اسم المؤلف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (٣٨٤ - ٤٥٨ هـ)
اسم المحقق: السيد أحمد صقر
الناشر: مكتبة دار التراث - القاهرة
الطبعة: الأولى، ١٣٩٠ هـ - ١٩٧٠ م
عدد الأجزاء: ٢
أعده للمكتبة الشاملة: محمد المنصور (٢١/ ٧/ ١٤٣٦ هـ = ١٠/ ٥/ ٢٠١٥ م)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صفحة المؤلف: [أبو بكر البيهقي]
الموضوع: سيرة وترجمة العالم النبيل الإسلامي
فهرس الموضوعات
- -٤٥ - باب ما يستدل به على معرفة الشافعي رضي الله عنه بصحة الحديث وعلته
- -٤٦ - باب ما يستدل به على إتقان الشافعي رحمه الله في الرواية، ومذهبه في قبول الأخبار
- -٤٧ - باب ما يستدل به على فصاحة الشافعي، ومعرفته باللغة وديوان العرب
- -٤٨ - باب ذكر أبيات تؤثر مما أنشد الشافعي لنفسه أو أنشد لغيره
- -٤٩ - باب ما يستدل به على معرفة الشافعي، رحمه الله، بالطب
- -٥٠ - باب ما يستدل به على معرفة الشافعي بالنجوم
-
-٥١ - باب ما يستدل به على معرفة الشافعي، رحمه الله، بالرمي والفروسية
- -٥٢ - باب ما يؤثر عن الشافعي، رحمه الله، في فراسته وإصابته فيها
- -٥٣ - باب ما يؤثر عن الشافعي، رحمه الله، في فضل العلم والترغيب في تعلمه وتعليمه والعمل به
-
-٥٤ - باب ما يستدل به على اجتهاد الشافعي، رحمه الله، في طاعة ربه، وزهده في الدنيا وحضه عليه
- العودة الي كتاب مناقب الشافعي للبيهقي
باب ما يستدل به على معرفة الشافعي رضي الله عنه بصحة الحديث
وعِلَّته
* * *
أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ
قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال: حدثنا
يونس بن عبد الأعلى - قراءة - قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عبد
الرحمن بن عبد القاريِّ قال:
صلى عمر الصبح بمكة، ثم طاف بالبيت
سبعاً، ثم خرج وهو يريد المدينة، فلما كان بذي طُوى وطلعت الشمس صلّى ركعتين
[١].
قال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي في هذا الحديث: اتبع
سفيان ابن عيينة - في قوله الزهري عن عروة عن عبد الرحمن - المجرّة: يريد لزم
الطريق [٢].
قال عبد الرحمن بن محمد: وذلك أن مالك بن أنس ويونس
وغيرهما رَوَوْا عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن [عن عبد الرحمن [٣]] بن عبد
القاريّ عن عمر. وزاد الشافعي: أن سفيان وهم، وأن الصحيح ما رواه مالك [٤].
*
* *
(١) أشار إليه الشافعي في الرسالة ص ٣٢٦. وهو في الموطأ ١/ ٣٦٨،
وآداب الشافعي ص ٢٢٧، والسنن الكبرى ٢/ ٤٦٣ - ٤٦٤، واختلاف الحديث ٣٣، والأم ١/
١٣٧.
(٢) السنن الكبرى ٢/ ٤٧٤.
(٣) من ح.
(٤)
آداب الشافعي ٢٢٨.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنبأنا الحسن بن
رشيق - إجازة - قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد
الحكم قال:
حدثنا الشافعي قال: كل ما قال فيه سفيان: حدثنيه معمر،
فإنما هو عن معمر، عن الزهري.
* * *
أخبرنا أبو عبد الله:
محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن
سليمان قال:
قال الشافعي [١]، رضي الله عنه - يعني في «مسألة المفطر
في صوم التطوع» - لا قضاء عليه.
قال: وخالفنا بعض الناس وأخذ في هذا
وقال: حدثنا الثقة، عن ابن جريج، عن ابن شهاب: أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين
فأُهدي لهما شيء فأفطرتا فذكرتا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: صوما يوما
مكانه [٢].
قال الشافعي: فقلت: فهل عندك حجة من رواية أو أثر لازم غير
هذا؟
فقال: ما يحضرني الآن شيء غيره، والذي كنا نبني عليه من الأخبار
في هذا.
فقلت له: فهل تقبل مني أن أحدثك مرسلاً كثيراً عن ابن شهاب
وابن المنكدر ونظرائهما ومن [٣] هو أمن منهما: عمرو بن دينار وعطاء وابن [٤]
المسيب وعروة؟ قال: لا.
(١) الأم ٢/ ٨٨.
(٢) الأم ٢/
٨٨.
(٣) في ا: «من».
(٤) ليست في ا.
قلت: فكيف
قبلت عن ابن شهاب مرسلاً في شيء ولا تقبله عنه ولا عن مثله ولا أكبر منه في شيء
غيره؟
فقال: فلعله لم يحمله إلا عن ثقة.
قلت: وهكذا يقول
لك من أخذ بمرسله في غير هذا أو مرسل من هو أكبر منه، فيقول: كل ما غاب عني مما
يمكن فيه أن يحمله عن ثقة وعن مجهول لم تقم عليّ به حجة حتى أعرف من حمله عنه
بالثقة؛ فأقبله، أو أجهله فلا أقبله.
قلت: ولم؟ لأنك إنما أنزلته
منزلة الشهادات فلا تقبل أن يشهد لك شاهدان على ما لم يريا، ولم يسميا من شهدا
على شهادته؟ قال: أجل. وهكذا يقول في حديث ابن شهاب كلام مَن كأنه يعلم وَهاء
حديث ابن شهاب: هذا عند ابن شهاب، ولم يَعرف معه شيئاً يخالفه هو أولى أن يصير
إليه منه.
فقال: أو كان واهياً عن ابن شهاب؟ قلت: نعم.
فذكر
الحديث الذي أخبرنا أبو عبد الله، وأبو زكريا بن إسحاق قالا: حدثنا أبو العباس
قال: حدثنا الربيع قال: حدثنا الشافعي قال:
حدثنا مسلم بن خالد عن ابن
جريج عن ابن شهاب: الحديث الذي رويت عن حفصة وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن جريج فقلت له: أسمعته من عروة بن الزبير؟ فقال: لا، إنما أخبرنيه رجل
بباب عبد الملك بن مروان أو رجل من جلساء عبد الملك بن مروان، قال الشافعي - في
روايتنا عن أبي عبد الله: فقلت له: أرأيت لو كنت ترى الحجة تقوم بالحديث المرسل
ثم علمتَ أن ابن شهاب قال في هذا الحديث ما حكيت لك، أتقبله؟ قال: لا، هذا
يوهنه
بأن تخبر أنه قبله عن رجل لا يسميه ولو عرفه لسمّاه أو وثّقه.
أخبرنا
أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب
قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشافعي [١] رضي الله عنه في
«مسألة زكاة مال اليتيم» فقال [٢]: قد روينا عن ابن مسعود أنه قال: أَحْصُر مالَ
اليتيم فإذا بلغ فأُعْلِمه ما مر عليه من السنين.
قال الشافعي: قلنا
وهذا حجة عليك [٣]: كان ابن مسعود أمر والي اليتيم أن لا يؤدي عنه الزكاة حتى
يكون هو يتولى أداءها بنفسه؛ لأنه لا يأمر بإحصاء ما مر عليه من السنين وعدد ماله
إلا ليؤدي عن نفسه ما وجب عليه من الزكاة.
مع أنك تزعم أن هذا ليس
بثابت عن ابن مسعود من وجهين أحدهما: أنه منقطع، وأن الذي رواه ليس بحافظ [٤].
وقال
في القديم رواية الزعفراني عنه: إنما روى هذا ليث - يعني ابن أبي سليم - عن مجاهد
مرسلا. وليس مثل هذا ثابتاً.
* * *
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ قال: حدثنا الحسين بن محمد الدارمي قال: أخبرنا عبد الرحمن - يعني ابن
محمد - قال: حدثني أبي قال: حدثني محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم قال:
(١)
الأم ٢/ ٢٥.
(٢) في ا: «قال».
(٣) في الأم بعد هذا: «لو لم
يكن لنا حجة غير هذا. هذا لو كان ثابتا عن ابن مسعود كان ابن مسعود ...».
(٤)
راجع بقية المحاورة في الأم.
سمعت الشافعي يقول [١]: لا تثبت الرواية
عن بشير بن نَهيك.
قلت: وإنما أراد حديث ابن أبي عروبة وغيره، عن
قتادة، عن النضر ابن أنس، عن بَشير بن نُهيك، عن أبي هريرة عن النبي، صلى الله
عليه وسلم، في العتق والاسْتِسْعَاء [٢]. وذلك لأن شعبة بن الحجاج وهشام
الدّستواتي روياه عن قتادة دون ذكر الاستسعاء فيه [٣].
ورواه همام بن
يحيى عن قتادة، وفصل حديث الاستسعاء من الحديث فجعله من قول قتادة [٤]، ولأن حديث
«ابن عمر» و «عمران بن حصين» عن النبي، صلى الله عليه وسلم، يدلان على إبطال
الاسْتِسْعَاء [٥].
(١) آداب الشافعي ٢٢٠.
(٢) ونصه كما
رواه البخاري في كتاب العتق: باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل ٥/ ٩٤ من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق شقيصا من
مملوكه فعليه خلاصه في ماله، فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل، ثم استسعي
غير مشقوق عليه.
وقد رواه مسلم في كتاب العتق: باب ذكر سعاية العبد ٢/
١١٤٠ وأبو داود ٤/ ٣٢، وهو عند المؤلف في السنن الكبرى ١٠/ ٢٨١.
(٣)
في السنن الكبرى بعد هذا: وهما أحفظ.
(٤) راجع سنن الدارقطني ٢/ ٤٧٦ -
٤٧٩، والسنن الكبرى ١٠/ ٢٨١ - ٢٨٢.
(٥) سنن الدارقطني ٢/ ٤٧٦ والسنن
الكبرى ١٠/ ٢٨٣ - ٢٨٤ وفي لسان العرب: استسعي العبد: كلفه من العمل ما يؤدي به عن
نفسه إذا عتق بعضه ورق بعضه هو أن يسعى في فكاك ما بقي من رقه فيعمل ويكسب ويصرف
ثمنه إلى مولاه، فسمى تصرفه في كسبه سعاية. و «غير مشقوق عليه» أي لا يكلفه فوق
طاقته.
وفي معالم السنن ٤/ ٦٩: قال الخطابي في قوله: استسعى غير مشقوق
عليه: هذا الكلام لا يثنيه أكثر أهل النقل مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
ويزعمون أنه من كلام قتادة.
قال الشافعي: قيل لمن حضر من أهل الحديث:
لو اختلف نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وحده، وهذا [١] الإسناد -
يعني حديث بشير في الاستسعاء - أيهما كان أثبت؟
قال: نافع عن ابن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي: وقلت: وعلينا أن نصير إلى
الأثبت من الحديثين؟ قال: نعم.
قلت [٢]: فمع نافع حديث عمران بن حصين
بإبطال الاستسعاء.
* * *
أخبرنا أبو طاهر الفقيه وأبو عبد
الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو سعيد بن أبي عمرو وقالوا: حدثنا أبو
العباس: محمد بن يعقوب قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول:
سمعت
الشافعي يقول: ليس فيه [٣] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحريم والتحليل
حديث ثابت، والقياس أنه حلال [٤]. وقد غلط سفيان في إسناد هذا الحديث [٥]: حديث
ابن الهاد.
(١) في ا: «وبهذا».
(٢) القائل هو البيهقي كما
في السنن الكبرى ١٠/ ٢٨٣.
(٣) أي في إتيان النساء في الدبر.
(٤)
آداب الشافعي ٢١٧، وقال الذهبي في الميزان ٣/ ٦١٢ تعليقا على هذا: هذا منكر من
القول بل القياس التحريم - يعني الوطء في دبر المرأة. وقد صح الحديث فيه.
وقال
الشافعي: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط.
وقال الربيع: والله لقد
كذب على الشافعي؛ فإن الشافعي ذكر تحريم هذا في ستة من كتبه.
وقد حكى
الطحاوي هذه الحكاية عن ابن عبد الحكم، عن الشافعي؛ فقد أخطأ في نقله ذلك عن
الشافعي، وحاشاه من تعمد الكذب. اهـ.
وانظر في المسألة الأم ٥/ ٨٤،
١٥٦، وشرح معاني الآثار ٢/ ٢٣ - ٢٦ ومسند الشافعي ٩٣، وتهذيب التهذيب ٩/ ٢٦١ -
٢٦٢، والتلخيص الحبير ٢/ ٣٠٥ وما بعدها، والسنن الكبرى ٧/ ١٩٦ وما بعدها.
(٥)
بعد هذا في ح: بياض إلى الكلمة التالية.
قلت: أما قوله: «غلط سفيان في
إسناد حديث ابن الهاد» فهو كما قال؛ وذلك لأن سفيان بن عيينة رواه عن يزيد بن
الهاد، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه قال:
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «إن الله لا يستحي من الحق: لا تأتوا النساء في أدبارهن».
وخالفه
عبد العزيز بن محمد، فرواه عن يزيد بن الهاد، عن عبيد الله بن عبد الله بن
الحصين، عن هرمي بن عبد الله الواقفي، عن خزيمة بن ثابت [١].
ورواه
الوليد بن كثير عن عبيد الله الخَطْمي [٢]، عن عبد الملك بن عمرو ابن قيس الخطمي،
عن هرمي بن عبد الله عن خزيمة بن ثابت.
ورواه الوليد بن كثير، عن عبيد
الله الخطمي، عن عبد الملك بن عمرو ابن قيس الخطمي، عن هرمي بن عبد الله، عن
خزيمة، وقيل عن حميد بن قيس عن هرمي، وقيل عن عمرو بن شعيب عن هرمي. وقيل عنه عن
عبد الله بن هرمي. فمداره على «هرمي» وليس بالمعروف.
وأما قوله: «ليس
فيه حديث ثابت» فقد رواه في رواية الربيع من حديث عمرو بن أحيحة، عن خزيمة. ووثق
جميع رواته.
قال: فلست أرخص فيه بل أنهي عنه [٣].
(١) آداب
الشافعي ٢١٥ - ٢١٦.
(٢) في ح: «الخطي» وهو تحريف. راجع الأنساب ٥/
١٦٤.
(٣) الأم ٦/ ٢١١، والسنن الكبرى ٧/ ١٩٦.
واستدل في
«كتاب عشرة النساء [١]» في تحريم إتيان النساء في أدبارهن بالآية، وبحديث عمرو بن
أحيحة، عن خزيمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال: والإتيان في
الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القبل محرّم بدلالة الكتاب والسنة.
أخبرنا
بذلك أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: أخبرنا
الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا الشافعي. فذكره.
وأخبرنا أبو عبد الله
أخبرني الحسين بن محمد الدارمي أخبرنا قال: حدثنا عبد الرحمن بن إدريس قال: حدثنا
الربيع بن سليمان قال:
كان الشافعي يحرم إتيان النساء في أدبارهن.
وأما
قوله: «والقياس أنه حلال» فإني قرأت في كتاب زكريا بن يحيى الساجي قال: سمعت
الربيع بن سليمان يقول: كذب - يعني ابن عبد الحكم - على الشافعي. قال الربيع: قال
الشافعي: إتيان النساء في أدبارهن حرام بالكتاب والسنة.
قلت: يحتمل أن
يكون صادقا في هذه الحكاية، وهذا مختصر من حكاية ابن عبد الحكم عن الشافعي في
مناظرة جرت بينه وبين محمد بن الحسن في عيبِهِ أهلَ المدينة بذلك وذَبّ الشافعي
عنهم على طريق الجدل. فأما المذهب فما وضعه في كتبه المصنفة من تحريمه. والله
أعلم.
* * *
(١) الأم ٥/ ١٥٦ وانظر ص ٨٤ منه، ومعرفة علوم
الحديث للحاكم ص ٦٥، وأحكام القرآن ١/ ١٩٣ - ١٩٤.
أخبرنا أبو سعيد:
محمد بن موسى قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال:
قال
الشافعي رحمه الله في حديث عبد العزيز بن عمر، عن ابن موهب، عن تميم الداري أن
رجلا أسلم على يدي رجل فقال [له [١]] النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت أحق الناس
بحياته وموته»:
لا يثبت، وابن موهب ليس بالمعروف عندنا، ولا نعلم لقى
تميما [٢]، ومثل هذا لا يثبت عندنا ولا عندكم من قبل أنه مجهول، ولا أعلمه
متصلا.
قلت: فقد ذكر فيه بعض الرواة سماعه منه. وضعفه البخاري رحمه
الله. وأدخل بعضهم بينه وبين تميم قبيصة. وهو أيضا ضعيف لا يثبت. وقد شرحناه في
«كتاب المعرفة» و «كتاب السنن».
* * *
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسين [٣] قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن
محمد - قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول:
سمعت الشافعي يقول:
اختلفوا في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصح ذلك حديث عمرة عن عائشة
قالت:
خرجنا لخمس ليالٍ بقين من ذي القعدة ولا نُرى إلا الحج، وإنما
أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر القضاء: أي ما يؤمر به [٤].
(١)
من الأم.
(٢) الأم ٦/ ١٧٧ والسنن الكبرى ١٠/ ٢٩٧.
(٣) في
ا: «الحسن».
(٤) الأم ٢/ ١٠٨.
وأخبرنا محمد بن عبد الله
الحافظ قال: حدثنا أبو العباس - هو الأصم - قال: حدثنا الربيع قال:
قال
الشافعي رضي الله عنه: وأشبه الرواية أن يكون محفوظا رواية جابر بن عبد الله أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لا يسمي حجًّا ولا عمرة وطاوس: أن النبي صلى
الله عليه وسلم خرج محرما ينتظر القضاء؛ لأن رواية يحيى بن سعيد عن القاسم، وعمرة
عن عائشة توافق روايته.
وبسط الكلام في بيان ذلك وتأويل قول من خالف
هذه الرواية. وهو منقول في «كتاب المعرفة».
* * *
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن
سليمان قال:
قال الشافعي: ومن باع سلعةً من السلع إلى أجل من الآجال
وقبضها المشتري فلا بأس أن يبيعها الذي اشتراها بأقل من الثمن أو أكثر أو دين أو
نقد [١] لأنها بيعة غير البيعة الأولى.
وقال «بعض الناس»: لا يشتريها
البائع بأقل من الثمن، وزعم أن القياس أن ذلك جائز، ولكنه زعم يتَّبع الأثر،
ومحمود منه أن يتَّبع الأثر الصحيح، فلما سُئِل عن الأثر إذا هو أبو إسحاق عن
امرأته عالية بنت أنفع: أنها دخلت مع امرأة أبي السفر على عائشة فذكرت لعائشة
حديثا: أن زيد بن أرقم باع شيئاً إلى العطاء ثم اشتراه بأقل مما باعه فقالت
عائشة: أخْبِري زيد بن أرقم
(١) في ح: «وأكثر ودين ونقد».
أن
الله قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب [١].
قال
الشافعي: قيل له: أثبت هذا الحديث عن عائشة؟ فقال: أبو إسحاق رواه عن امرأته.
قيل:
فتعرف امرأته بشيء يثبت به حديثها؟ فما علمته قال شيئاً.
فقلت له:
تردّ حديث بُسْرَةَ بنت صفوان: مهاجرة معروفة بالفضل بأن تقول حديث امرأة وتحتج
بحديث امرأة ليست عندك منها معرفة أكثر من أن زوجها روى عنها؟
وقال في
«مسألة بيع المدبر» وقد باعت عائشة مدبرة لها فكيف خالفتها مع حديث النبي صلى
الله عليه وسلم وأنتم تروون عن أبي إسحاق، عن امرأته، عن عائشة شيئاً في البيوع
تزعم أنت وأصحابك أن القياس غيره، وتقول: لا أخالف عائشة، ثم خالفتها [٢] ومعها
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقياس والمعقول.
وقال في حديث
أبي جعفر: محمد بن علي: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، باع خدمة مدبر [٣]. ما روى
هذا عن أبي جعفر فيما علمت أحدٌ يثبت حديثه [٤].
وإنما قال ذلك؛ لأن
راويه فيما وقع إلى الشافعي عن أبي جعفر: الحجاج بن أرطأة والحجاج لا يحتج به.
ثم
قال: ولو رواه من يثبت حديثه ما كان فيه لك حجة من وجوه. فذكر منها: أنه منقطع،
وأنت لا تثبت المنقطع لو لم يخالفه غيره، فكيف تثبت المنقطع
(١) الأم
٣/ ٦٨.
(٢) في ح: «مخالفها».
(٣) سقطت من ح.
(٤)
راجع تفصيل ذلك في السنن الكبرى ١٠/ ٣١٢.
يخالفه المتصل، ولو ثبت كان
يجوز أن أقول: باع رقبة مُدبَّر كما حدّث جابر، وخدمة مدَّبر، كما حدث محمد بن
علي.
وبسط الكلام فيه إلى أن قال:
روى أبو جعفر أن النبي،
صلى الله عليه وسلم، قضى باليمين مع الشاهد فقلت: مرسل. وقد رواه معه عددٌ
فطرحتَه، وروايته يوافقه عليها عددٌ منها حديثان متصلان أو ثلاثة صحيحة ثابتة وهو
لا يخالفه فيه أحد برواية غيره. وأردت تثبيت حديث رويته عن أبي جعفر ويخالفه فيه
جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما أبعد ما بين أقاويلك!!
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب حدثنا الربيع بن
سليمان:
حدثنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، وعن [١]
أبي الزبير، سمعنا «جابر بن عبد الله» يقول: دَبَّرَ رجلٌ منا غلاماً له ليس له
مال غيره، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن
النحام [٢].
قال عمرو: سمعت جابراً يقول: عبداً قبطيًّا مات عام أول
في إمارة ابن الزبير. زاد أبو الزبير: يقال له يعقوب.
قال الشافعي
[٣]: هكذا سمعته منه عامة دهري، ثم وجدت في كتابي: «دبّر رجل منا غلاماً له فمات»
فإما أن يكون خطأً من كتابي، أو خطأً
(١) في ا. «عن».
(٢)
الأم ٧/ ٣٤٨، والسنن الكبرى ١٠/ ٣٠٨.
(٣) الأم والكبرى في الموضعين
السابقين.
من سفيان: [فإن كان من سفيان [١]] فابن جريج أحفظ لحديث أبي
الزبير من سفيان، ومع ابن جريج حديث الليث وغيره. وأبو الزبير يحد الحديث تحديدا
يخبر [٢] فيه حياة الذي دبّره، وحماد بن زيد مع حماد بن سلمة وغيره أَحْفَظُ
لحديث عمرو من سفيان وحده.
وقد يستدل على حفظ الحديث من خَطَائه بأقل
مما وجدت في حديث ابن جريج والليث عن أبي الزبير، وفي حديث حماد بن [زيد عن] [٣]
عمرو [بن دينار] [٤] وغير حماد بن زيد عن عمرو كما رواه حماد.
وقد
أخبرني غير واحد ممن لقى سفيان بن عيينة قديماً أنه لم يكن يُدخل في حديثه:
«مات».
وعجب بعضهم حين أخبرته أني وجدت في كتابي: «مات» وقال: لعل هذا
خطأ عنه، وزلة منه حفظتها عنه.
قلت: قد ذكرنا في «كتاب السنن» و «كتاب
المعرفة» ما يشهد لقول الشافعي بالصحة في تعليل رواية سفيان، وقد وقعت هذه اللفظة
أيضاً في رواية شريك، عن سلمة بن كهيل، عن عطاء وأبي الزبير، عن جابر. وخالفه
إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش عن سلمة، عن عطاء، فقالا: «ودفع ثمنه إلى مولاه»
وبمعناه قاله حسين المعلم وعبد الحميد بن سهل وغيرهما، عن عطاء [٥].
(١)
من ح.
(٢) في ا، ح: «عني) والتصويب من الأم.
(٣) من
الأم.
(٤) من الأم.
(٥) السنن الكبرى ١٠/ ٣١١.
(م
٢ - مناقب جـ ٢)
وإنما وقع هذا الخطأ له ولغيره لما رويناه في إسناد
صحيح [١] عن مطر، عن عطاء، وعمرو، وأبي الزبير، عن جابر: أن رجلا من الأنصار أعتق
مملوكه إنْ حَدَثَ به حدَثٌ فمات فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فباعه من نعيم
بن عبد الله.
فقوله: «إن حدث به حدث فمات» من قول المعتق في شرط
العتق؛ لأنه إخبار عن موته يوم البيع، فتوهم بعض الرواة أنه خبر موته، وإنما هو
من قول المعتق في شرط العتق. والله أعلم [٢]،
* * *
أخبرنا
أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب
قال: حدثنا الربيع بن سليمان:
أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان، عن
الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا افتتح
الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع رأسه من
الركوع، ولا يرفع بين السجدتين.
قال الشافعي [٣]: فخالفنا «بعض الناس»
في رفع اليدين في الصلاة فقال: إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي أذنيه ثم لا
يعود لرفعهما في شيء من الصلاة.
(١) في السنن الكبرى ١٠/ ٣١١: «أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر: أحمد ابن سليمان بن الحسن الفقيه، حدثنا
محمد بن غالب بن حرب، حدثنا أبو غسان السمعي، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي، عن
مطر، عن عطاء بن أبي رباح، وأبي الزبير، وعمرو بن دينار أن جابر بن عبد الله
حدثهم أن رجلا من الأنصار. . .».
(٢) في هامش لزيازاء هذا: «آخر
التاسع وأول العاشر من اصل المصنف.
(٣) الأم ١/ ٩٠ - ٩٢، واختلاف مالك
٧/ ١٨٦، ٢٣٢ - ٢٣٣.
واحتج بحديث يزيد بن أبي زياد: أخبرناه سفيان، عن
يزيد [١] بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال:
رأيت
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا افتتح الصلاة رفع يديه.
قال
سفيان: ثم قدمت الكوفة فلقيت يزيد فسمعته يحدث بهذا وزاد فيه: «ثم لا يعود».
وظننت أنهم لقنوه. قال سفيان: هكذا سمعت يزيد يحدث به. سمعته بعد ذلك يحدث به
هكذا ويزيد فيه: «ثم لا يعود».
قال الشافعي: وذهب سفيان إلى أن يغلط
يزيد في هذا الحديث ويقول: كأنه لُقِّن هذا الحرف فتلقنَّه، ولم يكن سفيان يرى
يزيد بالحفظ.
قال الشافعي: فقلت لبعض من يقول هذا القول: حديث الزهري
عن سالم عن أبيه، أثبت عند أهل العلم بالحديث أم حديث يزيد؟ قال: بل حديث الزهري
وحده.
فقلت: فمع الزهري أحد عشر رجلا من أصحاب رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، منهم: أبو حُمَيْد السّاعِدِي، وحديث وائل بن حجر. كلها عن النبي، صلى
الله عليه وسلم، بما وصفت. وثلاثة عشر حديثاً أولى أن تثبت من حديث واحد. ومن أصل
قولنا وقولك: أنه لو لم يكن معنا إلا حديث واحد ومعك حديث يكافئه في الصحة، وكان
في حديثك أن لا يعود لرفع اليدين - كان حديثنا أولى أن يؤخذ به؛ لأن فيه زيادة
حفظ ما لم يحفظ صاحب حديثك. فكيف صرت إلى حديثك وتركت حديثنا والحجة لنا فيه عليك
[٢] بهذا، وبأن [٣] إسناد حديثك ليس كإسناد حديثنا،
(١) في ا: «زيد»
وهو خطأ.
(٢) في الأم: «والحجة ما فيه علمك» وهو تحريف.
(٣)
في ا: «وكان» وهو تحريف.
وبأن أهل الحفظ يرون أن يزيد لقن: «ثم لا
يعود» [١].
قال: فإن إبراهيم النخعي أنكر حديث وائل بن حجر وقال [٢]:
أرى [٣] وائل بن حُجْر أعلم من علي وعبد الله. قلت: وروى إبراهيم عن علي وعبد
الله: أنهما رويا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، خلاف ما روى وائلُ بن حُجْر؟
قال:
لا، ولكن ذهب إلى أن ذلك لو كان روياه أو فعلاه.
قلت: وروى إبراهيم
هذا عن علي وعبد الله نصًّا؟ قال: لا.
قلت: فخفى عن إبراهيم شيء رواه
علي وعبد الله أو فعلاه؟
قال: ما أشك في ذلك [٤].
قلت: فلم
احتججت بأنه ذكر عليا وعبد الله وقد يأخذ هو وغيره عن غيرهما ما لم يأت عن واحد
منهما؟
ومن قولنا وقولك أنَّ «وائل بن حجر» إذ كان ثقة لو روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم، شيئاً فقال عدد من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم لم
يكن ما روى - كان الذي قال كان أولى أن يؤخذ بقوله من الذي قال لم يكن.
وأصل
قولنا: إن إبراهيم لو روى عن علي وعبد الله لم يقبل منه لأنه لم يلق واحداً منهما
إلا أن يسمي بينه وبينهما ويكون ثقة لِلُقِيِّهِما.
ثم أردت إبطال ما
روى وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم
(١) في الأم: «أن يريد
أمرهم أن لا يعودوا» وهو خطأ.
(٢) في ا، ح: «قال».
(٣) في
الأم: «أروى» وهو خطأ.
(٤) راجع المحاورة في الأم ١/ ٩١.
فإن
لم يعلم [١] إبراهيم فيه قول علي وعبد الله؟
قال: لعله علمه.
قلت:
ولو علمه لم يكن عندي فيه حجة بأن رواه. وإن كنت تريد أن توهم أنه سمعه أنه رواه
بلا أن يقول هو: رويته - جاز لنا أن نتوهم في كل ما لم يروه أنه علم فيه ما لم
يقل: لنا علمناه. ولو روى عنهما خلافه لم يكن فيه عندك حجة.
فقال:
وائل أعرابي.
قلت: أفرأيت قَرْثَع الضبي [٢] وقزعة [٣] وسهم بن منجاب
[٤] حين روى
(١) في ا: «بأن لم يعلم».
(٢) في ح: «قريع»
وهو تصحيف. راجع المشتبه للذهبي ٢/ ٥٢٨ وهو قرثع الضبي الكوفي. روى عن سلمان
الفارسي، وأبي أيوب الأنصاري وأبي موسى الأشعري وغيرهم. روى عنه علقمة بن قيس
والمسيب بن رافع، وقزعة بن يحيى، وسهم بن منجاب.
كان من القراء
الأولين، قال الحاكم: سمعت أبا علي الحافظ يقول: أردت أن أجمع مسانيد قرثع الضبي؛
فإنه من زهاد التابعين فوجدته لم يسند تمام العشرة، وقال الخطيب: كان مخضرما،
وقتل في خلافة عثمان شهيداً.
راجع ترجمته في تهذيب التهذيب ٨/ ٣٦٧،
وميزان الاعتدال ٣/ ٣٨٧ والجرح والتعديل ٣/ ٢/١٤٧، والتاريخ الكبير ٤/ ١/١٩٩.
(٣)
هو قزعة بن يحيى ويقال: ابن الأسود. أبو الغادية البصري مولى زياد بن أبي سفيان.
روى عن ابن عمر وابن عمرو وأبي سعيد الخدري وقرثع الضبي وجماعة. وروى عنه عبد
الملك بن عمير وسهم بن منجاب وعاصم الأحول وغيرهم. وثقة العجبلي وابن حبان.
وترجمته في التهذيب ٨/ ٣٧٧.
(٤) هو سهم بن منجاب بن راشد الضبي
الكوفي. روى عن أبيه والعلاء بن الحضرمي وقرثع الضبي وقزعة بن يحيى. وثقة النسائي
وابن حبان. وترجمته في التهذيب ٤/ ٢٦٠.
إبراهيم عنهم، وروى عن عبيد بن
نَضْلة [١] أهم أولى أن يروى عنهم أو وائل بن حجر وهو معروف عندكم بالصحابة وليس
واحد من هؤلاء فيما زعمت معروفا عندكم بحديث ولا شيء؟
قال: لا، بل
وائل بن حجر.
ثم قلت: كيف ترد حديث رجل من الصحابة وتروى عمن دونه
ونحن إنما قلنا برفع اليدين عن عدد لعله لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم
شيئاً قط أكثر منهم غير وائل، ووائل أهل أن نقبل منه.
* * *
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الحسين: محمد بن يعقوب قال: حدثنا أبو
جعفر الطحاوي قال: حدثنا أبو إبراهيم المزني ومحمد بن عبد الله ابن عبد الحكم
قال:
حدثنا الشافعي، عن مالك، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب عُجرة أنه كان مع رسول الله صلى الله، عليه وسلم
فآذاه القمل في رأسه فأمره رسول الله صلى عليه وسلم أن يحلق رأسه [٢]. الحديث.
قال
الطحاوي: سمعت المزني وابن عبد الحكم، يقولان: قال محمد بن إدريس:
(١)
في ا: «نضيلة» وهو تحريف. وفي ح: «عبيد».
وهو عبيد بن نضلة الخزاعي:
أبو معاوية الكوفي المقرئ روى عن ابن مسعود والمغيرة بن شعبة، وروى عنه إبراهيم
النخعي، وهو ثقة قليل الحديث. مات سنة ٧٤.
وترجمته في تهذيب التهذيب
٧/ ٧٥.
(٢) السنن الكبرى ٥/ ٥٥.
غلط مالك بن أنس في هذا
الحديث؛ الحفاظ حفظوه عن عبد الكريم عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
قال
أبو جعفر الطحاوي: ولم يغلط «مالك» في هذا الحديث، إنما غلط فيه «الشافعي»؛ لأن
ابن وهب والقَعْنَبي قد روياه عن مالك، عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد.
قلت:
لم يغلط الشافعي فيما قال، وإنما غلط «الطحاوي» لأن مالك ابن أنس، رحمنا الله
وإياه، كان يقرأ عليه الموطأ بعد ما صنفه إلى آخر عمره مرة بعد أخرى. ففي العرضة
التي حضرها الشافعي لم يذكر في إسناده مجاهدا.
قال: والشافعي إنما
تكلم على ما رواه له دون ما رواه لغيره، ولم يكن قد وقعت إليه رواية ابن وهب حتى
يعلم بها، إنه إنما ترك ذكره في سماعه، وقد رواه يحيى بن عبد الله بن بكير، وهو
أحد حفاظ المصريين، عن مالك بن أنس عن عبد الكريم، عن ابن أبي ليلى [١] كما رواه
الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه.
* * *
أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا محمد بن رمضان بن
شاكر قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول:
سمعت الشافعي
يقول: لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث.
(١) في ح:
«عبد الكريم بن أبي ليلى» وهو خطأ.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن قال:
أخبرنا الحسن بن رشيق - إجازة - قال: حدثنا محمد بن يحيى الفارسي قال: حدثنا محمد
بن عبد الله قال: سمعت الشافعي يقول: لم يضبط أحمد من أهل البلدان فتوح بلادهم
إلا أهل الحجاز.
أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد بن موسى قال: حدثنا
محمد بن المظفر قال: حدثنا أبو الفضل: جعفر بن أحمد بن محمد السلمي الأنطاكي بمصر
قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال:
قال لي محمد بن إدريس الشافعي:
إذا وجدت متقدمي أهل المدينة على شيء فلا يَدْخُل قلبَك شكٌّ أنه حق [١].
(١)
في هامش ح: بلغ مقابلة في المجلس الرابع عشر.
باب ما يستدل به على إتقان الشافعي رحمه الله في الرواية ومذهبه في قبول
الأخبار واحتياطه فيها
* * *
أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد الماليني قال: حدثنا
أبو أحمد بن عدي الحافظ قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن حيوية قال: وجدت في كتاب
لأبي سعيد الفريابي [١] رحمة الله عليه أن المزني قال:
قال الشافعي:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حدثوا عن نبي إسرائيل ولا حرجَ وحدِّثوا عني
ولا تكذِبُوا عليّ» [٢].
قال: معناه أن الحديث إذا حدثت به وأدّيته
على ما سمعت حقًّا كان أو غير حق لم يكن عليك حرج، والحديث عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا ينبغي أن يُحدث به إلا عن ثقة.
وقد قيل [٣]: «من حدَّث
حديثاً وهو يَرَى أنه كذبٌ فهو أحدُ الكاذِبَيْن» [٤].
(١) في ا:
«الفريابي قال: قال «المزني».
(٢) أخرجه الشافعي في الرسالة ص ٣٩٧ من
حديث أبي هريرة، والبغدادي في شرف أصحاب الحديث ل ٣١ - ب، والحميدي في مسنده ٣/
٤٩١ - ٤٩٢ وأحمد في المسند ٢/ ٤٧٤، ٥٠٢.
وأخرجه البيهقي في المعرفة من
حديث أبي هريرة وغيره ١/ ٤٨ - ٤٩.
(٣) القائل: رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
(٤) أخرجه الشافعي في الرسالة ص ٣٩٩، والبيهقي في المعرفة
١/ ٥٠، وفي المدخل إلى دلائل النبوة لوحة ٥ - ب، ومسلم في مقدمة صحيحه ١/ ٩ وابن
ماجه في مقدمة السنن ١/ ١٤، ١٥ وأبو داود الطيالسي في مسنده ص ١٢١ وابن حبان في
صحيحه ١/ ١٦٦.
قال: إذا حدثت بالحديث فيكون عندك كذباً ثم تحدثه فأنت
أحد الكاذبين في المأثم.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو
العباسي: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي بعد فصل
ذكره:
وجماع هذا أنه لا يقبل إلا حديث ثابت كما لا يقبل من الشهود إلا
من عرف عدله [١].
وإذا كان الحديث مجهولا أو مرغوبا عمن حمله كان كما
لم يأت لأنه ليس بثابت.
وذكر بهذا الإسناد شرائط من يقبل خبره
فقال:
ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أموراً منها:
أن
يكون من حدّث به ثقةً في دينه، معروفاً بالصدق في حديثه، عاقلاً لما يحدث به،
عالماً بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، وأن يكون ممن يؤدِّي الحديث بحروفه كما
سمعه، ولا يحدِّث به على المعنى؛ لأنه إذا حدَّث به على المعنى وهو غير عالم بما
يحيل معناه - لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام. وإذا أدى بحروفه لم يبق وجه
يخاف فيه إحالة الحديث.
حافظاً إن حدّث من حفظه. حافظاً لكتابه إن
حدّث من كتابه. إذا شرك [٢] أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم. بريئاً من أن يكون
مدلِّساً،
(١) في ح: «عدالته».
