اسم المؤلف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (٣٨٤ - ٤٥٨ هـ)
اسم المحقق: السيد أحمد صقر
الطبعة: الأولى، ١٣٩٠ هـ - ١٩٧٠ م
عدد الأجزاء: ٢
أعده للمكتبة الشاملة: محمد المنصور (٢١/ ٧/ ١٤٣٦ هـ = ١٠/ ٥/ ٢٠١٥ م)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صفحة المؤلف: [أبو بكر البيهقي]
الموضوع: سيرة وترجمة العالم النبيل الإسلامي
فهرس الموضوعات
- -٦٠ - باب ذكر مرض الشافعي، رحمه الله، وأوجاعه، ووفاته، وتربته، ومقدار سنه، وغير ذلك
- -٦١ - باب ذكر أهل الشافعي وأولاده، رحمهم الله
- -٦٢ - باب ذكر من روى عنهم الشافعي من علماء الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان
- -٦٣ - باب ذكر أصحاب الشافعي، رحمه الله، الذين حملوا عنه العلم أو رووا عنه حديثا، أو حكوا عنه حكاية
- -٦٤ - باب ذكر من قعد في مجلس الشافعي بعد وفاته، ومن قام من أصحابه بنشر علمه
- العودة الي كتاب مناقب الشافعي للبيهقي
باب ذكر مرض الشافعي، رحمه الله، وأوجاعه، ووفاته، وتربته، ومقدار
سنه، وغير ذلك
* * *
قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، رحمه الله: عن
الزبير بن عبد الواحد قال: حدثني محمد بن سعيد قال: حدثنا الفِرْيَابي - يعني
أبا سعيد - قال:
قال الربيع بن سليمان: أقام الشافعي هاهنا أربع
سنين، فأملى ألفاً وخمسمائة ورقة.
وخَرَّجَ «كتاب الأمّ» ألفي
ورقة.
وكتاب «السنن»، وأشياء كثيرة، كلّها في أربع سنين.
وكان
عليلاً شديد العلّة، فكان ربما يخرج الدم منه وهو راكب حتى تمتلئ سراويله
ومركبه وخفّه [١].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أحمد بن
محمد بن الحسين بن مهدي المُذَكِّر، بالنّوْقان، قال: حدثنا محمد - يعني أبا
عبد الرحمن شكر - قال:
حدثنا الربيع بن سليمان قال: كنتُ القَيِّمَ
بجميع مال الشافعي، ويدي فيه [حتى] [٢] لقى الله، وجعلني في حلّ من جميع ماله
ثلاث مرات، وقال
(١) توالي التأسيس ٨٣.
(٢) الزيادة من
ح.
وهو مريض: يا بني، إن الغلمان جُفَاة: يأتي القومُ ليسلِّموا
عليَّ فيقولون: ليس عليه إذْنٌ، ولا يعلمون علّتي، فإنْ خفَّ عليك أن تجلس في
الغرفة التي على السّلّم، فإذا جاء القوم نزلتَ إليهم فأخبرتَهم بعلّتي. وكان
يُثْقَبُ له الفِرَاش والسّدّة، والطّست تحتها. فكان إذا جاء القوم نزلتُ إليهم
فأخبرتهم فيذهبون [١] متوجِّعين، فإذا صعدت إليه يقول: من جاء اليوم؟ فأقول:
فلان وفلان. فيقول: جزاك الله عني خيراَ يا ربيع، ما صنعتُ بك شيئا، ولكن الله
لئن عشت فعلت بك، رحمه الله.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال:
حدثني أبو تراب النّوقاني قال: حدثنا محمد بن المنذر قال:
حدثنا
محمد بن عبد الحكم قال: [٢] كان الشافعي قد مرض من هذا النَّاسُور مرضاً شديداً
حتى ساء خلُقه، فسمعته يقول: إني لآتي الخطأ وأنا أعرفه.
قلت: قد
قيل: أراد به ترك [٣] الحمية وتناول ما لا يصلحه. وقيل: أراد به فيما كان
يتحفظه قبل ذلك من مكارم الأخلاق.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال:
أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس
- قال: حدثنا أبي قال:
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: ما رأيت أحداً
لقى من [٤] السقم ما لقى
(١) في ح: «فذهبوا».
(٢) توالي
التأسيس ٨٣.
(٣) في ا: «في ترك».
(٤) في ا: «في
السقم».
الشافعي، فدخلت عليه يوما فقال لي: يا أبا موسى، اقرأ عليَّ
ما بعد [١] العشرين والمائة من آل عمران، وأَخِفَّ القراءة ولا تثقل. فقرأت
علَيه، فلما أردت القيام قال: لا تغفل عني فإني مَكْرُوبٌ. قال يونس: عَنَى
الشافعيُّ، رضي الله عنه، بقراءتي بعد العشرين [والمائة] [٢] ما لقى النبي [٣]،
صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، أو نحوه [٤].
أخبرنا محمد بن عبد الله
بن محمد قال: حدثني أحمد بن الحسين الصّوفي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين
العطار، بمصر، قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال [٥]:
دخل المزني على
الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقال له: كيف أصبحت يا أستاذ؟
فقال:
أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مُفارقاً، ولكأس المنيّة شارباً، وعلى الله
وارداً، ولسوء أعمالي ملاقياً.
قال: ثم رمى بطرفه نحو السماء
واستَعْبر، ثم أنشأ يقول:
إليكَ إلهَ الخلْقِ أَرْفعُ رغبتي ...
وإنْ كنتُ ياذَا المَنِّ والجودِ مُجْرِماَ [٦]
(١) في ح: «المائة
والعشرين».
(٢) الزيادة من ح.
(٣) روى الواحدي في اسباب
نزول القرآن ١١٥ - ١١٦ بسنده: «عن المسور بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن
عوف: أي خالي، أخبرني عن قصتكم يوم أحد. فقال: اقرأ العشرين ومائة من آل عمران
تجد: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ} » إلى قوله
تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا}
(٤)
آداب الشافعي ومناقبه ٧٦ - ٧٧.
(٥) مناقب الشافعي للرازي ١١٢.
(٦)
الأول والثالث في توالي التأسيس ٨٣.
ولما قسَى قلْبي وضاقت مذاهبي
... جعلتُ الرّجا منّي لعفوك سُلَّما
تَعَاظَمَنِي ذنبي فلما
قَرَنْتُه ... بعفوك ربّي كان عَفْوُكَ أَعْظَما
ومازلتَ ذا عفوٍ عن
الذنب لم تزل ... تجودُ وتعفو مِنّةً وتكرُّما
ولولاك مَا يقوى
بإبليسَ عابدٌ ... فكيف وقد أغوى صَفِيَّكَ آدَمَا [١]
فإن تعْفُ
عنّي تعْفُ عن مُتَمَرِّدٍ ... ظلومٍ غشوم ما يُزَايل مَاثَمَا
وإن
تنتقم منّي فلست بآيسٍ ... ولو أدخلت نفسي بجرمي جَهَنَّمَا
فَجُرْمِي
عظيمٌ من قديم وحادث ... وعفْوُكَ ياذا العَفْوِ أعْلَى وأجْسَما
وأخبرنا
محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا أبو نصر: محمد بن محمد بن عيينة الشعراني
[٢]، بمرو، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أوس قال: حدثنا عبد الله بن جعفر بن
محمد الموصلي، بِتِرْمِذ في الجامع، قال: حدثنا مكي بن هارون الزِّنْجَاني،
بِزِنْجَان، عن أبي عبد الله بن شاكر.
عن المزني قال: دخلت على محمد
بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه، عند وفاته فقلت له: كيف أصبحت يا أبا عبد
الله؟
قال: أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقا، وعلى الله
وَارِداً، وبكأس المنية شاربا، ولسوء أعمالي ملاقيا، فلا أدري نفسي إلى الجنة
تصير فأهنّيها، أو إلى النار فأعزيها.
فقلت: يا أبا عبد الله، رحمك
الله، عِظْنِي.
(١) في ح: «لم يقو».
(٢) في ح:
«السعداني» وهو تصحيف
فقال لي: اتق الله، ومَثِّل الآخرة في قلبك،
واجعل الموت نُصْبَ عَيْنَيْكَ، ولا تنس موقفك بين يدي الله عز وجل، وكن من
الله تعالى عَلى وَجَلٍ، واجتنب محارمَه، وأدِّ فرائضه، وكن مع الحقّ حيث كان،
ولا تستصغرنّ نعم الله عليك وإن قَلَّت، وقَابِلْها بالشكر. وليكن صمتك تفكّرا،
وكلامك ذكرا، ونظرك عبرة. اعف عمن ظلمك، وصل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك،
واصبر على النائبات، واستعذ بالله من النار بالتقوى
فقلت: ليكن
الصدّق لِسَانَك، والوفاء عِمادَك، والرحمة ثمرتك، والشكر طهارتك، والحق
تجارتك، والتودّد زينتك، والكتاب فطنتك، والطاعة معيشتك، والرضا أمانتك، والفهم
بصيرتك، والرجاء اصطبارك، والخوف جِلْبَابك، والصدقة حِرْزك، والزكاة حصنك،
والحياء أميرك، والحلم [١] وزيرك، والتوكلّ درعك، وتكون الدنيا سجنك، والفقر
ضَجِيعك، والحقّ قائدك، والحجّ والجهاد بغيتك، والقرآن محدّثك، والله مؤنسك.
فمن كانت هذه صفته كانت الجنة منزلته
أخبرنا محمد بن عبد الله
الضَّبِّي قال: أخبرني نصر بن محمد العطار قال: حدثني عمر بن عبد الله البغدادي
قال: حدثني بعض أصحابنا قال:
قال المزني: دخلت على الشافعي في بعض
علله قلت له: كيف أصبحت؟
فقال: أصبحت بين أمر ونهي، أصبحت آكل رزقي
وأنتظر أجلي.
(١) في ح: «والحكم».
فقلت: ألا أُدْخِلُ
عليك طبيباً؟ فقال: افعل. فأدخلت عليه طبيبا نصرانيا، فجسّ يده فحسّ الشافعي
بالعلّة في يد الطبيب، فجعل الشافعي يقول:
جاء الطبيب يجسّني فجسسته
... فإذا الطبيب لِمَا بِهِ من حالي
وغَدَا يعالجني بطول سقامه ...
ومن العجائب أعمش كَحَّالي
قال المزني: فما مضت الأيام والليالي حتى
مات المُتَطَبِّبُ، فقيل للشافعي: قد مات المتطبب، فجعل يقول:
إنّ
الطبيب بطبِّه ودوائِه ... لا يستطيع دفاع مقدور القضا [١]
ما
للطبيب يموت بالداء الذي ... قد كان يبرئ مثله فيما مضى
هَلَكَ
المدَاوِي والمُدَاوَى والذي ... جَلَبَ الدواء وباعَه ومن اشترى
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين [٢] بن محمد الدارمي قال: أنبأنا عبد
الرحمن بن محمد قال:
قال الربيع بن سليمان لما كان مع المغرب ليلة
مات الشافعي قال له ابن عمه ابن [٣] يعقوب: ننزل نصلّي؟ قال: تجلسون تنتظرون
خروج نفسي؟ فنزلنا ثم صعدنا فقلنا: صلّينا أصلحك الله. قال: نعم فاستسقى - وكان
شتاء - فقال له ابن عمه: أمزجه بالماء المُسَخَّن؟ فقال له الشافعي رحمه الله:
لا، بل بِرُبِّ السَّفَرْجَل. وتوفي مع العشاء [٤] الآخرة، رحمة الله عليه.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد الرحمن السّلمي؛ قالا: سمعنا محمد بن يعقوب
يقول:
(١) في ا: «مقدور أني».
(٢) في ح: «الحسن».
(٣)
في ح: «ابن عمه يعقوب».
(٤) في ا: «عشاء» والخبر في حلية الأولياء
٩/ ٦٨ وآداب الشافعي ومناقبه ٧٩ - ٨٠.
سئل بحر بن نصر الخولاني،
وأنا أسمع، عن موت الشافعي فقال: مات سنة أربع ومائتين.
أخبرنا أبو
عبد الله: محمد بن عبد الله، وأبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين؛ قالا: سمعنا أبا
العباس: محمد بن يعقوب يقول:
سمعت الربيع بن سليمان المُرَادِي
يقول: دخلت على الشافعي وهو مريض، فسألني عن أصحابنا فقلت: إنهم يتكلمون، فقال
لي الشافعي:
ما ناظرت أحداً قطّ على الغَلَبَة، وبِوُدِّي أنّ جميع
الخلق تعلّموا هذا الكتاب [- يعني كتابه - على أن لا ينسب إليّ منه شيء. قال
هذا الكلام] [١] يوم الأحد، ومات هو [٢] يوم الخميس، وانصرفنا من جنازته ليلة
الجمعة، ورأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين.
كذا في هذه
الرواية.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو تراب
المذكِّر قال: حدثنا محمد بن المنذر قال:
سمعت الربيع بن سليمان
يقول: توفى الشافعي، رحمه الله ورضي الله عنه، ليلة الجمعة [بعد المغرب وأنا
عنده، ودفن يوم الجمعة] [٣] بعد العصر آخر يوم من رجب، وانصرفنا من جنازته،
ورأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين.
وكذلك رواه يحيى بن زكريا عن
الربيع.
(١) الزيادة من ح.
(٢) ليست في ح.
(٣)
الزيادة من ح.
وأخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد بن الخليل الصوفي قال:
أنبأنا أبو أحمد: عبد الله بن عدي بن الحافظ قال: سمعت علي بن محمد بن سليمان
يقول:
سألت الربيع عن موت الشافعي فقال لي: [١] مات سنة أربع
ومائتين في آخر يوم من رجب يوم الجمعة، وهم ابن نَيِّف وخمسين سنة.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول:
سمعت
الربيع بن سليمان يقول: مات الشافعي، رحمه الله، في آخر يوم من رجب سنة أربع
ومائتين، وهو ابن نَيِّف وخمسين سنة.
وأخبرنا محمد بن عبد الله
الحافظ قال: سمعت أبا بكر: محمد بن جعفر المُزَكِّي يقول: سمعت أبا بكر: محمد
بن إسحاق يقول:
سمعت الربيع يقول: مات الشافعي سنة أربع ومائتين،
وهو ابن أربع وخمسين سنة.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني
عبد الله بن محمد بن حيان، حدثنا محمد - يعني ابن عبد الرحمن بن زياد - قال:
حدثنا أحمد بن روح قال: حدثنا الزعفراني قال:
أخبرني أبو الوليد أبي
الجارود قال: كان سِنُّ أبي وسنّ الشافعي واحداً، فنظرنا في سنه فإذا هو يوم
مات ابن اثنتين وخمسين سنة.
وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى السّاجِي،
عن الحسن بن محمد الزعفراني هكذا.
(١) في ح: «فقال لي: مات يوم
الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين. وهو ...»
وقرأت فيه أيضا
عن الزعفراني قال: قال لي أبو عثمان بن الشافعي: مات أبي وهو ابن ثمان وخمسين
سنة.
قلت: وقد ذكرنا فيما تقدم عن ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه
قال: ولدت سنة خمسين [ومائة] [١]. ولا خلاف في وفاته سنة أربع ومائتين فيكون
سنه أربعا وخمسين. والله أعلم.
وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: عن
الزبير بن عبد الواحد، عن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم [وسئل] [٢] عن
القراءة عند رأس الميت؟ فقال:
كان أصحابنا مجتمعين عند رأس الشافعي،
ورجل يقرأ سورة يس فلم ينكر ذلك عليه أحد منهم، وحضروا غسله، فما زالوا وقوفاً
على أرجلهم حتى فرغوا من غسله، ثم حضروا كفنه حتى فرغ منه.
أخبرنا
أبو سعد: أحمد بن محمد المَالِينِي قال: أنبأنا أبو أحمد: [٣] عبد الله ابن عدي
الحافظ قال:
قرأت على قبر محمد بن إدريس الشافعي، بمصر، على لوحين
من حجارة، أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه.
وأخبرنا أبو عبد الله
الحافظ قال: سمعت أبا الفضل بن أبي نصر يقول:
قرأت على قبر الشافعي،
بمصر، في مقابر بني عبد الحكم.
(١) الزيادة من ح.
(٢)
الزيادة من ح.
(٣) في ح: «بن عبد الله».
وقرأت في كتاب
أبي الحسن: محمد بن الحسين العاصمي قال [١]: خرجت إلى زيارة قبر أبي عبد الله:
محمد بن إدريس الشافعي، بمصر إلى مقبرتها، وتسمى «المقطم» في مقبرة القرشيين
بين قبور بني عبد الله بن عبد الحكم. قال: و «المقطم» اسم جبل مطل على المقبرة.
