الكتاب: فصول في أصول التفسير
المؤلف: د مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
تقديم: د. محمد بن صالح الفوزان
الناشر: دار ابن الجوزي
الطبعة: الثانية، ١٤٢٣هـ
عدد الصفحات: ١٧٦
الكتاب إهداء من مؤلفه - جزاه الله خيرا - للمكتبة الشاملة
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صفحة المؤلف: [مساعد الطيار]
المؤلف: د مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
تقديم: د. محمد بن صالح الفوزان
الناشر: دار ابن الجوزي
الطبعة: الثانية، ١٤٢٣هـ
عدد الصفحات: ١٧٦
الكتاب إهداء من مؤلفه - جزاه الله خيرا - للمكتبة الشاملة
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صفحة المؤلف: [مساعد الطيار]
فهرس الموضوعات
- طرق التفسير
- أولا: تفسير القرآن بالقرآن
- ١ ـ بيان المجمل
- ٢ ـ تقييد المطلق
- ٣ ـ تخصيص العام
- ٤ ـ تفسير المفهوم من آية بآية أخرى
- ٥ ـ تفسير لفظة بلفظة
- ٦ ـ تفسير معنى بمعنى
- ٧ ـ تفسير أسلوب قرآني في آية بآية أخرى
- ثانيا: تفسير القرآن بالسنة النبوية
- ١ ـ أن ينص على تفسير آية أو لفظة
- ٢ ـ أن يشكل على الصحابة فهم آية فيفسرها لهم
- ٣ ـ أن يذكر في كلامه ما يصلح أن يكون تفسيرا للآية
- ٤ ـ أن يتأول القرآن
- ثالثا: تفسير القرآن بأقوال الصحابة
- أسباب الرجوع إلى تفسيرهم
- مصادرهم في التفسير
- حكم تفسير الصحابي
- رابعا: تفسير القرآن بأقوال التابعين
- أسباب الرجوع إلى تفسيرهم
- مصادرهم في التفسير
- ١ ـ القرآن الكريم
- ٢ ـ السنة النبوية
- ٣ ـ أقوال الصحابة
- ٤ ـ اللغة العربية
- ٥ ـ أهل الكتاب
- ٦ ـ الفهم والاجتهاد
- حكم تفسير التابعي
- تنبيهات حول تفسير الصحابة والتابعين
- خامسا: تفسير القرآن باللغة
- سبب الرجوع إلى التفسير باللغة
- ضوابط التفسير باللغة
- إذا احتمل أكثر من معنى صحيح
- إذا لم يحتمل إلا أحد المعاني، فهناك ضوابط
- ١ ـ أن تكون اللفظة المفسرة صحيحة في اللغة
- ٢ ـ أن يفسر القرآن بالأغلب من لغة العرب
- ٣ ـ أن يراعى السياق
- ٤ ـ أن تعرف ملابسات النزول وقصص الآية
- ٥ ـ تقديم المعنى الشرعي على اللغوي عند التعارض
- تنبيهات حول تفسير القرآن باللغة
- سادسا: تفسير القرآن بالاجتهاد والرأي
-
العودة إلي كتاب فصول في أصول التفسير
طرق التفسير
للتفسير ستة طرق (١)، والذي يذكر منها غالبًا أربعة، وإليك بيان هذه الطرق، ثم شرحها بإيجاز:
١ - تفسير القرآن بالقرآن.
٢ - تفسير القرآن بالسنة.
٣ - تفسير القرآن بأقوال الصحابة.
٤ - تفسير القرآن بأقوال التابعين.
٥ - تفسير القرآن باللغة.
٦ - تفسير القرآن بالرأي والاجتهاد (٢).
أولًا: تفسير القرآن بالقرآن
تفسير القرآن بالقرآن (٣) أبلغ التفاسير، وذلك لأن كل قائل أعلم بقوله من غيره، ولا يلزم من ذلك أن كل من قال: إن هذه الآية تفسير لهذه الآية
(١) فصّلت هذه الطرق في شرحي لمقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية (ص٢٦٩ - ٢٩٩).
(٢) في مدارسة بيني وبين الشيخ سامي جاد الله لهذا الكتاب؛ وقَّفني على إشكال في هذا الموضوع، وهو: هل الرأي أداة تُستخدم بها هذه الطرق أو غيرها من الطرق غير المعتبرة، أو هو مصدر وطريق من طرق التفسير؟ وهذا محلُّ بحثٍ.
(٣) أضفت إلى مبحث تفسير القرآن بالقرآن إضافات متعددة من خلال إلقاء هذا الموضوع في لقاءات كثيرة في أصول التفسير، ومما كتبته في هذا ما في كتابي: «مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير» (ص١٢٧ - ١٣٧)، وقد كتب فيه عدد من الباحثين أيضًا، ويمكن مراجعة موقع ملتقى أهل التفسير، ففيه عدد من الأبحاث.
٣٦
صحةُ ذلك وقَبوله؛ لأن هذا تفسير مبني على اجتهاد المفسر ورأيه، وقد لا يكون صحيحًا (١).
وقد فسَّر الرسول ﷺ القرآن بالقرآن؛ كما في حديث ابن مسعود في الصحيحين: لما نزلت آية: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢]، فسَّرها الرسول ﷺ بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣].
وقد اعتنى بهذا الطريق من السلف المفسر عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد ظهر هذا واضحًا من خلال المرويات عنه في تفسير الطبري (٢).
وقد كان لابن كثير عناية بهذا الطريق في تفسيره.
وممَّن ألف في هذا الطريق الأمير الصنعاني (محمد بن إسماعيل) (ت:١١٨١هـ). [٢٢]
وعنوان كتابه: «مفاتيح [مفتاح] الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن» (٣).
وأفضل مؤلَّف موجود الآن في هذا النوع كتاب الإمام الشنقيطي (ت:١٣٩٣هـ) الذي أسماه «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن»، وقد قدم له بمقدمة مهمة في أنواع بيان القرآن للقرآن، وتوسع فيها كثيرًا.
أنواع تفسير القرآن بالقرآن:
ينطوي تحت تفسير القرآن بالقرآن أنواع عدة، وقد سبق أن أشرت إلى
(١) انظر: (ص٥٢) من هذا البحث.
(٢) يضاف كذلك مقاتل بن سليمان، فله عناية به، خصوصًا «جمع النظائر».
(٣) هذا الكتاب مخطوط في الجامع الكبير بصنعاء، وقد حققه في رسالة ماجستير عبد الله بن سوقان الزهراني في الجامعة الإسلامية، وقد ظهر أيضًا «تفسير القرآن، بكلام الرحمن» لثناء الله الهندي (ت٣٦٨هـ) عن دار السلام للنشر، ١٤٢٣هـ.
٣٧
أنَّ في كتاب «أضواء البيان» بيانًا لكثير من تفسير القرآن بالقرآن، ومن هذه الأنواع على سبيل المثال (١):
١ - بيان المجمل.