(٢) في ح: «إذا ترك شرك»
وهو خطأ.
يحدث عمن لقى ما لم يسمع منه أو يحدث عن النبي صلى الله عليه
وسلم بما يحدث الثقات خلافه.
ويكون هكذا مَنْ فوقه ممن حدثه ينتهي
بالحديث موصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى من انتهى به إليه دونه؛ لأن
كل واحد منهم مُثْبِتٌ لِمَنْ حدَّثه ومثبتٌ على من [١] حدَّث عنه [٢].
قال
في القديم في رواية الزعفراني عنه:
فإن جُهِل منهم واحد وقف عن روايته
حتى يعرف بما وصفت فيقبل خبره أو بخلافه فيردَّ خبره، كما يقف الحاكم عمن شهد
عنده حتى يتبيّن عدله فيقبل شهادته أو جرحه فيردَّ شهادته.
وقال في
الجديد في روايتنا:
ومن كثر [٣] غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب
صحيح - لم يقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادات لم تقبل شهادته.
قال:
وأقبل الحديث: حدثني فلان عن فلان، إذا لم يكن مدلِّساً.
ومن عرفناه
دلّس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته وليست تلك العورة بِكَذبٍ فيردّ بها
حديثُه، ولا على النصيحة في الصدق فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق،
فقلنا: لا نَقْبل من مدلِّسٍ حديثاً حتى يقول: حدثني أو سمعت.
(١) في
ا: «لمن».
(٢) معرفة السنن والآثار ١/ ٤١ - ٤٢.
(٣)
المعرفة ١ - ٤٢.
قال الشافعي: ولا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه
إلا بصدق المخبر وكذبه، إلا في الخاص القليل من الحديث، وذلك بأن يحدِّث المحدِّث
بما لا يجوز أن يكون مثله، أو يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه.
وقال
بهذا الإسناد في الفرق بين الشهادة والخبر:
إني أقبل في الحديث الرجلَ
الواحدَ والمرأة، ولا أقبل واحداً منهما في الشهادات وحده. وأقبل الحديث: حدثني
فلان عن فلان إذا لم يكن مدلِّسا، ولا أقبل في الشهادات إلا سمعت أو رأيت أو
أشهدني.
وتختلف الأحاديث: فنأخذ ببعضها استدلالاً بكتاب الله أو سنة
أو إجماع أو قياس. وهذا لا يؤخذ به في الشهادات.
ثم يكون بشر كلّهم
تجوز شهادته، ولا أقبل حديثه من قبل ما يدخل في الحديث من كثرة الإحالة وإزالة
بعض الألفاظ والمعاني. وبسط الكلام فيه إلى أن قال في شرح ذلك:
وتكون
اللفظة تُتْرك من الحديث فتُحيل معناه، أو ينطق بها بغير لفظ المحدث والناطق بها
غير عامد لإحالة الحديث فتحيل معناه. فإذا كان الذي يحمل الحديث يجهل هذا المعنى
وكان غير عاقل للحديث فلم يقبل حديثه إذا كان ممن لا يؤدي الحديث بحروفه وكان
يلتمس تأديته على معانيه وهو لا يعقل المعنى.
وقال في الفرق بينهما:
حيث قبل خبر الواحد ولم تقبل شهادة الواحد وحده أن يكون العدل يكون جائزَ الشهادة
في أمور مردوداً في أمور: إذا
شهد في موضع يَجُرُّ به إلى نفسه زيادة،
أو يدفع بها عن نفسه غرماً، أو إلى والده وولده، أو يدفع بها عنهما، ومواضع الظن
سواها.
والشاهد إنما يشهد على واحد ليلزمه غرما أو عقوبة وللرجل
ليُؤْخذ له غرم أو عقوبة وهو خلى مما لزم غيره.
وبسط الكلام فيه إلى
أن قال:
والمحدِّث بما يحل ويحرم لا يجر إلى نفسه ولا إلى غيره ولا
يدفع عنها ولا عن غيره شيئا مما يَتَموَّلُ الناسُ، ولا بما فيه عقوبة عليهم ولا
[لهم، [١] و] هو ومن حدثه ذلك الحديث من المسلمين سواء.
وبسط الكلام
فيه إلى أن قال:
ولأنهم - يعني [٢] المحدثين من أهل العلم - وُضِعُوا
موضع الأمانة ونُصِبُوا أعلاماً للذين كانوا عالمين بما ألزمهم الله من الصدق في
كل أمر، وإن الحديث في الحلال والحرام أعلى الأمور وأبعدها من أن يكون فيه موضع
ظنة، وقد قدم إليهم في الحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بشيء لم يتقدم
إليهم في غيره: فوعد على الكذب عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، النار. وذكر
الأحاديث التي وردت في هذا الباب، وهي مذكورة في غير هذا الكتاب.
وقرأت
في كتاب أبي الحسن العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، عن القزويني - قاضي مصر -
عن الربيع، قال:
سمعت الشافعي يقول:
(١) سقط من ح.
(٢)
في ح: «بمعنى».
لا يجوز لأحد أن يختصر حديث رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، فيأتي ببعض الحديث ويترك بعضه، يحدث بالحديث كما روى عنه بألفاظه؛ ليدرك
كلٌّ مما سمع منها ما فهَّمَه الله تبارك وتعالى.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن بن الحسين السُّلمي قال: حدثنا الحسين بن محمد الماسرجَسِي الحافظ قال:
حدثنا محمد بن سفيان - بمصر - قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال الشافعي
رحمه الله: الأصل قرآن أو سنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا اتصل الحديث عن
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصح الإسناد منه فهو سنة، والإجماع أكثر من الخبر
الواحد المنفرد، والحديث على ظاهره، وإذا احتمل الحديث المعاني فما أشبه منها
ظاهره أولاها به، وإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسناداً أولاها، وليس المنقطع بشيء
ما عدا منقطع ابن المسيب، ولا يقاس أصل على أصل، ولا يقال لأصل: لم ولا: كيف؟
وإنما يقال للفرع: لم، فإذا صح قياسه على الأصل صح وقامت الحجة به، فإذا روى
الثقة حديثا ولم يروِه غيره لا يقال شاذا؛ إنما الشاذ أن يروى الثقات حديثا على
نصٍّ - أو قال على نسق - ثم يرويه بعضهم مخالفاً لهم يقال: شذ عنهم [١].
هكذا
رواه أبو موسى: يونس بن عبد الأعلى، عن الشافعي في المنقطع. وشرط الشافعي في
المنقطع في «كتاب الرسالة» ما نقلناه في «كتاب المدخل» و «كتاب المعرفة [٢]»
وغيرهما وهو: أن لا يقبل المراسيل من بعد كبار التابعين. قال الشافعي: لأمور:
(١)
آداب الشافعي ص ٢٣١ - ٢٣٤.
(٢) معرفة السنن والآثار ١/ ٧٩ - ٨٤.
أحدها:
أنهم أشدُّ تحرُّزاً فيمن يرْوُون عنه.
والآخر: أنهم تؤخذ عليهم
الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه.
والآخر: كثرة الإحالة في الأخبار،
فإذا كثرت الإحالة كان أمكن لسهوهم وضعف [١] من يقبل عنه، فأما كبار التابعين
الذين أرسلوا الحديث فشركهم الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
قال الشافعي: فإن انفرد - يعني الواحد منهم - بإرسال حديث
لم يشركه فيه من يسنده قُبل ما ينفرد به من ذلك، ويعتبر عليه بأن ينظر: هل يوافقه
مُرْسَلُ غيره ممن قَبِل العلم من غير رجاله الذين قبل عنهم، فإن وجد ذلك كانت
دلالة تقوى له مُرْسَله، وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن أصحاب النبي،
صلى الله عليه وسلم قولا له فإن وجد يوافق ما روى عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كانت هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله، وكذلك إن
وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم بمن
يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا، ولا مرغوبا عن الرواية
عنه فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه، ويكون إذا شرك أحدا من الحفاظ في حديث لم
يخالفه.
وبسط الكلام فيه وهو فيما أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال:
حدثنا أبو العباس قال: حدثنا الربيع قال: حدثنا الشافعي. فذكره.
(١)
في ح: «للوهم والضعف».
قلت: فالشافعي رحمه الله، يقبل مراسيل كبار
التابعين إذا انضم إليها ما يؤكدها، وقد ذكرنا في «كتاب المدخل» من أمثلتها
بعضها، وإذا لم ينضم إليها ما يؤكدها [لم يقبله] سواء كان مرسل ابن المسيَّب أو
غيره.
وقد ذكرنا في غير هذا الموضع مراسيل لابن المسيب لم يقل بها
الشافعي حين لم ينضم إليها ما يؤكدها، ومراسيل لغيره قد قال بها حين انضم إليها
ما يؤكدها، وزيادة ابن المسيب على غيره في هذا: أنه أصح التابعين إرسالا فيما زعم
الحفاظ والله أعلم
* * *
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال:
حدثنا أبو العباس قال: حدثنا الربيع قال:
حدثنا الشافعي قال: حدثنا
سفيان عن يحيى بن سعيد قال: سألت ابناً لعبد الله بن عمر عن مسألة فلم يقل فيها
شيئا فقيل له: إنا لنعظم أن يكون مثلك ابن إمامَيْ هُدًى [١] تُسأل عن أمر ليس
عندك فيه علم؟ فقال: أعظمُ والله من ذلك عند الله، وعند مَن عرف الله، وعند مَنْ
عقل عن الله أن أقول ما ليس لي به علم أو أخبر عن غير ثقة [٢].
وبإسناده
قال: حدثنا الشافعي قال: أخبرني عمي: محمد بن علي بن شافع عن هشام، عن عروة، عن
أبيه قال: إني لأسمع الحديث أستحسنه فما يمنعني
(١) في مقدمة صحيح
مسلم. يعني عمر وابن عمر.
(٢) مقدمة صحيح مسلم ١/ ١٦، والكفاية ٣٣،
والأم ٦/ ٩١، والمعرفة ١/ ٥٢.
من ذكره إلا كراهيةُ أن يسمعه سامعٌ
فيقتدي به. أسمعه من الرجل لا أثق به قد حدثه عمن أثق به، وأسمعه [١] من الرجل
أثق به قد حدثه عمن لا أثق به.
قال الشافعي: وقال سعد بن إبراهيم: لا
يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا الثقات [٢].
أخبرنا أبو الحسين:
علي بن محمد بن عبد الله بن بشران قال: حدثنا أبو جعفر: محمد بن عمرو الرزاز قال:
حدثنا محمد بن إسماعيل السُّلمي قال: سمعت الحميدي يقول: سمعت ابن عيينة يقول:
سمعت مِسْعر بن كدام يقول: سمعت سعد بن إبراهيم يقول: لا يحدِّثُ عن النبي صلى
الله عليه وسلم إلا الثقات.
* * *
أخبرنا محمد بن عبد الله
الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود
قال: سمعت الربيع يقول:
سمعت الشافعي وسأله رجل عن شيء من أمر نوح
فقال الشافعي: ليتنا نجد بيننا وبين نبينا صلى الله عليه وسلم أي شيء يصح فكيف
بيننا وبين نوح؟!
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الحسن:
محمد بن عبد الله الجوهري يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول: سمعت أبا عبد
الله: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري يقول:
(١) في ح: «إسمعه»
وهو خطأ. والخبر في المعرفة ١/ ٥٢، والأم ٦/ ٩١، والكفاية ص ٣٢.
(٢)
أخرجه الشافعي في الأم ٦/ ٩١، ومسلم في مقدمة الصحيح ١/ ١٥، والخطيب في الكفاية ص
٣٢، والبيهقي في معرفة السنن والآثار ١/ ٥٢، وعلي بن الجعد في مسنده لوحة ١٨٩.
(م
- ٣ مناقب جـ ٢)
كان الشافعي رحمه الله إذا سئل عمّن لا يعرفه: أثقة
هو؟ فيقول: والله لا أشهد أنه مسلم.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلمي
قال: حدثنا محمد بن العباس الضَّبِّي قال: أنبأنا عيسى بن عبد الله.
ح.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن قال: حدثنا أبو محمد بن أبي حامد قال: حدثنا عيسى بن عبد
الله العُثماني قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول:
قال سفيان بن عيينة: حدث الزهري يوما بحديث فقلت: هاته بلا إسناد فقال لي الزهري:
أترقى السطح بلا سلم؟ وفي روايته عن الضبي: أترقى السطح بلا سُلَّم؟
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا سهل محمد: بن سليمان الفقيه إمام الشافعيين في
عصره يقول: [سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول [١]:]
سمعت الشافعي يقول:
إذا قرأت على المحدث فقل: أخبرنا، وإذا قرأ عليك المحدث فقل: حدثنا [٢].
وكذلك
حكاه زكريا الساجي وغيره، عن الربيع، عن الشافعي، قال: زكريا: سمعت الحسن بن محمد
الزعفراني يقول:
كان الشافعي إذا حدثنا عن مالك يقول: حدثنا، وربما
[٣] يقول: أنبأنا، كأنه واحد.
(١) ما بين القوسين سقط من ا.
(٢)
آداب الشافعي ٩٩، والكفاية ٣٠٣، والمعرفة ١/ ٨٧.
(٣) في ا:
«وإنما».
قلت: الذي رجع إليه الشافعي في الجديد قول أحمد بن حنبل
وأكثر أهل الحديث.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين
بن محمد الدارمي [١] قال: أخبرنا عبد الرحمن - يعني محمد بن إدريس - قال: أخبرني
أبي قال:
سمعت الربيع بن سليمان يقول: همّ الشافعي بالخروج - يعني من
مصر - وكان قد بقي عليّ من كتاب البيوع شيء، فقلت للشافعي: أجزه لي فقال: ما قرئ
عليّ فكما قرئ عليّ فأعدت عليه بعد ذلك، فأعاد مثل ما قال أولاً وما زادني على
ذلك، ثم منَّ الله علينا به فأقام عندنا بعد ذلك مدة، فسمعنا بعد ذلك وتوفى
عندنا. يعني أنه كره الإجازة [٢].
قلت: وقد كرهها أيضا مالك بن أنس
وجماعة من الحفاظ، ورخص فيها جماعة منهم، ومن رخص فيها ميزها من السماع وبيّنها
للفرق بينهما، وترجيح [٣] السماع عليها لما يخشى فيما أجيز له ووصل إليه كتابه من
الإحالة والتحريف.
وبالله التوفيق.
أخبرنا محمد بن الحسين
السلمي قال: أخبرنا يونس [٤] بن عمر الزاهد قال: قرئ على أبي الحسن المصري وأنا
أسمع: حدثكم عمر بن عبد العزيز بن مقلاض قال: سمعت أبي يقول:
سمعت
الشافعي يقول: قال شعبة بن الحجاج: التدليس أخو الكذب.
(١) في ح:
«الحسن بن محمد الرازي».
(٢) معرفة السنن والآثار ١/ ٨٧، والكفاية
٣١٧، وآداب الشافعي ٩٨.
(٣) في ا: «فترجيح».
(٤) في ا:
«يوسف».
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن الحسن
قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، ابن أخي
عبد الله بن وهب قال:
سمعت الشافعي يقول: إذا رأيت الكتاب فيه إلحاق
وإصلاح فاشهد له بالصحة.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا
الحسن القصار الفقيه يقول: سمعت ابن أبي حاتم يقول: سمعت الربيع بن سليمان
يقول:
قرأت «كتاب الرسالة المصرية» على الشافعي نيفا وثلاثين مرة فما
من مرة إلا كان يصححه. ثم قال الشافعي في آخره: أبى الله [١] أن يكون كتاب صحيح
غير كتابه.
قال الشافعي: يدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَلَوْ
كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [٢]}
.
قلت: ومما يذكر في إتقان الشافعي رحمه الله روايةَ الحديث أنه كان
سمع من مالك بن أنس الكثير، ثم روى حديثا لم يسمعه منه عن الثقة عنده، عن عبد
الله بن الحارث عن مالك. وكان قد سمعه من عبد الله بن الحارث فشك فيه فتركه،
ورواه عن الثقة عبد الله بن الحارث، ورواه أيضاً عن مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن
جريج، عن سفيان الثوري، عن مالك، عن رجل، عن عبد الله بن نافع، عن مالك، مع سماعه
الكثير من عبد الله بن نافع.
(١) في ا: «والله».
(٢) سورة
النساء: ٨٢.
وكان قد سمع الحديث الكثير من «عبد العزيز بن محمد
الدراوَرْدي، وروى ما لم يسمعه منه عن عمرو بن سلمة وغيره عن عبد العزيز. وله من
هذا الجنس روايات كثيرة.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو
أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا أحمد بن سنان
الواسطي قال:
كتب الشافعي حديث ابن عجلان، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن
أبيه، عن عمه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه رأى رجلا يصلي في ناحية المسجد
فقال له: ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ [١]» كتب الشافعي هذا الحديث عن حسين الألثغ عن
يحيى بن سعيد. قال: [أَبو محمد - يعني [٢]] ابن أبي حاتم: ولعل يحيى بن سعيد كان
حيا في ذلك الوقت.
قلت: وهذا لأن هذا الحديث كان عند الشافعي عن
إبراهيم بن محمد، وكان إبراهيم قد خلَط في إسناده، فأحبَّ أن يسمعه من طريق صحيح
فسمعه ممن هو أصغر سنا منه لحاجته إليه، ولم يستنكف من ذلك لتقواه الله تعالى
[٣]، ولأن قصده من العلم كان الإرشاد والنصيحة، لا الشرف [٤] به وبالعالي من
الإسناد. وبالله التوفيق.
وقوله في بعض رواياته: «أخبرنا الثقة» لا
لأنه كان يأنف من ذكر اسمه،
(١) راجع الحديث من رواية أبي هريرة في
صحيح مسلم ١/ ٢٩٨، والسنن الكبرى ٢/ ٣٧.
(٢) ما بين القوسين ليس في
ح.
(٣) في ا: «لقوله تعالى».
(٤) في ا: «التسوق» وهو
تحريف.
ولكن لمعنى آخر ذكرناه في رواية محمد بن عبد الله بن عبد الحكم
عن الشافعي، في شيء حكاه ابن عبد الحكم عن الشافعي، فلم يذكره الشافعي، فجعل ابن
عبد الحكم يذكره حتى ذكره، فقال: يا محمد، لا تحدث عن حيّ؛ فإن الحي لا يُؤمن
عليه النسيان.
فكأنه، رحمه الله، حين وضع الكتاب الذي روى فيه عن
الثقة عنده لم تبلغه وفاة [١] المروي عنه فاستعمل ما قاله لابن عبد الحكم. والله
أعلم.
ومما يعد [في إتقانه: أنه كان يجد [٢]] الحديث في كتابه في
موضعين: أحدهما موصولا والآخر منقطعاً فيرويه منقطعا.
ومما يعد في
إتقانه: أنه كان يروي له بعض شيوخه حديثاً مرفوعاً فيجده في رواية الحفاظ موقوفاً
فيقفه ويبيِّنه.
وكذلك يروي له بعض شيوخه حديثا متصلا فيجده في رواية
الحفاظ منقطعا فيرسله ويبينه.
ومما يعد في احتياطه لنفسه ونظره في
كتبه لدينه أنه كان لا يرى الاحتجاج برواية المجهولين ولا بما كان ضعيفا عنده
بانقطاع أو ضعف راوٍ، وإن رواه في جملة ما روى من الأحاديث بيَّن ضعف، وأخبر أن
اعتماده فيما اختار على غيره. ومثال ذلك فيما أخبرنا أبو سعيد: محمد بن موسى قال:
حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع قال:
قال الشافعي رحمه الله
في أثرين ذكرهما في مسألة من «كتاب الحدود»:
(١) في ا: «وقاله».
(٢)
ما بين القوسين سقط من ا.
وهاتان الروايتان وإن لم تُخالفهما [١] غير
معروفتين عندنا، ونحن نرجو أن لا يكون ممن تدعوه الحجة على من خالفه إلى قبول خبر
من لا يَثبت خبره بمعرفته عنده. وله من أمثال هذا كلام كثير نقله إلى «كتاب
المعرفة».
ومما يعد في إتقانه واحتياطه: أنه كان يروي حديثا بإسناد
صحيح وآخر بإسناد أضعف منه فيميز بينهما فيما يدبر من الكلام بالعبارة.
ومثال
ذلك أنه روى حديث مالك وسفيان عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه قضى في الأرنب بعَناق [٢]، وحديثه عن سعيد عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الضحاك
عن ابن عباس في معناه. ثم قال فيما يريد من الكلام: وقلنا قول عمر بن الخطاب وما
روى عن ابن عباس أن فيها عَناقا دون المسِنَّة، وذكر حجته. فميز بينها في اللفظ؛
لأن الرواية فيه عن عمر رضي الله تعالى عنه موصولة صحيحة من ابن عباس فقال: وما
روى ابن عباس لم يقل قول ابن عباس.
(١) في ح: «يخالفانا».
(٢)
في الأم ٢/ ١٦٤ - ١٦٥: أخبرنا مالك وسفيان، عن أبي الزبير، عن جابر أن عمر ابن
الخطاب قضى في الأرنب بعناق.
أخبرنا سعيد بن سالم، عن إسرائيل بن
يونس، عن أبي إسحاق، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس: أنه قال: في الأرنب
شاة.
أخبرنا سعيد، عن ابن جريج أن مجاهدا قال: في الأرنب شاة.
قال
الشافعي:
الصغيرة والكبيرة من الغنم يقع عليها اسم شاة، فان كان عطاء
ومجاهد أرادا صغيرة فكذلك نقول، ولو كانا أرادا مسنة خالفناهما، وقلنا قول عمر بن
الخطاب رضي الله تعالى عنه، وما روى عن ابن عباس من أن فيها عناقا دون المسنة،
وكان أشبه بمعنى كتاب الله تعالى، وقد روى عن عطاء ما يشبه قولهما: أخبرنا سعيد
بن سالم، عن الربيع بن صبيح، عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: في الأرنب عناق أو
حمل.
وله من أمثال ذلك كلام كثير يطول ذكره. والله يوفقنا لما وفقه له
بفضله ورحمته.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله:
الحسين بن الحسن الفقيه ببخاري يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
فقال لي: هذه الأحاديث التي في كتب الشافعي رحمه الله وهو يرويها عني يجب أن
تأخذها لفظا بعد لفظ.
وقد حدثني رفيقنا أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم
بن عبدان الكرماني بهذه الرؤيا أشبع من هذا قال: سمعت أبا عبد الله الحسين بن
الحسن الحليمي يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ببخاري كأنه في
صحراء على ربوة من الأرض، وبين يديه الأئمة الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي،
رضي الله عنهم أجمعين، وكلّ واحد منهم على يسار صاحبه دونه، وأنا دونهم، فقال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه الأحاديث التي في كتاب الشافعي وهو يرويها عني
يجب أن تأخذها لفظا بعد لفظ.
باب ما يستدل به على فصاحة الشافعي ومعرفته [١] باللغة وديوان العرب.
* * *
أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ،
قال: أخبرني الحسين بن علي بن محمد، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس
[٢] - قال: أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل، فيما كتب إليّ، قال:
قال
الشافعي [٣] رضي الله عنه: أنا قرأت على «مالك» وكان يعجبه قراءتي. قال: لأنه كان
فصيحا.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني الزبير بن عبد الواحد،
قال: حدثني أبو المؤمل: عباس [٤] بن الفضل، بأُرْسُوف [٥]، قال: سمعت محمد بن عوف
يقول:
سمعت «أحمد بن حنبل» يقول: الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في
اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه [٦].
(١) في ا: «في
معرفته».
(٢) في ح: «بن الزبير» وهو تحريف.
(٣) آداب
الشافعي ص ٢٨، ١٣٦، وتاريخ دمشق ١٠/ ١٩٦ - ب.
(٤) في ح: «عثمان» وهو
تحريف.
(٥) مدينة على ساحل بحر الشام بين قيسرية ويافا. وهي بفتح
الهمز كما في معجم البلدان ١/ ١٩٢ أو بضمها كما في الأنساب ١/ ١٦٦.
(٦)
تاريخ دمشق: الموضع السابق.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا
الحسن بن رشيق - إجازة - قال: ذكر زكريا السّاجي، أخبرني جعفر بن محمد، قال: قال
«أحمد بن حنبل [١]»: كلام الشافعي في اللغة حجة.
أخبرنا محمد بن عبد
الله الحافظ، قال: أخبرني أبو القاسم بن عبيد: أن زكريا بن يحيى الساجي حدثهم
قال: أخبرنا أحمد بن محمد ابن بنت الشافعي، قال: سمعت أبي يقول:
أقام
الشافعي على قراءة العربية وأيام الناس عشرين سنة، وقال: ما أردت بهذا إلا
الاستعانة على الفقه.
أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي،
أخبرنا الحسن بن رشيق - إجازة - حدثنا أحمد بن علي المدائني، قال: قال المزني:
قدم
علينا الشافعي وكان بمصر «ابن هشام» صاحب المغازي، وكان علامة أهل مصر في الغريب
والشعر، فقيل له: تأتى الشافعي، فأبى. فلما كان بعد ذلك قيل له: إنّه وإنّه،
فأتاه فذاكره أنساب الرجال، فقال الشافعي، رضي الله عنه، له بعد أن تذاكرا: دع
عنك أنساب الرجال فإنها لا تذهب عنا وعنك، وخذ بنا في أنساب النساء. فلما أخذوا
فيها بَقِيَ ابنُ هشام [٢].
وكان بعد ذلك يقول: ما ظننت أن الله خلق
مثل هذا.
وكان يقول: قول الشافعي رضي الله عنه في اللغة حجة.
(١)
في ح: «قال: إن أحمد بن حنبل قال».
(٢) سبق ص ٤٨٨. وانظر توالي
التأسيس ص ٦٠.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا علي بن عمر
الحافظ، ببغداد، حدثنا إبراهيم بن علي النَّسائي، حدثنا محمد بن رمضان، قال: سمعت
محمود النحوي، يقول:
كان «عبد الملك بن هشام» النحوي إذا شك في شيء من
اللغة بعث إلى الشافعي فسأله عنه.
أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد
الماليني، أخبرنا أبو أحمد: عبد الله بن عديّ الحافظ، قال: حدثنا يحيى بن حيوية،
قال: سمعت أبا سعيد الفريابي، يقول: سمعت محمد النحوي، يقول: سمعت ابن هشام
النحوي يقول:
طالت مجالستنا محمد بن إدريس الشافعي فما سمعت منه لحنة
قطّ، ولا كلمة غيرها أحسن منها [١].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ،
أخبرنا أبو الوليد الفقيه، قال: سمعت محمد ابن المسيب، وأبا نعيم، يحكيان عن
الربيع أنه قال:
قال ابن هشام صاحب المغازي: الشافعي ممن يؤخذ عنه
اللغة [٢].
وقال الربيع: وكان ابن هشام بمصر [٣] كالأصمعي بالعراق.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، حدثنا علي بن عيسى
المدائني، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول:
(١) تاريخ دمشق ١٠/ ٠ ٢
- ا، وتوالي التأسيس ص ٦.
(٢) تاريخ دمشق: الموضع السابق، وتوالي
التأسيس في الموضع السابق، ومناقب الشافعي ص ١٣٦.
(٣) توفى ابن هشام:
عبد الملك بن هشام المعافري بمصر سنة ٢١٣.
سمعت أيوب بن سويد يقول:
خذوا عن الشافعي اللغة.
أَخبرنا أبو عبد الله: الحسين بن محمد بن
الحسين الدِّينوري، حدثنا ظَفْران بن الحسين، حدثنا أبو محمد بن أبي حاتم، قال:
حدثت عن «أبي عبيد: القاسم بن سلام» قال:
كان الشافعي ممن يؤخذ عنه
اللغة، أو من أهل اللغة. قال أبو محمد: الشك مني [١].
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ قال: قال أبو العلاء الأصبهاني: أخبرنا أبو بكر الأنباري، حدثني أبي،
عن أبي عبيدة قال:
قال أبو عثمان المازني: الشافعي عندنا حجة في
النحو.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنبأنا علي بن عمر الحافظ،
ببغداد، حدثنا عمر بن الحسن بن علي القَرَاطِيسي، حدثنا ابن أبي الدنيا، حدثنا
عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال:
قلت لعمي يا عمَّاه، على من قرأت شعر
هُذَيل؟ فقال: على رجل من آل المطلب يقال له: محمد بن إدريس [٢].
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد الفقيه، قال، سمعت شيخا يحدث أبا العباس
بن سريج يقول: سمعت أبي يقول:
سمعت الأصمعي يقول: صَحَّحْتُ أشعار
الهُذَلِيِّين على شاب من قريش بمكة يقال له: محمد بن إدريس الشافعي.
(١)
آداب الشافعي ومناقبه ص ١٣٦ - ١٣٧.
(٢) تاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٠ - ا،
ومناقب الفخر ص ٨٧.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن
أبي نصر، قال: سمعت منصور بن محمد بن الحنفي يقول: سمعت أبا عمر الزَّاهِد يقول:
سمعت «أبا موسى الحامض [١]» يقول:
قال الأصمعي: قرأت على الشافعي
الشعر.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، أخبرنا الفضل بن
الفضل الكندي، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، قال: سمعت جعفر بن محمد الخُوَارَزْمي
يحدث عن أبي عثمان المازني، قال: سمعت الأصمعي فقال: أنشدنيها رجل.
أخبرنا
أبو عبد الله قال: قال أبو العلاء الأصبهاني الأديب: حدثنا الوليد بن أبان
الأصبهاني حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني قال:
سمعت الأصمعي يقول: قرأت
شعر الشَّنْفَري على علّامة [٢] بمكة يقال له: محمد بن إدريس الشافعي. فأنشدني
لثلاثين شاعراً أساميهم: عَمْرو.
أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين
الدينوري، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا ابن
بنت الشافعي، قال:
سمعت «الزبير بن بكار» قال: أخذت شعر هذيل ووقائعها
عن عمي «مُصْعَب» فسألته عمن أخذها؟ فقال: أخذتها من محمد بن إدريس الشافعي
حفظا.
(١) في ح: «الحافظ» وهو تحريف. وكانت وفاة أبي موسى الحامض:
سليمان بن محمد سنة ٣٠٥.
(٢) في ح: «غلام» والخبر في تاريخ دمشق ١٠/
٢٠٠ - ب.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد: حسان بن
محمد الفقيه، أخبرنا إبراهيم بن محمود، وحدثني أبو سليمان - يعني داود الأصبهاني
- حدثني مصعب ابن عبد الله الزبيري، قال:
قرأ على محمد بن إدريس
الشافعي أشعار هذيل حفظا، ثم قال لي: لا تخبر بهذا أهل الحديث فإنهم لا يحتملون
هذا [١].
قال مصعب: وكان الشافعي يَسْمُر مع أبي من أول الليل حتى
الصباح لا ينامان.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا محمد بن علي
بن طلحة المروروذي، حدثنا أحمد بن على الأصبهاني، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي،
حدثنا ابن بنت الشافعي قال:
سمعت الزبير بن بكار يقول: أخذت شعر هذيل
ووقائعها وأيامها من عمّي مُصْعَب، فسألته عمن أخذها فقال: من شاب من قريش لم أر
مثله فصاحة، يقال له: محمد بن إدريس الشافعي، حفظا.
قال: وسمعت زكريا
الساجي يقول: حدثني جعفر بن عبد الله، عن «مصعب الزبيري» قال:
كان أبي
والشافعي يتسامران، فأملى علي الشافعي شعر هذيل حفظا.
قال: حدثنا
زكريا الساجي، قال: سمعت جعفر بن محمد الخوارزمي يحدث، عن أبي عثمان المازني
قال:
(١) تاريخ دمشق: الموضع السابق.
سمعت الأصمعي يقول:
قرأت شعر الشَّنْفَري على الشافعي بمكة.
قال زكريا: فذكرت ذلك للرياشي
[١] فقال: ما أنكره، قرأتها على الأصمعي قال: أنشدنيها رجل من قريش بمكة [٢] قال:
والشنفري رفيق «تأبط شرا» جاء ورأسه [٣] تحت إبطه فقالوا [٤]: تأبط شرا [٥].
أخبرنا
أبو عبد الله: الحسين بن محمد بن الحسين بن فنجويه الدينوري، حدثنا الفضل بن
الفضل الكندي، حدثنا زكريا الساجي، حدثنا عصام بن محمد قال: سمعت محمد بن عبد
الله بن عبد الحكم المصري قال:
سمعت الشافعي يقول: أَرْوِي لثلاثمائة
شاعر مجنون.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا عبد الله بن الحسين
البُسْتِي [٦]، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف الهِيتي [٧]، حدثنا محمد بن محمد بن
عبد الله الرازي بدمشق حدثنا
(١) في ح: «الرقاشي» وهو خطأ، وكانت وفاة
الرياشي: العباس بن الفرج سنة ٢٥٧.
(٢) معجم الأدباء ١٧/ ٣١١.
(٣)
في ا: يرفبق «تأبط شرا» ... وأرسان».
(٤) في ح: «فقال».
(٥)
كذا في الأصول، وقال ابن الأعرابي: إنما لقب تابط شرا لأن أمه رأته قد وضع جفير
سهامه تحت إبطه، وأخذ القوس، فقالت: لقد تابط شرا، كما في سمط اللالي ١/ ١٥٨ -
١٥٩.
وذكر البغدادي في خزانة الادب ١/ ٦٦ أقوالا في سبب تلقيبه بهذا
اللقب وانظر الاغاني ١٨/ ٢٠٩.
(٦) في ح: «السبتي».
(٧)
نسبة إلى هيث - بكسر الهاء وسكون الياء - مدينة على الفرات فوق الانبار، بها قبر
عبد الله بن المبارك.
راجع الأنساب ل ٥٩٣ ب، واللباب ٣/ ٢٩٧.
أبو
بكر: محمد بن أحمد - بدمشق - قال: قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم:
ولدت
في ذي القعدة لأربع عشرة بقيت من سنة ست [١] وثمانين ومائة. ولو أدركت الشافعي
وأنا رجل لاستخرجت من بين جنبيه علوماً جمّة، ما كان أتمه في كل فن [٢]! لقد قرأت
عليه من أشعار هذيل فما أذكر له قصيدة إلا أنشدنها من أولها إلى آخرها. على أنه
مات وله أربع وخمسون سنة.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني نصر بن
محمد بن أحمد العدل، أخبرني جعفر بن محمد الدُوْلابي الرازي، أخبرني أحمد بن محمد
بن حرزاذ الرازي، عن محمد بن عبد الله بن إسحاق قال:
سمعت
«المُبَرِّد» يقول: رحم الله «الشافعي» كان من أشعر الناس، وآدب الناس، وأعرفهم
بالقراءات [٣].
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا الحسن بن رشيق،
إجازة، حدثنا أبو بكر: محمد بن إبراهيم البغدادي، حدثنا الحسن بن محمد
الزعفراني.
ح [٤]: وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا محمد بن علي
بن طلحة المروروذي [٥]، حدثنا أحمد بن علي الأصبهاني، حدثنا زكريا بن يحيى
الساجي، قال:
(١) في ح: «اثنين».
(٢) في ح: «شيء».
(٣)
تاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٠ - ا. وعجم الادباء ١٧/ ٣١٢.
(٤) من ح.
(٥)
في ح: «المروزي».
سمعت «الزعفراني» يقول: ما رأيت أحداً قطّ أفصح ولا
أعلم من الشافعي. كان أعلم الناس، وأفصح الناس، وكان يقرأ عليه من كل الشعر
فيعرفه.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنحويه الدينوري، حدثنا ظفران بن
الحسين، حدثنا أبو محمد بن أبي حاتم، سمعت الربيع بن سليمان يقول:
كان
الشافعي عَرَبِيَّ النفس، عَرَبِيَّ اللسان [١].
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم، عن محمد بن إسحاق قال: سمعت
«الربيع بن سليمان» يقول:
لو رأيتَ الشافعي وحُسنَ بيانه وفصاحته
لتعجبت منه، ولو أنه ألف هذه الكتب على عربيته التي [كان] [٢] يتكلم بها، لم
يُقْدَر على قراءة كتبه.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عمرو
السماك، شِفَاهاً: أن أبا محمد الشافعي: أحمد بن محمد بن عبد الله، أخبرهم في
كتابه، قال: سمعت «أبا الوليد بن الجارود» يقول:
كان يقال: إن محمد بن
إدريس الشافعي لغة وحده، يحتج به كما يُحتج بالبَطْنِ من العرب.
أخبرنا
محمد بن الحسين السلمي، أخبرنا محمد بن علي بن طلحة، حدثنا أحمد ابن علي
الأصبهاني، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا ابن بنت الشافعي، سمعت ابن أبي
الجارود - وهو أبو الوليد - يقول:
ما رأيت أحداً إلا وكتبه أكبر من
مشاهدته إلا الشافعي فإنّ لسانه
(١) آداب الشافعي ص ١٣٧، وتوالي
التأسيس ص ٦٠.
(٢) من ح.
(م ٤ - مناقب جـ ٢)
أكبر
من كتبه [١].
أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد المَالِينِي، حدثنا أبو
أحمد بن عدي الحافظ، حدثنا يحيى بن زكريا، حيويه، قال:
سمعت يونس بن
عبد الأَعْلى يقول:
كانت ألفاظ الشافعي كأنها سُكّر [٢].
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، أخبرني الحسين بن محمد الدارمي، حدثنا عبد الرحمن - يعني
ابن أبي حاتم - قال:
قال أبي: حدثني «أحمد بن أبي سُريج» قال: ما رأيت
أحداً أَفْوَهَ ولا أنطق من الشافعي [٣].
أخبرنا أبو عبد الرحمن
السلمي، أخبرنا محمد بن علي بن طلحة، حدثنا أحمد ابن علي، حدثنا زكريا الساجي،
حدثني ابن بنت الشافعي، حدثني ابن بنت عفر المكي قال:
كانت بمكة جنازة
قد شهدها مشايخ قريش، فجعلنا نمشي وراء الجنازة، والشافعي متوسط القوم يتحدّث
ويتكلّم، فما سمعت غناء ولا لهواً ولا متكلما أحسن من لفظه وحديثه، حتى تمنيت أن
يطوِّل الله علينا الطريق لئلا يسكت.
وأخبرنا أبو سعد الماليني،
أخبرنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا الحسن بن إسماعيل النقار، حدثنا محمد بن سهل،
حدثني «أحمد بن صالح» قال:
(١) تاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٠ - ا، وتوالي
التأسيس ص ٦٠.