قال: فرأيت قبره مُسَنَّماً مرتفعا من الأرض مقدار شبرين أو أكثر قليلا، وعليه
لوحان منصوبان من رخام: واحد عند رأسه، والآخر عند رجليه، فأما اللوح الذي عند
رجليه فمكتوب فيه نسبته إلى إبراهيم خليل الرحمن، صلوات الله عليه وآله، وأما
الذي عند رأسه فمكتوب فيه حَفْراَ [٢] في الحجر:
بسم الله الرحمن
الرحيم. هذا ما شهد به محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع: أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق
بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، ويشهد أن الجنة حق، وأن
النار حق، وأن الموت حق، وأن الله يبعث من في القبور. على ذلك حيي وعليه مات
وعليه يبعث حيًّا إن شاء الله تعالى. اللهم اغفر له ذنبه، ونورّ له [٣] قبره،
واحشره مع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، واجعله من رفقائه. توفى محمد بن
إدريس، رحمه الله، في رجب من سنة أربع ومائتين.
هذا لفظ حكاية
العاصمي وبمعناه في حكاية أبي الفضل، غير أنه قال في آخره: آمين رب العالمين.
ولم يذكر قوله: إن شاء الله تعالى.
وفي حكاية ابن عدي:
(١)
في ا: «قوله».
(٢) في ح: «نقرا».
(٣) في ح: «ونور له في
قبره».
هذا قبر محمد بن إدريس، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق. لم يذكر ما بينهما وزاد: وأن
صلاته ونسكه ومَحْيَاهُ ومماته لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمر، وهو من
المسلمين، عليه حيى، وعليه مات، وعليه يبعث حيا إن شاء الله. توفى أبو عبد الله
ليوم بقى من رجب سنة أربع ومائتين.
وكأنهم حفظوا ما رأوا عليه
مكتوبا، ثم علقوه بعده فزلّ بعض ألفاظه عن الحفظ. والله أعلم.
قرأت
في كتاب أبي الحسن: محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم: عن الزبير بن عبد
الواحد قال: حدثني أبو عبد الله: محمد بن سعيد البسيري قال: سمعت أبا زكريا -
يعني الأعرج - يقول:
سمعت الربيع يقول: رأيت في المنام أنّ آدم مات،
صلى الله عليه وسلم، ويريدون أن يخرجوا بجنازته فلما أصبحت سألت بعض أهل العلم
عن ذلك فقال: هذا موت أعلم أهل الأرض: إن الله عز وجل علَّم آدم الأسماء كلّها.
فما كان إلا يسيرا حتى مات الشافعي، رحمه الله.
أخبرنا محمد بن عبد
الله الحافظ قال: أخبرنا أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد
بن إدريس قال: حدثنا الربيع بن سليمان المصري قال:
حدثني أبو الليث
الخَفَّاف - وكان مُعَدِّلا [عند القضاة] [١] - قال: أخبرني العزيزي، وكان
متعبدا، قال: رأيت ليلة مات الشافعي في المنام كأنّه يقال: مات النبي، صلى الله
عليه وسلم، في هذه الليلة وكأني رأيته يغسَّل في مجلس عبد الرحمن الزّهري في
المسجد الجامع،
(١) الزيادة من ح وآداب الشافعي ومناقبه ٧٣.
وكأنّه
يقال لي: يخرج به بعد العصر فأصبحت فقيل لي: مات الشافعي، وقيل لي: نخرج به بعد
الجمعة. فقلت: الذي رأيته في المنام. قيل لي: نخرج به بعد العصر. وكأني رأيت في
المنام [١] حين أخرج به كان معه سرير امرأة رثّة السرير. فأرسل أمير مصر أن لا
يُخرج به إلا بعد العصر، فحبس إلى بعد العصر.
قال العزيزي [٢]:
فشهدت جنازته، فلما صرت إلى الموضع الواسع رأيت سريراً مثل سرير تلك المرأة رثة
السرير مع سريره.
ورواه أيضا أبو الحسن العاصمي، عن الزبير بن عبد
الواحد، عن محمد ابن سعيد بن عبد الله، عن أبي علي: الحسين بن حريث القصري، عن
أبي عبد الرحمن العزيزي هذا، قال:
رأيت ليلة مات الشافعي: أني بنعش
وعليه قطيفة، وعليه رجل في أكفانه حتى وضع عند المقصورة، فسمعت قائلا يقول:
الليلة مات، النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحنا أتى بالشافعي على مثل ذلك
النعش، في مثل تلك القطيفة، وفي مثل ذلك الكفن.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن: محمد بن الحسين السّلمي قال: سمعت أبا العباس: الوليد بن محمد الواعظ
الرازي يقول: سمعت ابن أبي حاتم يقول: سمعت محمد بن مسلم بن وارة يقول: لما مات
أبو زرعة الرازي رأيته في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: قال لي الجبار
[سبحانه] [٣]: ألحقوه بأبي عبد الله، وأبي عبد الله، وأبي عبد الله.
(١)
في ح: «في النوم حين خرج به».
(٢) ليست في ح.
(٣)
الزيادة من ح.
الأول: مالك والثاني: الشافعي. والثالث: أحمد بن
حنبل. قدس الله أرواحهم.
وحكاه أيضا إسحاق بن محمد بن يزيد بن
كيسان، عن محمد بن مسلم ابن وارة.
وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي
قال: سمعت عبد الله بن الحسين الورّاق يقول: سمعت معبد [١] بن جمعة يقول: سمعت
أبا زرعة المكي يقول:
سمعت عثمان بن خرزاد، الأنطاكي يقول: رأيت
فيما يرى النائم كأن القيامة قد قامت، وكأن الله قد برز لِفَصْل القضاء، وكأن
الخلائق قد حشروا، وكأن مناديا ينادي من بُطْنَان العَرْش: ألا أدخلوا أبا عبد
الله، وأبا عبد الله، وأبا عبد الله، وأبا عبد الله الجنة. فقلت لملك إلى جنبي:
من هؤلاء؟ قال: أما أولهم فمالك بن أنس، وأما ثانيهم فسفيان الثوري، وثالثهم:
الشافعي، ورابعهم: أحمد بن حنبل. رضي الله عنهم أجمعين.
ورواه أيضا
محمد بن أحمد بن زكريا، عن معبد بن جمعة.
سمعت شيخنا وأستاذنا أبا
عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، رحمه الله، يقول: رأيت أبا الحسن أحمد بن
محمد بن عَبْدُوس الطَرَائفي المحدّث في المنام صبيحة يوم الثلاثاء العاشر من
ربيع الآخر سنة خمسين وثلثمائة، وعليه أثواب بيض، وهو أبيض الرأس واللحية،
يحدّث وبين يديه جماعة يكتبون عنه. فذكر قصة. قال: ثم قلت له: هاهنا مجالس في
الحديث؟ قال: نعم. قلت: أرأيت أبا عبد الله الشافعي؟ فقال: نعم نحن لا ننزف
عنده مجمع القول [٢]. قلت:
(١) في ح: «سعيد» وهو تصحيف.
(٢)
في ا: «القوم».
فمالك بن أنس؟ قال: فوقهم [١] [بدرجات] . قلت: فأبو
عبد الله: أحمد ابن حنبل؟ فقال: أقربهم إلى الله وسيلة. قلت: فأبو بكرنا - يعني
أبا بكر ابن إسحاق الضّبعي - فضحك ثم قال: حسن ظنِّه بالله نجّاه. وذكر
الحكاية.
أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله قال: أخبرني أبو
الفضل بن أبي نصر المعدل قال: حدثني محمد بن حَمْدَان الطَّرَائِفي: أبو عبد
الله الدِّينوري قال: سمعت أبا الحسن الشافعي يقول: رأيت النبي، صلى الله عليه
وسلم، في المنام فقلت: يا رسول الله، بم جُزِيَ الشافعيُّ عندك حيث يقول في
كتاب الرسالة: «وصلى الله على محمد، كلّما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره
الغافلون» [٢] قال: فقال: جُزِيَ عنّي أنه لا يوقف للحساب.
وأخبرنا
أبو عبد الله قال: أنبأنا أبو الطّيّب: عبد الله بن محمد القاضي، قال: حدثنا
محمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا أحمد بن جعفر الكِرْمَاني، قال: حدثنا محمد بن
يحيى البَاهِلِيّ، قال: سمعت عبد الله بن محمد بن يعقوب الهاشمي - وكان صدوق
اللسان - يقول: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، في المنام فقال: الشافعي
المُطَّلبي في الجنة، أو من أهل الجنة.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ
قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: استعار مني عبد الله بن صالح «كتاب
اختلاف الحديث» للشافعي، فأعرته الجزء الأول، ثم غبت مدة ورجعت [٣] وقد توفى
عبد الله بن صالح فرأيته فيما يرى النائم وعليه أثواب بيض، فقال لي: استعرتُ
منك «كتاب اختلاف
(١) في ح: «فوقه» والزيادة من ح.
(٢)
الرسالة ١٦.
(٣) في ح: «فرجعت».
الحديث» للشافعي، رضي
الله عنه وأرضاه، فقلت له: قد أعرتك الجزء الأول فلم ترد علي. ثم قلت له في
المنام: ما تصنع بكتاب الشافعي وليس هو على مذهبكم ولا أنتم على مذهبه؟ فأشار
بإصبعه السَّبَّابة نحو السماء وقال: ليس ثَمَّ أكبر منه.
أخبرنا
محمد بن عبد الله بن محمد قال: حدثني أبو عبد الله: الحسين بن جعفر الورّاق،
ببغداد، قال:
رأيت [١] بمصر على حجر عند رأس قبر الشافعي، رحمه
الله، محفوراً فيه هذين البيتين. وحدثونا أنه قول رجل من أهل العراق من أجِلَّة
الفقهاء، نذر بالعراق أن يخرج إلى مصر ويختم عند قبر الشافعي أربعين ختمة ثم
يرجع. فخرج إلى مصر مُنَاقَلَةً، وختم على قبر الشافعي أربعين ختمة، وحفر هذين
البيتين في الحجر المنصوب على قبره:
قد وَفْينا بنذرنا يا ابن إدريـ
... ـس وزرناك من بلاد العراقِ
وقرأنا عليك ما قد حفظنا ... من كلام
المُهَيْمِنِ الخلَّاقِ
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أنبأنا
أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه، قال: سمعت أبا عمران الأشيب يحكي عن ابن
أخْزَم عن المزني قال: ناحت الجِنُّ ليلة مات الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه.
(١)
في ح: «قرأت».
(م ٢٠ - مناقب الشافعي
باب ذكر أهل الشافعي وأولاده، رحمهم الله
* * *
أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي،
قال: حدثنا عباس بن الحسن قال: حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد الزَّعْفَرَانِي،
قال: حدثنا زكريا بن يحيى السّاجي، قال: حدثني ابن بنت الشافعي قال: سمعت أبي
يقول:
وقع قحط بمكة فخرج الناس إلى البوادي [١] والمَخَالِيف
والمدن، ثم قدموا وقد تزوّجوا فيهم، وقدم الشافعي وقد تزوّج العثمانية بصنعاء،
فجعل الناس يقولون: قدم الناس بخيبة وقدم الشافعي بِدُرّة.
وروينا
فيما تقدم عن أحمد بن محمد عن ابنة الشافعي أنه قال:
كانت امرأة
الشافعي أم ولده: حَمْدة بنت نافع بن عَنْبَسَة بن عمرو بن عثمان. وهو فيما
ذكره زكريا بن يحيى السّاجي، عن ابن ابنة الشافعي، رضي الله عنه.
ومن
أولاده [٢] منها:
أبو عثمان: محمد بن محمد بن إدريس.
وهو
الأكبر من ولده، وكان قاضي مدينة حلب بالشام. قاله أبو الحسن
(١) في
ح: «النوادي».
(٢) في ح: «ومن أولاد الشافعي».
العاصمي
في كتابه، وهو الذي قال له أحمد بن حنبل ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال:
حدثني أبو بكر التَفّال: محمد بن علي الفقيه، قال: حدثنا عبد الله ابن إسحاق
المدائني، قال: حدثنا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، قال: قال لي أبو عثمان
بن الشافعي: قال لي أحمد بن حنبل: إني لأدعو الله في الصلاة - أو في السحر -
لإخواني، أبوك خامسهم.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت
علي بن عمر الحافظ يقول: سمعت أبا بكر النّيْسَابوري يقول: سمعت أبا الحسن
المَيْمُوني - وهو عبد الملك ابن عبد الحميد - يقول: سمعت محمد بن محمد بن
إدريس الشافعي، رضي الله عنه، يقول:
قال لي أحمد بن حنبل: أبوك أحد
الستة الذين أدعو لهم في كل سحر.
وهاتان الحكايتان وغيرهما من
الأخبار تدل على أن أبا عثمان هو: محمد بن محمد بن إدريس، وأنهما واحد.
وبعض
مشايخنا، رحمهم الله، جعلهم ثلاثة: أبو عثمان، ومحمد، وعثمان. فكأنه [١] سقط من
كتابه «أبو» وبقى عثمان في بعض حكاياته.
وقال الشافعي في كتاب
وصيته: «وجعل محمد بن إدريس ولِيّ [٢] ولده بمكة وحيث كانوا: أبا عثمان،
وفاطمة، وزينب بنتي [٣] محمد بن إدريس».
وكان [٤] قد وقع في كتاب
أبي العباس الأصم: «أبي عثمان» بدل «أبا عثمان»
(١) في ح:
«وكأنه».
(٢) في الأم ٤/ ٥١: «ولاء».
(٣) في الأم: «بني
محمد»
(٤) في ح: «فكان»
فمن هاهنا وقع له الغلط في
عثمان، ولا أدرى من أين وقع له الغلط في محمد، وكأنه رآه مذكوراً في بعض
الحكايات بكنيته وفي بعضها باسمه، فظنهما اثنين وقد ذُكِرَ في بعضها [١] بهما
جميعاً: قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، رحمه الله، فيما رواه بإسناده عن عبد
الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران، قال: سمعت محمد بن محمد بن إدريس
الشافعي، رضي الله عنه، أبا عثمان القاضي قال:
قال [لي] أحمد بن
حنبل: أبوك خامس من أدعو له في السَّحَر.
ففي هذه الرواية جمع بين
الاسم والكنية، فارتفع الإشكال. والله يعصمنا من الزلل والخطأ بِمَنِّه
وكرمه.
* * *
وله [٢] ابن آخر يقال له:
أبو
الحسن بن محمد بن إدريس.
توفى الشافعي وهو طفل. وهو من سَرِيَّتِهِ
المسماة «دنانير» المذكورة في «كتاب الوصية والصدقة».
أخبرنا محمد
بن عبد الله بن محمد، قال: أخبرني أحمد بن محمد [بن محمد] [٣] بن مهدي
النوقاني، قال: أنبأنا محمد بن المنذر، قال: أنبأنا محمد بن عبد الله بن عبد
الحكم قال:
سمعت الشافعي يقول: الناس يقولون: ماء الفراق، وما في
الدنيا
(١) في ح: «في بعضهما».
(٢) في ح: «وللشافعي».
(٣)
الزيادة من ح.
مثل ماء مصر للرجال، قد قدمت مصر وأنا مثل الخصي، فما
برحت من مصر حتى ولد لي من جاريتي دنانير «أبو الحسن».
وأخبرنا أبو
عبد الرحمن السلمي، قال: أنبأنا الحسن بن رشيق إجازة، قال: حدثنا محمد بن
رمضان، ومحمد بن يحيى؛ قالا: حدثنا محمد بن عبد الله. فذكره. غير أنه زاد: ما
أتحرك وقال: فما برح من مصر حتى ولد له من جاريته دنانير «أبو الحسن».
*
* *
وللشافعي من امرأته العثمانية ابنتان:
فاطمة
وزينب.
ابنتا محمد بن إدريس. وهما مذكورتان [١] في كتاب الوصية.
و
«زينب» مذكورة فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو تراب
المُذَكِّر، قال: سمعت محمد بن المنذر يقول: سمعت أحمد بن محمد ابن بنت الشافعي
يقول: سمعت أمي [٢] «زينب بنت محمد بن إدريس» تقول: دخلتْ ظِئْرٌ [٣] على
أُمِّي، وأبي نائم، ومعها ابن لها، إذ بكى الصبي، وكان يُهاب أبي هيبة شديدة،
فوضعت يدها على فيه [٤] مخافة أن يستيقظ، وخرجت تُبادِرُ له الباب حتى كاد
الصبي أن يتلف. قالت: فلما استيقظ أبي قالت له، وهي تمزح معه: يا ابن إدريس،
كدت تقتل نفساً هذا اليوم. قال: وما ذاك؟ فأخبرته بالخبر فخاف - أو آلى - أن لا
يقيل زماناً من زمانه أو تطحن الرحا عند رأسه وكان إذا قال أُحضرت
(١)
في ا: «مذكوران».
(٢) في ح: «سمعت ابن».