(١) بعد أن تحرر لي مصطلح التفسير على ما بينته في كتابي «التفسير اللغوي»، وهو أن التفسير: «بيان معاني القرآن»، وما كان وراء المعاني فهو من علوم الآية الأخرى غير التفسير، ظهر لي أن بعض هذه الأنواع لا تدخل تحت هذا المصطلح، وذلك لأسباب، منها: أن تكون من باب الاستطراد بالاستدلال على الاستنباط؛ كتفسير المفهوم من آية بآية أخرى، فالمفهوم من الآية هو باب الاستنباط، والاستدلال عليه استطراد في المسألة، وهذا كله من علوم الآية الأخرى غير التفسير.
ومنها أن تكون الآية بيِّنة المعنى، لكن ما يحتاج إلى بيان يرتبط بالحكم، وليس ببيان المعنى، ومثل الآية المستشهد عليها في بيان المجمل، فقوله تعالى: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] يبين حكمه قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ [المائدة: ٣]، فالمعنى فيها واضح، لكن الحكم هو الذي فيه إجمال في الآية الأولى فبيَّنته الآية الأخرى.
وهذا التحليل قد يكون مشكلًا على بعضهم في كونه ليس من التفسير، لكن لا يعني قولي هذا أننا لا نحتاج إلى هذا البيان، وإنما المراد ترتيب علوم الآية، فالتفسير قد تمَّ ببيان المعنى، ثمَّ يليه بيان الحكم المترتب على هذا المعنى.
أما إذا كان بيان الحكم لا يمكن إلا ببيان المعنى، فإن بيان الحكم آنئذٍ من التفسير، فتفسير ﴿المُنْخَنِقَة﴾ هو بيان معنى وبيان حكم في آنٍ واحدٍ؛ لأن المعنى لا يتبيَّن إلا بمعرفة المراد بهذا اللفظ، والحكم مترتب على هذا أيضًا.
لذا يمكن أن نقول: إن بيان أحكام القرآن على قسمين:
الأول: قسم لا ينفك عن التفسير، فهو تفسير وبيان حكم في آن واحدٍ.
الثاني: قسم يأتي بعد التفسير؛ أي أن بيان المعنى مستقل عن بيان الحكم الفقهي، فمعرفة المعنى أولًا، ثمَّ بيان الحكم الفقهي ثانيًا.
ولعله يتبين أكثر فيما إذا نظرنا إلى بيان المعاني هل ينقص أو يشكل بعدم معرفة الحكم الفقهي أم لا، فإذا كان ينقص، فالحكم الفقهي هو من باب التفسير ومن باب بيان الحكم أيضًا، وإن كان المعنى لا ينقص بعدم تفصيل الحكم، فإن المعنى قد انتهى، والحكم يكون تابعًا له ومرتّبًا عليه، وليس أصلًا فيه.
والمقصود أن من جعل بيان المعنى هو التفسير، فإنه سيظهر له عدم دخول بعض هذه الأنواع في التفسير (٤، ٧ مما سيأتي)، وإنما ستكون من المعلومات التي تأتي بعد، وتُبنى عليه، والله أعلم وأحكم.
٣٨
٢ - تقييد المطلق.
٣ - تخصيص العام.
٤ - تفسير المفهوم من آية بآية أخرى (١).
٥ - تفسير لفظة بلفظة.
٦ - تفسير معنى بمعنى.
٧ - تفسير أسلوب في آية بأسلوب في آية أخرى (٢).
وستجد غيرها من الأنواع التي ذكرها الإمام الشنقيطي في مقدمة كتابه.
ولو استقريت كتب التفسير التي تُعْنَى بتفسير القرآن بالقرآن لظهرت أنواع أخرى في هذا الطريق.
أمثلة للأنواع السابقة:
للتفسير ستة طرق (١)، والذي يذكر منها غالبًا أربعة، وإليك بيان هذه الطرق، ثم شرحها بإيجاز:
١ - تفسير القرآن بالقرآن.
٢ - تفسير القرآن بالسنة.
٣ - تفسير القرآن بأقوال الصحابة.
٤ - تفسير القرآن بأقوال التابعين.
٥ - تفسير القرآن باللغة.
٦ - تفسير القرآن بالرأي والاجتهاد (٢).
أولًا: تفسير القرآن بالقرآن
تفسير القرآن بالقرآن (٣) أبلغ التفاسير، وذلك لأن كل قائل أعلم بقوله من غيره، ولا يلزم من ذلك أن كل من قال: إن هذه الآية تفسير لهذه الآية
(١) فصّلت هذه الطرق في شرحي لمقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية (ص٢٦٩ - ٢٩٩).
(٢) في مدارسة بيني وبين الشيخ سامي جاد الله لهذا الكتاب؛ وقَّفني على إشكال في هذا الموضوع، وهو: هل الرأي أداة تُستخدم بها هذه الطرق أو غيرها من الطرق غير المعتبرة، أو هو مصدر وطريق من طرق التفسير؟ وهذا محلُّ بحثٍ.
(٣) أضفت إلى مبحث تفسير القرآن بالقرآن إضافات متعددة من خلال إلقاء هذا الموضوع في لقاءات كثيرة في أصول التفسير، ومما كتبته في هذا ما في كتابي: «مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير» (ص١٢٧ - ١٣٧)، وقد كتب فيه عدد من الباحثين أيضًا، ويمكن مراجعة موقع ملتقى أهل التفسير، ففيه عدد من الأبحاث.
٣٦
صحةُ ذلك وقَبوله؛ لأن هذا تفسير مبني على اجتهاد المفسر ورأيه، وقد لا يكون صحيحًا (١).
وقد فسَّر الرسول ﷺ القرآن بالقرآن؛ كما في حديث ابن مسعود في الصحيحين: لما نزلت آية: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢]، فسَّرها الرسول ﷺ بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣].
وقد اعتنى بهذا الطريق من السلف المفسر عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد ظهر هذا واضحًا من خلال المرويات عنه في تفسير الطبري (٢).
وقد كان لابن كثير عناية بهذا الطريق في تفسيره.
وممَّن ألف في هذا الطريق الأمير الصنعاني (محمد بن إسماعيل) (ت:١١٨١هـ). [٢٢]
وعنوان كتابه: «مفاتيح [مفتاح] الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن» (٣).
وأفضل مؤلَّف موجود الآن في هذا النوع كتاب الإمام الشنقيطي (ت:١٣٩٣هـ) الذي أسماه «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن»، وقد قدم له بمقدمة مهمة في أنواع بيان القرآن للقرآن، وتوسع فيها كثيرًا.
أنواع تفسير القرآن بالقرآن:
ينطوي تحت تفسير القرآن بالقرآن أنواع عدة، وقد سبق أن أشرت إلى
(١) انظر: (ص٥٢) من هذا البحث.
(٢) يضاف كذلك مقاتل بن سليمان، فله عناية به، خصوصًا «جمع النظائر».