(٢) تاريخ دمشق وتوالي التأسيس في الموضعين
السابقين.
(٣) آداب الشافعي ص ١٣٧.
كان الشافعي إذا تكلم
كأن صوته صَنْجٌ أو جَرَسٌ من حسن صوته [١].
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت بعض أصحابنا يقول:
سمعت
«الجاحظ» يقول: نظرت في كتب الشافعي فإذا هو درّ منظوم إلى درّ، فنظرت في كتب
«فلان» فإذا هو كلام الأطباء.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال:
سمعت أبا علي الزعفراني، بِسَاوَة [٢]، حدثنا أبو عمر: غلام ثعلب:
ح
[٣]. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني نصر بن محمد بن أحمد العدل، أخبرني
منصور بن محمد الأديب، قال: سمعت أبا عمر: غلام ثعلب يقول:
سمعت
«ثعلبا» يقول: إنما تَوَحَّدَ [٤] «الشافعي» باللغة؛ لأنه من أهلها. فأما «أبو
حنيفة» فإنه منها على بعد. لفظ حديث السلمي، وفي رواية
أبي عبد الله:
إنما تَوَحَّدَ الشافعي باللغة؛ لأنه كان حاذقا بها، فأما «أبو حنيفة» فلو عمل كل
شيء ما عوتب؛ لأنه كان خارجاً من اللغة.
وأخبرنا محمد بن عبد الله
الحافظ، سمعت محمد بن عبد الله الفقيه يقول:
سألت «أبا عمر غلام ثعلب»
- الذي لم تر عيناي مثله - عن حروف أخذت على الشافعي مثل قوله: ماء مالح، ومثل
قوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [٥] أي لا يكثر من تعولون، وقوله:
أينبغي أن يكون كذا وكذا؟
(١) تاريخ دمشق ١٠ - ٢٠٠ - ب، وتوالي
التأسيس ص ٦٠.
(٢) في ح: «بسارة».
(٣) من ح.
(٤)
في ا: «يؤخذ».
(٥) سورة النساء: ٢٢٣.
فقال لي: كلام
الشافعي صحيح.
سمعت «أبا العباس ثعلبا» يقول: يأخذون على الشافعي وهو
من بيت اللغة، يجب أن يؤخذ عنه.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني
أبو النضر: محمد بن محمد بن يوسف الفقيه الطوسي، أخبرنا أبو محمد: جعفر بن أحمد
السَّاماني، سمعت الربيع بن سليمان يقول:
قال الشافعي: إذا وجدتم في
كتابي الخطأ فأصلحوا فإني لا أخطئ. يعني في العربية.
وأخبرنا محمد بن
عبد الله، أنبأنا أبو الوليد، سمعت إبراهيم بن محمود يقول: سمعت «الربيع بن
سليمان» يقول:
أعربوا [١] هذا الكتاب؛ فإن الشافعي لم يلحن.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو بكر: محمد بن عثمان النحوي، حدثنا أبو رَوْق
العمراني، حدثنا أبو حاتم: سهل بن محمد السجستاني قال:
قال «الشافعي»:
ما بلغني أن أحداً أفهم لهذا الشأن مني، وقد كنت أحب أن أرى «الخليل» بن أحمد.
وأخبرنا
أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي، حدثنا زكريا بن
يحيى الساجي، حدثنا محمد بن أبي يوسف، سمعت أبا حاتم السجستاني يقول. فذكره.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرني أبو الحسين: علي بن محمد بن عمر الفقيه الرازي،
بها، أنبأنا ابن أبي حاتم، حدثنا حرملة بن يحيى، قال:
(١) في ا:
«عربوا»
سمعت «الشافعي» يقول: أصحاب العربية جن الإنس، يبصرون مالا
يبصر غيرهم [١].
وبهذا الإسناد قال: حدثنا «الشافعي» قال: إذا أردت أن
تعرف الرجل: أكاتب هو أم لا؟ فانظر أين يضع دواته، فإن وضعها عن شماله أو بين
يديه فاعلم أنه ليس بكاتب [٢].
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا
الحسن بن رشيق، إجازة، حدثنا محمد بن رمضان، أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد
الحكم، قال:
رآني الشافعي وأنا أستمد من دواة من ناحية اليسار، فقال:
أشعرت أنه من الحراضة أن يضع الرجل دواته من ناحية اليسار. قال محمد: فالحراضة:
الحمق.
حدثنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن،
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرني أبي، حدثنا حرملة، قال:
سمعت
الشافعي يقول: بذلة كلامنا صون كلام غيرنا.
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، حدثني أبو محمد: جعفر بن محمد بن الحارث.
وأخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي، حدثنا جعفر المراغي، قال: سمعت أبا يحيى بن زكريا بن محمد
النيسابوري، بمصر، يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
(١) آداب
الشافعي ص ١٥٠، ومناقب الفخر ص ٨٩.
(٢) آداب الشافعي ص ١٣٥.
سمعت
الشافعي يقول: شِعْرُ ذي الرُّمَّة بَعْرُ غزال، ونَقْطُ عروس.
حدثنا
أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو تراب المذكر، حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد،
حدثنا محمد بن عبد الحكم، قال:
قال الشافعي: ليس يقدّم أهل البادية
على شعر «ذي الرمة» أحداً.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد، أخبرني
أبو الحسن: أحمد بن محمد المقري بأبيورد، حدثنا أبو جعفر: محمد بن عبد الرحمن
الحافظ، حدثنا الحسن ابن علي بن الأشعث، قال:
سمعت «محمد بن عبد الله
بن عبد الحكم» وسأله رجل فقال له: أصلحك الله، أكان الشافعي حجة في اللغة؟ فقال:
إن كان أحد من أهل العلم حجة فالشافعي حجة في كل شيء.
قال: وقال محمد
بن المنذر الهروي: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كان «ابن هشام» صاحب المغازي
يقول: الشافعي ممن يؤخذ عنه اللغة.
قال الربيع: وكان بمصر رجل يقال
له: «سرح الغول» كان إذا قال إنسان قصيدة عرضها عليه ليصلحها له. قال: وكان
الشافعي يقول: ادعوا لي سرحا ولا يقول الغول. فناظره الشافعي فأسمعه يقول - يعني
سرحا: نحن والله نحتاج نستقبل طلب العلم من اليوم.
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا
الربيع بن سليمان، قال:
قال «الشافعي»: المقاريف: الهُجْن. والهجين:
أن يكون أبوه بِرْذَوْناً وأمّه عربية.
وبإسناده: حدثنا عبد الرحمن بن
محمد، حدثنا أبي، حدثنا حرملة، قال:
سمعت «الشافعي» يقول: لا أقول
الحُليّ؛ إنما هو الحَلْي. يعني في الزكاة نصابا.
وبإسناده قال: سمعت
«الشافعي» يقول: العميق: الفجاج، والغميق: ما في جوف الأرض.
أخبرنا
أبو عبد الله، أخبرنا الحسين بن محمد الدارمي، وهو أبو أحمد، أخبرنا عبد الرحمن،
أخبرنا الربيع، قال:
سمعت «الشافعي» يقول: المعقول: هو الذي إذا تكلم
به علم أنه كما قال.
* * *
حدثنا أبو عبد الله الحافظ،
حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع بن سليمان، قال:
قال
«الشافعي»: [وقد كان من العرب من يقول] [١]: حمام الطائر [٢]: ناس الطائر. أي
يعقل عقل الناس.
وذكرت [٣] العرب الحمام في [٤] أشعارِها.
[فقال
الهذلي] [٥]:
(١) ما بين القوسين من الأم.
(٢) في ح، ا:
«الطير» وما أثبتناه موافق لما في الأم.
(٣) في ا: «قد كان من
العرب».
(٤) في الأصول: «في الحمام».
(٥) ما بين القوسين
من الأم.
وذكّرني بكايَ على تليدٍ ... حمامة «مرَّ» جاوبت الحماما
[١]
وقال الشاعر [٢]:
أحسن إذا حمامة «بطن وجٍّ» ... تغنّت
فوق مرقاة حنينا
وقال جرير [٣]:
إني تذكرني الزُّبَير
حمامة ... تدعو بمجمع نخلتين هديلا
قال الشافعي: مع شعر كثير قالوه
فيما ذهبوا فيه إلى ما وصفت من أن أصواتها غناء وبكاء معقول عندهم، وليس ذلك في
شيء من الطائر غير ما [٤] وقع عليه اسم الحمام.
قال الشافعي - فيما لم
أسمعه: فيقال فيما وقع عليه اسم حمام من الطائر: فيه شاة لهذا الفرق واتباع [٥]
الخبر عمن سميت [٦] في حمام مكة. وبسط الكلام فيه [٧].
* * *
(١)
البيت لصخر الغي، يرثي ابنه تليدا. و «مر» هو مر الظهران: واد قرب مكة. وفي ا:
«حمامة إذ تجاوبك الحماما» وفي ح: «جماعة إذ تجاوبت الحماما» وهو تحريف. راجع
ديوان الهذليين ٢/ ٦٦ وفي الأم ٢/ ١٦٧ «حمامة إن تجاوبت الحماما».
(٢)
في ح، ا: قال الشافعي: وقال جرير، وهذا خطأ. وما أثبتناه موافق لما في الأم.
(٣)
في ح، اقال الشافعي: وقيل. وفي الأم ٢/ ١٦٧: «وقال جرير» وهذا هو الصواب. راجع
ديوان جرير ٤٥٤ والبيت من قصيدة له يهجو فيها الفرزدق، والزبير: هو الزبير بن
العوام أحد العشرة المبشرين بالجنة قتله ابن جرموز غيلة يوم الجمل سنة ٣٦.
(٤)
في الأصول: «غيرها» والتصويب من الأم.
(٥) في الأم «باتباع».
(٦)
في ح: «يتحدث».
(٧) راجع الأم ٢/ ١٧٦.
أخبرنا أبو سعيد بن
أبي عمرو، حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع قال:
قال «الشافعي»:
كمال الذكاة بأربع: الحُلْقُوم والمَرِيء والودَجَيْن [١].
وأقل ما
يكفي من الذكاة اثنان: الحلقوم والمَرِيء [٢].
والودجان: عرقان قد
يسلان الإنسان ثم يحيا.
والمريء: هو الموضع الذي يدخل منه طعام كل خلق
يأكل من بشر أو بهيمة.
والحلقوم: موضع النفس وإذا بانا فلا حياة تجاوز
طرفة عين [٣].
قال: ونهى عمر بن الخطاب عن النخع، وأن تعجل الأنفس أن
تزهق.
قال «الشافعي»: والنخع: أن تذبح الشاة ثم يكسر قفاها من موضع
المذبح [٤] لنخعه ولمكان الكسر فيه، أو تضرب ليعجل قطع حركتها [٥].
أخبرنا
أبو سعيد: محمد بن موسى، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا الربيع قال:
قال
«الشافعي» رضي الله عنه، قال الله سبحانه: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [٦]}
(١)
في ح: «والودجان».
(٢) في الأم بعد ذلك: «وإنما أحببنا أن يؤتى
بالزكاة على الودجين من قبل أنه إذا أتى على الودجين فقد استوظف قطع الحلقوم
والمريء حتى أبانهما، وفيهما موضع الذكاة لا في الودجين، لأن الودجين عرقان. . .
الخ.
(٣) الأم ٢/ ٢٠٠.
(٤) في الأم: «الذبح».
(٥)
الأم ٢/ ٢٠٤.
(٦) سورة المائدة: ٦.
فكان معقولا أن الوجه:
ما دون منابت شعر الرأس إلى [١] الأذنيين واللحيين والذَّقَن، وليس ما جاوز منابت
شعر الرأس الأعم من النزعتين من الوجه [٢]
قال الربيع: وقد قال
الشاعر:
فلا تنكحي إن فَرَّقَ الدهرُ بينا ... أغَمَّ القَفَا والوجه
ليس بأنْزَعَا [٣]
ورواه غيره عن الربيع عن الشافعي أنه قال:
الأَثّطُّ: الكَوْسَجُ [٤] والأغَمُّ: الذي على قفاه شعر: ثم أنشد الربيع.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد الرازي [٥]، حدثنا عبد الرحمن بن محمد،
حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن سواد السّرحي، قال:
اختلف «ابن وهب» و
«الشافعي» في الحديبية، فقال ابن وهب: الحديبية بالتثقيل. وقال الشافعي:
بالتخفيف. قال أبي: التخفيف أشبه.
قال وقال أبي: قال عمرو بن سواد
السرحي: كان «الشافعي» يقول: غزوة مُؤْتة بالرفع.
وقرأت في كتاب
العاصمي عن بعض أصحابنا عن أبي بكر بن زياد النيسابوري، عن ابن عبد الحكم، قال:
سمعت «الشافعي» يقول: لا تقل جِعِرَّانة، ولكن الجعرانة بالتخفيف.
حدثنا
أبو سعيد بن أبي عمرو، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا الربيع
(١) في
ا: «إلا» وهو تحريف.
(٢) الأم ١/ ٢١.
(٣) البيت لهدبة بن
خشرم كما في الأغاني ٢١/ ٢٨٣، والشعر والشعراء ٢/ ٦٧٦: ولسان العرب ١٠/ ٢٣٠،
وحماسة البحتري ١٢٦.
(٤) وهو الذي لا شعر على عارضيه.
(٥)
في ا: «الداري».
حدثنا «الشافعي» قال: فإن كان من أصابعه شيء خلق
ملتصقا قلقل [١] الماء على غضونه حتى يصل الماء إلى ما ظهر من جلده لا يجزيه غير
ذلك وليس عليه أن يفْتُقِ ما خلق مُرْنَتَقًا منها.
وبهذا الإسناد
قال: فإذا أتى المرء على أمر الله به من غسل ومسح فقد أدّى ما عليه، قلَّ الماء
أو كثر. وقد يرفقُ بالماء القليل فيكفي ويُخرق بالكثير فلا يكفي.
وبهذا
الإسناد قال «الشافعي»: وإن كان الرجل من أهل البادية فداره حيث أراد المقام. فإن
كان ممن لا مال له ولا دار يصير إليها، وكان سيَّارة يتبع أبداً مواقع القطر، فحل
بموضع ثم تشامَّ [٢] برقاً فانتجعه. فإن استيقن [٣] أنه ببلد تقصر إلى مثله
الصلاة قصر وإن شك لم يقصُر.
قال بعض أهل اللغة: قوله تشامَّ برقا:
معناه: دنا منه أي من صوبه ومطره، يقال: دار فلان تُشَامّ دارَ فلان أي قريبة
منها [٤].
(١) في ح: «عاجل».
(٢) في الأم ١/ ١٦٧: ثم شام
برقا.
(٣) في ح: «فإن استقر».
(٤) في هامش ح: بلغ مقابلة
في المجلس الخامس عشر.
باب ذكر أبيات تؤثر مما أنشد [١] الشافعي لنفسه أو أنشد لغيره
* * *
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس:
محمد بن يعقوب، حدثنا الربيع بن سليمان، قال:
قال «الشافعي»: الشعر
كلام حَسَنُه كحسَن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام، غير أنه كلام باق سائر، فذلك
فضله على سائر [٢] الكلام، فمن كان من الشعراء [٣] لا يُعرف بنقص المسلمين وأذاهم
والإكثار من ذلك ولا بأن يمدح فيكثر الكذب - لم تُردَّ شهادته. وبسط الكلام
فيه.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا علي التَّرْقُفي [٤]
يقول: سمعت ابن الأنباري يُنشد للشافعي.
ح. وأخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، أخبرني نصر بن محمد، حدثني أبو القاسم: الحسن بن محمد بن الحسن، قال:
وجدت في كتابي: عن محمد بن القاسم العمري، حدثني الربيع بن سليمان قال:
جاء
رجل إلى الشافعي فسأله عن مسألة فأجاب، فقال له الرجل: جزاك الله خيراً. فأنشأ
الشافعي يقول:
(١) في ح: أنشأه.».
(٢) ليست في ا.
(٣)
في ا: «الشعر».
(٤) في ا: «البيهقي».
إذا المُشْكِلاتُ
تَصدَّين لي ... كشفتُ حقائقَها بالنظرْ
وإن برقَت في مَخِيل السّحاب
... عَمْياء لا تَجْتلِيها الفِكرْ
مُقنَّعة بغيوب الغيوم ... وضعتُ
عليها حُسام البصرْ [١]
لساني كشِقْشِقَة الأرْحَبِيِّ ... أو
كالحُسَام اليماني الذّكرْ
ولَستُ بإمّعَةٍ في الرجال ... أسائل هذا
وذا: ما الخبرْ؟
ولكنني مِدْرَهُ الأصغَرَينِ ... أقيسُ بما قد مضى ما
غَبَرْ [٢]
وسبَّاق قومي إلى المكرُمات ... وجَلاَّب خير ودفَّاع
شر
لفظ حديث أبي عبد الله إلا أنه قال: «تصدَّيْنني». وفي رواية
السلمي: «في مخيل الصواب عمياء».
وقال:
مقنعة بغيوب الأمور
... وضعت عليها لسان البصر
وقال:
ولكنني مِدْرَهُ الأصغرين
... طَلاّب خير وفَرَّاج شرّ [٣]
وحدثنا أبو عبد الله الحافظ قال:
وقال أبو عبد الله: محمد بن محمد بن عبيد الله الواعظ: سمعت أبا عمرو العثماني
يحكي عن الربيع بن سليمان قال:
كنت يوماً عند الشافعي فجاءه رجل فقال:
أيها العالم، ما تقول في حالف حلف إن كان في كمي دراهم أكثر من ثلاثة فعبدي حر؟
وكان في كمه أربعة
(١) في ح: «. . . بعيون»، وفي تاريخ دمشق: «مبرقعة
في عيون الأمور».
(٢) في ح، ومناقب الفخر: «ولكنني مدرب ...».
(٣)
الأبيات في مناقب الشافعي للفخر الرازي ص ١١١، وتاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٠ - ب، والأول
والثالث والرابع والخامس في معجم الأدباء ١٧/ ٣٠٩، وفي التوالي ٧٤ ستة منها
باختلاف يسير عما هنا.
دراهمْ [١] فقال: لم يعتق عبده. قال: لم؟ قال:
لأنه استثنى ما في كمه دراهم، والدرهم لا يكون دراهم. فقال آمنت بالذي فَوَّهَكَ
هذا العلم [٢]. فأنشأ الشافعي يقول. قال. فذكر هذه الأبيات.
* * *
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو سهل: محمد بن أحمد الفقيه، قال: سمعت الحسين بن
الحسن يقول: سمعت سعداً الكاتب يقول: سمعت «المُبرّد» يقول:
دخل رجل
على «الشافعي» رضي الله عنه وهو مستلق على ظهره فقال: إن أصحاب أبي حنيفة
الفُصّحاء. قال: فاستوى الشافعي جالساً وأنشأ يقول:
فلولا الشّعْرُ
بالعلماء يزْرِي ... لكنتُ اليوم أَشْعَرَ من لَبِيد
وأشجعَ في الوغي
من كلّ لَيْثٍ ... وآلِ مُهلّب وأبي يزيد
ولولا خشيةُ الرحمن ربي ...
حَشَرْتُ الناس كلَّهم عَبِيدي [٣]
* * *
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، قال: سمعت أبا عبد الله: لزبير بن عبد الواحد الحافظ، يقول: سمعت
أحمد بن محمد بن يحيى بن جرير المصري [٤] يقول: حدثني أبو عبيد الله بن أبي وهب
قال:
سمعت الشافعي يقول:
(١) بعد هذا في ا: «والدرهم لا
يكون دراهم».
(٢) في ا: «العالم» وهو خطأ.
(٣) مناقب
الشافعي للرازي ١١٩، وفيها: «وآل مهلب بني يزيد»، «جعلت الناس كلهم عبيدي».
(٤)
سقطت من ح.
وأَنَطَقتِ الدَّراهم بعد صَمْت ... أناساً بعدما كانوا
سُكُوتا
فما عطَفُوا على أحد بفضل ... ولا عرفوا لِمَكْرُمةٍ بيوتا
وأخبرنا
أبو زكريا [١] بن أبي إسحاق، حدثنا الزبير، حدثني أبو علي: أحمد ابن محمد بن
جرير، بمصر، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب قال:
سمعت
الشافعي يقول. فذكر البيتين غير أنه قال: «أنطقت» لو يذكر الواو.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت الحسين بن أحمد بن موسى
البيهقي، أخبرنا محمد بن القاسم الأسدي.
وأخبرنا محمد بن عبد الله
الحافظ، حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ، حدثني أبو بكر: محمد بن القاسم بن
مطر، بمصر، حدثنا الربيع بن سليمان.
وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق
المزكي، قال: سمعت الزبير بن عبد الواحد يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن القاسم،
حدثنا الربيع قال [٢]:
أنشدنا الشافعي:
لَيْتَ الكلابَ لنا
كانت مُجَاورةً ... وليتنا لم نر مِمّن نرى أحداً
إنّ الكلابَ
لتَهْدَى في مَوَاطِنِها ... والناسُ ليس بهادٍ شرّهم أبدا
فانجُ
بنفسك واستأنس بوحدتها ... تُلفَى سعيداً إذا ما كنت منفردا [٣]
لم
يذكر السلمي البيت الثالث:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو
الوليد، حدثنا الحسن بن سفيان، عن حرملة.
(١) في ح: «أبو بكر».
(٢)
ما بين القوسين سقط من ح.
(٣) المناقب للرازي ص ١١٤، والعزلة للخطابي
ص ٦٥.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن،
حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد الرازي - حدثنا أبي، حدثنا حرملة قال:
سمعت
الشافعي رحمه الله يقول:
ودع الذين إذا أَتَوْكَ تنَسَّكُوا ... وإذا
خَلَوْا فهُمُ ذِئابُ حِقَافِ [١]
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال:
أنشدني أبو عثمان: سعيد بن أبي سعيد قال: أنشدني أبو علي الحليمي الشَّاشِي،
ببخاري، للشافعي رضي الله عنه.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني
نصر بن محمد، قال: أنشدني منصور ابن يحيى [٢] الحنفي قال: أنشدني عبد الله بن
إبراهيم الحميري [٣]، باليمن، للشافعي رضي الله عنه:
أصبحت مُطَّرحاً
في مَعْشرٍ جَهِلُوا ... حقَّ الأديب فباعوا الرأس بالذنبِ
والنّاسُ
يجمعهم شَمْلُ وبينهم ... في العقل فَرْقٌ وفي الآداب والحسبِ [٤]
والعُوْدُ
لو لم تَطبْ منه روائحه ... لم يفْرق الناسُ بين العود والحطَبِ [٥]
أنشدنا
أبو القاسم: الحسن بن محمد بن حبيب المفسّر، قال: أنشدنا أبو عبد الله الصغّار،
قال: أنشدنا ابن الأنباري، قال: أنشدني الحسين بن عبد الرحمن للشافعي، رضي الله
عنه:
(١) الحقاف: جمع حِقف، وهو ما اعوج من الرمل واستطال، والبيت في
آداب الشافعي ص ٢٧٢.
(٢) في ا: «محمد».
(٣) في ح:
«الحسري».
(٤) في ا: «كالذهب».
(٥) المناقب للرازي ص
١١٣.
أقسم بالله لرَضْخُ النَّوَى ... وشُرْبُ ماء القُلُبِ
المَالِحهْ
أحْسنُ بالإنسان من حِرصه ... ومن سؤَال الأَوْجهِ
الكالِحَهْ [١]
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني نصر بن محمد،
قال: أنشدني ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن محمد، قال: أنشدني أبو محمد الشاشي
للشافعي رضي الله عنه:
لَذلّ السّؤالِ وهَوْل الممات ... كُلاّ وجدناه
طَعْماً وَبِيلا
فإن كان لا بد إحداهما ... فمَشْياً إلى الموت
مَشْياً جميلا [٢]
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن
أبي نصر، قال: سمعت سعيد بن أحمد بن سلمة الهمذاني، يقول: أنشدني محمد بن الحسن
الحنفي قال: أنشدنا خيثمة بن سليمان، عن الربيع بن سليمان، قال: أنشدني الشافعي
رضي الله عنه:
تَدَرّعتُ ثوباً للقنوع حَصِينةً ... أصُون بها عرضي
وأجعلها ذُخْرا
ولم أحذر الدهر الخَؤون فإنما ... قُصَارَاهُ أن يرمي
بي الموت والفقرا
فأعددت للموت الإلهَ وعَفْوَه ... أعددت للفقر
التجلّدَ والصبرا [٣]
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو
الفضل بن أبي نصر، قال: أنشدني محمد بن حاضر، قال: أنشدني بعض أصحابنا، عن محمد
بن
(١) المناقب للرازي ص ١١٣.
(٢) المناقب للرازي ص
١١٤.
(٣) المناقب للرازي ص ١١٢.
(م ٥ - مناقب جـ ٢)
عبد
الرحيم [١] الجرجاني، قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي رضي الله
عنه يقول:
حسبي بقُلِّى إن نفعْ ... ما الذّلّ إلا في الطمعْ
من
راقب الله رجعْ ... عن سوء ما كان صنعْ [٢]
ما طار طَيرٌ وَارْتفعْ
... إلا كما طار وقعْ [٣]
أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله
الحافظ، قال: سمعت أبا العلاء: الحسن ابن كوشاد الأديب يقول: أنشدنا الربيع بن
سليمان للشافعي رضي الله عنه:
لا تاسَ في الدنيا على فائتٍ ... وعندك
الإسلامُ والعافيهْ
إن فات أمر كنت تسعى له ... ففيهما من فائتٍ
حافيهْ [٤]
أخبرني [٥] أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنشدني أبو عبد
الله: محمد بن شاذان قال:
(١) في ح: عبد الرحمن».
(٢) في
ح: «من شر ما كان ...».
(٣) المناقب للرازي ص ١١٢.
(٤)
المناقب للرازي ص ١١٢، وتاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٧ - اوفيه:
«إن فات شيء وكنت
تدعى له».
(٥) وفي ح بعد ذلك: أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين
السلمي، قال: سمعت أحمد ابن الحسن موسى الترقفي، قال: أخبرنا محمد بن القاسم
الأسدي. ح، وأخبرنا محمد ابن عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا الزبير بن عبد الواحد
الحافظ قال: حدثني أبو بكر: محمد ابن القاسم بن مطر - بمصر - قال: حدثنا الربيع
بن سليمان. ح وأخبرنا أبو زكريا ابن أبي إسحاق المزكي، قال: سمعت الزبير بن عبد
الواحد يقول: سمعت أبا بكر: محمد ابن القاسم يقول: حدثنا الربيع قال: أنشدني
الشافعي:
وأحييت القنوع وكان ميتاً ... وفي إحيائه عرضي مصون
وأخبرنا
أبو عبد الله الحافظ ... الخ.
أنشدنا أحمد بن محمد الصابوني قال: قال
حرملة: قال الشافعي:
أمَتُّ مطامعي وأرحتُ نفسي ... فإنّ النفسَ ما
طِمَعت تهونُ
وأحييت القُنُوعَ وكان ميْتا ... ففي إحيائه عرض مَصُونُ
[١]
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني نصر بن محمد، قال:
أنشدني علي بن محمد القَصْري، قال: أنشدني عبد الله بن عبد الرحمن، قال: أنشدونا
للشافعي رحمه الله:
أزلتُ مطامعي وأرحتُ نفسي ... لأنّ النفسَ ما
طمِعَت تهونُ
وأحييت الرجاءَ وكان ميْتا ... وفي إحيائه عرضي مصونُ
[٢]
إذا طَعٌ ألمَّ بنفس عبدِ ... عَلَته مذَلةٌ وعلاه هُونُ [٣]
أنشدنا
أبو عبد الرحمن قال: أنشدنا طاهر بن عبد الله قال: أنشدنا أبو الحسن: محمد بن
الحسين الفياضي، قال: أنشدني أبي للشافعي:
كُلْ بملح الجريش خُبزَ
الشّعيرِ ... واعْتَقِب للنجاةِ ظَهْرَ البعير
وجُبِ المهْمهَ المخوفَ
إلى طَنْجَةٍ ... أو خلفها إلى الدُّرْدُرُورِ [٤]
وصُنِ الوجهَ أن
يذلَّ وأن يَخْضَعَ إلاَّ إلى اللطيفِ الخبير
(١) تاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٧
- ا.
(٢) في ا: «... عرض مصون».
(٣) في تاريخ دمشق:
إذا
طمع يحل بقلب عبد .. علته مهانة ...
(٤) في معجم البلدان لياقوت ٤/
٥٢: دردرور: موضع في ساحل بحر عمان: مضيق بين جبلين يسلكه الصغار من السفن.
أخبرنا
[١] أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله: الزبير ابن عبد
الواحد الحافظ، بأسداباذ، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن محمد: أبو بكر القطان،
قال: حدثني أبو عيسى: محمد بن عياض بن أبي شحمة الضبعي، قال: حدثنا محمد بن راشد،
حدثنا [٢] أبو بكر الأصبهاني، قال: سمعت أبا إبراهيم المزني يقول:
أنشدني
الشافعي من قِيله:
شهدتُ بأن الله لا شيء غيرهُ ... وأشهد أنّ البعثَ
حقٌّ وأخلصُ
وأنّ عُرَى الإيمان قولٌ مبيَّنُ ... وفعلٌ زكيٌّ قد يزيد
وينقصُ
وأنّ أبا بكر خليفةُ ربِّه ... وكان أبو حفْصٍ على الخير يحرصٌ
[٣]
وأشهِدُ ربي أنّ عثمان فاضلٌ ... وأنّ عليًّا فَضْلهُ مُتخَصِّصُ
[٤]
أئمةُ قومٍ يُقْتدى بِهُداهُمُ ... لَحَا الله مَنْ إبّاهم
يَتَنَقَّصُ [٥]
فما لِغواةٍ يَشْتُمُونَ سفاهةً ... وما لسفيهٍ لا
يحيصُ ويخرصُ [٦]
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: قرأت في كتاب بعض
فقهائنا: سمعت
(١) في هامش ا: أول الجزء الحادي عشر من أصل المصنف
بخطه.
(٢) ليست في ح.
(٣) في ح: «أخرس».
(٤) في
تاريخ دمشق: «يتخصص».
(٥) في ا: «... يهتدي بهداهم» وفي المناقب
للرازي: «... بفعالهم».
(٦) في ا «فما لفتاة يشهدون ...» وفي ح: فما
لغباة ...» وفي تاريخ دمشق: «وما لسفيه لا يحيس» وفي المناقب: «... لا يجاب
فيخرص». والأبيات في المناقب للفخر ص ٤٨ - ٤٩، وتاريخ دمشق ١٠/ ١٩٠ - ب، وطبقات
الشافعية: ١/ ٢٩٦.
أبا الحسن: محمد بن شعيب الترقفي [١] الفقيه ينشد
للشافعي رضي الله عنه:
آلُ النبيّ ذَرِيعَتِي ... وهُمُ إليه
وسيلتي
أرجو بأنْ أُعطي غداً ... بيدي اليمين صحيفَتِي [٢]
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ في «كتاب المعجم» حدثنا أبو الحسين: علي ابن عبد العزيز
البغدادي، حدثنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله بن وافد الكوفي قال: حدثني أبي
قال: حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني [٣] عن محمد بن إدريس الشافعي قال: لما قَتل
عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه عمرو بن عبدودٍّ [٤] العامري بكته أخته عمرة بنت
عبدودّ فقالت:
لو كان قاتلُ عَمْرو غير قاتله ... بكَيتُه ما أقام
الرّوحُ في جسدي
لكنّ قاتلَهُ من لا يعاب به ... وكان يدعى قديماً
بيضةَ البَلد
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في: «كتاب التاريخ» قال:
حدثني علي بن الحسين بن علي الطوسي التاجر، حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد حدثنا
الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي وقيل له: إنا نرى قريشا يُظهرُون من محبة أهل
البيت ما تخفيه ولا تظهره، فأنشأ الشافعي يقول:
وما زال كِتمانِيكَ
حتى كأنّما ... برَجْع سؤال السائلي عنك لأعجَمُ [٥]
(١) في ا:
«البيهقي).
(٢) المناقب للرازي ص ٥١.
(٣) في ح: «الرازي»
وهو خطأ.
(٤) هو من فرسان الجاهلية، أدرك الإسلام ولم يسلم، قتله علي
يوم الخندق سنة خمس من الهجرة.
(٥) المناقب للرازي ص ٥٠ وفيه: «يرد
سؤال السائلين لأعجم».
لأسلمَ من قول الوشاة وتَسْلمي ... سلمت وهلْ
حيٌ من الناس يَسلم [١]
وبلغني أنه قيل لأبي نعيم: الفضل بن دكين في
معنى هذا فأنشد البيتين، كما أخبرنا أبو الفتح: محمد بن أحمد بن أبي الفوارس
الحافظ، ببغداد، قال: سمعت أحمد بن يعقوب يقول: سمعت عبد الله بن الصّلت يقول:
كنت عند أبي نعيم: الفضل بن دكين فجاءه ابنه يبكي فقال له: مالك؟ فقال: الناس
يقولون: إنك تتشيع، فأنشأ يقول:
وما زال كِتْمَانِيكَ حتّى كأنما ...
بردّ جواب السائلي عنك أعجمُ
وأكتم ودى مع صفاء مودتي ... لتسلمَ من
قول الوشاة وأسلمُ
وقرأت بخط رفيقنا أبي عبد الله الكِرْماني فيما
سمعه من أبي عبد الله:
محمد بن عبد الله بن عبيد الشيرازي: أن أبا
العباس الضرير أنشده قال: أنشدني عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: أنشدني المزني قال:
سمعت الشافعي رضي الله عنه ينشد:
إذا نحن فضّلنا عَلِيًّا فإننا ...
رَوَافضُ بالتفضيل عند ذوي الجهل
وفَضلُ أبي بكر إذا ما ذكرتْهُ ...
رُمِيتُ بِنَصْبٍ عند ذكريَ للفضل
فلا زِلْتُ ذا رفضٍ ونصبٍ كلاهما
... بحُبَّيهما حتى أُوَسَّدَ في الرمل [٢]
وأخبرنا أبو عبد الله
الحافظ في «التاريخ» قال: سمعت عبد الله [٣] بن حامد
(١) في
المناقب:
وأكتم ودي في صفاء مودتي ... فلم من قول الوشاة أسلم
(٢)
توالي التأسيس ٧٤.
(٣) في ح: «عبيد الله».
يقول: حدثونا عن
مشايخنا أن الشافعي قال: فذكر هذه الأبيات الثلاثة غير أنه قال: «حتى أغيَّب في
الرمل».
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزّكِّي حدثنا الزبير بن عبد
الواحد الحافظ أخبرني محمد بن محمد بن الأشعث، حدثنا الربيع قال: أنشدنا الشافعي
رضي الله عنه:
يا راكباً قِف بالمُحَصَّبِ من مِنى ... واهتف بقاعد
خِيفها والناهِض
سَحَراً إذا فاض الحجيجُ إلى مِنى ... فَيضاً
كمُلْتَطم الفُرَاتِ الفائض
إن كان رَفْضاً حبُّ آلِ محمدٍ ...
فَلْيَشْهَدِ الثقلانِ أني رافضي [١]
وإنما قال هذه الأبيات حين نسبته
الخوارج إلى الرفض حسداً وبَغْياً.
وقد روينا عن يونس بن عبد الأعلى:
أن الشافعي كان إذا ذكر «الرافضة» عابهم أشد العيب ويقول: شر عصابة.
وأخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، أخبرني الزبير بن عبد الواحد، حدثني أبو القاسم بن سلامة
المصري، حدثني الحسن بن محمد بن الضحاك [٢] قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر
العدل، قال: وجدت في كتابي: عن أحمد بن يوسف ابن تميم، حدثنا الربيع قال: أنشدنا
الشافعي:
لم يبرح الناس حتى أحدثوا بدعا ... في الدين بالرأي لم تُبعث
بها الرّسُلُ
حتى استخفّ بحق الله أكثرْهم ... وفي الذي حُمِّلوا من
حقه شُغُلُ [٣]
(١) المناقب للفخر ص ٥١، وتاريخ دمشق ١٠/ ١٩١ - ب،
وطبقات الشافعية: ١/ ٢٩٩.
(٢) في هامش ا: كتب الناسخ بعد هذا: سقط
وبعده أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، قال:
(٣) تاريخ دمشق ١٠/ ١٩٠ -
اوفيها: «قد نفر الناس حتى ..»
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال:
أنشدنا الحسين بن أحمد بن موسى القاضي، قال: أنشدني ابن الأنباري، عن أبيه،
للشافعي:
ح. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو بكر الخوارزمي،
ببغداد، قال: حدثني أحمد بن علي البخاري، قال: حدثني بعض أصحابنا عن الخوارزمي
لأنه أنشد للفقيه الشافعي:
أأنثر دُرًّا بين سَارِحَة النّعمْ ...
أأنظم منثوراً لراعية الغنمْ؟
لعمري لئن ضُيِّعت في شَرّ بلدةٍ ...
فلست مُضِيعاً بينهم غررَ الكلمْ
فإن فرّج الله اللطيفُ بلطفه ...
وصادفتُ أهلاً للعلوم وللحِكمْ
بَثَثْتُ مفيداً واستفدتُ وِدادَهم ...
وإلاّ فَمَحْزونٌ لدَيَّ ومكْتَتَمْ
ومن مَنحَ الجهّالَ علماً أضلعَه
... ومن منع المُسْتوجِبِين فقد ظَلَمْ
لفظ حديث أبي عبد الله، وفي
رواية السلمي:
أأنثر درًّا بين سارحة النعم ... وأنشر مَكْنوناً لدى
سائر الغنم؟
فإن قدّر اللهُ المفيد إفادة ... وصادفتُ أهْلا للعلوم
وللحِكمَ
ثم ذكر البيتين بعده وقال: «فمكنون» [١] بدل «محزون» [٢].
قلت:
بلغني أن الشافعي لما دخل مصر أتاه جلّة أصحاب مالك وأقبلوا فابتدأ في مخالفة
أصحاب مالك في بعض المسائل؛ فتنكروا له فأنشأ يقول. فذكر هذه الأبيات.
(١)
في ح «فيحنون» والأبيات في طبقات الشافعية: ١/ ٢٩٤.
(٢) المناقب
للرازي ص ١١١
أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد الماليني [١]، حدثنا أبو
أحمد بن عدي، قال: سمعت الحسن بن سفيان يقول: سمعت حَرْمَلة يقول:
كان
الشافعي كثيراً ما يتمثل بهذين البيتين.
