكتب وكان عمره يسيراً؟ فقال إسحاق: جَمَعَ اللهُ عقلَه
لقلَّة عمره.
أخبرنا محمد بن الحسين السّلمي، قال: حدثنا أبو بكر:
محمد بن أحمد بن المفيد الجَرْجَرَائي [١]، إجازة، قال: حدثنا زكريا بن يحيى
السّاجي، ومحمد بن علي ابن حبيب الطَّرَائِفِي؛ قال:
حدثنا الربيع بن
سليمان، قال: سمعت الشافعي يقول: أريت في المنام كأنّ آتٍ أتاني فحمل كتبي
وبَثَّهَا في الهواء فتطايرت. فاسْتَعْبَرْتُ بعض المُعَبِّرِينَ فقال: إن صدقت
رؤياك لم يبق بلد من بلدان [٢] الإسلام إلا ودخله علمُك.
(١) في ح
«الجرجاني» وفي الأنساب ٣/ ٢٤٠ «وأبو بكر: محمد بن أحمد بن يعقوب، المفيد،
الجرجرائي، كان رحل وجمع، ولكن كانوا لا يحتجون به، مات قبل سنة أربعمائة» وقال
الذهبي في ميزان الاعتدال ٣/ ٤٦٠ - ٤٦١ «روى مناكير عن مجاهيل ومات سنة ٣٧٨، وله
٩٤ سنة. وهو متهم»
(٢) في ح «بلاد»
باب ما يستدل به على رغبة علماء عصر الشافعيِّ ومَنْ بَعْدهم في كُتُبِه،
والاقْتبَاس من عِلْمه، والانتفاع به، وحسن الثناء عليه
* * *
وذلك لانفراده من بين فُقَهاء الأمصار بحسن
التأليف؛ فإن حسن التصنيف يكون بثلاثة أشياء:
أحدها: حسن النظم
والترتيب.
والثاني: ذكر الحجج في المسائل، مع مراعاة الأصول.
والثالث:
تَحَرِّي الإيجاز والاختصار فيما يؤلِّفه.
وكان قد خُصّ بجميع ذلك،
رحمة الله عليه ورضوانه.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا
محمد: الحسن بن محمد بن إسحاق الإسفراييني، يقول: سمعت العُمَرِيّ، يقول: سمعت
«الجاحظ» يقول: نظرت في كتب هؤلاء النَّابِغَة فلم أر أحسن تأليفاً من
المُطَّلبي، كان فوه ينظم دُرًّا إلى دُرّ، ونظرت في كتب فلان فما شبهته إلا
بكلام الرَّقَّائين [١] وأصحاب الحَيَّات.
(١) في ا: «الرقويين».
وأخبرنا
أبو سعد: أحمد بن محمد المَالِيني، قال: أخبرنا أبو أحمد: عبد الله بن عدي
الحافظ، قال: حدثني محمد بن القاسم بن سريج [١]، قال: سمعت محمد بن عبد العزيز
[٢] العمري، يقول:
سمعت «الجاحظ» يقول: نظرت في كتب هؤلاء النَّبَغَة
الذين نبغوا فلم أر أحسن تأليفاً من المُطَّلِبِي، كأن فاه نظم درًّا إلى درّ.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أحمد بن الحسين بن محمد الدّارمي، قال:
حدثنا عبد الرحمن بن محمد، قال: حدثنا عبد الملك - يعني ابن عبد الحميد
المَيْمُونِي [٣] - قال:
قال لي أحمد بن حنبل: مالك لا تنظر في كتب
الشافعي؟ فما من أحد وضع الكتب حتى ظهرت [٤] أتبعُ للسنّة من الشافعي.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السُّلَمي، قال: حدثنا عياش بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن الحسين،
حدثنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: سمعت محمد بن
زَنْجَوَيْه، يقول:
سمعت أحمد بن حنبل، يقول: ما سبق أحد الشافعيّ إلى
«كتاب الجزية».
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو محمد:
الحسن
(١) في هـ: «شريح».
(٢) في ا: «عبد الله».
(٣)
سقطت من ح.
(٤) في هـ، ح: «حتى ظهرت كتب الشافعي، رضي الله عنه، ولا
أحد أتبع للسنة ..» وهو في آداب الشافعي ٦١.
ابن محمد بن إسحاق
الإسفرابيني. قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم ابن هانئ، قال:
سألت أحمد
بن حنبل عن كتب مالك والشافعي، هي أحب إليك أم كتب أبي حنيفة وأبي يوسف؟ فقال:
الشافعيّ أحبّ إليّ. هو وإن وضع كتاباً فهو يفتي بالحديث. وهؤلاء يفتون بالرأي.
فكيف بين هذين؟!
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثني عبد
العزيز بن عبد الملك ابن نصر الأموي، قال: حدثنا أبو بكر بن العطار [١] النحوي.
قال: حدثنا عبد الله بن محمد: مولى بني هاشم، قال: حدثني محمد بن مسلم بن وَارَةَ
الرّازِي، قال:
قدمت من مصر، فدخلت على أحمد بن حنبل، فقال لي: من أين
جئت؟ قلت: جئت من مصر. قال: أكتبت كُتُبَ الشافعي؟ قلت: لا. قال: فلم؟ ما عرفنا
نَاسِخَ سُنَنِ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من مَنْسُوخِها. ولا خاصَّها من
عامِّها ولا مَجْمَلَها من مُفَسَّرِها حتى جَالَسْنَا الشافعي.
قال
ابن وَارَة [٢]: فحملني ذلك على أن رجعت إلى مصر فكتبتها [٣].
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن أحمد الدارمي، قال: حدثنا عبد الرحمن
- يعني ابن محمد الحنْظَلِيّ - قال: حدثنا محمد بن مسلم بن وَارَة، قال:
(١)
في ا: «القطان».
(٢) في هـ: «وابرة» وهو تصحيف.
(٣) راجع
آداب الشافعي ٦٠.
سألت أحمد بن حنبل، قلت: ما ترى لي من الكتب أنْ
أنظر فيه لتفتح لي الآثار: رأى مالك؟ أو الثوري؟ أو الأوزاعي؟ فقال لي قولا
أُجِلُّهم أنْ أَذْكُرَ لك [١]. وقال: عليك بالشافعي؛ فإنه أكثرهم صواباً أو
أتبعُهم للآثار - الشكُّ [٢] مني.
قلت لأحمد بن حنبل: فما ترى في كتب
الشافعي التي عند العراقيين، أحب إليك؟ أم [٣] التي عندهم بمصر؟ قال: عليك بالكتب
التي [٤] وضعها بمصر؛ فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يُحْكِمْهَا. ثم رجع إلى
مصر فَأحْكَمَ ذلك [٥]. فلما سمعت ذلك من أحمد، وكنت قبل ذلك عزمت على الرجوع إلى
البلد، وتحدّث بذلك الناس - تركت ذلك، وعزمت على الرجوع إلى مصر [٦].
أخبرنا
محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه، قال: حدثنا إبراهيم بن محمود،
قال: حدثنا أبو سليمان، قال: حدثنا أحمد بن القاسم: صاحب أبي عُبَيْد، قال:
أردت
الخروج إلى مصر، فأتيت أحمد بن حنبل، فقلت: يا أبا عبد الله، إني أريد الخروج إلى
مصر فما تأمرني أن أكتب؟ قال: اكتب كتب الشافعي.
(١) في ح: «ذان» وفي
هـ: «ذلك».
(٢) آداب الشافعي ٥٩ - ٦٠.
(٣) في ا: «أو».
(٤)
في ا: «الذي».
(٥) في ا: «ذاك».
(٦) آداب الشافعي ٦٠.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: وقال أبو نعيم فيما بلغني عنه: سمعت إسحاق بن أبي
عمران، يقول: سمعت أبا بكر الصيرفيّ [١]، يقول:
سمعت «أحمد بن حنبل»
يقول: صاحب حديث لا يشبع - أو قال: لا يستغنى - عن كتب الشافعي.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن
- يعني بن أبي حاتم الرازي - قال: سمعت «أبي»، يقول: قال لي «أحمد بن صالح»: تريد
أن نكتب كتب الشافعي؟ قلت: نعم، لا بد من أن أكتبها [٢].
أخبرنا محمد
بن عبد الله، قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن
محمد، قال: سمعت أبا زرعة، يقول:
سمعت كتب الشافعي أيام يحيى بن عبد
الله بن بكير، سنة ثمان وعشرين ومائتين، وعندما عزمت على سماع كتب الشافعي بِعْتُ
ثوبين رقيقين كنت حملتهما [٣] لأُقَطِّعَهُمَا، فبعتها وأعطيت الوَرَّاق [٤].
وبهذا
الإسناد قال: حدثنا أبو زرعة، قال: بلغني أن «إسحاق بن راهويه» كتب له كتب
الشافعي فتبين [٥] في كتبه أشياء قد أخذها
(١) في ا: «الصومعي» وفي
هـ: «الصوفي».
(٢) راجع آداب الشافعي وهامشه ٧٥ - ٧٦.
(٣)
في هـ: «عملتهما».
(٤) آداب الشافعي ومناقبه ٧٥.
(٥) في هـ
«فنسى».
عن الشافعي جعلها لنفسه [١]!
وقرأت في كتاب أبي
الحسن العاصمي، فيما بلغه، عن أبي علي: محمد بن إبراهيم القُهُسْتَانِي [٢]،
قال:
كتبت عن «إسحاق بن راهويه» في حياة «يحيى بن يحيى)، وكان ربما
يملي علينا الباب، فيتبعه كلام الشافعي، فيجعله من كلامه، فربما تَنَحْنَحْتُ،
فإذا فرغ من المجلس التفت وقال: نعم، هذا كلام الرجل. وحكى مناظرته مع الشافعي،
وقال: ثم نظرنا بَعْدُ في كتبه، فوجدنا الرجل من علماء هذه الأمة [٣].
وهذا
فيما رواه العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، مُنَاولَةً، عن أبي القاسم: محمد بن
عبد الله القَزْوِينِي، قاضي مصر، عن القُهُسْتَانِي، فذكر الحكايتين.
وبهذا
الإسناد عن أبي علي القُهُسْتَاني، قال:
دخلت يوماً على «إسحاق بن
إبراهيم» فأذن لي وليس عنده أحد، فوجدت كتب الشافعي حواليه، فقلت: {مَعَاذَ
اللَّهِ أَنْ نَاخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ [٤]} فقال لي:
والله ما كنت أعلم أن «محمد ابن إدريس» في هذا المحل الذي هو محله، ولو علمت لم
أفارقه.
(١) آداب الشافعي ٦٣.
(٢) في هـ: «القهماني» وهو
خطأ، فهو نسبة إلى قهستان، وهي ناحية بخراسان، كما في اللباب ٣/ ١٢.
(٣)
نقلها ابن حجر في توالي التأسيس ٥٨ عن الآبري
(٤) سورة يوسف ٧٩.
وأخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا الحسن: علي بن بندار الصيرفي، يقول: سمعت عمر
بن محمد بن يحيى، يقول: سمعت «داود بن علي الأصبهاني» الفقيه، يقول:
دخلت
على إسحاق بن راهويه وهو يَحْتَجِمُ، فأشار إليَّ فجلست، فرأيت كتب الشافعي،
فتناولتها، فجعلت أنظر فيها، فصاح بي إسحاق إيش تنظر؟
فقلت: {مَعَاذَ
اللَّهِ أَنْ نَاخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} .
وقد
مضى كتاب إسحاق إلى أحمد بن حنبل في إنفاذ ما يعلمه يحتاج إليه من كتب الشافعي
إليه، فبعث إليه بكتاب «الرسالة [١]».
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ،
قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي
حاتم.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين [٢] السلمي، قال: حدثنا
علي بن محمد بن عمر، الفقيه، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس، قال: حدثنا
أحمد بن سلمة بن عبد الله النيسابوري، قال:
تزوج إسحاق بن راهويه،
بِمرو، بامرأة كان عند زوجها كتب الشافعي، فتوفى، ولم يتزوج بها إلا لحال كتب
الشافعي، فوضع جامعه الكبير على كتاب الشافعي، ووضع جامعه الصغير على «جامع
الثوري» الصغير [٣].
(١) في ح: «من كتب الشافعي رضي الله عنه فبعث
إليه الرسالة» وانظر ما مضى ص ٢٣٤
(٢) في هـ: «الحسن».
(٣)
آداب الشافعي ٦٤
[قال الإمام البيهقي رحمه الله [١]] وقدم أبو إسماعيل
الترمذي بنيسابور [٢] وكان عنده كتب الشافعي عن البُوَيْطِي، فقال له إسحاق بن
راهوية: لي إليك حاجة: ألاّ تحدث بكتب الشافعي ما دمت بنيسابور. فأجابه إلى ذلك،
ولم يحدّث حتى خرج [٣].
قلت: أراد إسحاق - مع عظم محله من العلم - أن
يرتفع اسمه فيما وضع من الكتب في [٤] الفقه دون الشافعي، وأراد الله تعالى أن
ترتفع [٥] كتب من كان يقول: «ما أبالي لو أن الناس كتبوا كتبي هذه ونظروا فيها
وتفقهوا ثم لم ينسبوها إلي أبداً» فكان ما أراد الله، عز وجل، دون ما أراد
غيره.
وهذه الحكاية عن الشافعي [قد تقدمت [٦]] فيما أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الطيب: عبد الله بن محمد الفقيه، قال: حدثنا محمد
ابن عبد الرحمن الأصبهاني، قال: حدثنا أبو جعفر: أحمد بن علي بن عيسى الرازي،
قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول. فذكرها.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني نصر بن محمد بن أحمد العطار، قال: أخبرني محمد
بن عمرو، قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد، قال:
(١) ما بين القوسين
من ح.
(٢) كذا في الأصول وفي أصل آداب الشافعي ٦٤ والصواب
«نيسابور».
(٣) آداب الشافعي ومناقبه ٦٤ - ٦٥.
(٤) في هـ:
«من».
(٥) في هـ: «يرفع».
(٦) من ح.
أخبرني أبو
القاسم القزويني. وقرأت في كتاب (١ أبي الحسن ١) العاصمي: أخبرني الزبير بن عبد
الواحد بالشام، قال: حدثني أبو القاسم محمد بن عبد الله القزويني، قال:
سمعت
«داود بن علي» وذكر عنده «أبو عبيد القاسم بن سلام» فقال: هو رجل له عناية، يصنّف
من العلم، وكان ينحو نحو المعلمين. قال: فبلغني أنه كان يحضر مجلس المُطّلبي،
رحمه الله، فيجلس من وراء الناس قريباً، فربما يسأل الحرف بعد الحرف فيستفهم من
الشافعي.
قال: وكان الشافعي مكرماً لجلسائه، فكان إذا حضر ربما
أَوْمَاَ [٢] إليه وكان أبو عبيد يحب أن يسمع من وراء. قال: فسأل يوماً بعضَ من
هو أمامه فقال: سل أبا عبد الله عن كذا وكذا يُخْفيه عن [٣] الشافعي. فقال له
الشافعي: «ادن يا أبا تراب». يعني أن الناس يقعدون على الثياب ويستفتونه [٤] وهو
يقعد على التراب.
وفي رواية العاصمي: لأن الناس كانوا يستفتونه
فيجلسون على الثياب فيجيء هو فيجلس على التراب.
وسقط قوله «وكان
الشافعي مكرماً لجلسائه» من رواية شيخنا أبي عبد الله.
(١) ما بين
الرقمين ليس في ح، ولا في هـ.
(٢) في هـ: «أوصى» وهو خطأ.
(٣)
في ا: «يجيبه الشافعي» وهو تحريف.
(٤) في ا: «ويستفيق به» وهو
تحريف.
قال أبو الحسن: قال [١]: أخبرني الزبير بن عبد الواحد، عن
القزويني: قال:
قال رجل لمحمد بن إسحاق الصاغاني: يا أبا بكر، بلغنا
أن «أبا عبيد» كتب كتب الشافعي بمصر، فقال: قد رأيت بعضها معه بمصر.
قال
أبو الحسن: سمعت ابن نافع يقول: سمعت محمد بن إبراهيم، يقول:
سمعت
«الربيع بن سليمان» يقول: جاءني «القاسم بن سلام» فأخذ مني كتب الشافعي
فنسخها.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: قرأت في كتاب بعض فقهائنا
يحكي، عن «أبي بكر الصيرفي» في ر [ده على ابن أبي طالب [٢]] قال: قال الربيع ابن
سليمان: جاءني «أبو عبيد» إلى مصر، فكتب كتب الشافعي.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: ذكر زكريا بن يحيى، عن
جعفر بن أحمد، قال:
لما وضع «أبو عبيد» كتب الفقه والرد بلغ «الحسين
بن علي الكرابيسي» أنه يذكر في كتبه الفقهاء ويمسك عن ذكر الشافعي، فأخذ بعض كتبه
فنظر فيها، فإذا هو يحتج عليهم بحجج الشافعي ولفظه قد انتزعه من كتابه، فغضب
الحسين، فلقيه، فقال: يا أبا عبد الله، تقول في كتابك: قال ابن الحسن، وقال
فلان،
(١) ليست في ح، ولا في هـ.
(٢) ما بين القوسين بياض
في ا.
وتدع ذكر الشافعي، وقد سرقت [١] من كتبه احتجاجاً به، إنما أنت
راوية لا تحسن شيئاً. ثم سأله عن رجل ضرب صدر رجل فكسر ضلعاً من أضلاعه؟ فأجابه
بالخطأ، فقال: أنت لا تحسن مسألة، تضع الكتب؟ فلم يقم حتى بيّن [٢] عليه.
قلت:
أبو عبد الله كان كبيراً في صنعته، غير أنّ الحسد من جِبِلَّة بعض الناس، وربما
يكون [٣] غالباً فيمنعه من الإنصاف بالاعتراف لذي الفضل بفضله [٤]. والله يعصمنا
من أمثاله.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا أبو محمد: عبد
الله بن سعيد ابن عبد الرحمن البُسْتِي، بهمذان، قال. حدثنا أحمد بن محمد بن
يوسف، قال: حدثنا أبو الحسين: محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، بدمشق، قال:
حدثنا أبو عبد الله: محمد بن يوسف الهروي، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الفَرَجِي.
قال:
سمعت «محمد بن علي المديني» قال: قال «أبي»: إني لا أترك للشافعي
[٥] حرفاً واحداً إلا كتبته، فإن فيه معرفة.
(١) في ا: «توفرت» وفي
هـ: «شرفت».
(٢) في ا: «تبين».
(٣) في ح: «كان».
(٤)
في هـ، ا: «لفضله».
(٥) في ا: «لا يترك الشافعي» وفي ح: «لا نترك
للشافعي» وفي تهذيب الأسماء ١/ ٦٠ «لا تترك حرفاً للشافعي إلا كتبته» وفي تهذيب
التهذيب ٩/ ٣٠: «قال علي بن المديني لابنه: لا تدع للشافعي حرفاً إلا كتبته فان
فيه معرفة».
ورواه أيضاً أبو الحسن العاصمي، عن أبي عبد الله: محمد بن
يوسف ابن النضر.
قال أبو الحسن: وأخبرنا أبو عبد الله بن محمد يوسف،
بالشام، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الفَرَجِي [١]، قال: سمعت عبدوس العطار،
قال:
سمعت «علي بن المديني» يقول للشافعي في غرفتي هذه: اكتب [٢] كتاب
خبر [٣] الواحد إلى عبد الرحمن بن مهدي فإنه يسر بذلك.
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد القاضي، قال: حدثنا محمد - يعني [ابن
[٤]] عبد الرحمن بن زياد - قال: أنبأنا أبو يحيى السّاجي - أو فيما [٥] أجازه لي
مشافهة - قال:
حدثنا حَوْثَرَةُ بن محمد، قال: تتبين السنة في الرجل
بشيئين: حبّ [٦] أحمد ابن حنبل، وكَتْبُ كُتبِ الشافعي.
أخبرنا أبو
عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا الوليد: حسان بن محمد الفقيه، يقول: سمعت القاضي
أبا العباس بن سريج [٧] يقول: سمعت «زياد بن الخليل
(١) في هـ: «أبن
الفرج».
(٢) في هـ: سمعت علي بن المديني يقول: «عرفني هذه الكتب».
(٣)
في هـ: «غير» وهو تصحيف.
(٤) من هـ، ح.
(٥) في ح:
«مما».
(٦) في هـ: حرب وهو تحريف
(٧) في هـ: «شريح».
التستري
[١]» يقول:
كنت بمصر، فكنت أرى كل ليلة في المنام تُدْفَعُ إليّ درّة،
وكنت أكتب كتب الشافعي، رحمه الله، حتى فرغت من كتابته فنقص ذلك.
قرأت
في كتاب أبي يحيى: زكريا بن يحيى السّاجي: أنّ عيسى بن إبراهيم حدثهم، قال: سمعت
«محمد بن نصر الترمذي [٢]» يقول:
كتبت الحديث سبعاً وعشرين سنة.
وسمعت
قول مالك ومسائله، ولم يكن لي حُسْنُ رَايٍ في الشافعي، فبينا أنا قاعد في مسجد
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالمدينة [فأغفيت إغفاءة [٣]] فرأيت النبي، صلى
الله عليه وسلم، في المنام، فقلت: يا رسول الله، أكتب رأي «أبي فلان» قال: لا.
قلت: رأي مالك؟ قال: اكتب منه ما وافق حديثي. قلت له: أكتب رأي الشافعي؟ فطأطأ
رأسه شبيهاً بالغضبان، ثم رفع رأسه إليّ فقال: هذا رأي؟ ليس هذا بالرأي، هذا
رَدٌّ على من خالف سنتي. قال: فخرجت في اثر هذه الرؤيا إلى مصر فكتبت كتب
الشافعي.
(١) في هـ «النضري» وهو خطأ. وزياد بن الخليلي التستري، يكنى
أبا سهل، قدم بغداد، وحدث بها عن إبراهيم بن المنذر الحزامي ومسددين بن مسرهد
وهارون الأيلي، وذكره الدارقطني فقال: لا بأس به، ومات بعسقلان في طريق المدينة
قبل أن يدخل مكة في سنة ٢٩٠ كما في الأنساب للسمعاني ٣/ ٥٣.
(٢) في ا:
«الدهري» وهو تحريف. فهو محمد بن أحمد بن نصر الترمذي، يكنى أبا جعفر روى ببغداد
عن يحيى بن بكير المصري وغيره، روى عنه عبد الباقي بن قانع، وكان ثقة زاهدا. ومات
في المحرم سنة خمسين ومائتين، ومولده سنة مائتين، كما في اللباب /١٧٤.
(٣)
من هـ، ح.
وقد أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، فيما أخبرهم الحسن بن
رشيق، إجازة، أظنه عن زكريا، وزاد في آخره: وكنت قبل ذلك دخلت مصر ثلاث دخلات،
ولم أكن كتبت كتب الشافعي.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت
أبا الوليد الفقيه يقول: سمعت أبا العباس بن سريح وأبا علي الثقفي يقولان:
سمعنا
«أبا جعفر محمد بن نصر الترمذي [١]» يقول: كنت بالمدينة - مدينة الرسول، صلى الله
عليه وسلم - وكنت مغموماً لضيق الحال، فرقدت بين العمودين، فرأيت النبي، صلى الله
عليه وسلم، فيما يرى النائم، فقمت إليه أشكو إليه بعض ما بي، فكأنّي دخلت معه بيت
أُمّ سَلَمَة، وأومأ إلى ما في البيت، كأنه يريني أنّ بيتي هكذا ليس فيه شيء،
وكأنه عرف حالي، فقلت: يا رسول الله، أكتب رأي «أبي فلان» فقال: لا. فقلت [٢]:
فرأي «مالك»؟ فقال: [لا [٣]] : إلا ما وافق حديثي. قلت: فرأي الشافعي؟ قال: ذاك
ليس برأي، ولكنه رّدٌّ على من خالفني - أو كما [٤] قال - وألفاظها متقاربة. هذه
رواية قد رواها جماعة عن أبي جعفر الترمذي «وأبو جعفر» كان من أكابر أهل العلم
ومن ثقاتهم.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن
أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي،
نزيل مكة
(١) في حـ، هـ: «الزبيدي» وهو خطأ.
(٢) في هـ، ح:
فقلت: رأي مالك.
(٣) من هـ.
(٤) في ا: «وكما».
[م
- ١٨] مناقب
فيما كتب إليَّ، قال: حدثنا محمد بن رشيق (*) ، قال:
حدثني محمد بن الحسن البَلْخِي، قال:
رأيت رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، في النوم، فقلت: يا رسول الله، ما تقول في قول مالك وأهل العراق؟ قال: ليس
قَوْلٌ إلا قولي. قلت: ما تقول في قول أبي حنيفة وأصحابه؟ قال: ليس قول إلا قولي.
قلت: ما تقول في قول الشافعي؟ قال: ليس قول إلا قولي، ولكنّ قولَه ضدُّ قولِ أهل
البدع.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي
نصر، قال: وجدت في كتابي: عن أبي القاسم القَزْوِيني، قال:
كان معنا
ببغداد رجل من أهل المغرب كان يطعن على الشافعي ويميل إلى قول مالك. قال: فأصبحنا
ذات يوم، فقال لنا: إنا على الرحيل إلى مصر. فقلنا له: وما شأنك؟ قال: أريد أن
أكتب كتب الشافعي. قال: فقلنا له: إنك كنت تطعن على الشافعي. فقال:
إني
رأيت في المنام البارحة. كأنّ طيراً أخضر يطير وقوم يأخذون منها ما شاءوا، فذهبت
لآخذ منها، فَمُنِعت، فقلت لهم: ما بالي [١] أمنع من بين الناس؟ فقيل لي: أنت
تطعن على الشافعي. قال: فقلت له: فلست أطعن عليه. قال: فجئت وأخذت فلم أمنع.
فخروجي لأجل هذا.
وقرأت في كتاب العاصمي، عن أبي يحيى: زكريا بن يحيى
البلخي، عن عثمان بن سعيد، عن أبي القاسم القزويني، قال: كنا في سفر معنا رجل.
فذكر معناه
(*) صواب ما في الأصول: «أبو محمد بن رشيق»، كما في
الأنساب ورقة ١٩١ - ا. [فهرس التصويبات ٢/ ٤٦٧]
(١) في هـ: «مالي».
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد
الرحمن بن محمد، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الجنيد - وكان رفيق أبي في الرحلة -
قال: سمعت «عمرو بن سَوَّاد السَّرْحي [١]» يقول:
قال لي الشافعي:
مالك لا تكتب كتبي؟ فسكت. فقال له رجل: إنه يزعم أنَّكَ كتبتَ ثم غيرَّت ثم
كتبتَ، ثم غيرت. فقال الشافعي: الآن حَمِيَ الوَطِيسُ. والوطيس: التَّنُّور
[٢].