(٣) هذا الكتاب مخطوط في الجامع الكبير بصنعاء، وقد حققه في رسالة ماجستير عبد الله بن سوقان الزهراني في الجامعة الإسلامية، وقد ظهر أيضًا «تفسير القرآن، بكلام الرحمن» لثناء الله الهندي (ت٣٦٨هـ) عن دار السلام للنشر، ١٤٢٣هـ.
٣٧
أنَّ في كتاب «أضواء البيان» بيانًا لكثير من تفسير القرآن بالقرآن، ومن هذه الأنواع على سبيل المثال (١):
١ - بيان المجمل.
(١) بعد أن تحرر لي مصطلح التفسير على ما بينته في كتابي «التفسير اللغوي»، وهو أن التفسير: «بيان معاني القرآن»، وما كان وراء المعاني فهو من علوم الآية الأخرى غير التفسير، ظهر لي أن بعض هذه الأنواع لا تدخل تحت هذا المصطلح، وذلك لأسباب، منها: أن تكون من باب الاستطراد بالاستدلال على الاستنباط؛ كتفسير المفهوم من آية بآية أخرى، فالمفهوم من الآية هو باب الاستنباط، والاستدلال عليه استطراد في المسألة، وهذا كله من علوم الآية الأخرى غير التفسير.
ومنها أن تكون الآية بيِّنة المعنى، لكن ما يحتاج إلى بيان يرتبط بالحكم، وليس ببيان المعنى، ومثل الآية المستشهد عليها في بيان المجمل، فقوله تعالى: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] يبين حكمه قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ [المائدة: ٣]، فالمعنى فيها واضح، لكن الحكم هو الذي فيه إجمال في الآية الأولى فبيَّنته الآية الأخرى.
وهذا التحليل قد يكون مشكلًا على بعضهم في كونه ليس من التفسير، لكن لا يعني قولي هذا أننا لا نحتاج إلى هذا البيان، وإنما المراد ترتيب علوم الآية، فالتفسير قد تمَّ ببيان المعنى، ثمَّ يليه بيان الحكم المترتب على هذا المعنى.
أما إذا كان بيان الحكم لا يمكن إلا ببيان المعنى، فإن بيان الحكم آنئذٍ من التفسير، فتفسير ﴿المُنْخَنِقَة﴾ هو بيان معنى وبيان حكم في آنٍ واحدٍ؛ لأن المعنى لا يتبيَّن إلا بمعرفة المراد بهذا اللفظ، والحكم مترتب على هذا أيضًا.
لذا يمكن أن نقول: إن بيان أحكام القرآن على قسمين:
الأول: قسم لا ينفك عن التفسير، فهو تفسير وبيان حكم في آن واحدٍ.
الثاني: قسم يأتي بعد التفسير؛ أي أن بيان المعنى مستقل عن بيان الحكم الفقهي، فمعرفة المعنى أولًا، ثمَّ بيان الحكم الفقهي ثانيًا.
ولعله يتبين أكثر فيما إذا نظرنا إلى بيان المعاني هل ينقص أو يشكل بعدم معرفة الحكم الفقهي أم لا، فإذا كان ينقص، فالحكم الفقهي هو من باب التفسير ومن باب بيان الحكم أيضًا، وإن كان المعنى لا ينقص بعدم تفصيل الحكم، فإن المعنى قد انتهى، والحكم يكون تابعًا له ومرتّبًا عليه، وليس أصلًا فيه.
والمقصود أن من جعل بيان المعنى هو التفسير، فإنه سيظهر له عدم دخول بعض هذه الأنواع في التفسير (٤، ٧ مما سيأتي)، وإنما ستكون من المعلومات التي تأتي بعد، وتُبنى عليه، والله أعلم وأحكم.
٣٨
٢ - تقييد المطلق.
٣ - تخصيص العام.
٤ - تفسير المفهوم من آية بآية أخرى (١).
٥ - تفسير لفظة بلفظة.
٦ - تفسير معنى بمعنى.
٧ - تفسير أسلوب في آية بأسلوب في آية أخرى (٢).
وستجد غيرها من الأنواع التي ذكرها الإمام الشنقيطي في مقدمة كتابه.
ولو استقريت كتب التفسير التي تُعْنَى بتفسير القرآن بالقرآن لظهرت أنواع أخرى في هذا الطريق.
أمثلة للأنواع السابقة:
١ - بيان المجمل:
المجمل ما احتاج إلى بيانٍ، ومثاله قوله تعالى: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [٢٣] ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١]، فقوله تعالى: ﴿إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ مجمل في هذا السياق ولم يبيَّن، وبيَّنه الله سبحانه بقوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ (٣) [المائدة: ٣].
٢ - تقييد المطلق:
المطلق: هو المتناول لواحد لا بعينه، وله تقسيمات في أصول الفقه، والمراد هنا بيان المثال، ومن أمثلته قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠].
قال بعض العلماء: يعني إذا أخروا التوبة إلى حضور الموت، فتابوا حينئذٍ.
(١) و(٢) راجع الحاشية السابقة.
(٣) انظر: «أضواء البيان» (ص٢٣).
٣٩
وهذا التفسير يشهد له قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ [النساء: ١٨]، فالإطلاق الذي في الآية الأولى ذكر مقيِّدُه في الآية الثانية (١).
٣ - تخصيص العام:
العام: هو الكلام المستغرق لما يصلح له بحسب الواقع دفعة بلا حصر (٢)، وصيغه وألفاظه كثيرة، وقد ذكر كثير من العلماء أن ألفاظ القرآن على عمومها حتى يأتي ما يخصصها.
ومن أمثلته قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] فهذا حكم عام في جميع المطلقات، ثم أتى ما يخصِّص من هذا العام الحوامل، وهو قوله تعالى: ﴿وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤]، فخصَّ من عموم المطلقات أولات الأحمال. [٢٤]
٤ - تفسير المفهوم من آية بآية أخرى (٣):
المفهوم: هو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، ومن أمثلة تفسير مفهوم من آية بآية أخرى قوله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥]، فقد ورد عن السلف في تفسير هذه الآية أنها تدل على رؤية الله سبحانه، ومن ذلك قول الشافعي: «فيها دلالة على أن أولياء الله يرون ربهم يوم القيامة» (٤)، وهذا المفهوم من الآية يدل عليه قوله تعالى:
(١) انظر: «أضواء البيان» (١/ ٣٤٣)، وارجع إلى تفسير قوله تعالى: ﴿وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ﴾ [الشورى: ٥].
(٢) انظر: «مذكرة أصول الفقه» (ص٢٠٣).
(٣) هذا لا يدخل في تفسير القرآن بالقرآن، بل هو من قبيل الاستنباط، وليس من التفسير، وانظر الحاشية (١) (ص٣٧).
(٤) انظر: «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» للالكائي (٣/ ٤٦٨).
٤٠
﴿وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢، ٢٣]، وغيرها من أدلة الرؤية.
٥ - تفسير لفظة بلفظة:
أـ بيان غريب الألفاظ: وذلك أن يرد في سياق لفظٌ غريب ثم يُذْكَر في موضع آخر معنى أشهر من ذلك اللفظ، ومثاله قوله تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢].