وأخبرنا محمد بن عبد الله
الحافظ، حدثنا الزبير [٢] بن عبد الواحد الحافظ، بأسداباذ، وأبو عبد الله: محمد
بن عبيد الله الواعظ، قال: حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا حرملة بن يحيى، قال:
سمعت
الشافعي يقول:
ح. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمِي، حدثنا محمد بن
يزيد العدل، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا حَرْمَلة بن يحيى، قال: كان الشافعي
يتمثل بهذين البيتين:
تمنى رجالٌ أن أموتَ وإنْ أَمُتْ ... فتلك سبيلٌ
لست فيها بأَوحَد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأُخرَى
مِثْلِها فَكأن قدِ [٣]
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: وقال
الحسين بن محمد الماسرجسي، حدثنا أبو الحسين: محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي،
حدثنا إبراهيم بن يوسف الهِسِنْجَاني [٤]، قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
(١)
في ح: «أبو سعيد: محمد بن محمد الماليني» وفي ا: «أبو سعد: محمد بن أحمد
الماليني» والصواب ما أثبتناه.
(٢) في ح: «الربيع».
(٣)
المناقب للرازي ص ١١٥، وتاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٩ - ب، والتوالي ٨٣ ونوادر القالي ٢١٨/
٣، وعيون الأخبار ٣/ ١١٤.
(٤) نسبة إلى قرية من قرى الري يقال لها:
هسنكان، فعرّب، فقيل: هسنجان. روى إبراهيم بن يوسف عن أبي بكر الاسماعيلي وتوفى
سنة ٣٠١.
راجع اللباب ٣/ ٢٩٠ - ٢٩١، والأنساب ٣٩ - ب، ومعجم البلدان
٨/ ٤٦٥.
رأيت أشهب بن عبد العزيز ساجداً وهو يقول في سجوده: للهم أمت
الشافعي وإلا ذهب علم مالك بن أنس فبلغ الشافعي ذلك فتبسم وأنشأ يقول. فذكر
البيتين وزاد بيتا ثالثاً:
وقد علموا لو ينفع العلمُ عندهم ... لئن
مِتُّ ما الداعي عليَّ بمُخْلَد [١]
حدثنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت
أبا عبد الله: محمد بن أحمد بن بطة الأصبهاني يقول: سمعت الحسين بن محمد بن سلم
الأصبهاني يقول: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مئوية [٢] الأصبهاني يقول: سمعت
المزني يقول:
حضرت الشافعي وقيل له: إن فلاناً يقول: الشافعي ليس
بفقيه. فضحك وأنشأ يقول:
إنِّي نشأتُ وحسّادي ذَوُو عددٍ ... ربَّ
المَعَارِج لا تُفْنِي لهم عدداً [٣]
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي،
حدثنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن البستي [٤]، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف
الهيتي، حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله ابن جعفر، حدثنا أحمد بن سعيد بن غرير
قال: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي ينشد:
كلّ العداوة قد تُرْجَى
إماتتها ... إلا عداوة من عاداك بالحسدِ [٥]
(١) المناقب للرازي ص
١١٥.
(٢) في ح: «إبراهيم بن موسى».
(٣) البيت بن سيار. وفي
العقد الفريد ٢/ ٣٢٤: «يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا» كما في الموشى ص ٦.
(٤)
في ح: «السبتي».
(٥) البيت في الموشى ٦، وعيون الأخبار ٢/ ١٠، وهو في
العقد الفريد ٢/ ٣٢١ مع أبيات كتب بها ابن المبارك إلى علي بن بشر المروزي.
قال:
وسمعت الشافعي يقول: يحسدني من هو مني إذ ليس مثلي، ويحسدني من هو مثلي إذ ليس
مني.
وبهذا الإسناد: أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمي قال: أنشدنا
الإمام أبو الطيب: سهل بن محمد بن سليمان للشافعي رضي الله عنه:
وذي
حسدٍ يَغْتَابُنِي حيثُ لا يَرَى ... مكاني ويثني صالحا حيث أسمعُ [١]
تورَعتُ
أن أغتابه مِن ورائه ... وما هو إذ يغتابني مُتَورِّعُ [٢]
وأنشدنا
أبو عبد الله الحافظ، أنشدنا الأستاذ أبو الحسين: علي بن أحمد ابن أسد الأديب،
أنشدني أبو عبد الله: محمد بن عبد الله بن واقد الكوفي، أنشدني علي بن محمد
العلوي الحِمَّانِي [٣] للشافعي. فذكر هذين البيتين.
أخبرنا محمد بن
الحسين الأزدي، حدثنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن البستي [٤]، حدثنا أحمد بن
محمد بن يوسف الْهِيتِي، حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، حدثنا محمد بن
زفر، حدثني المزني قال: سمعت الشافعي يقول:
كان لرجل جليس فبلغه أنه
يذكره من خلفه ويطعن عليه، فكتب إليه بهذه الأبيات:
سأصبر فأصْبِر
واقطع الوَصْلَ بيننا ... ولا تذكرني واسلُ بالله عن ذكري
فقد عشتَ
دهراً لسْتَ تعرف من أنا ... وعشتُ ولم أعرفك دهراً من الدّهرِ
(١) في
تاريخ دمشق: «... حين أسمع».
(٢) المناقب للرازي ١١٥، وتاريخ دمشق ١٠/
٢٠٨ - ب.
(٣) ليست في ح.
(٤) في ح: «السبتي».
سلام
فراقٍ لا مودّة بيننا ... ولا ملتقى حتى القيامة والحشرِ [١]
سمعت
حرملة يقول: سمعت الشافعي يتمثل بهذا البيت:
اسقِهم السُّمَّ إنْ
ظفرتَ بهم ... وامزج لهم من لسانك العَسَلا
أخبرنا محمد بن الحسين
السلمي قال: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت ابن أبي حازم [٢] يقول: سمعت
الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي وكتب إلى رجل كتاباً يراسله: «إن الأفئدة
مزارعُ الألسن؛ فازرع الكلمة الكريمة فإنها إن لم تنبت كلها [٣] نبت [٤] بعضها،
وإنّ من النطق ما هو أشدّ من الصخر وأنفذ من لإبر، وأمرَّ من الصبر، وأدْور [٥]
من الرّحا، وأحدُّ من الأسنَّة، وربما اغتفرتُ حَرًّا [٦] على حرارته مخافةَ أن
يكون أحرّ وأمرّ وأنكر منه، ولذلك أقول:
لقد أسمع القول الذي كان
كلّما ... تُذَكّرينه النفسُ قلبي يُصْدَعُ
فأُبدي لمن أبداه مني
بشاشةً ... كأني مسْرُورٌ بما منه أسمعُ
(١) المناقب للرازي ١١٥.
(٢)
في ا: «حاتم».
(٣) ليست في ا.
(٤) في ح: «أنبت».
(٥)
في ا: «واحذر».
(٦) في ح: «كبيراً».
وما ذاك من عجب به غير
أنني ... أرى ترك بعض الشر للشر أقطعُ [١]
أنشدنا أبو عبد الرحمن
السلمي، أنشدني أبو سهل الفقيه، أنشدني أبو الحسين بن اللبان الفَرَضي للشافعي
رحمه الله:
مَا حكَّ جلدَك مثلُ ظُفْرِك ... فتولَّ أنت جميعَ
أمرِكْ
وإذا قصدت لحاجةٍ ... فاقصِد لِمعْتَرِفٍ بقدركْ [٢]
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو عمرو: محمد بن أحمد الجوادي [٣] حدثنا أبو العباس:
محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا أحمد بن عبد الله بن عمران ابن عبد الله قال: سمعت
عبد الرحمن بن إبراهيم الزهري يقول:
وفد محمد بن إدريس الشافعي على
رجل من قومه باليمن، كان بها أميراً فأقام عنده أياماً ثم سأله الرجوع إلى بلده
فكتب إليه يعتذر وعرض عليه شيئاً يسيراً فكتب الشافعي رضي الله عنه بأبيات في ظهر
رُقعته:
أتاني عذر منك في غير كُنْههِ ... كأنّك عن بِرِّي بِذَاكَ
تحِيدُ [٤]
لسانُكَ هَشٌّ بالنَّوالِ ولا أرَى ... يمينك إن جاد
اللِّسَانُ تجودُ
فإن قلت: لي بيتٌ وسِيطٌ وبَسْطَةٌ ... وأسلافُ
صِدْقٍ قد مَضَوْا وجُدودُ
صَدَقْتَ ولكن أنتَ خرَّبتَ ما بَنَوْا ...
بكفّيك عَمْداً والبنَاءُ جديدُ [٥]
(١) المناقب للرازي ١١٥.
(٢)
المناقب للرازي ١١٥ - ١١٦، وتاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٧ - ب.
(٣) في ا:
«المجرادي».
(٤) في ا: «كأنك برى من نداك يحيد» وفي المناقب: «... في
غير وقته» وفي تاريخ دمشق: «أتاني بر منك ..» وفي ح: «... يداك تحيد».
(٥)
هذا البيت والذي قبله ليس في تاريخ دمشق. وفي المناقب: «صدقت ولكن ما بنوا أنت
هادم».
إذا كان ذو القربى لديك مبعَّدًا ... ونال الذي يهوى لديك
بعيدُ [١]
تفرّق عنكَ الأقربون لشأنهم ... وأشفقت أن تبقى وأنت
وحيدُ
واصبحت بين الحمد والذمِّ واقفاً ... فياليت شعري أيّ ذاك
تريدُ؟ [٢]
قال: فكتب إليه: بل أريد الحمد منك بأبي أنت وأمي قد وجهت
إليك بخمسمائة دينار لمهماتك وخمسمائة دينار لنفقتك، وعشرة أثواب [من] [٣] حبر
اليمن، ونجيباً لمطيتك.
وأخبرنا القاضي الإمام أبو عمر [٤]: محمد بن
الحسن بن محمد، حدثنا أحمد ابن محمود بن خرزاذ الكازروني، حدثنا أبو إسماعيل:
إبراهيم بن محمد الأصبهاني حدثنا أبو العباس الأَبيوَرْدِيِ قال:
خرج
الشافعي رضي الله عنه إلى اليمن إلى ابن عم له فبرّه [٥] ببرّ غير طائل، فكتب
إليه الشافعي، فذكر هذه الأبيات دون الثالث والرابع، وقال في ابتدائه: «أتاني بر
منك في غير كنهه» وقال في الثالث: «ونال الندى من كان منك بعيد». قال: فكتب إليه
ابن عمه أن خذ [٦] هذه خمسمائة دينار، وخمسمائة درهم، فاصرفها في نفقتك، وخمسة
أثواب من عصب اليمن؛ فاجعلها في عَيْبتك، وهذا نجيبٌ فاركبه.
(١) في
ا: «وباب الذي تهوى إليك بعيد» وفي المناقب كالرواية الآتية: «ونال الندى من كان
منك بعيد».
(٢) تاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٧ - ب، ومناقب الرازي ١١٦.
(٣)
من المناقب للرازي.
(٤) في ح: «أبو عمرو».
(٥) في ح:
«برا».
(٦) من ح.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني محمد
بن يوسف الدقيقي قال: سمعت أبا العباس الأصم يقول: سمعت أبا الحسن الكرماني ينشد
للشافعي.
ح [١]. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن عبد
الله بن محمد - يعني أبا بكر الشيباني يقول: سمعت الحسن بن شهمردان يقول: سمعت
أبا إسحاق المروزي يقول: ذكر المزني أن الشافعي أخذ بيده فقال:
أُحِبُّ
من الإخوان كُلَّ مُوَاتِي ... وكلَّ غَضِيضِ الطّرْفِ عن عَثَراتي [٢]
يصاحبني
في كلّ أمرٍ أحبُّه ... ويحفظني حيًّا وبعد وفاتي
فَمنْ لي بهذا ليت
أني أصبْتُه ... فقاسمته مالي مع الحسناتِ [٣]
زاد أبو عبد الله في
روايته: زادني [٤] فيه غيره:
تَصفَّحتُ إخواني فكان أقلّهم ... على
كثرة الإخوان أهل ثقاتي [٥]
وقال: «يساعدني» مكان «يُصاحبني» وقال:
«وجدته» بدل «أصبته» وقال: «أقاسمه مالي ومن حسناتي».
وقرأت في كتاب
أبي الحسن العاصمي روايته عن الزبير بن عبد الواحد، عن أبي عبد الله: محمد بن
جعفر أحمد الفارسي، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصبهاني، عن المزني، قال:
(١)
من ح.
(٢) المناقب ص ١١٦، وتاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٧ - ا.
(٣) في
المناقب للرازي: «... ليت أني أصيبه».
(٤) في ا: «زاد».
(٥)
في تاريخ دمشق: «.. غير ثقاتي».
أخذ الشافعي بيدي ثم قال. فذكر هذه
الأبيات الثلاثة يغير بعض الألفاظ.
قال أبو الحسن: وأنشدونا [١] لأبي
العتاهية. فذكر هذه الأبيات غير أنه قال: «وكلّ عفيف الطرف [٢]»، وذكر البيت الذي
زاد أبو عبد الله.
وعن أبي إسحاق المروزي، أنه أملى على أصحابه، قال:
قال الشافعي لصديق جفاه:
لستُ مَنْ جفاه أخوه ... أَظْهرَ الذّمّ أو
تناول عِرْضا
بلْ إذا صاحبي بدا لي جَفَاهُ ... عُدْتُ بالودِّ
والوِصال ليرضى
كنْ كما شئتَ لي فإني حمولٌ ... أنا أوْلى مَنْ عَنْ
مساويك أغْضَى [٣]
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو بكر: محمد بن
محمد المقري، حدثنا أبو بكر: عبد الله بن محمد بن زياد الفقيه النيسابوري عن
المصريين قال: أنشد الشافعي لنفسه:
يا لهَفَ نَفْسِي على مالٍ
أُفَرِّقُهُ ... على المُقِلِّين من أهل المروءات
إنَّ اعتذاري إلى من
جاء يسألني ... ما ليس عندي من إحْدى المصيباتِ [٤]
أخبرنا محمد بن
الحسين السُّلمي قال: سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت
علي بن أحمد المقدسي يقول: أنشدنا أصحابنا للشافعي:
(١) في ح:
«وأنشدوا».
(٢) الأبيات الأربعة في ديوان أبي العتاهية ص ٥٩ وفيه:
«وفيّ يغض الطرف ...» والثلاثة في غرر الخصائص ص ٤٢٧، وهي «في الصداقة والصديق»
غير منسوبة. وانظرها في التوالي ص ٧٤.
(٣) ما بين القوسين ساقط من ا.
والأبيات في المناقب للرازي ١١٤.
(٤) المناقب للرازي ١١٦، وطبقات
الشافعية ١/ ٣٠١. وتاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٥ - اوفيه: «ما لست تملكه».
أَرَى
نَفْسي تكلّفني أُموراً ... يُقَصّرُ دون مَبْلَغِهِنَّ مَالِي
فلا
نَفْسي تُطاوعني لِشُحٍّ ... ولا مَالِي يُبلِّغُني فِعَالي] [١]
أخبرنا
أبو عبد الله قال: سمعت محمد بن الحسين بن أحمد بن موسى الترقفيَّ [٢] يقول: سمعت
محمد بن يحيى الصولي ينشد للشافعي:
وأَنْزَلني طُولُ النّوى دَارَ
غُرْبَةٍ ... إذا شئتُ لاقيتُ امرءا لا أُشَاكِلُهْ [٣]
فحَامَقْتُهُ
حَتَّى يقالَ: سَجِيَّةٌ ... ولو كان ذا عَقْلٍ لكنتُ أُعَاقِلُهْ [٤]
ورأيت
في كتاب أبي نعيم الأصبهاني بإسناد له عن المزني قال:
قدم الشافعي في
بعض قَدَماتِه من «مكة» فخرج إخوان له يتلقونه فإذا هو قد نزل منزلا، وإلى جانبه
رجل جالس وفي حجره عود، فلما فرغوا من السلام عليه قالوا: يا أبا عبد الله، أنت
في مثل هذا المكان؟ فأنشأ يقول: فذكر هذين البيتين.
وأخبرنا أبو عبد
الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد: حسّان بن محمد الفقيه قال: سمعت بعض أصحابنا
يقول:
سافر الشافعي مرة فصحبه في سفره من لا يداينه في نسبه وعقله،
فأنشأ الشافعي يقول:
وأنزلني طولُ النَّوَى دارَ غُرْبةٍ ... مجاورتي
من ليس مثلي يُشَاكِلُهْ
(١) ما بين القوسين سقط من ح، والبيتان في
المناقب للرازي ١١٦، وعيون الأخبار ١/ ٣٤٠، والحماسة ٣/ ١٠٢.
(٢) في
ا: «البيهقي».
(٣) طبقات الشافعية ١/ ٣٠٦.
(٤) البيتان في
عيون الأخبار ٣/ ٢٤، والبيان والتبيين ١/ ٢٤٥ غير منسوبين.
(م ٦ -
مناقب جـ ٢)
ثم ذكر البيت الثاني.
وأخبرنا أبو عبد الله
الحافظ في التاريخ، سمعت أبا محمد: عبد الله بن علي القاضي المنجنيقي يقول: سمعت
أبا نعيم يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول:
وأنزلني
طولُ النَّوى دارَ غربةٍ ... يقاومني من ليس مثلي يشاكلهْ
فحامَقْته
حتى يقال: سجيَّةٌ ... ولو كان ذا عقلٍ لكنت أعاقلُهْ
وأنشدنا أبو عبد
الرحمن السلمي، أنشدني أبو الحسن: أحمد بن علي المصري، بمكة، أنشدني أبو بكر بن
البغدادي القاضي للشافعي:
إنَّ الغريبَ له مَخَافةُ سارقٍ ... وخضوعُ
مَدْيونٍ وذلّةُ وَامِق
وإذا تذكَّر أهلّه وبلادَهُ ... ففؤادُه
كجَناح طيرٍ خافقِ [١]
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل
بن أبي نصر المعدِّل، أنشدني عدي بن عبد الله الأديب عن بعضهم للشافعي:
أَكْثَرَ
الناسُ في النساءِ وقالُوا ... إنّ حبَّ النساء جهدُ البلاء
ليس حبُّ
النساء جهداً ولكنْ ... قُرْب من لا تحبّ جهد البلاء
أخبرنا محمد بن
عبد الله الحافظ، أخبرني محمد بن يوسف الدقيقي، سمعت عبد الله بن محمد بن عدي
الفقيه يقول: أنشدني أحمد بن زريق قال: قال الشافعي:
أجارتَنا إنَّ
الخُطُوبَ تَنُوبُ ... إني مقيمٌ ما أقام عَسِيبُ [٢]
(١) المناقب
للرازي ١١٤.
(٢) الأبيات لامرئ القيس، وعسيب: جبل بعالية نجد، كما في
ديوانه ٣٥٧، ٤٥٤، واللسان ٢/ ٨٩، ومعجم البلدان ٦/ ١٧٨.
أجارتَنا إنا
غريبان ها هنا ... وكلُّ غريبٍ للغريب نسيبُ
فإنْ تَصِلِينَا تَسْعدِي
بمودَّتي ... وإنْ تَقْطعِينا فالغريبُ غريبُ
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، سمعت محمد ابن يعقوب بن الحجاج الأديب
يقول: وجدت في كتابي، عن المزني: أن الشافعي أملى عليه:
وأَكثِرَ من
الإخوان ما اسْطَعْتَ إنهمْ ... بُطُونٌ إذا اسْتَنْجَدْتَهُمْ وظُهُورُ
وليسَ
كثيراً ألفُ خِلٍّ لعاقلٍ ... وإنَّ عدوًّا واحداً لَكَثيرُ [١]
وأخبرنا
أبو عبد الله، أخبرني أبو الفضل، أنشدني عبد الله بن أحمد بن خزيمة، أنشدني محمد
بن الحسن للشافعي رحمه الله:
عواقبُ مكروهِ الأمورِ خيارُ ... وأيامُ
شَرٍّ لا تدومُ قِصارُ
وليس بباقٍ بُؤْسُها ونَعِيمُها ... إذا كَرٍّ
ليلٌ ثم كَرَّ نهارُ
قال: وقال الشافعي رحمه الله:
إذا
شئتَ أنْ تَحْيَا فلا تكنْ ... على حالةٍ إلا رضيتَ بِدُونها [٢]
وأخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل، سمعت تمام بن عبد الله
(١) من
غير نسبة في «الصداقة والصديق» وفي محاضرات الأدباء ٢/ ٢ لمحمود الوراق، وفيها:
«فما بكثير ألف خل وصاحب» وفي المناقب للرازي ١١٤: «وليس كثيراً ....» كما في
الموشي ص ١٦/ ١٧ وهما منسوبان لعلي رضي الله عنه، وفي روضة العقلاء ص ٩٩ غير
منسوبين. وانظرهما في التوالي ٧٤.
(٢) المناقب للرازي في الموضع
السابق.
الطرسوسي يقول: سمعت نصر بن عصام الأردبيلي يقول: سمعت عبد
الرحمن ابن محمد يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول:
نَعِيبُ
زمانَنا والعيبُ فينا ... وما لِزَمَانِنا عيبٌ سِوَانا
وقد نَهْجُوا
الزمانَ بغير جُرْمٍ ... ولو نَطَق الزمان به هَجانا
ديانتنا
التّصنّعُ والتَّرَائِي ... فنحنُ به نُخادِعُ مَنْ يرانا
وليس الذئبُ
يأكلُ لحمَ ذئبٍ ... ويأكلُ بعضُنا بَعْضاً عِيانا
لَبِسْنَا
لِلتّخَادُعِ مَسْكَ ضَأنٍ (*) ... فَوَيْلٌ للمُغيرِ إذا أتانا [١]
أنشدنا
أبو عبد الرحمن السلمي، أنشدني سعيد بن أحمد بن محمد، أنشدني أبو علي: أحمد بن
علي المالكي للشافعي رحمه الله:
إذا رافقتَ في الأسفار قوماً ...
فَكُنْ لهم كذي الرَّحِم الشّفيقِ
بعيبِ النفسِ ذَا بصرٍ وعلمٍ ...
وأَعْمَى العين عن عيبِ الرّفيقِ [٢]
ولا تأخذْ بعثْرةِ كلّ قومٍ ...
ولكن قل: هَلُمّ إلى الطريقِ
فإن تأخذْ بعثرتهم يَقِلُّوا ... وتبقى
في الزمانِ بلا صديقِ
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا أبو
القاسم: عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم الحلواني [٣] ببغداد، حدثنا أبو
محمد: إسماعيل بن علي بن إسماعيل، حدثنا إسماعيل بن أحمد الرفاء، سمعت محمد بن
عبد الله بن عبد الحكم يقول:
(*) أثبتت أولاً في المطبوع لفظة
«مُسُوكَ ضَانٍ»، ثم صححت في فهرس التصويبات ٢/ ٤٧٠ إلى: «مَسْك ضأن» كما في ا،
ح، وفي هامش ح: (للخداع مسوك) .
(١) الأبيات الأربعة السابقة كتبها
بعض النساخ لعيون الأخبار ٢/ ٢٦٠ منسوبة للشافعي عقب فراغه من كتاب العلم.
(٢)
في مناقب الرازي: «لعيب النفس ...».
(٣) ليست في ح.
سمعت
الشافعي ينشد هذه الأبيات:
سأضرِبُ في الآفاقِ شَرْقاً ومَغْرِباً ...
وأكسب مالاً أو أموت غريب (*)
لئن تَلِفْتْ نفسي فلله درُّها ... وإن
سلِمَتْ كان الرجوع قريب (*)
* * *
سقى اللهُ أرضَ
العامريِّ غمامةً ... وردّ إلى الأوطان كلَّ غريب
وأعطى ذوي الحاجات
فوق مناهُمُ ... وأمتع محبوبا بقرب حبيب
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ،
أخبرني نصر بن محمد العطار، أنشدني أبو القاسم: الطيب بن محمد الأنصاري الفقيه،
أنشدني إبراهيم بن عرفة، نفطويه، لمحمد ابن إدريس الشافعي في وصف القلم:
هل
تذكرين إذا الرسائل بيننا ... يَجْرين في الشجر الذي لم يُغْرَسِ
أيّامَ
سِرُّك في يدي ومثاله ... لي في يديك من الضَّمير الأخرسِ
قرأت في
كتاب أبي بكر: محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا، روايته عن أحمد بن محمد بن
إسماعيل، الإسماعيلي الفقيه، عن محمد بن أحمد الهروي، عن أبي عبد الله بن المهتدي
الهاشمي، عن علي بن سهل الرملي، عن رجل نَسى ابن المهتدي اسمه، قال:
لما
قرأ هارون الرشيد كتاب الولاية للأمين والمأمون بمكة، قام فتى شاب فقال: يا أمير
المؤمنين:
لا قَصَّرا عنها ولا بُلّغْنها ... حتى يطول بها لديك
طوالها
قال: فقاتل الناس: من هذا الشاب الذي جمع التهنئة والتعزية في
بيت
(*) كذا في الأصول، والصواب: غريبا .. قريبا. [فهرس التصويبات ٢/
٤٧٠]
واحد؟ فقيل: هذا فتى من قريش يقال له: محمد بن إدريس الشافعي.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، أخبرني نصر بن محمد العطار، أخبرني محمد ابن عمر [١]
البصري، حدثني محمد بن أحمد بن عاصم، حدثني محمد بن عبد الله ابن جعفر الرازي،
حدثنا الحسن بن علي بن مروان، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: قال لي الشافعي: سألت
محمد بن الحسن أن يعيرني كتاباً فكتبت إليه هذه الأبيات:
قل لمن لم
تَرَ عيـ ... ـنُ من رآه مثلَهُ [٢]
ومن كأن من رآ ... هـ قد رأى من
قبلَهُ [٣]
العلم ينهى أهلَه ... أن يمنعوه أهلَهُ
لعله
يَبْذُلُهُ ... لأهله لعلَّهُ [٤]
قال: فحمل محمد بن الحسن الكتاب في
كمّه وجاءني معتذراً عن حبسه.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثني
أبو بكر: محمد بن إبراهيم الشافعي، حدثني محمد بن أحمد البرقي الزاهد، حدثني
أصحاب الشافعي: إن الشافعي كتب إلى محمد بن الحسن بهذين البيتين - يعني: حين حبس
بالعراق:
لستُ أدري ما حيلتي غير أني ... أرتجي من جَميل جاهِك
صُنْعَا
والفتى إن أراد نفعَ صديقٍ ... فهْو يدري في أمره كيف
يَسْعَى
(١) في ا: «عمرو».
(٢) في ا: «. . . عينا من يراه.
. .».
(٣) في طبقات الحنفية: «ولمن كان رآه قد رأى. . .».
(٤)
المناقب للفخر ١١١، وتاريخ دمشق ١٠/ ١٨٧، وطبقات الحنفية ٢/ ٤٣ وتوالي التأسيس
٥٥.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت أبا بكر: هبة الله بن الحسن،
الأديب الفقيه، ببخاري، يقول: سمعت همام بن عبد ينشد هذه الأبيات، عن المزني
والربيع، عن الشافعي:
لما عفوتُ ولم أحقد على أحدٍ ... أرحتُ نفسيَ من
غمّ العداواتِ [١]
إني أُحَيِّي عدُوِّي عند رؤيته ... لأدفعَ الشرَّ
عني بالتحيّاتِ
وأُحسن البِشْرَ للإنسانِ أبغضُه ... كأنه قد حشا قلبي
محبّاتِ [٢]
ولست أسلم من خلٍّ يخالطني ... فكيف أسلم من أهل
العداواتِ؟
[وقال في غيره [٣]] :
ولست أسلم ممن ليس
يعرفُني ... فكيف أسلم من أهل العداواتِ؟
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ،
أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، أخبرني محمد بن عمرو البصري، حدثنا أبو العلاء:
أحمد بن محمود الأهوازي، حدثنا يوسف القُمِّي، حدثنا المزني، قال: سمعت الشافعي
يقول:
كنت باليمن فقرأت على باب صنعاء أو عدن [مكتوبا [٤]] :
احفظ
لسانَك أيها الإنسانُ ... لا يَلْدَغنَّك إنه ثعبانُ
كم في المقابر
مِن قتيلِ لسانِه ... قد كان هاب لقاءَهُ الأقرانُ
(١) في «الصداقة
والصديق»: «وأنشد هلال بن العلاء الرقي».
(٢) في «الصداقة والصديق»:
«وأظهر البشر. . . كأنه قد ملا قلبي. . .» وبعده:
والناس داء وداء
الناس قربهم ... وفي الجفاء لهم قطع الأخوات
ولست أسلم ممن لست أعرفه
... . . . . . . . . . . . . . . .
وأجزم الناس من يلقى أعاديه ... في
جسم حقد وثوب من مودات
(٣) ما بين القوسين من ح.
(٤) من
ح.
أخبرنا أبو عبد الله قال:
وقال الحسين بن محمد
الماسرجسي، أخبرنا أبو الحسين: محمد بن جعفر الرازي، حدثنا محمد بن عبد الصمد
الصّدفي [١]، قال: سمعت المزني يقول:
سمعت الشافعي يقول:
إذا
لم تَصُنْ عِرضاً ولم تخْشَ خالقاً ... وتستحْيِ مخلوقا فما شئتَ فاصنع
أخبرني
أبو عبد الله الحافظ، أخبرني محمد بن إبراهيم المؤذن، أنشدنا عبد الله بن محمد بن
عدي، للفقيه الشافعي:
والمرء إن كان عاقلا ورعا ... يشغله عن عيوبهم
ورعُه
كما العليلُ السقيم يشغله ... عن وجع الناس كلِّهم وجعُه [٢]
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنشدني منصور بن عبد الله الهروي قال: أنشدنا إبراهيم
بن المولد [٣]، للشافعي:
لا خير في حشو الكلا ... مِ إذا اهتديت إلى
عيونهْ
والصمت أجمل بالفتى ... من منطق في غير حينهْ [٤]
وعلى
الفتي بطباعه ... سمة تلوح على جبينهْ
من ذا الذي يخفى عليـ ... ك إذا
نظرت إلى قرينهْ [٥]
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني لؤلؤ بن عبد
الله المقتدري، على باب
(١) في ح: «الصوفي».
(٢) البيتان
في التوالي ص ٧٥.
(٣) في ح: «إبراهيم الموحد».
(٤) البيتان
في الموشي ص ٨ منسوبين لأبي العتاهية وكذلك في لباب الآداب ٢٧٦، وهما في حماسة
البحتري ٢٢٩ لصالح عبد القدوس. ونقل ابن حجر عن البيهقي الأبيات الثلاثة الأول في
توالي التأسيس ٧٣.
(٥) البيتان في الموشي ص ١٤ بتقديم الثاني على
الأول منسوبين لأبي العتاهية.
الخليفة قال: أنشدنا أبو القاسم: يوسف
بن عبد الله المصري، عن بعض أصحاب الشافعي، للشافعي:
إني بليت بأربع
يرمينني ... بالنيل عن قوس لهن صريرُ
إبليس والدنيا ونفسي والهوى ...
أنَّى يَفِرُّ من الهوى نِحْرِيرُ
أنشدنا محمد بن الحسين السلمي،
أنشدني محمد بن طاهر الوزيري، أنشدني المطرفي، للشافعي رحمه الله:
يا
من تعزّزَ بالدنيا وزينتِها ... الدهرُ يأتي على المبْنِيِّ والباني [١]
ومن
يكون عِزُّهُ الدنيا وزينتها ... فعزّه عن قليل زائلٌ فاني
واعلم بأن
كنوزَ الأرض من ذهبٍ ... فاجعل كنوزَك من بِرٍّ وإيمان
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، أخبرني نصر بن محمد العطار، أنشدني سعيد بن أحمد الهمذاني، عن أبي
نصر: أحمد بن سهل، أنشدني صالح جزرة، للشافعي:
مَن طلب العلمَ للمعاد
... فاز بفضلٍ من الرشاد
فنار حسنا لطالبيه ... بفضل نيل من العباد
قرأت
في كتاب أبي الحسن العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، حدثني يوسف بن الماجد،
أخبرني المزني، قال: سمعت الشافعي يتمثل بهذا البيت. عندما غاب ابنه:
وما
الدهر إلا هكذا فاصطبرله ... رزيّةُ مالٍ أو فراقُ حبيب
قال أبو
الحسن: سقط على بعض الرواة «فاصطبرله» فأثبته فيه من عندي.
(١) في ا:
«والدهر يأتي. . .».
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عبد
الله: محمد بن إبراهيم المؤذن، سمعت محمد بن عيسى الزاهد يقول: فيما بلغنا: إن
«عبد الرحمن بن مهدي» مات له ابن، فجزع عليه جزعاً شديداً حتى امتنع من الطعام
والشراب، فبلغ ذلك «محمد بن إدريس الشافعي» فكتب إليه:
أما بعد،
فعّزَّ نفسك بما تعزي غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك، واعلم أن
أمضَّ المصائب فَقْدُ سرورٍ مع حرمانِ أجر، فكيف إذا اجتمعا على اكتساب وزر؟
وأقول:
إني معزِّيك لا أني على طمعٍ ... من الخلود ولكنْ سنّة
الدين
فما المعزَّى بباق بعد صاحبه ... ولا المعزِّي ولو عاشا إلى
حينِ [١]
قال: فكانوا يتهادونه بينهم بالبصرة.
وأخبرنا أبو
عبد الرحمن السلمي، سمعت الحسين بن أحمد بن موسى يقول: سمعت محمد بن يحيى
الصُّولي يقول:
قال المبرد: رحم الله الشافعي، وإنه كان من أشعر
الناس، وآدب الناس، وأعرفهم بالقراءات، ولقد أخبرني بعض أصحابي أنه مات لعبد
الرحمن بن مهدي ولد فكتب إليه الشافعي:
يا أخي، عَزّ نفسك بما تعزِّي
به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل [٢] غيرك، واعلم أنّ أمضّ المصائب
فَقْدُ سرور، وحرمانُ أجر، فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وِزْر؟ فتناول حظّك يا أخي
إذا قرب منك، قبل أن تطلبه، وقد نأى عنك. ألهمك الله عند المصائب صبراً، وأجزل
[٣] لنا ولك بالصبر أجرا. وكتب إليه:
(١) معجم الأدباء ١٧/ ٣٠٨،
وتاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٦ - ب.
(٢) ليست في ا.
(٣) في ا:
(وأحرز».
إني مُعَزِّيك لا أنى على ثقةِ ... من الخلود ولكنْ سنّة
الدينِ [١]
فما المعزَّى بباق بعد ميِّته ... ولا المعزِّي وإن عاشا
إلى حينِ [٢]
أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، سمعت عبد الرحمن بن محمد
الهاشمي يقول: سمعت محمد بن الفضل العدني [٣] يقول: سمعت محمد بن خلف بن
الْمَرْزُبان يقول: سمعت عبد الله بن علي يقول:
سمعت «محمد بن سلام
الجمحي» ينشد للشافعي:
مِحَنُ الزمانِ كثيرةٌ لا تنقضي ... وسُرورُه
يَأتيك كالأعياد
مَلَكَ الأكابِرَ فاسترقّ رقابَهم ... وتراه رِقًّا
في يد الأَوْغاد
وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي فيما أسندوه عن محمد
بن عبد الله عن عبد العزيز بن يحيى الكناني قال: أنشد الشافعي لسفيان بن
عُيَيْنَة:
كم من قويّ قويٍّ في تقلُّبه ... مهذّب الرأي عَنْهُ
الرزقُ مًنْحَرِفُ
ومن ضعيفٍ ضعيف العقل مختلط ... كأنّه من خليج
البحرِ يغترفُ
هذا دليل على أن الإله له ... سرٌ خفيٌّ علينا ليس
ينكشفُ [٤]
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو بكر: محمد بن عثمان
المقري، أنشدنا أبو روق الهِزَّاني بالبصرة، أنشدنا العباس بن الفرج الرِّيَاشي،
قال: أنشدني الشافعي لنفسه [٥]:
المرءُ يحظى ثم يعلو ذكره ... حتى
يُزَيَّنَ بالذي لم يعملِ [٦]
(١) في تاريخ دمشق: «... لا أني على طمع
... من الخلود ...».
(٢) في تاريخ دمشق: «... بباق بعد صاحبه. . . ولو
عاشا. . .».
(٣) في ح: «العذري».
(٤) هذا البيت ليس في ا.
والأبيات الثلاثة في ح والمناقب للرازي ١١٣.
(٥) ليست في ح.
(٦)
البيتان في توالي التأسيس ص ٧٣ نقلا عن البيهقي.
وترى الشقيَّ إذا
تكامل غَيُّهُ ... يشقى ويُنْحَلُ بالذي لم يفعل
قال الرياشي: وكنت مع
الأصمعي حيث قرأ على الشافعي شعر الشنفري بمكة. كذا قال أبو بكر المقري [١].
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، أنشدني محمد بن الحسن الرازي، أنشدنا ابن أبي حاتم
للشافعي:
مَا هِمَّتي إلا مُطالبةُ العُلا ... خَلق الزمانُ وهمَّتي
لم تَخلق
الجِدّ يدني كُلَّ أمرٍ شاسعٍ ... والجَدُّ يفتح كلَّ باب
مغلقِ [٢]
وإذا سمعت بأن مَجْدُوداً حَوَى ... عوداً فأَثمر في يديه
فَصَدِّق
وإذا سمعت بأن محروماً أتى ... ماءً ليشربَه فغَاض فَحقِّقِ
[٣]
ومن الدليل على القضاء وكونِه ... بؤسُ اللبيبِ وطِيْبُ عيشِ
الأحْمَقِ [٤]
قلت: زاد في أوله غيره:
إنّ الذي رُزِقَ
اليَسارَ فلم يُصِبْ ... حَمْداً ولا أجراً لَغَيْرُ مُوَفَّق
وأحقُّ
خلقِ اللهِ بالهمِّ امرؤٌ ... ذو همَّةٍ يُبْلىَ بِعيشٍ ضيِّقِ [٥]
(١)
في ح: «المزني» وهو خطأ.
(٢) في تاريخ دمشق: «فالجد يبني» والأبيات في
العمدة ١/ ٤٠ ما عدا الأول والأخير.
(٣) في تاريخ دمشق: مجدوداً أتى
...».
(٤) الأبيات في طبقات الشافعية ١/ ٣٠٤.
(٥) الأبيات
في تاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٧ - ب، والمناقب للرازي ١١٣، وبعده فيه:
ولربما
عرضت لنفسي فكرة ... فأود منها أنني لم أخلق
لو كان بالحيل الغنى
لوجدتني ... بأجل أسباب السماء معلق
لكن من رزق الحجا حرم الغني ...
ضدان مفترقان أي تفرق
ومن الدليل. .. الخ.
وانظرها في
التوالي ٧٥، وطبقات الشافعية ١/ ٣٠٤.