(١) هو عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو بن محمد بن عبد الله بن
سعد بن أبي سرح العامري السرحي، أبو محمد المصري.
روي عن ابن وهب
والشافعي وأشهب وغيرهم، وروى عنه مسلم والنسائي وابن ماجه وأبو حاتم وبقى بن مخلد
وغيرهم. قال عنه أبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي: لا بأس
به، وقال الحاكم: ثقة مأمون. توفي سنة ٢٤٥. وترجمته في تهذيب التهذيب ٨/ ٤٥ -
٤٦.
(٢) آداب الشافعي ومناقبه ٦٦
باب ما يستدل به على حفظ الشافعي، رحمه الله تعالى، لكتاب الله، عز وجل،
ومعرفته بالقراءات، وحسن صوته بالقراءة
* * *
أخبرنا أبو طاهر: محمد بن محمد بن مَحْمش الفقيه،
وأبو عبد الله الحافظ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق، وأبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين
السلمي، وأبو سعيد: محمد بن موسى؛ قالوا [١]: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب،
قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال:
أخبرنا الشافعي قال:
أخبرنا إسماعيل بن قُسْطَنْطِين، قال: قرأت على شِبْل، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد
الله بن كثير، وأخبر عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ
على ابن عباس، وأخبر ابن عباس أنه قرأ على أُبَيّ، وقال ابن عباس: وقرأ أبي على
النبي: صلى الله عليه وسلم [٢].
(١) في ا: «قال».
(٢) في
ا: «وأخبر مجاهد أنه قرأ على أبي وقال ابن عباس: قرأ أبي على النبي صلى الله عليه
وسلم» وهو خلط.
والخبر ذكره البيهقي في الأسماء والصفات ٢٧٢ ونقله
فيهما عن آداب الشافعي ومناقبه ص ١٤١ - ١٤٢ وانظر هامشه. وفي تاريخ بغداد ٢/ ٦٢،
ومناقب الشافعي للرازي ٧٠.
قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: قال
الشافعي: وقرأت على إسماعيل بن قُسْطَنْطِين. وكان يقول: القرآن اسم، وليس
بمهموز، ولم يؤخذ من قرأت. ولو أخذ من قرأت لكان كلُّ ما قرئ قرآنا، ولكنه اسم
للقرآن مثل التوراة والإنجيل يهمز قرأت، ولا يهمز القرآن. وكان يقول: {وَإِذَا
قَرَأْتَ الْقُرَانَ} الآية تَهْمُز قرأت [١]، ولا يهمز القرآن [٢].
وفي
رواية السلمي: إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين. وكذلك رواه أبو الإخريط: وهب بن
وَاضِح [٣]، عن إسماعيل بن عبد الله بن قُسْطَنْطِين [٤] فيما قرأ عليه: وأخبرنا
إسماعيل: أنه قرأ على شبل بن عباد [٥]، ومعروف بن مشكان [٦]، وأخبراه أنهما قرآ
على عبد الله بن كثير [٧].
ورواه أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة،
عن عكرمة بن سليمان، عن إسماعيل، عن ابن كثير، وأسقط من إسناده شبلا. والصحيح ما
رواه الشافعي. ومتابعة أبي [٨] الأخريط المقري إياه أكدت [٩] روايته.
أخبرنا
محمد بن عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أبو العباس:
(١) في ا: وكان
يقرأ: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرَانَ} يهمز قرأت ولا يهمز القرآن.
(٢)
الأسماء والصفات للبيهقي ٢٧٢
(٣) مات سنة ١٩٠ كما في غاية النهاية في
طبقات القراء ٢/ ٣٦١.
(٤) ولد سنة ١٠٠ ومات سنة ١٧٠ كما في غاية
النهاية ١/ ١٦٦.
(٥) مات سنة ١٤٨ كما في غاية النهاية ١/ ٣٢٤.
(٦)
ولد سنة ١٠٠ ومات سنة ١٦٥ كما في غاية النهاية ٢/ ٣٠٤.
(٧) مات سنة
١٢٠ كما في غاية النهاية ١/ ٤٤٣ - ٤٤٥.
(٨) في ح، هـ: «ابن» وهو
تحريف.
(٩) في ا: «أكذب» وهو تصحيف.
محمد بن يعقوب، قال:
حدثنا الربيع بن سليمان، قال:
قال الشافعي: قال الله، تبارك وتعالى:
{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} .
ونحن نقرؤها وأرجُلَكم [١]
على معنى فاغسلوا [٢] وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برءوسكم [٣].
وأخبرنا
محمد بن عبد الله، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن الدارمي، قال: حدثنا عبد
الرحمن - يعني ابن محمد الحنظلي - قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: قُرِئَ على
الشافعي: {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ [٤]} فقال: ليس هكذا، اقرأ إقراءً {أَنَّ
لَعْنَةَ اللَّهِ} {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ [٥]} .
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، قال: قرأت في كتاب من أثق به من أصحابنا، عن عبد الله بن مسلم، قال: سمعت
صالح بن أحمد ابن حنبل يقول:
سمعت أبي - وذكر الشافعي - فقال: كان إذا
جاءه الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه، لم يلتفت إلى غيره.
وكان رجلا جمع الله فيه العلم، والفقه، وقراءة القرآن، والخضوع.
(١)
مناقب الشافعي للرازي ٧٨.
(٢) في ح: «غسلوا».
(٣) الأم ١/
٢٣ وفي ح بعد هذا: «زاد فيه في الباب الذي بعد هذا بنصب أرجلكم وعلى ذلك عزونا
دلالة السنة». وهذا القول ليس من صلب الكتاب، وإنما هو تعليق قارئ أدرج في
النسحة.
(٤) سورة النور: ٧.
(٥) سورة النور: ٩.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت الحسين بن أحمد بن موسى، يقول: سمعت محمد بن
يحيى الصوفي [١]، يقول:
قال «المُبَرِّد»: رحم الله الشافعي؛ فإنه كان
من أشعر الناس، وآدب الناس، وأعرفهم بالقراءات.
أخبرنا أبو عبد
الحافظ، قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم المؤذن [٢]، عن أبي عبد الله:
محمد بن عبد الله الصفّار، قال سمعت أبا طاهر: سهل بن عبد الله بن الفرحان،
يقول:
سمعت «حَرْمَلَة بن يحيى» يقول: رأيت الشافعي يقرئ الناس في
المسجد الحرام وهو ابن ثلاث عشرة [٣] سنة.
أخبرنا أبو عبد الرحمن
السلمي، قال: سمعت علي بن عمر الحافظ، يقول: سمعت أبا بكر النيسابوري، قال: سمعت
الربيع بن سليمان: قال:
كان الشافعي يختم في كل شهر ثلاثين ختمة، وكان
يختم في شهر رمضان ستين ختمة [٤]، سوى ما يقرأ في الصلاة.
وأخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ، قال. حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ بأسَدَآباد،
قال: سمعت أبا الحسين [أحمد] بن محمد بن جعفر الحداد يقول: سمعت الربيع بن
سليمان، يقول:
(١) في ا: «الصولي».
(٢) في ا: «المؤدب».
(٣)
مناقب الشافعي للرازي ٧٠.
(٤) في ح: وفي رمضان.
كان
الشافعي يختم ستين ختمة في شهر رمضان: ختمة بالنهار، وختمة بالليل [١].
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد، قال: سمعت أبا المؤمل:
عباس بن الحسين، بأرسوف، يقول:
سمعت بحر بن نصر، يقول: كنا إذا أردنا
أن نبكي قلنا بعضنا لبعض: قوموا بنا إلى هذا الفتى المطلبي يقرأ القرآن، فإذا
أتيناه استفتح القرآن حتى نتساقط بين يديه ويكثر عجيجهم بالبكاء، فإذا ارأى ذلك
أمسك عن القراءة من حسن صوته [٢].
* * *
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع بن
سليمان، قال:
قال الشافعي: ولا بأس بالقراءة بالألحان، وتحسين الصوت
بها بأيّ وجه ما كان، وأحبّ ما يُقْرَأُ إليَّ حَدْراً وتَحْزِيناً [٣].
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا الحسن بن رشيق المصري، إجازة، قال: حدثنا محمد
بن يحيى بن آدم، قال:
سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال:
(١)
راجع تاريخ بغداد ٢/ ٦٣ ومناقب الشافعي للرازي ٧٠.
(٢) تاريخ بغداد ٢/
٦٤ ومناقب الشافعي ٧٠.
(٣) في اللسان ٥/ ٢٤٤ «حدر في قراءته وفي آذانه
حدراً، أي أسرع».
رأيت أبي، ويوسف بن عمرو الشافعي، يسمعون القرآن
بالألحان، فقال بعض من حضر: إقرأ لنا لَحْنَ [١] الراهب. قال أبي: وإيْش تصنع
بالراهب؟ فقال له يوسف: إن كان مما يُقْرأ فاقرأ.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا أبو عبد الله: محمد
بن الربيع بن سليمان الجِيْزِي، قال: حدثنا هارون ابن سعيد بن الهيثم الأَيْلِي،
قال:
دخل بعض فقهاء مصر على الشافعي في السَّحَر [٢] وبين يديه
المصحف، فقال: شغلكم الفقه عن القرآن، إني لأصلي العَتَمَةَ، وأضع المصحف بين يدي
فما أُطْبِقُه حتى أُصبح.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو
بكر بن عبد الله الصوفي [٣] الصفار، ببخاري، قال: سمعت.
وأخبرنا أبو
عبد الرحمن [٤] السلمي، قال: سمعت محمد بن عبد الله ابن شاذان، قال: حدثنا جعفر
بن أحمد الخلاطي، قال: سمعت [المزني [٥]] .
(١) في اللسان ١٧/ ٢٦٧
«وفي الحديث: اقرءوا القرآن بلحون العرب، وأصواتها، وإياكم ولحون أهل العشق.
اللحن: التطريب وترجيع الصوت وتحسين القراءة والشعر والغناء قال: ويشبه أن يكون
أراد هذا الذي يفعله قراء الزمان من اللحون التي يقرءون بها النظائر في المحافل،
فان اليهود والنصارى يقرءون كتبهم نحوا من ذلك».
(٢) في ا، هـ:
«السجن».
(٣) ليست في ا.
(٤) في ح، هـ «أبو عبد الله».
(٥)
ليست في ا.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا بكر: أحمد بن
محمد بن يحيى الأشقر، يحكى عن جعفر بن أحمد السّاماني، قال: سمعت المزني يقول:
سمعت الشافعي يقول. ح.
وأخبرنا أبو حازم: عمر بن أحمد الحافظ، قال:
سمعت إسماعيل بن إبراهيم الفرضي، ببغداد، يقول: سمعت أحمد بن محمد المقري، يقول:
حدثني أبو الفضل: غانم بن محمد القَوَارِيرِي، يقول: سمعت المزني، يقول:
سمعت
الشافعي، رحمه الله، يقول: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل
قدره، وفي رواية جعفر: نبل مقداره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة
رق طبعه، ومن نظر في الحساب جَزُل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه [١].
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت محمد بن أحمد بن عبد الأعلى المقري يقول، حدثنا
أحمد بن عبد الرحمن، عن المزني، قال:
سمعت الشافعي يقول: إعراب القرآن
أحب إلى من حفظ بعض حروفه.
وعنه قال: وسمعت الشافعي يقول: تعلموا
العربية، فإنها تثبت العقل وتزيد في المروءة.
(١) في طبقات الشافعية
للعبادي ٤٢. ومناقب الشافعي للرازي ٧٠.
قال: وقرأ رجل على الشافعي
فلحن، فقال: أضْرَسْتَنِي.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال:
أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم [١] -
قال: حدثنا الحسن بن عبد العزيز الجَرَوِي [٢]، قال:
سمعت الشافعي
يقول: خلّفت في العراق شيئاً يسمى «التغْبِير [٣]» وضعته الزنادقة، يشتغلون به عن
القرآن [٤].
وقال غيره فيه عن الجَرَوِي: زِناً. وقال بعضهم فيه: تركت
بالعراق شيئاً وضعته الزنادقة. هذه الألحان. أو كما قال.
(١) في هـ، ح
«ابن أبي حازم» وهو خطأ.
(٢) هو أبو علي: الحسن بن عبد العزيز بن
الوزير الجذامي، المعروف بالجروي، من أهل مصر. وثقة أبو حاتم، وقال الدارقطني: لم
ير مثله فضلا وزهدا حمل من مصر إلى العراق بعد قتل أخيه على في سنة ٢١٥ فلم يزل
بها إلى أن توفي في رجب سنة ٢٥٧. وترجمته في تاريخ بغداد ٧/ ٣٣٧ - ٣٣٩، والجرح
والتعديل ٢/ ١/٢٤، والأنساب ٣/ ٢٥٧ - ٢٥٩، وتهذيب التهذيب ٢/ ٢٩١ - ٢٩٢، وفي هـ:
«الخزوي» وهو تحريف.
(٣) في اللسان ٦/ ١٠٧ «التهذيب: والمغبرة: قوم
يغبرون بذكر الله تعالى بدعاء وتضرع، كما قال:
عبادك المغبرة ... رُشّ
علينا المغفرة
قال الأزهري: وقد سموا ما يطربون فيه من الشعر في ذكر
الله تغبيرا، كأنهم إذا تناشدوها بالألحان طرّبوا فرقّصوا وأرهجوا، فسموا مغبرة
لهذا المعنى. قال الأزهري وروينا عن الشافعي أنه قال: أرى الزنادقة وضعوا هذا
التغبير ليصدوا عن ذكر الله وقراءة القرآن. وقال الزجاج. سموا مغبرين لتزهيدهم
الناس في الفانية، وهي الدنيا وترغيبهم في الآخرة الباقية».
(٤) آداب
الشافعي ومناقبه ٣٠٩ - ٣١٠ وحلية الأولياء ٩/ ١٤٦ وفي تلبيس إبليس ٢٣٠ «ويشغلون
به الناس عن القرآن».
باب ما يستدل به على معرفة الشافعي، رحمه الله، بتفسير القرآن ومعانيه، وسبب
نزوله
* * *
وهذا باب كبير، لو نقلت فيه جميع ما نقل إلينا من
كلامه فيه - لطال به الكتاب، فاقتصرت على نقل ما تيسّر منه. وبالله التوفيق.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السّلمي، قال. سمعت أبا عمرو بن مطر، يقول: سمعت محمد بن أحمد بن
عبيدة [١] الوَبَرِي، يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول،
كان
الشافعي إذا أخذ في التفسير كأنّه شَهِدَ التنزيل.
أخبرنا أبو سعيد بن
أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب الأصم، قال: حدثنا الربيع بن
سليمان، قال:
حدثنا الشافعي، قال: قال الله تبارك وتعالى: إِذَا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ
(١) في هـ «ابن عبيد» وهو تحريف. وفي أحكام
القرآن للبيهقي ١/ ١٩ عن أحمد بن محمد ابن عبيدة: قال: كنا نسمع من يونس بن عبد
الأعلى تفسير زيد بن أسلم، عن ابن وهب، فقال لنا يونس: كنت أولا أجالس أصحاب
التفسير وأناظر عليه. وكان الشافعي. . والخبر في مناقب الشافعي للرازي ٧٠، ونقله
ابن حجر في توالي التأسيس ٥٨ عن البيهقي.
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [١]
الآية. فكان ظاهر الآية: أنّ من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ. وكانت
مُحْتَمِلَةً أن تكون نزلت في خاص، فسمعت بعض من أرضى علمه بالقرآن يزعم: أنها
نزلت في القائمين من النوم.
وأحسب ما قال كما قال؛ لأن في السنة دليلا
على أن يتوضأ من قام من نومه [٢].
زاد فيه في رواية الزعفراني: فقال:
وبلغنا أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلّى الصلوات بوضوء واحد. يعني يوم
الفتح. فأكد [٣] بهذا أنّ الآية نزلت في خاصّ.
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا الربيع، قال:
حدثنا
الشافعي، قال: نحن نقرأ آية الوضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ
إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ} ونَنْصِبُ «أرجلَكم» على معنى: اغسلوا وجوهَكم وأيديَكم وأرجلكم،
وامسحوا برؤوسكم. وعلى ذلك عندنا دلالة السنة. والله أعلم.
قال
الشافعي: والكَعْبَان اللذان أمر الله بغسلهما: ما اَشْرَفَ واجتمع: كَعْباً
حتى
(١) سورة المائدة: ٦.
(٢) أحكام القرآن للبيهقي ١/
٤٥.
(٣) في ح: «فيتأكد».
تقول: كعب سمن [١].
قال:
وذهب عَوَامُّ أهل العلم أنّ قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}
كقوله: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} وأن المرافق والكعبين فيما يغسل
[٢].
وقرأت في «كتاب السنن» رواية حَرْمَلة بن يحيى، عن الشافعي، في
قول الله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [٣]} قال: فاختلف فيها
أهل التفسير: فقال بعضهم: فرض لا يمسّه إلا مطهر. يعني متطهر تجوز له الصلاة.
وهذا المعنى تحتمله الآية. وذكر ما يشهد له من السنة.
قال: وقد ذهب
بعض أهل التفسير في قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} يعني لا يمسّه
في اللوح المحفوظ إلا المطهرون من الذنوب. يعني الملائكة [٤].
أخبرنا
أبو عبد الله: الحسين بن محمد الدّينوري، قال: حدثنا ظفْران ابن الحسين قال:
حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: قال الربيع ابن سليمان:
سئل
الشافعي - يعني عن الملامسة - فقال: هو اللمس باليد. ألا ترى أن النبي، صلى الله
عليه وسلم، نهى عن الملامسة؟
(١) أحكام القرآن ١/ ٤٤.
(٢)
أحكام القرآن ١/ ٤٣.
(٣) سورة الواقعة ٧٩.
(٤) من القائلين
بذلك ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد، كما في تفسير الطبري ٢٧/ ١١٨.
والملامسة:
أن يلبس الثوب بيده، يشتريه ولا يُقَلِّبُه. قال الشافعي: قال الشاعر:
وأَلْمَسْت
كَفِّي كَفَّه أَبتغِي الغِنَى ... ولم أَدْرِ أَنَّ الجودَ مِنْ كفِّه
يُعْدِي
فلا أنا منه ما أَفَادَ ذَوُو الغنى ... أَفَدْتُ،
وأَعْدَانِي فَبَدَّدْتُ ما عِنْدِي [١]
وأخبرنا أبو سعيد: محمد بن
موسى بن الفضل، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال:
حدثنا
الشافعي، قال: قال الله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ} الآية. قال [٢]: فذكر اللهُ الوضوءَ على من قام إلى الصّلاة.
وأَشْبَهَ أن يكون مَن قام من مَضْجَعِ النّوم. وذكَر طهارة الجنب: {وَإِنْ
كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ
أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} فَأشْبَه أن
[٣] يكون أَوْجَبَ الوضوءَ من الغائط [وأوجبه [٤]] من الملامسة، وإنما ذكرها
(١)
الخبر في آداب الشافعي ومناقبه ١٤٠ - ١٤١ ونقله عنه في حلية الأولياء ٩/ ١٤٩
ومناقب الشافعي للرازي ٧٤ - ٧٥.
والبيتان من غير نسبة في الأم ١/ ١٣
وأحكام القرآن للبيهقي ١/ ٤٦ وهما لبشار ابن برد، كما في الشعراء ٢/ ٧٣٣.
(٢)
في أحكام القرآن للبيهقي ١/ ٤٦.
(٣) في ا: «بأن».
(٤) في
ا: «من الغائط من الملامسة» وهـ: «من الغائط الملامسة».
مَوْصُولَةً
بالغَائِطِ بعد ذكر الجنابة، فأَشْبَهَت الملامسة أن تكون اللّمسَ باليد
والقُبَل، وغير الجنابة.
وبهذا الإسناد [عن الربيع [١]] قال: قال
الشافعي:
قال الله عز وجل: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ولا يقع
اسم صَعِيدٍ إلا على تراب ذي غبار [٢].
وبهذا الإسناد [عن الربيع [٣]]
قال:
قال الشافعي: قال الله تبارك وتعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ
وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا
عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [٤]} فأوجب الله، جل ثناؤه، الغسلَ من
الجنابة. وكان معروفاً في لسان العرب أنّ الجنابة: الجماع، وإن لم يكن مع الجماع
ماء دافق. وكذلك ذلك في حدّ الزنا، وإيجاب المهر، وغيره. فكل من خوطب بأن فلانا
أَجْنَبَ من فلانة عَقَلَ أنه أصابها، وإن لم يكن مُقْتَرِفاً. يعني [٥] أنه لم
ينزل [٦].
أخبرني الثقة من أصحابنا، عن أبي نعيم الأصبهاني، قال:
حدثنا أبو محمد ابن حيان، قال: حدثنا عبد الرحمن بن داود، قال: حدثنا أبو زكريا
النَّيْسَابًورِي، قال: حدثنا محمد بن عبد الحَكَم، قال:
(١) الزيادة
من ح.
(٢) الأم ١/ ٤٣ وأحكام القرآن ١/ ٤٧.
(٣) الزيادة من
ح.
(٤) سورة النساء ٤٣
(٥) هذا التفسير من قول الربيع، كما
في الأم ١/ ٣١.
(٦) أحكام القرآن ١/ ٤٦ - ٤٧.
سمعت الشافعي
يقول: في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ
أَهْوَنُ عَلَيْهِ [١]} قال: في العِبْرة عندكم، إنما كان يقول لشيء لم يكن: كن:
فيخرج مُفَصَّلاً بعينيه وأذنيه وأنفه وسمعه ومفاصله، وما خلق الله فيه من
العروق. فهذا في العبرة أشدّ من أن يقول لشيء كان: عُدْ إلى ما كنت فهو [٢] إنما
أهون عليه في العبرة عندكم، ليس أنّ شيئاً يعظم على الله، عز وجل [٣].
أخبرنا
أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال:
حدثنا
الشافعي، قال: سمعت من أثق بخبره وعلمه يذكر: أنّ الله أنزل فَرْضاً في الصلاة،
ثم نسخه بفرض غيره، ثم نسخ الثاني بالفرض في الصلوات الخمس.
قال
الشافعي: كأنه يعني قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ • قُمِ
اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا • نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا • أَوْ زِدْ
عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [٤]} ثم نسخه في السورة معه بقوله جل
ثناؤه: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ
وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ
فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [٥]} فنسخ قيام الليل أو نصفه أو أقل
أو أكثر بما تيسر [عليه [٦]] .
قال الشافعي: وما أشبه ما قال بما قال،
وإن كنت أحبّ أن لا يدع أن
(١) سورة الروم ٢٧
(٢) في هـ:
«فهذا أهون» وفي ح: «فهو أهون».
(٣) أحكام القرآن ١/ ٤١.
(٤)
سورة المزمل ١ - ٤
(٥) سورة المزمل ٢٠.
(٦) الزيادة من
ح.
[م - ١٩] مناقب
يقرأ بما تيَّسر عليه من لَيْلِه
[١].
قال الشافعي: ويقال: نسخ ما وصفت في المزمل. بقول الله تعالى:
{أَقِمِ
الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} ودُلُوكُ الشمس: زوالها
{إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} : العَتمة {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} وقرآن الفجر: الصبح
{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا • وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ
نَافِلَةً لَكَ [٢]} فأعْلَمَهُ أنَّ صلاة الليل نافلةٌ لا فريضةٌ، وأنَّ الفرائض
فيما ذكر من ليل أو نهار.
[قال الشافعي [٣]] ويقال في قول الله تعالى:
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} المغرب والعشاء {وَحِينَ تُصْبِحُونَ}
الصبح {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا} : العصر
{وَحِينَ تُظْهِرُونَ [٤]} الظهر.
قال الشافعي: وما أشبه ما قيل من
هذا بما قيل. والله أعلم [٥].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا
أبو العباس بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال:
قال الشافعي:
قال الله تعالى لنبيه، صلى الله عليه وسلم: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ
(١)
الأم ١/ ٥٩.
(٢) سورة الإسراء: ٧٨ - ٧٩
(٣) الزيادة من
ح.
(٤) سورة الروم ١٧ - ١٨
(٥) الأم ١/ ٥٩ وأحكام القرآن
١/ ٥٧.
تَرْتِيلًا [١] وأقل الترتيل ترك العجلة في القرآن عن الإنابة
[٢].
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس، قال:
حدثنا الربيع، قال:
قال الشافعي: قال بعض أهل العلم بالتفسير: {وَلَنْ
تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} بما في
القلوب؛ فإن الله تعالى تجاوز للعباد عما في القلوب {فَلَا تَمِيلُوا} فتتبعوا
أهواءكم {كُلَّ الْمَيْلِ [٣]} بالفعل مع الهوى.
وهذا يشبه ما قال.
والله أعلم [٤].
ودلت سُنَّةُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما
عليه عَوَامُّ [٥] علماء المسلمين مِنْ أنّ على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام
والليالي، وأن عليه أن يعدل في ذلك، لا أنه مُرَخَّصٌ له أن يجوز فيه. فَدَلَّ
ذلك على أنه إنما أريد بما في القلوب مما قد تجاوز الله للعباد عنه فيما هو أعظم
من الميل إلى النساء. والله أعلم [٦].
وبهذا الإسناد قال: حدثنا
الشافعي، قال:
قال الله، عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي
عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [٧]} قال:
(١) سورة المزمل: ٤
(٢)
الأم ١/ ٩٥ وأحكام القرآن ١/ ٦٤.
(٣) سورة النساء ١٢٩
(٤)
الأم ٥/ ٩٨، وانظر أحكام القرآن ١/ ٢٠٥ - ٢٠٧، والسنن الكبرى ٧/ ٢٩٧ - ٢٩٨
(٥)
في ا «عوام أهل علماء»
(٦) من الأم ٥/ ٩٨.
(٧) سورة
البقرة: ٢٢٨
وجماع [١] المعروف: (٢ إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه،
وكفُّ المكروه.
وقال في موضع: وجماع المعروف ٢) إعْفَاء صاحب الحق من
المؤنة في طلبه، وأداؤه إليه بطيب النفس، لا بضرورته [٣] إلى طلبه، ولا تأديته
بإظهار الكراهية لتأديته. وأيهما ترك فظلم، لأنّ «مَطْلَ الغني ظُلْمٌ [٤]».