وفي موضع آخر قال: ﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ﴾ [الذاريات: ٣٣]، والآيتان وردتا في شأن قوم لوط (١).
ب - بيان المراد باللفظة في السياق: مثل قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [الأنبياء: ٣٠]، فُسِّرت بقوله: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ *وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ (٢) [الطارق: ١١، ١٢]، وقوله: ﴿فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ *أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا *ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا﴾ (٣) [عبس: ٢٤ - ٢٦].
٦ - تفسير معنى بمعنى:
مثل تفسير قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ﴾ [النساء: ٤٢] بقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾ [النبأ: ٤٠]. [٢٥]
(١) انظر: «أضواء البيان» (١/ ٨٦).
(٢) انظر: «تفسير الطبري» (١٩/ ١٧).
(٣) انظر: «أضواء البيان» (٤/ ٥٦٤)؛ وروى الطبري عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ قَالَ: كَانَتَا رَتْقًا: لاَ يَخْرُجُ مِنْهُمَا شَيْءٌ، فَفَتَقَ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ، وَفَتَقَ الارْضَ بِالنَّبَاتِ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ *وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ [الطارق: ١١، ١٢]».
٤١
٧ - تفسير أسلوب قرآني في آية بآية أخرى (١):
مثل قوله تعالى: ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ [البقرة: ٥٨] أي: دخولنا ذلك حطة. فهو مثل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤] أي: موعظتنا إياهم معذرة إلى ربكم، فالأسلوب في الآيتين متشابه في قوله: ﴿حِطَّةٌ﴾ و﴿مَعْذِرَةً﴾ (٢).
ومثله توضيح الالتفات في قوله: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٤، ٥] بقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢]، فالالتفات في قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ كالالتفات في قوله: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ (٣).
وقال أبو الليث: وقوله تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ﴾ [البقرة: ٥٧] يعني: قيل لهم: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ﴾ وهذا من المضمرات، وفي كلام العرب يضمر الشيء إذا كان فيه دليل يستغنى عن إظهاره. كما قال في آية أخرى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٠٦] يعني: (يقال لهم: ﴿أَكَفَرْتُمْ﴾).
وكما قال في آية أخرى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ﴾ [الزمر: ٣] يعني: (قالوا: ما نعبدهم)، ومثله في القرآن كثير (٤). [٢٦]
ثانيًا: تفسير القرآن بالسنة النبوية
قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤]،
(١) هذا ليس من تفسير القرآن، انظر حاشية (١) (ص٣٧).
(٢) انظر: «تفسير الطبري» (١/ ٣٠١).
(٣) انظر: «تفسير الطبري» (١/ ٦٧).
(٤) «تفسير القرآن» للسمرقندي (١/ ٣٥٩).
٤٢
بيَّن الله في هذه الآية مهمة الرسول ﷺ وهي بيان القرآن، ولما كانت هذه المهمة موكلة بالرسول ﷺ لَزِمنا أن نرجع إلى تفسيره لهذا القرآن، ومن المقومات التي تجعلنا نرجع إلى تفسيره ﷺ أن السنة وحي من الله لقوله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: ٤]، ولذا فهي بمنزلة القرآن في الاستدلال، وهي أصل في فهم القرآن؛ لقوله تعالى: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ﴾، وهذا يعني أنه لا يمكن الاستغناء عن البيان النبوي؛ لأنه لا أحد من خلق الله أعلم بمراد الله من رسوله ﷺ.
الأنواع المستنبطة في تفسير الرسول ﷺ للقرآن:
يمكن استنباط أنواع التفسير النبوي للقرآن (١) بعد استعراض الأحاديث النبوية، وقد ظهر لي من خلال ذلك ما يلي:
١ - أن يبتدأ الصحابة بالتفسير فينص على تفسير آية أو لفظة، وله أسلوبان:
أـ أن يذكر التفسير، ثم يذكر الآية المفسَّرة.
ب - أن يذكر الآية المفسَّرة، ثم يذكر تفسيرها.
٢ - أن يشكل على الصحابة فهم آية فيفسرها لهم.
٣ - أن يذكر في كلامه ما يصلح أن يكون تفسيرًا للآية.
٤ - أن يتأول القرآن، فيعمل بما فيه من أمر، ويترك ما فيه من نهي.
وإليك أمثلة هذه الأنواع:
١ - أن ينص على تفسير آية أو لفظة، وله أسلوبان:
الأول: أن يذكر التفسير ثم يذكر الآية المفسَّرة:
(١) طرحت هذا الموضوع بتفصيل أكثر، وترتيب في التقسيم، ينظر كتابي: «مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير» (ص١٣٨ - ١٥١).
٤٣
مثاله: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦].
عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «إذا أحبَّ الله عبدًا نادى: [٢٧] يا جبريل إني أحببت فلانًا فأحبه، قال: فينادي في السماء، ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا﴾، وإذا أبغض الله عبدًا نادى: يا جبريل، إني أبغضت فلانًا فينادى في السماء، ثم تنزل له البغضاء في الأرض» (١).
الثاني: أن يذكر الآية الكريمة المفسَّرة، ثم يذكر تفسيرها:
مثاله: قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾ [الأنفال: ٦٠].
عن أبي علي ثمامة بن شفي أنه سمع عقبة بن عامر ﵁ يقول: سمعت رسول الله ﵌ وهو على المنبر يقول: «﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي» (٢).
٢ - أن يشكل على الصحابة فهم آية فيفسرها لهم:
عن عبد اللهِ بن مسعود ﵁ قال: لما نزلت: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ الآية [الأنعام: ٨٢]، شق ذلك على المسلمين فقالوا: يا رسول الله، أينا لم يظلم نفسه؟! قال: «ليس ذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: ﴿يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]» (٣).
(١) رواه الترمذي (٥/ ٣١٨).
(٢) رواه مسلم برقم (١٩١٧).
(٣) رواه البخاري برقم (٣٢، ٣٣٦٠، ٣٤٢٨، ٣٤٢٩، ٤٦٢٩، ٤٧٧٦، ٦٩١٨، ٦٩٣٧).
٤٤
٣ - أن يذكر في كلامه ما يصلح أن يكون تفسيرًا للآية (١):
مثاله: قوله تعالى: ﴿وَجِيىءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾ [الفجر: ٢٣].
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، لكل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» (٢). [٢٨]
٤ - أن يتأول القرآن فيعمل بما به من أمر:
مثاله: قوله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ [النصر: ٣].
عن عائشة ﵂ قالت: ما صلى النبي ﷺ صلاة بعد أن نزلت عليه: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ إلا يقول فيها: «سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي»، وفي رواية عند البخاري عن عائشة: أن النبي ﷺ كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي» يتأول القرآن (٣). [٢٩]
ثالثًا: تفسير القرآن بأقوال الصحابة (٤)
للصحبة منزلتها العظمى في الإسلام، ولها شرف لا يخفى على مسلم،
(١) يلاحظ أن هذا النوع من التفسير فيه أمور:
الأول: أن النبي ﷺ لم يقصد بكلامه آية من الآيات، فيكون تفسيرًا مباشرًا.