قال: «والجدُّ يدني كل أمر شاسع»
وزاد أيضاً:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت عبد الواحد بن عبد
الله البغدادي
يقول: سمعت يوسف بن عبد الأحد القُمِّي يقول: سمعت
الربيع بن سليمان
يقول: كنت مع الشافعي في بعض أسفاره فسمعته ينشد:
يقولون:
لا تنظر وتلك بليَّةٌ ... ألاَ كُلُّ ذي عينين لا بد ناظرُ
وليس
اكتحال العين بالعين ريبةً ... إذا عفّ فيما بين ذاك الضمائرُ [١]
أخبرنا
أبو بكر: محمد بن إبراهيم بن أحمد الفارسي، أخبرنا أبو الحسن: محمد بن إسماعيل
العلوي، سمعت محمد بن نوح العسكري يقول: سمعت محمد ابن عبد الله يقول:
لقيت
الشافعي فتنفس وأنشأ يقول.
وأنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنشدني
ناصر بن محمد، أنشدني عبد الله بن محمد بن سعيد الأندلسي، سمعت البويطي يقول:
أنشدني الشافعي، رحمه الله، لنفسه:
مَرِضَ الحبيبُ فعُدْتُه ...
فمرضتُ من حذري عليهِ
فأتى الحبيب يعودني ... فبرأْتُ من نظري
إليهِ
لفظهما واحد.
(١) أوردهما ابن قيم الجوزية في روضة
المحبين ص ١١٢ نقلا عن الحاكم في مناقب الشافعي على أنهما من شعر الشافعي، وهما
لجميل بن معمر كما في ذيل الأمالي ص ١٠٣.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ،
أخبرني أبو بكر بن عثمان البغدادي، حدثنا أبو رَوْق الهِزَّاني، حدثنا الرياشي:
أنّ رجلا كتب رقعة يستفتي بها الشافعي:
ماذا تقول هداك الله في رَجل
... أمسى يحبّ عجوزاً بنت تسعين؟
فأحابه الشافعي رضي الله عنه:
نبكي
عليه فقد حقّ البكاء له ... حبّ العجوز بترك الخُرّدِ العِيْنِ
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو سهل: محمد بن أحمد الفرائِضي، حدثني أبو يعلى
العلوي، سمعت عبد الله بن محمد بن مسلم الإسفراييني يقول: سمعت الربيع بن سليمان
يقول:
كنت يوما عند الشافعي فجاءه أعرابي بيده رقعة، فتخطى رقاب الناس
وناوله الرقعة، فنظر فيها الشافعي رضي الله عنه، فدعا بالدواة ووقع فيها بخطه.
فتبعت الأعرابي وسألته النظر فيها فإذا فيها:
سَلِ المفتَى المكيَّ هل
في تزاورٍ ... وضَمّةِ مُشْتَاقِ الفؤادِ جُنَاحُ
وإذا [١] فيها جواب
الشافعي:
أقول معاذ الله أن يذهب التقَى ... تلاصُقُ أكبادٍ بِهِنَّ
جِرَاحُ [٢]
(١) في ا: «فإذا فيها».
(٢) الكامل للمبرد ١/
٢٤٩، وتزيين الأسواق ص ٧، وطبقات الشافعية ١/ ٣٠٣، والمختار من شعر بشار ص ٤٨
وفيه أن السائل للشافعي امرأة، ويقول مؤلفه أبو الطاهر: إسماعيل بن أحمد التجيبي:
«وأنا أرتاب بهذه الحكاية عن الشافعي، على كثرة إسنادها إليه، وتعليقها به. على
أنه قد وجه لها وجيه فقيل: المعنى: معاذ الله أن يفعل هذا تقي فيذهب تقاه فعله
إياه، كقولك: معاذ الله أن تفعل فيسقط جاهك شرب وما أشبهه: أي معاذ الله أن تفعل
فيسقط جاهك.
وفي هذا بعض الغموض فتنبه له. اهـ.
وفي روضة
المحبين ص ١١٢ حكاية عن السمعاني: أن السؤال كان للشافعي، وقال: وذكر الخرائطي
هذا السؤال والجواب عن عطاء بن أبي رباح، وأوله: سألت عطاء المكي. . .».
ورواه
أبو زرارة الحرّاني، عن الربيع، وزاد فيها [١]: قال الربيع: فأنكرت على الشافعي
أن يفتي لحدث بمثل هذا، فقال لي: يا أبا محمد، هذا رجل هاشمي قد عرس في هذا الشهر
- يعني شهر رمضان - وهو حدث السن، فسأل: عليه جناح أن يقبل أو يضم من غير وطء؟
فأفتيته بهذا. قال الربيع: فتَبعت الشاب فسألته عن حاله، فذكر لي أنه مثلما قال
الشافعي. قال: فما رأيت فراسة أحسن منها.
وهذا فيما ذكره أبو نعيم
الأصبهاني، عن الحسن بن سعيد بن جعفر، عن أبي زرارة.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي، سمعت يحيى بن هارون [٢] الأيلي، الصوفي، يقول: سمعت ابن درستويه
يقول:
بلغني عن حرملة أنه قال: رفع رجل رقعة إلى الشافعي مكتوبا
فيها:
رجل مات وخلّى رجلا [٣] ... ابن عم ابن أخي عم أبيه
قال:
فأجاب الشافعي في أسفل الرقعة:
صار مال المتوفى كاملا ... باحتمال
القول لا مِرْيَةَ فيهِ
للذي خَبَّرْتَ عنه أنه ... ابن عم ابن أخي عم
أبيهِ [٤]
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن أبي
نصر، حدثنا علي بن الحسن بن حبيب الدمشقي، سمعت الفاقوسي - وكان من أهل القرآن
والعلم - يقول [٥]: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول:
(١) في
ا: «فيه».
(٢) في ا: «يحيى بن أحمد بن علي الإيلي».
(٣) في
ح، ا: «وخلى» و «رجلا» في المناقب، وهي ساقطة من الأصلين. [أثبتت أولاً في
المطبوع لفظة «مات وخلّف»، ثم صححت في فهرس التصويبات ٢/ ٤٧٠ إلى: «مات
وخلّى»]
(٤) الأبيات والقصة في المناقب ١١٦ - ١١٧ وفيها: «للذي
أخبرت»، وفي ا: «الذي أخبرت».
(٥) ليست في ا.
سمعت الشافعي
يقول: كان لي صديق يقال له: حُصَين، وكان يبرّني ويصلني، فولاه أمير المؤمنين
السِّيبين [١] قال: فكتبتُ إليه:
خُذْها إليكَ فإن وُدَّك طالقٌ ...
منّي وليس طلاق ذات البينِ
فإن ارعويتَ فإنها تطليقةٌ ... ويدوم ودُّك
لي على ثِنْتَينِ
وإن التويتَ شفعتها بمثالها ... وتكون تطليقين في
حيضين
فإذا الثلاث أتتكَ مني طائِعا ... لم تغن عنك ولاية
السِّيبينِ
لم أرض أن أهجُو حصينا وحده ... حتى أُسَوِّد وجهَ كلِّ
حصينِ [٢]
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا عبد الله بن سعيد بن
عبد الرحمن البستي، بهمذان، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف الهيتي [٣]، حدثنا أبو
الحسين: محمد بن محمد بن عبد الله بن جعفر، حدثنا الحسن بن حبيب عن محمد ابن عبد
الحكم المصري قال: وحدثني محمد بن إدريس قال: كان لي صديق يسمى حصين، وكان يبرّني
ويودّني، فولى قضاء السِّيبين، فجفاني ونسيني، فكتبت إليه بأبيات من الشعر،
فذكرهن. قال: فلما قرأها رجع إلى مودتي واعتذر، غير أنه قال:
فإنِ
الثلاث أتتك مني بتة ... لم تغن عنك ولاية السِّيبين [٤]
أخبرنا أبو
عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، حدثنا يحيى ابن محمد بن إبراهيم
الخطيب، حدثنا أبو بكر: محمد بن إبراهيم المقري قال:
(١) السيب - بكسر
أوله وسكون ثانيه - كورة من سواد الكوفة، وهما سيبان: الأعلى والأسفل، كما في
معجم البلدان ٥/ ١٩٠.
(٢) المناقب للرازي ١١٧.
(٣) في ح:
«حدثنا محمد بن يوسف الهيتي».
(٤) في ا: «... أتتك مني بيّفا».
سمعت
محمد بن أبي عدي، قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي، رضي الله عنه
يقول:
اعرف الحق لذي الحق إذا حقّ له الحق
لا خير فيمن
ينكر الحق لذي الحق إذا حق له الحق
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ،
أخبرنا أبو علي: محمد بن علي الإسفراييني ببخاري، قال: أملى علينا أبو سعيد: أحمد
بن سعيد بن عتيب الصّوري - بِصُور - حدثنا الربيع بن سليمان، سمعت الشافعي
يقول:
ومنزلةُ السّفيهِ مِن الفقيهِ ... كمنزلةِ الفقيهِ من
السفيهِ
فهذا زاهدٌ في علم هذا ... وهذا فيه أزهد منه فيهِ
إذا
غلب الشقاء على السّفيهِ ... تنطَّع في مخالفة الفقيهِ [١]
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، حدثنا عبد الرحمن - يعني
ابن محمد [٢] بن إدريس - حدثنا أبي، حدثنا حرملة ابن يحيى، سمعت الشافعي، رضي
الله عنه يقول:
ولا تظهرنّ الرأي من لا يريدهُ ... فلا أنت محمودٌ ولا
الرأيُ نافعهْ [٣]
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت أبا الحسن: علي
بن بندار الصرفي يقول: سمعت الشافعي يقول:
جنونك مجنون فلست بواجدٍ
... طبيباً يداوي من جنون جنون [٤]
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ،
أنبأني أبو جعفر: محمد بن صالح بن هانئ
(١) الأبيات في توالي التأسيس
ص ٧٥، وطبقات الشافعية ١/ ٢٩٨.
(٢) في ح: «عمر».
(٣) آداب
الشافعي ٢٧٦.
(٤) طبقات الشافعية ١/ ٣٠٧.
(م ٧ - مناقب جـ
٢)
ابن محمد بن سهل [١] الطوسي، حدثه قال: أنشدنا يونس بن عبد الأعلى،
وقال لي: اكتبه فإن ابن خزيمة لم يكتبه عني قال: أنشدنا الشافعي:
قليل
المال لا ولد يموت ... ولا همٌّ يبادر ما يفوتُ
خفيف الظهر ليس له
عيال ... خليٌّ من حُرِمت ومن دُهيتُ [٢]
قضى وطر الصّبا وأفاد علماً
... فهمَّته التعبدُ والسكوتُ
قال أبو تراب: محمد بن سهل: سألني أبو
بكر: محمد بن إسحاق عن هذه الأبيات.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ،
أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، أخبرنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد - قال:
قال
الربيع والمزني: كُلّم الشافعي في بعض ما يراد به - يعني فأبى، وأنشأ يقول:
ولقد
بلوتك وابتليت خليقتي ... ولقد كفاك معلمي تعليمي [٣]
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، أخبرني نصر بن محمد، أخبرني علي بن محمد ابن أحمد الفقيه، قال:
حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن محمود قال: سألت يونس ابن عبد الأعلى عن حديث
فقال:
خذي العفوَ مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سَورتي حين
أغضبُ
فإني وجدت الحب في القلب والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب
يذهبُ [٤]
(١) في ح: «نهيك».
(٢) في هامش ح: «خلى من خرجت
ومن ذهبت».
(٣) آداب الشافعي ٢٧٣.
(٤) البيتان في مناقب
الرازي ص ١١٧، والثاني في ديوان المعاني ٢/ ١٧١.
ثم قال يونس: كان
الشافعي معجبا بهذه الأبيات [١].
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي،
أخبرني الربيع البلخي قال: حدثني أحمد بن علي الرستمي، حدثني أبو النضر بن سالم،
حدثني أبي قال: بينا [٢] الشافعي في مجلسه، ببغداد، في مسجد المنصور إذ سقطت بين
يديه رقعة فيها مكتوب:
عفا الله عن عبدٍ أعان بدعوةٍ ... خليلين كانا
دائبين على الودِّ [٣]
إلى أن وشا واشٍ بقول نميمة ... إلى ذاك من هذا
فحالا عن العهدِ
قال: فمد الشافعي يده ودعا وانصرف بلا مناظرة ولا
مذاكرة.
وقرأت في كتاب أبي نعيم الأصبهاني، أخبرنا محمد بن عمر بن
غالب، حدثنا محمد بن الربيع بن سليمان - بمكة - حدثنا أبي قال:
قال لي
يعقوب البويطي: قلت للشافعي: قد قلت في الزهد فهل لك في الغزل شيء [٤]؟ قال:
فأنشد:
يا كاحلَ العينِ بعد النومِ بالسهرِ ... ما كان كحلك بالمنعوت
للبصرِ
لو أنَّ عيني إليك الدهر ناظرة ... جاءت وفاتي ولم أشبع من
النظرِ
سقيا لدهر مضى ما كان أطيبه! ... لولا التفرُّق والتنغيص
بالسفرِ [٥]
إن الرسولَ الذي يأتي بلا عِدَةٍ ... مثلُ السحاب الذي
يأتي بلا مطرِ [٦]
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، سمعت أبا منصور بن
أبي محمد الفقيه
(١) البيتان في عيون الأخبار ٣/ ١١ منسوبين لشريح.
(٢)
في ا: «كان».
(٣) في ا: «دائمين».
(٤) ليست في ا.
(٥)
في ا: «لأيام مضت ما كان أطيبها» وعلى قوله: «أيام» علامة التضبيب.
(٦)
الأبيات في طبقات الشافعية ١/ ٣٠٥.
يقول: سمعت بعض فقهائنا يقول:
بلغني أن الشافعي سئل: أيجوز أن يتزوج الرجل على بيت شعر؟ قال: إذا كان البيت مثل
هذا فنعم:
يريد المرء أن يعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا
وقال
غيره: أن يلقى مناه.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني عبد الواحد بن
محمد المذكر قال: أنشدني الشافعي رضي الله عنه:
إذا كنت لا تدري ولا
أنت بالذي ... يُسائل من يدري فكيف إذاً تدري
فلو كنت تدري أو تدرّيت
لم تكن ... تخالف من يدري على علم ما يدري [١]
وأخبرنا أبو عبد الله:
أخبرني نصر بن محمد، حدثني محمد بن يعقوب ابن يوسف بن الحجاج الأديب قال: وجدت في
كتابي عن الشافعي أنه قال: العلم حر وطالب العلم عبد، فأنْ خدم العلمَ ملك العلم
وإن تجبّر عليه فالعلم أشد تجبُّراً من أن يخضع لمن لا يخضع له وقال:
ما
تمَّ حلم ولا علم بلا أدبٍ ... ولا تجاهل في قوم حليمانِ
وما التجاهل
إلا ثوب ذي دنس ... وليس يلبسه إلا سفيهانِ [٢]
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو محمد بن يوسف الأصبهاني، قالوا: سمعنا أبا
العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع ابن سليمان يقول:
كتب إليّ
أبو يعقوب البويطي من الحبس: أن اصبر نفسك للغرباء،
(١) المناقب
للرازي ١١١.
(٢) المناقب للرازي ١١٨.
وأحسن خلقك لأهل
حَلْقَتك؛ فإني لم أزل أسمع الشافعي يكثر أن يتمثل بهذا البيت:
أهين
لهم نفسي لكي يكرمونها ... ولن تكرم النفس التي لا تهينها [١]
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت محمد بن عبد الله الشيباني يقول: سمعت موسى بن محمد
بن هاشم يقول: سمعت المزني يقول:
سمعت الشافعي يقول: سئل بعض السلف:
ما بلغ من اشتغالك بالعلم؟ فقال: هو سلوتي إذا اهتممت، ولذّتي إذا سلوت [٢].
قال:
وأنشدني الشافعي، رضي الله عنه، لنفسه [٣]:
وما أنا بالغيران من دون
أهله ... وإذا أنا لم أضحى غيورا على علمي
طبيب فؤادي مذ ثلاثون
حجَّةً ... وصيقل ذهني والمفرج عن هَمِّي
أخبرنا محمد بن عبد الله
الحافظ، أخبرني أبو تراب المذكر، حدثنا محمد ابن المنذر، حدثنا محمد بن عبد الله
بن عبد الحكم قال:
سمعت الشافعي يقول: إذا قال الرجل لامرأته: اشربي
أو كلي أو ذوقي وقال: أردت الطلاق فهو طلاق، والعرب تقول: اشرب الشيء: تريد به
المكروه؛ ألا تسمع قول الشاعر:
اشرب بكأس كنت تسقي بها ... أمرّ في
فيك من العلقَم
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد
الفقيه، حدثنا المؤمل ابن الحسن بن عيسى، سمعت الزعفراني يقول:
(١)
البيت لأعرابي حجب عن باب السلطان كما في البيان والتبيين ٢/ ١٨٩. وأمالى المرتضى
١/ ٢٠٥، والصناعتين ص ٢٤٠، وإعجاز القرآن للبافلاني ص ١٢٤.
(٢) بعد
هذا في ح: «لا أضجر».
(٣) ليست في ح.
سمعت الشافعي يقول:
كانت أمي تطعمني الزيت وأنا صبي فقلت: يا أماه قد أحرق الزيت كبدي فقالت: كُلْه
يا بني فإنه مبارك فقلت:
تأدَّمُنى بالزيت قالت: مباركٌ ... وقد أحرق
الأكبادَ هذا المباركُ
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو
صالح بن الجوهري، ببغداد، حدثنا أبو بكر: أحمد بن محمد الواسطي [١] قال: سمعت
الربيع بن سليمان يقول: سمعت أبا عثمان: محمد بن محمد بن إدريس الشافعي يقول -
يعني سمع أباه ينشد (*) :
على كل حال أنت بالفضل أجدر [٢] ... وما
الفضل إلا للّذي يتفضل
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا عبد الله
بن سعيد بن عبد الرحمن البستي [٣]، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن
محمد بن عبد الله ابن جعفر الرازي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن صالح - بدمشق -
حدثنا أبو معاوية: عبيد الله بن محمد بن عبد الحكم الدمشقي، حدثنا الربيع ابن
سليمان قال:
قال رجل للشافعي: مات فلان، فقال: وهب الله لك الحسنات
[ومحا عنك السيئات [٤]] فقد دللتنا على مكرمة، وحططت عنا ثقل الاعتذار، انهضوا
بنا إلى فلان حتى نعزيه، فقيل له: إن الموضع بعيد، فأنشأ يقول:
لئن
مدت دار المعزَّى ونابَه ... من الدهر يوم والخطوب تنوبُ [٥]
(١) في
ا: «ابن الواسطي».
(*) هذا نص ح. وفي ا: «الشافعي يقول ينشد يعني سمع
أباه ينشد». [فهرس التصويبات ٢/ ٤٧٠]
(٢) في ا: «آخذ».
(٣)
في ح: «لسبتي».
(٤) ما بين القوسين ليس في ا.
(٥) في ح:
«يوما».
لَمَشْيي على بعد على علة الوجا ... أدِبّ ومن يقضي الحقوق
دَبُوبُ [١]
ألَذُّ وأحلى من مقال وخلفه ... يقال إذا ما قمت أنت
كذوبُ
وهل أحد يصغي إلى عذرِ كاذبٍ ... إذا قال لم تأْبَ المقالَ
قلوبُ [٢]
وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي، سمعت محمد بن طاهر الوزيري
يقول: سمعت المطرفي [٣] الهروي يقول: بلغني عن الربيع بن سليمان أنه قال:
جاء
رجل إلى محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه، فقال له: إن فلانا صديقك لعليل
[٤]، فقال له الشافعي: لقد اتخذت عندي يدا، وأحسنت إليّ حيث أيقظتني لمكرمة [٥]،
ودللتني على إفضال، ودفعت عني اعتذاراً يشوبه بعض الكذب، ثم قال: يا غلام، نعلي؛
فالمشي على الحفا، على علة الوجا، في حرّ الرمضا إلى ذي طوى - أيسر من اعتذار إلى
صديقك ربما لا يعذرك فيه، وربما يشوبه شيء من الكذب وإن قلّ، ثم أنشأ يقول:
ح.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: أنشدني أبو عبد
الله: محمد بن الحسن الفارسي: أنشدني أبو العباس: محمد ابن نصر الفقيه، أنشدني
بعض أصحابنا للشافعي، رضي الله عنه، في قضاء الحق في السرعة والإبطاء:
أرى
[٦] راحةً في الحق عند قضائه ... ويثقل يوما إن تركت على عمدِ
وفي
رواية السلمي:
«أرى (٦) راحة للحق عند قضائه».
(١) في ا:
«تمشي». والوجا: وجع في لقدم.
(٢) في ح: «يصفو له عذر كاذب». والأبيات
في تاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٧ - ب. وكتب هنا في هامش «ح»: بلغ مقابلة في المجلس السابع
عشر.
(٣) في ح: «الطبري».
(٤) في ا: «إن صديقك عليل».
(٥)
في ا: «للمكرمة».
(٦) في ا: «أرى». [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة
«رأى»، ثم صححت في فهرس التصويبات ٢/ ٤٧٠ إلى: «أرى»]
وحسبك عاراً أن
تقُل عذر كاذب ... وقولك لم أعلم وذاك من الجهدِ
[وفي رواية أبي عبد
الله:
«وحسبك خِطْئًا أن تدع عذر كاذب»] [١].
ومن يَقْضِ
حق الناس ثم ابن عمه ... وصاحبه الأدنى على القرب والبعدِ
وفي رواية
السلمي:
«ومن يقض حق الجار ثم ابن عمه».
يَعِشْ سيداً
يستعذب الناس ذِكرهُ ... وإن نابه خطب أتَوه على قصدِ
أخبرنا محمد بن
الحسين السلمي، سمعت منصور بن عبد الله الهروي يقول: سمعت إبراهيم بن محمد الرقّي
[٢] يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول:
كنت يوما عند الشافعي،
فتذاكروا ما قيل في حسن القِرى، ومحبة الضيافة والأضياف، فذكروا أبياتا للشعراء
فقال الشافعي: وأين أنتم عن قول بعضهم:
ويدل ضيفي في الظلام على
القِرى ... إشراقُ ناري أو نباحُ كلابي
حتى إذا واجَهْنَه فلقينه ...
حَيّيْنَه ببصابِصِ الأذنابِ
وتكاد من عرفان ما قد عُلِّمَتْ ... من
ذاك أن تفصحن بالتَّرحابِ
وقول بعض الأعراب من الهذليين حيث يقول:
وإذا
تأمل شخصَ ضيفٍ مقبلٍ ... متسربلٍ سربال ليلٍ أغبرِ
أوْما إلى الكوماء
هذا طارقي ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري [٣]
(١) ما بين القوسين ليس
في ا.
(٢) في ح: «المزني».
(٣) البيتان من غير نسبة في
أمالى القالي ١/ ٤٣ ونسبهما البكري إلى ابن المولى، وانظر تخريج الميمني لهما في
السمط ١/ ٢٧٨.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس:
محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع بن سليمان، حدثنا الشافعي، حدثني بعض أهل العلم أن
أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، قال: ما وجدت لي ولهذا الحي من الأنصار مثلا إلا
ما قال الطفيل الغنوي:
أبوا أن يملونا ولو أن أمنا ... تلاقي الذي
يلقون منا لَنلَّت
هم خلطونا بالنفوس وألجثوا ... إلى حجراتٍ أدْفأت
وأظلَّت
جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت ... بنا نعلنا في الواطئين
فزلَّتِ [١]
قرأت بخط رفيقنا أبي عبد الله الكرماني، فيما سمع أبا عبد
الله الشيرازي: أن أبا العباس الضرير أنشده قال: أنشدني عبد الرحمن بن أبي حاتم
قال: أنشدني المزني قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، ينشد:
إذا هبَّت
رياحُك فاغتنمها ... فإن لكل عاصفةِ سكونُ
ولا تغفل عن الإحسانِ فيها
... فما تدري السكون متى يكونُ
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت
منصور بن عبد الله بن الفضل الأصبهاني يقول: سمعت أبا الحسن الدمياطي يقول:
قال
حرملة: كثيرا ما سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يتمثل بهذين البيتين:
لعمرك
ما الرزيَّة هدمُ دارٍ ... ولا شاة تموت ولا بعيرُ
ولكن الرزية فقْدُ
قِرْمٍ ... يموت بموته بشرٌ كثيرُ [٢]
(١) الأبيات في مجموعة المعاني
٩٨ وفيها: «... جعفرا حسين أشرفت» وفي آداب الشافعي ٢٧٧، والأغاني ١٥/ ٣٦٨ ط. دار
الكتب، ومجالس ثعلب ٤٦١، وحلية الأولياء ١٥٣، والانتفاء لابن عبد البر ٨٧.
(٢)
المناقب للرازي ١١٨، وأمالى القالي ١/ ٢٧٢.
أنشدنا أبو عبد الرحمن:
محمد بن الحسين السلمي قال: أنشدني علي بن محمد ابن جعفر البخاري الأديب، للشافعي
رضي الله عنه:
ومتعَب العيش مرتاح إلى بلد ... والموت يطلبه في ذلك
البلد
وضاحك المنايا فوق هامته ... لو كان يعلم وجداً فاض من كمد
آماله
فوق ظهر النجم سابحةُ ... والموت منتظر منه على الرصدِ [١]
من كان لم
يعط علما في بقاء غد ... ماذا تفكُّره في رزق بعد غدِ؟ [٢]
أخبرنا
محمد بن الحسين السلمي، أخبرنا علي بن جندل القزويني، على باب الأصم، حدثنا أبو
محمد: عبد الله بن عبد الرحمن الهمذاني - بجرجان - قال: وجدت في بعض كتب أصحابنا
سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي ينشد:
صُن النفسَ واحملها على ما
يزينها ... تعششْ سالما والقول فيك جميلُ
ولا تُوْلِيَنَّ الناسَ إلا
تجملا ... نيابك دهر أو جفاك خليلُ
وإن ضاق رزقُ اليوم فاصبر إلى غدٍ
... عسى نكبات الدهر عنك تحولُ
فيغْنَى غَنِيّ النفس إن قلَّ ماله ...
ويغني فقير النفس وهو ذليلَ
ولا خير في ودّ امرئ متلون ... إذا الريح
مالت مال حيث تميلُ
وما أكثر الإخوان حين تعدَّهُمْ ... ولكنهم في
النائِبات قليلُ [٣]
(١) في ا: شامخة. وفي ا، ح: «والموت تحت إطليه
على الرصد».
(٢) المناقب للرازي ١١٨.
(٣) المناقب للرازي
١١٨.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو علي: محمد بن علي بن
الحسين قال: حدثنا الحسن بن عبد الله الأذني بأَذنة [١]، حدثنا عبد العزيز بن
قرة، سمعت أحمد بن حنبل يقول: لقيت الشافعي فقلت:
يا أبا عبد الله،
أين تريد؟ فأنشأ يقول:
أرى النفس مني قد تتوق إلى مصرٍ ... ومن دونها
أرض المفازة والقفرِ
فو الله ما أدري أللخفضِ والغنى ... أساق إليها
أم أساق إلى قبري؟ [٢]
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت أبا طاهر
بن محمد البزاز يقول:
سمعت أبا بكر: محمد بن محمد بن أبي الفضل
العسكري يقول:
سمعت أبي يقول: سمعت ابن أبي هاشم الفرضي [٣] يقول:
كتب
محمد بن إدريس على حائط يوما:
أرى نفسي تتوق إلى مصر ... ومن دونها
أرض المفاوز والقفرِ
فو الله ما أدري أللخفضِ والغنى ... أساق إليها
أم اساق إلى قبري؟
فكتب بعض المجتازين بها تحته:
رحم الله
من دعا لأناسٍ ... نزلوا هاهنا يريدون مصرا
فرقت بينهم صروف الليالي
... فتناءَوا عن الأحبة قسرا
وقرأت في كتاب أبي نعيم الأصبهاني [من]
[٤] روايته عن محمد بن
(١) في ح: «الأدمى بأدم».
(٢)
المناقب للرازي ١١٨ - ١١٩، وتاريخ دمشق ١٠/ ٢٠٩ - ب.
(٣) في ح:
«العربي».
(٤) من ح.
إبراهيم عن إبراهيم بن علي بن عبد
الرحمن يحكى عن الربيع، سمعت الشافعي يقول في قصة ذكرها:
لقد أصبحت
نفسي تتوق إلى مصرٍ ... ومن دونها أرض المهامِهِ والقفرِ
فو الله ما
أَدري أللفوزِ والغِنى ... أساق إليها أم أساق إلى قبري [١]؟
فو الله
ما كان إلا بعد قليل حتى سيق إليهما جميعاً [٢].
وأخبرني به الثقة من
أصحابنا عن أبي نعيم، بالإجازة، أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنشدني أبو بكر:
محمد بن عبد الأعلى الفقيه، أنشدني أبو الطيب المعروفي للشافعي، رضي الله عنه
وأرضاه:
الهم فضل والقضاء غالب ... وكائنٌ ما خطّ في اللوحِ
انتظر
الرَّوحَ وأسبابه ... آيَس ما كنتَ من الرَّوْحِ
أخبرنا أبو عبد الله:
الحسين بن محمد بن الحسين بن عبد الله بن فنجويه الدينوري، بالدامغان، حدثنا عبيد
الله بن محمد بن شيبة، حدثنا محمد بن إبراهيم الأصبهاني، حدثنا عمر بن عبد العزيز
الحدادي [٣]، أخبرني محمد بن سهل، حدثني الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي: رضي
الله عنه، ينشد:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل
عليّ رقيبُ
ولا تحسبنَّ الله يغفل ساعة ... ولا أن ما تُخفي عليه
يغيبُ
غفلنا لعَمْر الله حتى تداركت ... علينا ذنوب بعدهن ذنوبُ
(١)
طبقات الشافعية ١/ ٣٠٥، ومناقب الشافعي للرازي ١١٨ - ١١٩.
(٢) تاريخ
دمشق. الموضع السابق، وتاريخ بغداد ٢/ ٧٠، وانظر توالي التأسيس ٧٥، ٨٢ - ٨٣.
(٣)
في ح: «الجرادي».
فياليت أن الله يغفر ما مضى ... ويأذن في توباتنا
فنتوبُ [١]
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن يوسف الدقيقي
قال:
وجدت في كتاب الشافعي [٢] رحمه الله:
فيا عجبي كيف
يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحدُ؟!
ولله في كل تحريكة ... وتسكينة
أبدا شاهد
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد [٣]
وهذه
الأبيات كأنه أنشدها لغيره [٤].
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي
قَال:
سمعت أحمد بن محمد مقسم يقول: أخبرني بعض أصحابنا قال: أخبرني
المزني قال: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فأنشدني لنفسه:
ما
شئتَ - كان وإن لم أَشأ ... وما شئتُ إن لم تشأ لم يكنْ
خلقت العباد
على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسِنْ
فمنهم شقي ومنهم سعيد
... ومنهم قبيح ومنهم حسنْ
على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا
لم تُعِنْ [٥]
(١) المناقب للرازي ١١١ - ١١٢، وتاريخ دمشق ٢٠٦ - ب.
(٢)
في ا: «الشافعي».
(٣) في ا: «الواحد».
(٤) الأبيات لأبي
العتاهية كما في الأغاني ٤/ ٣٥ ط. دار الكتب، وديوانه ص ١٠٤.
(٥)
الأبيات في تاريخ دمشق ١٠/ ١٩١ - ا، وطبقات الشافعية ١/ ٢٩٥، وتوالي التأسيس ٧٥
باختلاف الترتيب وسبقت ص ٤١٢، ٤١٣.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت
أبا عمرو: إسماعيل بن نجيد [١] بن أحمد بن يوسف السلمي ينشد للشافعي، رضي الله
عنه:
كساني ربي إذا عريت عمامة ... جديدا وكان الله يختارها ليا
وقيدني
ربي بقْيدٍ مُداخَلٍ ... فأعيت يميني حلَّهُ وشماليا
أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي، سمعت علي بن الحسن بن محمد الأنصاري الشاعر يقول: سمعت بعض
أصحابنا يحكي عن المزني أنه قال:
مرض الشافعي، رضي الله عنه، فدخلنا
عليه نعوده فقال له بعض من حضر: ألا نأتيك بطبيب؟ قال: بلى [قال:] [٢] فأتيناه
بطبيب، فأخذ يجس الشافعي فوجد الشافعي العلة في جسم الطبيب [٣] والطبيب لا يعلم،
فأطرق الشافعي وأنشد:
جاء الطبيب يجسُّني فجسسته ... فإذا الطبيب لما
به من حالي [٤]
وغدا يعالجني بطول سقامه ... ومن العجائب أعمشٌ
كحَّالي
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو منصور بن أبي محمد
الأديب، سمعت أبا الفضل: جعفر [٥] بن محمد الشاعر الأديب، أخبرنا أبو بكر: محمد
بن محمد البصري، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، سمعت الربيع بن سليمان يقول: جاء
رجل إلى الشافعي فسأله عن مسألة فوجده لا شيء عنده فأنشأ يقول: فذكر هذين
البيتين، غير أنه قال في البيت الأول: «فإذا الطبيب كما يجس كحالي» [٦]
(١)
في ح: «محمد».
(٢) من ح.
(٣) في ا: «المتطبب».
(٤)
في ح: «كما به من حال».
(٥) في ح: «حفص».
(٦) في ا: «لما
يجس بحال».
سمعت أبا الوليد: حسان بن محمد يقول: سمعت جعفر بن أحمد
الساماني يقول:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت المزني يقول: دخلت
على الشافعي، وهو عليل فقلت: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: أصبحت من الدنيا
راحلا، وللإخوان مفارقا، ولسوء أفعالي ملاقيا، وعلى الله وارادا، وبكأس المنية
شاربا، ولا والله ما أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها؟
ثم أنشأ يقول:
فلما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك
سلّما [١]
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وأيقنت
أن العفو منك سجية ... تجود وتعفو منَّة وتكرُّما [٢]
فلولاك لا يغوى
بإبليس عالم ... فكيف وقد أغوى صفيَّك آدما [٣]
وأخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي، سمعت أبا الوليد الفقيه يقول:
سمعت جعفر بن أحمد
الساماني يحكي عن المزني، وأخبرنا أبو عبد الرحمن قال: وسمعت أبا العباس: محمد بن
الحسن يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري يقول: سمعت المزني
يقول:
دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقلت له: يا أبا عبد
الله، كيف أصبحت؟ فذكر الحديث غير أنه قدم قوله: «وبكأس المنية شارباً» على قوله:
«وعلى الله واردا، ولسوء فعالي ملاقياً» وقال في البيت الأول:
(١) في
تاريخ دمشق: «من نحو عفوك» وفيه وفي المناقب قبل هذا:
إليك إله الخلق
أرفع رغبتي ... وإن كنتُ ياذا الجود والمن مجرما
(٢) في تاريخ دمشق:
ومازلت ذا عفو على الذنب لم تزل ... تجود. . .» وانظر التوالي ص ٨٣.
(٣)
في تاريخ دمشق: «بإبليس عابد». والأبيات في المناقب للرازي ١١٢، وفي تاريخ دمشق
١٠/ ٢١٠ - ا، وطبقات الشافعية ١/ ٢٩٦.
فلما قسا قلبي وضاقت مسالكي ...
جعلت رجائي نحو عفوك سلّما
وقال في البيت الثالث:
ومازلتَ
ذا عفوٍ عن الذنب لم تزلْ ... تجود وتعفو منَّةً وتكرُّما
[وقال في
البيت الرابع:
ولولاك لم يغوى بإبليس عابد ... فكيف وقد أغوى صفيَّك
آدما] [١]
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا الحسن بن رشيق،
إجازة، حدثنا علي بن يعقوب، حدثنا الحسن بن الحنظلي، حدثني أحمد بن محمد الأموي،
عن محمد بن إدريس الشافعي قال: دخلنا على الحسن بن هانئ: أبي نواس، وهو يجود
بنفسه فقلنا له: ما أعددت لهذا اليوم؟ فأنشأ يقول: فذكر الأبيات الثلاثة الأواخر
على لفظ حديثنا عن السلمي قبله، ولم يذكر البيت الأول.
وأخبرنا أبو
عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عبد الله: أحمد بن محمد المذكر بالنوقان، حدثنا محمد
بن المنذر الهروي، حدثني بعض أصحابنا، عن الربيع عن سليمان قال:
سمعت
الشافعي يقول، دخلنا على أبي نواس وهو يجود بنفسه فقلنا له: ما أعددت لهذا اليوم؟
فأنشأ يقول. فذكر الأبيات الثلاثة. وفي هذين الإسنادين ضعف.
وقد روى
في هذه زيادات أبيات نذكرها عند ذكر مرض الشافعي، رحمه الله، إن شاء الله.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الحافظ - ببغداد -
حدثني إبراهيم بن محمد المعدل، حدثنا عبد الوهاب بن سعد، حدثنا
(١) ما
بين القوسين سقط من ح.
علي بن الحسن بن خلف، حدثنا أبو نصر: أحمد بن
علي، حدثنا علي بن عبد الرحمن، حدثنا محمد بن سعيد بن أبي مريم قال:
سمعت
الشافعي يقول: ليس لقريش كلها شعر جديد - أو قال جيد - وأشعرها ابن هرمة [١]، ثم
مروان بن أبي حفصة.
وقد مضى عن الشافعي أنه قال: لا يكاد يجود شعر
القرشي؛ وذلك أن الله جل ذكره، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا
عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [٢] ولا يكاد يجود خط القرشي؛ وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمِّيًّا
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ
قال: أنبأني عمرو بن السماك: أن أبا محمد بن الشافعي أخبرهم في كتابه قال: سمعت
أبي يقول: سمعت الشافعي يقول. فذكره [٣]
(١) في ح: «محزمة».
(٢)
سورة يس: ٦٩.
(٣) في هامش ح كتب هنا: بلغ مقابلة في المجلس الثامن
عشر.
(م - ٨ مناقب جـ ٢)
باب ما يستدل به على معرفة الشافعي، رحمه الله، بالطب
* * *
أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ،
وأبو إسحاق: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطّوسي الفقيه، قالا: سمعنا أبا العباس:
محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي، رحمه
الله، يقول [١]: العلم علمان: علم فقد الأديان، وعلم طب الأبدان. لفظ حديث أبي
عبد الله.
أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السّلمي، قال: سمعت
أبا الوليد الفقيه يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خُزَيمة يقول:
سمعت
محمد بن عبد الله بن عبد الحَكم يحكي عن الشافعي، رحمه الله، أنه قال:
علم
الفقه للأديان، وعلم الطّب للأبدان، وما سوى ذلك فَبُلْغَة مجلس.