(٣) الظئر:
المرضعة غير ولدها.
(٤) في ح: «على فمه».
الرحا وطحنت
عند رأسه!
ووراه عبد الرحمن بن أبي حاتم، عن أبي محمد: ابن بنت [١]
الشافعي، عن أمه بمعناه [٢]، غير أنه قال: قالت: فجلست تتحدث مع أمّه
العثمانية. وزاد: وكان الباب بعيداً. وقال: فلما استيقظ الشافعي قالت له أمّي
العثمانية. وزاد: فاحْمَارَّ الشافعي وانتفخ وجعل يقول لها: وكيف كان ذلك
[٣]؟
(١) في ح: «أبي محمد قريب الشافعي».
(٢) آداب
الشافعي ومناقبه ١٠١ - ١٠٢.
(٣) في ح: «ذاك».
باب ذكر من روى عنهم الشافعي من علماء الحجاز واليمن ومصر والعراق
وخراسان
* * *
أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السّلمي
[١]، قال:
سمعت أبا الحسن علي بن عمر الحافظ، ببغداد، يقول:
ذكر
الشيوخ الذين حدّث عنهم الإمام أبو عبد الله: محمد بن إدريس الشافعي، رحمة الله
عليهم.
فمنهم من أهل مكة:
سفيان بن عُيَيْنَة بن عمران
الهلالي.
وعبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مُلَيْكَة.
وعبد
الله بن المؤمل المَخْزُومي المكي.
وعبد الرحمن بن الحسن بن القاسم
الأزْرَقي الغَسّاني.
وإبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي
مَحْذُورة.
وعثمان بن أبي الكِتَاب الخُزَاعي المكّي.
ومحمد
بن علي بن شَافِع.
ومحمد بن أبي العباس بن عثمان بن شَافِع.
(١)
في ح: «أبو عبد الرحمن السلمي».
وإسماعيل بن عبد الله بن
قُسْطَنْطِين للمُقْرِئ.
ومسلم بن خالد الزّنْجِي.
وعبد
الله بن الحارث بن عبد الملك المَخْزُومي.
وحَمَّاد بن طريف.
والفُضَيل
بن عياض.
وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد.
وأبو
صَفْوَان: عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم.
ومحمد
بن عثمان بن صفوان الجُمَحِي.
وسعيد بن سالم القدّاح المكّي.
وداود
بن عبد الرحمن [١] العطار.
ويحيى بن سليم الطائفي.
أهل
المدينة:
مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبَحِي.
وإبراهيم
بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
وعبد العزيز بن محمد
الدراوردي.
وأبو إسماعيل: حاتم بن إسماعيل المزني.
وأنس
بن عِيَاض بن عبد الرحمن اللَّيْثِي.
(١) في ح: «عبد الله»
ومحمد
بن إسماعيل بن أبي فُدَيْك.
وعبد الله بن نافع الصّائغ.
وإبراهيم
بن محمد بن أبي [١] يحيى الأسْلَمِي.
والقاسم بن عبد الله بن عمر
العُمَرِي.
وعبد الرحمن بن زيد بن أَسْلم.
وعطّاف بن
خالد المَخْزُومي.
ومحمد بن عبد الله بن دينار.
ومحمد بن
عمرو بن واقِد الأَسْلمي.
وسليمان بن عمرو.
ومن سائر
البلدان:
هشام بن يوسف الصنعاني.
ومُطَرِّف بن مازن
الصَّنْعَاني.
وأبو حنيفة بن سِمَاك بن الفضل.
ومحمد بن
خالد الجندي.
وأبو حفص: عمرو بن أبي سَلَمة.
وأيوب بن
سَوِيد الرَّمْلي.
ويحيى بن حسان التّنّيسي.
وأبو أسامة:
حماد بن أسامة الكوفي.
ومروان بن معاوية الفزاري.
(١)
ليست في ح.
وأبو معاوية الضّرير.
ووَكيع بن الجراح.
ومحمد
بن الحسن الشَّيْبَاني الكوفي.
وعبد الوهاب بن عبد المجيد
الثّقَفي.
وإسماعيل بن إبراهيم بن عُليّة البصري.
ويوسف
بن خالد التيمي [١] البصري.
وعمر بن جبير القاضي.
وأبو
قطن: عمرو بن الهيثم بن قطن القطني [٢] البصري.
وسعيد بن مَسلمة [٣]
بن هشام بن عبد الملك بن مروان.
وسعيد بن سلمة الكَلْبي - إن كان
محفوظا.
قلت: هو سعيد بن سلمة [٤] بن أبي الحسام، فيما ذكره أبو
الحسين بن المظفر الحافظ، عن الطحاوي، عن المزني، عن الشافعي، في حكاية ذكرها
عنه جعفر بن محمد.
قال أبو الحسن الدارقطني: وأبو سعد: معاذ بن موسى
الجعفري. خراساني.
وعبد الكريم بن محمد الجُرْجَاني.
قال
أحمد: وقد روى الشافعي أيضًا عن علي بن ظبيان الجنبي.
(١) في ا:
«السمني».
(٢) في ح: «القطني». [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة
«القطعي»، ثم صححت في فهرس التصويبات ٢/ ٤٧١ إلى: «القطني» كما في ح]
(٣)
في ح: «سلمة».
(٤) في ح: «محفوظا ويحيى بن سعيد بن سلمة».
وروى
عن محمد بن خالد.
وعبد الله بن عمرو بن مسلم، في الجزية [١]
وعن
محمد بن الحسن بن الماجشون، وجماعة من فقهاء أهل المدينة، فيما ذكره شيخنا أبو
عبد الله الحافظ قصه في المواريث.
وروى عن عبد الله بن المبارك
حديثاً في التعوذ من النحل.
وروى عن رجل يقال له: أبو عبد الله
الخراساني.
وروى عن الثقة من أصحابه. يقال: هو أبو علي: الحسين بن
علي الكَرَابِيسِي.
وقد يروى عن الشقة فيريد به أحمد بن حنبل.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسين [٢]، قال: أخبرنا عبد
الرحمن بن أبي حاتم، قال: أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي، وذكر
الشافعي، فقال: ما استفاد منا أكثر مما استفدنا منه [٣].
قال عبد
الله: كلّ شيء في كتاب الشافعي: حدثني الثقة عن هشيم وغيره - فهو أبي.
وأخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد الرحمن السلمي؛ قالا: سمعنا أبا العباس: محمد بن
يعقوب يقول:
(١) ذكرها البيهقي في السنن الكبرى ٩/ ١٩٤ بسنده عن
الشافعي قال: فسألت محمد ابن خالد، وعبد الله بن عمرو بن مسلم وعدداً من علماء
أهل اليمن، فكلهم حكى لي عن عدد مضوا قبلهم - كلهم ثقة - أن صلح النبي صلى الله
عليه وسلم لهم كان لأهل ذمة اليمن على دينار كل سنة ... الخ.
(٢) في
ا: «الحسن».
(٣) آداب الشافعي ٩٦.
سمعت الربيع بن سليمان
يقول: إذا قال الشافعي: أخبرني الثقة. يريد به يحيى بن حسّان.
وإذا
قال: أخبرنا من لا أتّهم. يريد به إبراهيم بن أبي يحيى.
وإذا قال:
بعض الناس. يريد به أهل العراق.
وإذا قال: بعض أصحابنا. يريد به أهل
الحجاز.
قلت: وقد قال الشافعي: أخبرنا الثقة عن معمر، والمراد به:
«إسماعيل بن عُلَيّة» لتسميته إياه في موضع آخر وقال: أخبرنا الثقة، عن الوليد
بن كثير، والمراد به: أبو اسامة، أو [١] من رواه له عن أبي أسامة. فالحديث
ينفرد به أبو أسامة، «(٢ عن الوليد ٢)».
وقال: أخبرنا الثقة، عن
هشام بن عروة في حديث إفاضة أم سَلمَة ليلة المُزْدَلِفَة، والمراد به: أبو
معاوية، أو من رواه له [٣] عنه. فالحديث ينفرد بوصله أبو معاوية.
وقال
في هذا الحديث مرة أخرى: أخبرني من أثق به من المَشْرِقِيِّين [٤] عن هشام بن
عروة. وأهل الحجاز يسمون العراقيين المشرقيين.
وقد قال في موضع آخر:
أخبرنا الثقة. ولا يوقف على مراده به إلا بظن غير مقرون بعلم.
(١)
في ا: «ومن رواه».
(٢) ما بين الرقمين ليس في ح.
(٣) من
ح.
(٤) في ترتيب مسند الشافعي ١/ ٣٥٧ - ٣٥٨: أخبرنا الشافعي، عن
داود بن عبد الرحمن العطار، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن هشام بن عروة،
عن أبيه، قال: دار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة يوم النحر، فأمرها
أن تعجل بالإفاضة من جمع حتى تأتي مكة فتصلي بها الصبح، وكان يومها، فأحب أن
توافيه» ثم قال الشافعي:
أخبرنا من أثق به من المشرقيين، عن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وقد
تكلم شيخنا أبو عبد الله الحافظ، رحمه الله، في تخريجه على ما أَدَّى إليه
اجتهاده. ولم تبِن لي حقيقة ذلك فتركت نقله.
وكان الشافعي، رحمه
الله، يقول: لا تحدِّث عن حيّ؛ فإن الحي لا يؤمن عليه النسيان. فيحتمل أنه كان
يحتاط لنفسه فلا يسمّى من يحدّث عنه وهو حي؛ لهذا المعنى أو غيره.
*
* *
والذي لا بد من معرفته أن تعلم أنه لم يحدث عن ثقة عنده لم يوجد
ذلك الحديث عند ثقة معروف باسمه وحاله، فالحجة قائمة برواية المعروف الثقة
ولذلك كان لا يُطَالِبُ بتسميته الثقة عنده، ويكتفي بشهرته فيما بين أهل العلم
بالحديث.
وكانوا في القديم يأخذون الحديث أكثره حفظاً ثم يُعلِّقونه
[١].
وحين صنّف الشافعي الكتب الجديدة بمصر لم يكن معه أكثر كتبه،
كذلك حين صنّف الكتب القديمة بالعراق، لم يكن معه أكثر كتبه، فربما كان يشك
فيمن حدّثه، ولا يشك في ثقته، فيقول: أخبرنا الثقة.
ومثال ذلك أنه
قال في «كتاب قسم الصدقات»: أخبرنا وكيع بن الجراح [(٢ عن زكريا بن إسحاق. فذكر
حديث معاذ بن جبل. وقال في «كتاب فرض الزكاة»: أخبرنا وكيع بن الجرّاح ٢)] . أو
ثقة غيره، أو هما عن زكريا ابن إسحاق. فحين صنّف «كتاب قسم الصدقات» لم يشك
فرواه عن وكيع وحين صنف «كتاب فرض الزكاة» شك فيه فأخرجه مخرج الشك.
(١)
في ا: «يتلقونه».
(٢) ما بين الرقمين سقط من ا.
وقال في
موضع آخر: أخبرنا الثقة. يريد به وكيعاً، أو ثقة غيره أو هما. والحديث مشهور عن
وكيع وعن [١] غيره، عن زكريا بن إسحاق، فلا يضره شكه فيمن حدثه. والله اعلم.
*
* *
قال أحمد: وللشافعي فيما صنع من ذلك سَلفُ صدْق وخلَف حق: هذا
نجم العلماء «مالك بن أنس» رحمه الله، روى في «الموطأ» في كتاب الزكاة: عن
الثقة عنده، عن سليمان بن يَسَار، وعن بسر بن سعيد: أن رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، قال: «فيما سقت السماء والعيون والبعل [٢] العشر، وفيما سقى بالنضْح
نصف العشر» [٣].
وقال في كتاب البيوع: بلغني عن عمرو بن شعيب. وفي
رواية أبي مصعب: عن مالك، عن الثقة [عنده] [٤] عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن
جده، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في النهي عن بيع العربان [٥].
ومن
نظر في كتاب «الموطأ» وكتاب «ابن عيينة» وغيره من العلماء أبصر من
(١)
ليست في ا.
(٢) في ح: «والسبل».
(٣) الموطأ ١/ ٢٧٠
والسنن الكبرى ٤/ ١٣٠ عن الشافعي في كتاب القديم عن مالك، وذكر البيهقي عقب هذا
أن الشافعي قال في الجديد يوصل هذا الحديث عن سليمان بن يسار وبسر بن سعيد عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولا.
(٤) من الموطأ.
(٥)
العربان: هو أن يشتري السلعة ويدفع إلى صاحبها شيئا على أنه إن أمضى البيع حسب
من الثمن، وإن لم يمض البيع كان لصاحب السلعة ولم يرتجعه المشتري. وهو عربان
وعربون. راجع النهاية ٣/ ٧٨.
والحديث أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٦٠٩،
وأحمد في المسند ١١/ ١٣ - ١٥، وابن عبد البر في التقصي ص ٢٤٢، وأبو داود في
السنن: كتاب البيوع: باب العربان ٣/ ٣٨٤ وابن ماجه في السنن: كتاب التجارات:
باب العربان ٢/ ٧٣٨.
أمثال هذا ما يدلُه على أنّ الشافعيّ، رحمه
الله، في كتابه عمن روى دون تسميته في بعض ما رواه - متبعٌ غير مبتدع.
وهذان
صاحبا الصحيح: محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجّاج رحمهما الله، صنّفا
[١] أمثال ذلك مع اشتهارها بترك الاحتجاج بالمَرَاسيل.
قال البخاري
في مواضع من كتابه: «وقال الليث، وقال الأوزاعي، وقال فلان» لعالم سمَّاه دون
ذِكْرِ مَن سمعه عنه ممن رواه عنه. وروى في موضع [٢] من كتابه: «عن محمد» غير
منسوب. وعن يزيد [٣] غير منسوب. وعن عبد الله غير منسوب. وعن عبد الرحمن غير
منسوب. [وعن أحمد غير منسوب، وعن إسحاق غير منسوب. وعن الحسن غير منسوب] [٤]
وعن يعقوب غير منسوب [٥].
وقال مسلم بن الحجاج في كتاب الطهارة:
«وقال الليث بن سعد: حدثني جعفر بن ربيعة، عن الأعْرج، عن عُمَير [٦]» فذكر
حديث أبي الجَهْم في التيمم [٧].
وقال في كتاب الصلاة [٨]: «حدثْتُ
عن يحيى بن حسان ويونس بن محمد، قالا: حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن عُمارة بن
القَعْقاع، عن أبي زُرْعة، عن
(١) في ح: «صنعا».
(٢) في
ح: «مواضع».
(٣) في ح: «زيد».
(٤) ما بين القوسين من
ح.
(٥) راجع هدى الساري ص ٢٣٦.
(٦) في ا: «عمر» وهو
خطأ.
(٧) يعني بذلك ما رواه مسلم في صحيحه كتاب الحيض: باب التيمم
١/ ٢٨١ قال: وروى الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن
عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار - مولى
ميمونة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي الجهم بن الحارث بن
الصمة الأنصاري. فقال أبو الجهم: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر
جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، حتى أقبل
على الجدار فمسح يديه ثم رد السلام.
(٨) في ا: «الطهارة».
أبي
هريرة» في نهوض النبي، صلى الله عليه وسلم، من الركعة الثانية [١].
وقال
في كتاب المُزَارَعَة: «حدثني غير واحد من أصحابنا قالوا: حدثنا إسماعيل بن أبي
أُوَيْس قال: حدثني أخي، عن سليمان، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الرجال، عن
عَمْرة، عن عائشة: سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صوت خُصُومٍ بالباب
[٢].
وقال في البيوع: «حدثني أصحابنا، عن عوف بن عون، عن خالد بن
عبد الله، عن عمرو بن يحيى، عن محمد بن عمرو، عن سعيد بن المسيّب، عن معمر. في
الاحْتِكَار [٣].
وقال في الفضائل: حُدِّثْتُ [٤] عن أبي أسامة.
وممن روى ذلك عنه إبراهيم ابن سعيد الجوهري، عن بريد بن أبي بردة، عن أبي موسى،
عن النبي، صلى الله عليه وسلم: أنّ الله إذا أراد رحمة أمّة من عباده قبض نبيها
قبْلَها. الحديث [٥].
(١) صحيح مسلم: ١/ ٤١٩ باب ما يقال بين تكبيرة
الإحرام والقراءة.
(٢) مسلم في كتاب المساقاة: باب استحباب الوضع من
الدين ٣/ ١١٩١ - ١١٩٢ من حديث عائشة قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
صوت خصوم بالباب عالية أصواتها، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء وهو
يقول: والله لا أفعل. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما فقال: أين
المتألى على الله لا يفعل المعروف؟ قال: أنا يا رسول الله! فله أي ذلك أحب».
