اسم الكتاب أسباب النصر في القرآن الكريم
المؤلف محمد أحمد محمد عبد الوهاب
إشراف د. حاتم محمد منصور مزروعة
الموضوع: علوم القرأن، علوم التفسير
العام ذي القعدة 1433 هـ / سبتمبر 2012 م
فهرس الموضوعات
- المبحث الثاني (ماهية الدراسة التفسيرية المقارنة)
- تمهيد
- أولاً: تعريف التفسير المقارن باعتباره مركبًا إضافيًا
- ثانيًا: نشأة التفسير المقارن
- ثالثًا: أنواع التفسير المقارن
- رابعًا: أهمية التفسير المقارن وغاياته
-
العودة إلي
القرأن
وتفسيره
المبحث الثاني (ماهية الدراسة التفسيرية المقارنة)
تمهيد
قبل البدء في المقارنة بين الإمامين ابن كثير وأبي السعود، لابد من
توضيح معنى المقارنة، وبيان ما هو التفسير المقارن؟.
وللإجابة عن ذلك
أقول: هذا المصطلح (التفسير المقارن) يتركب من كلمتين:
الأولى: كلمة
(التفسير) ، والثانية: كلمة (المقارن) وسأبدأ بتعريف كل كلمة على حدة لغةً
واصطلاحًا، ثم التعريف بهذا المصطلح كمركب إضافي.
أولاً: التفسير
لغةً: مأخوذ من الفسر، وهو بيان وتفصيل للكتاب، يقال: فسر الشيء يفسره وتفسيره
وفسره: أبانه [١].
قيل: التفسير والتأويل والمعنى واحد، وقوله عز وجل:
(وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) [٢].
الفسر كشف المغطي والتفسير كشف المراد
عن اللفظ المشكل [٣].
وقال أبو حيان [٤]: "ويطلق التفسير أيضًا على
التعرية للانطلاق، قال ثعلب [٥]: فسرت الفرس عربته لينطلق في حضره، وهو راجع
لمعنى الكشف فكأنه كشف ظهره لهذا الذي يريده منه من الجري" [٦].
(١)
أبو عبدالرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، العين، تحقيق: د/ مهدي المخزومي؛ ود/
إبراهيم السامرائي- ط، (دار مكتبة هلال:٧/ ٢٤٧) ، ومحمد بن محمد بن الزبيدي، تاج
العروس من جواهر القاموس، تحقيق: مجموعة من المحققين- ط، (دار الهداية:١٣/ ٣٢٣)
.
(٢) سورة الفرقان، من الآية: ٣٣.
(٣) محمد بن مكرم بن
منظور، لسان العرب، ط ١، (دار صادر، بيروت: ٥/ ٥٥) .
(٤) هو: محمد بن
يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي الأندلسي، ولد سنة أربع وخمسين وستمائة
بإحدى جهات غرناطة، ثم رحل إلى مالقة وتنقل إلى أن أقام بالقاهرة، لازم الشيخ
بهاء الدين بن النحاس، فسمع عليه كثيرًا من كتب الأدب. قال الصفدي: لم أره قط إلا
يسمع أو يشغل أو يكتب أو ينظر في كتاب، وكان ثبتًا فيما ينقله عارفًا باللغة. من
كتبه: البحر المحيط في التفسير، وإتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب. توفي سنة
خمس وأربعين وسبعمائة. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، الحافظ شهاب الدين
أحمد بن علي العسقلاني، تحقيق: محمد بن المعيد خان، ط، (مجلس دائرة المعارف
العثمانية، حيدر آباد، الهند، ١٣٩٢ هـ-١٩٧٢ م، ٦/ ٥٨، ٥٩) ، وخير الدين الزركلي،
الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، ط
٥، (دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٨٠ م، ٧/ ١٥٢) .