رواه
محمد بن يحي بن حسّان، عن الشافعي قال: وما سوى ذلك من الشعر ونحوه فهو عَنَاء
وعبث [٢].
أخبرنا أبو عبد الرحمن، سمعت عبد الله بن الحسين السّلامي
البغدادي يقول:
(١) آداب الشافعي ومناقبه ٣٢١ ومناقب الشافعي للرازي
١١٩، وتوالي التأسيس ٦٦.
(٢) آداب الشافعي ٣٢٢.
سئل أبو
بكر بن طاهر عن قول الشافعي: «العلم علمان» فقال: عند العوام: أنّ علم الأديان هو
ظاهر الفقه، وعلم الأبدان هو ظاهر الطب. وعند الحكماء: أنّ علم الأديان هو علم
مشاهدة القلوب بالمعاملات في صنع الله وتدبيره، وهو الفقه النافع. وعلم الأبدان
فهو ظاهر أوامر الله - تعالى ذكره - ونواهيه في الحلال والحرام، وهو حجة الله على
خلقه، وهو الطب النافع. فعلم القلوب عين الإسلام وحقائقه، وعلم الأبدان هو آداب
الإسلام وشرائعه.
وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت محمد بن
عبد الله بن شاذان يقول: سمعت عبد الرحمن بن محمد بن إدريس يقول: حدثنا أبو الحسن
العسكري قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
قال الشافعي: إذا دخلت بلدة
ولا تجد فيها حاكماً عدلاً، ولا ماء جارياً، وطبيباً رفيقا - فلا تسكنها.
وأخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني الحسين بن محمد الدارمي، أخبرنا عبد الرحمن بن
محمد بن إدريس:
حدثنا بعض شيوخنا عن الشافعي أنه قال:
لا
تسكن بلدة لا يكون فيها عالم يُنْبِئُكَ عن دينك، ولا طبيب ينبئك عن أمر بدنك.
ورواه
عبد الرحمن في كتابه، عن محمد بن هارون بن منصور، عن بعضهم، عن الشافعي [١].
(١)
آداب الشافعي ومناقبه ٣٢١، ومناقب الشافعي للرازي ١١٩.
أخبرنا محمد بن
عبد الله الحافظ، أخبرنا عبد الله بن محمد القاضي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن،
حدثنا محمد بن علي [١]، حدثنا عثمان بن صالح، سمعت حرملة يقول:
سمعت
الشافعي يقول: اثنان أَغْفَلَهما الناسُ: الطب والعربية.
أخبرنا أبو
عبد الرحمن السلمي، سمعت محمد بن عبد الله بن محمد بن قريش يقول: سمعت الحسن بن
سفيان يقول:
قال حرملة بن يحيى: كان الشافعي يتلهّف على ما ضيّع
المسلمون من الطب، ويقول: ضيَّعوا ثلث العلم ووكلوه إلى اليهود والنصارى.
وكذلك
رواه أبو عبد الله الجرجاني، عن الحسن بن سفيان. ورواه أبو محمد [٢] الأنْماطِي،
عن الحسن، قال: نصف العلم.
أخبرنا أبو عبد الله [٣]، سمعت أبا عمرو:
محمد بن محمد بن عبدوس الأنماطي الزاهد يقول: سمعت الحسن بن سفيان يقول. فذكره
بمعناه، وقال: وهو نصف العلم.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد، قال:
أنبأني أبو عمرو السّمّاك: أن أبا سعيد الجَصّاص حدّثهم قال:
سمعت
الربيع يقول [٤]: دخلت على الشافعي يوماً، وهو عليل، فقلت:
(١) في ا:
«ابن أبي علي».
(٢) في ا: «أبو عمرو».
(٣) في ا: «أخبرنا
أبو عبد الرحمن، سمعت ...».
(٤) آداب الشافعي ومناقبه ٢٧٤.
كيف
أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: أصبحت والله ضعيفاً. قال: فقلت: قَوَّى الله
ضَعْفَك، فقال: ويحك يا ربيع، إنْ قَوَّى الضَعْفَ مني قتلني. فقلت: والله - جعلت
فداك - ما أردتُ إلا الخير، فكيف أقول؟ قال: قل: قَوَّى الله قُوَّتك، وأَضْعَفَ
ضعْفَك.
قال: ثم قال: يا ربيع، أما علمت أن الله، جل ذكره، ركّب في
العبد أعضاء ساكنة فإذا تحركت آذته، وركّب فيه أعضاء متحركة فإذا سكنت آذته.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، أنبأنا عبد الرحمن - يعني
ابن أبي حاتم - حدثني أبي، حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال:
سمعت
الشافعي يقول: احذر أن تشرب لهؤلاء الأطباء إلا دواء تعرفه [١]
أخبرنا
أبو عبد الله، أخبرنا أبو الوليد قال: سمعت أبا بكر [٢] البغدادي يحدث عن يونس بن
عبد الأعلى. فذكره.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا الزبير بن عبد
الواحد، حدثنا الحسن [٣] بن سفيان.
حدثنا حرملة، عن الشافعي، عن
«سفيان بن عيينة» قال: نظر إليّ ابن أبجر وبي صُفْرَةٌ فقال: عليك بالحلبة
بالعسل.
(١) آداب الشافعي ٣٢٣ وتوالي التأسيس ٦٦.
(٢) في
ا: «أبا بكر الثعالبي عن يونس».
(٣) في ح: «الحسين» وهو تحريف.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن
محمد بن يحيى؛ قالوا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن
سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول [١]: الفول يزيد في الدّماغ، والدّماغ
يزيد في العقل [٢].
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الوليد
الفقيه، حدثنا أبو بكر: أحمد بن محمد بن عبيدة، عن يونس بن عبد الأعلى قال:
قال
الشافعي: لم أر شيئا أنفع للوباء من [دهن] [٣] البنفسج يدهن به ويشرب.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني نصر بن محمد بن أحمد العطار، حدثنا سليمان بن
أبي سلمة الفقيه، حدثنا محمد بن أحمد الهمذاني، حدثنا يحيى بن زكريا النيسابوري،
عن الربيع بن سليمان، قال:
قال أبو عثمان: محمد بن محمد بن إدريس
الشافعي: كان أبي إذا أخذته الحمى طلب أتْرُجَة يعصر ماءها ويشربه خوفا على
لسانه.
أخبرنا أبو سعيد: أحمد بن محمد المَالينِي، حدثنا أبو أحمد بن
عدي الحافظ، قال: سمعت الحسن بن رشيق [٤] يقول: سمعت حَرْمَلَة يقول:
سمعت
الشافعي يقول: لا تأكلن بيضاً مسلوقاً بليلٍ أبداً، فقلّ من أكله [٥] بليل فلم
(١)
آداب الشافعي ٣٢٢ - ٣٢٣.
(٢) راجع ألف باء ٢/ ١٥٩ - ١٦٠.
(٣)
الزيادة من ح. والخبر في آداب الشافعي ٣٢٣ - ٣٢٤.
(٤) في أ: «الحسن بن
سفيان».
(٥) في ح: «أكله أحد».
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، حدثني أبو بكر: أحمد بن محمد الجرجاني، حدثني أبو بكر: محمد بن حمدون
المُسْتَمْلِي، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الكريم، قال: سمعت أحمد بن آدم بن غندر
الجرجاني يقول:
سمعت حرملة يقول: رأيت الشافعي ينهي عن أكل الباذنجان
بالليل.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو تراب المُذَكّر،
حدثنا محمد بن المنذر، شكر، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال:
سمعت
الشافعي يقول: عجبا لمن يخرج من الحمام ثم لا يأكل: كيف يعيش؟ وعجباً لمن
يَحْتَجِم ثم يأكل - يعني من ساعته - كيف يعيش؟
وبهذا الإسناد قال:
سمعت
الشافعي يقول: الناس يقولون: ما في العراق [١]، وما في الدنيا مثل مصر للرجال،
لقد قدمت مصر وأنا مثل الخصيّ ما أتحرك، فما برحت من مصر حتى ولد لي من جاريتي
«دنانير» أبو الحسن.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد
الفقيه قال: سمعت أبا عبد الله العَبْدَوِي يحكي عن ابن أبي داود.
عن
هارون سعيد قال: قال لنا الشافعي: أخذت اللّبان سنة فأعقبني صّب الدم سنة [٢].
ورواه
أيضاً ابن عبد الحكم، عن الشافعي، غير أنه قال: دمت على أكل اللبان - وهو
الكُنْدُرُ - فأعقبني صبّ الدم سنة.
(١) في أ: «ماء الفرات».
(٢)
آداب الشافعي ٣٥، ٣٢٣.
أخبرنا محمد بن الحسين السَّلمي، أخبرنا الحسن
بن رشيق، إجازة، حدثنا محمد بن أحمد بن زكريا، قال:
سمعت الربيع بن
سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول: أكل اللحم يزيد في العقل.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا الفضل: عبد الله بن عبد المطلب الشيباني،
بالكوفة، يقول: سمعت أحمد بن عبد الله بن سيف يقول:
سمعت الربيع بن
سليمان يقول:
قال الشافعي: لا يسكن العقل في الجسم الغليظ.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، قال: أنبأني أبو القاسم بن عبيد القاضي: أن زكريا بن يحيى
الساجي حدثهم قال: حدثني الحسن بن محمد البَجَلي - من ولد جرير بن عبد الله -
حدثني الحسن بن إدريس الخولاني قال:
سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول:
ما أفلح سمين قط، إلا أن يكون محمد بن الحسن. فقيل له: فلم؟ قال: لأنه لا يعدو
العاقل من إحدى حالتين [١]: إمّا أن يهتم لآخرته ومعاده، أو لدنياه ومعاشه.
والشحم مع الهم لا ينعقد، فإذا خلا من المعنيين صار في حد البهائم لِعَقْد
الشحم.
ثم قال الشافعي: كان ملك في الزمان الأول، وكان مثقلا [٢] كثير
اللحم لا ينتفع بنفسه، فجمع المُتطبّبين وقال: احتالوا لي حيلة يخفّ عني لحمي هذا
قليلا. فما قدروا له على صفة. قال: فُنُعِتَ [٣] له رجل عاقل أديب متطبّب،
(١)
في ا: «من أحد رجلين».
(٢) في ا: «مثقل».
(٣) في ا:
«فبعث».
فبعث إليه فأُشْخِصَ فقال: تعالجني ولك الغنى؟ قال: أصلح الله
الأمير، أنا رجل مُتطبِّب ومنجّم، دعني أنظر الليلة في طالعك أي دواء يوافق طالعك
فأسقيك. قال: فغدا عليه. فقال: أيها الملك، الأمانَ. قال: لك الأمان. قال: رأيت
طالعك يدل على أن عمرك شهر، فإن أحببت حتى أعالجك فإن أردتَ بيان ذلك فاحبسني
عندك، فإن كان لقولي حقيقة فحلّ عني، وإلا فاستقص عليَّ. قال: فحبسه. ثم رفع
الملك الملاهي واحتجب عن الناس وخلا وحده مغتمًّا، ما يرفع رأسه يعدّ أيامه، كلما
انسلخ يوم ازداد غما حتى هزل وجفّ لحمه، ومضى لذلك ثمانية [١] وعشرون يوماً، فبعث
إليه فأخرجه فقال: ما ترى؟ قال: أعزّ الله الملك، أنا أهون على الله من أن أعلم
الغيب، والله ما أعرف عمري، فكيف أعرف عمرك؟ إنه لم يكن عندي دواء إلا الغم فلم
أقدر أن أَجْلبَ إليك الغم إلا بهذه العلّة فأذابت [٢] شحم الكلى. قال: فأجازه
وأحسن إليه.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن الصوفي، أخبرنا الحسن
بن رشيق إجازة، حدثنا علي بن يعقوب بن سالم، سمعت ابن عبد الحكم يقول:
سمعت
الشافعي يقول: ثلاثة أشياء ليس فيها حيلة: الحماقة، والطاعون، والهرم.
أخبرنا
محمد بن الحسين السّلمي [٣]، أخبرنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن البُسْتِي،
حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله الرازي، حدثنا الحسن
بن علي بن مروان: أبو عبد الله المصري، بحلب، حدثنا الربيع بن سليمان، قال:
(١)
في ا: «ثمان».
(٢) في ا: «فأذاب».
(٣) ليست في ح.
سمعت
الشافعي يقول: قال لي الرشيد: يا محمد، بلغني أنك تُبَاكِرُ الغداء، قلت: نعم يا
أمير المؤمنين. قال: ولم ذاك؟ قلت: يا أمير المؤمنين؛ لأربع خصال. قال: وما هي؟
قلت برد الماء، وطيب الهواء، وقلّة الذباب، ثم أحسم طمعي [١] عن موائد غيري. قال
الرشيد: هذا بيت القصيد [٢]، ورواه أبو الحسن العاصمي، عن محمد بن عبد الله
الرازي، عن الحسن وقال: فقال الرشيد: هذا بيت القصيدة.
وقرأت في كتاب
أبي الحسن روايته عن الزبير بن عبد الواحد، عن علي ابن محمد، عن ابن عبد الحكم،
عن الشافعي قال:
رأيت في كتاب الطب: «عجباً لمن يدخل الحمام قبل أن
يأكل، ثم يؤخر الأكل بعد ما يخرج كيف لا يموت، عجباً لمن احتجم ثم يبادر
الأكل.
وقرأت في كتابه روايته عن أبي أحمد: حامد بن محمد المروزي
الحافظ، عن أبي يحيى بن زكريا بن أحمد البَلْخِي، عن محمد بن عصمة الجوزجاني، عن
الربيع بن سليمان قال:
سمعت الشافعي يقول: ثلاثة أشياء دواء الذي لا
دواء له وأعيا الأطباء أن تداويه: العنب، ولبن اللّقاح، وقصب السكر.
وقال
الشافعي: لولا قصب السكر ما أقمتم ببلادكم.
وقرأت في كتابه روايته عن
عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن العباس، عن يحيى بن زكريا، عن الربيع، عن الشافعي
قال [٣]: كان [لي] غلام أعشى لم يكن يبصر باب الدار فأخذت له زيادة الكبد فكحلته
بها فأبصر.
(١) في ح: «أحسم نفسي».
(٢) في ا: «بيت
البصيرة».
(٣) في ا: «الشافعي فقال: كان غلامي».
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، حدثنا محمد بن الربيع بن
سليمان الجيزي، حدثنا (١ يونس بن عبد الأعلى ١) ، قال:
قال لي
الشافعي: ما اغتسلت، في شتاء قط ولا صيف، من حنابة إلا بالماء الحار.
أخبرنا
محمد بن عبد الله، سمعت الزبير بن عبد الواحد الحافظ.
وأخبرنا أبو
زكريا بن أبي إسحاق، حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ، حدثني عبد الله بن محمد
الحجاج المصري، بمصر، حدثنا يحيى بن أيوب العَلاَّف، سمعت حرملة بن يحيى يقول:
سمعت
الشافعي يقول: الوَرَّاق إنما يأكل من دية عينيه.
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، أخبرني الحسين بن علي، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس -
حدثني أبي، حدثني ابن أبي شريح.
سمعت الشافعي يقول [٢]: ما تخلَّل
الإنسان بالخلال [٣] من بين أسنانه فليقذفه، وما أخرجه بأصابعه فليأكله. أورده
شيخنا أبو عبد الله في هذا الباب.
وقد روينا عن أبي سعيد [٤] الخير عن
أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه
(١) ما بين الرقمين ليس في ح.
(٢)
آداب الشافعي ٢٧٢.
(٣) سقطت من ح.
(٤) في ا: «عن أبي سعد»
وكلاهما صحيح. وهو صحابي له ترجمة في أسد الغابة ٥/ ٢٠٩ والإصابة ٧/ ٨٢ - ٨٣.
وسلم،
قال: من أكل طعاما فما تخلله [١] فليلفظ، ومالاك بلسانه فليبلع. من فعل [هذا] [٢]
فقد أحسن، ومن لا فلا حرج [٣].
وفي كتاب أبي نعيم الأصبهاني بإسناده،
عن أبي حصين المصري أنه قال: سمعت طبيباً بمصر محدقا، فقال:
ورد
الشافعي مصر وقعد إليّ فما زال يذاكرني بالطب، حتى ظننت أن طبيب العراق ورد علينا
- فقلت: أقرأ عليك شيئاً من كتب بقراط؟ فأشار إلي الجامع وقال: إن هؤلاء لا
يتركونني لك.
(١) في ح: «فما تخلل فليلفظه».
(٢) الزيادة
من ح.
(٣) في المستدرك للحاكم ٤/ ١٣٧: «أخبرنا محمد بن أحمد بن تميم
القنطري، حدثنا أبو قلابة، حدثنا أبو عاصم، عن ثور بن يزيد، عن حصين الحميري، عن
أبي سعيد الخير، عن أبي هريرة: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: من أكل فما
لاك بلسانه فليبلع، وما تخلل فليلفظ. من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج. هذا حديث
صحيح الإسناد ولم يخرجاه» وأقره على ذلك الذهبي.
باب ما يستدل به على معرفة الشافعي بالنجوم
* * *
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس
محمد بن يعقوب، حدثنا الربيع بن سليمان، قال:
قال الشافعي: قال الله
جل ثناؤه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي
ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [١] وقال: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ
يَهْتَدُونَ} [٢].
قال الشافعي: فكانت العلامات: جبالا [٣]، وليلا
ونهاراً، فيها أَرْوَاحٌ [٤] معروفة بالأسماء، وإن كانت مختلفة المَهَابِّ، شمساً
وقمراً ونجوماً، معروفة المطالع والمغارب والمواضع من الفلك، فعرض عليهم الاجتهاد
في التوجه شَطْرَ المسجد الحرام بما دلَّهم عليه مما وصفت [٥].
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأني عبد الرحمن بن الحسن القاضي: أن زكريا بن يحيى
السَّاجِي حدّثهم.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا محمد بن علي
بن طلحة، حدثني
(١) سورة الأنعام ٩٧.
(٢) سورة النحل
١٦.
(٣) في ح: «خيالا» وهو تحريف.
(٤) أرواح: جمع ريح.
(٥)
من كتاب الرسالة ص ٢٤.
أحمد بن علي [١]، حدثنا ابن زكريا الساجي،
أخبرني ابن بنت الشافعي. وفي رواية أبي عبد الله: أخبرني أحمد بن محمد بن بنت
الشافعي، سمعت أبي يقول:
كان الشافعي وهو حَدَثٌ ينظر في النجوم، وما
ينظر في شيء إلا حفظه وفهمه، فجلس يوماً وامرأة رجل تَطْلُق، فحسب فقال: تلد
جارية عوراء، على فرجها خال أسود، وتموت إلى كذا. فولدت فكان ما قال، فجعل على
نفسه أن لا ينظر فيه أبداً، ودفن الكتب التي كانت عنده من النجوم [٢].
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الوليد: حسَّان بن محمد الفقيه، قال: وحدّثت عن
الحسن بن سفيان، عن حرملة قال:
كان الشافعي يديم النظر في كتب النجوم،
وكان له صديق وعنده جارية قد حبلت فقال له: إنها تلد إلى سبعة [٣] وعشرين يوماً
بولد يكون في فخذه الأيسر خال أسود، ويعيش أربعة وعشرين يوما، ثم يموت. فجاءت به
على النعت الذي وَصَفَ، وانقضت مدته فمات. فأحرق الشافعي بعد ذلك الكتب، وما
عَاوَدَ النظر في شيء منها.
(١) في أ: «علي بن أحمد بن زكريا».
(٢)
مناقب الشافعي للرازي. ص. ١٢٠
(٣) في ا: «تسعة».
باب ما يستدل به على معرفة الشافعي، رحمه الله، بالرَّمْي والفروسية
* * *
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه، حدثنا
أبو العباس: محمد بن يعقوب، حدثنا الربيع بن سليمان، قال:
قال الشافعي
[١]: قال الله تبارك وتعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ
وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [٢]
فزعم أهل العلم أن القوة هي الرمي.
وقال فيما رواه عن النبي، صلى الله
عليه وسلم: «لا سَبْقَ إلا في خُفٍّ أَو حَافِرٍ أو نَعْلٍ» [٣] وبسط الكلام فيما
يحلّ منه وما يحرم.
أخبرنا محمد بن عبد الله، أخبرني أبو أحمد بن أبي
الحسن، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم الحَنْظَلِي - حدثنا أبي، سمعت عمرو
بن سَوَّاد قال:
قال لي الشافعي: ولدت بعسقلان، فلما أتى عليّ سنتان
حملتني أمي إلى مكة، وكانت نَهْمتي [٤] في شيئين: في الرّمي، وطلب العلم، فنلت من
الرمي
(١) في الأم ٤/ ١٤٨.
(٢) سورة الأنفال: ٦٠.
(٣)
الأم ٤/ ١٤٨، ومسند الشافعي ٢/ ١٢٨ - ١٢٩ ومسند أحمد ٢/ ٤٧٤ (الحلبي) .
(٤)
في ح: «همتي».
حتى كنت أصيب من عشَرة عشرة، وسكَت عن العلم فقلت له:
أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي [١].
أخبرنا أبو عبد الرحمن
السلمي، حدثنا أبو الحسن: علي بن محمد بن عمر الفقيه، حدثنا عبد الرحمن بن أبي
حاتم.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن،
حدثنا عبد الرحمن، حدثني أبو عبد الله: محمد بن الحسن بن الجنيد، سمعت عمرو بن
سَوّاد السَّرْحِي يقول:
سمعت الشافعي يقول: تمنيت من الدنيا شيئين:
العلم والرمي. فأما الرّمي فإني كنت أصيب [٢] من عشرة عشرة، والعلم فما ترون.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو تراب المذكّر، حدثنا محمد بن المنذر سعيد، سمعت
الربيع بن سليمان، يقول:
كنت ألزم الرّمي حتى كان الطبيب يقول لي:
أخاف أن يصيبك السّلَ من كثرة وقوفك في الحر.
وروينا فيما مضى، عن
المزني، عن الشافعي [قال] : كنت أرمي [٣] بين الغرضين فأصيب من عشرة تسعة.
وأخبرنا
محمد بن عبد الله، أخبرني نصر بن محمد العطار، سمعت أبا حفص [٤]
(١)
آداب الشافعي ومناقبه ٢٢ - ٢٣.
(٢) ليست في ح.
(٣) ليست في
ح.
(٤) في ا: «أبا جعفر».
محمد بن الحسن الكلابي، بدمشق،
يقول: سمعت عبد الله بن محمد يقول: سمعت عصاماً يقول:
سمعت المزني
يقول: كان الشافعي يسميني القطامي [١] الرامي، ووضع «كتاب السبق والرمي» بسببي،
وأملاه عليّ.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا الحسين [٢] بن
أحمد الصفّار الهروي، حدثنا محمد بن بشير العسكري، حدثنا الربيع بن سليمان قال:
[٣]
كان الشافعي أفرس خلق الله وأشجعه، وكان يأخذ بأذنه وأذن الفرس،
والفرس يعدو، فيثب على ظهره وهو يعدو.
(١) في ح: «العصامي».
(٢)
في ح: «الحسن».
(٣) في ا: «يقول».
(م ٩ - مناقب جـ ٢)
باب ما يؤثر عن الشافعي، رحمه الله، في فراسته وإصابته فيها
* * *
أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله [الحافظ
قال] [١]: أنبأني أبو القاسم ابن عبيد القاضي، شفَاهاً، أنّ زكريا بن يحيى
السَّاجِي حدّثهم. ح.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي،
أنبأنا محمد بن علي ابن طلحة المروروذي، حدثنا أبو سعيد: أحمد بن علي الأصبهاني،
حدثنا زكريا ابن يحيى، حدثني أبو داود: سليمان بن الأشعث السِّجِسْتَانِي، حدثنا
قُتيبة ابن سعيد.
حدثني الحُمَيْدي قال:
خرجت أنا والشافعي
من مكة فلقينا رجلا بالأبطح، فقلت للشافعي: ما صَنْعةُ الرجل؟ فقال: نجار أو
خياط. فسألته فقال: كنت نجاراً وأنا اليوم خياط [٢].
وقرأت هذه
الحكاية في كتاب زكريا بن يحيى السَّاجِي بإسناده هذا. قال [٣]: وقلت للشافعي:
ازكن الرجل، فقال: خياط أو نجار. يعني فسألته فقال: كنت نجاراً وأنا اليوم
خياط.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو نصر: أحمد بن سهل
الفقيه، ببخاري، من أصل كتابه، حدثنا أبو عمرو: قيس بن أنيف البخاري، حدثنا أبو
رجاء: قتيبة بن سعيد، قال:
(١) الزيادة من ح.
(٢) مناقب
الشافعي للرازي ١٢٠.
(٣) في ح: «فقلت».
رأيت محمد بن الحسن
والشافعي قاعدين بفناء الكعبة، فمرّ رجلٌ، فقال أحدهما لصاحبه: تعالى حتى نزكن
على هذا المارّ: أيّ حرفة معه؟ فقال أحدهما: هذا خياط. وقال الآخر: هذا نجار.
فبعثا إليه فسألاه فقال: كنت خياطاً واليوم أَنْجُر.
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، أخبرني أبو تراب الطّوسي قال: سمعت محمد ابن المنذر يقول:
سمعت
الربيع بن سليمان [يقول] : سمعت الشافعي، وقدم عليه رجل من أهل صنعاء، فلما رآه
قال له: أنت من أهل صنعاء؟ قال: نعم. قال: فحدّادٌ أنت؟ قال: نعم.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو محمد: جعفر بن محمد بن الحارث [قال] : سمعت أبا
بكر [١] النيسابوري يقول:
سمعت الربيع بن سليمان يقول: كنا عند
الشافعي إذ مرّ به رجل فقال الشافعي: لا يخلو هذا الرجل من أين يكون حائكا أو
نجاراً. قال: فدعوناه فقلنا: ما صنعتك؟ فقال: نجار. فقلنا: وغير ذلك، فقال: عندي
غلمان يعملون. يعني في الحياكة.
أخبرنا محمد بن عبد الله، أخبرنا أبو
الوليد الفقيه، سمعت محمد بن إسحاق يحكي عن الربيع قال: مَرّ أخي في صحن الجامع
فدعاني الشافعي فقال: يا ربيع، انظر إلى الذي يمشي، هذا أخوك؟ قلت: نعم أصلحك
الله. قال: اذهب. ولم يكن رآه قبل ذلك.
(١) في ح: «أبا زكريا».
وقرأت
في كتاب زكريا بن يحيى السّاجِي، عن ابن [١] مسكين المصري، عن الربيع بن سليمان
قال:
كان لي أخ يقال له: وكيع، وكنت يوماً عند الشافعي فرآه من بعيد
فقال: يا ربيع، هذا أخوك؟ قلت: نعم. قال: ممن أنت؟ قلت: من مُرّاد، قال: اتّق لا
تكن تبغض علي بن أبي طالب فقلت: لا والله أحبه، قال: هو خير لك. فأثْبَتني في
المؤذنين وكلَّم الأمير فأجرى عليّ كل شهر ديناراً.
أخبرنا أبو عبد
الله: محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، حدثنا عبد الرحمن
- يعني ابن محمد بن إدريس - قال: حدثنا أبي قال:
حدثنا حرملة بن يحيى
قال: سمعت الشافعي، رحمه الله، يقول: احذر الأعور والأحْوَل والأعرج والأحْدَب
والأشْقَر والكَوْسَجَ [٢]، وكلّ من به عاهة في بدنه، وكلّ ناقص الخلق فاحذره؛
فإنه صاحب التواء، ومعاملته عسرة [٣]. قال مرة أخرى: فإنهم أصحاب خِبّ [٤].
وبهذا
الإسناد قال:
حضرت الشافعي، واشترى له طِيْبٌ، فأتى به فوقع فيه كلام
بين يديه فقال:
(١) في ا: «عن أبي».
(٢) الكوسج: الذي لا
شعر على عارضيه.
(٣) عقب عليه الرازي في مناقب الشافعي ص ١٢٠ بقوله:
«واعلم أن هذا الذي ذكره أمر عظيم في علم الفراسة؛ وذلك لأن حاصل هذا العلم يرجع
إلى الاستدلال بالخلق الظاهر على الخلق الباطن. ووجه الاستدلال به: لأن الأحوال
الدينية تابعة لكيفية المزاج. والأخلاق الباطنة والصور الظاهرة كلاهما معلولان
علة واحدة وهي المزاج. فنقصان الظاهر يدل على نقصان المزاج، ونقصان المزاج يوجب
نقصان الباطن. فظهر أن الذي قال الشافعي أصل؟؟؟ في هذا العلم».
(٤)
آداب الشافعي ومناقبه ١٣٢.
ممن اشترى هذا الطيب ما صفته؟ قال: أشقر.
قال: اردده؛ فما جاءني خير قط من أَشْقَر [١].
قلت: بلغني عن أبي
محمد: عبد الرحمن بن أبي حاتم أنه قال عَقَيبه [٢]: إنما يعني: إذا كان
وِلاَدُهُمْ بهذه الحالة. فأما من حدث فيه شيء من هذه العلل، وكان في الأصل صحيح
التركيب - لم يضر [٣].
وأخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين
السلمي، أنبأنا محمد بن علي ابن طلحة المروروذي، حدثنا أبو سعيد: أحمد بن علي
الأصبهاني، حدثنا زكريا بن يحيى السَّاجي، حدثنا أبو داود - هو السّجستاني -
قال:
سمعت الربيع يقول: وجّه الشافعي رجلا ليشتري له طِيْباً، فلما
جاءه قال: اشتريته من أَشْقَرِ كَوْسَج؟ فقال: نعم. قال: عُدْ فَرُدَّهُ عليه.
أخبرنا
أبو عبد الله، أنبأني أبو عمر بن السماك، شِفَاهاً: أَنَّ أبا عبد الله: محمد بن
حمدان بن سفيان حدّثه:
سمعت الربيع بن سليمان يقول: اشتهى الشافعي
يوماً عنباً أبيض، فأمرني فاشتريت له منه بدرهم، فلما رآه استجاده فقال لي: يا
أبا محمد، ممّن اشتريت هذا؟ فسمَّيتُ له البائع، فَنَحَّى الطبقَ من بين يديه
وقال لي: اردده عليه، واشترِ لي من غيره.
(١) مناقب الشافعي للرازي
١٢١ وآداب الشافعي ١٣١.
(٢) الذي في آداب الشافعي ١٣٢ أنه قاله عقب
قوله: «فإنهم أصحاب خب، وفي الأصول: «ألا يعني».
(٣) في آداب الشافعي:
«لم تضر مخالطته».
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو جعفر:
محمد بن صالح بن هانئ، حدثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله، قال: قال أبو بكر بن
إدريس، وَرَّاق الحُمَيْدي: سمعت الحميدي يقول:
قال محمد بن إدريس
الشافعي: خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها، ثم لما كان
انصرافي مررت في طريقي برجل وهو محتبي بفناء داره، أزرق العين، ناتئ الجبهة،
سِنَاطٌ [١] فقلت له [٢]: هل من منزل؟ قال: نعم - قال الشافعي: وهذا النعت أخبث
ما يكون في الفراسة - فأنزلني فرأيت أكرم رجل: بعث إلي بعشاء وطِيْب وعلَفٍ
لدابتي وفراش ولحاف، وجعلت أتقلّب الليل أجمع، ما أصنع بهذه الكتب؟ فلما أصبحت
قلت للغلام: أَسْرِجْ فأسْرَجَ، فركبت ومررت عليه وقلت له: إذا قدمت مكة ومررت
بِذِي طُوًى فسل عن منزل محمد بن إدريس الشافعي. فقال لي الرجل: أَمَوْلًى لأبيكَ
أنا؟ قلت: لا. قال: فهل كان لك نعمة عندي؟ قلت: لا. قال: فأين ما تكلّفتُ لك
البارِحَةَ؟ قلت: وما هو؟ قال: اشتريتُ لك طعاماً بدرهمين وأَدَمًا بكذا، وعطراً
بثلاثة دراهم، وعلفاً لدابتك بدرهمين، وكراء الفِرَاش واللحاف درهمان. قال: قلت:
يا غلام، أعطه، فهل بقي من شيء؟ قال: كراء المنزل؛ فإني وسعت عليك وضيقت على
نفسي. (٣ فَغَبَطْتُ نفسي ٣) بتلك الكتب. فقلت له بعد ذلك: هل بقى من شيء؟ قال:
امض أخزاك الله تعالى، فما رأيت قط شرًّا منك.
أخبرنا أبو عبد الرحمن
السلمي، سمعت منصور بن عبد الله الهروي يقول: سمعت المغازلي بحلب يقول:
(١)
السناط: الذي لا لحية له، أو الذي لا شعر في وجهه ألبتة.
(٢) في ا:
«فقال: هل».
(٣) ما بين الرقمين ساقط من ح.
سمعت المزني
يقول: كنت مع الشافعي، رحمه الله، في المسجد الحرام إذ دخل رجل يدور بين
الدّوّام، فقال الشافعي للربيع: قم فقل له: ذهب عنك عبد أسود مصاب بإحدى عينيه؟
قال الربيع: فقمت إليه فقلت له ما قال الشافعي فقال: هذا عبدي. فقلت له: تعال إلى
الشافعي، فتقدم إلى الشافعي فقال: هذا عبدي. فقال له: مُرَّ فإنّه في الحَبش.
فمرّ الرجل فوجده في الحَبَش. فقال المزني: فقلنا له: أخبرنا فقد حَيّرْتَنا.
قال: نعم، رأيت رجلا دخل من باب المسجد يدور بين النّوّام فقلت: هارباً يطلبه،
ورأيته يجيء إلى النّوّام السّودان فقلت: عبد أسود، ورأيته يجيء إلى ما يلي العين
اليسرى فقلت: مصاب بإحدى عينيه. فقلنا: فالحبش، كيف علمته؟ فقال: تأولتُ حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خير في الحبش: إذا جاعوا سرقوا، وإذا شبعوا
شربوا وزَنَوْا [١]» فتأولت أنه فعل إحداها، فكان كذلك.
أخبرنا محمد
بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو منصور: محمد بن عبد الله الفقيه، سمعت أبا الحسن:
أحمد بن أبي الحسين السليطي المزَكِّي يقول:
كان الشافعي يفتي في
الجامع ببغداد فجاء «عمرو بن بَحر الجاحظ» فسأله فقال: يا أبا عبد الله، ما نقول
في رجل خصى ديكا؟ فقال الشافعي: أرأيته؟ وأراك أبا عثمان. فَعَلِمَه بمسألته. وما
كان يعرفه بعينه.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن
أبي نصر.
(١) أخرجه الطبراني والبزار من حديث ابن عباس من طريق فيه
عوسجة المكي، مولى ابن عباس. وقد اختلف في توثيقه. والجمهور على تضعيفه كما في
تهذيب التهذيب ٨/ ١٦٥ والكبير ٤/ ١/٧٦ والثقات لابن حبان: كتاب التابعين ل ٨٦ -
اوميزان الاعتدال ثانيهما أبو نعيم في الحلية من حديث أبي رافع، مرفوعا: «شر
الرقيق الزنج: إذا شبعوا زنوا، وإذا جاعوا سرقوا» كما في تنزيه الشريعة ٣١ - ٣٣.
وانظر الفوائد المجموعة ٤١٥.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين
السلمي، أخبرني نصر بن أحمد ابن محمد، حدثني محمد بن عمرو البصري، حدثنا محمد بن
الحسين ابن إبراهيم قال:
قال الربيع: دخلنا على الشافعي عند وفاته أنا
والبويطي والمزني ومحمد ابن عبد الله بن عبد الحكم. قال: فنظر إلينا الشافعي ساعة
فأطال ثم التفت إلينا فقال: أمّا أنت يا أبا يعقوب فتموت في حديدك.
وأما
أنت يا مزني فستكون لك بمصر هَنَاتٌ وهَنَات، ولتدركن زماناً تكون أقيس أهل ذلك
الزمان.
وأما أنت يا محمد فسترجع إلى مذهبك أبيك.
وأما أنت
يا ربيع فأنت أنفعهم لي في نشر الكتب. قم يا أبا يعقوب فتسلم الحلقة. قال الربيع:
فكان كما قال.
وقرأته في كتاب أبي الحسن: محمد بن الحسين بن إبراهيم
بن عاصم هذا: حدثني إبراهيم بن محمد بن المولد الرقّى، بالرقّة، حدثنا عبد الواحد
بن معبد، عن الربيع بن سليمان. فذكره.
قال أبو الحسن: قوله لابن عبد
الحكم: «أما أنت فسترجع إلى مذهب أبيك» يعني به مذهب مالك، رحمه الله.
أخبرنا
محمد بن عبد الله، أنبأني أبو عمرو بن السمّاك، شِفَاهاً، أنّ محمد بن حمدان
الطرائفي، حدّثه قال:
قال الربيع: ما رأيت أفطن من الشافعي: لقد سمى
رجالا ممن يصحبه
فوصف كلَّ واحد منهم بصفة ما أخطأ فيها: فذكر المزني
والبويطي وفلانا وفلانا، فقال: ليفعل فلان كذا، وفلان كذا، وليصحبن فلان السلطان
وليقلدن القضاء. وقال لهم يوما وقد اجتمعوا: ما فيكم أنفع لي من هذا - وأومأ
إليَّ - لأنه أسلمكم ناحية، وذكر صفات غير هذه. قال: فلما مات الشافعي، رحمه
الله، صار كلّ واحد منهم إلى ما ذكر فيه، ما أخطأ في شيء من ذلك.
باب ما يؤثر عن الشافعي، رحمه الله، في فضل العلم والترغيب في تعلمه وتعليمه
والعمل به
* * *
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو إسحاق: إبراهيم
بن محمد بن إبراهيم الطوسي الفقيه، وأبو محمد: عبد الله بن يوسف الأصبهاني، وأبو
عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي؛ قالوا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب
يقول:
سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي، رحمه الله، يقول:
طلب العلم أفضل من صلاة النافلة [١].
وقال أبو إسحاق: حدثنا أبو
العباس، أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الوليد الفقيه، حدثنا جعفر بن
محمد السّاماني قال:
سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول:
ليس بعد أداء الفرائض شيء أفضل من طلب العلم. قيل له: ولا الجهاد في سبيل الله؟
قال: ولا الجهاد في سبيل الله.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد، قال:
سمعت أبا زرعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن السّندي يقول:
سمعت
الربيع يقول: قال لي الشافعي: يا ربيع، اطلب العلم ولو بالصين.
(١)
الاتقاء لابن عبد البر ص ٨٤ ومناقب الشافعي وآدابه ٩٧.