(٣)
حديث معمر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحتكر إلا
خاطئ» أخرجه مسلم في كتاب المساقاة: باب تحريم الاحتكار في الأقوات ٣/ ١٢٣٧ -
١٢٣٨ من طرق.
(٤) في ا: «حديث» وهو تصحيف.
(٥) تمامه:
فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي، فأهلكها
وهو ينظر، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره».
مسلم في كتاب
الفضائل: باب إذا أراد الله تعالى رحمة أمة قبض نبيها قبلها ٤/ ١٧٩١ - ١٧٩٢.
وإنما
صنعا ذلك - والله أعلم - لعلمهما باشتهار الحديث برواية ثقة أو ثقات سوى من
كتبا عنه بسبب من الأسباب: إما لأنه لم يكن من شرطهما، أو كان حيًّا في وقت
روايتهما عنه؛ فلم يسمياه أو لم ينسباه، أو لغير ذلك من المعاني. واعتمدا على
اشتهار الحديث برواية غير مَنْ كَتَبا عنه. كذلك الشافعي، رحمه الله، هكذا صنع.
والله أعلم.
ولهذا المعنى توسّع من توسّع في السماع عن بعض محدِّثي
زماننا هذا، الذين لا يحفظون حديثهم، ولا يحسنون قراءته من كتبهم، ولا يعرفون
ما يقرأ عليهم، بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم. وهو أنّ الأحاديث
التي قد صحَّت أو وقعت [١] بين الصحة والسقم - وقد دُوِّنت وكتبت في الجوامع
التي جمعها أئمة أهل اعلم بالحديث، ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم، وإن
جاز أن تذهب على بعضهم؛ لضمان صاحب الشريعة حِفْظَها، فمن جاء اليوم بحديث لا
يوجد عند جميعهم، لم يقبل منه، ومن جاء بحديث هو معروف عندهم، فالذي يرويه
اليوم لا ينفرد بروايته، والحجة قائمة بحديثه برواية غيره، والقصد من روايته
والسماع منه أن يصير الحديث مُسَلْسَلاً بحدّثنا أو بأخبرنا. وتبقى هذه الكرامة
التي اختصت [٢] بها هذه الأمة إلى يوم القيامة شَرَفاً لنبينا المصطفى، صلى
الله عليه وسلم، كثيراً.
* * *
والذي ينبغي ذكره ها هنا:
أن الحديث في الابتداء كانوا يأخذونه من لفظ المحدِّث حفظاً، ثم كتبه بعضهم
احتياطاً، ثم قام بجمعه، ومعرفة رواته، والتمييز بين صحيحه وسقيمه - جماعةٌ لم
يخفّ عليهم إتقان المتقنين من رواته
(١) في ح: «وقفت».
(٢)
في ا: «خصت».
(م ٢١ - مناقب جـ ٢)
ولا خطأ من أخطأ منهم
في روايته، حتى لو زِيْدَ في حديث حرفٌ أو نقص منه شيء، أو غُير منه لفظ يغير
المعنى - وقفوا عليه وتَبَيَّنُوه [١]، ودوَّنوه في تواريخهم؛ حتى تَرك أوائِلُ
هذه الأمة أَواخرَها - بحمد الله - على الوَاضِحَة. فمن سلك في كلّ نوع من
أنواع العلوم سبيلَهم، واقتدى بهم - صار على بَيِّنه من دينه. نسأل الله
التوفيق والعصمة بفضله ومنّه.
* * *
واحتج بعض العراقيين
على الشافعي بأن «مذهب أبي حنيفة» مبني على قول عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن
مسعود، رضي الله عنهما، فأخرج من كتب أهل الحديث من أقاويلهما ما يخالفه أبو
حنيفة من غير سماع منه لبعض ما أخرجه. وكذلك في «كتاب السِّيَر» الذي رواه أبو
عبد الرحمن البغدادي عنه، احتاج إلى أحاديث لم تكن في مسموعاته، أو وجدها في
مسموع غيره أتمَّ مَتْنًا، أو بإسناد أقوى [٢] مما كان عنده - فأوردها مستشهداً
بها من غير سماع منه لما ذكره، ولا ذكر أخبرنا ولا حدثنا ولا أنبأنا ولا سمعت،
في شيء من ذلك إلا أن يروِي خلال ذلك عن شيخ له ما سمعه منه، فحينئذ يذكر فيه
سماعه. وربما يجمع في حديث سمعه من شيخ له بينه وبين شيخ لم يسمع منه، ولا يذكر
فيه سماعه ألبتة لا من شيخه ولا من غيره. فنظر الشيخ «أبو الحسن: علي بن عمر
الدارقطني الحافظ» رحمه الله في بعض هذه الكتب فتوهّم أن بعض أولئك الشيوخ من
شيوخ الشافعي الذين سمع منهم فعدَّهم - في روايتنا عن شيخنا أبي عبد الرحمن
السلمي عنه - في جملة شيوخ الشافعي، رحمه الله.
وليس الأمر على ما
توهَّم.
وقد يقول في تلك الكتب: الأعمش عن إبراهيم، وإسماعيل عن
الشعبي
(١) في ح: «وبينوه».
(٢) في ا: «قوى».
وسعيد
بن أبي معشر، وشعبة عن الأعمش وغيره، وسفيان - يعني الثوري - عن أبي إسحاق
وغيره، وحماد بن سلمة عن سماك وغيره، والليث بن سعد عن عقيل.
ومعلوم
أنه لم يسمع من واحد منهم، وإنما هو «بلاغ» بلغه عنهم، فكذلك روايته في هذا
الكتاب عن يحيى بن سعيد القطّان، وعبد الرحمن ابن مهدي، ومحمد بن عبيد، وعباد
بن العوّام، ومحمد بن يزيد، ويزيد ابن هارون، وعبد الله بن إدريس، وهشيم بن
بشير، وإسحاق بن يوسف الأزرق وغيرهم - «بلاغ» بلغه عنهم لا سماع. فإن ذكر فيه
حديثا [١] عن شيخ له قد سمعه منه قال: أخبرنا مالك، أو أخبرنا سفيان، أو أخبرنا
ابن علية أو أخبرنا سعيد بن سالم، أو أخبرنا الزنجي بن خالد، أو غيرهم.
وإن
ذكر فيه حديثا عن شيخ له لم يسمعه منه، أو سمعه منه بلفظ آخر لم يذكر فيه
سماعه.
وكلّ ذلك إتقان منه، واحتياط لدينه فيما رواه أو حكاه. والله
يغفر لنا وله برحمته.
(١) في ا: «ذكره فيه حدثنا».
باب [١] ذكر أصحاب الشافعي، رحمه الله، الذين حملوا عنه العلم أو رووا عنه
حديثاً، أو حكوا عنه حكاية
* * *
أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين بن محمد
بن موسى السلمي فيما قرأت عليه قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله الديبلي يقول:
سمعت أبا المنذر [٢] بن سهل بن عبد الصمد الرّقي يقول:
سمعت داود بن
علي يقول:
اجتمع للشافعي، رحمه الله، من الفضائل ما لم تجتمع
لغيره:
فأول ذلك: شرف نسبه [٣] ومنصبه، وأنه من رهط النبي، صلى الله
عليه وسلم.
ومنها: صحة الدين وسلامة الاعتقاد من الأهواء والبدع.
ومنها:
سخاوة النفس.
ومنها: معرفته بصحة الحديث وسقمه.
ومنها:
معرفته بناسخ الحديث ومنسوخه.
(١) في هامش ا: أول السابع عشر من
أجزاء المصنف، سمع على القاضي أبي عبد الله عنه.
(٢) في ح: «أبا
المنيرة سهل».
(٣) في ح: «نفسه».
ومنها: حفظه لكتاب
الله، وحفظه لأخبار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومعرفته بسير النبي، صلى
الله عليه وسلم، وسير خلفائه.
ومنها: كشفه لتمويه مخالفيه.
ومنها:
تأليفه الكتب القديمة والجديدة.
ومنها: ما اتفق له من الأصحاب
والتلامذة، مثل أبي عبد الله: أحمد بن حنبل في زهده وعلمه وورعه وإقامته على
السنة، ومثل سليمان بن داود الهاشمي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، والحسين
الفلاس، وأبي ثور: إبراهيم [١] بن خالد الكلبي، والحسن بن محمد الصباح
الزعفراني، وأبي يعقوب: يوسف بن يحيى البويطي، وحرملة بن يحيى التجيبي، والربيع
بن سليمان المرادي، وأبي الوليد: موسى بن أبي الجارود، والحارث بن سريج النقال،
وأحمد بن خالد الخلال، والقائم بمذهبه، أبو إبراهيم: إسماعيل بن يحيى
المزني.
ولم يتفق لأحد من العلماء والفقهاء من الأصحاب ما اتفق له،
رحمة الله عليه وعليهم أجمعين [٢].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال:
أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال:
سمعت
داود بن علي يقول: ومن الذين اتفق للشافعي من الأصحاب والذابّين عنه والمنتحلين
بالانتساب إليه: سيد أهل الحديث في عصره، الذي لا يختلف في فضله وعلمه موافق
ولا مخالف منصف: «أحمد بن حنبل» وكان
(١) في ح: «وإبراهيم».
(٢)
في ا: «أجمعين جميعا».
أجلّ [١] تلامذته [٢]، وأكثر الناس ملازمة
له، وأخصهم لمن استخصه على ملازمته، وكان يأمر أن تكتب كتبه، ويسرُّ بمجالسته،
ويذبّ عنه، ويدعو إليه وإلى مجالسته إخوانَه، ويخبر أنه ما رأى مثله. وقد حكى
عنه وروى عنه، رحمة الله ورضوانه عليهما [٣].
قال [٤]:
ومنهم
«سليمان بن داود الهاشمي» في الحضّ عليه، والدعاء إليه، وإلى مقالته، وأحد
الحاكين عنه، والذابّين عن قوله. أخبرني بذلك أبو ثور عنه.
قال
داود: وكذلك «عبد الله بن الزبير الحميدي» بعد نفوره: كان يذبّ عنه، وينتحل
مذهبه، وكتب أكثر كتبه.
قال: ومن تلامذته [٥] المنسوبين إليه:
«الحسين بن الفلاس» [٦] وكان من عِلْية [٧] أهل الحديث وحفاظهم له ولمقالة
الشافعي. أخبرني بذلك أبو ثور وأبو علي: الحسين بن محمد.
قال داود:
ومن المشهورين به الذي لا يجهل «أبو ثور: إبراهيم بن خالد الكلبي» زاد في غير
رواية شيخنا: والحسين بن علي والحسن بن محمد الزعفراني
قال في رواية
شيخنا:
ومنهم «أحمد بن خالد الخلال» وكان من أهل الحديث. وممن
يعرف
(١) في ا: «أحد».
(٢) في ح: (تلاميذه».
(٣)
في ا: «عليه».
(٤) من ح.
(٥) في ح: «تلاميذه».
(٦)
في ح: «القلانسي».
(٧) في ح: «علماء».
بالدين والأمانة
والورع وانتحال مذهب الشافعي.
قال [١]: ومنهم «أبو عبد الرحمن
الشافعي» وكان في حال انتحاله لمذهبه وذبّه عن قوله - ريحانة أهل الحديث وأحد
النُّسَّاك والحفّاظ للحديث وقبوله حتى صار إلى ما سبق من علم الله فيه.
قال:
ومنهم «حرملة بن يحيى التجيبي» وكان أحد المتقدمين من أصحاب الشافعي وممن [٢]
ينسب إلى الشافعي، منه سمع وعنه اقتبس.
قال: ومنهم «أبو يعقوب: يوسف
بن يحيى البويطي» ومكانه من العلم مكانه، وكان أحد من أريد على ترك دينه وأوذى
[٣] في الله، وحمل في الأقياد من مصر، واغترب عن أهله وطال في السجن حبسه،
ممتنعاً مما أريد منه من القول بخلق القرآن، صابراً على الأذى في الله عز وجل،
حتى مات في أقياده محبوساً ثابتاً على دينه، غير مجيب إلى ما أريد منه مما قد
سارع إليه أكثر مخالفيه من متفقهة عصره، رحمة الله عليه ورضوانه.
قال:
ومنهم «الربيع بن سليمان المرادي» الذي لا تعلم الرحال تشد من شرق [٤] إلى غرب
في طلب العلم - يعني في عصره - إلا إليه، وإنما يقصد القاصدون إليه؛ ليعرفوا
مقالة الشافعي، رضي الله عنه.
قال: ومنهم «أبو الوليد: موسى ابن أبي
الجارود المكي» وكان مفتي أهل مكة، وممن [٥] يعترف له بالدين والأمانة والورع
والحفظ لمقالة الشافعي، رضي الله عنه.
(١) من ح.
(٢) في
ا: «ومن».
(٣) في ح: «اوذى».
(٤) في ح: «الذي لا يعلم
الرجال بشراً يقصد من شرق ...».
(٥) في ا: «ومن».
زاد في
غير رواية شيخنا: ومنهم «أبو إبراهيم: إسماعيل بن يحيى المزني» أحد نظار أصحابه
لا يدفعه عن ذلك منهم دافع مع اعتراف أكثر مخالفيه له بذلك.
قال في
رواية شيخنا: ومنهم «الحارث بن سريج النقال» وكان أحد المعدودين من طلبة
الآثار.
قال داود: وكان «القاسم بن سلام» أحد المقتبسين [١] من كتب
الشافعي وقد كان ابتدأ في كتاب المناسك، فحكى فيه عن الشافعي، رضي الله عنه.
رأيته في كتاب بخط يده.
قال داود: وكان أحد أتباع الشافعي
والمقتبسين منه والمعترفين بفضله: «عبد العزيز بن يحيى الكناني»: طالت صحبته
واتباعه له وخرج معه إلى اليمن. وآثار الشافعي في كتاب عبد العزيز المكي بينة
عن ذكره الخصوص والعموم والبيان. كل ذلك مأخوذ من كتب المُطَّلبي. رحمة الله
عليه.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت علي بن أحمد بن واصل
يقول: سمعت محمد بن إبراهيم الشافعي يقول: سمعت إبراهيم بن إسحاق يقول: في
مسألة: قال أستاذ الأستاذَين قالوا: ومن هو؟ قال: الشافعي. أليس هو أستاذ أحمد
بن حنبل وأبو ثور؟!
* * *
أخبرنا أبو عبد الله: الحسين
بن محمد بن الحسين الدينوري قال: حدثنا الفضل ابن الفضل الكندي قال: حدثنا
زكريا بن يحيى الساجي قال:
قلت «لأبي داود السجستاني: سليمان بن
الأشعث»: مَنْ أصحاب الشافعي؟
(١) في ا: «المنتقين».
قال:
أولهم: عبد الله بن الزبير الحميْدي، وأحمد بن حنبل، ويوسف بن يحيى: أبو يعقوب
البويطي، والربيع بن سليمان، وأبو ثور: إبراهيم بن خالد، وأبو الوليد بن أبي
الجارود المكي، والحسن بن محمد الزعفراني، والحسين بن علي الكرابيسي، وإسماعيل
بن يحيى المزني، وحرملة بن يحيى، ورجل ليس بالمحمود: أبو عبد الرحمن: أحمد بن
يحيى الذي قال له الشافعي؛ وذلك أنه بَدَّل وقال بالاعتزال.
هؤلاء
ممن تكلم في العلم وعرفوا به من أصحابه.
أخبرنا [١] أبو عبد الرحمن:
محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت الإمام [٢] «علي بن عمر الحافظ» الدارقطني [٣]
ببغداد، وذكر أسامي [٤] من روى عن الشافعي فقال: روى عنه: أبو عبد الله: أحمد
بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد، وأحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي، وأحمد بن
محمد بن سعيد الصيرفي البغدادي، وأبو طاهر: أحمد بن عمرو بن السرح المصري،
وأحمد بن سعيد بن بشر الهمذاني، وأحمد بن الصباح بن أبي سريج الرازي، وأحمد [بن
محمد] [٥] بن الحجاج المروروذي صاحب أحمد بن حنبل، وأحمد بن سنان بن أسد
الواسطي، وأحمد بن عبد الله بن قنبل المكي، وأحمد بن خالد البغدادي ثقة، وأحمد
بن يحيى بن الوزير المصري، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب، وأحمد بن صالح المصري،
وأحمد بن محمد الأموي، وأحمد بن أبي بكر، وأبو ثور: إبراهيم بن خالد الكلبي،
وإبراهيم بن عيسى بن أبي أيوب المصري، وإبراهيم بن
(١) في ح: كان
بدء الباب بهذا.
(٢) من ح.
(٣) من ح.
(٤) في
ا: «السلمي».
(٥) من ح.