(٥) هو: أحمد بن
يحيى بن يزيد الشيباني البغدادي العلامة المحدث شيخ اللغة العربية، سمع محمد بن
سلام الجمحي، ومحمد بن الأعرابي، وحدث عنه: نفطويه، وعلي الأخفش، ولد سنة مائتين،
وابتدأ بالطلب سنة ست عشرة حتى برع في علم الأدب. قال الخطيب: كان ثعلب حجة دينًا
وصالحًا، مشهورًا بالحفظ له تصانيف كثيرة، توفي سنة إحدى وتسعين ومائتين، تذكرة
الحفاظ محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: زكريا عميرات، ط ١، (دار الكتب العلمية
بيروت، لبنان، ١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ م، ٢/ ١٧٤) .
(٦) أبو حيان محمد بن يوسف
الأندلسي، تفسير البحر المحيط، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود؛ الشيخ علي
محمد معوض؛ وشارك في التحقيق د/ زكريا عبد المجيد النوقي؛ د/ أحمد النجولي الجمل،
ط ١، (دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، ١٤٢٢ هـ -٢٠٠١ م، ١/ ١٢١) .
وبهذا
يثبت أن التفسير يستعمل لغةً في الكشف الحسي، وفي الكشف عن المعاني المعقولة، إلا
أن استعماله في الثاني أكثر من استعماله في الأول [١].
أما التفسير في
اصطلاح العلماء، فقد عرفوه بتعاريف كثيرة يمكن إرجاعها إلى واحد منها، فهي وإن
كانت مختلفة من جهة اللفظ، إلا أنها متحدة من جهة المعنى وما تهدف إليه.
فقد
عرفه أبو حيان بأنه: "علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها،
وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات
لذلك" [٢].
وعرفه الإمامالزركشي [٣] بأنه "علم يفهم به كتاب الله
المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه" [٤].
(١)
د/ محمد السيد حسين الذهبي, مرجع سابق ١/ ١٢.
(٢) أبو حيان، مرجع
سابق، ١/ ١٢١.
(٣) هو: محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي بدر الدين
المنهاجي. ولد بعد الأربعين، وسمع من مغلطاي وتخرج به في الحديث، وقرأ على الشيخ
جمال الدين الإسنوي، وتخرج به في الفقه، ثم رحل إلى دمشق وحلب فأخذ عن الأذرعي
وغيره، وأقبل على التصنيف من تصانيفه: البرهان في علوم القرآن، وتخريج أحاديث
الرافعي، مات سنة أربع وتسعين وسبعمائة، طبقات الشافعية، أبوبكر بن أحمد بن قاضي
شهبة، تحقيق: د/ الحافظ عبد العليم خان، ط ١، (عالم الكتب، بيروت، ١٤٠٧ هـ، ٣/
١٦٧، ١٦٨) ، وخير الدين الزركلي، مرجع سابق، ٦/ ٦٠.
(٤) بدر الدين
محمد بن عبد الله الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل
إبراهيم، ط ١، (دار إحياء الكتب العربية، ١٣٧٦ ه - ١٩٥٧ م، ١/ ١٣١) .
وعرف
بعضهم بأنه: "علم يبحث فيه من أحوال القرآن المجيد من حيث دلالته على مراد الله
تعالى، بقدر الطاقة البشرية" [١].
فهذه التعاريف تتفق كلها على أن علم
التفسيرهو: "علم يبحث عن مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية، فهو شامل لكل ما
يتوقف عليه فهم المعنى، وبيان المراد" [٢].
وأما كلمة (المقارن)
فأصلها في اللغة مأخوذ من قرن، وهي تعني الجمع والوصل والمصاحبة، يقال: قرن الشيء
بالشيء وقرينه إليه يقرنه، قرنا شده إليه، وقرن بين الحج والعمرة وقرانا بالكسر
أي: جمع بينهما بنية واحدة، وقرن الحج بالعمرة قرانا أي: وصلها.
وقارن
الشيء الشيء مقارنة وقرانا: اقترن به وصاحبه، واقترن الشيء بغيره وقارنته قرانا
أي: صاحبته، وقرنت الشيء بالشيء وصلته والقرين: المصاحب [٣].