وأخبرنا محمد
بن عبد الله، حدثني صالح بن أحمد بن محمد بن صالح التميمي، بهمذان، حدثنا إبراهيم
بن محمد الهمذاني، حدثنا أحمد بن سنان، سمعت الربيع ابن سليمان يقول:
سمعت
الشافعي يقول: لو أنّ أهل كُوْرَةٍ اجتمعوا على ترك طلب العلم لرأَيتُ للحاكم أن
يجبرهم على طلب العلم.
أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي،
أنبأنا أبو محمد بن أبي حامد، حدثنا عيسى بن عبد الله العثماني، قال:
سمعت
الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول: سمعت «ابن عيينة» يقول: لم
يُعط أحد في الدنيا شيئاً أفضل من النّبوة، ولم يعط بعد النبوة شيء أفضل من طلب
العلم والفقه، ولم يعط في الآخرة أفضل من الرحمة، فقيل له: يا أبا محمد، عمّن
هذا؟ فقال: عن الفقهاء كلّهم.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن
الصوفي، سمعت أبا محمد بن أبي حامد يقول: سمعت أبا نعيم الجرجاني الفقيه يقول:
سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول: من أراد الدنيا فعليه
بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم.
أخبرنا أبو حازم العَبْدَوِي
الحافظ، حدثنا أحمد بن عبد الله الحافظ، من كتابه، سمعت محمد بن عبدان
التُّسْتَرِي، قال: سمعت الحسين بن علي النخعي، سمعت حَرْمَلَة بن يحيى يقول:
سمعت
الشافعي يقول: ما تُقُرِّب إلى الله بشيء بعد أداء الفرائض أفضل من طلب العلم.
أخبرنا
محمد بن الحسين السلمي، أنبأنا الحسن بن رشيق، إجازة، سمعت علي بن يعقوب بن سويد
يقول: حدثنا الربيع بن سليمان [قال] : سمعت الشافعي يقول [١] ليونس بن عبد
الأعلى: يا أبا موسى، عليك بالفقه؛ فإنه كالتفاح الشامي يحمل من عامه [٢].
وأخبرنا
محمد بن الحسين، حدثنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن محمد بن
يوسف، حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر، حدثنا أبو يعقوب: إسحاق بن محمد الأنصاري،
بصيدا، عن الحسن بن محمد الزعفراني قال:
سمعت الشافعي يقول: بقيت ست
[٣] عشرة سنة، ما كان طعامي إلا رَخْفاً وتمراً آكل منه بقدر ما يقوم به جسدي،
فقيل له: ما الذي أردت به يا أبا عبد الله؟ قال: أردت الحفظ للعلم والفقه، تركته
لله فرزقني بعد ذلك.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني الحسين
بن محمد الدّارمي، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم - حدثني أبو بشر بن أحمد
الدُّولابي في طريق مصر، أخبرني أبو بكر بن إدريس وَرَّاق الحُمْيدي.
أخبرني
الحميدي، عن الشافعي قال: كنت يتيما في حجر أمي، ولم يكن معنا ما نعطي المعلم،
وكان المعلم قد رضى مني أن أَخْلُفه إذا قام. فلما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت
أجالس العلماء فأحفظ الحديث أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شِعْب الخَيْف، فكنت
أنظر إلى العظم يلوح فأكتب فيه الحديث أو المسألة، وكانت لنا جَرَّة قديمة فإذا
امتلأ العظم طرحتم في الجَرَّة [٤].
(١) في ا: «يقول: حدثنا الربيع بن
سليمان، سمعت الشافعي يقول» وهو سهو من الناسخ.
(٢) الانتقاء ٨٤.
(٣)
في ا: «ستة».
(٤) آداب الشافعي ومناقبه ٢٣ - ٢٤.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت عبد الرحمن بن محمد الإدريسي يقول: حدثني عمرو بن
أحمد السوراني، حدثنا مقسم [١] قال:
سمعت حرملة يقول: سمعت الشافعي،
رضي الله عنه وأرضاه، يقول: ما أفلح في العلم إلا من طَلَبه بالقلّة، ولقد كنتُ
أطلب ثمن القرطاس فيعزُّ عليّ.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد
الرحمن السلمي قالا: سمعنا أبا العباس محمد بن يعقوب يقول:
سمعت
الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس. قال:
وإن كان مَكْفِيًّا [٢].
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت الشيخ
أبا سهل: محمد بن سليمان يقول:
[سمعت أبا تراب: محمد بن سهل يقول:
سمعت الربيع يقول [٣]] :
سمعت الشافعي يقول: لا يطلب هذا العلم أحد
بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش، وخدمة العلم وتواضع
النفس أفلح.
وحدثنا أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم الكرماني، حدثنا
أبو سعد: أسد ابن رستم، بهراة، حدثنا القاضي أبو نصر: منصور بن محمد بن مطرف،
حدثنا محمد ابن سهل المعلم أبو تراب، حدثنا الربيع بن سليمان. فذكر هذه الحكاية
والتي قبلها غير أنه قال في التي قبلها: إلا لفقير، قيل: ولا لغني مكفي؟ قال: ولا
لغني مكفي.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عبد الرحمن:
محمد بن إبراهيم المؤذن عن محمد بن إسحاق، سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول:
(١)
في ا: «همتهم».
(٢) آداب الشافعي ومناقبه ١٣٤
(٣) الزيادة
من ح.
سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: لا يفلح الرجل في هذا الشأن
- يعني في طلب العلم - حتى يكون له قميص ولا يكون له سراويل، ويكون له سراويل ولا
يكون له قميص.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت محمد بن يعقوب
الأصم يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي، رضي الله عنه،
يقول: يحتاج طالب العلم إلى ثلاث خصال: أولها: طول العمر، والثاني: سعة ذات اليد،
والثالث: الذكاء.
وهذا لا يخالف ما مضى، وإنما أراد بما مضى حكاية عن
غالب أحوال الناس في زهادة أهل الثروة في طلب العلم وقلة صبرهم عليه. وأراد بهذا
أن يكون له سعة في المعيشة لا يشغله طلب القوت عن التعلم. والله أعلم.
أخبرنا
محمد بن الحسين السلمي، أنبأنا علي بن بندار، حدثنا محمد بن المنذر ابن سعيد،
حدثنا الحسن بن عامر النصيبي، سمعت أحمد بن صالح يقول:
سمعت الشافعي
يقول: تفقَّه قبل أن تَرَأس فإذا تَرَأست فلا سبيل إلى التفقه.
أخبرنا
أبو سعد المَالِيني، أخبرنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا الحسين ابن إسماعيل النقار،
حدثنا موسى بن سهل، حدثني أحمد بن صالح، قال:
قال لي الشافعي: يا أبا
جعفر، تَعَبّد من قبل أن تَرَأس، فإذا ترأست فلم تقدر تَعَبَّد. كذا وجدته وعليه:
صح، والأول أصح.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، سمعت أبا بكر: أحمد
بن العباس المقري يقول: سمعت أبا عبد الله: الحسين بن عبد الله المروزي الموصلي
يقول:
سمعت الزعفراني يقول: سمعت الشافعي يقول: من تعلم علما
فَلْيَدقِّق فيه لئلا يضيع دَقِيقُ العلم.
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول:
سمعت الربيع بن سليمان
يقول:
سمعت الشافعي يقول: مثل الذي يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل
يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري.
وأخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم -
وقال وفي كتابه عن الربيع بن سليمان قال:
سمعت الشافعي، وذكر من يحمل
العلم جُزَافاً فقال: هذا مثل حاطب ليل يَقْطَع حُزْمَةَ حطبه فيحملها ولعل فيها
أَفْعَى تلدغه وهو لا يدري [١].
أخبرنا أبو محمد بن يوسف قال: سمعت
محمد بن علي الفقيه يقول: سمعت الحسين بن علي بن أنبار يقول:
سمعت
الربيع بن سليمان يقول: قلت لمحمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله: كيف شهوتك
للأدب؟
وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي، سمعت محمد بن عبد الله الرازي
يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: سمعت المزني يقول: قيل لمحمد بن إدريس
الشافعي: كيف شهوتك للأدب؟
قال: أسمع بالحرف منه مما لم أسمعه فتودّ
أعضائي أنّ لها أسْماعاً تتنعم به مثل ما تَنَّعَمت الأذنان.
(١) في
آداب الشافعي ١٠٠ بعد ذلك: «قال الربيع: يعني الذين لا يسألون عن الحجة من أين
هي؟. قلت: يعني من يكتب العلم على غير فهم، ويكتب عن الكذاب، وعن الصدوق وعن
المبتدع وغيره، فيحمل عن الكذاب والمبتدع والأباطيل، فيصير ذلك نقصا لإيمانه وهو
لا يدري».
قيل: وكيف حرصك عليه؟ قال: حرص الجَمُوع المَنُوع على بلوغ
لذته [١] في المال.
وقال: وكيف طلبك له؟
قال: طلب المرأة
المُضِلَّة وَلَدها وليس لها غيره.
أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد
الصوفي، سمعت محمد بن أحمد بن عبد الأعلى المقري يقول: سمعت أحمد بن عبد الرحمن
يقول: سمعت المزني يقول:
سمعت الشافعي يقول: من لا يحبُّ العلم فلا
خير فيه، ولا يكن بينك وبينه معرفة ولا صداقة.
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، حدثني الحسين بن محمد بن الحسين الحافظ، أخبرنا أبو الحسين: محمد بن عبد
الله بن جعفر الرازي، بدمشق، حدثنا أبو بكر: أحمد بن هارون، حدثنا أحمد بن عبّاد
التميمي، سمعت حرملة بن يحيى يقول:
سمعت الشافعي، رضي الله عنه يقول -
وذُكِرَ له أصحاب الحديث وما هم فيه من المَجَانَة والضّحك وأنهم لا يستعملون
الأدب - فقال الشافعي: يا سبحان الله! لو استعمل أصحاب الحديث ما تقولون لكانوا
علماء كلّهم. ثم التفت إلينا الشافعي فقال: ما أعلم أني أخذت [٢] شيئاً من الحديث
أو القرآن أو النحو أو العربية، أو شيئاً من الأشياء مما كنت أستفيده - إلا كنت
أستعمل فيه اجتناب ما ذكرتم، وكنت [٣] أفعل هذا قديماً، وكان ذلك طبعي إلى أن
قدمت المدينة فرأيت من «مالك بن أنس) ما رأيت من هيبته وإجلاله للعلم، فازددت
لذلك حتى ربما كنت أكون في مجلسه فأريد أن أَصْفَحَ الورقةَ فأصْفَحها صَفْحاً
رقيقاً، هيبةً له؛ لئلا يسمع وَقْعَها.
(١) في ح: «لذاته».
(٢)
في ح: «أني وجدت».
(٣) في ح: «قال: فكنت».
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، سمعت الحسين بن علي يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول:
سمعت
الربيع بن سليمان يقول: والله ما اجترأتُ أن أشرب الماء والشافعيّ ينظر إليَّ
هيبةً له.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الطيَّب: عبد
الله بن محمد القاضي، حدثنا أبو جعفر: محمد بن عبد الرحمن، حدثنا أحمد بن روح،
حدثنا الربيع قال:
سمعت الشافعي يقول: كنت [١] آتي «سفيان بن عيينة»
فلا أُسلِّم عليه حتى يكون هو الذي يبدأني فيلتفت إليّ فيقول: كيف أصبحت أصلحك
الله؟ وذلك أنه كان إذا بدأه إنسان بالسلام ردّ عليه بضيق: كيف أصبحت؟! كيف
أصبحت؟!
أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي، حدثنا الحسن بن رشيق، إجازة،
حدثنا محمد بن يحيى.
حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال لي الشافعي: قيل
لسفيان بن عيينة، وقد ضاق خلقه: يا محمد [٢]، يأتيك قوم من أقطار الأرض فتضيق
عليهم؟! يوشك أن يذهبوا ويتركوك. قال: هم إذاً حَمْقَى مثلك إن تركوا ما ينفعهم
لسوء خلقي.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد الفقيه،
حدثنا أبو عوانة، حدثنا الربيع بن سليمان قال:
(١) سقطت من ح.
(٢)
في ح: «يا أبا محمد».
(م ١٠ - مناقب جـ ٢)
قال الشافعي:
قيل لابن عيينة: إن قوما يأتونك [١] من أقطار الأرض فتغضب عليهم! يوشك أن يذهبوا
أو يتركوك. قال: هم حمقى إذاً مثلك أن يتركوا ما ينفعهم لسوء خلقي [٢]. كذا في
رواية الربيع.
وأخبرنا أبو الفضل بن أبي سعد الهَرَوِي - قدم علينا
حاجًّا - قال: حدثنا أبو أحمد: محمد بن الغطريف [٣] الغطريفي، بجرجان، حدثنا أبو
عوانة، سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول:
سمعت الشافعي يقول: كان يختلف
إلى «الأعمش» رجلان: أحدهما [٤] كان الحديث من شأنه، والآخر [٥] لم يكن الحديث من
شأنه، فغضب الأعمش يوما على الذي من شأنه الحديث، فقال الآخر: لو غضب عليَّ كما
غضبَ عليك لم أعد إليه: فقال الأعمش: إذاً هو أحمق مثلك، يترك ما ينفعه لسوء خلقي
[٦].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أحمد بن الحسين الصوفي، حدثنا
أحمد ابن محمد بن الحسين المصري، سمعت الربيع بن سليمان يقول:
ألحَّ
على الشافعي، رحمه الله، قومٌ من أصحاب الحديث فقال: لا تكلّفوني أن أقول لكم ما
قال «محمد بن سيرين» لرجل ألحّ عليه:
إنَّك إن كلَّفتني ما لم أُطِقْ
... ساءَكَ ما سرَّكَ منّي من خُلُقْ
(١) في ا: «يأتوك».
(٢)
آداب الشافعي ومناقبه ٢٠٦.
(٣) في ح: «محمد بن الطريفي بجرجان».
(٤)
هو أبو بكر بن محمد بن سوقة الغنوي الكوفي، راجع تهذيب التهذيب ٣/ ٢٨٦، والجمع
بين رجال الصحيحين ١/ ١٤٠.
(٥) هو أبو عبد الله: رقبة بن مصقلة العبدي
الكوفي، المتوفى سنة ١٢٩. راجع تهذيب التهذيب ٩/ ٢٠٩ والجمع بين رجال الصحيحين
٤٣٩.
(٦) آداب الشافعي ومناقبه ٣١٥ - ٣١٦.
أخبرنا محمد بن
عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول:
سمعت
الربيع بن سليمان يقول: وكنا يوما عنده، فقرأ لنا فاستزدناه فقال: سمعت الشافعي
يقول: كلَّ يومٍ لا يُنِيلُ المَعْدِن.
أخبرنا أبو محمد: عبد الله بن
يوسف الأصفهاني، سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول:
سمعت الربيع بن
سليمان يقول [١]: كتب إليَّ أبو يعقوب البويطي من الحبس: أن اصبر نفسك للغرباء،
وأحسن خلقك لأهل خلقتك؛ فإني كنت أسمع الشافعي كثيراً يتمثل بهذا البيت:
أُهينُ
لهم نَفْسِي لكي يُكرمُونَها ... ولَنْ تُكْرَمَ النَّفْسُ التي لا تُهِينُها
[٢]
أخبرنا محمد بن عبد الله، سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب [٣]
يقول:
سمعت الربيع بن سليمان يقول: قال لي الشافعي: لو أستطيع أن
أطعمك العلم لَأَطْعَمْتُكَهُ.
أخبرنا محمد بن عبد الله، سمعت أبا
العباس: محمد بن يعقوب، سمعت الربيع بن سليمان يقول: [٤]
(١) آداب
الشافعي ومناقبه ١٢٧.
(٢) البيت غير منسوب في إعجاز القرآن ١٢٤،
ولأعرابي حجب عن باب السلطان، كما في البيان والتبيين ٢/ ١٨٩ والصناعتين ٢٤٠
وأمالى المرتضي ١/ ٢٠٥
(٣) في ح بعد ذلك: «هو الأصم».
(٤)
في ح: «يقول: سمعت الشافعي يقول».
قال لي الشافعي: الموعظة للعوَام،
والنصيحة للإخوان، والتذكرة للخواص منهم - فَرْضٌ افترضه الله على عقلاء
المؤمنين، ولولا ذاك لبطلت السنة وتعطّلت الفرائض [١].
أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي، سمعت أحمد بن محمد بن رميح الحافظ يقول: سمعت أبا طلحة: أحمد بن
محمد بن عبد الكريم، بالبصرة، يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت
الشافعي يقول: زينة العلماء التقوى، وحِلْيَتُهم حسن الخلق، وجمالُهم كرمُ
النفس.
قال: وسمعت الشافعي يقول: لا عيب بالعلماء أعظم من رغبتهم فيما
زهَّدهم الله فيه، وزهدهم فيما رغّبهم الله فيه.
أخبرنا محمد بن
الحسين السلمي، سمعت أبا عمرو: محمد بن جعفر بن محمد ابن مطر يقول: سمعت إبراهيم
بن محمود يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول: زينة
العلماء [٢] الورع والحلم.
وبإسناده قال:
سمعت الشافعي
يقول: لا يجمل العلم ولا يحسن إلا بثلاث خلال: تقوى الله، وإصابة السنة،
والخشية.
(١) في ح بعد ذلك بياض كتب فوقه: «كذا» وبعد البياض: «الربيع
قال: سمعت الشافعي يقول: أخشى على من طلب هذا العلم بغير نية ألا ينتفع به».
(٢)
في ح: «العلم».
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد، أخبرني نصر بن محمد
بن أحمد الصوفي، سمعت أبا بشر: محمد بن أحمد يقول: سمعت الحسن بن سعيد المقري،
حدثنا محمد بن زياد الحضرمي، حدثنا حرملة بن يحيى التّجيبي.
سمعت
الشافعي يقول:
كتبَ حكيمٌ إلى حكيمٍ: يا أخي قد أوتيت علماً، فلا [١]
تُدَنِّس علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يومَ يسعى أهلُ العلم بنور علمهم
[٢].
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم
المقري، ببغداد، يقول:
سمعت أبا بكر الخلاّل يقول:
سمعت
الشافعي يقول: ليس العلم ما حُفِظَ، العلم ما نَفَع.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن: محمد بن الحسين الصوفي قال: سمعت أبا علي: محمد بن عبد العزيز يقول: سمعت
الزبير بن عبد الواحد يقول: سمعت يوسف ابن عبد الأحد يقول:
سمعت يونس
بن عبد الأعلى يقول: قال لي الشافعي، رضي الله عنه: يا أبا موسى، قد أَنِسْتُ
بالفقر حتى لا أستوحش منه.
قال: وسمعت الشافعي يقول: يا أبا موسى،
أَزْيَنُ شيء بالعلماء الفقرُ مع القناعة، والرضا بهما.
قال: وسمعت
الشافعي يقول: فقر العلماء فَقْرُ اختيار، وفَقْرُ الجهّال فقر اضطرار [٣].
(١)
في ا: «لا تدنس»
(٢) حلية الأولياء ٩/ ١٤٦، ومناقب الشافعي للرازي
١٢٤.
(٣) مناقب الشافعي للرازي ١٢٤.
قال: وقال الشافعي: يا
أبا موسى، لقد [١] أفلستُ ثلاث مرات، ولقد رأيتني آكل السمك بالتمر لا أجد
غيرهما.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الحسين بن محمد
الدّارمي قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال: حدثني أبي قال:
حدثني هارون بن سعيد الأَيْلِي قال:
قال لنا الشافعي: أخذت اللبان سنة
للحفظ فأعقبني صبَّ الدم سنة [٢].
أخبرنا أبو عبد الله قال: أخبرني
أبو تراب المُذَكِّر قال: حدثنا محمد بن المنذر قال: حدثنا ابن عبد الحكم قال:
سمعت
الشافعي يقول: قال محمد بن الحسن [٣]: لا يصلح [في] [٤] هذا الشأن إلا من أحرق
قلبه البن.
قلت: والبن فيما بلغني: كامخ [٥] يصنع بالشّامات ومصر من
عكر المرى يتأدم به الغرباء.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني
أبو زْرْعَة الرّازي، قال: حدثنا أحمد بن محمد الصابوني قال: سمعت الربيع بن
سليمان.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنبأنا علي بن أبي عمر
البَلْخِي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين قال: سمعت الربيع بن سليمان قال:
(١)
في ح: «قد».
(٢) آداب الشافعي ومناقبه ٣٥، ٣٢٣.
(٣) في ح،
هـ: «الحسين».
(٤) الزيادة من ح.
(٥) المعرب للجواليقي
٢٩٨.
سمعت الشافعي يقول: المراء في العلم يقسِّي القلب، ويورث [١]
الضّغائن.
أخبرنا محمد بن الحسين قال: سمعت منصور بن عبد الله
الأصبهاني يقول: سمعت الحسين بن يوسف الرَقَي يقول: سمعت ابن عبد الحكم يقول:
سمعت
الشافعي يقول: من إِذَالَةِ [٢] العلم أن تناظر كلَّ من ناظرك وتُقاوِلَ كلَّ من
قَاوَلَك.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن قال: سمعت محمد بن علي
الحافظ يقول: سمعت أبا بكر بن زياد يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت
الشافعي يقول: العلم جهل عند أهل الجهل، كما أن الجهل جهل عند أهل العلم [٣]، ثم
أنشأ يقول:
ومنزلَةُ الفقيهِ من السّفيهِ ... كمنزلةِ السّفيهِ من
الفقيه
فهذا زاهدٌ في قرب هذا ... وهذا فيه أزهد منه فيه
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن عبد الله الصّفّار
يقول: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول:
سمعت الشافعي يقول: سمعت
مالك بن أنس يقول: سمعت «محمد بن عجلان» يقول: إذا أَغْفَلَ العالم «لا أَدْرِي»
أُصِيبت مقاتله.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عبد الله
المسافري قال: حدثنا محمد بن المنذر قال:
(١) في ا: «فيورث».
(٢)
في مناقب الشافعي للرازي ١٢٤: «من إهانة».
(٣) في ا: «الجهل».
حدثنا
محمد بن عبد الحكم قال: سألت الشافعي عن «المُتْعَةِ»: أكان يكون فيها طلاق أو
ميراث أو نفقة تجب أو شهادة؟ قال: لا والله ما ندري.
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ قال: حدثني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن
محمد بن إدريس - قال: حدثني أبي قال:
أخبرني يونس قال: كلّمني الشافعي
مرة في مسألة وتَراجَعْنا فيها فقال: إني لأجد فُرْقانَهَا في قلبي وما أَقدِرُ
أن أثبته بلساني.
أخبرنا محمد [١] بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو
الوليد: حسّان بن محمد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال: سمعت الربيع
يقول:
سمعت الشافعي يقول لأبي علي بن مِقْلاَص [٢]: تريد تَحْفَظُ
الحديثَ وتكون فقيها؟ هيهات ما أبعدك من ذلك [٣].
قلت: وإنما أراد به
حِفْظَهُ على رَسْم أهل الحديث من حفظ الأبواب والمذاكرة بها، وذلك علم كثير إذا
اشتغل به فربما لم يتفرّغ إلى الفقه. فأمّا الأحاديث التي يحتاج إليها في الفقه
فلابد من حفظها معه، فعلى الكتاب والسنة بناء على أصول الفقه وبالله التوفيق.
وقد
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم المؤذّن
قال: سمعت عبد الله بن محمد بن الحسن يقول: سمعت إبراهيم بن محمد الصَّيْدَلاَنِي
يقول:
(١) في ا: «أبو محمد».
(٢) في الانتقاء ص ١١١: «عبد
العزيز بن عمران بن أيوب بن مقلاص. مولى خزاعة. يكنى أبا علي. صحب الشافعي وروى
عنه. وكانت وفاته بمصر سنة أربع وثلاثين ومائتين».
(٣) طبقات العبادي
٢٥ وآداب الشافعي ١٣٥ وفيه: «يريد أن يحفظ الحديث ويكون فقيها».
سمعت
إسحاق بن إبراهيم الحَنْظَلِيّ يقول: ذاكرت الشافعي فقال: لو كنت أحفظُ كما تحفظُ
[١] لغلبت أهل الدنيا.
وهذا لأن إسحاق الحنظلي كان يحفظه على رسم أهل
الحديث، ويَسْرُدُ أبوابه سَرْداً، وكان لا يهتدي إلى ما كان يهتدي إليه الشافعي
من الاستنباط والفقه. وكان الشافعي يحفظ من الحديث ما كان يحتاج إليه، وكان لا
يستنكف من الرجوع إلى أهله فيما اشتبه عليه منه؛ وذلك لشدة اتقائه لله عز وجلّ،
وخشيته منه، واحتياطه لدينه.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني
أبو تراب المُذَكِّر، بالنّوقان، قال: حدثنا محمد بن المنذر قال: سمعت محمد بن
أحمد بن الحسين [٢] قال:
سمعت «الحُمَيْدِيّ» يقول: صحبت «الشافعي» من
مكة إلى مصر فكنت أستفيد منه «المسائل»، وكان يستفيد مني «الحديث».
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الوليد الفقيه يقول: سمعت أبا تراب: محمد بن
أبي سهل الطّوسي يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي
يقول: ما رأيت صاحب بَلْغَمٍ أحفظ من «الحميدي» وكان [٣] يحفظ لسفيان بن عيينة
عشرة آلاف حديث.
وأخبرنا أبو عبد الله قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي
الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم - قال: حدثنا أبو بكر بن إدريس
وَرَّاق الحُمَيْدِي قال:
(١) في ا: «كما يحفظ».
(٢) في ا:
«الحسن».
(٣) في ا: «فكان».
قال الحميدي: كنا نريد أن [١]
نردّ على «أصحاب الرأي» فلم نحسن [٢] كيف نرد عليهم حتى جاءنا الشافعي ففتح
لنا.
وأخبرنا محمد بن الحسين بن موسى قال: حدثنا يوسف بن عمر الزّاهد،
ببغداد، قال: حدثنا أبو الفضل الطّوسي الفقيه قال:
حدثنا عبد الله بن
أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: قال لنا الشافعي، رحمه الله: أنتم أعلم بالحديث
مني، فإذا صح عندكم الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فقولوا لنا حتى نأخذ
[٣] به.
وأخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد قال: أخبرني أبو أحمد بن
أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد الحنظلي - قال: أخبرني أبو
عثمان الخوارزمي، نزيل مكة، فيما كتب إليَّ قال: حدثنا أبو تراب: حميد بن أحمد
البصري قال:
كنت عند أحمد بن حنبل، نتذاكر في مسألة، فقال رجل لأحمد:
يا أبا عبد الله. لا يصح فيه حديث. فقال: إن لم يصح فيه حديثٌ ففيه قول الشافعي،
وحجته أثبت شيء فيه [٤].
ثم قال: قلت للشافعي: ما تقول في مسألة كذا
وكذا؟ فأجاب فيها، فقلت: من أين قلت؟ هل فيه حديث أو كتاب؟ قال: بلى. فَنَزَعَ في
ذلك حديثاً للنبي، صلى الله عليه وسلم، وهو حديث نصّ [٥].
(١) في ح:
«على أن نرد على».
(٢) في ا: «فلم يحسن».
(٣) في ا:
«آخذ».
(٤) آداب الشافعي ومناقبه ٨٦.
(٥) آداب الشافعي
ومناقبه ٨٧.
فعلى هذا كان طريق أهل الورع من أهل العلم والفقه: لا
يستنكفون من أخذ بعضهم عن بعض حتى يكونوا على خبرة من دينهم. وبالله التوفيق.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن زياد العدل يقول: سمعت أبا
بكر: محمد بن إسحاق يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول:
سمعت
الشافعي يقول: ما أحدٌ أَوْرَع لخالقه من الفقهاء.
أخبرنا محمد بن أبي
الحسن [١] الصوفي قال: سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت الحسين بن علي بن
يزدانيار يقول:
سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: إن لم
يكن الفقهاء أولياء الله في الآخرة فما لِله وليَّ.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي قال: سمعت أبا علي الزَّعوري يقول: سمعت الزبير الأَسداباذِي يقول:
سمعت أحمد بن يحيى بن بكير [٢] المصري يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت
الشافعي يقول: إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله، عز وجل، فما لله ولي.
قرأت
في كتاب أبي نعيم الأصبهاني. وأخبرني به الثقة من أصحابنا عنه: عن الحسن بن سعيد
بن جعفر قال: حدثنا محمد بن زغبة قال: سمعت يونس ابن عبد الأعلى يقول:
(١)
في ح: «محمد بن الحسن».
(٢) في ا: «بن زكير».
سمعت الشافعي
يقول: كفى بالعلم فضيلة أنّه يدعيه من ليس فيه ويفرح إذا نسب إليه، وكفى بالجهل
شرًّا أنه يتبرأ منه من هو فيه ويغضب إذا نسب إليه.
وقرأت فيه.
وأخبرني به الثقة عنه: عن أحمد بن محمد بن مقسم قال: سمعت أبا بكر الخلال [١]
يقول:
سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: العلم مروءة من لا مروءة
له [٢].
* * *
(١) في ا: «الخلافي».
(٢) في
هامش ح بإزاء هذا: «بلغ مقابلة في المجلس العشرين».
باب ما يستدل به على اجتهاد الشافعي، رحمه الله، في طاعة ربه وزهده في
الدنيا وحضّه عليه
* * *
أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ
قال: حدثني أبو بكر: محمد بن محمد البغدادي قال: حدثنا أبو الحسن: علي بن قريش
قال:
سمعت الربيع بن سليمان يقول: كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة
أثلاث: الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام [١].
وأخبرنا
الحسين بن محمد بن الحسين الدّينوري، بالدّامعان، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد
بن شيبة قال: حدثنا أحمد بن علي بن حمدويه المروزي قال: سمعت زكريا بن يحيى
السّاجي، عن الربيع بن سليمان. فذكره [٢].
وقرأت في كتاب أبي الحسن
العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد قال: أخبرني القزويني [٣] - قاضي مصر - قال:
سمعت
الربيع يقول: قد نمت [٤] في منزل الشافعي ليالي كثيرة فلم يكن ينام [من الليل]
[٥] إلا أيسره.
(١) مناقب الشافعي للفخر الرازي ص ١٢٧.
(٢)
ليست في ح.
(٣) في ح: «العرردي».
(٤) في ح: «بت».
(٥)
من ح.
وعن الزبير قال: حدثني العباس بن الفضل الأرسوفي قال:
سمعت
الربيع بن سليمان يقول: خرجت مع محمد بن إدريس الشافعي من الفسطاط إلى الإسكندرية
مرابطا [١]، وكان يصلي الصلوات الخمس في المسجد الجامع، ثم يسير إلى المَحْرَس
فيستقبل البحر بوجهه جالساُ يقرأ القرآن في الليل والنهار حتى أُحصيت عليه ستين
ختمة في شهر رمضان.
وبهذا الإسناد عن الأرسوفي قال:
سمعت
بحر بن نصر يقول: ما رأيت ولا سمعت كان في عصر الشافعي أتقى لله ولا أورع من
الشافعي، ولا أحسن صوتا منه بالقرآن.
أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن
الحسين السّلمي قال: أنبأنا أبو نصر: محمد بن علي بن طلحة المروروذي قال: حدثنا
أبو سعيد: أحمد بن علي الأصبهاني قال: حدثنا زكريا بن يحيى السّاجي قال: حدثنا
محمد بن إسماعيل قال:
حدثنا حسين الكرابيسي قال: بت مع الشافعي ثمانين
ليلة، فكان يصلي نحو ثلث الليل، وما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكْثَرَ
فمائة، وكان لا يمرْ بآيةِ رحمةٍ إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر
بآيةِ عذابٍ إلا تعوذ بالله منها وسأل النجاة لنفسه ولجميع المؤمنين، فكأنما جمع
له الرجاء والرّهبة معا [٢].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني
أحمد بن محمد بن مهدي
(١) في ح: «يرابط» وفي ا: «مرابط».
(٢)
توالي التأسيس ٦٨. والمناقب للرازي ١٢٧.
المُسَافِرشي، بالنّوقان،
قال: حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت
الحديدي يقول: كان الشافعي يختم في كل شهر [رمضان ستين ختمة، لا يحسب شيئا من ذلك
في الصلاة.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت علي بن عمر
الحافظ يقول: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كان
الشافعي يختم في كل شهر] [١] ثلاثين ختمة وفي شهر رمضان [٢] ستين ختمة سوى ما
يقرأ في الصلاة.
قال: وكان يحدث وطست بجنبه فقال يوما: اللهم إن كان
لك فيه رضا فزد. قال: فبعث إليه «إدريس بن يحيى المُعَافِرِي»: لَسْتَ من رجال
البلاء؛ فَسَل الله العافية [٣].
أخبرنا محمد بن الحسين الصّوفي قال:
أخبرنا علي بن عمر الحافظ، ببغداد، قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم قال:
حدثنا أبو الحديد: عبد الوهاب ابن سعيد قال: حدثنا العباس بن محمد البصري قال:
حدثني
سليمان بن داود المهدي قال: كان الشافعي - رضي الله عنه - إذا حدث كأنه يقرأ سورة
من القرآن، ومرض مرضة شديدة فقال: إن كان هذا لك رضا فزد. فبلغ ذلك «إدريس
الخولاني» فبعث إليه: يا أبا عبد الله، لسنا وانت من
(١) ما بين
القوسين سقط من هـ.
(٢) في ا: «ثلاثين ختمة في رمضان ستين ختمة».
والخبر في توالي التأسيس ص ٦٠، ومناقب الشافعي للفخر الرازي ص ١٢٧.
(٣)
مناقب الشافعي للرازي في الموضع المذكور، وتوالي التأسيس ص ٦٠.
رجال
البلاء. قال: فبعث إليه الشافعي، رضي الله عنه: ادع الله يا أبا عمرو.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن علي قال: أخبرنا عبد الرحمن قال:
حدثني أبي قال:
حدثنا حرملة قال: سمعت الشافعي، رحمه الله، يقول لي
[١]: اذهب إلى إدريس بن يحيى العابد وقل له يدعو الله لي.
وبهذا
الإسناد قال: حدثني حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي يقول: وددت أن كل علم أعلمه
يعلمه الناس أُوجَر عليه ولا يحمدونني [٢]
أخبرنا محمد بن عبد الله
الحافظ قال: حدثني أبو بكر: محمد بن محمد المقري قال: أخبرنا أبو القاسم: جعفر بن
محمد قال: حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي قال:
دخل بعض فقهاء أهل
مصر على الشافعي في السحر [٣] وبين يديه المصحف فقال: شغلكم الفقه عن القرآن، إني
لأصلي العتمة وأضع المصحف بين يدي فما أطبقه حتى أصبح.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان [٤] يقول: سمعت عبد الرحمن بن
محمد الرازي يقول: سمعت محمد ابن عبد الله بن عبد الحكم يقول:
سمعت
«الحارث بن مسكين» يقول: مازال في نفسي من الشافعي حتى
(١) في ح:
«حدثنا حرملة، قال: قال لي الشافعي: اذهب ...».
(٢) توالي التأسيس ٦٢،
حلية الأولياء ٩/ ١١٩.
(٣) في ح: «المسجد».
(٤) في ا: «بن
عبد بن شاذان».
بلغني أنه سئل عن الأكفاء فقال: الأكفاء في الدين ليس
الأكفاء من الحسب [١] في شيء. فعلمت أنه لم يحوجه إلى هذا إلا الديانة وهو رجل من
قريش.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عبد الله: أحمد بن
محمد المسافري قال: حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد قال:
أخبرنا محمد بن
عبد الحكم قال: قال لي الحارث بن مسكين: لقد أحببت الشافعي وقرب من قلبي لما
بلغني أنه يقول: الكفاءة [في الدين لا في النسب.
قال البيهقي: وإنما
أراد الكفاءة] [٢] التي يفسخ بعدمها النكاح وهي إسلام الزوج، فأما عدم الكفاءة في
النسب فإن الولي والرشيدة إذا رضيا به صح النكاح [٣] قال الشافعي في «كتاب
النكاح» [٤]: وليس نكاح غير الكفء محرما فأرده كل حال إنما هو نقص على المزوجة
والولاة، فإذا رضيت المزوجة ومن له الأمر معها بالنقص لم أرده.
أخبرنا
به أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع قال:
حدثنا الشافعي فذكره.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا
زُرْعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن الحسين المصري يقول:
سمعت
الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: لو كانت الكفاءة في النسب لم يكن أحد
من خلق الله كفْئاً لبنات النبي، صلى الله عليه وسلم، وقد زوج النبي، صلى الله
عليه وسلم، ابنته أبا العاص بن الربيع.
وأخبرنا أبو عبد الله قال:
حدثنا أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال:
(١)
في ح: «في النسب» وفي المناقب للفخر ص ١٢٧: «الكفاءة في الدين لا في الحسب».
(٢)
سقط ما بين القوسين من ا.
(٣) مناقب الشافعي للفخر الرازي ص ١٢٧.
(٤)
الأم ٥/ ١٣.
(م ١١ - مناقب جـ ٢)
سمعت الربيع يقول: سأل
رجل الشافعي: أيتزوج الرجل بالعربية وهو ليس من العرب؟ فقال: سل المزني؛ فإني رجل
من قريش.
قلت: وإنما قال ذلك لأنه لا يجوز ذلك إلا برضا الولاة الذين
إليهم أمرها وبرضاهم وهي رشيدة، فلم يرد تولي الجواب بنفسه وهو قرشي، ولم يحمله
كونه قرشيا على أن يرد نكاح غير الكفء في النسب بكل حال؛ لأنه رأى الحق في غيره
فتبع الحق دون الهوى.
وهذا أشبه بما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو
سعيد بن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال:
حدثنا
الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي: وأما قول أبي يوسف: لا تؤخذ الجزية من العرب.