الثاني: أن حمل الآية على الحديث من عمل المفسر المجتهد في ربط معنى الحديث بالآية، فرآه يصلح تفسيرًا لها.
الثالث: أن الأحاديث التي بهذه الصورة يمكن أن تكون على قسمين:
القسم الأول: ما دلالته ظاهرة بيّنة غير خفيَّة، في كونه يصلح تفسيرًا للآية، كما هو الحال في المثال المذكور.
القسم الثاني: ما تكون دلالته خفية، ولا يوصل إليها إلا بإعمال نظر زائد.
وفي كلا الحالتين، فالأمر يرجع إلى اجتهاد المفسر، والأصل فيه أنه مما يعرض له الصواب والخطأ، ولا يكون حجة لأنه اعتمد على الحديث النبوي فقط، وقد بينت هذا في غير هذا الكتاب.
(٢) رواه مسلم برقم (٢٨٤٢).
(٣) رواه البخاري برقم (٨١٧، ٤٩٦٨)، ومسلم برقم (٤٨٤).
(٤) ذكرت تفصيلًا أكثر في تفسير الصحابي في كتابي: «مقالات في علوم القرآن =
٤٥
إذ يكفي فيها أنها تعني لقيا رسول الله ﷺ، ولذا كان للصحبة مكانة خاصة في ميزان المسلمين بعدهم، بل صارت أقوالهم حجة عند بعض العلماء لا يعدل عن أقوالهم، ولا يرى قولًا غير قولهم.
وقد ذكر العلماء أسبابًا لرجوع المفسر إلى أقوالهم، وهي:
١ - أنهم شهدوا التنزيل وعرفوا أحواله.
٢ - أنهم أهل اللسان الذي نزل به القرآن.
٣ - أنهم عرفوا أحوال من نزل فيهم القرآن من العرب واليهود.
٤ - سلامة مقصدهم.
٥ - حسن فهمهم.
مصادرهم في التفسير:
كان الصحابة يرجعون في تفسيرهم للقرآن إلى مصادر يستفيدون منها حال تفسيرهم للقرآن، ومنها:
١ - القرآن الكريم.
٢ - السنة النبوية.
٣ - اللغة العربية.
٤ - أهل الكتاب.
٥ - الفهم والاجتهاد.
وكانوا في كل هذه المصادر أدق من غيرهم في الاستفادة.
١ - القرآن الكريم:
سبق أن ذكرت في المبحث السابق أن رسول الله ﷺ فسَّر القرآن بالقرآن، وقد سلك [٣٠] الصحابة هذا المنهج ففسروا به، وكان ذلك منهم
= والتفسير» (ص١٥٢ - ١٧٠)، وكذلك في «شرح مقدمة في أصول التفسير» لابن تيمية (ص٢٨٦ - ٢٨٨).
٤٦
اجتهادًا، ومن أمثلة ذلك تفسير قوله تعالى: ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾ [الطور: ٥]، قال خالد بن عرعر: سمعت عليًّا يقول: السقف المرفوع: هو السماء، وقال: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٢] (١).
وفسَّر عمر ﵁ تعالى: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ [التكوير: ٧] فقال: هما الرجلان يعملان العمل فيدخلان به الجنة، وقال: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ [الصافات: ٢٢] قال: «ضرباءهم» (٢).
٢ - السنة النبوية:
أفاد الصحابة من السنة النبوية في تفسيرهم القرآن، وهم في بعض الأحيان يروون ما وصلهم أو سمعوه من تفسير النبي ﷺ القرآن (٣)، وفي أحيان أخرى يذكرونه دون إسناد إلى الرسول ﷺ، وهذا يدل على اعتمادهم السنة النبوية وإن لم ينصوا على رفعه (٤).
ومن أمثلة ذلك تفسير ابن عباس لقوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ [ق: ٣٠] قال فيه: «فوضع قدمه فقالت حين وضع قدمه فيها: قدٍ قدٍ ... إلخ» (٥)، فابن عباس فسر هذه الآية بما جاء عن النبي ﷺ، وإن لم يسنده مباشرة إليه (٦)، وهذا يأتي غالبًا فيما لا مجال للعقل فيه.
(١) «تفسير الطبري» (٢٧/ ١٨).
(٢) «تفسير الطبري» (٣٠/ ٦٩).
(٣) لا يصلح أن يكون هذا من تفسير الصحابي؛ لأن الصحابي ناقل للتفسير النبوي، وبعض من بحث في (مرويات الصحابة في التفسير) يدخل مثل هذا في مسمى تفسيرهم، وهذا غير دقيق.
(٤) يمكن أن يضاف تنبيه إلى أن الصحابي قد يكون مصدرًا للصحابي، فيروي عنه التفسير.
(٥) «تفسير الطبري» (٢٦/ ١٦٩).
(٦) انظر: «فتح الباري» (٨/ ٤٦٠).
٤٧
٣ - اللغة العربية:
نزل القرآن بلغة العرب، وهي لغة الصحابة ﵃، ولذا فهم قد فهموا الخطاب الإلهي؛ لأنه نزل بلغتهم، وقد فسروا القرآن بلغتهم، وشواهد ذلك أكثر من أن تحصر. ومن ذلك تفسير ابن عباس لقوله تعالى: ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾ [الانشقاق: ٢].
قال: سمعت لربها (١). [٣١]
٤ - أهل الكتاب:
رجع الصحابة إلى مرويات أهل الكتاب، ورووها في التفسير، ولا يلزم من ذكرهم لهذه المرويات قَبولهم لها.
ومن أمثلة ذلك: سؤال ابن عباس لأبي الجلد (٢)، فقد روى الطبري بسنده عن الحسن بن الفرات عن أبيه قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد، فقال: الرعد الريح (٣).
وروى الطبري عن عثمان بن حاضر قال: سمعت عبد الله بن عباس يقول: قرأ معاوية هذه الآية فقال: «عين حامية»، فقال ابن عباس: إنها ﴿عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦]، قال: فجعلا كعبًا بينهما، قال: فأرسلا إلى كعب الأحبار، فسألاه، فقال كعب: أما الشمس فإنها تغيب في ثأط، فكانت على ما قال ابن عباس، والثأط: الطين (٤).
(١) «تفسير الطبري» (٣٠/ ١١٣).
(٢) أبو الجلد: هو جيلان بن أبي فروة، صاحب كتب التوراة، ونحوها، وثقه أحمد وابن سعد، ولابن عباس أسئلة وجهها إليه غير هذه، رواها الطبري في مواضع من تفسيره.
(٣) «تفسير الطبري» (١/ ١٥١).
(٤) «تفسير الطبري» (١٦/ ١١)، وانظر فيها مثلًا آخر في رجوع ابن عباس وعمرو بن العاص إلى كعب في معنى (حمئة وحامية)، وكذا «جامع الأصول» (ج٢ حديث رقم ٨٢١).