والمقارنة:
مفاعلة من الموازنة، يقال: قارنه مقارنة وقرانا أي: صاحبه واقترن به، وبين القوم
سوى بينهم، وبين الزوجين قرانا: جمع بينهما، والشيء بالشيء، وازنه به، وبين
الشيئين أو الأشياء: وازن بينهما فهو مقارن، ويقال: الأدب المقارن أو التشريع
المقارن [٤].
والمقارنة اصطلاحًا: الموازنة بين شيئين اشتركا في معنىً
من المعاني بقصد إدراك وجه الصواب فيهما أو في أحدهما حقيقة أو معنى [٥].
أولاً: تعريف التفسير المقارن باعتباره مركبًا إضافيًا:
عرف التفسير المقارن بعدة تعريفات منها:
(١) محمد أبو
سلامة، منهج الفرقان، ط، (مطبعة شبرا - ١٩٨٣ م: ٢/ ٦) .
(٢) الذهبي،
مرجع سابق، ١/ ١٣، ١٤.
(٣) الخليل بن أحمد الفراهيدى، العين، ٥/ ١٤١،
وابن منظور، مرجع سابق، ١٣/ ٣٣١.
(٤) إبراهيم مصطفى، وأحمد الزيات،
وأسد عبد القادر، ومحمد النجار، المعجم الوسيط، تحقيق/ مجمع اللغة العربية، ط،
(دار الدعوة، ٢/ ٧٣٠) .
(٥) د/ محمد رجب الشيتوي، النصرانية دراسة
مقارنة، ط، (القاهرة، دار للطباعة المحمدية، ١٤١٠ هـ- ١٩٨٩ م، ص ٩٠) .
١
- عرفه الدكتور أحمد الكومي بأنه: "بيان الآيات القرآنية على ما كتبه جمع من
المفسرين بموازنة آرائهم، والمقارنة بين مختلف اتجاهاتهم والبحث عما عساه يكون من
التوفيق بين ما ظاهره مختلف من آيات القرآن والأحاديث، وما يكون من ذلك مؤتلفًا
أو مختلفًا من الكتب السماوية الأخرى" [١].
٢ - وعرفه الدكتور مصطفى
المشنى بأنه: "التفسير الذي يُعنى بالموازنة بين آراء المفسرين وأقوالهم في معاني
الآيات القرآنية وموضوعاتها ودلالتها، والمقارنة بين المفسرين في ضوء تباين
ثقافاتهم وفنونهم ومعارفهم، واختلاف مناهجهم، وتعدد اتجاهاتهم، وطرائقهم في
التفسير، ومناقشة ذلك ضمن منهجية علمية موضوعية، ثم اعتماد الرأي الراجح استنادًا
إلى الأدلة المعتبرة في الترجيح" [٢].
وعرفه أيضًا بتعريف آخر، حيث
قال: "هو الموازنة بين آراء المفسرين في بيان الآيات القرآنية، والمقارنة بين
مناهجهم، ومناقشة ذلك وفق منهجية علمية موضوعية" [٣].
٣ - وعرفه
الدكتور محمد فضل أبو جبل بأنه: "موازنة الباحث بين تفسيرين أو أكثر، فيقارن
بينهما مظهرا ما اتفقوا عليه (الموافقات) ، وما اختلفوا فيه (المخالفات) ، وما
تفرد به أحدهم على الآخر (التفردات) ، بنظرة منهجية نقدية تعني بالتحقيق والتدقيق
والحكم بالقبول أو بالرد تبعًا لقواعد علوم القرآن وأصول التفسير" [٤].
ثانيًا: نشأة التفسير المقارن:
إن المتتبع للتفسير ومراحله يجد أن التفسير المقارن من حيث
الاستعمال قد لازم نشأة التفسير وبداياته، وإن لم يكن موجودًا بالحد الاصطلاحي
الذي عرف حديثًا،
(١) د/ أحمد الكومي، التفسير الموضوعي لآيات القرآن
الكريم، ص ١٧.
(٢) د/ مصطفى إبراهيم المشنى، التفسير المقارن دراسة
تأصيلية، طبع مع مجلة الشريعة والقانون العدد السادس والعشرون، ربيع الأول ١٤٢٧
هـ- ٢٠٠٦ م، ١٤٨.