ومطله: تأخيره الحق [٥].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو
العباس بن يعقوب، قال: أنبأنا الربيع بن سليمان، قال:
قال الشافعي في
قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [٦]} فإنما يعني:
أحل الله البيع إذا كان على غير ما نهى الله عنه في كتابه أو على لسان نبيه [صلى
الله] عليه وسلم. وكذلك قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [٧]} بما
أحلّه به من النكاح ومِلْكِ اليَمِين في كتابه، لاَ أَنَّهُ أباحَهُ بكلِّ وجه.
هذا كلام عربي [٨].
(١) في الأم ٥/ ٩٥ قبل ذلك: «وأقل ما يجب في أمره
بالعشرة بالمعروف: أن يؤدي الزوج إلى زوجته ما فرض الله لها عليه من نفقة وكسوة
وترك ميل ظاهر؛ فإنه يقول جل وعز {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا
كَالْمُعَلَّقَةِ} وجماع المعروف. الخ».
(٢) ما بين الرقمين ساقط من
هـ، ح.
(٣) في ا: «لا تضرونه».
(٤) رواه مسلم عن أبي هريرة
٣/ ١١٩٧
(٥) الأم ٥/ ٧٧ وأحكام القرآن ١/ ٢٠٤.
(٦) سورة
البقرة ٢٧٥.
(٧) سورة النساء ٢٤.
(٨) من الرسالة ص ٢٣٢.
وقال
في قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى
طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ [١]} : معناه: قل: لا أجد فيما أوحى إلى مُحَرَّماً مما كنتم
تأكلون، إلا أن يكون مَيْتَةً، وما ذُكِرَ بَعْدَها [٢]، فلم يُحرّم عليكم مما
كنتم تستحلون، إلا ما سَمَّى.
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال:
حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، أنبأنا الشافعي، قال:
قال الله
تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [٣]} الآية.
قال:
اختلف في تفسير هذه الآية: فقيل: نزلت في بغايا كانت لهن رايات، وكن غير محصنات،
فأراد بعض المسلمين نكاحهن، فنزلت هذه الآية بتحريم أن ينكحهن إلا من أعلن بمثل
ما أعلن به، أو مشرك [٤].
وقيل: كن زواني مشركات، فنزل أن لا ينكحهن
إلا زان مثلهن أو مشرك، وإن لم [٥] يكن زانياً، وحرّم ذلك على المؤمنين.
(١)
سورة الأنعام ١٤٥.
(٢) في الرسالة ٢٣١ بعد ذلك: «فأما ما تركتم أنكم
لم تعوه من الطيبات فلم يحرم عليكم مما كنتم تستحلون إلا ما سمى الله، ودلت السنة
على أنه حرم عليكم منه ما كنتم تحرمون؛ لقول الله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} ».
(٣) سورة
النور: ٣
(٤) في الأم «أن ينكحن ... أو مشركا».
(٥) في ا:
«إلا زان مشرك مثلهن فان لم».
وقيل: غير هذا (١ يعني قول: عكرمة:
الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة. يذهب إلى أن قوله ينكح يصيب ١) وقيل: هي
عامة ولكنها نسخت.
وذكر في موضع آخر أسامي هؤلاء القائلين، فاختار قول
«ابن المسيب» حيث قال: إنها منسوخة، نسخها قول الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا
الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ} فهي من أَيَامَى المسلمين [٢].
أخبرنا
محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال:
أنبأنا
الشافعي في مسائل الرضاع [٣]، قال:
فإن قال قائل. إنما قال الله
تعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ [٤]} فكيف حرّمت
حليلة الابن من الرضاعة؟ قيل: بما وصفت
(١) ما بين الرقمين تفسير لقول
الشافعي، ولكنه من كلامه أيضاً. فقد جاء في الأم ٥/ ١٣٢ «قال الشافعي: وروى من
وجه آخر غير هذا عن عكرمة: أنه قال: لا يزني الزاني إلا بزانية أو مشركة،
والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك. قال أبو عبد الله: يذهب إلى قوله: ينكح أي
يصيب».
(٢) في الأم ٥/ ١٣١ بعد ذلك: «فهذا كما قال ابن المسيب، إن شاء
الله، وعليه دلائل من الكتاب والسنة ...».
(٣) يشير الربيع إلى ما
ذكره الشافعي في الأم ٥/ ٢١ «فأي امرأة نكحها رجل حرمت على ولده، دخل بها الأب أو
لم يدخل بها. وكذلك ولد ولده من قبل الرجال والنساء، وإن سفلوا؛ لأن الأبوة
تجمعهم معا. وكل امرأة أب، أو ابن حرّمتها على ابنه، أو أبيه، بنسب، فكذلك
أحرّمها إذا كانت امرأة أب أو من الرضاع. فان قال قائل ...».
(٤) سورة
النساء: ٢٣
مِنْ جَمْعِ الله بين الأمّ والأخت من الرّضاعة، والأمّ
والأخت من النسب في التحريم. ثم بأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب [١].
فإن قال [٢] فهل تعلم فيما أنزلت
{وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} ؟ قيل - الله أعلم -
فيما أنزلها. فأما معنى ما سمعت متفرقاً [٣] فجمعته، فإنَّ رسول الله، صلى الله
عليه وسلم: أراد نكاح ابنة جَحْشٍ، وكانت عند زيد ابن حَارِثَة، وكان النبي، صلى
الله عليه وسلم، يتبناه، فأمر الله أن يُدْعَى الأَدْعِياءُ لآبائهم، فقال:
{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} إلى قوله: {وَمَوَالِيكُمْ [٤]}
وقال الله تعالى لنبيه: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا
لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ [٥]} الآية. فأَشْبَهَ - والله
أعلم - أن يكون قوله: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ
[٦]} دون أدعيائكم الذين تُسَمّونهم أبناءكم، (٧ ولا يكون الرضاع من هذا في شيء
٧) .
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس، قال:
أنبأنا الربيع، قال:
(١) راجع الأم ٥/ ٢٠ - ٢١
(٢) في ح
«قال قائل».
(٣) في ا: «مفترقا».
(٤) سورة الأحزاب: ٤ -
٥
(٥) سورة الأحزاب: ٣٧
(٦) ما بين كلمتي أصلابكم التي مرت
آنفا وهذه - سقط من أحكام القرآن ١/ ١٨١.
(٧) ما بين الرقمين ساقط
أيضاً من أحكام القرآن.
حدثنا الشافعي في قوله عز وجل: {مَحِلُّهَا
إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [١]} قال: فزعم أهل العلم بالتفسير: أن محلّها: الحرم
كأنهم ذهبوا إلى أن الأرض حِلّ، وحرم، فموضع البيت في الحرم. وأن قول الله:
{إِلَى الْبَيْتِ} إلى موضع البيت الذي تبين من البلدان، لا إلى البيت نفسه، ولا
إلى موضعه من المسجد؛ لأن الدم لا يصلح هناك. وعَقَلوا عن الله أنّه إنما أراد
حَاضِرِي البيتِ العتيقِ من الهَدْى. فإن أجمع [٢] أن يذبح في الحرم فيأكله حاضره
من أهل الحاجة غير متغير - فقد جاء بالذي عليه.
أخبرنا محمد بن موسى
بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال:
قال
الشافعي: قال الله، جل ثناؤه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} إلى قوله:
{وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ [٣]} .
قال: فلما أمر الله، جل ثناؤه،
بالكتاب، ثم رخص في ترك الإشهاد إن كانوا على سفر ولم يجدوا كتاباً - احتمل أن
يكون [فرضاً، واحتمل أن يكون [٤]] دلالة، فلما قال جل ثناؤه: {فَرِهَانٌ
مَقْبُوضَةٌ} والرهن غير الكتاب والشهادة، ثم قال: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ
بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ
(١) سورة الحج ٣٣، وانظر الأم
٢/ ١٣٥، وتفسير الطبري ١٧/ ١١٦، وتفسير القرطبي ١٢/ ٥٧.
(٢) في ح:
«فاذا جمع».
(٣) سورة البقرة: ٢٨٢
(٤) الزيادة من ح.
أَمَانَتَهُ
دَلّ كتابُ الله، جل ثناؤه، على أنَّ أمْرَه بالكتاب، ثم الشهود، ثم الرهن -
إرشاد لا فَرْضٌ عليهم؛ لأن قوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ
الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} إباحة لأن يأمن بعضكم بعضاً، فيدع الكتاب والشهود
والرهن [١].
قال الشافعي: وأُحِبُّ الكتابَ والشُّهودَ؛ لأنه إرشاد من
الله، ونظر للبائع والمشتري، وذلك أنهما إن كانا أمينين فقد يموتان أو أحدهما فلا
يعرف حق البائع على المشتري، فيتلف عن البائع أو ورثته حقّه، وتكون التِّبَاعَة
على المشتري في أمر لم يُرِدْه. وقد يتغير عقل المشتري فيكون هذا والبائع. وقد
يغلط المشتري فلا [٢] يقر فيدخل في الظلم من حيث لا يعلم. ويصيب ذلك البائع
فيدّعي ما ليس له، فيكون الكتاب والشهادة قاطعاً هذا عنهما وعن ورثتهما. ولو لم
يكن يدخله مَا وصَفْتُ لا نبْغَى [٣] لأهل دين الله اختيار ما نَدَبَهُم الله،
عزّ وجلّ، إليه إرشاداً. ومَنْ تركه فقد ترك حَزْماً وأَمْراً لم أحبّ تركه، من
غير أن أَزْعُمَ أنَّه محرَّمٌ عليه، لما وصفت من الآية بعدها.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أنبأنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا عبد الرحمن
بن أحمد الحجاج، قال: حدثنا أحمد ابن عبد الرحمن بن أخي ابن وهب، قال:
(١)
راجع الأم ٣/ ١٢٢.
(٢) في ح: «ولا يقر وحيث لا يعلم».
(٣)
في ح: «انبغي».
سمعت الشافعي، يقول: الأمة على ثلاثة وجوه:
قوله
تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ [١]} قال: على دين.
وقوله:
{وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [٢]} أي بعد حين.
وقوله: {إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [٣]} أي معلِّما [٤].
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع، قال:
قال
الشافعي: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا
أَسْلَمْنَا [٥]} يعني أسلمنا بالقول والإيمان مخافة السبي والقتل، ثم أخبر أنه
يجزيهم إن أطاعوا الله ورسوله. يعني إن أحدثوا إطاعة الله تعالى ورسوله.
أخبرنا
محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أنبأنا الربيع، قال:
قال
الشافعي: قال الله، جل ثناؤه: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [٦]} قيل: صلِّ في ثياب
طاهرة. وقيل غير ذلك [٧].
(١) سورة الزخرف ٢٢
(٢) سورة
يوسف: ٤٥
(٣) سورة النحل ١٢٠
(٤) أحكام القرآن ١/ ٤٢،
وتأويل مشكل القرآن. ص ٣٤٥ - ٣٤٦
(٥) سورة الحجرات ١٤
(٦)
سورة المدثر: ٤
(٧) الأم ١/ ٤٧، وأحكام القرآن ١/ ٨٠ - ٨١.
أخبرنا
أبو الحسين بن بشران، قال: حدثنا أبو عمر: محمد بن عبد الواحد، قال:
قال
ثعلب في قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} : اختلف الناس: فقالت طائفة: الثياب
هاهنا: الثياب. وقالت طائفة: الثياب هاهنا: القلب [١].
أخبرنا أبو
سعيد: محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو عباس، قال: حدثنا الربيع.
قال:
حدثنا الشافعي، قال: قال الله، تبارك وتعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [٢]}
فقيل - والله أعلم - قانتين: مطيعين [٣].
وبهذا الإسناد في قوله عز
وجل: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [٤]} قال
الشافعي: فقال بعض أهل العلم بالقرآن في قول الله: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ}
إلى قوله: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} ولا
تقربوا موضع الصلاة. قال [٥]: وما أشبه ما قال بما قال؛ لأنّه لا يكون في الصلاة
عُبورُ سبيل، إنما عبور السبيل في في مَوْضِعِها، وهو في المسجد، فلا بأس أن
يَمُرَّ الجُنُبُ في المسجد ماراً ولا يقيم فيه؛ لقول الله، عزّ وجلّ: {إِلَّا
عَابِرِي سَبِيلٍ} .
(١) أحكام القرآن ١/ ٨١.
(٢) سورة
البقرة ٢٣٨.
(٣) الأم ١/ ٦٩، وأحكام القرآن ١/ ٨٠. تأويل مشكل القرآن
٣٥٠
(٤) سورة النساء ٤٣.
(٥) الأم ١/ ٤٦، وأحكام القرآن ١/
٨٣.
وبهذا الإسناد في قوله: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ [١]} .
قال الشافعي: نزلت في أمراء السرايا. وأُمرُوا
إذا تنازعوا [٢] في شيء - وذلك اختلافهم فيه - أن يردّوه إلى حكم الله، تعالى،
وحكم الرسول، صلى الله عليه وسلم، [تسليما [٣]] .
(١) سورة النساء
٥٩.
(٢) في ح «إذا تنازعتم».
(٣) الزيادة من ح. وانظر
الرسالة ٧٩ - ٨٠، وأحكام القرآن ١/ ٢٩.
باب ما يستدل به على معرفة الشافعي بمعاني أخبار رسول الله، صلى الله عليه
وسلم [١]
* * *
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الزبير
بن عبد الواحد الحافظ، بِأَسَدَابَاد، قال: أخبرني محمد بن مخلد، قال: حدثنا أبو
بكر: أحمد بن عثمان ابن سعيد الأَحْوَل، قال:
سمعت «أحمد بن حنبل»
يقول: ما كان أصحاب الحديث [٢]، يعرفون معاني حديث رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، حتى قدم الشافعي فبيَّنَها لهم.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد
بن الحسين السّلمي، قال: حدثنا الحسن ابن رشيق المصري، إجازة، قال:
قال
الحسين [٣] «بن علي الكَرَابِيسِي»: رحمة الله على «الشافعي» ما فهمنا استنباط
أكثر السّنن إلا بتعليم الشافعي «أبي عبد الله» إيَّانَا.
أخبرنا محمد
بن عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا عمرو [٤]: أحمد بن الحسن
(١) في ا:
«أول السادس من أصل المصنف».
(٢) في ا: «أصحاب حديث رسول الله».
(٣)
في هـ: «أبو الحسن علي» عن الشافعي.
(٤) في هـ: «أبا عمر».
ابن
علي بن منْدَه الأصبهاني، يقول: سمعت سفيان بن هارون بن سفيان العاصمي، يقول:
سمعت أحمد بن منصور الزِّيادِي يقول: سمعت البُوَيْطِي، يقول:
سمع
الشافعي، رضي الله عنه، يقول: يدخل في «حديث الأعمال بالنيات» ثلث العلم.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ، ومحمد بن موسى؛ قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب؛
قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا «الشافعي» قال: حدثنا مالك، عن صالح بن
كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَةَ ابن مسعود.
عن «زيد بن
خالد الجُهَنِي» قال: صلى بنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلاة الصبح
بالحُدَيْبِيَةِ في إثْرِ سَمَاءِ كانت من الليل، فلما انصرف أقبل علي الناس،
فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أصبح من عبادي مؤمن
بي وكافر. فأما من قال: مُطِرْنَا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب.
وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب [١].
قال
الشافعي، رحمه الله: ورسول الله، صلى الله عليه وسلم - بأبي وأمي - عربِيّ
اللسان، يحتمل قوله هذا معاني [٢]، وإنما مُطِرَ بين ظَهْرَانَيْ قومٍ
(١)
مسند أحمد ٤/ ١١٧، والأم ١/ ٢٢٣، وسنن أبي داود: كتاب الطب: باب في النجوم ٤/ ٢١
- ٢٢.
(٢) في ح: «معان».
مشركين؛ لأن هذا في غزوة
الحُدَيْبِيَةِ. فأرى معنى قوله - والله أعلم - أن من قال: «مُطِرْنا بفضل الله
ورحمته» فذلك إيمان بالله، عز وجل؛ لأنه يعلم أنه لا يُمطِر ولا يُعطِي إلا الله.
وأما من قال: «مُطِرْنا بِنَوْءِ كذا» - على ما كان بعض أهل الشرك يَعْنُونَ من
إضافة المطر إلى أنّه أَمْطرَه نوءُ كذا - فذلك كفر، كما قال النبي، صلى الله
عليه وسلم؛ لأن النَّوْء: وقت، والوقت مَخْلُوقٌ لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً،
ولا يُمْطِرُ ولا يصنع شيئاً. فأما من قال: «مُطِرْنا بنوء كذا» على معنى مطرنا
في نَوْء وقت [١] كذا - فإنما ذلك كقوله: مطرنا في شهر كذا، فلا يكون هذا كفراً.
وغيره من الكلام أحبُّ إليَّ منه، أُحِبُّ أن يقول: مطرنا في وقت [٢] كذا.
قال:
وبلغني أن بعض [٣] أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان إذا أصبح وقد مطر
الناس قال: مطرنا بنوء الفتح، ثم يقرأ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ
رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا [٤]} .
قال الشافعي: وقد روى عن «عمر
بن الخطاب» رضي الله عنه، أنه قال يوم جمعة وهو على المنبر: كم بقي من نَوْء
الثُّرَيَّا؟ فقام العباس فقال: لم يبق منه شيء إلا العَوَّا [٥] فدعا، ودعا
الناس حتى نزل عن المنبر فَمُطِرَ مَطراً أَحْيَا
(١) في ا: «في وقت
بنوء».
(٢) في ا: «في شهر كذا، فلا يكون هذا كفرا وغيره من الكلام
وبلغني أن بعض» وهو خطأ.
(٣) هو أبو هريرة، جاء في الدر المنثور ٥/
٢٤٤ «أخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب قال: سمعت مالكا يحدث أن أبا هريرة كان
إذا أصبح ... الخ».
(٤) سورة فاطر ٢.
(٥) الأزمنة والأمكنة
للمرزوقي ١/ ١٩١، والأنواء لابن قتيبة ١٤.
الناسُ منه [١].
قال
الشافعي: وقول عمر هذا يُبَيِّنُ ما وصفت؛ لأنه إنما أراد: كم من بقى من وقت
الثريا؟ لمعرفتهم بأن الله تعالى، قدَّر الأمطار في أوقات فيما جَرَّبُوا، كما
عَلِمُوا أنّه قدّر الحرّ والبرد فيما جرّبوا في أوقات.
قال: وبلغني
أن «عمر بن الخطاب» أُتِيَ [٢] بشيخ من بني تميم غداً مُتَّكئاً على عكّاز، وقد
مُطِرَ الناس، فقال: أجاد ما أَقْرَى [٣] المُجَيْدِح [٤] البارحة. فأنكر عمر
قوله: أجاد ما أقرى المجيدح لإضافته المطر إلى المجيدح.
ومن قوله:
«وبلغني أن عمر بن الخطاب» إلى آخره - لم يذكره أبو عبد الله، وذكره ابن موسى.
وفيما
كتب إليّ أبو نعيم: عبد الملك بن الحسن الإسفراييني، إجازة، أن أبا عوانة أخبرهم،
قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول:
سمعت الشافعي، يقول في «حديث
المِقْدَاد» في الرجل الذي ضرب إحدى
(١) الام ١/ ٢٢٣.
(٢)
كذا في ح، في ا: «أوحد» وعليها علامة الغلط، وفي هـ: «أوجر» وفي الام «أوجف».
(٣)
كذا في الام، وفي هـ: «ما أقرأ» وفي ا: «ما أمر» وفي ح: «ما أمري» والصواب ما في
الام
(٤) في الام: «المجدح» وفي هـ: «المجندح» وهو تحريف. وفي اللسان
٣/ ٢٤٥ «والمجاديح: واحدهما مجدح، وهو نجم من النجوم كانت العرب تزعم أنها تمطر
به، كقولهم: الانواء».
يديه بالسيف ثم لاذ منه بشجرة [١]، فقال: أسلمت
لله. أَفَأَقْتُلُهُ يا رسولَ الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه
وسلم: لا تقتله؛ فإنْ قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن
يقول كلمته التي قال:
معناه: أنه يصير مباح الدم، لا أَنَّه يصير
مشركا، كما أنه كان مباح الدم قبل أن يقول شهادة أن لا إله إلا الله.
*
* *
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه، قال:
حدثنا إبراهيم بن محمود، قال:
سأل إنسان «يونس بن عبد الأَعْلَى» عن
معنى قول النبي، صلى الله
(١) الدي في الأم ٦/ ٣ عن الربيع قال:
«أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا يحيى بن حسان، عن الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن
عطاء بن يزيد الليثي، عن عبد الله بن عدي ابن الخيار. عن المقداد: أنه أخبره أنه
قال: يا رسول الله، أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني، فضرب إحدى يدي بالسيف
فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة. فقال: أسلمت لله. أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا تقتله. فقلت: يا رسول الله. إنه قطع يدي.
ثم قال بعد أن قطعها. أفأقتله؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم. لا تقتله؛
فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله. وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي
قال.
قال الربيع: معنى قول النبي، صلى الله عليه وسلم، «فإنك إن قتلته
فإنه بمنزلتك» يريد أنه حرام الدم قبل أن تقتله. وإنك بمنزلته مباح الدم. يريد
بقتله قبل أن يقول كلمته التي قال، إذ كان مباح الدم قبل أن يقولها، لا أن يكون
كافراً مثله».
[م - ٢٠] مناقب
عليه وسلم: «أقرُّوا الطير
على مَكِنَاتِها [١]» فقال: إن الله تعالى يحب الحقَّ، إن الشافعي كان صاحب ذا،
سمعته يقول في تفسير قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «أقرّوا الطير على
مَكِنَاتِها» فقال: كان الرجل في الجاهلية إذا أتى الحاجة، أتى الطير في وَكْرِه
فَنَفّرَهُ، فإن أخذ ذات اليمين مضى لحاجته، وإن أخذ ذات الشمال رجع. فنهى رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك.
قال: وكان «الشافعي» نَسِيجَ
وَحْدِهِ في هذه المعاني [٢].
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال:
حدثني أبو عمرو: محمد بن إسماعيل المُرَادِي، قال: حدثني أبو محمد: عبد الرحمن بن
أحمد بن سليمان البَرَقي [٣]،
(١) الحديث عن أم كرز الكعبية في السنن
الكبرى، باب أقروا الطير على مكاناتها ٩/ ٣١١ وفي سنن أبي داود، في العقيقه ٣/
١٣٨ - ١٣٩؛ وفي المستدرك، كتاب الذبائح ٤/ ٢٣٧ - ٢٣٨، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح
الإسناد، ولم يخرجاه. وأقره الذهبي. ولكنه قال ميزان الاعتدال ٢/ ١١٥ عن روايه عن
أم كرز: سباع بن ثابت القرشي: إنه لا يعرف. وذكر له هذا الحديث. والحديث من رواية
سباع عنها في مسند الحميدي ١/ ١٦٧، ومسند الطيالسي ٢٢٧، ومسند أحمد ٦/ ٣٨١، وحلية
الأولياء ٩/ ٩٥.
وترجمة سباع الصحابي أو التابعي في طبقات ابن سعد ٥/
٢٤٣ ل، ٤٦٤ ب والجرح والتعديل ٢/ ١/٣١٢ والثقات لابن حبان كتاب التابعين ٤٣ - ١،
وتهذيب التهذيب ٣/ ٤٥٢ والإصابة ٣/ ٦٣، وأسد الغابة ٢/ ٢٥٩
(٢) في
السنن الكبرى ٩/ ٣١١.
وانظر غريب الحديث لأبي عبيد ٢/ ١٣٥ - ١٣٨،
ومشكل الآثار للطحاوي ١/ ٣٤٢ - ٣٤٣.
(٣) في ا: «البوقي».
قال:
سمعت أحمد [١] بن جعفر القُوْمَسِي، يقول: سمعت علي بن أحمد البَرْذعِي يقول:
دخل
إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، مَكَّةَ، وأَرادُوا عبد
الرَّزاق، فدخلوا مسجد الحرام، فرأوا رجلا شابا على كرسي، وحوله الناس وهو يقول:
يا أهل الشام، ويا أهل العراق، سلوني عن سنن رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
فقلنا لرجل: مَنْ هذا الجالس؟ فقال المُطَّلِبيّ الشافعي. قال إسحاق: فقلت لأحمد
بن حنبل: يا أبا عبد الله مُرّ بنا إليه نجعل طريقنا عليه. قال: فلما قمنا عليه
قلنا: يا أبا عبد الله، سله عن حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: «أمْكِنُوا الطير
في أَوْكارِها» فقال: وما تصنع بهذا؟ هذا مُفَسَّرٌ: دعوا الطير في ظلمة الليل في
أوكارها. فقال إسحاق: والله لأسألنه: يا مُطَّلبي، ما تفسير قول النبي، صلى الله
عليه وسلم: «أمكنوا الطير في أوكارها»؟ قال: نعم يا فارسيّ، هذا [أحمد [٢]] ابن
حنبل، بلغني أنه يفتي بالعراق في هذا الحديث: دعوا الطير في ظلمة الليل في
أوكارها. قال إسحاق: يا مطلبي، ما تفسير هذا الحديث؟ قال: نعم، حدثنا بهذا الحديث
سفيان ابن عيينة، فسألته عن تفسيره، فقال: لا أدري، فقلت: بارك الله عليك أبا
محمد. فأخذ بيدي وقال لي: يا شافعي، ما تفسير هذا الحديث؟
فقلت: كان
أهل الجاهلية إذا أرادوا سفراً عَمَدُوا إلى الطير فَسَرَّحُوها، فإن أخذت يميناً
خرجوا في ذلك الفأل، وإن أخذت يساراً، أو رجعت إلى
(١) كذلك في ح، هـ.
وفي ا: «محمد».
(٢) الزيادة من ح.
خلفها - تَطَيَّرُوا
ورجعوا. فلما أن بُعِثَ النبي، صلى الله عليه وسلم، قدم مكة فنادى في الناس:
«أمكنوا الطير في أوكارها، وبَكِّرُوا على اسم الله».
قال إسحاق
لأحمد: يا أبا عبد الله، لو لم نرحل من العراق إلى الحجاز إلا في تفسير هذا
الحديث لكانت لنا غنيمة. قال أحمد بن حنبل: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ
[١]} .
قلت: وقد رَوَى عبدان بن محمد بن عيسى الحافظ، عن محمد بن
مُهَاجِر البغدادي، أخي حنيف، عن سفيان بن عيينه: أنه حدَّث بهذا الحديث، وكان
الشافعي إلى جنب ابن عيينه، فالتفت إليه سفيان. فقال: يا أبا عبد الله، ما معنى
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أقروا الطير في مكانتها»؟ فقال [٢] الشافعي لابن
عيينة: الرجل من العرب كان إذا أراد سفراً خرج من البيت فمرّ على الطير في مكانته
يُطَيِّرُهُ، فإن أخذ يميناً مَرَّ في حاجته، وإن أخذ يساراً رجع. فقال النبي،
صلى الله عليه وسلم: «أَقِرّوا الطيرَ على مكانتها».