٤٨
٥ - الفهم والاجتهاد (١):
أعمل الصحابة ﵃ عقولهم في فهم القرآن، واستنبطوا منه، وكانوا فيه على تفاوت، فمنهم المكثر ومنهم دون ذلك، وكان اجتهادهم مبنيًّا على علم، ولم يكونوا يقولون في القرآن بآرائهم بغير علم، ولذا حلوا ما استشكل على غيرهم فهمه، وأوضحوا لهم هذا المشكل، ومن أمثلة ذلك ما رواه الإمام البخاري من الأسئلة المشكلة التي طرحت على ابن عباس، ومنها:
قوله تعالى: ﴿أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا﴾ إلى قوله: ﴿دَحَاهَا﴾ [النازعات: ٢٧ - ٣٠] فذكر خلق السماء قبل الأرض، وفي قوله: ﴿... أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ إلى قوله: ﴿طَائِعِينَ﴾ [فصلت: ٩ - ١١]، فذكر خلق الأرض قبل السماء في هذه الآية. [٣٢]
فأجاب ابن عباس عن ذلك فقال: «خلق الأرض في يومين، ثم استوى إلى السماء فسواهنّ في يومين آخرين، ثم دحا الأرض، ودحوها أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبال والجمال والآكام وما بينه في يومين آخرين، فذلك قوله: ﴿دَحَاهَا﴾، وقوله: ﴿خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ فجعل الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخلقت السماء في يومين» (٢).
(١) روى الطبري بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَدَّثَهُ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحِجْرِ جَالِسٌ، أَتَانِي رَجُلٌ يَسْأَلُ عَنِ ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا﴾ [العاديات: ١] فَقُلْتُ لَهُ: الْخَيْلُ حِينَ تُغِيرُ فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ تَاوِي إِلَى اللَّيْلِ، فَيَصْنَعُونَ طَعَامَهُمْ، وَيُورُونَ نَارَهُمْ. فَانْفَتَلَ عَنِّي، فَذَهَبَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ وَهُوَ تَحْتَ سِقَايَة زَمْزَمَ، فَسَأَلَهُ عَنِ ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا﴾ [العاديات: ١] فَقَالَ: سَأَلْتَ عَنْهَا أَحَدًا قَبْلِي؟ قَالَ: نَعَمْ، سَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: الْخَيْلُ حِينَ تُغِيرُ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: اذْهَبْ فَادْعُهُ لِي؛ فَلَمَّا وَقَفْتُ عَلَى رَاسِهِ قَالَ: تُفْتِي النَّاسَ بِمَا لاَ عِلْمَ لَكَ بِهِ، وَاللهِ لَكَانَتْ أَوَّلَ غَزْوَةٍ فِي [ص:٥٧٤] الاسْلاَمِ لَبَدْرٌ، وَمَا كَانَ مَعَنَا إِلاَّ فَرَسَانِ: فَرَسٌ لِلزُّبَيْرِ، وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْعَادِيَاتِ ضَبْحًا. إِنَّمَا الْعَادِيَاتُ ضَبْحًا مِنْ عَرَفَةَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَنَزَعَتْ عَنْ قُولِي، وَرَجَعْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ عَلِيٌّ ﵁».
(٢) انظر: «فتح الباري» (٨/ ٤١٨).
٤٩
حكم تفسير الصحابي:
ذكر بعض العلماء أن قول الصحابي في التفسير له حكم المرفوع، ولكن هذا القول لا يقبل على هذا الإطلاق، والصواب أن تفسير الصحابي له أقسام، وكل قسم له حكم خاص، وهذه الأقسام هي:
١ - ما له حكم الرفع، وهذا يشمل أسباب النزول (١)، والإخبار عن المغيَّبات (٢)، وحكم هذا: القَبول، إذا صح الخبر فيه، وسبب ذلك أن هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه، ويلحق بهذا ما أجمع عليه الصحابة؛ لأن الإجماع حجة، فيكون بقوة المرفوع.
وقد وضع بعض العلماء قيدًا في الغيبيات، وهو: أن لا يكون المفسِّر مشهورًا بالأخذ عن بني إسرائيل، إذا كان في القول المذكور شبهة الخبر الإسرائيلي (٣).
ومن أمثلة أسباب النزول ما رواه الحاكم عن جابر قال: كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دُبرها في قُبُلها جاء الولد أحول، فأنزل الله ﷿: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣].
قال الحاكم: هذا الحديث وأشباهه مسند عن آخرها وليست بموقوفة؛ فإن الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا وكذا فإنه حديث مسند (٤). [٣٣]
٢ - منه ما رجعوا فيه إلى لغتهم، وحكم هذا القبول كذلك؛ لأنهم هم أهل اللسان الذي نزل به القرآن، وهم أعلم بلغتهم من غيرهم (٥).
(١) انظر: «معرفة علوم الحديث» (ص٢٠)؛ وانظر: «الإتقان» (٤/ ١٨١)؛ «والنكت على ابن الصلاح» (٢/ ٥٣٠).
(٢) انظر: «النكت على ابن الصلاح» (٢/ ٥٣٠، ٥٣١).
(٣) انظر: «النكت على ابن الصلاح» (٢/ ٥٣٢، ٥٣٣).
(٤) «معرفة علوم الحديث» (ص٢٠).
(٥) انظر: «الموافقات» (٣/ ٢١٨).
٥٠
٣ - منه ما رجعوا فيه إلى أهل الكتاب، وهذا له حكم الإسرائيليات.
٤ - منه ما اجتهدوا فيه، وهذا فيه تفصيل:
أـ أن يتوافق اجتهادهم؛ فيكون حجة (١).
ب - أن يختلف اجتهادهم؛ فيرجح بين أقوالهم بأحد المرجِّحات، على ما سيأتي في قواعد الترجيح.
جـ أن لا يرد إلا عن أحدهم، ولا يعلم له مخالف؛ فهذا الأخذ به أولى، خاصة إذا حفَّت به قرائن القَبول؛ كأن يكون قولَ مشهور منهم بالتفسير؛ كعلي، وابن مسعود، وابن عباس، أو قَبِلَهُ من جاء بعدهم وأخذ به، أو غيرها من القرائن. [٣٤]
رابعًا: تفسير القرآن بأقوال التابعين (٢)
لما كان التابعون (٣) قد تلقوا التفسير عن الصحابة مباشرة،
وكانوا في عصر الاحتجاج اللغوي، فلم تفسد ألسنتهم بالعجمة، وكان لهم من
الفهم وسلامة المقصد ما لهم، كل هذا جعل من جاء بعدهم يرجع إلى أقوالهم في
التفسير، ويعتمدها.
(١) انظر: مقدمتان في علوم القرآن: «مقدمة المباني» (ص١٩٥)؛ و«الموافقات» (٣/ ٢١٨).