(٣) د/ مصطفى إبراهيم المشنى، مرجع سابق، ص ١٤٨.
(٤)
د/ محمد فضل أبو جبل، تفردات الإمام أبي السعود في إرشاده عن الزمخشري في كشافه
والنسفي في مدراكه والبيضاوي في أنواره دراسة تطبيقية على تفسيرهم، رسالة
دكتوراه، جامعة الأزهر، كلية أصول الدين، القاهرة، ١٤٢٥ هـ، ص ١٩.
ضرورة
أن أفهام المفسرين من الصحابة، ومن جاء بعدهم من التابعين وتفاوت مداركهم، وتعدد
مصادر التفسير وطرقه النقلية والعقلية، كل ذلك أدى إلى التباين والاختلاف في
الآراء، وهذا بدوره اقتضى عرض الأقوال والنظر في أدلتها، ومناقشتها ثم الترجيح
استنادًا إلى الدليل، حتى إن هذه المقارنة تعدت ألفاظ الآيات، وموضوعاتها إلى
المفسرين أنفسهم من حيث قدراتهم وتفاوت مراتبهم في التفسير، قال الإمام ابن عطية
[١] مقارنًا بين الصحابة: (فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب -رضي
الله عنه-، ويتلوه عبد الله بن العباس -رضي الله عنهما- وهو تجرد للأمر وكمله
وتتبعه العلماء عليه كمجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما، والمحفوظ عنه في ذلك أكثر من
المحفوظ عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، قال ابن عباس: ما أخذت من تفسير
القرآن فعن علي بن أبي طالب وكان علي بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عباس ويحث
على الأخذ عنه، وكان عبدالله بن مسعود يقول: نعم ترجمان القرآن عبدالله بن عباس،
وهو الذي يقول فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم فقهه في الدين وعلمه
التأويل» وحسبك بهذه الدعوة) .
وقال عنه علي بن أبي طالب: "ابن عباس
كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق، ويتلوه عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن
ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص" [٢].
ثالثًا: أنواع التفسير المقارن:
لقد اتجه بعض العلماء حديثًا إلى الدراسات المقارنة، ودراسة
المفسرين القدامى والمحدثين، ليقدموا صورًا توضيحية ونقدية لمفسر بعينه، والمنهج
الذي اتبعه في تفسيره، ثم المقارنة بينه وبين غيره من المناهج، أو المقارنة بين
تفسيرين أو أكثر في
(١) هو: أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبدالرحمن
بن عطية المحاربي، من أهل غرناطة، ولد سنة ثمانين وأربعمائة، حدث عن أبيه وكان
واسع المعرفة، فقيهًا عارفًا بالأحكام والحديث والتفسير، بارعا في الأدب، وولي
قضاء المرية، من تصانيفه: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، توفي سنة اثنتين
وأربعين وخمسمائة، وخير الدين الزركلي، مرجع سابق، ٣/ ٢٨٢.
(٢) أبو
محمد عبد الحق بن غالب الأندلسي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقق:
عبد السلام عبد الشافي محمد، ط ١، (دار الكتب العلمية، لبنان، ١٤١٣ هـ - ١٩٩٣
م،١/ ٣٩، ٤٠) .
المنهج الذي تبعه هؤلاء المفسرون، كل هذا بأسلوب يؤدي
إلى الغرض الذي يريده المقارن وقد يتوسع المقارن فيذكر النقد والمقارنة، مع
الإيضاح والبيان والشرح والتحليل، ثم يدلل على كلامه هذا ببعض الأمثلة والنماذج
التي تؤيد رأيه الذي قاله من خلال دراسته المقارنة [١].