هرم القرشي المصري، وإبراهيم بن
عبيد الله [١] الحجبي، وإسماعيل بن يحيى المزني، وإبراهيم بن المنذر الحزامي،
وأحمد بن أبي موسى، وإسحاق بن عيسى ابن الطباع، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي،
وإسحاق بن بهلول الأنباري، وإسحاق بن صغير [٢] العطار، وإدريس بن يوسف
المخزومي، وأيوب بن سويد الرملي، وأبو عبد الرحمن: أحمد [٣] بن يحيى الشافعي
المتكلم البغدادي، وأسد بن سعيد بن كثير بن عفير، وبحر بن نصر بن سابق
الخولاني، وبشر ابن غياث المريسي، والحسن بن محمد بن [٤] الصباح الزعفراني،
والحسن بن عبد العزيز الجروي، والحسن بن إدريس الخولاني [٥]، والحسن بن عثمان:
أبو حسان الزيادي البغدادي، والحسين بن علي الكرابيسي البغدادي، وحسين القلاس
الفقيه، وحسين بن عبد السلام: الشاعر الملقب بالجمل، والحارث ابن سريج النقّال
[٦] وحامد بن يحيى البلخي، وحرملة بن يحيى بن الحارث ابن مسكين، وخالد بن نزار
الأيلي، وداود بن أبي صالح مصري، والربيع ابن سليمان المؤذن المرادي، والحسن
[٧] بن أبي الربيع الجرجاني، وزينب بنت محمد بن إدريس، وزكريا بن يحيى الوقاد،
وسفيان بن عيينة عنه، وسعيد بن كثير بن عفير، وسعيد بن موسى بن أسد السنة،
وسعيد بن عيسى بن تليد [٨] الرعيني المصري، وسليمان بن داود المهري، وسليمان بن
عبد العزيز ابن أبي ثابت الزهري، وسليمان بن داود بن علي بن عبد الله بن
عباس
(١) في ا: «عبد الله».
(٢) في ا: «صعب».
(٣)
في ح: «محمد» وهو خطأ. انظر التوالي ٧٩.
(٤) من ح، والتوالي ٨٠.
(٥)
في ا: «الحلواني» وما أثبتناه عن ح في التوالي ٨٠.
(٦) في ح:
«الجمال» وفي هـ: «القفال» وانظر التوالي ٨٠.
(٧) في ح: «الحسين»
وهو خطأ. راجع التوالي ٨٠.
(٨) في ح: «ابن خليل» وهو خطأ، وقد ضبطه
صاحب التوالي بالتاء المثناة ص ٨٠.
وسليمان [١] بن داود الشاذكوني
[٢]، وسفيان بن محمد المسعودي، وسهل بن محمد أبو حاتم السجستاني، وصالح بن أبي
صالح كاتب الليث، وعبد الله بن عبد الحكم ابن أعين، وعبد الله بن الزبير
الحميدي، وعبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان ابن شافع ابن عمه، وعبد الله بن
محمد البلوي، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرحمن ابن عبد الله بن سوار العنبري،
وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، وعبيد الله بن محمد بن هارون الفريابي،
وعبيد الله أو عبد الله بن عبد الخالق المهري المصري وعبد الملك ابن قريب
الأصمعي، وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشوني، وعبد الملك بن هشام المصري، وعبد
الغني بن عبد العزيز المصري، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص وعبد العزيز ابن
يحيى المكي، وعبد الحميد بن الوليد بن المغيرة: أبو زيد النحوي المصري، وعلي بن
عبد الله بن جعفر المديني، وعلي بن معبد بن شداد العبدي، وعلي بن مسلم الثقفي
[٣]، وعلي بن سليمان الأخميمي، وعمرو بن خالد الحراني، وعمرو بن سواد السرجي،
وقتيبة بن سعيد البلخي، والقاسم بن سلام، وأبو عبيد: قحزم بن عبد الله بن قحزم
والليث بن عاصم القتباني، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ومحمد بن يحيى بن
أبي عمر، ومحمد بن سعيد بن غالب العطار البغدادي، ومحمد بن عبد الله المخزومي،
ومحمد بن سعيد بن الحكم بن أبي مريم، ومحمد بن أبي بكر المصري، ومحمد ابن أحمد
المصري، ومحمد بن خلف العسقلاني، ومحمد بن نافع مصري، ومحمد ابن الوزير المصري،
ومحمد بن مهاجر أخو حنيف بغدادي، ومحمد بن محمد بن إدريس ابنه، ومحمد بن عبد
الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع ابن عمه، ومحمد بن عبد العزيز
الواسطي، وموسى بن أبي الجارود المكي، ومسعود بن
(١) في ا: «ابن
سلمان» وهو خطأ.
(٢) قال في التوالي ص ٨٠: «أحد الحفاظ وهو ممن
ضعف».
(٣) في ا: «سالم الليثي» وفي ح: «ابن سلمة الثقفي».
سهل
الأسود المصري، ومصعب بن عبد الله الزبيري [١]، ومحمد بن أبي يعقوب الدينوري،
ومحفوظ بن أبي توبة، ومسلم بن خالد الزنجي، ونمير بن سعيد مصري ووهب الله بن
رزق مصري، وهارون بن سعيد الأيلي وهارون بن محمد السعدي ويونس بن عبد الأعلى
الصدفي، ويوسف بن عمرو بن يزيد المصري، ويوسف ابن يحيى البويطي، ويحيى بن سعيد
القطان البصري، ويحيى بن عبد الله [٢] الخثعمي. ويحيى بن معين البغدادي، ويحيى
بن أكثم القاضي، وأبو شعيب المصري وأبو مروان بن أبي الخصيب رجل من أهل مصر
يلقب بسرج الغول، وابن بنت عفراء المكي المقدمي غير مسمى.
هذه جملة
من روى عن الشافعي كلامه وحكاياته وأخباره وأحاديثه.
قلت المقدمي:
هو: محمد بن أبي بكر، حكى مناظرة الشافعي مع محمد ابن الحسن بالرقة. وإنما أراد
برواية [٣] ابن عيينة عن الشافعي - فيما أظن - معنى حديث رسول [٤] الله صلى
الله عليه وسلم «أقروا الطير في مكانتها» ففي حكاية محمد بن مهاجر: فسمعت سفيان
بن عيينة بعد ذلك - أي بعدما سأل الشافعي عن معناه وجوابه [٥] إياه - يسأل عن
تفسيره، فكان تفسيره على نحو ما قال الشافعي وقد قدمنا ذكرها.
* *
*
وذكر شيخنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، رحمه الله،
أصحاب
(١) في ح: «الزهري».
(٢) في ا: «عبيد الله».
(٣)
في ا: «رواية».
(٤) في ا: «معنى الحديث للنبي».
(٥) في
ح: «وجوابه إذا سئل عن تفسيره».
الشافعي، رحمه الله، والرواة عنه
فنقص مما ذكره الدارقطني، رحمه الله، وزاد عليه قال [١]: فوجدت فيمن زاد:
«إسماعيل بن طباطبا العلوي».
أخبرنا أبو عبد الله قال: كتب إلى أبو
عبد الله: محمد بن علي بن الحسين الحافظ بخطه يذكر أن أبا عمرو: بشران بن يحيى
الأصبهاني حدثهم بمكة قال: سمعت أبا الحسين: علي بن إسماعيل بن طباطبا العلوي
يقول: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي يقول: الانبساط إلى الناس مجلبة لقرناء
السوء والانقباض عنهم مكسبة للعداوة؛ فكن بين المنقبض والمنبسط.
وفيمن
زاد: «أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة المقرئ المكي» قارئ أهل الحجاز في
وقته.
أخبرنا أبو عبد الله قال: أخبرنا أبو بكر: أحمد بن إسحاق بن
أيوب الفقيه قال: أخبرنا محمد بن يحيى بن ناصح العامري [٢] قال: حدثنا أحمد بن
محمد بن أبي بزة قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي الأكبر وهو يكلم ابن عمة له:
[٣] وهو يقول: والله لو أني أعلم أن الماء يثلم مروءتي ما شربته قال: وهذا
سمعته سنة أربع وتسعين ومائة وأنا ابن ثلاث عشرة سنة.
وفيمن زاد:
«أبو الحسن [٤]: علي بن سهل [٥] بن المغيرة الرملي».
أخبرنا أبو عبد
الله قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: حدثني
(١) من ح.
(٢)
في ح: «العلوي».
(٣) في ا: «ابن عمران».
(٤) في ح:
«الحسين».
(٥) في ا: «علي بن أبي سهل».
أحمد [١] بن عمرو
قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن فورش عن علي بن سهل الرملي قال: سألت الشافعي
عن القرآن فقال: كلام الله غير مخلوق.
وفيمن زاد: «إبراهيم بن محمد
بن أيوب المصري [٢]» وذكر حديثا عنه عن الشافعي عن مالك في الركاز [٣].
وفيمن
زاد: «سلمة بن شبيب المستملي» فذكر حديثا عنه عن الشافعي عن فضيل بن عياض قد
قدمنا ذكرها.
وفيمن زاد: «إبراهيم بن محمد الكوفي» وهو الذي حكى
مناظرة الشافعي وإسحاق بن راهويه.
وفيمن زاد: «عمار بن زيد» وهو
الذي حكى قصة دخول الشافعي على هارون الرشيد وسؤاله عن علمه.
وفيمن
زاد: «عبد الله بن محمد بن عقيل» شيخ من أهل العراق.
وأخبرنا أبو
عبد الله في موضع آخر قال:
أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثني
إبراهيم بن محمود قال: حدثنا أبو سليمان - وهو داود الأصبهاني - قال: حدثني عبد
الله بن محمد بن عقيل قال: ما عرفت الشافعي إلا بأحمد بن حنبل، وهو ذهب بي
إليه.
وفيمن زاد: «ياسين بن عبد الأحد بن أبي زرارة» وأبو زرارة: هو
الليث بن عاصم القتباني.
(١) في ا: «حمد».
(٢) في
التوالي: «البصري».
(٣) في ح: «الزكاة».
قال: وقد روى
«ياسين» عن الشافعي وحكى عنه جده أبو زرارة، إلا أن جده مات قبل الشافعي وكان
شيخ المالكيين.
وفيمن زاد: «عبد الملك بن محمد الرقي» و «أبو محمد:
الربيع بن سليمان الجيزي» والد أبي عبيد الله المصري.
و «زيد بن بشر
المصري»، و «يعقوب بن إبراهيم الدورقي» و «محمد ابن عبد الرحيم بن شروض
الصنعاني».
وذكر شيخنا أبو عبد الله في أصحاب الشافعي والرواة عنه
«أبا أحمد: محمد بن عبد الله بن محمد المكي» ختن الشافعي على ابنته زينب.
وأنا
أظنه محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع الذي ذكره
الدارقطني. رحمهم الله.
وقد تمكن الزيادة عليهم بإخراج جماعة من
نوادر الحكايات عنه. وبالله التوفيق.
وقد أُخبرت عن أبي العباس
السليطي أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثني
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الرعيني قال: حدثنا الطحاوي قال: حدثنا علي بن عمرو
بن خالد قال: سمعت أبي يقول: قال لي الشافعي: يا أبا الحسن، انظر إلى هذا الباب
- يعني الباب الأول من أبواب المسجد - فنظرت إليه فقال: ما يدخل من هذا الباب
أحد أعقل من «يونس ابن عبد الأعلى».
[وبإسناده عن سهل بن نعيم
قال:
قال لي محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه: كل من تكلم بكلام
في الدين، أو في شيء من هذه الأهواء ليس فيه إمام متقدم من النبي وأصحابه
فقد
أحدث في الإسلام حدثًا. وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
«من أحدث حدثا أو آوى محدثاً في الإسلام فعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا [١]».
قال: فهل بن نعيم هذا
أيضاً ممن روى عن الشافعي، رضي الله عنه [٢]].
(١) مسند أحمد ٢/ ١٩٨
- ١٩٩، ٢١٣، ٢٢٦ - ٢٢٧ من حديث على المكتوب في صحيفته المعلقة بقراب سيفه ولكن
ليس فيه: «في الإسلام»، وفيه في مواضع أخر وفي غيره: «من أحدث في المدينة».
(٢)
ما بين القوسين من ح. وبعدها: «بلغ مقابلة في المجلس الثامن والعشرين».
باب ذكر من قعد في مجلس الشافعي بعد وفاته، ومن قام من أصحابه بنشر
علمه
* * *
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن
محمد بن حمدون يقول: سمعت إبراهيم بن جعفر يقول:
سمعت الربيع يقول:
وجه الشافعي الحميدي إلى الحلقة فقال: الحلقة لأبي يعقوب البويطي، من شاء
فليجلس ومن شاء فليذهب.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت
أبا أحمد: الحسين بن علي التميمي يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول:
حدثني
أبو جعفر السكري - صديق الربيع - [عن الربيع] [١] قال:
لما مرض
الشافعي مرضه الذي توفى فيه، جاء محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ينازع البويطي
في مجلس الشافعي فقال البويطي: أنا أحق بمجلسه منك. وقال ابن عبد الحكم: أنا
أحق بمجلسه منك، فجاء الحميدي - وكان تلك الأيام بمصر - فقال:
(١)
من ح.
(م ٢٢ - مناقب جـ ٢)
قال الشافعي: [ليس أحد أحق
بمجلسي من يوسف بن يحيى] [١]، وليس أحد من اصحابي أعلم منه.
فقال له
ابن عبد الحكم: كذبت
فقال له الحميدي: بل كذبت أنت، وكذب أبوك،
وكذبت أمك [٢].
وغضب ابن عبد الحكم فترك مجلس الشافعي وتقدم مجلس
الشافعي فجلس في الطاق الثالث، ترك طاقا بين مجلس الشافعي وبين مجلسه وجلس
البويطي [في مجلس الشافعي [٣]] في الطاق الذي كان يجلس. قال أبو بكر: [محمد بن
إسحاق: [٤]] وهو الطاق الذي [٥] كان الربيع يجلس فيه أيامنا، إلا أن الشافعي
كان يجلس مستقبل القبلة، وكان الربيع يجلس مستدير القبلة، لا يجلس في مجلس
الشافعي، رحمه الله.
وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى الساجي: سمعت
إبراهيم بن زياد يقول:
سمعت البويطي يقول: لما مات الشافعي اجتمعنا
في موضعه جماعة من أصحابنا، فجعل أصحاب مالك يسعون علينا عند السلطان، حتى بقيت
أنا ومولى الشافعي ثم نرجع بعد ذلك ونتألّف، ثم يسعون علينا عند السلطان حتى
نتفرق، فلقد غرمت نحوا ألف دينار حتى رجع أصحابي وتألفنا.
قلت:
وكانوا قد سعوا بالشافعي حين وضع كتاب الرد عليهم، واجتمعوا
(١) ما
بين القوسين من ح.
(٢) طبقات الشافعية ٢/ ١٦٣.
(٣) من
ح.
(٤) من ح.
(٥) من ح.
إلى السلطان وقالوا
له: اخرج هذا عنّا. فأجابهم السلطان إلى ذلك، فذهب الشافعي ومعه الهاشميون
والقرشيون إلى السلطان، وكلّموه فأبى عليهم وقال: إن هؤلاء قد كرهوه وأخاف أن
تفتن البلد عليّ، فأجّله ثلاثة أيام على أن يخرج من البلد، فلما كانت الليلة
الثالثة مات الوالي فجأة وكفى أمره وأقام الشافعي. وهذا فيما قرأته في كتاب أبي
يحيى الساجي، عن عبد الله بن أحمد، عن أبي عبيد الله ابن أخي عبد الله بن وهب:
أنه ذكر هذه القصة.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا بكر:
محمد بن إبراهيم بن حسنويه العبد [١] الصالح، وأبا الطيب الكرابيسي يقولان:
سمعنا أبا بكر: محمد ابن إسحاق يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: ما رأيت
البويطي بعد ما فطنت له إلا رأيت شفته تتحرك: إما بذكر وإما بقراءة قرآن.
وذكر
عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتابه فقال في كتابي عن الربيع قال: كان لأبي يعقوب
البويطي من الشافعي منزلة، وكان الرجل ربما يسأله عن المسألة فيقول: سل أبا
يعقوب فإذا أجابه أخبره فيقول: هو كما قال [٢]. قال الربيع: ما رأيت أحداً أنزع
لحجة من كتاب الله تعالى من أبي يعقوب البويطي [٣].
قال: وربما جاء
إلى الشافعي رسول صاحب الشرط، فيوجه الشافعي أبا يعقوب ويقول: هذا لساني
[٤].
وقد حكينا عن الشافعي أنه قال لأبي يعقوب البويطي: أما أنت يا
أبا يعقوب فستموت في حديديك. فكان كما تفرس: دعى إلى القول بخلق
(١)
في ح: «حيويه العلا العبد»
(٢) آداب الشافعي ص ٢٧٥.
(٣)
آداب الشافعي ص ٢٧٥.
(٤) آداب الشافعي في الموضع السابق.