(٢) يحسن أن ينبه هنا على قصر الدراسات في هذا الموضوع على تفسير التابعين، مع أن الذين نقلوا تفسير السلف ينقلون عن الطبقة التي تليهم، وهم أتباع التابعين، وفي هذا الجيل نجد علماء بارزين في التفسير، ولهم فيه آراء مستقلة، كما يكثر فيهم نَقَلَةُ التفسير، فهم رواة لتفسير التابعين والصحابة، ودراسة هذه الطبقة مهمة جدًا، ولو تصدَّى لها بعض الباحثين لكان فيها إثراء لتاريخ التفسير في هذه المرحلة، ويمكن الاستفادة من كتاب «تقريب التهذيب» لابن حجر العسقلاني لمعرفة زمن هذه الطبقة.
(٣) في تفسير التابعين؛ يُنظر كتاب الدكتور محمد بن عبد الله الخضيري «تفسير التابعين»، وهي من الرسائل العلمية النفيسة.
٥١
مصادرهم في التفسير:
مصادرهم في التفسير هي مصادر الصحابة نفسها، إلا أنهم يزيدون بمصدر الصحابة (١).
وهي كالتالي:
١ - القرآن الكريم.
٢ - السنة النبوية.
٣ - الصحابة.
٤ - اللغة.
٥ - أهل الكتاب.
٦ - الفهم والاجتهاد.
وهم يُعَدُّون مصدرًا لمن جاء بعدهم.
(١) انظر: مقدمتان في علوم القرآن: «مقدمة المباني» (ص١٩٥)؛ و«الموافقات» (٣/ ٢١٨).
(٢) يحسن أن ينبه هنا على قصر الدراسات في هذا الموضوع على تفسير التابعين، مع أن الذين نقلوا تفسير السلف ينقلون عن الطبقة التي تليهم، وهم أتباع التابعين، وفي هذا الجيل نجد علماء بارزين في التفسير، ولهم فيه آراء مستقلة، كما يكثر فيهم نَقَلَةُ التفسير، فهم رواة لتفسير التابعين والصحابة، ودراسة هذه الطبقة مهمة جدًا، ولو تصدَّى لها بعض الباحثين لكان فيها إثراء لتاريخ التفسير في هذه المرحلة، ويمكن الاستفادة من كتاب «تقريب التهذيب» لابن حجر العسقلاني لمعرفة زمن هذه الطبقة.
(٣) في تفسير التابعين؛ يُنظر كتاب الدكتور محمد بن عبد الله الخضيري «تفسير التابعين»، وهي من الرسائل العلمية النفيسة.
٥١
مصادرهم في التفسير:
مصادرهم في التفسير هي مصادر الصحابة نفسها، إلا أنهم يزيدون بمصدر الصحابة (١).
وهي كالتالي:
١ - القرآن الكريم.
٢ - السنة النبوية.
٣ - الصحابة.
٤ - اللغة.
٥ - أهل الكتاب.
٦ - الفهم والاجتهاد.
وهم يُعَدُّون مصدرًا لمن جاء بعدهم.
١ - القرآن الكريم:
اجتهد التابعون في بيان القرآن بالقرآن، ومن خلال اطلاعي على تفسير الطبري رأيت أن ابن زيد (٢) رحمه الله تعالى أكثرهم اعتناء بهذا الطريق، ومن أمثلة ذلك تفسير قوله تعالى: ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا﴾ [الطلاق: ١٠].
قال: «القرآن روح الله، وقرأ: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: ٥٢] إلى آخر الآية، وقرأ: ﴿... قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا﴾ [الطلاق: ١٠، ١١] قال: القرآن، وقرأ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ [فصلت: ٤١] قال: بالقرآن، وقرأ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾
(١) كما يمكن أن يكون التابعي مصدرًا للتابعي.
(٢) ابن زيد من أتباع التابعين وليس من التابعين، فقد توفي سنة ١٨٢، ويمكن أن ينظر في ذلك تفسير مجاهد لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ [عبس: ٢٠] بقوله تعالى ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٣]. «تفسير الطبري» تحقيق: عبد الله التركي (٢٤/ ١١٢).
٥٢
[الحجر: ٩] قال: القرآن، [٣٥] قال: وهو الذكر، وهو الروح» (١).
٢ - السنة النبوية:
للتابعين في اعتماد السنة النبوية طريقان:
الأول: أن يذكروا السند إلى رسول الله ﷺ، ويَعُدُّ بعض الباحثين هذا النوع من تفسير التابعين (٢)، والصحيح أنه من التفسير النبوي؛ لأن التابعي ذَكَرَ ما بلغه عن الرسول ﷺ ولم يفسر.
والثاني: أن يذكر ما بلغه عن النبي ﷺ دون ذكر السند، وهذا وإن كان مرسلًا إلا أنه يدل على اعتماد التابعين التفسير النبوي في تفسيرهم، ومن ذلك ما أخرجه الطبري عن الحسن في تفسير قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ﴾ [المائدة: ٢٧]، قال الحسن: قال رسول الله ﷺ: «إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلًا، فخذوا من خيرهم ودعوا الشر» (٣).
(١) «تفسير الطبري» (٢٨/ ١٥٢)، وانظر له: (٣٠/ ١٦، ٢١، ٣٩، ٤٩)، ولغيره من التابعين (٣٠/ ٣١، ٣٢، ٥٥).
(٢) أورد الدكتور محمد عبد الرحيم في كتابه (تفسير الحسن البصري جمع وتوثيق ودراسة) (١/ ٢٢٠» عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٨٥] ما رواه الإمام أحمد بسنده عن الحَسَن، حَدَّثنا أَبُو هُرَيْرَةَ، إذْ ذَاكَ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «تَجيءُ الأعْمَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتَجِيءُ الصَّلاةُ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصَّلاَةُ. فَيَقُولُ: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ. فَتَجِيءُ الصَّدَقَةُ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصَّدَقَةُ. فَيَقُولُ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ يَجِيءُ الصِّيَامُ فَيَقُولُ: أَيْ يَا رَبِّ، أَنَا الصِّيَامُ. فَيَقُولُ: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ تَجِيءُ الأعْمَالُ، كُل ذَلِكَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ، ثُمَّ يَجِيءُ الإسْلامُ فَيَقُولُ: يَا رَب، أَنْتَ السَّلامُ وَأَنَا الإسْلامُ. فَيَقُولُ اللهُ [تَعَالَى]: إَنَّكَ عَلَى خَيْرٍ، بِكَ الْيَوْمَ آخُذُ وَبِكَ أُعْطِي، قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
وأنت تعرف أن الحسن (ت:١١٠) هنا إنما هو ناقل، وليس قائلًا، ومثل هذا لا يسمى على الصحيح، تفسيره، بل هو تفسير منقول عمَّن فسَّر، وهو النبي ﷺ؛ كما في هذه الرواية.
(٣) «تفسير الطبري» (٦/ ١٩٩).
٥٣
وقال في قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٧]، بلغني أن رسول الله ﷺ قال: «قال ربكم: أعددت لعبادي الذين آمنوا وعملوا الصالحات ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» (١).