وبذلك يمكن
حصر المقارنة في ثلاثة أنواع:
١ - النوع الأول: المقارنة المنهجية:
وهي
التي يعقد فيها الباحث مقارنة بين مفسرين أو أكثر من خلال المنهج الذي اتبعه كل
واحد من هؤلاء المفسرين في تفسيره، سواء أذكر ذلك في مقارنة عامة، فيتبع المنهج،
حتى تستوعب المقارنة كل نواحي منهج المفسر الذي يقارن بينه وبين غيره، أم كانت
المقارنة في ناحية بعينها، كأن يقارن بين مفسرين أو أكثر في التفسير بالمأثور أو
الرأي من حيث اللغة والبلاغة أو الفقه، أو علم الكلام، أو الصحة أو الضعف ... إلخ
تلك الأمور التي لا يخلو تفسير منها، أو يقارن بينهم في كل ذلك [٢].
ومثال
ذلك:
عقد الإمام ابن تيمية في مقدمته مقارنة بين تفسير الثعلبي،
وتفسير الواحدي، وتفسير الزمخشري من ناحية نقل الأحاديث الموضوعة، ثم حكم على كل
مفسر من خلال تعرضه لهذه المسألة، فقال: "وفي التفسير من هذه الموضوعات قطعة
كبيرة، مثل الحديث الذي يرويه الثعلبي والواحدي والزمخشري في فضائل سور القرآن
سورة سورة، فإنه موضوع باتفاق أهل العلم" .
والثعلبي هو في نفسه كان
فيه خير ودين، وكان حاطب الليل، ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف
وموضوع.
والواحدي صاحبه كان أبصر منه بالعربية، لكن هو أبعد عن
السلامة واتباع السلف.
(١) أ. د / علي حسن رضوان، بغية الدارسين في
مناهج المفسرين، ص ١٩.
(٢) (المرجع السابق) ، ص ١٩.
والبغوي
تفسيره مختصر من الثعلبي، لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة
[١].
ثم واكب التفسير المقارن مرحلة التدوين في التفسير والمفسرين -مع
أنه تميز بطابع العموم- يقول ابن تيمية [٢]:
"وأما التفاسير التي في
أيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري [٣]، فإنه يذكر مقارنات السلف
بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير والكلبي"
.
والتفاسير المأثورة بالأسانيد كثيرة، كتفسير عبد الرزاق، وعبد بن
حميد، ووكيع بن أبي قتيبة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه [٤].
٢ -
النوع الثاني: المقارنة التحليلية:
وهي أن يذكر الآية من القرآن
الكريم، ثم يجمع ما قاله فيها مفسران أو أكثر، ثم يقارن بين هذه الأقوال ويناقشها
ويعلق عليها ويرجح قولًا على آخر بما عنده من
(١) أبو العباس أحمد بن
عبد الحليم بن تيمية، مقدمة في أصول التفسير، ط، (دار مكتبة الحياة، بيروت،
لبنان، ١٤٩٠ هـ-١٩٨٠ م، ١/ ٣١) .
(٢) هو: أحمد بن عبد الحليم بن عبد
السلام بن عبد الله بن تيمية تقي الدين الحراني، ولد بحران سنة إحدى وسنتين
وستمائة، وسمع الحديث من ابن عبد الدايم وابن عساكر، وقرأ واشتغل وبرع في علوم
الحديث والتفسير وانتهت إليه الرئاسة في مذهب أحمد بن حنبل رضي الله عنه كما تصدر
للإقراء والإفادة عدة سنين، من تصانيفه: الفتاوى، وكتاب الإيمان. توفي سنة ثمان
وعشرين وسبعمائة، العبر في خبر من غبر أبو عبدالله محمد بن عثمان الذهبي، تحقيق:
أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، ط، (دار الكتب العلمية، بيروت: ٤/ ٨٤) ،
والمنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي، يوسف بن تغربردي، تحقيق: د. محمد محمد
أمين، ط، (الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١/ ٣٥٨: ٣٦٢) .
(٣) هو: محمد
بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري الإمام ابو جعفر رأس المفسرين جمعت من
العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظا لكتاب الله، بصيرا بالمعاني
فقيها في أحكام القرآن ولد سنة أربع وعشرين ومائتين وسمع من أحمد بن منيع وأبي
كريب، وروى عنه: الطبراني، قال ابن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن
جرير، له تصانيف عظيمة منها: تفسير القرآن، وتاريخ الأمم، توفي سنة عشر
وثلاثمائة، طبقات المفسرين، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: علي محمد عمر،
ط ١، (مكتبة وهبة، القاهرة، ١٣٩٦ هـ، ١/ ٨٢) .