القرآن
فامتنع منه، فقيد وحمل في أقياده إلى العراق، وحبس حتى توفى في أقياده محبوسا،
رحمه الله تعالى.
قرأت في كتاب أبي الحسن: محمد بن الحسين بن
إبراهيم بن عاصم، عن أبي بكر: عبد الرحمن بن أحمد الشافعي قال:
سمعت
الربيع يقول: رأيت أبا يعقوب البويطي وفي رجله أربع حلق قيود، وفيها أربعون
رطلَ حديد، وفي عنقه غلٌّ مشدود إلى يده وهو يقول: إنما خلق الله الخلق «بكن»،
فإذا كان «كن» مخلوقا - فمخلوق خلَق مخلوقا [١].
قال: وكان في السجن
إذا سمع المؤذن قام ولبس ثيابه وتقدم إلى باب السجن فيقال له: إلى أين؟ فيقول:
أجيب داعي الله، فيقال له: ارجع عافاك الله، فيقول: اللهم إنك تعلم أني قد
أحببت.
وقرأته في كتاب زكريا بن يحيى الساجي سماعه من الربيع
قال:
كان أبو يعقوب إذا سمع المؤذن يوم الجمعة اغتسل ولبس [٢]
ثيابه، ومشى حتى يبلغ باب الحبس فيقول له السجان: أين تريد؟ قال: أجيب داعي
الله. قال: ارجع عافاك الله تعالى، فيقول أبو يعقوب: اللهم إنك تعلم أنا قد
أجبنا داعيك فمنعونا.
وقرأت في كتاب العاصمي: عن الزبير بن عبد
الواحد، عن علي بن محمد قال:
قال الربيع: وكتب إليّ البويطي من بعض
الطريق: هذا آخر كتاب أكتبه
(١) في ا: «مخلوق».
(٢) في
ا: «إذا سمع المؤذن قام ولبس ثيابه».
إليك؛ وذلك أني إذا دخلت [١]
على أمير المؤمنين صدَقْتُه فلا أدري ما يكون منه.
قال الربيع: وكان
البويطي طويل الصلاة وكان يختم القرآن في كل يوم.
وأخبرنا أبو عبد
الله الحافظ قال: قرأت بخط أبي عمرو المستملي في كتابه: حضرنا مجلس أبي عبد
الله: محمد بن يحيى، فقرأ علينا كتاب أبي يعقوب البويطي إليه:
والذي
أسألك أن تعرض حالي على إخواننا أهل الحديث بناحيتك لعل الله يخلصني بدعائهم؛
فإني في الحديد قد عجزت عن أداء الفرض في الطهارة والصلاة.
قال أبو
عمرو: فضجَّ الناس بالبكاء والدعاء.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ
قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب - غير مرة - يقول: رأيت أبي في المنام
فقال لي: يا بني، عليك بكتاب البويطي؛ فليس في الكتب أقل خطأ منه.
قلت:
وحين تغيظ أبو عبد الله: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري مما جرى
في مجلس الشافعي انتقل إلى مذهب أبيه - وهو مذهب مالك، وكان قبل قدوم الشافعي
ينتحله - فاختلف إلى الشافعي وأخذ عنه، وكان أبوه يحثه عليه.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن حيان قال: حدثنا محمد
بن عبد الرحمن الأصبهاني قال: سمعت الحسين [٢] بن علي ابن الأشعث يقول:
(١)
في ا: «إن دخلت».
(٢) في ا: «الحسن».
سمعت «محمد بن عبد
الله بن عبد الحكم» يقول: كنت أتردد إلى الشافعي فاجتمع قوم من أصحابنا إلى أبي
فقالوا: يا أبا محمد، إن محمداً انقطع إلى هذا الرجل ويتردد إليه فيرى الناس أن
هذا رغبة عن مذهب أصحابه، فجعل أبي يلاطفهم فيقول: هو حدث، وهو يحب النظر في
اختلاف أقاويل الناس ومعرفة ذلك، ويقول في السر:
يا بني، الزم هذا
الرجل؛ فإنه عسى أن يخرج يوما من هذا البلد فتقول. قال [١] ابن القاسم فيقال
لك: مَن ابن القاسم؟ وذكر قصة في تصديق قول أبي.
وفي كتاب العاصمي:
عن محمد بن رمضان، عن ابن عبد الحكم. فذكر هذه القصة، وقال عن «ابن عبد الحكم»
أيضا: قال لي [٢] أبي حين قدم الشافعي: يا بني، عليك بالشافعي؛ فإِنك لو جاوزت
هذا البلد فتكلمت في مسألة فقلت فيها: قال أشهب قيل لك: ومن أشهب؟ فلزمت
الشافعي، وما زال كلام الشيخ في قلبي حتى خرجت إلى العراق، فكلّمني القاضي
بحضرة جلسائه في مسألة فقلت فيها: قال أشهب عن مالك، [فقال: ومَن أشهب [٣]؟]
وأقبل على جلسائه فقال بعضهم كالمنكر: ما أعرف أشهب ولا أبْلَق.
وأخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا سعيد: عمرو بن محمد بن منصور العدل يقول:
سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول:
ما رأيت أفقه في المسائل من
«محمد بن عبد الله بن عبد الحكم».
(١) من ح.
(٢) من
ح.
(٣) ما بين القوسين من ح.
وأخبرنا أبو عبد الله قال:
سمعت أبا أحمد: الحسين بن علي يقول:
سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق
يقول: «محمد بن عبد الله» أعلم من رأيت على أديم الأرض بمذهب مالك وأحفظهم
له.
قلت: ومع انتقاله إلى مذهب مالك كان [١] يقول بفضل الشافعي،
رحمه الله، كما سبق ذكرنا له ويقرأ عليه كتب الشافعي.
أخبرنا محمد
بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال:
أخبرني
عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال:
سمعت: «محمد بن عبد
الله بن عبد الحكم» يقول: ما من أحد ممن خالفنا - يعني خالف مالكا - أحب إليّ
من الشافعي.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني عبد الله بن
محمد بن حيان قال: أخبرني أبو جعفر: محمد بن عبد الرحمن قال: أخبرني الحسن بن
علي بن الأشعث قال: أخبرني أبو الليث بن الأيلي قال:
سألْنا «محمد
بن عبد الله بن عبد الحكم» أن نقرأ عليه كتب الشافعي فأجابنا إلى ذلك على أن
تكون قراءتنا في منزله. قال: فجئنا فابتدأنا بالقراءة عليه، وكان رجل ممن يتفقه
بقول المدنيين يقال له: محمد بن سعيد المقري له عنده مجلس. قال: فجاء فوجدنا
ونحن نقرأ عليه فقال لنا: روحوا فإن لنا مجلسا، وأيّ شيء نصنع بهذه الكتب؟ قال:
فقلت له أنا - ومحمد يَسْمع - ليس يمنعك أنت من هذه الكتب إلا أنك [٢] لا تحسن
تقرؤها. فقال: أنا لا أحسن
(١) من ح.
(٢) في ا: «ومحمد
نسمع ليس نمنعك أنت من هذه الكتب إلا أنك لا تحسن».
أن أقرأها؟ أنا
أقرأ كتب عبد الملك بن [١] الماجشون، أفلا [٢] أحسن أن أقرأ كتب الشافعي؟! قال:
وكان «محمد» متكئاً فجلس إنكاراً لقوله فقال: يا أبا عبد الله، والله ما عبد
الملك بن [٣] الماجشون عند محمد بن إدريس الشافعي إلا بمنزلة الفطيم عند
الكبير.
أخبرنا أبو عبد الله بن محمد قال: سمعت أبا الفضل بن أبي
نصر يقول: قرأت على قبر «محمد بن عبد الحكم»: توفى محمد يوم الأربعاء النصف [٤]
من ذي القعدة، سنة ثمان وستين ومائتين. رحمه الله.
* * *
قلت:
وحين وقع للبويطي ما [٥] وقع كان القائم بالتدريس والتفقيه [٦] على مذهب
الشافعي رحمه الله: «أبو إبراهيم: إسماعيل بن يحيى المزني» رحمه الله، صنف من
كتب الشافعي، ومما أخذه عنه «المختصر الكبير» ثم صنّف «المختصر الصغير» الذي
سار في بلاد المسلمين وانتفعوا به.
وفيما أنشدنا شيخنا أبو عبد الله
قال: أنشدت لمنصور بن إسماعيل الفقيه:
لم تر عيناي وتسمع أذني ...
أحسن نظما من كتاب المزني
وفيما أخبرنا أبو عبد الله قال:
(١)
من ح.
(٢) في ا: «ولا».
(٣) من ح.
(٤) في ا:
«المنتصف».
(٥) في ا: «البويطي فيما».
(٦) في ا:
«للتفقه».
قال أبو الوليد فيما أخبرت عنه: بلغني عن «أبي العباس بن
سريج» أنه قال: يخرج مختصر المزني من الدنيا عذراء لم تفتض.
قال:
وكان «أبو العباس بن سريج» إذا ذكر المختصر تمثل بهذا البيت عند ذكره:
لصيق
فؤادي مذ ثلاثون حجة ... وصَيقل ذهني والمفرِّج عن همِّي
وأخبرنا
أبو عبد الله قال: أخبرني نصر بن محمد بن أحمد قال: أنشدني منصور بن محمد قال:
أنشدني أبو عمران: موسى بن محمد المعافري لأبي العباس ابن سريج في المزني -
يعني [١] في كتاب المزني:
حليف فؤادي مذ ثلاثون حجة ... وصَيْقَل
ذهني والمفرِّج عن همِّي
جَمُوعٌ لأنواع العلوم بأَسْرِها ...
بمختصر ليسَت تفارقه كمِّي [٢]
عزيزٌ على مثلي إضاعة علمه ... لما
فيه من نسجٍ بديعٍ ومن نظم
أخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا
سهل: محمد بن سليمان - إمام الشافعيين في عصره بلا مدافعة من موافق ومخالف منصف
- يقول: قال لي أبو إسحاق المروزي في شيء جرى بيني وبينه: لم لا تنظر في
المختصر؟ فقلت: ما جئتك من خراسان حتى فرغت من نظري في المختصر. فقال: انظروا،
يقول مثل هذا وأبو العباس بن سريج يقول: ما نظرت فيه من مرة إلا واستفدت فائدة
جديدة.
وأخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر
قال: سمعت
(١) في ح: «أعني».
(٢) في ح: «لحمي».
عبد
الله بن عدي الحافظ يقول: سمعت يوسف بن عبد الأحد القمي يقول:
سمعت
«المزني» يقول: لو أدركني الشافعي لسمع مني هذا المختصر.
أنشدنا
الشيخ أبو الفضل: مسعود بن سعيد بن عبد العزيز السلمي [١]، وكتب بخطه، قال:
أنشدنا عمي: الأستاذ الإمام: أبو عبد الرحمن: محمد [٢] بن عبد العزيز بن عبد
الله السلمي:
إنّ كتاب المزني ... لَسَلْوَتِي مِن حَزَني
وعُدَّتي
إن أحدٌ ... من العِدا بارزني
وحلّتي إنْ فَاخِرٌ ... مِنْ كسوتي
أَعْوَزَني
وناصري إن جَدِلٌ ... بحجَّة أَعْجَزَني
آليت
لا يعدله ... ملك الفتى ذِي يَزَن
ولا العراقيين ولا الشام وملك
اليمن
يا قرّة العين ويا ... زينة كل الزِّيَن
ويا ملاذي
إن دَهَتني فتنةٌ في الفِتن
أنت ضجيعي ليلتي ... وفي نهاري سكَني
وفي
مسيري صاحبي ... وفي ضريحي كفَني
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال:
أخبرني عبد الله بن سعيد قال: حدثنا
(١) في ا: «النيلي» وكذا ما
بعده.
(٢) من ح.
أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد
بن عبد الله بن جعفر الرازي قال: حدثنا أبو عبد الله الهروي قال:
سمعت
«أبا زُرعة الدمشقي» وقلت له: ما أكثر حمل «المزني» على الشافعي. فقال: لا تقل
هكذا ولكن قل: ما أكثر ظلمه للشافعي.
وقرأت هذه الحكاية في كتاب
العاصمي، عن أبي عبد الله: محمد بن يوسف ابن النضر البصري [١] الهروي، عن أبي
زُرعة: محمد بن عثمان بن زرعة القاضي الدمشقي هكذا. وما أحسن ما قال. وظلمه
إياه في شيئين: أحدهما أنه بلغني أن «البويطي» سئل عن سماع «المزني» من الشافعي
فقال:
كان صبيًّا ضعيفاً [٢]
قلت: فربما وجد في كتابه
مسألة قد سقط منها بعض شرائطها وهي في رواية حرملة والربيع صحيحة فنقلها [٣]
على ما في كتابه ثم أخد في الطعن عليه. وكان من سبيله أن ينظر في كتب أصحابه
حتي يتبين له خطؤه في الكتابة أو خطأ من كتب كتابه فيستغنى عن الاعتراض.
والآخر:
أنه وجد الشافعي ذكر مسألة في موضعين اختصرها في أحدهما [٤] وذكرها مستوفاة
شرائطها في الموضع الآخر فنقلها المزني مختصرة، ثم اشتغل بالاعتراض عليه، ولو
نقلها من الموضع الآخر مقيدة بشرائطها استغنى عن الاعتراض.
(١) من
ح.
(٢) في ح: «صبيا صغيرا ضعيفا».
(٣) من ح.
(٤)
في ا: «اختصرهما في أحديهما».
ومثال كل واحد من هذين النوعين [١]
عندي فيما رددته من كلام الشافعي، رحمه الله، إلى ترتيب المختصر وإيراده هاهنا
مما يطول به الكتاب.
وعمل شيئا آخر: وهو أن كل كتاب صنفه «الشافعي»
ورتب له ترتيبا حسنا ترك «المزني» ترتيبه وقدم وأخر: كالجمعة والجنائز
وغيرهما.
وقد يذكر الشافعي مسألة في موضعين بعبارتين، فيقل المزني
تلك المسألة بعضها بعبارته في أحد الموضعين والثاني [٢] بعبارته في الموضع
الآخر كيلا يهتدي إلى كيفية نقله. ولو نقلها على ترتيبه فيما رتبه، وعلى عبارته
في أحد الموضعين كان أحسن وأبين.
فهذا وجه جواب أبي زرعة. والذي
راعى المزني من حق الشافعي في جمع ما تفرق من كلامه واختصار ما بسط من قوله
وتقريبه [٣] على من أراده، وتسهيله على من قصده من أهل الشرق والغرب - أكثر،
وفائدته أعم وأظهر، فلا أعلم [٤] كتابا صنِّف في الإسلام أعظم نفعا وأعم بركة
وأكثر ثمرة من كتابه، وكيف لا يكون كذلك واعتقاده في دين الله تعالى، ثم
اجتهاده في عبادة الله تعالى، ثم [٥] في جمع هذا الكتاب، ثم اعتقاد الشافعي في
تصنيفه للكتب [٦] على الجملة التي مضى ذكرها عن الشافعي، وسنذكرها عن المزني،
رحمنا الله وإياهما، وجمع بيننا وبينهما في جنته بفضله ورحمته.
(١)
في ا: «الوجهين».
(٢) في ح: «والباقي».
(٣) في ا:
«فيقربه».
(٤) في ح: «تعلم».
(٥) من ح.
(٦)
في ح: «في تصنيف».
قرأت في كتاب أبي منصور الحمشاذي، رحمه الله،
سمعت الإمام أبا الوليد يقول: سمعت محمد بن إسحاق يقول:
سمعت
«المزني» يقول: كنت في تأليف هذا الكتاب عشرين سنة، وألفته ثلاث [١] مرات،
وغيرته، وكنت كلما أردت تأليفه أصوم قبله ثلاثة أيام وأصلي كذا كذا ركعة.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد: أحمد بن عبد الله المزني يقول:
سمعت
يوسف بن عبد الأحد القمي يقول: صحبت «المزني» ليلة شاتية وبعينه رمد، فكان يجدد
الوضوء ثم يدعو، ثم ينعس فيقوم ثانيا، فيجدد الوضوء حتى فعل ذلك سبع عشرة
مرة.
وأخبرنا أبو عبد الله قال: سمعت أبا محمد المزني يقول: وقد كان
«أبو إبراهيم المزني» فاق أقرانه في الزهد والورع. سمعت «القمي» يقول: كان «أبو
إبراهيم» لا يتوضأ من جباب أحمد بن طولون.
وكان يجدد الوضوء فيخرج
من الجامع ويذهب إلى النيل - ومن الجامع إلى النيل مسافة - فيجدد وضوءه ثم
يرجع.
وكان إذا استقبله «ابن عبد الحكم» ومعه جماعة من القضاة
والقلانس على رءوسهم - يقف ثم يقول: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً
أَتَصْبِرُونَ} [٢] ثم يرفع رأسه ويقول: بلى ربنا نصبر، بلى ربنا نصبر.