قال ابن مهاجر:
فسمعت ابن عيينة بعد ذلك يسْأَلُ عن تفسيره، فكان يُفسِّره على نحو ما قال
الشافعي.
(١) سورة يوسف ٧٦.
(٢) ح «قال».
[(١
قال ابن مهاجر: فسألت «الأصمعي» عن تفسيره، فذكر بنحو من قول الشافعي ١) فسألت
عنه «وكيع بن الجَراح» فقال: إنما هو عندنا على صيد الليل. فذكرت له قول الشافعي
فاستحسنه، وقال: ما ظنناه إلا على صيد الليل [٢].
وهذا فيما أخبرناه
شيخنا أبو عبد الله الحافظ، قال: وفيما ذكر أبو العباس السّيّاري، عن عبدان. فذكر
بتمامه.
* * *
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال:
أخبرني عبد الله بن محمد بن حيّان، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن زياد، قال:
قُرِئ على أبي بكر بن أحمد ابن عمرو بن أبي عاصم النَّبِيل، وأنا حاضر، قال:
حدثنا الشافعي - يعني إبراهيم ابن محمد، قال:
سمعت «محمد بن إدريس
الشافعي» في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: أنه كان معتكفاً في المسجد، فأتته
صفية، ثم رجعها فمشى معها، فإذا رجلان من الأنصار، فقال النبي، صلى الله عليه
وسلم: «إنها صفيّة، وإنّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم»: يقول: إنما هذا من
النبي: صلى الله عليه وسلم، على التعليم، ليس هذا من النبي، صلى الله عليه وسلم،
على التهمة، لو اتهماه لكفرا. هذا من النبي، صلى الله عليه وسلم، على الأدب.
يقول: إذا مَرَّ أحدكم
(١) ما بين الرقمين ساقط من ا.
(٢)
حلية الأولياء ٩/ ٩٥.
على رجل يكلِّم امرأةً وهي منه بسبب فليقل: إنها
فلانة، وهي منا بسبب. فقال: «ابن عيينة: جزاك الله عنا خيراً يا أبا عبد الله
[١].
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا علي بن محمد بن عمر
الرازي الفقيه، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس، عمن حدثه، قال:
كنا
في مجلس ابن عيينه، والشافعي حاضر، فحدّث ابن عيينة عن الزهري، عن علي بن
الحسين:
أن النبي، صلى الله عليه وسلم، مر به رجل وهو مع امرأته صفية.
فقال: تعال، هذه امرأتي صفية. فقال: سبحان الله يا رسول الله! فقال: «إن الشيطان
يجري من الإنسان مجرى الدم [٢]».
فقال ابن عيينة: ما فقه هذا الحديث
يا أبا عبد الله؟
فقال: إن كان القوم اتهموا النبي، صلى الله عليه
وسلم، كانوا بتهمتهم إياه كفاراً، لكن النبي، صلى الله عليه وسلم، أدّب مَنْ
بَعْدَه، فقال: إذا كنتم هكذا [فافعلوا هكذا [٣]] حتى لا يظن بكم ظن السوء، لا
أَنَّ النبي، صلى الله عليه وسلم - وهو أمين الله في أرضه - اتهم.
فقال
ابن عُيَيْنَة: جزاك الله خيراً يا أبا عبد الله، فما يجيئنا منك إلا كل ما
نحبّه.
(١) حلية الأولياء ٩/ ٩٢.
(٢) السنن الكبرى ٤/ ٢٢٢١
- ٢٢٢٢ وصحيح مسلم ٤/ ١٧١٢
(٣) الزيادة من ح.
ورواه «عبد
الرحمن في كتابه [١]» عن محمد بن روح، عن إبراهيم بن محمد الشافعي، قال: كنا
جلوساً في مجلس ابن عيينة. فذكره.
* * *
أخبرنا محمد بن
عبد الله الحافظ، ومحمد بن موسى؛ قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال:
حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا الشافعي. فذكر بإسناده حديث النبي، صلى الله
عليه وسلم «تجافوا لذوي الهيئآت عن عثراتهم [٢]» ثم قال: سمعت من أهل العلم مَن
يعرف هذا الحديث ويقول: نتجافى [٣] للرجل ذي الهيئة عن عثرته ما لم يكن حدًّا.
قال:
وذوو الهيئات [٤] الذين يقالون عثراتهم: الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزِلّ أحدهم
الزّلّة [٥].
وفي رواية الزعفراني عن الشافعي: الذين ليسوا يعرفون
بالشر قبل إحْدَاثِهم الزّلّة التي [٦] أخذوا عليها [٧].
وأخبرنا أبو
عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال:
(١) آداب
الشافعي ومناقبه ٦٨ - ٧٠.
(٢) الحديث من رواية عمرة عن عائشة، كما في
الأدب المفرد للبخاري ١٢٣، ومسند أحمد ٦/ ١٨١، وحلية الاولياء ٩/ ٤٣، والسنن
الكبرى ٨/ ٣٣٤، وسنن أبي داود ٤/ ١٨٩.
(٣) في الام: «يجافي».
(٤)
في ح: «قال كيف ذوو الهيئات، الذين تقال عثراتهم قال الذين ليسوا».
(٥)
الام ٦/ ٣٣٤.
(٦) في ا «الذي».
(٧) الام ٢/ ١٣٢.
أنبأنا
الشافعي. فذكر بإسناده مرسلا: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لعن المُخْتَفِي
والمُختَفِيَةَ [١].
قال الشافعي: المختفي: النّباش.
وبهذا
الإسناد قال:
أنبأنا الشافعي في معنى قوله، صلى الله عليه وسلم: «لا
تُخَالِطُ الصّدقَةُ مالاً إلّا أَهلَكَتْهُ» قال: يعني [٢] - والله أعلم - أن
خيانة الصدقة تُتْلِفُ المال المخلوطَ بالخيانة من الصّدقة [٣].
وبهذا
الإسناد قال:
حدثنا الشافعي في قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
«إذا أتاكم المُصَدِّقُ فلا يفارقكم إلا عن رضا» [٤] قال: يعني - والله أعلم - أن
يُوفّوه طائعين، ولا يَلْوُوه، لا أَنْ يُعْطُوه من أموالهم ما ليس عليهم. فبهذا
نأمرهم ونأمر المُصَدِّق [٥].
وبهذا الإسناد قال:
قال
الشافعي: روى ابن أبي مُلَيْكَةَ مُرْسَلاً: أن النبي، صلى الله عليه وسلم
(١)
في مسند الشافعي ٣٥ «أخبرنا محمد بن عثمان بن صفوان الجمحي، عن هشام بن عروة، عن
عائشة».
(٢) في ح «معنى هذا».
(٣) الام ٢/ ٥٠.
(٤)
في مسند الشافعي ٣٥ «أخبرنا سفيان، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن جرير ابن
عبد الله، قال: قال رسول الله. . .».
(٥) الأم ٢/ ٤٩ - ٥.
قال:
«من أَسْلَم على شيء فهو له [١]». ومعنى ذلك: من أسلم على شيء يجوز له مِلْكُه
فهو له.
* * *
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا
أبو العباس الأصم، قال: أنبأنا الربيع، قال:
قال الشافعي: روى أن أبا
بَكْرَةَ ركع وحده، وخاف أن تفوته الركعة [٢]، فذكر ذلك للنبي، صلى الله عليه
وسلم، فقال: «زادك الله حرصاً ولا تَعُدْ» [قال الشافعي: فلما لم يأمره بإعادة -
دل ذلك على أنه يجزي عنه. وقوله: «لا تعد» [٣]] يشبه قوله: «لا تأتوا الصلاة
وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم
فاقضوا [٤]» يعني -
(١) قال الشافعي في الام ٤/ ١٧٢ «هذا منقطع» ورواه
البيهقي في السنن الكبرى ٩/ ١١٣ عن أبي سعد الماليني، أنبأنا أبو أحمد بن عدي،
حدثنا محمد بن خريم، حدثنا هشام بن خالد، حدثنا مروان بن معاوية، حدثنا ياسين بن
معاذ الزيات، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. ثم قال: ياسين بن معاذ
الزيات كوفي ضعيف، جرحه يحيى بن معين والبخاري، وغيرهما من الحفاظ. وهذا الحديث
إنما يروى عن ابن أبي مليكة عن النبي مرسلا، وعن عروة عن النبي مرسلا.
(٢)
في صحيح البخاري ١/ ١٥٦، باب إذا ركع دون الصف: «حدثنا موسى بن إسماعيل، قال:
حدثنا همام، عن الاعلم - وهو زياد - عن الحسن، عن أبي بكرة: أنه انتهى إلى النبي
صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف. فذكر الخ» ونقله البيهقي
عنه في السنن الكبرى ٢/ ٩٠.
(٣) الزيادة من ح وهي ثابتة في السنن
الكبرى.
(٤) السنن الكبرى ٢/ ٢٩٧ - ٢٩٨، ٣/ ٢٢٨.
والله
أعلم - ليس عليك أن تركع حتى تصل إلى موقفك؛ لما في ذلك من التعب، كما ليس عليك
أن تسعى إذا سمعت الإقامة.
وعَبَّرَ عنه في القديم، في رواية
الزعفراني، فقال: وقد يجوز في قوله: «لا تعد» على حب [١] أن لا تصلي إلا في الصف.
ويجوز على إرادة التخفيف، كما أمر الناس أن لا يسعوا إلى الصلاة تخفيفاً. والله
أعلم.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الحسين بن علي، قال:
حدثنا عبد الرحمن - يعني بن محمد - قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم،
قال: قال الشافعي: معنى قول النبي، صلى الله عليه وسلم:
«حدِّثُوا عن
بني إسرائيل ولا حَرَج» أي لا بأس أن تحدِّثوا عنهم مما [٢] سمعتهم، وإن استحال
أن يكون في هذه الأمة مثل ما رُوِي: من النّار التي تنزل من السماء فتأكل
القُرْبَان، ليس أَنْ يُحَدِّث عنهم بالكذب وما لم يُرْوَ [٣].
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال:
قال
الشافعي في قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «وفي نَزْعِه ضَعْف» [٤] يعني
(١)
كذا في ا، هـ: وفي ح «على حث».
(٢) في ح «بما».
(٣) آداب
الشافعي ومناقبه ١٥٦ وحلية الأولياء ٩/ ١٢٥.
(٤) في مسند الشافعي ٩٥
«أخبرنا الدراوردي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، قال: بينما أنا أنزع على بئر أستسقي =
أبا بكر
الصديق: قِصَر مدته، وعجلة موته، وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح
والتَّزَيُّد الذي بلغه عمر في طول مدته [١].
وقرأت في كتاب أبي الحسن
العاصمي: عن أبي عبد الله: محمد ابن يوسف بن النضر الشافعي، فيما قرأ عليه
بالشام، عن الربيع ابن سليمان:
عن الشافعي في تفسير هذا الحديث، زاد:
قال: وقوله في عمر ابن الخطاب «فاستحالت في يده غَرْباً» والغَرْبُ: الدلو العظيم
الذي إنما تنزعه الدابة والزَّرْنُوقُ [٢]، ولا يَنْزِعُه الرجلُ بيده؛ لطول مدته
وتزيّده في الإسلام، لم يزل يَعْظُم أمرُه ومَتَاحَتُهُ للمسلمين كَمَتْحِ
الدّلْو العظيم [٣].
أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، قال: حدثنا أبو
العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال:
= قال الشافعي: يعين في النوم،
ورؤيا الأنبياء - قال رسول الله: فجاء ابن أبي قحافة فنزع ذنوبا أو ذنوبين، وفيه
ضعف، والله يغفر له. ثم جاء عمر بن الخطاب فنزع حتى استحالت في يده غربا. فضرب
الناس بعطن. فلم أر عبقرياً يفري فريه».
(١) آداب الشافعي ١٤٩.
(٢)
في تاج العروس ٦/ ٣٧٠ «الزرنوقان - بالضم ويفتح - منارتان تبنيان على جانبي رأس
البئر. فتوضع عليها النعامة - وهي الخشبة المعترضة عليها - ثم تعلق منها القامة -
وهي البكرة فيستقى بها».
(٣) الأم ١/ ١٤٤، وآداب الشافعي ١٤٩.
قال
الشافعي، رضي الله عنه، في ذكر الرّمّة [١] يقول الشاعر:
[بها جِيَفُ
الحَسْرَى] أمّا عِظَامُها ... فَرَمٌّ وأما لَحْمُهَا فَصَلِيبُ [٢]
قال
الشافعي؛ الرّمة: العظم [٣].
أخبرنا أبو عبد الله، وأبو سعيد؛ قالا:
حدثنا أبو العباس، قال:
أنبأنا الربيع، قال: قلت للشافعي: فما معنى
رفع اليدين عند الركوع؟ فقال: مثل معنى رفعهما عند الافتتاح، تعظيما لله، وسُنَّة
مُتَّبَعَة يرجى فيها ثواب الله، عز وجل. ومثل رفع اليدين على الصّفا والمَرْوَة،
وغيرهما.
وأخبرنا أبو عبد الله، قال: أخبرني نصر بن محمد بن أحمد
المعدل، قال: حدثني محمد بن عمرو البصري، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن عاصم،
قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن يوسف البغدادي، بالرَّمْلَة، قال:
سمعت
بعض أصحابنا يحكي عن «الشافعي» قال: صليت بجنب محمد
(١) في آداب
الشافعي ١٣٨ «سمعت الشافعي وذكر حديث الاستنجاء بالرمة. يعني حديث النبي صلى الله
عليه وسلم: أنه نهى عن الروث والرمة أن يستنجى بهما. .» والحديث رواه الشافعي في
الام ١/ ١٨ عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن عجلان، عن القعقاع ابن حكيم، عن أبي
هريرة ...» وهو في السنن الكبرى ١/ ١٠٢.
(٢) في الأصول: «أما عظمها
فرم وأما لحمها فصليب» وتكملة البيت من المفضليات ٣٩٤ وفيها: «فأما عظامها» وهو
لعلقمة الفحل. والحسرى: التي هلكت من التعب والإعياء.
(٣) حلية
الاولياء ٩/ ٤٩.
ابن الحسن، فرفعت يدي عند الركوع وبعد الركوع، فلما
سلَّمنا، قال لي محمد ابن الحسن: لم رفعت يديك؟ قلت: إعْظَاماً لجلال الله، عز
وجل، واتباعاً لسنة رسولنا، صلى الله عليه وسلم، ورجاء لثواب الله.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال حدثنا عبد
الرحمن - يعني ابن محمد - قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا حَرْمَلَة، قال: سمعت
الشافعي يقول في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، حيث قال لها: «اشْتَرِطِي لهم
الوَلاَءَ [١]»: معناه: اشترطي عليهم الولاء، قال الله: {أُولَئِكَ لَهُمُ
اللَّعْنَةُ [٢]} يعني عليهم اللعنة [٣].
وأخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أنبأنا الربيع، قال:
قال
الشافعي [٤]: حديث يحيى بن سعيد، عن عَمْرةَ، عن عائشة - أثْبَتُ من حديث هشام.
وأحسبه غلط في قوله: «واشترطي لهم الولاء» وأحسب حديث عَمْرة [٥] أنَّ عائشة كانت
شرطت ذلك لهم بغير أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، وهي ترى ذلك يجوز، فأَعْلَمَها
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنها إن أعْتقَتْها فالولاء لها. وقال: لا يمنعك
منها ما تقدّم من شَرْطِكِ،
(١) الأم ٤/ ٥٢، والسنن الكبرى ١٠/ ٢٥٩،
٣٣٦.
(٢) سورة الرعد ٢٥.
(٣) آداب الشافعي ١٥٨ والسنن
الكبرى ١٠/ ٣٤٠.
(٤) في اختلاف الحديث بهامش الأم ٧/ ١٩٦ - ١٩٧.
(٥)
في ح: «عمر» وهو تحريف.
ولا أرى [١] أَمَرَها تشترط لهم ما لا
يجوز.
* * *
وبهذا الإسناد قال:
قال الشافعي
[٢]، في معنى إبطال النبي، صلى الله عليه وسلم، شَرْطَ عائشة لأهل بَرِيْرَةَ أن
بَيِّناً - والله أعلم - في الحديث نفسه [٣] أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
قد أعلمهم أنّ الله تعالى قد قضى أنّ الولا، لمن أَعْتَقَ، ونهى رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، عن الربيع الوَلاَء، وعن هبته [٤]. فلما بلغهم هذا كان من اشترطَ
خلافَ ما قَضَى الله ورسولُه، صلى الله عليه وسلم - عاصياً، وكانت في المعاصي
حدود وآداب، فكان من أدب العاصين أن يعطل عليهم شروطهم لِيَنْتَكِلوا عن مِثْلِهِ
أو يَنْتَكِل بها غيرهم. وكان هذا من أَسْنَى [٥] الأدب.
* * *
(١)
في ح: «أنه أمرها».
(٢) في السنن الكبرى ١٠/ ٣٣٩ «قال الشافعي: فقال
لي بعض الناس: فما معنى إبطال النبي، صلى الله عليه وسلم شرط عائشة لأهل بريرة؟
«قلت؛ إن بينا - والله أعلم - في الحديث نفسه: أن رسول الله ...».
(٣)
في ا، هـ: «في الحديث بعد».
(٤) في السنن بعد ذلك: «وروى عنه أنه قال:
الولاء لحمة كلحمة النسب. النسب لا يباع ولا يوهب. فلما ...».
(٥)
كذلك في السنن. وفي ح: «من سيء» وفي ا: «من سنن» وفي هـ: «من مسيء».
أخبرنا
محمد بن موسى بن الفضل، قال: حدثنا أبو العباس بن يعقوب، قال: أنبأنا الربيع بن
سليمان، قال:
أنبأنا الشافعي في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم «لا
يَغْلَقُ الرهن [الرهن [١]] من صاحبه الذي رهنه، له غُنْمُه وعليه غُرْمُه [٢]»
قال: بهذا نأخذ. وفيه دليل على أن جميع ما كان رَهْناً غير مضمون على
المُرْتَهِنِ؛ لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، إذْ [٣] قال: الرهن من صاحبه الذي
رهنه، فمن كان منه شيء فضمانه منه لا من غيره، ثم زاد فأَكد [٤] له فقال: «له
غنمه وعليه غرمه» وغنمه: سلامته وزيادته. وغرمه: عَطَبُه [٥] ونقصه [٦].
وقوله
- والله أعلم -؛ «لا يَغْلقُ الرهن» لا يستحقه المرتهن بأَن يدع الراهن قضاء حقّه
عند محلّه، ولا يستحق مرتهنه خدمته، ولا منفعة [٧] فيه بارتهانه إياه، ومنفعته
لراهنه؛ لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:
(١) الزيادة من ح
والأم.
(٢) الحديث في الأم ٣/ ١٤٧، والسنن الكبرى ٦/ ٣٩ - ٤٠، ومسند
الشافعي ٥١.
(٣) في ح: «إذا أقال».
(٤) في ح: «فأكده».
(٥)
في هـ: «وغرم غبطه ونقضه»!
(٦) في الأم بعد ذلك: «فلا يجوز فيه إلا أن
يكون ضمانه من مالكه، لا من مرتهنه. ألا ترى أن رجلا لو ارتهن من رجل خاتما بدرهم
يسوي درهما فهلك الخاتم، فمن قال: يذهب درهم المرتهن بالخاتم كان قد زعم أن غرمه
على المرتهن، لأن درهمه ذهب به وكان الراهن بريئا من غرمه؛ لأنه قد أخذ ثمنه من
المرتهن، ثم لم يغرم له شيئا، وأحال ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم».
(٧)
في ح: «منفعته».
«هو من صاحبه الذي رهنه له غنمه» ومنافعه من غنمه
[١].
[قال [٢]] : وإذا لم يخص رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رهنا
دون رهن - فلا يجوز أن يكون من الرّهن مَضْمون، ومنه غير مضمون [٣]. وبسط الكلام
فيه.
وقال في «كتاب الرهن [الصغير»: معنى [٤] قول النبي، صلى الله
عليه وسلم - والله أعلم - لا يغلق الرهن [الرهن [٥]] » لا يغلق بشيء. أي إن ذهب
لم يذهب بشيء، وإن أراد صاحبه افتكاكه فلا يغلق في يدي الذي هو في يديه، بأن يقول
المرتهن: قد أوصلته إليّ فهو لي بما أعطيتك فيه [٦]، ولا يغير ذلك مِنْ شرطِ
تَشَارَطَاه فيه ولا غيره. والرهن للراهن أبداً حتى يخرجه من ملكه بوجه يصح
إخراجه له. وبسط الكلام فيه. واحتج بآخر الخبر كما مضى [٧].
* * *
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب، يقول: سمعت الربيع بن
سليمان، يقول:
(١) الأم ٣/ ١٤٧.
(٢) الزيادة من ح.
(٣)
الأم ٣/ ١٤٨.
(٤) الزيادة من ح، هـ.
(٥) الزيادة من ح.
(٦)
في السنن لكبرى ٦/ ٤٠ «عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب: أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: لا يغلق الرهن. قلت له: أرأيتك قولك لا يغلق الرهن؛ أهو الرجل
يقول إن لم آتك بمالك فهذا الرهن لك؟ قال: نعم. قال: وبلغني عنه بعد ذلك أنه قال:
إن هلك لم يذهب حق هذا، إنما هلك من رب الرهن، له غنمه وعليه غرمه».
(٧)
الأم ٣/ ١٦٤ وما بعدها.
سمعت الشافعي يقول في قوله: «ليس منا من لم
يَتّغَنَّ بالقرآن [١]» فقال له رجل: يَسْتَغْنِي به؟ فقال: لا، ليس هذا معناه.
معناه: أن يقرأ حَدْراً وتَحْزِيناً [٢].
أخبرنا محمد بن الحسين
السلمي، قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا أحمد بن يوسف،
قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، قال: حدثنا أبو علي بن أبي الصغير،
قال: سمعت المُزَني، يقول [٣]:
سمعت الشافعي، يقول في قول النبي، صلى
الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» معناه: تحسين الصوت، لا يعني
يستغنى به؛ لأنها لو كانت في معنى يستغنى به لكان يَتغَانَى، ويتغنّى من الغناء
[٤].
وقرأت في كتاب زكريا [٥] الساجي، حدثنا جعفر بن أحمد، عن [٦] أبي
ثور، قال:
سمعت الشافعي، يقول: قال ابن عيينة في حديث [٧] النبي، صلى
الله عليه وسلم، «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» هو يستغنى به.
قال
الشافعي: تَجرّأ عليه
(١) رواه أبو داود في سننه ٢/ ١٠٠ عن سعد بن أبي
وقاص، وأحمد في المسند ٣/ ٤٣ - ٤٤ وابن حبان في صحيحه، كما في الإحسان ١/ ٢٨٤
وقال بعقبه: «معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا» في هذه الأخبار: يريد به:
ليس مثلنا في استعمال هذا الفعل: لأنا لا نفعله، فمن فعل ذلك فليس مثلنا».
(٢)
آداب الشافعي ١٥٧.
(٣) قوله في مختصره بهامش الأم ٥/ ٢٥٧.
(٤)
في ح: «من القرآء».
(٥) في ح: «يحيى».
(٦) في هـ: «أحمد بن
أبي ثور».
(٧) ح: «في قوله».
[م - ٢١] مناقب
ابن
عُيَيْنَة [١]. لو أراد النبي، صلى الله عليه وسلم، الاستغناء به لقال: ليس منا
من لم يستغن بالقرآن، فلما قال: ليس منا من لم يتغن بالقرآن - علمنا أنه
التَّغَنِّي به [٢].
أخبرنا الشريف أبو الفتح العُمَرِي، رحمه الله،
قال: أنبأنا أبو العباس: أحمد بن محمد بن أبي سعيد الكَرْخِي، بمكة، قال: حدثنا
أبو الحسن: على ابن أبي غسّان، بالبصرة، قال: حدثنا زكريا. فذكره.
* *
*
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال:
حدثنا الربيع، قال:
أنبأنا الشافعي في «كتاب الشِّغَار» قال: فإذا
أنْكَحَ ابنتَه للرجل، أو المرأةَ بلى أمرها، مَنْ كانت، على أنْ ينكحَهُ ابنتَه
أو المرأةَ بلى أمرها، مَنْ كانت، عَلَى أنّ صدَاقَ كلِّ واحدِةٍ منهما بُضْعُ
الأخرى، أو على أن ينكحه الأخرى، ولم يسم لواحدة منهما صداقاً - فهذا الشِّغَار
الذي نهى عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلا يحلّ النكاح، وهو مَفْسُوخ
[٣].
* * *
(١) في ح: «نحن أعلم بهذا من ابن عيينه».
(٢)
راجع آداب الشافعي ص ١٥٦ - ١٥٧ وهامشه.
(٣) الأم ٥/ ٦٨.
أخبرنا
أبو عبد الله: الحسين بن محمد بن الحسين الدّينوري، قال: حدثنا ظفران بن الحسين
بن جعفر بن هاشم، قال: حدثنا «عبد الرحمن بن أبي حاتم» قال: قال أبي.
وأخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثني الحسين بن محمد الدَّارِمِي، قال: حدثنا «عبد
الرحمن»، قال: حدثنا أبي، حدثنا حَرْمَلَة بن يحيى، قال:
سمعت الشافعي
يفسر حديث النبي، صلى الله عليه وسلم:
«التسبيح للرجال والتصفيق
للنساء [١]». قال: لأن صوت المرأة يفتن في غير صلاة، فكره أن يكون في الصلاة
[لئلا [٢]] تفتن الناس بصوتها [٣].
* * *
قالا [٤]:
وأخبرنا «أبو عبد الرحمن بن أبي حاتم» [٥] قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال:
قال
الشافعي: الرَّوْع: الفزع. والرُّوْع: القلب. يعني تفسير حديث النبي، صلى الله
عليه وسلم، أنه قال:
«إن الرُّوحَ الأمينَ نَفَثَ في رُوْعي أن حراناً
على نفسٍ أنْ تخرج من
(١) الحديث عن أبي هريرة في السنن الكبرى ٢/ ٢٤٦
- ٢٤٧ وفي معرفة علوم الحديث للحاكم ص ٢٠١.
(٢) الزيادة من ح.
(٣)
آداب الشافعي ١٤١.