(٤) تقي الدين أحمد بن
عبد الحليم بن تيمية، الفتاوى الكبرى، ط ١، (دار الكتب العلمية، ١٤٠٨ هـ - ١٩٨٧
م، ٥/ ٨٤) .
القرآن، أو يجمع الأقوال، ثم يرجح ما يراه أقواها من غير
تعليق ولا مناقشة، وأحيانا يذكر الأقوال ثم لا يرجح، لكنه يأتي برأي جديد
فيها.
ومثال ذلك:
ما جاء في تفسير القرطبي عند قوله تعالى:
(وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) [١] حيث قال: (وَنُقَدِّسُ
لَكَ) أي نعظمك ونمجدك ونطهر ذكرك عما لا يليق بك مما نسبك إليه الملحدون، قاله
مجاهد وأبو صالح وغيرهما. وقال الضحاك وغيره: المعنى: نطهر أنفسنا لك ابتغاء
مرضاتك.
وقال قوم منهم قتادة: (وَنُقَدِّسُ لَكَ) معناه: نصلي.
والتقديس: الصلاة.
قال ابن عطية: وهذا ضعيف [٢].
قلتُ: بل
معناه صحيح، فإن الصلاة تشتمل على التعظيم والتقديس والتسبيح وكان رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يقول في ركوعه وسجوده: "سبوحٌ قدوسٌ رب الملائكة والروح" [٣].
وبناء
(قدَّس) كيفما ترف فإن معناه التطهير، ومنه قوله تعالى: (ادْخُلُوا الْأَرْضَ
الْمُقَدَّسَةَ) [٤] أي المطهرة، وقال: (الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ) [٥].
يعني:
الطاهر، ومثله (بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) [٦]، وبيت المقدس سمي به لأنه
المكان الذي يتقدس فيه من الذنوب أي يتطهر .... فالصلاة طهرة للعبد من الذنب،
والمصلي يدخلها على أكل الأحوال لكونها أفضل الأعمال والله أعلى وأعلم [٧].
(١)
سورة البقرة، الآية: ٣٠.
(٢) أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي،
الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: هشام سمير النجاري، ط، (دار عالم الكتب، المملكة
العربية السعودية، الرياض، ١٤٢٣ هـ- ٢٠٠٣ م، ١/ ٢٧٧) .
(٣) صحيح مسلم،
كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، ٢/ ٥١/ ١١١٩.
(٤) سورة
المائدة، الآية: ٢١.
(٥) سورة الحشر، الآية: ٢٣.
(٦) سورة
طه، من الآية: ١٢١.
(٧) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، ١/
٢٧٧.
فقد ذكر الإمام القرطبي في معنى قوله: "(وَنُقَدِّسُ لَكَ) قول
مجاهد وأبي صالح ثم ذكر قول الضحاك، ومن قوله بقوله، ثم ذكر قول قتادة ورد على
الإمام ابن عطية حين ضعفه، وبيَّن أن قول قتادة صحيح، واستدل على ذلك بكلام وجيه
يؤيد ما ذهب إليه قتادة، ويرد تضعيف ابن عطية له" [١].
٣ - النوع
الثالث: المقارنة الموضوعية:
وتتميز المقارنة الموضوعية بالجمع بين
النوعين السابقين (المقارنة المنهجية والتحليلية) ، لأنها لا تتم إلا بهما، لأن
المقارن إذا ما أراد أن يقارن بين مفسرين أو أكثر في موضوع معين، فإنه لابد وأن
يذكر منهج المفسر في تناوله لهذا الموضوع، ثم يوضح كلامه، فيذكر أمثلة من تفسيره،
ويقارن بينها وبين ما قاله غيره فيها.