وأخبرنا
أبو عبد الله قال: وقال أبو محمد المزني فيما بلغني عنه، عن يوسف
(١)
في ا: «ثمان».
(٢) سورة الفرقان: ٢٠.
ابن عبد الأحد
القمي [١] قال: إن «أبا إبراهيم المزني» عَبَدَ الله كذا وكذا سنة عبادة منتظر
قال:
وكان «المزني» يصلي بحضرة أصحابه وهم يتناظرون، فإذا أشكل
عليهم مسألة انتظروا سلامه، فإذا سلّم سألوه فقالوا: يا أبا إبراهيم، إن
اشتغالك بتعليمنا أفضل لك من الصلاة يعنون [٢] النافلة. قال: وكيف قالوا؟ لأنّ
تعليمك العلم يَعدُوك وصلاتك لا تعدوك. فترك الصلاة وأقبل على تعليمهم.
قال
يوسف: وكان «أبو إبراهيم المزني» يشرب في الشتاء والصيف من كوزِ صُفْرٍ فقيل له
في ذلك فقال: بلغني أنهم يستعملون السّرقين في هذه الكيزان والنار لا تطهره
[٣].
وقرأت في كتاب الحمشاذي: وقيل إن «المزني» كان يصلي بمصر
الصلوات جماعة، فربما يخرج للطهارة ويتباعد إلى النيل، فإذا رجع وجدهم قد فرغوا
من الصلاة فيعيد تلك الصلاة خمسا وعشرين مرة.
أخبرنا أبو عبد الرحمن
السلمي قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت محمد بن علي الكتابي
[٤] يقول: سمعت عمرو بن عثمان المكي يقول:
ما رأيت أحداً من
المتعبدين في كثرة من لقيت منهم بمكة ممن هو مقيم ومن قدم علينا في المواسم،
ولا فيمن لقيت بالشام وسواحلها ورباطاتها والإسكندرية - أشد اجتهاداً من
«المزني» ولا أدوم على العبادة منه، ولا رأيت
(١) من ح.
(٢)
في ح: «يعني».
(٣) طبقات الشافعية ٢/ ٩٤.
(٤) في ح:
«الكناني».
أحداً أشد تعظيما للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس
تضييقا على نفسه في الورع وأوسعه في ذلك على الناس. وكان يقول: أنا خُلُقٌ من
أخلاق الشافعي [١]. رحمهم الله تعالى.
أخبرنا محمد بن عبد الله قال:
أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: سمعت عبد الرحمن بن غلام، الدقاق [٢] بمصر،
يقول:
سمعت أبا سعيد بن السّكَري يقول: رأيت «المزني» وما رأيت أعبد
لله منه، ولا أتقن للفقه [٣] منه.
أخبرنا محمد بن عبد الله قال:
أخبرني نصر [٤] بن محمد قال: سمعت قسم [٥] عبد الرحمن بن أحمد بن حفص يقول:
سمعت أبا علي الروذباري يقول:
سمعت ابن بحر [٦] يقول: سمعت «المزني»
يقول: خرجت إلى الرامير فمررت بقوم يشربون النبيذ على شاطئ النهر والملاهي تخرج
إليهم [٧] من باب دار بحذائهم فهممت أن أعظمهم وأنكر عليهم، ثم خفت أن أضرّ
بالمركب فمضيت، فلما قفلنا راجعين رأيت باب الدار مسودا فذكرت قول الشاعر:
قد
شاب رأسي ورأس الحرص لم يَشِبِ ... إنّ الحريص على الدنيا لفي تَعَبِ
(١)
طبقاات الشافعية ٢/ ٩٤.
(٢) في ا: «عبد الرحمن غلام الزقاق».
(٣)
في ا: «ألبق في الفقه».
(٤) من ح.
(٥) كذا في الأصول.
(٦)
في ا: «أبحر».
(٧) من ح.
بالله ربِّك كم بيتٍ مررت به
... وكان يعمر باللذات والطربِ؟
دارت عُقَاب المنايا في جوانبه ...
فصار من بعده للويل والحربِ
قال: فقلت أُنشدك ما هو أحسن من هذا؟
فقال: هات يا بن بحر، فقلت:
نُراعُ إذا الجنائز قابلتنا ... ونغفل
حين تبدو ذاهباتِ [١]
كَرَوعة ثَلَّةٍ لِمُغار سَبْعِ ... فلما مرَّ
عادت رائعاتِ
فلو أنا نُعانُ بفضل حزمٍ ... لَخِفنا الموتَ أيامَ
الحياةِ
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الزبير بن عبد
الواحد الحافظ قال:
سمعت يوسف بن عبد الأحد يقول: سمعت «المزني»
يقول: سبحان المحبِّ لمن أطاعه المنتقم ممن عصاه.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي قال: سمعت جعفر بن محمد بن الحارث المراغي [٢]، وأخبرنا محمد بن
عبد الله قال: سمعت أبا محمد: جعفر بن محمد بن الحارث يقول:
سمعت
أبا زكريا: يحيى بن زكريا بن حيوية يقول: سمعت «المزني» يقول: القرآن كلام الله
غير مخلوق.
(١) الأول والثاني لعروة بن أذينة الكناني كما في البيان
والتبيين ٣/ ٢٠١، والحيوان ٦/ ٥٠٧، وأمالى المرتضى ١/ ٤١٥ وفيها:
تروعنا
الجنائز مقبلات ... ونلهو حين تخفى ذاهبات
كروعة ثلة لمضار ذئب ...
فلما غاب عادت رائعات
والثالثة: القطعة من الضأن.
وهما
في عيون الأخبار ٣/ ٦٢ غير منسوبين
(٢) ليست في ا.
أخبرنا
محمد بن عبد الله قال: أخبرنا أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه قال: سمعت أبا
عمران بن الأشيب يقول:
سمعت أحمد بن أصرم يقول: سمعت «المزني» يقول:
القرآن كلام الله غير مخلوق، وما دِنْت بغير هذا قطّ، ولكن الشافعي كان ينهانا
عن الكلام.
قال «المزني»: وقال ابن هرم: قال الشافعي: في قوله:
{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [١] دليل على أن
أولياء الله يرونه يوم القيامة [٢].
قرأت في كتاب أبي الحسن
العاصمي: عن أبي بكر: عبد الرحمن بن أحمد ابن العباس الفقيه فيما قرئ عليه
بمصر، قال: سمعت يحيى بن زكربا النيسابوري يقول:
سمعت أبا سعيد
الفريابي يقول: سألت المزني في مرضه الذي توفى فيه عن الإيمان؟ فذكر فيه قصة،
وفي آخرها: قال المزني: لا خلاف بين الناس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، طاف
بالبيت فقال: «إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك» [ووفاءَ بعهدك] [٣]. هذا دليل على
أن جميع الأعمال من الإيمان.
وفيما روى عبد العزيز بن أبي الرجاء،
عن المزني: أنّ الشافعي قال في الذبيحة: «ولا أكره الصلاة على رسول الله، صلى
الله عليه وسلم؛ لأنها إيمان بالله».
(١) سورة المطففين: ١٥.
(٢)
راجع طبقات الشافعية ٢/ ٨١.
(٣) من ح.
(م ٢٣ - مناقب جـ
٢)
قال المزني: ففي هذا دليل واضح أنه كان يقول: الإيمان قول وعمل،
جعل الصلاة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الإيمان.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني سعيد بن أحمد بن عبد الرحيم، إجازة، أنّ أبا
يعقوب: يوسف بن أحمد بن يوسف المكيّ - من الرُّحَيل [١] - أخبرهم قال: سمعت
جدّي عبد الله بن الحسين يقول: سمعت عبد العزيز بن أبي رجاء يقول: سمعت المزني
يقول. فذكره بإسناده هذا قال:
سألت الشافعي عن قول النبي، صلى الله
عليه وسلم: ستة لعنهم الله. فذكر منهم: «المكذب بقدر الله» فقلت له: يا أبا عبد
الله، مَن القدرية [٢]؟
فقال: هم الذين زعموا أنّ الله لا يعلم
المعاصي حتى تكون.
قلت: وقد سمعت كثيراً من «علماء المعتزلة» زعم أن
منهم [٣] من أنكر علمه بها كما أنكر خلقه لها وقال لي في السر: لا يستقيم هذا
المذهب إلا بأن ينكرهما جميعا، إلا أن مشايخنا لا يبوحون بذلك.
ونعوذ
بالله من مذهب يقيم صاحبه على مثل هذا القول.
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن يعقوب
(١) في ا: «أن
الدحيل» وهو تحريف. والرحَيل، بضم الراء مصغرا: موضع بين مكة والبصرة. راجع
معجم ما استعجم ٢/ ٦٤٥.
(٢) نص الحديث: «ستة لعنتهم لعنهم الله وكل
نبي كان: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت ليعز بذلك
من أذل الله، ويذل من أعز الله، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتي ما حرم
الله، والتارك لسنتي».
وهو من رواية عائشة كما في الترمذي: ٢/ ٢٢ -
٢٣ والمستدرك للحاكم ١/ ٣٦ و ٤/ ٩٠ وأخرجه السيوطي في مفتاح الجنة ص ٨ عن
الطبراني أيضا.
(٣) في ا: «أن فيهم».
الحافظ يقول: سمعت
محمد بن إسحاق يقول:
سمعت المزني وذكر عنده حديث النبي، صلى الله
عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» [١] فقال المزني: لم يشك النبي ولا
إبراهيم عليهما السلام في أن الله قادر على أن يحيى الموتى، وإنما شكا أن
يجيبهما إلى ما سألا.
وأخبرنا أبو عبد الله قال: سمعت أبا بكر: محمد
بن جعفر المزكي يقول: سمعت الحسن بن محمد بن إبراهيم الجنابذي يقول: سمعت الحسن
بن أحمد بن عبد الواحد يقول: سمعت الحسن بن أحمد بن عبد الواحد يقول: سمعت
المزني يقول، وقال له رجل: يا أبا إبراهيم، إن فلانا يبغضك. قال: ليس في قربه
أُنْسٌ ولا في بُعده وَحشة.
وأخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا
زكريا العنبري يقول: سمعت محمد بن داود الخصيب يقول: سمعت «المزني» يقول:
لا
مروءة لمن لا جهل له، ولا جهل لمن لا مروءة له، وأنشدنا:
لا خيرَ في
حلمٍ إذا لم يكن له ... بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أنْ يُكدَّرا
ولا
خيرَ في جهلٍ إذا لم يكن له ... حليمٌ إذا ما أوْرَدَ الأمر أَصْدَرا [٢]
أخبرنا
أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد الفقيه قال: حدثنا أبو النضر السواني [٣] قال:
أخبرنا الطَّحَاوي قال: حدثنا «المزني» قال: أخبرني أبو بكر الحميدي، عن سفيان،
عن خلف بن حوشب، قال:
(١) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان: باب زيادة
طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة ١/ ١٣٣ وفي كتاب الفضائل: باب فضائل إبراهيم عليه
السلام ٤/ ١٨٣٩ وأخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن: باب الصبر على البلاء ٢/
١٣٣٥.
(٢) البيتان للنابغة الجعدي كما في ديوانه ص ٦٩، وجمهرة أشعار
العرب ١٤٨.
(٣) في ا: «الإسفراييني».
قال عيسى بن مريم،
عليه السلام، للحواريين: كما ترك الملوك الحكمة فاتركوهم والدنيا.
وكان
خلف يقول: ينبغي للناس أن يتعلموا هذه الأبيات في الفتنة:
الحربُ
أوَّلَ ما تكون فُتَيَّةٌ ... تسعى بزينتها لكلِّ جهولِ [١]
حتى إذا
اشتعلت وشبَّ ضرامها ... ولَّت عجوزاً غيرَ ذاتِ حليلِ
شَمْطَاءَ
جَزَّتْ رأسَها وتنكَّرت ... مكروهةً للشَّمِّ والتَّقْبِيلِ
أخبرنا
محمد بن عبد الله، ومحمد بن الحسين السلمي قالا: سمعنا أبا محمد: جعفر بن محمد
المراغي يقول: سمعت أبا زكريا النيسابوري يقول: سمعت محمد ابن عبد الله بن عبد
الحكم يقول:
قال الشافعي للمزني وأقبل يوما: هذا لو ناظر الشيطان
لقطعه [٢]!
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد قال: سمعت أبا بكر:
محمد بن جعفر المزكي يقول:
سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول: سألت
«المزني»: من أفقه أصحاب مالك؟ فقال: «أشهب بن عبد العزيز» أفقه الرجلين، و
«عبد الرحمن ابن القاسم» أتبع الرجلين لصاحبه، و «ابن وهب» أعلم الثلاثة بقول
المدنيين.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي
نصر قال: سمعت علي بن أحمد بن حسن يقول: سمعت أبا الحديد الصوفي بمصر يقول:
[سمعت
(١) الأبيات لعمرو بن معد يكرب كما في اللسان ٩/ ٤١٦ وفيه:
«تسعى ببزتها» وانظر الشعر والشعراء ١/ ٣٣٣.
(٢) طبقات الشافعية ٢/
٩٣.
أبي يقول: [١]]
سمعت أبا إبراهيم المزني يقول أحمد
بن حنبل: أبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلى يوم
صفين.
ورأيت على ظهر جزء من أجزائي عن أبي عبد الله: محمد بن عبد
الله بن عبيد الله العمري قال:
سمعت أحمد بن صالح - وهو المصري -
يقول: لو أن رجلا حلف أنّه لم يرَ كالمزني آخر - كان صادقا، فقال له أبو أفلح
المصري: نكتب عنه؟ قال: إن حدثكم [٢]. «مرتين».
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: سمعت أبا الطيب: علي بن محمد بن
أبي سليمان المصري يقول: دخلت على المزني ورأيته. ومات سنة أربع وستين ومائتين.
ويقال: كان ابن سبع وثمانين. وصلى عليه العباس بن أحمد بن طولون.
أخبرنا
محمد بن عبد الله بن محمد قال: سمعت أبا محمد: أحمد بن عبد الله المزني يقول:
سمعت أبا بكر: محمد بن زياد [٣] المصري يقول: رجع خالي من جنازة «المزني» فقال:
يا بني، رأيت اليوم عجبا، رأيت طيرا أبيض جاءت فرفرفت على جنازة المزني فجعلت
تلقي نفسها عليها وتتمسح به، فقال الربيع بن سليمان: لا تنفروها فإناما رأيناها
[٤] إلا في جنازة ذي النون المصري، فإنها فعلت به مثلما فعلت بالمزني، رحمه
الله.
* * *
(١) ما بين القوسين من ح.
(٢) في
الأصول: «أحدثكم».
(٣) في ا: «ريان».
(٤) في ا:
«رأيتها».
قلت: وأما أبو علي: الحسن بن محمد الصباح الزعفراني، فإنه
يشارك الشافعي في كثير من شيوخه مثل سفيان بن عيينة، وإسماعيل بن عُلَيّة، وعبد
الوهاب بن عبد المجيد، وغيرهم. وحين قدم الشافعي العراق لزم الشافعي، واختاره
أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وغيرهما لقراءة الكتب على الشافعي؛ فإنه كان بصيراً
باللغة. ثم صار هو الراوي للكتب القديمة، وإليه يُرحل في سماعها.
قرأت
في كتاب زكريا بن يحيى الساجي: سمعت «الحسن بن محمد» في سنة ست وخمسين ومائتين
يقول: إني لأقرأ كتب الشافعي وتقرأ عليّ منذ خمسين سنة.
قال: وقال
الحسن: وما [١] أتيت الشافعي مجلسا قط إلا وجدت أحمد بن حنبل قد سبقني إليه.
قال:
وقال الحسن: كان أبو ثور يحضر معنا عند الشافعي، وقد سمعنا منه الكتب.
قال
زكريا فسألته عن الحسين بن علي الكرابيسي فقال: لم أره في القَدْمة الأولى،
ولكنه لما قدم الشافعي قَدْمته الثانية لزمه حسين وسأله أن يعرض عليه الكتب،
فأجاز له كتبي وسأله عن بعضها.
* * *
وأما أبو محمد:
الربيع بن سليمان بن كامل - واسم كامل عبد الرحمن - المرادي، المؤذن، خادم
الشافعي.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: كناه ونسبه لنا أبو
العباس: محمد
(١) في ا: «ما».
ابن يعقوب. والربيع هو
الراوي للكتب الجديدة على الصدق والإتقان.
وربما فاتته صفحات من
كتاب فيقول فيها: قال الشافعي، أو يرويها البويطي عن الشافعي.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا محمد بن علي بن طلحة المروروذي قال: حدثنا
أبو سعيد: أحمد بن علي الأصبهاني قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: سمعت
عبد الرحمن بن الجارود - يعني أبا بشر - يقول:
سمعت «البويطي» يقول:
«الربيع» في الشافعي أثبتُ منّي.