(٤) في ا، هـ: «قال».
(٥) آداب الشافعي
ومناقبه ١٥٧ - ١٥٨.
الدنيا حتى تستوفي رِزْقَها، فأَجْمِلُوا في الطلب
[١]».
قالا [٢]: وأخبرنا «عبد الرحمن» قال: حدثنا الربيع بن سليمان،
قال:
سمعت الشافعي، يقول في قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في
مكة: «لا يُخْتَلَى خَلاَها [٣]» قال: الاختلاء: الاحْتِشَاشُ قطعاً [ونتفاً [٤]]
:
* * *
قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، فيما أملاه عليه
إبراهيم بن محمد بن المولد الرّقي، عن الحسين بن الضحاك، عن الربيع، قال [٥]:
جاء
«حفص الفرد» إلى «الشافعي» وكان يبطل أخبار الآحاد، فقال
(١) أخرج
الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه ل ٥٥ ب عن أبي بكر الحيرى: «حدثنا محمد بن
يعقوب الأصم، أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا الشافعي، أخبرنا عبد العزيز ابن
محمد، عن عمرو بن أبي عمرو، مولى المطلب، عن المطلب بن حنطب: أن رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، قال: ما تركت شيئاً مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا
تركت شيئاً مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه. وإن الروح الأمين ... في
الطلب» والحديث كما رواه الخطيب، في مسند الشافعي ص ٨٠، ولكن الشافعي قد قسم
الحديث إلى قسمين في كتاب الرسالة، فذكر القسم الأول بسنده المذكور هنا ص ٨٧ إلى
قوله: «إلا وقد نهيتكم عنه» وذكر القسم الثاني بنفس السند ص ٩٣ وأوله: «وإن
الروح» مع إسقاطه حرف العطف كعادته فيما يستشهد به.
(٢) في ا:
«قال».
(٣) السنن الكبرى ٥/ ١٩٥ - ١٩٦.
(٤) الزيادة من ح
وآداب الشافعي ١٣٩.
(٥) مناقب الشافعي للرازي ١٢٦.
للشافعي
[١]: يا أبا عبد الله، يقولون: إنه لم يُرْوَ للنبي، صلى الله عليه وسلم، حديث
إلا وفيه فائدة، فأي فائدة فيما روى عنه: «أنه أتى سبَاطَةَ قوم فبال قائماً
[٢]»؟
[قال:] فقال الشافعي: يا حفص، في هذا أكبر [٣] الفوائد، أما
تعلم أن العرب تقول: إذا كان بالرجل وجع الظهر شفاه البول قائماً. وإنما بال
النبي، صلى الله عليه وسلم، قائماً يطلب الشفاء به، ثم تَرَكَ [٤].
*
* *
أخبى، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال:
قال
الشافعي: «نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن المَصْبُورَةِ، فالمصبورة:
الشاة تُرْبطُ ثم تُرْمَى بالنَّبْل [٥].
أخبرنا أبو عبد الله، قال:
حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال:
(١) في ا، ح:
«الشافعي».
(٢) السنن الكبرى ١/ ١٠١ من رواية المغيرة بن شعبة، وفي
المستدرك ١/ ١٨١ عن حذيفة.
(٣) في هـ، ا: «أكثر».
(٤) قال
البيهقي في السنن الكبرى «وقد قيل: كانت العرب تستشفى لوجع الصلب بالبول قائما،
فلعله كان به إذ ذاك وجع الصلب. وقد ذكره الشافعي بمعناه. وقيل: إنما فعل ذلك
لأنه لم يجد للقعود مكاناً أو موضعاً».
(٥) الأم ٢/ ١٩٧، والسنن
الكبرى ٩/ ٢٣٤.
قال الشافعي: «نهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن
كَسْب الحَجَّام وإرْخَاصُهُ في أن يطعمه النَّاضِحَ والرَّقِيق. قال [١]: لا
معنى [له] إلا واحد: وهو أنّ من المكاسب دَنِيَّا وحسناً [٢]، وكان كسب الحجام
دنيا، فأحبّ له تنزيه نفسه عن الدناءة؛ لكثرة المكاسب التي هي أجمل منه، فلما
رَادَّه [٣] فيه أمره أن يُعْلفه نَاضِحَه ويطعمه رقيقه تنزيهاً له، لا تحريماً
عليه.
قال [٤]: و [لو] كان حراماً لم يجز لِمُحَيّصَة [٥] أن يملك
حراماً، ولا يعلفه
(١) كذا بالأصول وهو غير مستقيم: والصواب ما جاء في
اختلاف الحديث بهامش الأم ٧/ ٣٤٤ «قال [الشافعي] : فان قال قائل: فما معنى نهى
رسول الله، وإرخاصه في أن يطعمه الناضج والرقيق؟ قيل له: لا معنى له إلا واحد ...
الخ.
وانظر الأحاديث التي رواها الشافعي في كسب الحجام في اختلاف
الحديث بهامش الأم ٧/ ٣٤٣ - ٣٤٤ وترتيب مسند الشافعي ٢/ ١٦٦.
(٢) في
ح: «وخبيثا».
(٣) في اختلاف الحديث ص ٣٤٤ «هي أجمل فلما زاده فيه» وقد
روى الشافعي في اختلاف الحديث عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن حرام بن سعد بن
محيصة: أن محيصة سأل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن كسب الحجام، فنهاه عنه، فلم
يزل يكلمه حتى قال له: أطعمه رقيقك، وأعلفه ناضحك».
(٤) في اختلاف
الحديث ص ٣٤٤ بعد أن أورد عدة أحاديث: «ليس في شيء من هذه الأحاديث مختلف ولا
ناسخ ولا منسوخ. فهم قد أخبرونا أنه قد أرخص لمحيصة أن يعلفه ناضحه ويطعمه رقيقه.
ولو كان حراناً لم يجز رسول الله - والله أعلم - لمحيصة أن يملك حراماً ...».
(٥)
في ا: «لمريضه» وفي هـ: «لمرتقيه» وفي ح: «لمحصه» وعليها علامة الخطأ. وفي هامشها
«طريعه» وكتب فوقها «ح».
وهو محيصة بن مسعود بن كعب الأنصاري الحارثي،
يكنى أبا سعد. أسلم قبل الهجرة، وبعثه رسول الله إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام.
وشهد أحداً والخندق وما بعدهما من المشاهد كلها، وعلى يده أسلم أخوه الأكبر
حويصة. وسبب ذلك: أن الرسول لما أمر يقتل اليهود وثب محيصة على ابن سبينة اليهودي
- وكان يلابسهم =
ناضحه، ولا يطعمه رقيقه، ورقيقُه مِمَّنْ عليه فرض
الحلال والحرام. ولم يعط [رسول الله] حجَّاماً على الحِجَامَةِ [أجراً إلا [١]]
لأنه لا يُعْطِي إلا ما يَحِلُّ له أن يُعْطِيَه. وما حلَّ لِمَالِكِه مِلْكُهُ
حَلَّ له ولمن أَطْعَمَهُ إيّاه - أَكْلُه.
* * *
وأخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الحسين بن على الدارمي، قال: أنبأنا «عبد
الرحمن بن محمد [٢]» قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال:
قال الشافعي،
رضي الله عنه: «بَيْدَ أنهم [٣]» قال: مِنْ أَجْلِ أنّهم [٤].
* *
*
= ويبايعهم - فقتله. فجعل أخوه حويصة يضربه ويقول: أي عدو الله
قتلته، أما والله لرب شحم في بطنك من ماله! فقال له محيصة: أما والله لقد أمرني
بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك. فقال حويصة: والله إن ديناً بلغ بك هذا
لعجب. ثم أسلم. راجع أسد الغابة ٤/ ٣٣٤ - ٣٣٥.
(١) الزيادة من اختلاف
الحديث.
(٢) هذا الخبر ساقط من آداب الشافعي المطبوع. وقد ذكر ابن حجر
في فتح الباري ٢/ ٢٩٣ أن ابن أبي حاتم رواه في مناقب الشافعي.
(٣) قال
الشافعي في إيجاب الجمعة من كتاب الأم ١/ ١٦٧ «أخبرنا ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن
أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون ونحن
السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم. فهذا اليوم الذي
اختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غدا، والنصارى بعد
غد».
قال الشافعي: أخبرنا سفيان ابن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة مثله، إلا أنه قال: «بايد أنهم».
ورواهما الحميدي في
مسنده ٢/ ٤٢٤ - ٤٢٥ وفيه: «إلا أنه قال: «بايد أنهم» تفسيرها: من أجل أنهم» فان
كان التفسير من قول سفيان فالشافعي متابع له فيه. وإن كان من قول الحميدي فهو
متابع فيه للشافعي.
(٤) استبعد القاضي عياض تفسير الشافعي هذا في
مشارق الأنوار ١/ ٥٧ فقال: «وقد قيل =
وبإسناده قال:
سمعت
الشافعي يقول: «يجملون الوَدَكَ» أراد: يذيبون. يعني في تفسير حديث النبي، صلى
الله عليه وسلم: «لعن اليهود حرِّمت عليهم الشحومُ فَجَمَلُوها [١]».
*
* *
= هي هاهنا بمعنى من أجل. وهو بعيد. وإنما يصح هذا في الحديث
الآخر: بيد أني من قريش. وقد بيناه في الهمزة والنون» وهو يشير إلى ما ذكره في ص
١٠٦ وهو قوله: «معناها هنا: غير. وقيل: إلا. وقيل: على. وتأتي بمعنى من أجل، ومنه
قوله في الحديث الآخر: بيد أني من قريش. وقد قيل ذلك في الحديث الأول وهو بعيد.
وقد تقدم الكلام عليه» ولم يبين عياض وجه البعد. وقد قال ابن حجر في فتح الباري
٢/ ٢٩٣ «وقد استبعده عياض ولا بعد فيه. بل معناه. انا سبقنا بالفضل، إذ هدينا
للجمعة مع تأخرنا في الزمان، بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم. ويشهد له ما وقع في
«فوائد بن المقري» من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة، بلفظ: نحن الآخرون في الدنيا.
ونحن السابقون: أول من يدخل الجنة؛ لأنهم أوتوا الكتاب من قبلنا. وفي «موطأ سعيد
بن عفير» عن مالك؛ عن أبي الزناد. بلفظ: ذلك بأنهم أوتوا الكتاب. وقال الداودي:
هي بمعنى على أو مع».
وقال أبو عبيد في غريب الحديث ١/ ١٤٠ «وأخبرني
بعض الشاميين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا أفصح العرب بيد أني من
قريش، ونشأت في بني سعد بن بكر. وفسره: أي من أجل. قال أبو عبيد: وهذه الأقوال
كلها قريب من بعض في المعنى مثل غير وعلى. وبعض المحدثين يحدثه: بأيد أنا
أعطيناهم الكتاب من بعدهم. يذهب به إلى القوة. وليس له ها هنا معنى نعرفه». وقال
ابن الأثير في النهاية ١/ ١٠٣: «وقد جاء في بعض الروايات: «بايدانهم» ولم أره في
اللغة».
وقال صاحب القاموس: «بيد وبايد بمعنى غير، وعلى، ومن أجل».
(١)
في صحيح البخاري بهامش فتح الباري ٤/ ٣٤٤ باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه:
حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار. قال أخبرني طاوس: أنه سمع ابن
عباس =
وبإسناده قال [١]:
قال الشافعي في حديث الأنف: «إذا
أُوْعِيَ جَدْعاً [٢]: الجَدْعُ: القَطْع [٣].
وبإسناده قال:
قال
الشافعي في قول عثمان في أمّ حُبَين: [٤] «حلاَّن» قال: الحُلاَّن: الحَمَل [٥].
يعني إذا أصاب المحرم «أمّ حُبَيْن» فقضى فيه عثمان بذلك [٦].
= يقول:
بلغ عمر أن فلانا باع خمراً، فقال: قاتل الله فلاناً. ألم يعلم أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: قاتل الله اليهود. حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها» ورواه
الشافعي عن سفيان كما في ترتيب مسنده ٢/ ١٤١، والسنن الكبرى ٦/ ١٢، وهو في مسند
أحمد ١/ ٢٧٧ - ٢٢٧، وصحيح مسلم ٣/ ١٢٠٢٧، وقال ابن حجر: «فجملوها - بفتح الجيم
والميم - أي أذابوها، يقال: جمله: إذا أذابه. والجميل: الشحم المذاب» وقوله: حرمت
عليهم الشحوم: أي أكلها، وإلا فلو حرم عليهم بيعها لم يكن لهم حيلة فيما صنعوه من
إذابتها» وانظر النهاية ١/ ١٧٧.
(١) آداب الشافعي ١٥٨.
(٢)
في الأم ٦/ ١٠٣ «قال الشافعي: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم، عن أبيه: أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
لعمرو بن حزم: «وفي الأنف إذا أوعى جدعا: مائة من الإبل» وهو في الأم ٨/ ٨٧.
(٣)
في ح: «قال الشافعي: قوله في حديث الأنف إذا أوعى جدعا. إن الجدع ..».
(٤)
قال الدميري في حياة الحيوان ١/ ٣٥٩ «دويبة مثل ابن عرس وابن آوى وسام أبرص. وهي
على خلقة الحرباء. وقيل: هي أنثى الحرابى ..».
(٥) الحمل: الصغير من
ولد المعزى والغنم.
(٦) في الأم ٢/ ٦٥ «أخبرنا سفيان، عن مطرف، عن أبي
السفر: أن عثمان بن عفان قضى في أم حبين بحملان من الغنم. يعني حملا. قال
الشافعي: إن كانت العرب تأكلها =
وبإسناده قال:
سمعت
الشافعي يقول: الأريكة: السرير [١].
وأخبرنا بتفسير الأريكة أبو عبد
الله، قال: حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا الربيع، عن الشافعي عقيب حديث النبي،
صلى الله عليه وسلم: «لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمرى»
الحديث [٢]. قال الشافعي: الأَرِيكَةُ: السّرير [٣].
أخبرنا يحيى بن
إبراهيم، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال:
قال
الشافعي - يعني في تفسير ما ورد في حديث المُعْتَدَّة [٤]: الحفش: البيت
=
فهي كما روى عن عثمان، يقضي فيها بولد شاة حمل، أو مثله من المعزى مما لا
يفوته».
وانظر ترتيب مسند الشافعي ١/ ٣٣١، والسنن الكبرى ٥/ ١٨٥.
(١)
في ح: «السرير تفسير الأريكة».
(٢) ذكره الشافعي في الرسالة ص ٨٩ -
٩١.
(٣) وضع الشيخ أحمد محمد شاكر هذا القول بين علامتي الزيادة في
الرسالة ص ٩١ وعلق عليه بقوله: «هذه الجملة موجودة في النسخ المطبوعة، ولم تكن في
الأصل، ولكنها مكتوبة بحاشيته بخط قديم فيه شيء من الشبه بخط الأصل، ولكني أرجح
أنه غيره» والقول من أصل الربيع لا محالة، نسيه فألحقه بالهامش، وليس أدل على ذلك
من قول الربيع هنا: «عن الشافعي عقيب الحديث: الأريكة: السرير».
(٤)
في الأم ٥٢١٢ - ٢١٣ «أخبرنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن
حزم، عن حميد بن نافع، عن زينب بنت أبي سلمة: أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة
... قالت زينب: وسمعت أم: أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفى عنها زوجها، وقد اشتكت عينها،
أفنكحلها؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا - مرتين أو ثلاثاً، =
الصغير
الذليل من الشعر والبناء وغيره. والقَبْضُ: أن تأخذ من الدابة موضعاً بأطراف
أصابعها [١]. والقَبْضُ: الأخذ بالكف كلّها [٢].
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو؛ قالا [٣]: حدثنا أبو العباس، محمد بن يعقوب، قال:
حدثنا الربيع بن سليمان، قال:
حدثنا الشافعي فذكر الأحاديث التي وردت
في سَلاَم من سلَّم على النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو يبول [٤]، فلم يرد عليه
حتى تَيَمَّمَ، ثم رَدَّ عليه.
= كل ذلك يقول: لا - ثم قال: إنما هي
أربعة أشهر وعشرا. وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول. قال
حميد، فقلت لزينب: وما ترمي البعرة على رأس الحول؟ قالت زينب: كانت المرأة إذا
توفى عنها زوجها دخلت حفشا، ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيبا ولا شيئاً حتى تمر بها
سنة، ثم تؤتى بدابة: حمار، أو شاة، أو طير، فتقبص به، فقلما تقبص بشيء إلا مات.
ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره. قال
الشافعي: الحفش ..».
والحديث في صحيح البخاري بهامش الفتح ٩/ ٤٢٩ -
٤٣٢، ومسلم ٢/ ١١٢٤ - ١١٢٦، وشرح النووي ١٠/ ١١٥، وترتيب مسند الشافعي ٢/ ٦٢،
والسنن الكبرى ٧/ ٤٣٧.
(١) في النهاية ٣/ ٢٢٤، «قال الأزهري: رواه
الشافعي بالقاف والباء الموحدة والصاد المهملة - أي تعدو مسرعة نحو منزل أبويها،
لأنها كالمستحيية من قبح منظرها. والمشهور في الرواية بالفاء والتاء المثناة
والضاد المعجمة»! وانظر مشارق الأنوار ١/ ٢٠٨.
(٢) قال الشافعي في
الأم بعد ذلك: «وترمى بالبعرة من ورائها: على معنى أنها قد بلغت الغاية التي لها
أن تكون ناسية ذمام الزوج بطول ما حدث عليه؛ كما تركت البعرة وراء ظهرها».
(٣)
في ا: «قال».
(٤) قال الشافعي في الأم ١/ ٤٤: «أخبرنا إبراهيم بن
محمد، قال: أخبرني أبو بكر بن عمر ابن عبد الرحمن، عن نافع، عن ابن عمر: أن رجلا
مر على النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو يبول، فسلم عليه الرجل، فرد عليه النبي:
فلما جاوزه ناداه، فقال: إنما =
وفي رواية أخرى: فرد عليه، ولم يذكر
التيمم. وقال: فإذا رأيتني على هذه الحال فلا تسلم عليّ.
ثم قال:
وفيهما [١] وفي الحديث بعدهما دلائل:
منها: أنّ السّلام اسم من أسماء
الله تعالى، فإذا ردّه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قبل التيمم، وبعد التيمم
في الحضر، والتيمم لا يجزي المرء وهو صحيح في الوقت الذي لا يكون التيمم فيه
طهارة للصلاة - دلّ ذلك على أنّ ذكر الله تعالى يجوز والمَرْءُ غير طاهر للصلاة.
ويشبه - والله أعلم - أن تكون [٢] القراءة غير طاهر كذلك؛ لأنها من ذكر الله.
قال:
ودليل على أنه ينبغي لمن مَرّ على مَنْ يبول ويتغوّط أنْ يكُفَّ عن السلام [عليه
[٣]] في حالة تلك.
= حملني على الرد عليك خشية أن تذهب فتقول: إني
سلمت على النبي فلم يرد علي. فإذا رأيتني على هذه الحال فلا تسلم عليّ، فإنك إن
تفعل لا أرد عليك.
أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن أبي الحويرث، عن
الأعرج، عن ابن الصمة، قال: مررت على النبي، صلى الله عليه وسلم: وهو يبول. فسلمت
عليه، فلم يرد علي حتى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه، ثم مسح يديه على الجدار
فمسح وجهه وذراعيه. ثم رد علي.
أخبرنا إبراهيم بن يحيى، عن يحيى بن
سعيد، عن سليمان بن يسار: أن النبي صلى الله عليه وسلم، ذهب إلى بئر جمل لحاجته.
ثم أقبل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى تمسح بجدار. ثم رد عليه السلام.
قال
الشافعي: والحديثان الأولان ثابتان، وبهما نأخذ. وفيهما وفي الحديث بعد دلائل.
.».
(١) في ا: «وفيها .. بعدها».
(٢) في هـ: «يلقن القراء»
وهو تحريف.
(٣) الزيادة من ح، وهي ثابتة في الأم.
ودليل
على أن ردّ السلام في تلك الحال مباح؛ لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، رَدَّ في
تلك الحال - يعني في إحدى هذه الروايات.
قال: وعلى أن ترك الرد [حتى
يفارق تلك الحال ويتيمم - مباح، ثم يرد، وليس ترك الرد معطلا [١]] لوجوبه، ولكن
تأخيره إلى التيمم.
وترك ردّ السلام إلى التيمم يدل على أن الذكر بعد
التيمم اختياراً على [٢] الذكر قبله، وإن كان مباحين؛ لرد النبي، صلى الله عليه
وسلم، قبل التيمم وبعده.
فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول: لما تيمَّمَ
النبي، صلى الله عليه وسلم، لرد [٣] السلام، جاز له التيمم للجنازة والعيدين إذا
أراد الرجل ذلك وخاف فَوْتَهَا.
قلنا: الجنازة والعيد [٤] صلاة،
والتيمم لا يجوز للصحيح [٥] في المصر [٦] لصلاة، فإن زعمت أنه ذكرٌ جازَ [العيد
[٧]] بغير تيمم، كما جاز في السلام بغير تيمم [٨].
(١) الزيادة من ح
والأم. ولكن جاء في ح: «وليس الرد تعطيل» وفي هـ: «وعلى أن ترك وليس الرد»!
(٢)
في ا: «اختيار لأهل الذكر قبله وإن كان مباحا» والتصويب من الأم.
(٣)
في الأم: «رد السلام لأنه قد جاز له قلنا بالتيمم».
(٤) في ح:
«والعيدان» وفي هـ: «والعيدين».
(٥) ليست في الأم.
(٦) في
ح، هـ: «في الحضر».
(٧) الزيادة من الأم.
(٨) انتهى النص
في الأم. فما بعده من تفسير البيهقي.
يعني وجب أن يجوز بغير تيمم، كما
يجوز السلام بغير تيمم. والله أعلم.
أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل،
قال: أنبأنا أبو العباس الأصم، قال: أنبأنا الربيع، قال:
قال الشافعي:
الشَّفَقُ: الحُمْرة التي في المغرب، ليس البياض. رأيت العرب تسمى الشفق: الحمرة.
والدين عربي. فكان هذا من أدَلِّ معانيه.
زاد فيه غيره عن الربيع،
قال:
قال لي الشافعي [ذات [١]] ليلة: أَسْرَجْ البغلةَ فأَسْرَجْتُها،
فدخل المفَازَة، وتبعته، فلم يزل يسير حتى أمسى، فقال: أمسك البغلة، فأمسكتها
عليه، فلم يزل قائماً حتى نمت، ثم جاء وركب البغلة، وتبعته. فلما أن دخل منزله
سألته [عن ذلك؟ فقال: ناظرت محمد بن الحسن في الشفق، فقال البياض، قلت: الحمرة
[٢]] فلم أرض حتى نظرت فإذا هو الحمرة.
وهذا فيما أخبرناه السلمي،
فيما بلغه عن الربيع. وقرأته في كتاب العاصمي [٣] فيما قرأه في أخبار الشافعي.
بنحوه.
* * *
أخبرنا محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو العباس
الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال:
(١) الزيادة من ح.
(٢)
الزيادة من ح، هـ. ومكانتها في ا: «سألته فقلت البياض. وقال: البياض. وقال
الحمرة»!!
(٣) في ا «العاصم»!
قال الشافعي - يعني حديث
النبي، صلى الله عليه وسلم، في المملوك: «لا يكلَّف من العمل ما لا يطيق [١]:
يعني - والله أعلم - إلا ما يطيق الدَّوَامَ عليه، ليس ما تطيقه يوماً أو يومين
أو ثلاثة ونحو ذلك، ثم يعجز فيما بقي عليه؛ وذلك أن العبد الجَلْدَ، والأمة
الجَلْدَةَ، قد يَقْوَيَان أنْ يمشيا ليلةً حتى يُصْبِحَا [٢]، وعامَّةَ يوم ثم
يعجزان عن ذلك، ويَقْوَيَان على أن يعملا يوماً وليلةً ولا ينامان فيهما، ثم
يعجزان عن ذلك فيما يستقبلان. والذي يلزم المملوك لسيده ما وصفناه من العمل الذي
يقدر على الدوام عليه [٣]. وبسط الكلام فيه.
وقد أخبرناه أبو عبد الله
الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس. فذكره بإسناده مثله.
* * *
قرأت
في كتاب أبي الحسن العاصمي: أخبرني الزبير بن عبد الواحد، بحمص، قال: أخبرني محمد
بن عبد الله بن جعفر القزويني، قال: سمعت المزني، يقول:
سمعت الشافعي،
يقول في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم،: «أنه أَعْتَقَ
(١) قال
الشافعي في الأم ٥/ ٩٠ «أخبرنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن عجلان، عن بكير ابن
عبد الله، عن عجلان: أبي محمد، عن أبي هريرة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
قال: «للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق».
والحديث
في مسند الشافعي وترتيبه ٢/ ٦٦ والموطأ ٩٨٠.
(٢) في هـ: «حتى
يضحيا».
(٣) الأم ٥/ ٩١.
صفية وجعل عِتقَها صداقَها [١]:
ليس النبي في هذا كغيره؛ لأنه هو الذي يَلِي عُقْدَةَ النِّكاح.
وقرأت
في كتاب أبي منصور الحَمْشَاذِي: أنبأنا أبو علي الماسَرْجِسِي، قال: أخبرنا أبو
بكر: أحمد بن مسعود، قال: حدثنا يحيى بن أحمد بن أخي حَرْمَلَة، قال: حدثنا عمي،
قال:
قال الشافعي: يقول الله، عز وجل: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا
الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [٢]}
.
وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
«لا تسبّوا الدهرَ
فان الله هو الدهر [٣]»
قال الشافعي: إنما تأويله - والله أعلم - أن
العرب كان من شأنها أن تذم الدهر وتسبّه عند المصائب التي تنزل بهم: من موت أو
هَدْم أو تلف مال أو غير ذلك، وتسبّ الليل والنهار - وهما الجَدِيدان،
والفَتَيَان - ويقولون: أصابتهم قَوَارِعُ الدهر، وأبادهم الدهر، وأتى عليهم؛
فيجعلون الليل والنهار اللذين يفعلان ذلك؛ فقال رسول الله،
(١) في
صحيح البخاري باب من جعل عتق الأمة صداقها ٧/ ٦ «حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا
حماد، عن ثابت وشعيب بن الحبحاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، أعتق صفية وجعل عتقها صداقها».
وهو في السنن الكبرى ٧/ ٥٨.
(٢)
سورة الجاثية ٢٤.