والمقارن يتصرف في مقارنته
الموضوعية للموضوعات المختلفة التي يشتمل عليها التفسير ثم يبين كيفية تناولها
لدى كل مفسر من المفسرين الذين يقارن بينهم بتفصيل وتوضيح، ونقد وتحليل، مبينًا
مدى قدرة كل مفسر على تناول الموضوع الذي هو مجال مقارنة.
ومثال ذلك:
"من يقارن بين مفسرين أو أكثر في تناولهما أو نقلهما للتفسير بالمأثور وغيره، ومن
يقارن بين المفسرين في نواحي الإعجاز والبلاغة، ومن يقارن بين مفسرين أو أكثر في
اهتمامهما أو اهتمامهم بمسائل اللغة من نحو وصرف .... إلى آخر تلك العلوم التي
يتناولها المفسرون أثناء تعرضهم لكتاب الله جل في علاه" [٢].
رابعًا:
أهمية التفسير المقارن وغاياته:
للتفسير المقارن غايات كثيرة تعود
أهميتها على التفسير والمفسرين والباحثين في هذا اللون من التفسير، يمكن إجمالها
فيما يلي:
١ - إيجاد ملكة التفسير المتحصلة من جملة العلوم المختلفة
والمعارف المتنوعة من لغة ومأثور ونحو وبلاغة، وغير ذلك من الثقافات ذات الصلة،
واستثمار ذلك بحكمة
(١) (المرجع السابق) ، ١/ ٢٧٧.
(٢) أ.
د / علي حسن رضوان، مرجع سابق، ٢٥: بتصرف يسير.
وعناية بغية الوصول
إلى مراد الله تعالى، والوقوف على كنوز القرآن، واستخراج معانيه وأحكامه
وحكمه.
٢ - تنقية التفسير من ضعيف الروايات وموضوعها، والإسرائيليات
والآراء الفاسدة، والاتجاهات المنحرفة التي تعارض صحيح المنقول والمعقول.
٣
- تكوين ملكة الموازنة والمقارنة القائمة على القواعد العلمية الصحيحة الموصلة
إلى معرفة أسباب الخلاف عند المفسرين، ومناحيهم في القول، والوقوف على مناهجهم،
واتجاهاتهم العقدية والعلمية، والمؤثرات في تحصيل معارفهم وفنونهم التي برعوا
فيها وتقدموا، وما التفاسير اللغوية والنحوية والعقدية والبلاغية إلا ثمرة لتلك
الفنون والمعارف.
٤ - يعمل التفسير المقارن على تنمية القوى الفكرية
والعقلية لدى الباحثين في التفسير، وتزويدها بفنون العلم والمعرفة، وقواعد المنطق
الصحيح، وفنون المحاورة وأساليب الحجاج، لتكون لديه القدرة على الموازنة
الموضوعية الهادفة، والوصول إلى النتائج الصحيحة، ثم القدرة على الدفاع عن قضايا
التفسير وموضوعاته عند المقارنة بين المفسرين، والمقارنة بين القرآن الكريم وغيره
من الكتب.
٥ - بيان أوجه التماثل والتمايز بين المفسرين المنبئة عن
قوة الفكر، ودقة النظر في حسن معالجة قضايا التفسير وموضوعاته ومناهجه واتجاهاته،
والقدرة على مخاطبة العقول والنفوس، وتلبية احتياجاتها من توجيهات هذا القرآن،
والأخذ بالراجح والتوصية بوجوب اتباعه، وطرح الضعيف مع التوصية باجتنابه.
٦
- إثراء علوم التفسير والمعارف المتصلة به، وإبراز أهميتها من خلال البحث العلمي
الهادف والتأليف والتصنيف، ومن ثم إغناء المكتبة القرآنية بهذا اللون من التفسير
الذي يهدف إلى تفوق القرآن الكريم وتميز موضوعاته، ومن ثم إبراز قيمة المفسرين
العلمية، وتفوقهم في فنونهم وتمايزهم [١].
(١) د/ مصطفى إبراهيم
المشنى، مرجع سابق، ١٨٩: ١٩١ بتصرف يسير.