قلت: وصارت الرواحل تشد إليه من
أقطار الأرض في سماع كتب الشافعي، رحمه الله.
قرأت في كتاب زكريا بن
يحيى الساجي:
سمعت «الربيع بن سليمان» سنة خمس ومائتين يقول: إني
لأقرأ كتب الشافعي على الناس وأنا ابن خمس وثلاثين سنة ما كان في رأسي ولحيتي
شعرة بيضاء.
قال زكريا: وأنا أقول: إني قرأتها سنة إحدى وخمسين وما
في رأسي ولحيتي شعرة بيضاء وهي السنة التي قدمت من مصر.
قال زكريا:
حدثني أبو بكر بن صدقة قال:
سمعت الزعفراني يقول لداود - يعني
الأصبهاني: إني لأقرأ كتب الشافعي وتقرأ علي منذ خمسين سنة، ما رأيت أقرأ لها
من الفتى البصري الساجي. فقال
داود: [١] هذا بالبصرة يحدِّث بها عن
«الربيع» عن الشافعي، وله مجلس كمالك فما ينكر.
وقرأت في كتاب أبي
الحسن العاصمي: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن يوسف بن النضر - بالشام - قال:
سمعت أبا الطاهر بن الربيع بن سليمان، أو غيره، يقول:
حج الربيع بن
سليمان في سنة أربعين ومائتين، والتقى مع أبي علي: الحسن ابن محمد الزعفراني
بمكة، فسلَّم أحدهما على الآخر، فقال له الربيع: يا أبا علي، أنت بالمشرق وأنا
بالمغرب فَبُثُّ هذا العلم - يعني علم الشافعي.
وكان الشافعي يحب
«الربيع» ويقرّبه، ويقوم الربيع بخدمته.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ
قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول:
سمعت «الربيع بن سليمان»
يقول: قال لي الشافعي: لو أستطيع أن أطعمك العلم لأطعمتكه [٢].
أخبرنا
محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه قال: سمعت جعفر ابن محمد
السّاماني يقول:
سمعت «الربيع بن سليمان» يقول: سمعت الشافعي يقول
لي: ما أَحبَّك إليَّ [٣]!
قال: وسمعت جعفر بن أحمد، وإبراهيم بن
محود يحكيان عن يونس بن عبد الأعلى قال:
(١) في ا: «ابن داود».
(٢)
طبقات الشافعية ٢/ ١٣٤.
(٣) طبقات الشافعية ٢/ ١٣٤.
قال
الشافعي: ما خدمني أحد خدمة «الربيع» [١]
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ قال: أخبرني أبو تراب المذكر قال: حدثنا محمد بن المنذر قال:
سمعت
الربيع يقول: قال الشافعي يوما: أنا والله ضعيف. قال: فقلت: قوَّى الله ضعفك.
فقال: يا بني، إن قوى الضعف على القوى مني قتلني [٢]. فقلت: والله ما أردت إلا
خيرا. قال: أجل، والله يا بني، لو شتمتني صراحا لعلمت أنك لم ترد إلا خيرا.
وقرأت
في كتاب زكريا الساجي حدثني أبو بكر بن سعدان قال:
سمعت الربيع بن
سليمان يقول: قال لي [٣] الشافعي: أجب يا ربيع في المسائل؛ فإنه لا يُصيبُ أحدٌ
حتى يخطئ.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد قال: سمعت أبا العباس:
محمد بن يعقوب يقول:
قيل للربيع بن سليمان وأنا أسمع: أليس تقول:
القرآن كلام الله غير مخلوق؟ قال: نعم، سبحان الله، ومن يشك في هذا؟
وقيل
له: أليس تقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص؟ قال: نعم، سبحان الله، ومن يَشكّ
في هذا؟.
قال: وسأله أبي: أليس تقول: إن الخير والشر من الله؟ قال:
نعم.
قال: وسمعت الربيع يقول: خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله
عليه وسلم:
(١) طبقات الشافعية ٢/ ١٣٤.
(٢) في طبقات
الشافعية ٢/ ١٣٥: «لو قوى ضعفي قتلني».
(٣) من ح.
أبو
بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضوان الله عليهم أجمعين.
أخبرنا
محمد بن عبد الله ومحمد بن موسى قالا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول:
سمعت الربيع بن سليمان يقول:
صبر جميل ما اسرع الفرَجا ... مَن
صَدَق الله في الأمور نجا
من خشِيَ الله لم ينله أذى ... ومن رجا
الله كان حيث رجا [١]
أخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا
العباس: محمد بن يعقوب يقول: توفى الربيع بن سليمان في شوال سنة سبعين
ومائتين.
وقال أبو العباس: وسمعت منه الكتب سنة خمس (أو ست) [٢]
وستين ومائتين.
* * *
ومن الأشعار التي قيلت في الشافعي،
رحمه الله: أنشدنا أبو عبد الله: محمد ابن عبد الله الحافظ قال: أنشدني بعض
أئمة الحديث لأبي عبد الله البوشنجي في الشافعي، رحمه الله:
ومن شعب
الإيمان حب ابن شافعٍ ... وفرضٌ أكيدٌ حبّه لا تطوُّعُ
وإن حياتي
شافعي فإن أمت ... فتوصيتي بعدي بأن تتشفعوا
* * *
وأنشدنا
أبو عبد الله قال: أنشدني أبو منصور: محمد بن عبد الله الفقيه لبعض أئمة
الشافعيين في ذكر الشافعي ومناقبه:
ألا أيها الساري وراحل ليلة ...
ومعمل أنضاء النواجي الطلائح
(١) طبقات الشافعية ٢/ ١٣٥.
(٢)
من ح.
وطالب أحكام الكتاب وعلمه ... وحكم رسول الله أفضل فاتح
عرفت
صنوف العلم في كل مذهب ... وما قاله المفتون في المتنازح
من الفقه
والسهل القريب فنظموا ... من القول صفوه بتهذيب مانح [١]
فلم أرَ
مثل الشافعي وقوله ... لباغي صنوف العلم جمّ المفاتح
أدل على حق
وإزهاق باطل ... ونبذ مقال الزيغ أسوا المطارح [٢]
وأشفى وأكفى في
بيان وحجة ... وأهدى إلى نهج من السُّبْل لائح [٣]
وأقوم منه مصدرا
ومَواردا ... وألحق فرعا بالأصول اللوائح [٤]
فدونك قولَ الشافعي
وعلمَه ... فأسر إليه بين غاد ورائح
* * *
أنشدنا محمد
بن عبد الله الحافظ قال: قرأت في كتاب أبي عبد الله: محمد ابن محمد بن عبيد
الله المذكر [٥] الجرجاني لعلي بن محمد بن النضر الجرشي في فضل الشافعي، رحمه
الله:
تيمَّمْت حوض الشافعي محمد ... فصادفته ملآن يطفح مفعما
وذقت
حياض العلم حين اقتربتها ... فيممت أهناهن فيمن تيمَّما [٦]
وصادفت
مُرَّا حوض قوم فعفته ... وحق لعمري أن يعاف يوخما [٧]
(١) في ح:
«نافح).
(٢) في ح: «... وأزهق باطل».
(٣) في ح: «... من
بيان».
(٤) في ا: «وللحق ...».
(٥) في ح: «المزكي».
(٦)
في ا: «أياهن».
(٧) في ا: «تعاف ويوجما».
به جدد الرحمن
أحكام أحمد ... وقد كانت الأحكام في الدين طُسَّما [١]
* * *
أنشدنا
أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم بن عبدان الرماني قال:
أنشدنا أبو
الفتح: علي بن محمد الكاتب البستي لنفسه:
الشافعي أجَلُّ الناس
منزلة ... وأعظم الناس في دين الهدى أثرا
العدل سيرته والصدق شيمته
... والسحر منظومُه والدّرّ إن نثرا
فقل لمن باعه وابتاع حاسده ...
أراك بعت بخوص النخلة الكَثَرا
وأنشدنا الإمام شيخ الإسلام أبو
عثمان، رحمه الله، قال: أنشدنا أبو الفتح. فذكر هذه الأبيات، غير أنه أتى في
البيت الثالث بلفظ آخر والمعنى واحد.
* * *
أنشدنا أبو
عبد الله الحافظ قال: أنشدني بعض إخواني لبعض أئمتنا في نسب الشافعي، رحمه
الله:
محمد هاشميّ الأصل نَبْعته [٢] ... من دوحة قصرت عن فروعها
الشجرُ
لها يمين بذي البطحاء مفرسها ... حيث الحجيج توفى نحوها
زُمَرُ [٣]
في بلدة حول بيت الله سَاكَنها ... إلى الرسول كرامٌ
أنْجمٌ زُهُرُ
غصن تشعب من أفنان أيكنهم ... فليس في عودهم وصْم ولا
خَوَرُ
(١) في اللسان ١٥/ ٣٥٥: طسم الشيءُ والطريقُ، وطمس: درس.
(٢)
في ا: «مبعثه».
(٣) في ح: «العالمين بذي البطحاء ...» وفي ا: «...
مغربها».
مفضلون بإنذار وتذكرةٍ ... لما استخصتهم الآيات والنذرُ
[١]
وذكرهم شرف بالذكر متصل ... بفضلهم نطق القرآن والسور
والله
في سهم ذي القربى تَخيّرهم ... فهم بذلك أنجابٌ وهم طُهُر
مطهرون
هُداةٌ سادة نُجُبُ ... تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
فكان منهم
إذا عُدّت مَنَاسِبُهُ ... والأصل إن طاب طاب الفرع والثمر
فخراً له
إذ رسول الله جوهرة ... وجوهر الرسْل قِدْماً ليس يَنْستر
* * *
حدثنا
أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو جعفر: محمد بن إبراهيم الفقيه الجرجاني -
وكان من العلماء المبرزين - على باب أبي العباس الأصم، وأملاه علينا في سنة سبع
[٢] وثلاثين وثلثمائة قال:
أنشدنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد
لنفسه في مدح الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه:
بمُلْتفَتَيْه للمشيب
طوالع ... ذوائد عن ورد النَّصَابي روادعُ
يُصرِّفْنَه طوع العنان
وربما ... دعاه الصّبا فاقتاده وهو طائع
ومن لم يزعْه لُبّه وحياؤه
... فليس له من شيب فَوْديه وازع
هل النافر المدعوّ للحظ راجع ...
أو النصح مقبول أو الوعظ نافع؟
أن الهَمِكُ المهموم بالجمع عالم ...
بأن الذي يُوعَى من المال ضائع [٣]؟
(١) في ا: «مفضلون بابدان. .
.».
(٢) في ح: «تسع».
(٣) الهمك: المنهمك في الأمر الجاد
فيه.
وإن قصاراه على فرط ظنه ... فرق الذي أضحى له وهو جامع
ويخمل
ذكر المرء ذي المال بعده ... ولكن جمع العلم للمرء رافع
ألم تر آثار
ابن إدريس بعده ... دَلائِلُها في المشكلات لوامع؟!
معالم يفنى
الدهر وهي خوالد ... وتنْخفض الأعلام وهي روافع
مناهج فيها للهدى
متصرَّفٌ ... موارد فيها للرشاد شرائع
ظواهرها حكم ومستنبطاتها ...
لما حكم التفريق فيه جوامع
لرأي ابن إدريس ابن عم محمد ... ضياءٌ
إذا ما أظلم الخطبُ صادع
إذا المعضلات المشكلات تشابهت ... سما منه
نور في دجاهن ساطع
أبى الله إلا رفعه وعلوه ... وليس لما يُعليه ذُو
العرش واضع
توخّى الهدى واستنفذتْهُ يد التقى ... من الزيغ إنّ
الزيغ للمرء صارع
ولاذ بآثار النبي فحكمه ... كَحُكْم رسول الله في
الناس شائع
وعوَّل في أحكامه وقضائه ... على ما قضى التنزيل والحق
ناصع
بطئ عند الرأي المخوف التباسه ... إليه غذا لم يُخش لَبْسٌ
مُسارع
وأنشا له منشيه من خير معدن ... خلائقَ هن الزهرات البوارع
[١]
تسربل بالتقوى وأُيّد ناشئا ... وخُضّ بُلبّ الكَهْل مُذْ هُو
يافع
وهذّب حتى لم تُشِر بفضيلة ... إذا التُمِسَت إلا إليه
الأصابعُ
فمن يكُ علم الشافعي إمامَه ... فمرتعه في ساحة العلم
واسع
سلام على قبر تضمن جسمه ... وجادت عليه المدجنات الهوامع
(١)
في تاريخ بغداد: «الباهرات البوارع»
لئن فجعتني الحادثات بشخصه ...
وهن بما حكمن فينا فواجع
فأحكامه فينا بدور زواهر ... وآثاره فينا
نجوم طوالع [١]
* * *
أنشدنا محمد بن عبد الله الحافظ
قال: أنشدنا عبد الله بن موسى البغدادي قال: أنشدني «منصور بن إسماعيل الفقيه»
[٢] لنفسه في الشافعي، رحمة الله عليه:
إني أُمِرت بنصح المسلمين
فمِن ... نُصْحي لهم واتباعي ما أمرت به
أمري لهم باتباع الشافعيِّ
فقد ... أتاهمُ ببيانُ غير مشتبه
إياه فاتبعوا تتلون متبعا ...
كفاكُمُ طلبا ما كان من طلبه
مثل الرسالة لم يأتِ بها أحد ... إن
الرسالة يا هذا لمن عجبه
فذكر أبياتا ثم قال:
أكرم به
رجلا ما مثله رجل ... مشارك لرسول الله في نسبه
أضحى بمصر دفينا في
مقطَّمها ... نعم المقطَّم والمدفون في تربه
صلى علبه إله الخلق
كلهم ... والأكرمون ومن صلى النبيُّ به
* * *
(١) بعد
هذا في هامش ا: «آخر الجزء السابع عشر من أصله». وراجع في الأبيات المذكورة
تاريخ بغداد ٢/ ٧٠ - ٧١، وديوان ابن دريد الأزدي ص ٧٧ - ٧٨، وتوالي التأسيس
٨٥.
(٢) أديب شاعر ضرير، فقيه شافعي، له في الفقه مصنفات، توفى سنة
٣٠٦، وترجمته في طبقات العبادي ٦٤، وطبقات الشيرازي ٨٨، والمغرب في حلى المغرب
لابن سعيد: القسم الخاص بمصر ١/ ٢٦٢ - ٢٦٣، ومعجم الأدباء ١٩/ ١٨٥ - ١٨٩،
وطبقات الشافعية ٣/ ٤٧٨، وشذرات الذهب ٢/ ٢٤٩ - ٢٥٠، والمنتظم ٦/ ١٩٢، والبداية
والنهاية ١١/ ١٣٠.
قلت: وللعلماء والعقلاء والشعراء من أهل السنة
والجماعة في مرثية الشافعي ومناقبه أبيات كثيرة، وأقاويل منثورة، لم يحتمل هذا
الكتاب أكثر مما أوردته مخافة التطويل. وفيما ذكرته كفاية لمن رزق التوفيق.
*
* *
والله نسأل وإليه نرغب في الحاقنا بمن مضى من أسلافنا من أئمة
المسلمين، والجمع بيننا وبينهم في الجنة في ظل طوبى، ومستراح العابدين، بفضله
ورحمته، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
والحمد لله رب العالمين،
والصلاة على رسوله محمد وآله أجمعين. وحسبنا الله ونعم الوكيل. [١] آخر
المناقب.
وقد جَمَعتُ أقاويلَ الشافعي، رحمه الله، في «أحكام القرآن
وتفسيره» في جزءين [٢].
وبينت «خطأ من أخطأ على الشافعي في الحديث»
في جزءين
وذكرت الجواب عن قول من انتقد على الشافعي، رحمه الله.
وله
حكايات لم يتفق إخراجها في «كتاب المناقب» وأخرجتها في جزء. والله يغفر لنا وله
بفضله وجُوده [٣].
والحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد
النبي، وعلى آله وسلم.
* * *
(١) هذا آخر نسخة هـ.
(٢)
في ح: في جزء من أجزاء، وفي ا: في جزءين أجزاء.
(٣) في هامش ح: بلغ
مقابلة في المجلس التاسع والعشرين في شعبان عام ثلاثة وسبعين وثمانمائة بالمسجد
الحرام على غير أصل.
وفي خاتمة ح ما يلي:
تم الكتاب بعون
الله الملك الوهاب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أبادا إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين، وذلك عصر. الجمعة الثالث من شهر
ربيع الآخر، أحد شهور سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة على يد العبد الفقي الحقير
المعترف بكثرة الخطايا وشدة التقصير، الراجي عفو الله القوي: معمر بن يحيى بن
أبي الخير بن عبد القوي المكي المالكي، لطف الله به وبالمسلمين.
غفر
الإله ذنوب هذا الساطر ... وذنوب قارئه معا والناظر