(٣) في صحيح مسلم ٤/ ١٨٦٣ «حدثني زهير بن حرب، حدثنا
جرير، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:
«لا تسبوا الدهر؛ فان الدهر هو الله».
صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا
الدهر» على أنه [الذي [١]] يفعل بكم هذه الأشياء؛ فإنكم إذا سببتم فاعل هذه
الأشياء فإنما تسبّون الله، عز وجل، فإنّ الله، تعالى، فاعل هذه الأشياء.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب؛ قال: حدثنا العباس بن
يوسف الشِّكْلِي [٢]، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول:
سمعت
الشافعي، يقول في معنى قول النبي، صلى الله عليه وسلم، لعلي بن أبي طالب، رضي
الله عنه: «من كنت مولاه فعلى مولاه [٣]» يعني بذلك وَلاَءَ الإِسلام. وذلك قول
الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ
الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ [٤]} وأما قول عمر بن الخطاب لعلي: «أصبحت مولى
كل مؤمن» يقول: ولى كل مسلم.
[وعن الربيع قال: قال الشافعي: الإبار:
التَّلْقِيح، وهو أن يؤخذ شيء من طلع الفحل فيدخل بين ظَهْرَانَيْ طلع الإناث من
النخل، فيكون له بإذن الله تعالى صلاحاً [٥]] .
(١) الزيادة من ح،
هـ.
(٢) في هـ، ح «الكلبي» وهو خطأ. راجع اللباب ٢/ ٢٦.
(٣)
راجع روايات هذا الحديث وما قيل حوله في مشكل الآثار للطحاوي ٢/ ٣٠٧ - ٣٠٩.
(٤)
سورة محمد ١١.
(٥) الزيادة من ح.
[م - ٢٢] مناقب
باب ما يستدل به على فقه الشافعي، وتقدمه فيه، وحسن استنباطه
* * *
أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي،
قال: حدثنا عباس بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد الزعفراني، قال:
حدثنا زكريا ابن يحيى الساجي، قال: حدثني ابن بنت الشافعي، قال: سمعت أبي وعمي
يقولان:
كنا عند «ابن عُيَيْنَةَ» وكان إذا جاءه شيء من التفسير
والفتيا يسأل عنه، التفت إلى الشافعي، فقال: سلوا هذا [١].
أخبرنا أبو
عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الوليد: حسان ابن محمد، قال:
حدثنا أبو نعيم، قال: سمعت الربيع، يقول:
سمعت الحميدي، يقول عن «مسلم
بن خالد الزنجي» أنه قال للشافعي: أفت يا أبا عبد الله، فقد - والله - آن لك أن
تفتي، وهو ابن خمس عشرة سنة [٢].
أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، قال:
سمعت الحسين بن علي التميمي، يقول:
(١) معرفة السنن والآثار ١/ ١٢٣،
وحلية الأولياء ٩/ ٩٢.
(٢) الجرح والتعديل ٣/ ٢/٢٠٢، وحلية الأولياء
٩/ ٩٣، ومناقب الشافعي للرازي ١٨.
سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال:
أخبرني أبو عثمان الخوارزمي، نزيل مكة، فيما كتب إليّ، قال: سمعت محمد بن الفضل
البزار، قال: سمعت أبي يقول [١]:
حججت مع «أحمد بن حنبل» ونزلنا بمكان
واحد - يعني مكة - وخرج أبو عبد الله - يعني أحمد - باكراَ، وخرجت أنا معه: فلما
صلينا الصبح دُرْتُ المسجد، فجئت مجلس «سفيان بن عيينه» وكنت أدور مجلساً مجلساً
طالباً لأحمد ابن حنبل حتى وجدته عند شاب أعرابي، وعليه ثياب مصبوغة وعلى رأسه
جُمَّةٌ، فزاحمت [٢] حتى قعدت عند أحمد بن حنبل، فقلت: يا أبا عبد الله، تركت ابن
عيينة وعنده الزهري، وعمرو بن دينار، وزيادة بن علاقة، والتابعون - ما الله به
عليم؟! فقال لي: اسكت؛ فإن فاتك [٣] حديث بعلو تجده بنزول، ولا يضرك في دينك، ولا
في عقلك، ولا في فهمك. وإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف ألا تجده إلى يوم القيامة. ما
رأيت أحداً أفقه في كتاب الله من هذا الفتى القرشي. قلت من هذا؟ قال: محمد بن
إدريس.
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، وأبو عثمان: سعيد بن محمد بن
محمد ابن عبدان؛ قالا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب، يقول:
سمعت
«عبد الله بن أحمد بن حنبل» يقول: سئل أبي عن طلاق السكران
(١) آداب
الشافعي ومناقبه ٥٨ - ٥٩، والجرح والتعديل ٣/ ٢/٢٠٣ - ٢٠٤، وحلية الأولياء ٩/ ٩٨
- ٩٩، ومناقب الشافعي للرازي ١٨ - ١٩.
(٢) في ا: «فزاحمته».
(٣)
في ا: «فاتكم. . . بعلو فخذه بنزول».
فقال: كنت أَجْتَرِئ قبل، فأما
الآن فلا أجترئ؛ لأن الشافعي قال: ليس القلم بمرفوع [١] عن السكران.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا نصر: فتح السندي [٢] يقول: سمعت الحسن بن
سفيان، يقول: سمعت حَرْمَلة بن يحيى، يقول:
سمعت الشافعي، يقول في رجل
قال لامرأته وفي فيها تمرة: إن أكلتيها فأنت طالق، وإن طرحتيها فأنت طالق - قال:
تأكل نصفها وتطرح نصفها [٣].
* * *
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: أنبأنا الربيع بن سليمان،
قال:
قال الشافعي: خالفنا بعض الناس في المُخْتَلِعَة. فقال: إذا
طُلّقتْ في العِدَّة لحقها الطلاق. وقال: فما حجتك في أن الطلاق لا يلزمها
[٤]؟
قلت: حجتي فيه من القرآن، والأثر، والإجماع، على ما يدل أنّ [٥]
الطلاق لا يلزمها.
قال: فأين الحجة من القرآن؟
(١) في ح:
«مرفوعا» وانظر الأم ٥/ ٢٣٥.
(٢) في ح: «السدى».
(٣) حلية
الأولياء ٩/ ١٤٣.
(٤) راجع الأم ٥/ ١٨١.
(٥) في ح: «على
أن».
قلت: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ
أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ • وَالْخَامِسَةُ
أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [١]} وقال تبارك
وتعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ
فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [٢]} وقال: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا
تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [٣]} وقال: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [٤]}
.
أرأيت إن قذفها أَيُلاَعِنُها؟ وآلي منها أيلزمه الإيلاء؟ أو ظاهر
يلزمه الظهار؟ أو ماتت أيرثها؟ أو مات أترثه؟ قال: لا.
قلت: الآن
أحكام الله هذه الخمسة تدل على أنها ليست بزوجة. قال: نعم.
قلت: وحكم
الله، تعالى، أنه إنما تطلق الزوجة؛ لأن الله، جل ثناؤه، قال: {إِذَا نَكَحْتُمُ
الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [٥]} قال: نعم.
قلت: كتاب
الله، جل ثناؤه، إذا كان كما زعمنا وزعمت - يدلّ على أنها ليست بزوجة، وهو خلاف
قولك.
قال الشافعي: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن
ابن عباس،
(١) سورة النور ٦، ٧.
(٢) سورة البقرة ٢٢٦.
(٣)
سورة النساء من الآية ١٢.
(٤) سورة النساء من الآية ١٢.
(٥)
سورة الأحزاب ٤٩.
وابن الزبير: أنهما قالا في المختلعة يطلقها زوجها،
قالا: لا يلزمها طلاق؛ لأنه [١] طلق ما لا يملك.
قال الشافعي: وأنت
تزعم أنك لا تخالف واحداً من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، إلا إلى قول مثله.
فخالفت ابن عباس وابن الزبير معاً، وآيات من كتاب الله، تعالى، ما أدرى لعل أحداً
لو قال مثل قولك هذا لقلت له: ما يحل لك أن تكلم في العلم وأنت تجهل أحكام الله،
جل وعز.
ثم قلت فيها قولا لو تَخَاطَات فقلت [٢] كنت قد أحسنت الخطأ،
وأنت تنسب نفسك إلى النظر.
قال: وما هذا القول؟
قلت: زعمت
أنه إن قال للمختلعة [٣] أنت بَتَّة وبَرِيَّة وخَلِيّة ينوي الطلاق - لم يلزمها
الطلاق. وهذا يلزم الزوجة. وأنه إن آلى منها، أو تظاهر، أو قذفها، لم يلزمها ما
لزم الزوجة. وأنه إن قال: كل امرأة لي طالق لا ينويها ولا غيرها - طلق نساءه، ولم
تطلق؛ لأنها ليست بامرأة له. ثم قلت: وإن قال لها: أنت طالق - طلقت. فكيف يطلق
غير امرأته؟
وألزمهم في موضع آخر: أن الله تعالى، فرض العدة على
الزوجة في الوفاة،
(١) في ا: «ولأنه».
(٢) في ح:
«فقلته».
(٣) في ا: «المختلعة».
فقال: {يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [١]} والمُخْتَلِعَةُ لا تنتقل
إلى عدة الوفاة. وبسط الكلام في المسألة.
* * *
أخبرنا أبو
عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو؛ قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب،
قال: أنبأنا الربيع بن سليمان، قال:
قال الشافعي: قال «أبو حنيفة»:
إذا كان العبد يقاتل مع مولاه جاز أمانه، وإذا كان لا يقاتل وإنما [٢] هو خادم
فأمانه باطل.
وقال الأوزاعي: أمَانُه جائز، أجازه عمر بن الخطاب، ولم
ينظر كان يقاتل أم لا؟
وقال أبو يوسف في العبد: القول ما قال أبو
حنيفة، ليس لعبد [٣] أمان. وأخذ في الرد على الأوزاعي.
قال الشافعي:
القول ما قال الأوزاعي، وهو معنى سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والأثر عن
عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وما قال أبو يوسف بإبطال أمان العبد ولا إجازته.
يعني حين فرق بين العبد يقاتل ولا يقاتل، أرأيت حجته في أن رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، قال: «المسلمون يَدٌ على مَنْ سِوَاهُم، تكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم
(١)
سورة البقرة ٢٣٤.
(٢) في ح: «فإنما».
(٣) في ا: «بعبد».
أدناءهم
[١]» أليس العبد من المؤمنين ومن أدنى المؤمنين؟ أو رأيت عمر ابن الخطاب حين
أَجاز أمان العبد ولم يسأل أيقاتل أو لا يقاتل [٢] أليس ذلك دليلا على أنه إنما
أجازه على أنه من المؤمنين؟ أو رأيت حجته بأن دمه لا يكافئ دم الحر وهو يُقْتَل
الحُرُّ به [٣] فكيف يزعم أنه لا يكافئ دمه؟ فإن كان إنما عني: إنما معنى الحديث
أن مكافأة الدم بالدية، فالعبد الذي يقاتل عنده لا يبلغ هو بديته دية حر، وهو
يجيز أمانه ولو كان ثمنه [٤] خمسين درهما، ويردّ أمان العبد يجعل في ديته دية حر
إلا عشرة دراهم، ويجعله أكثر دية من المرأة. فإن كان الأمان [٥] يجوز على الحرية
والإسلام فالعبد - يقاتل - خارج من الحرية، وإن كان يجيزه على الإسلام فالعبد -
لا يقاتل - داخل في الإسلام. وإن كان يجيزه [٦] على القتال فهو يجيز أمان المرأة
وهي لا تقاتل، وأمان الرجل المريض والحجبان وهو لا يقاتل. وإن كان يجيز الأمان
على الديات انبغى [٧] أن لا يجيز أمان المرأة؛ لأن ديتها نصف دية الرجل، والعبد
لا يقاتل قد [٨] يكون أكثر دية عنده وعندنا من الحرة أضعافاً.
(١)
أخرجه أحمد في المسند ١١/ ٦١ (المعارف) من حديث عبد الله بن عمرو، وأخرجه ابن
ماجه في كتاب الديات: باب المسلمون نتكافأ دماؤهم ٢/ ٨٩٥ من أحاديث ابن عباس،
ومعقل بن يسار، وعبد الله بن عمرو.
وأخرجه أبو داود في كتاب الديات:
باب أيقاد المسلم بالكافر؟ ٤/ ٢٥٢ من حديثي علي وعبد الله بن عمرو.
(٢)
في ا: «يقاتل ولا يقاتل».
(٣) في ح: «يقبل الحرية».
(٤) في
ا: «ثمن».
(٥) في ا: «للأمان».
(٦) سقطت من ا.
(٧)
في ا: «أيبغي».
(٨) ليست في ا.
فإن قال: هذا [١] للمرأة
دية فكذلك ثمن العبد للعبد دية، وإن [٢] أراد مساواتها بثمن الحر والعبد يقاتل
يسوى خمسين درهما عنده جائز الأمان، والعبد لا يقاتل ثمن عشرة آلاف درهم، فجعل
ديته عشرة آلاف إلا عشرة وهو أقرب من دية الحر من المرأة.
* * *
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أنبأنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال:
أنبأنا
الشافعي، قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، وعن محمد بن
النعمان بن بشير، يحدثانه:
عن النعمان بن بشير، أن أباه أتى به إلى
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: إني نَحَلْتُ ابني هذا غلاماً كان لي.
فقال، صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك نحلت مثل هذا؟ فقال: لا، فقال رسول الله، صلى
الله عليه وسلم: فارجعه.
قال الشافعي: وقد سمعت في هذا الحديث أن رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، قال: أليس يسرك أن يكونوا في البر إليك سواء؟ قال: بلى
قال: فارجعه.
قال الشافعي: حديث النعمان حديث ثابت، وبه نأخذ، وفيه
دلالة على أمور:
(١) في ا: «هذه»
(٢) في ا: «ولو»
منها
حسن الأدب في أن لا يفضِّل رجل أحداً من ولده [على بعض [١]] في نُحْل [٢] فيعرض
في قلب المفضل عليه شيء يمنعه من بره؛ لأن كثيراً من قلوب الآدميين جُبِلَ على
الاقتصار [٣] عن بعض البر إذا أُوثِرَ عليه.
ودلالة على أن نُحْلَ
الوالد بعضَ ولده دون بعض جائز من قِبَلِ أنه لو كان لا يجوز كان [٤] أن يقال:
إعطاؤك إياه وتركه سواء؛ لأنه غير جائز، وهو على أصل ملكك الأول أشبه من أن يقال:
ارجعه. وقوله صلى الله عليه وسلم: فارجعه دليل على أن للوالد رد ما أعطى الولد
وأنه لا يَحْرَج بارتجاعه.
وقد روى أن النبي، صلى الله عليه وسلم،
قال: «أشهد غيري [٥]». وهذا
(١) ما بين القوسين من ا.
(٢)
النحل: العطية والهبة.
(٣) في ح: «الإقصار».
(٤) في ح:
«وكان».
(٥) حديث النعمان بن بشير أخرجه مالك في الموطأ. كتاب
الأقضية: باب ما لا يجوز من النحل ٢/ ٧٥١ - ٧٥٢ من وجه واحد، وأحمد في المسند ٤/
٢٦٨، ٢٦٩، ٢٧٠، ٢٧١، ٢٧٣، ٢٧٥، ٢٧٦، ٢٧٨ من وجوه عدة
والبخاري في كتاب
الهبة: باب الهبة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئاً لم يجز حتى يعدل بينهم ويعطي
الآخر مثله ولا يشهد عليه ٥/ ١٥٤ - ١٥٧ وباب الإشهاد في الهبة ٥/ ١٥٧.
ومسلم
في كتاب الهبات: باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة ٣/ ١٢٤١ - ١٢٤٤ من وجوه
أيضاً.
وأبو داود في كتاب البيوع والإجارات: باب في الرجل يفضل بعض
ولده في النحل ٣/ ٣٩٥ - ٣٩٧ وذكر وجوهه.
وابن ماجه في كتاب الهبات:
باب الرجل ينحل ولده ٢/ ٧٩٥ من وجهين.
والترمذي في الأحكام: باب ما
جاء في النحل والتسوية بين الولد ٦/ ٢٥١ وفيه =
يدل على أنه اختيار
[١].
قال: وإذا كان هذا [٢] هكذا فسواء ادّان الولد أو تزوج رغبَةَ
فيما أعطاه أبوه، أو لم يدَّنْ [٣] ولم يتزوج.
وله أن يرجع في هبته له
متى شاء. وقد حمد الله، جل ثناؤه، على إعطاء المال والطعام في وجوه الخير، وأمر
بها، فقال: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى
= أكل
ولدك قد نحلته مثل ما نحلت هذا؟ قال: لا. قال: فاردده. ثم عقب عليه أبو عيسى
بقوله: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى من غير وجه عن النعمان بن بشير.
وفي
هذه المصادر وردت الروايات التي أشار إليها الشافعي وغيرها.
(١) كيف
يكون هذا على الاختيار وقد عده صلى الله عليه وسلم جوراً؛ فقوله صلى الله عليه
وسلم: أشهد على هذا غيري إنما سيق مساق التوبيخ على هذا الصنيع، وليس مراداً به
التجويز أو الإباحة. وإلا لما أمره برده، ولما قال: اتقوا الله واعدلوا بين
أولادكم.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم أتبع قوله: أشهد على هذا غيري
قوله: «أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذاً».
وفي
بعض روايات الحديث. أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ قال: لا. قال: فليس يصلح إذاً
وإني لا أشهد إلا على حق.
وقد أورد ابن حجر في الفتح عن الطحاوي وابن
القصار أن قوله صلى الله عليه وسلم: «أشهد على هذا غيري» إذن بالاشهاد على ذلك،
وإنما امتنع من ذلك لكونه الإمام .. الخ.
ثم ذكر أن ذلك تعقب بأنه لا
يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها
إذا تعينت عليه، وكون «أشهد» صيغة إذن ليس كذلك بل هو للتوبيخ، لما تدل عليه بقية
ألفاظ الحديث. وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع.
ثم أورد قول ابن حبان
أن «أشهد» صيغة أمر والمراد به نفي الجواز الخ.
راجع فتح الباري ٥/
١٥٧ - ١٥٨.
(٢) سقطت من ا.
(٣) في ح: «يأذن».
وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ
الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَاسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَاسِ أُولَئِكَ
الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [١] وقال: {وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [٢]} وقال: {وَلَا
يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا
إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ [٣]} وقال: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ
[٤]} وقال: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [٥]}
.
فإذا جاز هذا للأجنبي [٦] وذوي القرب فلا أقرب من الولد، وذلك أن
الرجل إذا أعطى ماله ذا قرابته غير ولده أو أجنبيا - فقد منع [٧] ولده وقطع ملكه
عن نفسه، فإذا كان محموداً على هذا كان محموداً على أن يعطيه بعض ولده دون بعض.
ومَنْعُ بعضهم ما أخرج من ماله أقل من منعهم كلهم
قال: ويستحب أن يسوي
بينهم؛ لئلا يقّصر أحد منهم عن بره، فإن القرابة ينفس [٨] بعضهم بعضاً مالا
ينفسون العِدَا. وقد فضل «أبو بكر» عائشة بنُحْل وفضل «عمر» عاصم بن عمر بشيء
أعطاه إياه. وفضل «عبد الرحمن بن عوف» ولد أم كلثوم.
* * *
أخبرنا
أبو سعيد: محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أنبأنا الربيع بن
سليمان، قال:
(١) سورة البقرة ١٧٧
(٢) سورة الانسان ٨
(٣)
سورة التوبة ١٢١
(٤) سورة البقرة ٢٧١
(٥) سورة آل عمران
٩٢
(٦) في ح: «للأجنبيين»
(٧) في ح: «منعه»
(٨)
في ح: «تنفس»
قال الشافعي [١]: قصر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في
سفره إلى مكة [٢] وهي تسع أو عشر. فَدَلَّ قَصْرُه، عليه السلام، على أن يُقْصَرَ
في مثل ما قصر فيه، ومِنْ أكثر منه. ولم يجز القياسُ على قصره إلا بواحد من
اثنين: أن لا يقصر إلا في مثل ما قصر فيه، وفوقه.
فلما لم [٣] أعلم
مخالفاً في أن يقصر في أقلّ مِنْ سفر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي قصر
فيه - لم يجز أن يقاس على هذا الوجه.
وكان الوجه [٤] الثاني: أن يكون
إذا قصر في سفره ولم يحفظ [٥] عنه أن لا يقصر فيما دونه أن يقصر فيما يقع عليه
اسم سفر، ولم يمنعنا أن [٦] نقصر فيما دون يومين، إلا أن عامة من حفظنا عنه لا
يختلف في أن لا يقصر فيما دونهما.
قال الشافعي: فللمرء [٧] عندي أن
يقصر فيما كان مسيرة ليلتين قاصدتين [٨] وروى الشافعي في ذلك عن ابن عباس وابن
عمر، وهو مذكور في «كتاب المعرفة» وغيره [٩].
قال الشافعي: فأما أنا
فأحب أن لا أقصر في أقل من ثلاث احتياطاً على
(١) في الأم ١/ ١٦٢.
(٢)
في ا: «في سفره وهي».
(٣) في ا: «ولم أعلم».
(٤) في ا:
«بالوجه».
(٥) في ا: «ولم يخفض».
(٦) في الأم: «ولم يبلغنا
أن يقصر».
(٧) في ا: «فلكم عندي».
(٨) يقال: بيننا وبين
الماء ليلة قاصدة، أي هينة السير، لا تعب ولا بطء.
(٩) وهو في الأم ١/
١٦٢، ٧/ ١٧٣، والسنن الكبرى ٣/ ١٢٦
نفسي، وإن ترك القصر مباح [١].
*
* *
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب،
قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال:
أنبأنا الشافعي. يعني في حديث
النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الوَرِق بالوَرِق، ولا
البُرّ بالبُرّ، ولا الشّعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح - إلا
سَوَاءً بِسَواءِ: عيناً بعين يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم
إذا كان يداً بيد [٢]».
قال الشافعي: فلما حرم رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، في هذه الأصناف [٣] المأكولة التي شح الناس عليها حتى باعوها كيلا
لمعنيين [٤]: أحدهما: أن يباع منها شيء بمثله، أحدهما نقد والآخر دين. والثاني:
أن يزداد في واحد منهما شيء [على مثله [٥]] يداً بيد - كان [ما كان [٦]] في
معناهما [٧] محرَّماً قياساً
(١) في الأم «مباح لي».
(٢)
أخرجه مسلم في كتاب المساقاة. باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا ٣/ ١٢١١ والبيهقي
في السنن الكبرى كتاب البيوع: باب الأجناس التي ورد النص بجريان الربا فيها ٥/
٢٧٧ - ٢٧٨، وفي باب جواز التفاضل في الجنسين ٥/ ٢٨٢، وفي باب التقابض في المجلس
في الصرف وما في معناه ٥/ ٢٨٤.
كلاهما من حديث عبادة بن الصامت، وهو
في الأم ٣/ ١٢، وترتيب مسند الشافعي ٢/ ١٥٧ - ١٥٨.
(٣) في ا:
«الأوصاف».
(٤) في ح: «بمعنيين».
(٥) ما بين القوسين سقط
من ح.
(٦) ما بين القوسين سقط من ح وهـ.
(٧) في ا: «في
معناها».
عليها؛ وذلك [١] ما أكل مما بيع موزونا؛ لأني وجدتها مجتمعة
المعاني في أنها [٢] مأكولة ومشروبة، والمشروب في معنى المأكول؛ لأنه كلّه للناس:
إما قوت، وإما غذاء، وإما هما. ووجدت الناس شَحُّوا عليها حتى باعوها وزناً [٣]،
والوزن أقرب من الإحاطة من الكيل وفي معنى الكيل [٤].
قال: والذي
منعنا من القياس الوزن بالوَزن من الذهب والورِق أن صحيح القياس إذا قست الشيء
بالشيء أن تحكم له بحكمه، فلو قست يعني الطعام الموزون بالدنانير والدراهم كان
حكمه حكمها، فلم يحلَّ أن يتبايع إلا يداً بيد. كما لا تحل الدنانير بالدراهم إلا
يداً بيد، فلما أجاز المسلمون أن يشتري [٥] بالدنانير والدراهم نقداً عسلا وسمناً
إلى أجل فإجَازة المسلمين دلتني على أنه غير قياس عليه، فالدنانير والدراهم
محرمان في أنفسهما لا يقاس شيء عليهما.
وقال في الفرق بينهما وبين
غيرهما أيضاً: إني لم أعلم مخالفاً من أهل العلم في أني لو عملت معدنا فأديت الحق
فيما خرج منه ثم أقامت فضته أو ذهبه عندي دهري كان عليّ في كل سنة أداء زكاتها.
ولو حصدت طعاماً من أرض [٦] فأخرجت
(١) في ا: «وكذلك»
(٢)
في ح وهـ: «وأنها»
(٣) في ح وهـ وجدت الناس يبيحوا عليها ما في نحوها
وزناً».
(٤) في الرسالة ص ٥٢٤ بعد ذلك «وذلك مثل العسل والسمن والزيت
والسكر وغيره مما يؤكل ويشرب ويباع موزونا. فإن قال قائل. أفيحتمل ما بيع موزونا
أن يقاس على الوزن من الذهب والورق فيكون الوزن بالوزن أولى بأن يقاس عليه من
الوزن بالكيل؟ قيل له إن شاء الله إن الذي منعنا مما وصفته من قياس الوزن بالوزن
أن صحيح القياس إذا قست الشيء بالشيء أن تحكم له بحكمه، فلو قست العسل والسمن
بالدنانير والدراهم. الخ
(٥) في ا: «إن أسلم».
(٦) في ا:
«طعام أرضي».
عُشْرَهُ ثم أقام عندي دهراً - لم يكن عليّ فيه زكاة.
وفي أني لو استهلكت لرجل شيئاً قُوِّم عليَّ دنانير أو دراهم؛ لأنها الأثمان في
كل مال المسلم [١] إلا الديات [٢].
وجرى في كلامه أنه حين قاس المأكول
الموزون، على المأكول المكيل - حكم له حكمه حتى لا يجوز أن يشتري بمد حنطة نقداً
ثلاثة أرطال زيت إلى أجل [٣].
وقال في «كتاب البيوع»: المسموع من [٤]
أبي سعيد بن عمرو، عن أبي العباس، عن الربيع، عن الشافعي:
وما [٥] بيع
جزافاً أو عدداً فهو في الكيل والوزن من المأكول أو المشروب [٦] عندنا؛ لأنا
وجدنا كثيراً منها يوزن ببلد ولا يوزن بآخر. وبسط الكلام فيه [٧].