فنحن كنا على هذا أحرص لولا أن الحق في غيره. قال: فلم يكن لنا أن نقول إلا
بالحق: لقد أخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الجزية من البدر الغساني ويروون
أنه صالح رجالا من العرب على الجزية. فأما عمر ابن الخطاب ومن بعده من الخلفاء
إلى اليوم فقد أخذوا الجزية من بني تعلب وتنوخ وبهراء وخلط من العرب، وهم إلى
الساعة مقيمون على النصرانية يضاعف عليهم الصدقة وذلك جزية، وإنما الجزية على
الأديان لا على الأنساب ولولا أن نأثم بتمنّي باطل وَدِدنا أن الذي قال أبو يوسف
كما قال وأن لا يَجْري صَغار على عربي، ولكن الله أجلّ في أعيننا من أن نحب غير
ما قضى به.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد
الله الرّملي يقول: سمعت أبا علي: أحمد بن علي الدمشقي يقول:
سمعت
الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي وسئل ما الظرف؟ قال: الوقوف مع الحق كما
وقف.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن علي بن محمد
بن يحيى قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال: أخبرني أبو محمد
السجستاني - نزيل مكة - فيما كتب إليّ قال:
قال الحارث بن مسكين: أراد
الشافعي الخروج إلى مكة فأسلم إلى قَصَّار ثياباً بَغْدَاديّة [١] مرتفعة، فوقع
الحريق فاحترق دكّان القصّار والثياب، فجاء القصار ومعه قوم فتحمّل بهم على
الشافعي في تأخيره ليدفع إليه قيمة الثياب، فقال له الشافعي: قد اختلف أهل العلم
في تضمين القصّار، ولم أتبين أن الضمان يجب، فلست أضمنك شيئا. كذا في كتاب شيخي
الحارث بن مسكين، وحكاه داود بن علي بن الحارث بن سريج عن الشافعي بمعناه [٢].
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا أبو نصر: محمد بن علي بن طلحة المروروذي قال:
حدثنا أحمد بن علي الأصبهاني قال: حدثنا زكريا بن يحيى السّاجِي قال:
حدثني
ابن بنت الشافعي قال: ولى الشافعي اليمن وهو حَدَثٌ فحكم بأشياء وسَنَّها فإن أهل
اليمن إلى يومنا يقولون في أشياء: سنة الشافعي، سنة الشافعي.
أخبرنا
أبو زكريا: يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: سمعت الزبير ابن عبد الواحد
يقول: حدثنا أبو يحيى: زكريا بن يحيى الساجي بالبصرة قال: حدثنا أحمد بن مدرك [٣]
الرازي قال:
(١) آداب الشافعي ١٠٢.
(٢) في ح:
«فسمعناه».
(٣) في ا: «مرادك».
حدثنا حرملة بن يحيى قال:
سمعت الشافعي يقول: ما حلفت بالله قط صادقا ولا كاذبا.
وأخبرنا أبو
عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن
يحيى بن حرملة التجيبي قال:
سمعت عمي حرملة يقول: سمعت الشافعي يقول:
ما كذبت قط، ولو كذبت لما تَأَتَّى [١] لي شيء مما أمدح به، وما حلفت بالله لا
صادقا ولا آثما.
[وفي رواية: صادقا ولا كاذبا] [٢].
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: قال أبو الوليد فيما بلغني عنه قال: حدثنا أبو جعفر
الأَرْزُناني [٣]، عن طاهر بن يحيى بن حرملة، عن عمه.
عن الشافعي، رضي
الله عنه، قال: ما تركته في شتاء ولا صيف. يعني غسل يوم الجمعة.
وقرأت
في «سنن حرملة» رواية أبي عبد الله: أحمد بن طاهر بن حرملة عن جدّه:
(١)
في ا: «كان».
(٢) ما بين القوسين من ح.
(٣) الأرزناني بفتح
الألف، وسكون الراء، وضم الزاي نسبة إلى أرزنان: وهي من قرى أصبهان.
وأبو
جعفر الأرزناني: هو محمد بن عبد الرحمن الأرزناني الأصبهاني الحافظ، من الحفاظ
الأثبات الجوالين في طلب الحديث إلى الشام ومصر وخراسان، وكان حافظا عالما متقنا
حسن الحديث.
توفى سنة ٣١٧ وهو ابن نيف وستين سنة.
راجع
الأنساب للسمعاني ١/ ١٦٣ - ١٦٤.
عن الشافعي قال: ما أحب لأحد ترك غسل
يوم الجمعة، وما علمتني تركته قط في برد ولا في حر [١] ولا غيره، والله محمود،
ولكن ليس له ما أحببت منه لنفسي يمنعني أن أؤدّي فيه علما، وأسأل الله فيه الأجر
والتوفيق.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن
أبي الحسن [٢] قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد ابن إدريس الرازي - قال:
أخبرني أبو محمد السجستاني - نزيل مكة - في كتابه قال:
إن الحارث بن
سريج قال [٣]: دخلت مع الشافعي على خادم للرشيد وهو في بيت قد فرش بالديباج، فلما
وضع الشافعي رجله على التعبة أبصره فرجع ولم يدخل، فقال له الخادم: ادخل. فقال:
لا يحل افتراش هذا. فقام الخادم فتبسم حتى دخل بَيْتاً [٤] قد فرش بالأرمني فدخل
الشافعي، ثم أقبل عليه فقال: هذا حلال وذلك حرام، وهذا أحسن من ذاك وأكثر ثمنا.
فتبسم الخادم وسكت [٥].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني نصر
بن محمد العطار قال: حدثنا أبو الحسين: أحمد بن عبد الله بن إبراهيم بن مرزوق
قال: حدثنا القاسم بن محمد التّبوذكي قال: حدثنا محمد بن بشر قال:
حدثنا
الشافعي قال: حدثنا فُضَيل بن عِيَاض قال: حدثنا هشام بن حسّان قال:
(١)
في ح: «سفر».
(٢) في ح: «الحسين».
(٣) في ا: «قال الحارث
بن سريج: دخلت. . .».
(٤) في ا: «نقبا».
(٥) آداب الشافعي
ص ١٠٣ - ١٠٤، وتوالي التأسيس ٦٦ - ٦٧، والحلية ٩/ ١٢٦ - ١٢٧.
مرَّ
الحجاج بن يوسف بالحسن أو غيره فقال له: يا أبا سعيد، مالك لا تأتينا؟
فقال
له: وما أصنع بك؟ إن أنا أتيتك فأدنيتني فَتَلْتَنَى [١]، وإن أنت أقصيتني
غممتني، وما عندي من الدنيا شيء أخافك عليه، ولا عندك من الآخرة ما أطلب، فعلى أي
حال أجيئك؟
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن
محمد قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم - قال: حدثنا أبي قال:
حدثنا
الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: دخل سفيان الثوري على أمير المؤمنين
فجعل يَتَجَانَنُ عليهم ويمسح البساط ويقول: ما أحسنه! ما أحسنه! بكم أخذتم هذا؟
ثم قال: البول البول حتى أخْرِج. يعني أنه احتال ليتباعد [٢] منهم، ويسلم من
أمرهم.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الوليد قال: حدثنا
أبو نعيم عن الربيع.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن
أحمد بن حمدان يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خُزَيمة يقول: سمعت الربيع بن سليمان
يقول:
سمعت الشافعي يقول: ربما أتى على ثنتا عشرة سنة لا أشبع فيها
شبعة إلا شبعة ألقيتها على المكان.
وفي رواية أبي عبد الله قال
الشافعي: ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها من ساعتي [٣].
(١)
في ا: «قتلتني».
(٢) في ا: «للتباعد» وفي ح: «احتال له ليتباعد
عنهم».
(٣) آداب الشافعي وهامشه ١٠٣ - ١٠٤.
وأخبرنا أبو
عبد الله الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حسان [١] الفقيه قال: حدثنا محمد
بن عبد الرحمن الأصبهاني قال: حدثنا أبو العباس: أحمد ابن محمد البغدادي.
سمعت
الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: ما شبعت منذ عشرين سنة.
ورواه أبو
عوانة الإسفراييني، عن الربيع، وقال: منذ سبع عشرة سنة إلا شبعة ثم أدخلت يدي
فتقايأته.
قلت [٢]: وهذا لأن الشبع يقسي القلب، ويغطي بعض العقل،
ويثقل البدن عن الاجتهاد في العبادة، وهو عند أهل الحقائق غير محمود، فكان يتنزه
عن ذلك.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو القاسم: عبد
الرحمن بن الحسن القاضي، شفاهاً: أن زكريا بن يحيى الساجي حدثهم قال:
بلغني
عن محمد بن الوزير أنه قال: ما شرب الشافعي من كوز مرتين، ولا عاود في جماع جارية
مرتين.
قلت: وهذا يدخل في اجتزائه بأقل الكفاية وترك التلذذ
بالزيادة.
أخبرنا أبو عبد الله: الحسين ين محمد بن الحسين بن عبد الله
بن فنجويه الدينوري بالدامغان قال: حدثنا الفضل بن الفضل الكندي قال: حدثنا زكريا
ابن يحيى الساجي قال:
حدثنا ابن بنت الشافعي قال: سمعت أمي تقول: كان
أبي لا يتطيّب
(١) في ا: «حيان».
(٢) قال ابن أبي حاتم في
آداب الشافعي ومناقبه ص ١٠٦: «لأن الشبع يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة،
ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة».
بالماوَرْد لموضع نكهته وقال:
إنه يشبه المسكر.
وأخبرنا أبو عبد الله الدينوري قال: حدثنا الفضل بن
الفضل الكندي قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال:
حدثني ابن بنت
الشافعي قال: سمعت أمي تقول: دخلت علينا امرأة وأبي نائم ومعها صبي فجعلت تَحدَّث
إلى أن بكى الصبي فوضعت يدها على في الصبي وخرجت خوفاً أن يستيقظ أبي ببكائه.
قالت: وكانت لأبي هيبة منكرة فلما استيقظ أُخبر بذلك فخرج وآلى على نفسه ألا ينام
أياماً إلا والرحا عند رأسه يُطحَن بها.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ
قال: سمعت الزبير بن عبد الواحد بن أحمد الحافظ بأسدَاباذ يقول: سمعت يوسف بن عبد
الأحد يقول:
سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال لي الشافعي: يا أبا
موسى، أَنِسْتُ بالفقر حتى صرتُ لا أستوحش منه.
أخبرنا محمد بن الحسين
السلمي قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت قعْنَبَ بن أحمد بن عمرو
بن مُجَاشِع يقول: سمعت محمد بن أحمد ابن وَرْدَان يقول: سمعت الربيع بن سليمان
يقول:
قال عبد الله بن عبد الحكم للشافعي: إن عزمت أن تسكن البلد -
يعني مصر - فليكن لك قوت سنة، ومجلس من السلطان تَتَعَزَّزُ به.
فقال
له الشافعي: يا أبا محمد، من لم تعزَّه التقوى فلا عِزَّ له، ولقد ولدت بغزة،
ورُبِّيت بالحجاز وما عندنا قوت ليلة، وما بتنا جياعاً.
أخبرنا أبو
عبد الرحمن بن أبي الحسن قال: سمعت علي بن سعيد بن عثمان
الثغري [١]
يقول: سمعت عبد السلام بن محمد المخزومي يقول: أخبرني الحسن ابن حبيب قال:
سمعت
الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: ما فزعت من الفقر [٢] قط، ولقد مر بي برهة من
دهري آكل الرَّخْف [٣] وأشرب عليها الماء.
أخبرنا محمد بن عبد الله
الحافظ قال: أخبرني محمد بن يونس [٤] الدقيقي قال: قال محمد بن إسحاق:
سمعت
الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: لا يستوحش أحدكم من الإفلاس؛ فإني قد أفلست ثلاث
مرات ثم أَيْسَرْت.
أخبرنا محمد بن الحسين بن يحيى [قال: سمعت الحسين
بن يحيى [٥]] يقول: سمعت محمد بن أحمد الشافعي يقول: سمعت أبا العباس المروزي [٦]
يقول:
قال الشافعي: طلبُ فُضول الدنيا عقوبةٌ عاقب الله بها أهل
التوحيد.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا أبو بكر: محمد بن
عبد الله بن شاذان الرازي قال:
سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: لو أن
الدنيا عِلْقٌ [٧] يباع في السوق لما اشتريته برغيف؛ لما أعلم فيه من الآفات.
وأخبرنا
أبو عبد الرحمن قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت عبد الرحمن بن
أبي حاتم يقول:
(١) في ح: «المنقري».
(٢) في ا:
«الفقه».
(٣) الرخف: المسترخي من العجين الكثير الماء.
(٤)
في ا: «يوسف».
(٥) ما بين القوسين من ح.
(٦) في ا:
«البروري».
(٧) في ا: «حلق».
سمعت المزني يقول: قلت
للشافعي: مالك بدُّ من إمساك العصا ولست بضعيف؟ قال: لأذكر أنّي مسافر. يعني في
[١] الدنيا.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق،
إجازة، قال: حدثنا محمد بن يوسف الخياط قال: حدثنا الطَّحاوِي قال:
قال
البُوَيْطِي: سمعت الشافعي يقول: أَبْيَنُ ما في الإنسان ضعفُه، فمن شهد الضعف من
نفسه نال الاستقامة مع الله تعالى.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال:
سمعت أبا بكر بن شاذان يقول: سمعت أبا الفضل بن مهاجر يقول:
سمعت
المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: من غلبت عليه شدة الشهوة لحب الدنيا لزمته
العُبُودِيّة لأهلها، ومن رضى بالقُنُوع زال عنه الخُضُوع.
أخبرنا
محمد بن الحسين بن محمد قال: سمعت منصور بن عبد الله الهَروِيّ يقول: سمعت أبا
علي الأستاذ، بالبصرة، يقول: سمعت زكريا بن يحيى السّاجِي يقول:
سمعت
الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: خير الدنيا والآخرة في خمس خصال: غنى
النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، ولباس التقوى، والثقة بالله عز وجل على كل حال
[٢]. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا الزبير بن عبد الواحد بأسداباذ قال:
أخبرني أبو بكر: محمد بن القاسم بن مطر قال:
(١) في ح: «من».
(٢)
المناقب للرازي ١٢٤.
سمعت الربيع بن سليمان يقول: قال لي الشافعي: يا
ربيع، عليك بالزهد فَللزُّهد على الزاهد أحسن من الحلى على المرأة الناهد.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم المقري [١] ببغداد يقول: سمعت
أبا بكر الخلال يقول:
سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول:
أنفع الذخائر التقوى، وأضرها العدوان.
أخبرنا محمد بن أبي الحسين قال:
حدثنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن البستي بهمذان قال: حدثنا أحمد بن محمد بن
يوسف قال: حدثنا محمد بن يوسف الهروي عن أحمد بن مدرك [٢] الرازي قال:
سمعت
حرملة بن يحيى يقول: سمعت الشافعي يقول، وذكر عنده فهم القلب فقال: من أحب أن
يفتح الله له قلبه أو ينوره فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه، وترك الذنوب،
واجتناب المعاصي، ويكون له فيما بينه وبين الله خبيَّةٌ من عمل فإنه إذا فعل ذلك
فتح الله عليه من العلم ما يشغله عن غيره وإن في الموت لأكثرَ الشُّغْل.
وقال
غيره فيه: وإن في الموت وذكره لأكثرَ الشغل.
وأخبرنا محمد بن أبي
الحسن قال: حدثنا عبد الله بن سعيد قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدثنا
محمد بن عبد الله الرازي [٣] قال: ذكر لي عبد الرحمن بن محمد بن مُسَبّح قال:
سمعت أبي يقول:
(١) في ح: «الهدمي».
(٢) في ا: «مردك».
(٣)
في ا: «الرائحي».
قال الشافعي: من أحب أن يفتح الله قلبه ويرزقه
الحكمة فعليه بالخلوة، وقلة الأكل، وترك مخالطة السفهاء، وبغض أهل العلم الذين
ليس معهم إنصاف ولا أدب.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التاريخ قال:
سمعت أبا بكر: محمد بن جعفر المفيد البغدادي يقول: سمعت أبا جعفر الطحاوي
يقول:
سمعت أبا إبراهيم المزني يقول: كان الشافعي رحمه الله ينهانا عن
الكلام في الناس ويقول: المسلمون [١] شهداء الله بعضهم على بعض.
قلت:
وإنما أراد به النهي عن الكلام فيما لا يعنيه وهو الغيبة والبهتان، فأما إذا
احتاج إلى ذكر بعضهم بما فيه عند الاستدعاء [٢] في الشهادات والأخبار فقد [٣] نص
على جواز ذلك وهو منقول في «كتاب المدخل».
أخبرنا محمد بن الحسين
الصوفي قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين قال:
سمعت
الربيع يقول: قال الشافعي: يا ربيع لا تتكلم فيما لا يعنيك؛ فإنك إذا تكلمت
بالكلمة ملكتك ولم تملكها.
قرأت في كتاب محمد بن الحسن بن إبراهيم
العاصمي، حدثني محمد بن عبد الله الرازي قال: أخبرني محمد بن المدائني قال: حدثنا
المزني قال: سمعت الشافعي يقول: ليس أحد إلا له مُحبُّ ومبغض فإذ لابد من ذلك
فليكن المرجع أهل طاعة الله تعالى.
(١) سقطت من ا.
(٢) في
ا، ح: «الاسدكا».
(٣) في ا: «وقد».
وعن الرازي قال: حدثني
أبو الفضل: جعفر بن أحمد الخولاني، عن أسد ابن سعيد بن [١] عفير قال:
حدثنا
الشافعي قال: حدثنا عمي محمد بن علي قال: قال عامر بن عبد الله ابن الزبير: أفضل
الأعمال ثلاثة: ذكر الله عز وجل، ومواساة الأخ في المال، وإنصاف الناس من
نفسك.
وعن الزبير بن عبد الواحد قال: حدثنا أبو نصر [٢]: محمد بن أحمد
الواقفي، حدثنا محمد بن حبيب، سمعت إبراهيم بن محمد الشافعي يقول:
سمعت
الشافعي يقول في معنى غنى النفس:
إذا شئت أن تحيا غنِيًّا فلا تكن ...
على حالة إلا رضيتَ بِدُونها
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو
الوليد، حدثنا إبراهيم بن محمود قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول:
قال
الشافعي: يا أبا موسى، لو جهدت [٣] كل الجهد على أن ترضى الناس كلهم فلا سبيل
إليه، فإذا كان كذلك فأخلص عملك ونيتك لله عز وجل.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي قال: سمعت علي بن سعيد بن عثمان يقول: سمعت عبد السلام بن محمد
يقول: أخبرني الحسن بن حبيب قال:
سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي
يقول: لا يعرف الرياء إلا مخلص.
(١) في ح، هـ: «عن».
(٢)
في ح، هـ: «أبو بكر».
(٣) في ح: «اجتهدت».
أخبرنا محمد بن
الحسين قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله الديباني يقول: سمعت أحمد بن محمد
العسكري، بمصر، يقول:
سمعت الربيع بن سليمان يقول، اعتلّ الشافعي،
رحمه الله، فدخل عليه بعض رؤساء مصر فقال له: يا أبا عبد الله، أي راحة في المرض
إلا كثرة العوّاد؟ فقال: يا أخي، أي راحة في المرض إلا رجاء ثوابه وإنه كفارة
للذنوب؟
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد [١] بن أبي
الحسن، أخبرنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم - أخبرنا أبي أخبرنا أحمد بن أبي
الحواري عن محمد بن قطن.
عن الشافعي قال: دخل سفيان على الفُضَيل
يعوده فقال: يا أبا محمد، وأي نعمة في المرض لولا العوّاد؟ قال سفيان: وأي شيء
تكره في العواد؟ قال: الشكاية.
وبهذا الإسناد عن أحمد بن أبي الحواري
عن محمد بن قطن.
عن الشافعي عن فضيل قال: قال داود عليه السلام: إلهي،
كن لابني سليمان من بعدي كما كنت لي قال: فأوحى الله إليه: يا داود، قل لابنك
سليمان يكون لي كما كنتَ لي حتى أكونَ له كما كنتُ لك.
وأخبرنا أبو
عبد الله، أخبرني أبو أحمد، أخبرنا عبد الرحمن، حدثنا محمد بن خالد بن يزيد
الشيباني، حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال:
(١) في ح: «أحمد».
سمعت
محمد بن قطن يقول عن الشافعي، رضي الله عنه، قال: قال الفضيل ابن عياض: كم ممن
يطوف بهذا البيت وآخر بعيد منه وأعظم أجراً منه [١].
أخبرنا أبو زكريا
[٢] بن أبي إسحاق، حدثنا أبو عبد الله: الزبير بن عبد الواحد، أخبرني أحمد بن علي
المدائني بمصر.
سمعت إسماعيل بن يحيى المزني يقول: سمعت الشافعي يقول:
قيل لأبيّ ابن كعب: يا أبا المنذر، عظني. قال: واخِ الإخوان على قدر تقواهم، ولا
تجعل لسانك بذِلة لمن لا يرغب فيه، ولا تغبط الحيّ إلا بما تَغْبطُ به الميّت.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: وقال أبو علي: الحسين بن أحمد الترفقي [٣] الشافعي،
حدثنا الحسين بن يزداد [٤] البصري عن بعض شيوخه قال:
كان الشافعي في
مجلس سفيان بن عيينة يسمع منه الحديث إذ مر به حديث فيه رقائق فبكى الشافعي حتى
أغمى عليه. قال: فقال الناس: قد مات محمد بن إدريس الشافعي قال: فقال سفيان بن
عيينة: إن كان محمد بن إدريس قد مات فقد مات أفضل أهل [٥] زمانه.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ [(٤ قال: وأخبرني أبو علي: محمد بن علي بن الحسين الحافظ
وأخبرنا أبو عبد الرحمن [٦]] السلمي، أخبرنا أبو علي: محمد بن علي الحافظ،
الإسفراييني، حدثني عمر بن علان بن حمدون النَّهاوَنْدي بهمذان، أخبرني أحمد بن
يِنال [٧] بن بشر.
(١) آداب الشافعي ص ٢٠٧.
(٢) في ح: «أبو
بكر».
(٣) في ا: «البيهقي».
(٤) في ح: «بهرزاد».
(٥)
ليست في اوالخبر في الحلية ٩/ ٩٥.
(٦) ما بين القوسين ليس في ح.
(٧)
في هـ: «مال».
أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: جلسنا يوماً
نتذاكر الزهاد والعباد وما بلغ من فصاحتهم حتى ذكرنا ذا النون [(١ فبينا نحن كذلك
إذ دخل علينا عمر بن نباتة فقال: فيم تشاجرون؟ قلنا: نتذاكر الزهاد والعباد وما
بلغ من فصاحتهم حتى ذكرنا ذا النون ١)] . فقال: والله ما رأيت رجلا قط أفصح ولا
أورع من محمد بن إدريس الشافعي، رحمة الله عليه. ثم قال: خرجت أنا وهو والحارث بن
لبيد لذات يوم إلى الصفا فافتتح الحارث وكان غلاما لصالح المرى فقرأ: {بسم الله
الرحمن الرحيم هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} [٢] الآية،
فرأيت الشافعي قد اضطرب، ثم بكى بكاء شديدا، ثم لم يتمالك أن قال: إلهي، أعوذ بك
من مقال الكاذبين وإعراض الغافلين، إليه، لك خضعت قلوب العارفين، وذلَّت هيبة
المشتاقين، إلهي، هب لي جودك، وجللني بسترك [٣]، واعف عن [٤] توبيخي بكرم [٥]
وجهك يا أرحم الراحمين.
قال: فخرجت إليه وهو بالعراق لأسمع منه فبينا
أنا قاعد على الشط أتهيأ للوضوء إذ مر بي رجل فقال: يا غلام، أحسن وضوءك أحسن
الله إليك قال: فقفوت أثره فالتفت إلي فقال: يا غلام، ألك من حاجة؟ قلت: تعلمني
شيئا لعل الله أن ينفعني به. قال: اعلم أن من صدَق الله نجا، ومن أشفق على دينه
سَلِم من الرَّدَى، ومن زهد في الدنيا قرَّت عيناه بما [٦] يرى من ثواب الله
تعالى غدا. أفلا أزيدك؟ بلى قال: كن في الدنيا زاهدا [٧]، وفي الآخرة راغبا،
واصدق الله في جميع أمورك تنج بها مع الناجين غدا. قال: فسمعت منه هذه
الكلمات.
(١) ما بين الرقمين ساقط من ح.
(٢) سورة
المرسلات: ٣٨.
(٣) في ا: «سترك».
(٤) في ا: «عني».
(٥)
في ا: «بكرم».
(٦) في ا: «فيما».
(٧) في ا: «صادقا».
ورواه
أيضا أبو يعقوب بن يوسف بن أحمد المكي بن الدجيل عن محمد ابن الربيع الجيزي، عن
ابن عبد الحكم، وزاد الخصال الثلاث التي أمر بها وهي في الرواية التي بعد هذه
وزاد في أوله: «إلهي لك خضعت الأصوات».
أخبرنا محمد بن الحسين السلمي
قال: حدثنا علي بن أبي عمر [١] البلخي قال: حدثنا محمد بن أبي أحمد «القحطبي» [٢]
قال: حدثنا عيينة بن عبد العزيز اليماني قال: سمعت عبد الله بن محمد البلوي
قال:
جلسنا ذات يوم نتذاكر الزهاد والعباد والعلماء وما بلغ من زهدهم
وفصاحتهم وعلمهم، فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا عمر بن نباتة فقال: فيماذا
تتحاورون؟ قلنا: نتذاكر الزهاد والعباد والعلماء وما بلغ من فصاحتهم فقال عمر
والله ما رأيت رجلا قط أورع ولا أخشع ولا أفصح ولا أصبح ولا أسمح ولا أعلم ولا
أكرم ولا أجمل ولا أنبل ولا أفضل من محمد بن إدريس الشافعي، خرجت أنا والحارث بن
لبيد إلى الصفا. فذكر هذه الحكاية توافقها في المعنى غير أنه قال: «وولهت بك
فُهوم المشتاقين» وقال: قال البلَوي: فخرجت إلى العراق. والأول لعله أصح وقال: يا
هذا، أسبغ الوضوء؛ يسبغ الله عليك النعم [٣]، ويقيك النقم، وزاد ألا أزيدك؟ قلت:
نعم. فقال: من كان فيه ثلاث خصال فقد أكمل الإيمان: من أمر بالمعروف وائتمر به،
ونهى عن المنكر وانتهى عنه، وحافظ على حدود الله تعالى، أفلا أزيدك؟ قلت: نعم.
قال: كن في الدنيا زاهداً وفي الآخرة راغباً، واصدق الله في جميع المواطن تنج مع
الناجين. قال: ثم مضى. فسألت عنه فقالوا: هذا محمد بن إدريس الشافعي، رحمه
الله.
(١) في ح: «عمرو».
(٢) في ح: «الحفطي».
(٣)
في ح: «بالنعم».
(م ٢ - مناقب الشافعي جـ ٢)
وذكر أبو نعيم
الأصبهاني في كتابه أن الصاحب بن عباد ذكر في تصنيفه في مناقب الشافعي، رحمه
الله، أنه سمع جعفر المتصوف يقول:
سمعت الجنيد يقول: كان الشافعي من
المريدين الناطقين بلسان الحق في الدين، وعظ أخاً له في الله، عز وجل، وخوّفه
بأسه [١] فقال:
يا أخي، إن الدنيا دحض مزلة، ودار مذلة، عُمرانها إلى
الخراب صائر، وساكنها للقبور زائر، شملها على الفرقة موقوف، وغناها إلى الفقر
مصروف، الإكثار فيها إعسار، والإعسار فيها يسار، فافزع إلى الله تعالى، وارض برزق
الله، لا تستسلف [٢] من دار بقائك [٣] في دار فنائك؛ فإن عيشك فَيْءٌ زائل، وجدار
مائل، أكثر [٤] على عملك، وقصر من أملك.
قال: وسمعت جعفر الخُلْدي
الصوفي يقول:
سمعت الجنيد يقول: قيل للشافعي: عظنا وأوجز فأنشد، رضي
الله عنه, وقال:
فإن لم تجد من دُونِ عدنانَ باقياً ... ودونَ معَدٍّ
فلْتَزَعْكَ القبائلُ [٥]
ويروى: «العواذل» قال: فقيل له: زدنا.
فأنشد
تودّ ابنتاي أن أعيش مسلَّماً ... وهل أنا إلا من رَبيعةَ أو
مُضَرْ؟
(١) في ح: «بالله».
(٢) في ا: «تستنكف».
(٣)
في ا: «نقائك».
(٤) في ا: «أكبب».
(٥) البيت للبيد وهو في
ديوانه ص ٢٥٥ وفيه عقب البيت: تزعك: تكفك، قال أبو الحسن الطوسي في شرح ديوان
لبيد: وزعه يزعه بالفتح، ويزعه بالكسر وزعا ووزوعا إذا كفه. وعدنان جده الأعلى؛
لأن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. يقول: لم يبق لك أب حي إلى عدنان فكف عن الطمع
في الحياة. والعواذل هنا: حوادث الدهر وزواجره. وقال الطوسي: العواذل: النساء.
أخبرنا
محمد بن الحسين الصوفي قال: سمعت علي بن محمد بن عمر الفقيه، بالري، يقول: سمعت
عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول:
سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم
يقول: ما رأيت أحداً أقل صبًّا للماء في تمام التطهر من الشافعي، رضي الله
عنه.
قال محمد: لفقهه.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال:
أخبرنا الحسن بن رشيق - إجازة - قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سلامة، ومحمد بن
الربيع بن سليمان قالا:
قال لنا يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي
يقول - حين توفى ابن هرم ورآه مسجي: اللهم بغناك عنه وفقره إليك فارحمه.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا بكر: أحمد بن محمد بن يحيى المتكلم يقول: سمعت
جعفر بن أحمد الساماني يقول:
سمعت عبد الله [١] بن عبد الحكم يقول:
سألت الشافعي عن أرجى حديث [٢] في المؤمنين فقال: حديث أبي موسى: «إذا كان يوم
القيامة يدفع إلى كل مسلم رجل من الكفار فيذهب به إلى النار» [٣].
قلت:
قد روينا حديث أبي مسلم هذا في «كتاب البعث والنشور» وفي كتاب [الجامع] [٤]
وذكرنا ما قيل فيه، وهو حديث صحيح مرجو
(١) في ا: «عبد الرحمن».
(٢)
في ا: «حديثك».
(٣) أخرجه مسلم في كتاب التوبة: باب قبول توبة القاتل
وإن كثر قتله ٤/ ٢١١٩ من حديث أبي موسى مرفوعا بلفظ: «إذا كان يوم القيامة دفع
الله عز وجل إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول: هذا فكاك من النار».
(٤)
سقطت من ا. والحديث في الجامع لوحة ١٢٠ - ب.
استبشر به عمر بن عبد
العزيز كما استبشر به الشافعي، رحمه الله.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ
قال: سمعت أبا عبد الله: الزبير بن عبد الواحد الحافظ يقول: سمعت سعيد بن أحمد بن
زكريا القضاعي يقول:
سمعت إسماعيل بن يحيى المزني [١] يقول: سمعت
الشافعي يقول: مات ابن الحسين بن علي رضوان الله عليهم، فلم يُرَ عليه كآبة،
فعوتب على ذلك فقال: أنا أهل بيت نسأل الله فيعطينا، فإذا أراد ما نكره فيما يحب
رضينا.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الوليد الفقيه
قال: أخبرنا الحسن بن سفيان [٢] عن حرملة قال:
أخبرنا الشافعي قال:
لما بنى هاشم بن عبد الملك الرَّصافَة قال: أحبّ أن أخلو يوما لا يأتيني فيه خبر
غمّ. فما انتصف النهار حتى أتته ريشةُ دمٍ من بعض الثّغور فأوصلت [٣]. قال: ولا
يوماً واحداً.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد:
حسّان بن محمد قال: حدثنا محمد بن المسّيب قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال:
حدثني
الشافعي قال: قال هشام بن عبد الملك: لما مات رَوْح بن زنباع [قيل] لبعض [٤]
الناس: كيف كان روح بن زنباع؟ قال [٥]: قال روح: والله ما أردت باباً من أبواب
الخير إلا تيسّر لي، ولا أردت باباً من أبواب الشر إلا لم يتيسر لي.
(١)
ليست في ا.
(٢) في ح: «رشيق».
(٣) في ح: «فأدخلت».
(٤)
في ح: «ببعض».
(٥) في ا: «ثم قال».
أخبرنا أبو عبد الرحمن
السّلمي قال: سمعت محمد بن أحمد بن [١] عبد الأعلى المغربي قال: حدثنا أحمد بن
عبد الرحمن يروي عن المزني قال:
سمعت الشافعي يقول: قال هشام بن عبد
الملك لرجل: ارفع [إليّ] [٢] حاجتك. فقال: قد رفعتها إلى الجواد الكريم.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حيّان قال: حدثنا أبو
جعفر الأصبهاني قال: سمعت الحسن بن الأشعث يقول: سمعت محمد ابن عبد الله بن عبد
الحكم يقول:
سمعت الشافعي يقول: خرج معاوية بن أبي سفيان حاجًّا فمرَّ
بالأَبَوْاءِ [٣] فاطلع في بئرها الغابة [٤] فأصابته اللَّقْوةَ [٥]، فرجع إلى
موضع، وتعمَّمَ بعمامته، واجتمع إليه الناس فقال: أما بعد، أيها الناس، فإن المرء
في الدنيا بعرض بلاء: إمّا معافى [٦] لِيُعْتَب، وإمّا مبتلًى ليؤْجَر، وإما
معاقب بذنب، فإن ابتليتُ فقد ابتلي الصالحون قَبْلِي، وإني لأرجو أن أكون منهم،
ولئن عُوقبتُ لقد عوقب الخَطَّاءون قبلي، وما أرجو أن أكون منهم، وإن مرض عُضْوٌ
منّي فما أُحصي صحيحي، ولو كان إلى نفسي ما كان لي [٧] على ربي أكثر مما
أعطاني،
(١) في ح: «بن أحمد بن احمد».
(٢) الزيادة من
ح.
(٣) الأبواء: قرية قرب المدينة، بها قبر آمنة بنت وهب أم النبي،
صلى الله عليه وسلم، وإليها كانت أولى غزواته. راجع معجم البلدان ١/ ٩٢ ومعجم ما
استعجم، للبكري ١/ ١٠٢.
(٤) كذا في ا، ح، وفي هـ: «بئر ماء لغابه» وفي
الحلية ٩/ ١٥٤: «في بئرها العادية» وهو الصواب. وفي البصائر والذخائر ١/ ١٨: «في
بئر عاجية» والعادية: القديمة.
(٥) اللقوة: داء يعرض للوجه فيميل إلى
أحد جانبيه، كما في اللسان ٢٠/ ١١٩.
(٦) في ا: «يعاقب».
(٧)
ليست في ح.
أنا اليوم ابن سبعين أو بضع وسبعين سنة، حين [١] كبرت
سنّي، ووهن عظمي ابتليت في حسني [٢] وفيما يبدو مني، ولولا هواي [٣] في يزيد
لأبْصَرْتُ بَصَرِي.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن حَمْدَوَيه
الضّبَي قال: سمعت محمد بن الفضل ابن إسحاق، قال: سمعت جدي يقول:
سمعت
المزني يقول عند فراغه من قراءة المختصر يوم الأربعاء في ربيع الأول سنة تسع [٤]
وخمسين ومائتين قال:
سمعت الشافعي يقول: دخل ابن عمَامَة على عمرو بن
العاص فوجده صائما وأطْعَم أصحابه طعاماً، وقام إلى صلاته فحسّنها وأتقنها، وجاءه
مال فقال: أعطوا فلاناً وفلانا حتى أتى عليه فقال [له] [٥] ابن عمامة: يا أبا عبد
الله، لقد رأيتُ صلاة حسنة، وأطعمتَ إخوانك طعاماً وأنت صائم، أو كما قال، وجاءك
مال لست أولى به من غيرك فقلت: أعطوا فلاناً وفلاناً حتى أتيتَ عليه. فيم ذاك يا
أبا عبد الله؟
فقال: يا ابن عمامة، والله ما هو بالإسلام الذي دخلنا
فيه مَحْضاً، ولا بالشِّرك الذي خرجنا منه مَحْضاً، فلو كانت الدنيا مع الدين
أخذناها وإيّاه، ولو كانت تنحاز عن الباطل لأخذناه وتركناه، فلما رأيتُ ذلك كذلك
خَلْطنا عملاً صالحاً وآخر سيئًا فعسى [٦] الله.
(١) في ح: «حتى».
(٢)
في ح: «في جسمي».
(٣) في ا: «هو أبي في زيد». وفي ح: «هو إلى
يزيد».
(٤) في ح: «سنة أربع».
(٥) الزيادة من ح.
(٦)
في ح: «عسى».
أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن محمد الحافظ قال: حدثني
أبو زُرْعَة الرّازي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين، بمصر، قال: حدثنا ياسين
بن عبد الأحد قال:
سمعت حَرْمَلة بن يحيى التُّجِيبي يحدّث عن أبي عبد
الله الشافعي، عن الوَاقِدِيّ أنّه حدّثه: أنّ ملك الروم أخرج الأسارى في إمارة
عمر بن عبد العزيز، فدخلوا عليه فإذا [هو] [١] قد حطّ عن سرير ملكه وجلس على
الأرض متكئا حزينا يَنْكُتُ الأرضَ بإصبعه فقال له الأسارى: ما حال الملك؟ وما
هذا الذي نرى منه.
فقال: أما علمتم يا معشر الأسارى، مات راهبكم عمر
بن عبد العزيز، وما [٢] الراهب من أهل ملّتنا أعجب بحبسه نفسه بصومعته، ولكن
العجب من عمر بن عبد العزيز أتته الدنيا فجعلها تحت قدمه.
قرأت في
كتاب العاصمي: عن الزبير بن عبد الواحد قال: أخبرني علي ابن محمد قال: حدثني
الربيع قال:
حدثنا الشافعي قال: أبصر عمر بن عبد العزيز غلاماً قد
تقدّم بين يدي أبيه فقال: يا غلام، لا تمشِ بين يدي سيّدك.
أخبرنا أبو
عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن محمد بن عبد الله، ببغداد، يقول: سمعت
إسماعيل بن علي بن إسماعيل يقول: سمعت إسماعيل ابن أحمد الرّفا يقول:
سمعت
ابن عبد الحكم يقول: بلغني أن الشافعي سئل عن رجل أَوْصَى لأعقل
(١)
الزيادة من ح.
(٢) في ح: «ومات الراهب».
أهل بلده، فقال:
يُعْطَى ذلك أزهدهم في الدنيا؛ فإنّه لا عقل لمن أحبّ ما يبغضه الله وهي
الدنيا.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت الزبير بن عبد الواحد
يقول: سمعت سعيد بن أحمد القُضَاعِي يقول:
سمعت المزني يقول: سمعت
الشافعي يقول: قال لي بعض أهل العلم يوما: ليأتيَنَّ على الناس زمانٌ لو تُمْسيِ
[١] الأرضُ مفروشة دنانير مكتوب على كل دينار: لا إله إلا الله، من أخذ هذا
الدينار دخل النار - لأصبحت الأرضُ وما عليها دينار.
(١) في ا: «لو
تم