وناقضهم
في «كتاب القديم» في رواية الزعفراني عنه، بالمعمول من النحاس والجديد وقد يقدرون
على وزنه كيف لم يردوه إلى أصله فلا [٨] يجوز بشيء من صنفه إلا وزناً بوزن كما لو
عمل الذهب والورق فيه كثيره يكون وزنها أشد على من أراده من وزن إناء نحاس أو درع
حديد أو سيف فلا يجوز إثنان منهما بواحد لأن أصلها الوزن فلا تخرج من أصلها بعمل
الآدميين. وبسط الكلام فيه.
* * *
(١) ليست في ا
(٢)
راجع الرسالة ص ٥٢٧، ٥٢٨
(٣) الرسالة ص ٥٢٦.
(٤) في ح
«عن».
(٥) في ا «فيما».
(٦) في ا «والمشروب».
(٧)
راجع الأم ٣/ ١٣ - ١٤.
(٨) في ح «قلنا».
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي،
قال: أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس،
قال:
أخبرني الصعب بن جثامة أنه سمع النبي، صلى الله عليه وسلم، يسأل
عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم. فقال النبي، صلى الله
عليه وسلم: هم منهم. وزاد عمرو بن دينار عن الزهري: هم من آبائهم [١].
وعن
سفيان، عن الزهري، عن أبيّ [٢] ابن كعب بن مالك، عن عمه، أن النبي صلى الله عليه
وسلم، لما بَعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والولدان.
قال:
فكان سفيان يذهب إلى أن قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «هم منهم»
(١)
أخرجه الشافعي في الأم ٤/ ١٥٦ بروايتيه. والرسالة ص ٢٩٧، وأحمد في المسند ٤/ ٣٨،
٧١، ٧٢، ٧٣ (حلبي) والبخاري في كتاب الجهاد: باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان
والذراري ٦/ ١٠٢، ومسلم في كتاب الجهاد والسير: باب جواز قتل النساء والصبيان في
البيات من غير تعمد ٣/ ١٣٦٤ - ١٣٦٥.
وابن ماجه في كتاب الجهاد: باب
الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان ٢/ ٩٤٧.
والترمذي في السير: باب
ما جاء في النهي عن قتل النساء والولدان ١/ ٢٩٨، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وابن
حبان في صحيحه ١/ ٣٠٣ - ٣٠٤. وأبو داود في سننه في كتاب الجهاد: باب قتل النساء
٣/ ٧٣ - ٧٤ وعقب عليه بقول الزهري: ثم نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد
ذلك عن قتل النساء والولدان.
وهو في السنن الكبرى ٩/ ٧٨.
وترجمة
الصعب بن جثامة في الإصابة ٣/ ٢٤٣ - ٢٤٤.
(٢) سقطت من ا.
[م
- ٢٣] مناقب
إباحة لقتلهم، وأن حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، في
ابن أبي الحقيق، ناسخ [١] له.
قال: وكان الزهري إذا حدث بحديث الصّعب
بن جثامة، أتبعه حديث ابن كعب بن مالك.
قال الشافعي: وحديث الصّعب كان
في عمرة النبي، صلى الله عليه وسلم، فإن كان في عمرته الأولى فقد قتل ابن أبي
الحقيق قبلها، وقيل في سنتها، وإن كان في عُمرته الآخرة فهي بعد ابن أبي الحقيق
غير شك. والله أعلم [٢].
قال الشافعي: [ولم نعلمه [٣]] رخص في قتل
النساء والولدان ثم نهى عنه، ومعنى نهيه عندنا - والله أعلم - عن قتل النساء
والولدان: أن يقصد قصدهم بقتل، وهم يُعرفون متميزين عمن [٤] أمر بقتلهم منهم
[٥].
ومعنى قوله: هم منهم، أنهم يجمعون خصلتين: أن ليس لهم حكم
الإيمان الذي يمنع به الدّم، ولا حكم دار الإيمان الذي يمنع به الغارة على الدار.
وإذ أباح [٦] رسول الله، صلى الله عليه وسلم، البيات والغارة على الدار، وأغار
على
(١) في السنن الكبرى ٩/ ٧٨ - ٧٩ أن سفيان بن عيينة كان إذا حدث
بحديث الصعب قال: وأخبرني أبي بن كعب بن مالك عن عمه، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما بعثه إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان.
وانظر
الرسالة ص ٢٩٨.
(٢) الرسالة ص ٢٩٩.
(٣) سقطت من ا.
(٤)
في ا: «ممن».
(٥) الرسالة ص ٢٩٩ - ٣٠٠.
(٦) في ح:
«وإذا».
بني المصطلق غارّين - العلم يحيط أن البيات من الغارة إذا حل
[١] بإحلال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يُمنع أحد بيَّت أو أغار من أن
يُصيب النساء والولدان؛ فَيَسْقط [٢] المأثم فيهم، والكفارة والعقل والقود عمن
أصابهم؛ إذ أبيح له [٣] أن يُبَيِّت ويغير، وليست لهم حرمة الإسلام، ولا يكون له
قتلهم عامداً لهم متميزين عارفاً بهم [٤].
وإنما نهى عن قتل الولدان؛
لأنهم لم يبلغوا كفرا فيعملوا به، وعن قتل النساء؛ لأنه لا معنى فيهن لقتال،
وإنهن والولدان يتخولون فيكونون قوة لأهل دين الله، عز وجل.
واستشهد
[٥] الشافعي بقول الله، عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا
إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [٦]} الآية. فأوجب الله، سبحانه، بقتل
المؤمن خطأَ، الدِّيةَ وتحرير رقبة، وفي قتل ذي الميثاق، الدية وتحرير رقبة، إذا
كانا ممنوعي الدم بالإيمان والعهد والدار معاً، وكان المؤمن في الدار الممنوعة،
وهو ممنوع بالإيمان، فجعل فيه الكفارة بإتلافه، ولم يجعل فيه الدية وهو ممنوع
الدم بالإيمان، فلما [٧] كان الولدان والنساء من المشركين لا ممنوعين بإيمان ولا
دار، لم يكن فيهم عقل ولا قَوَد ولا مأثم، إن شاء الله تعالى، ولا كفارة.
(١)
في ح: «إذا يحل».
(٢) في ا: «فسقط».
(٣) في ا، ح: لهم
والتصويب من الرسالة.
(٤) الرسالة ص ٣٠٠.
(٥) الرسالة ص
٣٠١.
(٦) سورة النساء: ٩٢.
(٧) في ح: «ولما».
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس، قال: أخبرنا الربيع، قال:
قال
الشافعي في ذكر مناهي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما استدل به على أنه أراد
ببعض ما نَهى عنه في حالة دون حالة، كما ذكرنا مثاله فيما تقدم، ثم ذكر النهي [١]
عن الجمع في النكاح بين المرأة وأختها، وبينها وبين عمتها وبين خالتها، وعن الجمع
بين أكثر من أربع نسوة، وعن النكاح في الهدة، وعن نكاح الشغار والمتعة والمحرم،
والنهي عن بيوع الغَرر، وبيع الرُّطَب بالتمر إلا في العرايا وغير ذلك، وذكر أنه
يفسخ النكاح والبيع في جميع ذلك.
ثم ذكر نهي رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، أن يشتمل الرجل الصَّمّاء [٢] وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد مفضياً بفرجه
إلى السماء، وأنه أمر غلاما أن يأكل مما بين يديه، ونهى أن يأكل من أعلى الصحفة،
ونهى عن أن يقرن الرجل، إذا أكل، بين التمرتين، أو يكشف الثمرة عما في جوفها، وأن
يغرس على ظهر الطريق.
قال الشافعي [٣]: فلما كان الثوب مباحاً للابسه،
والعام مباحاً لآكله حتى يأتي عليه كله إن شاء الله، والأرض مباحة له إذا كانت
لله لا لآدمي، وكان الناس فيها شرعا، فهو منهي فيها عن شيء أن يفعله، وقد أمر
فيها بأن يفعل شيئا غير الذي نهي عنه، والنهي يدل على أنه إنما نهى عن اشتمال
الصماء والاحتباء مفضيا بفرجه غير مستتر: - أن في ذلك كشف عورته، قيل له: استرها
بثوبك، فلم يكن
(١) الرسالة ص ٣٤٦
(٢) الرسالة ص ٣٤٩.
(٣)
الرسالة ص ٣٥١.
نهيه عن كشف عورته نهيه عن لبس ثوبه، فيحرم عليه لبسه،
بل أمره بلبسه [١] كما يستر عورته [٢]، ولم يكن أمره أن يأكل من بين يديه، ولا
يأكل من رأس الطعام إذا كان مباحاً له أن يأكل ما بين يديه وجميع الطعام، إلا
أدباً في الأكل من بين يديه؛ لأنه أجمل عند المؤاكلة [٣]، وأبعد له من قبح الطعمة
والنهمة [٤] وأمره أن لا يأكل من رأس الطعام؛ لأن البركة تنزل منه على النظر له
في أن يبارك بركة دائمة [٥] بدوام نزولها، وهو يبيح له إذا أكل ما حول رأس الطعام
أن يأكل رأسه، وإذا أباح [٦] له الممر على ظهر الطريق فالممر عليه إذا كان مباحا؛
لأنه لا مالك له يمنع الممر عليه فيحرم منعه [٧]. فإنما نهاه لمعنى ثبت نظراً له
فإنه؛ قال: فإنها مأوى الهوامّ، وطرق الحيات، على النظر له لا على أن التَّعْريسَ
مُحَرَّم، وقد ينهى عنه إذا كان الطريق متضايقا مسلوكا؛ لأن إذا عرس عليه في ذلك
الوقت منع غيره حقه في الممر.
قال الشافعي: ومن فعل ما نهى عنه وهو
عالم بنهيه، فهو عاص بفعله فليستغفر الله ولا يعود.
فإن قال قائل [٨]:
فهذا عاص والذي ذكرت في الكتاب قبله في النكاح والبيوع عاص، فكيف فرقت بين
حالهما؟ فقلت: أما في المعصية فلم أفرق بينهما؛ لأني قد جعلتهما عاصيين، وبعض
المعاصي أعظم من بعض.
(١) في ح: «أن يلبسه».
(٢) الرسالة ص
٣٥٢.
(٣) في ا: «أجمل به عند مؤاكله».
(٤) في ح:
«والنهم».
(٥) في ا «على أن النظر له أن يبارك له بركة دائمة».
(٦)
الرسالة ص ٣٥٢.
(٧) في ا: «بمنعه».
(٨) الرسالة ص ٣٥٣.
فإن
قال قائل [١]: فكيف لم يحرم على هذا لبسه وأكله وممره على الأرض بمعصيته؟
قيل
له: هذا أمر بأمر في مباح حلال له، فأحللت له ما حل له وحرمت عليه ما حرم،
ومعصيته في الشيء المباح له لا تحرمه عليه بكل حال، ولكن يحرم عليه أن يفعل فيه
المعصية، وجعل نظير ذلك الرجل يطأ امرأته أو جاريته حائضتين أو صائمتين، لم يحل
له ذلك الوطء في حاله تلك، ولم تحرم واحدة منهما عليه في تلك الحال إذا كان أصلها
مباحا حلالا.
قال: وأصل [٢] مال الرجل محرم على غيره إلا بما أبيح له
مما يحل [٣] وفروج النساء محرمات إلا بما أبيحت به [٤] من النكاح والملك، فإذا
عقد عقدة البيع أو النكاح منهيا عنهما [٥] على محرم لا يحل إلا بما أحل به [٦]،
لم يحل المحرم بمحرم [٧]، وكان على أصل تحريمه حتى يؤتى بالوجه الذي أحله الله به
في كتابه، أو على لسان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو إجماع المسلمين، أو ما
هو في مثل معناه.
* * *
حدثنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال:
حدثنا أبو العباس الأصم، قال:
أخبرنا الربيع، قال: حدثنا الشافعي [٨]،
قال: لا تجوز إمامة المرأة الرجال
(١) الرسالة ص ٣٥٤.
(٢)
الرسالة ص ٣٥٥.
(٣) في ح: «أبيح له من مأكل».
(٤) في ح:
«له».
(٥) في ح: «عنها».
(٦) في ح: «له».
(٧)
في ح: «لمحرم».
(٨) راجع الأم ١/ ١٤٥.
لما قصر بهن فيه عن
الرجال؛ فإن الله، جل ثناؤه، يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ
[١]} وقال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [٢]} فلما كانت الصلاة مما يقوم
به [٣] الإمام على المأموم، لم يجز أن تكون المرأة التي عليها القيِّمُ قيِّمة
على قيِّمها.
ولما كانت الإمامة درجة فضل؛ لم يجز أن يكون لها درجة
الفضل على من جعل الله له عليها درجة.
ولما كان من سنة النبي صلى الله
عليه وسلم ثم الإسلام أن [٤] تكون متأخرة خلف الرجال؛ لم يجز أن تكون متقدمة بين
أيديهم.
فإن قال قائل: فالعبد [٥] مفضول؟ قيل [٦]: وكذلك الحر يكون
مفضولا، ثم يتقدم من هو أفضل منه فيجوز. وقد يكون العبد خيرا من الحر، وقد تأتي
عليه حال يعتق فيها فيصير حرا، وهو في كل حال من الرجال. والمرأة لا تصير بكل [٧]
حال من أن تكون امرأة عليها قيِّم من الرجال في عامة أمرها
* * *
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي، قال: أخبرنا عبد الرحمن
- يعني محمد - قال: أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتابه، قال: سمعت أبي،
يقول:
(١) سورة النساء ٣٤.
(٢) سورة البقرة ٢٢٨.
(٣)
في ح: «بها».
(٤) في ا: «ثم».
(٥) في ا: «للعبد».
(٦)
في ا: «فقيل».
(٧) في ا: «في كل».
الشافعي أَدْخَلَ عليهم
- يعني أصحاب أبي حنيفة - إذا بدأ المتوضئ بعضو دون عضو، فقال: قال الله تعالى:
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [١]} فقالوا - يعني أصحاب
أبي حنيفة - إذا بدأ بالمروة قبل الصفا يعيد ذلك الشوط [٢].
وقرأت في
«كتاب عبد الرحمن بن أبي حاتم» عن أبيه، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول:
قال
لي الشافعي [٣] في حلف الرجل بطلاق المرأة قبل أن ينكحها: لا شيء عليه. قال: لأني
رأيت الله ذكر الطلاق بعد النكاح، وقرأ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [٤]} .
أخبرنا أبو
عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا بكر: محمد بن عبد الله بن شاذان الرازي، يقول:
سمعت أبا الفضل بن مهاجر يقول:
سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي، يقول
وسئل من العدل؟ قال: ما أحد يطيع الله حتى لا يعصيه، وما أحد يعصي الله حتى لا
يطيعه، ولكن إذا كان أكثر عمله الطاعة [٥] ولا يقدم على كبيرة، فهو عدل [٦].
قال:
سمعت أبا عمرو بن مطر، يقول: سمعت موسى بن عبد المؤمن، يقول: سمعت ابن عبد الحكم
يقول: سمعت الشافعي، يقول مثله.
* * *
(١) سورة البقرة
١٥٨.
(٢) آداب الشافعي ص ١١٢ - ١١٣.
(٣) آداب الشافعي
٢٩٥.
(٤) سورة الأحزاب ٤٩.
(٥) في ا: «إلى طاعة».
(٦)
الرسالة ص ٤٩٣، وجماع العلم ص ٤٠.
ورواه البويطي عن الشافعي، وزاد فيه
[١] عند قوله: حتى لم يخلطها بمعصية إلا يحيى بن زكريا.
أخبرناه أبو
عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن
بن محمد، قال: أخبرنا أبو العباس: عبد الله بن محمد ابن عمرو المقرئ قال: سمعت
البويطي يقول: قال الشافعي، رضي الله عنه، فذكر معناه.
وذكره الشافعي
في «كتاب الشهادات» رواية الربيع أتم منه [٢]، فقال: ليس من الناس أحد نعلمه إلا
أن يكون قليلا يَمْحَضُ الطاعةَ والمروءة حتى لا يخلطها بمعصية، وترك [٣] المروءة
ولا يمحض المعصية، وترك [٤] المروءة حتى لا يخلطها [٥] بشيء من الطاعة والمروءة،
فإن كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة - قبلت شهادته. وإذا
كان الأغلب الظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة - ردّت شهادته، وكل من كان مقيما
على معصية فيها حد [وأخذ [٦]] فلا تجوز [٧] شهادته، وكل من كان منكشف الحال في
الكذب مُظهرَه غير مستتر به - لم تجز شهادته، وكذلك كل من جرّب بشهادة زور [٨]
وهذا فيما أنبأني أبو عبد الله الحافظ، إجازة، قال: حدثنا أبو العباس - هو الأصم
- قال: أخبرنا الربيع عن الشافعي فذكره.
* * *
(١) ليست في
ا.
(٢) الأم ٧/ ٤٨.
(٣) في الأم: «ولا ترك»
(٤)
في: الأم «ويترك»
(٥) في الأم: «يخلطه»
(٦) من الأم.
(٧)
في الأم: «فلا نجيز»
(٨) في ح: «جرت عادته شهادة زور»
أخبرنا
محمد بن الحسن السلمي، قال: سمعت أحمد بن الحسن الأصبهاني، يقول: سمعت عبد الله
بن محمد بن بشر الحافظ، يقول: سمعت عبد الله [١] بن محمد ابن هارون، يقول:
سمعت
محمد بن إدريس الشافعي، يقول بمكة: سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله وسنة
نبيه، صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: أصلحك الله، ما تقول في المحرم قتل
زُنْبورا؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [٢]} حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعى
بن حراش، عن حذيفة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذَينِ من
بَعْدِي: أبي بكر وعمر [٣].
وحدثنا سفيان، عن مسعر، عن قيس بن مسلم،
عن طارق بن شهاب، عن عمر، أنه أمر بقتل الزنبور.
ورأيته في «كتاب أبي
نعيم الأصبهاني» بإسناد له عن أبي بكر بن محمد ابن يزيد بن حكيم المستملى، عن
الشافعي. غير أنه جعل السؤال عن أكل فرخ الزنبور، وقال في الإسناد: حدثنا سفيان،
عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعى، عن ربعى، عن حذيفة، وقال في
إسناد حديث عمر: حدثونا عن إسرائيل، قال المستملى: حدثنا أبو أحمد، عن إسرائيل،
عن إبراهيم بن عبد الأعلى،
(١) في ح: «عبيد الله»
(٢) سورة
الحشر ٧
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٥/ ٣٨٥ (حلبي) وابن ماجة في مقدمة
السنن ١/ ٣٧، والترمذي في المناقب ٢/ ٢٩٠ وعقب عليه بقوله: هذا حديث حسن، والذهبي
في سير أعلام النبلاء ١/ ٢٩٦، ٣٤٢، ٣٤٤، والرازي في المناقب ص ١٢٦.
عن
سويد بن غفلة، أن عمر بن الخطاب أمر بقتل الزنبور [١].
قال الشافعي:
وفي المعقول أن ما أُمِرَ بقتله فحرام أكله.
* * *
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا محمد: أحمد بن عبد الله المزني، يقول: حدثنا
محمد بن سهل بن الحسن البغدادي، قال: حدثنا وبرة [٢] بن محمد الغساني، قال: سمعت
معمر بن شبيب، يقول:
سمعت المأمون، يقو لمحمد بن إدريس الشافعي: يا
محمد، لأي علة خلق الله الذباب؟ قال: فأطرق، ثم قال له: مذلة للملوك يا أمير
المؤمنين. قال: فضحك المأمون وقال: يا محمد، رأيت الذبابة قد سقطت على خدّي؟ قال:
نعم يا أمير المؤمنين، ولقد سألتني وما عندي جواب، فأخذني من ذلك الزَّمَعُ، فلما
رأيتُ الذبابة [٣] قد سقطت بموضع لا يناله أحدٌ؛ انفتح فيه الجواب. فقال: لله
دَرّك يا محمد.
* * *
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ،
قال: أخبرني أبو بكر بن عثمان البغدادي، قال: سمعت من يحكي عن محمد بن إسحاق عن
المزني، قال:
سئِل الشافعي عن نعامة ابتلعت جوهرة لرجل آخر؟ فقال: لست
آمره بشيء، ولكن إن كان صاحب الجوهرة كيِّساً غدا على النعامة
(١)
مناقب الرازي ص ١٢٦.
(٢) في ا: «وريزة» وهو تحريف.
(٣)
حياة الحيوان الكبرى ١/ ٤٤٠.
فذبحها واستخرج جوهرته ثم ضمن لصاحب
النعامة ما بين قيمتها حية ومذبوحة [١].
* * *
أخبرنا أبو
عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا علي بن عمر الحافظ، قال: حدثني أبو إسحاق: إبراهيم
بن محمد بن إبراهيم الرّعيني المعدل بمصر، قال: حدثنا أبو الحسن: أحمد بن محمد بن
الحارث بن القباب، قال:
حدثنا إسحاق بن صُغَير العطار، قال: سألت أبا
عبد الله الشافعي، قلت له: ما تقول في رجل احتلب عنزا [٢] من الظباء وهو مُحْرِم؟
قال: فقال: تقوّم العنز باللبن، وتقوّم بلا لبن، فينظر نقص ما بينهما فليتصدق به.
فقلت له: من أين وما الحجة على مخالفنا؟ فقال: أصاب إنسان [٣] ملكا ضائعاً، قال
إسحاق: معناه مثلك يناظرني؟
* * *
أخبرنا محمد بن الحسين
السلمي، قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ ببغداد، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، قال:
حدثنا عبد الله بن الحسين المصعبي، قال: حدثنا عمارة بن وثيمة، قال:
حدثنا
داود بن أبي صالح، قال: قلت للشافعي: يا أبا عبد الله، أنت تقول:
(١)
نقلها الدميري في حياة الحيوان ٢/ ٤٢٢ عن كتاب مناقب الشافعي للحاكم.
(٢)
العنز: أنثى الظباء.
(٣) في ا: «شيبان».
لا تجوز الصلاة
وفي ثوب المصلي من شعره شيء، وهذا ما لا ينضبط ولا يقدر على التحرز منه، نشدتك
بالله إلا ما نظرت في هذا قبل أن تموت، فقال: أشهد على أني رجعت عن هذا قبل أن
أموت.
وقد نقلت سائر أقواله فيه في «المبسوط [١]».
وقرأت
في كتاب الشيخ أبي بكر بن زكريا الساجي [٢] سمعت أبا الوليد: حسان بن محمد، يقول:
سمعت أبا العباس بن سُريج القاضي، يقول: سمعت إبراهيم البلدي، يقول:
سمعت
المزني، يقول: رجع الشافعي عن قوله بنجاسة شعر بني آدم.
قال: وسمعت
أبا الوليد، يقول:
سمعت أبا العباس بن سُريج يقول: لا أعلم للشافعي في
ذلك نصاً ولا رجوعاً إلا أنه قال في المرأة: إذا وصلت شعرها بشعر إنسان، قد قيل:
تعيد الصلاة وقيل: لا تعيد.
قلت: كذا [٣] قاله القاضي أبو العباس بن
سُريج، رحمه الله، في هذه الحكاية عنه.
وقد أخبرنا أبو سعيد بن أبي
عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال:
قال
الشافعي [٤]، رحمه الله: لا يصلي الرجل والمرأة واصلين شعورهما بشعر
(١)
في ح: «إلى المبسوط»
(٢) في ا: «الشيباني»
(٣) ليست في
ح.
(٤) الأم ١/ ٤٦
ما لا يؤكل لحمه، ولا بشعر ما يؤكل
لحمه، إلا أن يؤخذ منه [١] شعره وهو حي، فيكون في معنى المذكي، كاللبن، ويؤخذ
[بعد [٢]] ما يذكّي ما يؤكل لحمه، فيقع الذكاة [٣] على [كل [٤]] حي [منه [٥]]
وميت.
قال: وإن سقط من شعورهما شيء فوصلاه بشعر إنسان أو بشعورهما -
لم يصليا فيه، فإن فعلا فقد قيل: يعيدان.
ولا يجوز أن يستمتع من
الآدميين بما يستمتع به من البهائم بحال؛ لأنها مخالفة شعور ما يؤكل لحمه ذكيا
وحيا [٦].
فقول الشافعي: فقد قيل: يعيدان، يتضمن قوله: وقيل: لا يعيد.
غير أنه لم ينقل فيما نقل لينا من كتاب. والله أعلم.
أخبرنا أبو
زكريا: يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو عبد الله الزبير بن عبد
الواحد، قال: حدثني أبو عبد الله: محمد بن أحمد بن أخي عيسى عن زغبَة [٧].
قال:
حدثنا الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: إذا ضاقت الأشياء اتسعت وإذا اتسعت
ضاقت.
(١) في ح: «من»
(٢) من الأم.
(٣) في ا:
«الدبورة»
(٤) من الأم.
(٥) من الأم.
(٦) الأم
١/ ٤٦ وفيه «ذكيا أو حيا».
(٧) في ح: «بن حماد زغبة»
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن
يعقوب، قال: أنبأنا الربيع بن سليمان، قال:
قال الشافعي: لا يكون لك
أن تقول إلا عن أصل، أو قياس على أصل. والأصل: كتاب أو سنة، أو قول بعض أصحاب
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو إجماع الناس [١].
وأخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، قال: حدثني أبو بكر: محمد بن علي الفقيه للقفال، قال: حدثنا عمر بن
محمد بن يحيى، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال:
قال لي محمد بن
إدريس الشافعي: لا يقال للأصل: لم ولا كيف.
وقد ذكر الشافعي، رحمه
الله، في مسألة المنيّ فصلا، بين فيه المعنى فيما أمر به تعبدا، فقال [٢]: ولو
كان كثرة الماء إنما يجب لقِذَر ما يخرج، كان هذان - يعني الخلا والبول - اقذر،
وأولى أن يكون على صاحبهما الغسل مرات، وكان مخرجهما أولى بالغسل من الوجه الذي
لم يخرجا منه، ولكن إنما أمر الله تعالى بالوضوء لمعنى تعبدا ابتلى الله به طاعة
العباد؛ لينظر من يطيعه منهم، ومن يعصيه، لا على قذر، ولا على نظافة ما يخرج.
وهذا
فيما أخبرناه أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أخبرنا الربيع،
قال: حدثنا الشافعي رحمه الله: فذكره.
(١) في ح: «المسلمين».
(٢)
الأم ١/ ٤٨.
باب ما يستدل به على معرفة الشافعي بأصول الفقه
* * *
وهذا الباب كبير [١]. والشافعي، رحمه الله، أوّل
من صنف في أصول الفقه. وقد نقلت إلى أول «كتاب المبسوط»، «وكتاب المعرفة» ثم إلى
«كتاب المدخل إلى السنن» ما يُستدل به على معرفته بذلك. وإيرادُ جميعه ها هنا مما
يطول به الكتاب، فاقتصرت على إيراد شيء منه يسير، وبالله التوفيق والتيسير.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الحسين بن محمد بن يحيى الدارمي، قال:
حدثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي، قال: أخبرني أبو عثمان: نزيل مكة، قال: سمعت
دبيس، يقول:
كنت مع أحمد بن حنبل في المسجد الجامع فمر حسين - يعني
الكرابيسي - فقال: هذا - يعني الشافعي - رحمة من الله لأمة محمد، صلى الله عليه
وسلم، ومر حسين. ثم جئت إلى حسين، فقلت: ما تقول في الشافعي رحمه الله؟ قال: ما
أقول في رجل ابتدأ في أفواه الناس الكتاب والسنة والاتفاق، وما كنا ندري ما
الكتاب ولا السنة نحن والأولون حتى سمعنا من الشافعي الكتاب والسنة والإجماع.
(١)
في ح: «وهذا باب كبير»
قلت: ولهذا قال: لا يقال للأصل: لم وكيف؟
وبالله التوفيق.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس: محمد
بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال:
قال الشافعي: قال الله
جل ثناؤه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [١]} وقال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ
إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [٢]} وقال: {وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ [٣]} .
قال الشافعي: فجماع [٤] ما أبان الله، عز وجل،
لخلقه في كتابه مما تعبدهم به لما مضى في حكمه، جلّ ثناؤه، من وجوه.
فمنها:
ما أبانه لخلقه نصا، مثل جُمَل فرائضه في أن عليهم صلاة وزكاة وحجاً وصوماً، وأنه
حرّم [٥] الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونص على الزنا والخمر وأكل الميتة والدم
ولحم الخنزير، وبيّن لهم كيف فَرْض [٦] الوضوء، مع غير ذلك مما بيّن نصّا.
ومنه
[٧] ما أَحْكَم فرضه بكتابه، وبيّن كيف هو على لسان نبيه،
(١) سورة
النحل ٨٩.
(٢) سورة إبراهيم ١.
(٣) سورة النحل ٤٤.
(٤)
في ح: «فجميع» وما أثبتناه موافق لما في الرسالة ص ٢١.
(٥) في ا:
«وتحريم» وما أثبتناه كما في الرسالة.
(٦) من الرسالة.
(٧)
الرسالة ص ٢٢.
[م - ٢٤] مناقب
صلى الله عليه وسلم، مثل عدد
الصلاة والزكاة ووقتها، وغير ذلك من فرائضه التي أنزل في كتابه.
ومنه:
ما سَنَّ [١] رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، مما ليس لله فيه نص حكم.
وقد
فرض الله في كتابه طاعة رسوله، صلى الله عليه وسلم، والانتهاء إلى حكمه. قال الله
تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
[٢]} وقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [٣]} وقال: {إِنَّ
الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ
أَيْدِيهِمْ [٤]} فأعلمهم أن بيعتهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم بيعته، وكذلك
أعلمهم أن طاعته طاعته، وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ
حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [٥]} مع سائر ما ورد في معنى
هذه الآيات.
قال الشافعي [٦]: فَمَن قَبِل عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم فبفرض الله قَبِل.
ثم قال: ومنه ما فرض على خلقه الاجتهاد في
طلبه، وابتلى طاعتهم في الاجتهاد كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض الله عليهم؛
فإنه يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ
وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [٧]} .
(١) في ح:
«بيّن».
(٢) سورة النساء ٥٩.
(٣) سورة النساء ٨٠.
(٤)
سورة الفتح ١٠.
(٥) سورة النساء ٦٥.
(٦) الرسالة ص ٢٢ -
٢٣
(٧) سورة محمد ٣١.
وقال: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا
فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ [١]} وقال: {عَسَى رَبُّكُمْ
أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ
تَعْمَلُونَ [٢]}
قال الشافعي [٣]: فليس لأحد أبداً أن يقول في شيء حل
ولا حرم إلا من جهة العلم. وجهة العلم الخبر: في الكتاب، والسنة، أو الإجماع، أو
القياس.
والقياس: ما طلب بالدلائل على موافقة الخبر المتقدم من الكتاب
أو السنة، لأنهما علم الحق المفترض طلبه.
وموافقته تكون من وجهين:
أحدهما:
أن يكون الله أو رسوله حرّم الشيء منصوصاً أو أحله لمعنى، فإذا وجدنا ما في مثل
ذلك المعنى فيما لم ينص فيه بعينه كتاب ولا سنة أحللناه أو حرمناه؛ لأنه في معنى
الحلال أو الحرام.
ونجد الشيء يشبه الشيء منه والشيء من غيره، ولا نجد
شيئاً أقرب به شبهاً من أحدهما فنُلحقه بأولى الأشياء شبهاً به. وذكر مثال ذلك من
جزاء الصيد وغيره.
* * *
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال:
حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا الربيع، قال:
(١) سورة آل عمران ١٥٤.
(٢)
الأعراف ١٢٩.
(٣) الرسالة ص ٣٩، ٤٠.
قال الشافعي: قال
الله، تبارك وتعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ
فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ
سَبِيلِ اللَّهِ [١]} الآية.
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم في أهل
الكتاب: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ
تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [٢]} وقال: {وَأَنِ
احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ [٣]} وقال: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ
بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [٤]} .
قال الشافعي [٥]:
فأعلم الله نبيه، صلى الله عليه وسلم، أنّ فرضاً عليه وعلى مَنْ قِبَله والناس
إذا حكموا أن يحكموا بالعدل، «والعدل» اتباع حكمه المنزَّل؛ قال الله، جل ثناؤه،
لنبيه صلى الله عليه وسلم حين أمره بالحكم بين أهل الكتاب: {وَأَنِ احْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} .
ووضع الله جل ثناؤه نبيَّه، صلى
الله عليه وسلم، مِنْ دينِه مَوْضِعَ الإبانة عن كتاب الله معنى ما أراد، وفرض
طاعته، فقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [٦]} وقال: {فَلَا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ
لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
[٧]} وقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ
فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
(١) سورة ص ٢٦.
(٢) سورة
المائدة ٤٢.
(٣) سورة المائدة: ٤٩
(٤) سورة النساء ٥٨
(٥)
الرسالة ص ٧٣
(٦) سورة النساء ٨٠
(٧) سورة النساء: ٦٥
عَذَابٌ
أَلِيمٌ [١].
قال الشافعي [٢]: فعِلْمُ الحق كتابُ الله تعالى، ثم
سنةُ نبيه، صلى الله عليه وسلم، فليس لمفتي ولا لحاكم أن يفتي ولا يحكم حتى يكون
عالماً بهما، ولا أن يخالفهما، ولا واحداً منهما بحال. فإذا خالفهما فهو عاص لله
به، وحكمه مردود.
فإذا لم يوجد المنصوص [٣] فالاجتهاد بأن يُطْلَبا:
كما يطلب الاجتهاد بأن يتوجه إلى البيت. وليس لأحد أن يقول مستحسناً على غير
الاجتهاد [٤]. كما ليس لأحد إذا غاب البيت عنه أن يصلّي حيث أحبّ، ولكنه يجتهد في
التوجه إلى البيت.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو
العباس، قال: حدثنا الربيع، قال:
قال الشافعي [٥]: «والاجتهاد» لا
يكون إلا على مطلوب، والمطلوب لا يكون أبداً إلا على عين قائمة تطلب بدلالة يقصد
بها إليها أو بينة [٦] على عين
(١) سورة النور ٦٣.
(٢)
راجع كتاب أبطال الاستحسان ٧/ ٢٧٠ - ٢٧١ من الأم وفيه: وليس يؤمر أحد أن يحكم بحق
إلا وقد علم الحق، ولا يكون الحق معلوما إلا عن الله نصاً، أو دلالة من الله، فقد
جعل الله الحق في كتابه، ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
(٣) في ح:
«لم يوجدا منصوصين».
(٤) في ح: «على غير اجتهاد».
(٥)
الرسالة ص ٥٠٣ - ٥٠٤.
(٦) في ا: «ولشبيه».
قائمة. وهذا
يبين أَن حَرَاماً على أحدٍ أن يقول بالاستحسان إذا خالف الاستحسان الخبر، والخبر
من الكتاب والسنة عين يتأخى [١] معناه المجتهد ليصيبه كما البيت يتأخَّاه من غاب
عنه ليصيبه أو [٢] قصده بالقياس.
ثم ساق الكلام إلى أن قال [٣]:
وإذا
[٤] كان هذا هكذا. كان على العالِم أن لا يقول إلا من جهة العلم. وجهة العلم:
الخبر اللازم والقياس بالدلائل على الصّواب؛ حتى يكون صاحب العلم أبداً متّبعا
خبراً، وطالب الخبر بالقياس كما يكون متبع البيت بالعيان، وطالبا قصده بالاستدلال
بالإعلام مجتهداً.
ولو قال [٥] بلا خبر لازم ولا قياس كان أقرب من
الإثم [٦] من الذي قال وهو غير عالم، ولكان القول بغير أهل العلم جائزاً. ولم
يجعل الله لأحد بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يقول إلا من جهة العلم:
عِلْمِ ما [٧] مضى قبله، وجهة العلم بعد الكتاب والسنة والإجماع والآثار: ما وصفت
من القياس عليها فلا يقيس إلا من جمع [٨] الآلة التي له القياس بها، وهي العلم
بأحكام كتاب الله: فرضه وأدبه، وناسخه ومنسوخه، وخاصِّهِ وعامه وإرشاده. ويستدل
على ما احتمل التأويل منه بسنن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يجد
سنة
(١) يتحرى ويقصد. قال في النهاية ١/ ٢٠ في حديث عمر: يتأخى متأخ
رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يتحرى ويقصد، ويقال فيه بالواو أيضا، وهو
الأكثر.
(٢) في ا: «لو».
(٣) الرسالة ٥٠٧.
(٤)
في ا: «فإذا».
(٥) الرسالة ٥٠٨.
(٦) وفي ا: «الأئمة» وهو
تحريف.
(٧) في ا: «علم على ما» وهو خطأ.
(٨) في ح:
«أجمع».
فبإجماع المسلمين، فإن لم يكن إجماع فبالقياس [١].
ولا
يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالما بما مضى قبله من السنن [٢] وأقاويل السلف
وإجماع الناس واختلافهم ولسان العرب، ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل
وحتى يفرق بين المشتبه، ولا يعجل بالقول به دون التثبت، ولا يمتنع من الاستماع
ممن خالفه؛ لأنه قد يتنبه بالاستماع لترك الغفلة ويزداد به تثبتا [٣] فيما اعتقد
من الصَّواب. وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده والإنصاف من نفسه؛ حتى يعرف من أين قال
ما يقول وترك ما يترك [ولا يكون بما قال، أعنى منه، بما خالفه حتى يعرف فضل ما
يصير إليه على ما يترك] [٤] إن شاء الله تعالى.
وذكر فيما [٥] يمتنع
القياس عليه أن يكون أحلّ الله لهم شيئا جملة، وحرم منه شيئا بعينه، فيحلون
الحلال بالجملة ويحرمون الشيء بعينه، ولا يقيسون على الأول الحرام؛ لأن الأكثر
منه حلال، والقياس على الأكثر أولى. وكذلك إن حرم جملة وأحل بعضها، وكذلك إن فرض
شيئا وخص النبي، صلى الله عليه وسلم، بالتخفيف في بعضه.
وذكر في سبب
ما يحسبه الإنسان مختلفا من الكتاب والسنة وليس بمختلف - ما أخبرنا أبو عبد الله،
قال: حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال:
(١) الرسالة ص ٥٠٩ -
٥١٠ وفي ح «فالقياس».
(٢) في ا: «السنين»
(٣) في ح:
«تبينا»
(٤) الرسالة ٥١٠ - ٥١١ وما بين القوسين سقط من ا.
(٥)
في ا: «فيها».
قال الشافعي: وإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها على
ما تعرف من معانيها [وكان مما تعرف من معانيها [١]] اتساع لسانها، وأن فطرتها أن
تخاطب بالشيء منه عامًّا ظاهراً يراد به العام الظاهر، ويستغنى بأول هذا منه [٢]
عن آخره، وعامًّا ظاهراً يراد به العام ويدخله الخاص، فيُستدل [٣] على هذا ببعض
ما خوطب به [٤]، وعاماً ظاهراً يراد به الخاص، وظاهراً يعرف في سياقه أنه يراد به
غير ظاهره، وكل هذا موجود في علمه في القرآن [٥] في أول الكلام أو وسطه أو
آخره.
وتبتدئ الشيء من كلامها يُبِينُ أولُ لفظها فيه عن آخره ويَبتدئ
بالشيء من كلامها يُبِينُ آخر لفظها فيه عن أوله.
وتكلم بالشيء تعرفه
بالمعنى دون الإيضاح باللفظ كما تعرف الإشارة، ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها،
لانفراد أهل علمها به دون أهل جهالتها، وتُسمّى الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة،
وتُسمِّي بالاسم الواحد المعاني الكثيرة [٦].
ثم ذكر الشافعي، رحمه
الله، مثالَ كلِّ نوع مما أشار إليه من الكتاب.
وذكر فيما نُسِخ من
الكتاب: أنّ الله تعالى فرض فرائض أثْبَتَها، وأخرى نسخها، رحمة لخلقه بالتخفيف
عنهم، وبالتوسعة عليهم زيادة فيما ابتدأهم به من
(١) ما بين القوسين
سقط من ا
(٢) في ا: «فيه»
(٣) في ا: «فيستدل»
(٤)
في ا: «فيه»
(٥) في ا: «موجود عليه في أول الكلام».
(٦)
الرسالة ص ٥٢
نعمة، وأثابهم على الانتهاء إلى ما أَثْبَت عليهم [١]
جنتَه والنجاةَ من عذابه، فعمتهم رحمته فيما اُثبت ونسخ. فله الحمد على نعمه
[٢].
ثم ذكر فصلا في نسخ الكتاب بالكتاب دون السنة، ونسخ السنة بالسنة
دون الكتاب، وأن كلَّ واحد منهما كان حقًّا في وقته.
وأنه إنما يعرف
الناسخ والمنسوخ [٣] بالآخِر من الأمرين.
وأنَّ أكثر الناسخ في كتاب
الله إنما عرف بدلالة سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر مثال
ذلك، وذكر مثال الفرائض المنصوصة التي سنَّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معها،
ومثال الفرائض الجُمْل التي أبان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الله سبحانه
وتعالى كيف هي ومواقيتها، ومثال العام من أمر الله تعالى الذي أراد به العامّ،
والعامّ الذي أراد به الخاصّ.
ثم ذكر سنته فيما ليس فيه نصّ كتاب.
*
* *
قال الشافعي بعد فصل طويل في وجوه السنن [٤]:
وسنَّتُه،
صلى الله عليه وسلم، لا تَعْدوا واحداً من الوجوه التي ذهب إليها أهل العلم أنها
تُبَيِّن عن كتاب الله، عز وجل، إما برسالة من الله، أو إلهام له
(١)
في ا: «وأبادهم. . . ما أثيب عليهم»
(٢) الرسالة ص ١٠٦
(٣)
سقطت من ا
(٤) راجع الأم ٥/ ١١٣ - ١١٤.
وإلهام الأنبياء،
صلوات الله عليهم، وحي، وإما بأمر جعله الله إليه [١] لموضعه الذي وضعه به من
دينه.
* * *
وذكر الشافعي، رحمه الله، فصلا في «علل
الأحاديث التي توهم الاختلاف» وهو فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا
أبو العباس، قال: حدثنا الربيع، قال:
قال الشافعي [٢]: وكلُّ ما سنَّ
رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، مع كتاب الله من سنة فهي موافقة كتاب الله في
النص بمثله، وفي الجملة بالتبيين عن الله. والتبيين يكون أكثر تفسيراً من الجملة.
وما سنَّ مما ليس فيه نصّ كتاب، فَبِفَرْضِ الله طاعتَه عامَّة في أمره،
تَبِعْناه.
وأما «الناسخ والمنسوخ من حديثه» فهو كما نسخ الله الحكم
من كتابه بالحكم غيره من كتابه.
وكذلك سنة رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، تنسخ سنته.
وأما [٣] المختلفة التي لا دلالة على أنها ناسخ ولا
أنها منسوخ، فكل أمره مُوتَفِقٌ صحيح لا اختلاف فيه. ورسولُ الله، صلى الله عليه
وسلم، عربيُّ اللسان والدار، فقد يقولُ القولَ عامًّا يريد به العام، وعامًّا
يريد به الخاصّ، كما وصفتُ في كتاب الله، جل وعز.
ويُسْأل عن الشيء
فيجيب على قَدْرِ المسألة، ويُؤَدِّي المجيبُ عنه الخبرَ
(١) في ح:
«يجعله الله للنبي»
(٢) الرسالة ص ٢١٢
(٣) الرسالة ص
٢١٣
مُتقَصَّى، والخبرَ مختصراً، فيأتي ببعض معانيه دون بعض.
ويُحدِّثُ
عنه الرجلَ الحديثَ قد أَدْرَكَ جوابَه ولم يدرك المسألةَ، فيدله على حقيقة
الجواب بمعرفته السبب الذي يخرج عليه الجواب.
ويسنُّ في الشيء سنّةً
وفيما يخالفه أخرى، فلا يخلِّص بعض السامعين بين اختلاف الحالتين اللتين سَنَّ
فيهما.
ويَسُنُّ [١] سنة في بعض معنى [٢] فيحفظُها حَافِظٌ. ويسنُّ في
معنى يخالفه في مَعْنَى ويجامِعُه في معنَى سُنَّةً غيرها، لاختلاف الحالتين [٣]
فيحفظُ غيرُه تلك السنَّة، فإذا أَدَّى كلٌّ مَا حَفِظ رآه بعضُ السامعين
اختلافاً، وليس منه شيء بمختلف.
ويُسنّ بلفظٍ مَخْرجه عامّ جملة
بتحريم شيء أو تحليله. ويسنُّ في غيره خلاف الجملة، فيستدل على أنه لم يرد بما
حرّم ما أَحَلّ، ولا بما أحلّ ما حرّم.
ولكُلِّ هذا نظيرٌ فيما كتبناه
من جُمَل أحكام الله، عز وجل.
قال: وكلّ ما كان كما وصفتُ أُمْضِيَ
على ما سنَّه عليه وفرّق بيْن ما [٤] فُرّق بينه منه، ولم يُقَل ما فَرْقُ بيْن
كذا وكذا؛ لأن قول [٥] ما فَرْق بين كذا وكذا فيما فرّق بيْنه رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، لا يعدو أن يكون جهلا ممن قاله، أو ارتياباً شراً من الجهل. وليس
فيه إلا طاعةُ
(١) الرسالة ص ٢١٤، وفي ح: «وليس بسنة».
(٢)
في ح: «معناها».
(٣) بعد هذا في ا: «فيها».
(٤) في ا:
«وفرق ما بين».
(٥) في ا: «قوله».
الله باتباعه [١].
وما
لم يوجد فيه إلا الاختلاف فَنَصيرُ إلى الأثْبَت من الحديثين.
وقال في
موضع آخر: فلا نذهب إلى واحد منهما دون غيره إلا بسبب يدل على أن الذي ذهبنا إليه
أقوى. وذلك أن يكون أحدهما أثبت من الآخر، أو يكون أشبه بكتاب الله، أو سنة رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، فيما سوى ما اختَلف فيه الحديثان من سنته، أو أولى بما
يعرف أهل العلم، أو أصحَّ في القياس، أَو الذي عليه الأكثر من أصحاب رسول الله،
صلى الله عليه وسلم [٢].
قال: ولم تجد عنه، صلى الله عليه وسلم،
حديثين مختلفين إلا ولهما مَخْرَجٌ، أو على أحدهما دلالة بأَحد ما وصفتُ [٣].
وقد
ذكر الشافعي مثال كل نوع من الأنواعِ التي أشار إليها، فاقتصرت هاهنا على إيراد
هذه الجملة، فقال في أقاويل أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
إذا
[٤] تفرقوا فيها: نصير إلى ما وافق الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو كان أصح في
القياس.
ورجح في القديم، وفي كتاب اختلافه ومالك، قول الأئمة من
الصحابة على قول غيرهم.
(١) الرسالة ٢١٦
(٢) الرسالة ص
٢١٦
(٣) الرسالة ص ٢١٦
(٤) الرسالة ٥٩٧
ورجح في
القديم أقوال غيرهم من الصحابة بالكثرة، فإن تكافئوا فبأَحسنها مخرجاً.
قال
الشافعي [١]: والأمر في الكتاب والسنة وكلام الناس يحتمل معاني:
أحدها:
أن يكون الله، عز وجل، حرم شيئاً ثم أباحه فكان أمره إحلال ما حرم، كقوله تعالى:
{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا [٢]} وكقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ
فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [٣]} وكقوله:
{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ
مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [٤]} وكقوله تعالى: {فَإِذَا
وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ
[٥]} وأشباه لهذا كثيرة [٦]. ليس حتما أن يصطادوا إذا أحلوا، ولا ينتشروا للطلب
للتجارة إذا صلّوا، ولا ياكل من صداق امرأته إذا طابت منه نفسا، ولا يأكل من
بُدْنته إذا نحرها.
قال [٧]: ويحتمل أن يكون دلّهم على ما فيه رشدهم،
ويحتمل أن يكون حتما، وفي كل الحتم من الله الرشد، فقال بعض أهل العلم: الأمْرُ
كلّه على الإباحة والدلالة على الرشد، حتى توجد الدلالة من الكتاب، أو السنة، أو
الاجماع، على
(١) في الأم ٥/ ١٢٧ في باب ما جاء في أمر النكاح: قال
الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} والأمر. . الخ.
(٢)
سورة المائدة ٢
(٣) سورة الجمعة ١٠
(٤) سورة النساء ٤
(٥)
سورة الحج ٣٦
(٦) في الأم بعد هذا: «في كتاب الله وسنة نبيه وليس
حتما».
(٧) الأم ٥/ ١٢٧.
أنه أريد بالأمر: الحتم، فيكون
فرضا لا يحل تركه [١].
وما نهى الله عنه فهو محرم حتى توجد الدلالة
عليه بأَن النهي عنه على غير التحريم، وإنما أريد به: إرشاد [٢]، أو تنزيه، أو
أدب، أو أراد نهيا عن بعض الأمور دون بعض.
قال [٣]: وقد يحتمل أن يكون
الأمر في معنى النهي فيكونان لازمين [٤] إلا بدلالة أنهما غير لازمين.
قال
[٥]: وعلى أهل العلم عند تلاوة الكتاب ومعرفة السنة طلب الدلائل؛ ليفرقوا بين
الحتم، والمباح والإرشاد الذي ليس بحتم في الأمر والنهي معا.
* * *
وقال
الشافعي: والأحكام في القرآن على ظاهرها وعمومها، وكذلك الحديث عن رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، على عمومه وظهوره حتى يأتي دلالة بأَنه أراد به خاصا دون عام.
أخبرنا
محمد بن موسى قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أنبأنا الربيع، قال: أنبأنا
الشافعي، قال: أَنبأَنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم، قال:
(١) في الأم ٥/ ١٢٧ كقول الله عز وجل {وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} فدل على أنهما حتم. وكقوله {خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وقوله {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
وقوله {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ
سَبِيلًا} فذكر الحج والعمرة معا في الأمر وأفرد الحج في الفرض فلم يقل أكثر أهل
العلم. العمرة على الحتم، وإن كنا نحب ألا يدعها مسلم. وأشباه هذا في كتاب الله
عز وجل كثير.
(٢) في ح: «إرسال»
(٣) الأم ٥/ ١٢٧
(٤)
في ح، هـ: «فيكون لازم إلا بدلالة اتباعه لازم».
(٥) الأم ٥/ ١٢٧.
من
باع نخلا قد أُبِّرَت، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع [١]».
قال
الشافعي: وهذا الحديث ثابت عندنا عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم [٢]، وفيه
دلالة على أن الحائط إذا بيع ولم يُؤَبَّر نخلُه، فثمرته للمشتري؛ لأن رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، إذا خبّر فقال: « [إذا أُبِّر [٣]] فثمرته للبائع» فقد أخبر
أن حكمه إذا لم يؤبَّر غير حكمه إذا أُبِّر، ولا يكون ما فيه [٤] إلا للبائع أو
للمشتري، لا لغيرهما ولا موقوفا، فمن باع حائطا لم يؤبر فالثمرة للمشتري بغير شرط
استدلالا موجوداً بالسُّنّة.
قال الشافعي [٥]: والإبار: التلقيح، وهو
أن يؤخذ شيء من طلع الفحل منه فيدخل بين ظهراني طلع الإناث من النخل فيكون ثمراً
بإذن الله [٦].
* * *
أخبرنا محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو
العباس، قال: حدثنا الربيع، قال:
قال الشافعي: قال الله تعالى:
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} إلى قوله: {فَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا [٧]} فقلنا: لا يجزيه إلا رقبة
مؤمنة، ولا يجزيه إلا أن يطعم ستين مسكينا، والإطعام قبل أن يتماسا. وإذا ذكر
الله الكفارة في العتق في موضع، فقال: {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ثم ذكر كفارة مثلها،
فقال: {رَقَبَةٍ} نعلم أن
(١) الأم ٣/ ٣٥ وفي ا: «فثمرها يشترطه» وفي
ح: «يشترطها».
(٢) في الأم بعد ذلك «وبه نأخذ».
(٣) ما بين
القوسين ليس من ا.
(٤) في ا: «صافيه».
(٥) الأم ٣/ ٣٥.
(٦)
في ا: «فيكون له بإذن الله» وفي الأم «فيكون له - بإذن الله - صلاحا».
(٧)
سورة المجادلة ٣، ٤.
الكفارة لا تكون إلا مؤمنة [١].
ثم
ساق الكلام إلى أن قال: لأنهما مجتمعتان في أنهما كفارتان، كما ذكر الشهود في
البيع والزنا ولم يذكر عدلا. وقال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [٢]}
وقال حين الوصية {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ [٣]} وشرط العدل واجتماعهما في
أنهما شهادة يدل على أن لا تقبل فيها [٤] إلا العدول وبسط الكلام فيه.
(١)
الأم ٥/ ٢٦٦
(٢) سورة الطلاق ٢
(٣) سورة المائدة ١٠٦
(٤)
في ا: «فشرط .. فدل .. فيهما».