٣ - الصحابة:
تتلمذ التابعون على يد الصحابة، واشتهر بعضهم بالأخذ عن بعض الصحابة؛ كسعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك (٢)، أخذوا التفسير عن ابن عباس، ومن المرويات الدالة على اعتماد التابعين تفسير الصحابة ما رواه الطبري بسنده عن الضحاك في تفسير قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ [ق: ٣٠] قال: كان ابن عباس يقول: «إن الله الملك قد سبقت منه كلمة ﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ﴾ [الأعراف: ١٨] لا يُلقى فيها شيء إلا ذهب فيها، لا [٣٦] يملؤها شيء، حتى إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها - وهي لا يملؤها شيء - أتاها الرب فوضع قدمه عليها، ثم قال لها: هل امتلأت يا جهنم؟ فتقول: قط قط، قد امتلأت ..» (٣).
٤ - اللغة:
لا يزال التابعون في عصر الاحتجاج اللغوي، وقد كان لهم في تفاسيرهم اعتماد على اللغة، وهذا ظاهر في تفاسيرهم ومن ذلك:
قوله تعالى: ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ﴾ [ق: ١٠] قال مجاهد، وقتادة، وابن زيد: الباسقات: «الطوال» (٤).
(١) «تفسير الطبري» (٢١/ ١٠٦).
(٢) الضحاك لم يأخذ التفسير عن أحد من الصحابة، وروايته عن ابن عباس منقطعة، قال في تهذيب الكمال (١٣/ ٢٩٥): «وقيل: لم يثبت له سماع من أحد من الصحابة».
(٣) «تفسير الطبري» (٢٦/ ١٦٩، ١٧٠).
(٤) «تفسير الطبري» (٢٦/ ١٥٣).
٥٤
٥ - أهل الكتاب:
كان رجوع التابعين إلى أهل الكتاب أكثر من رجوع الصحابة (١)، ولكن يبقى الأمر في أن ما روي عنهم من أخبار إسرائيلية فهو في حكم الإسرائيليات، ولعلهم كانوا يذكرونه من باب العلم والرواية لا من باب التفسير - والله أعلم ـ، وتظهر كثرة مروياتهم عن بني إسرائيل من خلال تفاسيرهم، ومن ذلك: ما رواه الطبري عن بعض التابعين في مائدة النصارى:
قال أبو عبد الرحمن السلمي: نزلت المائدة خبزًا وسمكًا.
وقال عطية: المائدة سمكة فيها طعم كل الطعام (٢).
٦ - الفهم والاجتهاد:
اعتمد التابعون فهمهم واجتهدوا في تفسير القرآن، وإبراز فوائده، وكان بينهم في ذلك اختلاف، نظرًا لأن مرجع ذلك هو عقولهم وعلومهم، وهي تختلف باختلاف أشخاصهم، ولذا فقد يكون لهم في فهم الآية أكثر من معنى، وكل معنى مبني على ما [٣٧] سبق من المصادر المذكورة سابقًا؛ كاختلافهم في إنزال المائدة، واختلافهم في القرء، والبروج، والعاديات، وغيرها.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ [عبس: ٢٠]، قال السدي، وقتادة: يسَّر خروجه من بطن أمه.
وقال مجاهد، والحسن، وابن زيد: يسَّر سبيل الخير والشر (٣).
مثال آخر، قال ابن جرير: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهريّ، قال: سألت زيد بن أسلم، عن قول الله: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾ الآية، إلى قوله: ﴿سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ [ق: ١٩ - ٢١]
(١) انظر: «مقدمة في أصول التفسير» (ص٥٨).
(٢) انظر: «تفسير الطبري» (٧/ ١٣٣).
(٣) انظر: «تفسير الطبري» (٣٠/ ٥٥).
٥٥
فقلت له: من يراد بهذا؟ فقال: رسول الله ﷺ، فقلت له: رسول الله! فقال: ما تنكر؟ قال الله ﷿: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى *وَوَجَدَكَ ضَآلًاّ فَهَدَى﴾ [الضحى: ٦، ٧]، قال: ثم سألت صالح بن كيسان عنها، فقال لي: هل سألت أحدًا؟ فقلت: نعم، قد سألت عنها زيد بن أسلم، فقال: ما قال لك؟ فقلت: بل تخبرني ما تقول، فقال: لأخبرنك برأيي الذي عليه رأيي، فأخبرني ما قال لك؟ قلت: قال: يُراد بهذا رسول الله ﷺ، فقال: وما علم زيد، والله ما سن عالية، ولا لسان فصيح، ولا معرفة بكلام العرب، إنما يُراد بهذا الكافر، ثم قال: اقرأ ما بعدها يدلُّك على ذلك. قال: ثم سألت حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، فقال لي مثل ما قال صالح: هل سألت أحدًا فأخبرني به؟ قلت: إني قد سألت زيد بن أسلم وصالح بن كيسان، فقال لي: ما قالا لك؟ قلت: بل تخبرني بقولك، قال: لأخبرنك بقولي، فأخبرته بالذي قالا لي: قال: أخالفهما جميعًا، يريد بها البر والفاجر، قال الله: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ إلى قوله: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق: ١٩ - ٢٢] قال: فانكشف الغطاء عن البرّ والفاجر، فرأى كلٌّ ما يصير إليه (١). [٣٨]
حكم تفسير التابعي:
لتفسير التابعي أقسام كما سبق في تفسير الصحابي، ولذا لا يحكم عليه بالعموم من حيث القبول والرد، وهذه الأقسام هي:
١ - ما يرفعه التابعي، وهذا يشمل أسباب النزول والمغيبات؛ كتفسير مجاهد لقوله تعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] قال: إقعاده على العرش (٢).
(١) «تفسير الطبري» (٢٦/ ١٦٢، ١٦٣).
(٢) انظر: «تفسير الطبري» (١٥/ ١٤٥)، وقد روي ما يخالف قول مجاهد، وهو ما ورد عن رسول الله ﷺ من أن المقام المحمود هو الشفاعة.
٥٦
فمثل هذا القول لا يقبل؛ لأنه من قبيل المراسيل، والمراسيل لا تقبل في مثل هذا الانفراد، أما إذا أجمعوا عليها فإنها في حكم ما أجمعوا عليه.
٢ - ما رجعوا فيه إلى أهل الكتاب، وهذا له حكم الإسرائيليات.
٣ - ما أجمعوا عليه، وهذا يكون حجة (١).
٤ - ما اختلفوا فيه، وفي هذا القسم لا يكون قول أحدهم حجة على الآخر (٢)، ويعمل هنا بالمرجحات التي سترد في قواعد الترجيح.
٥ - أن يرد عن أحدهم ولا يُعلم له مخالف، وهذا أقل في الرتبة من الوارد عن الصحابي إذا لم يعلم له مخالف، لكنه أعلى من قول من تأخر عنهم.
تنبيهات حول تفسير الصحابة والتابعين:
١ - لا بد من الاعتناء بصحة السند، وإلا اعتبر القول قولًا مجردًا في التفسير (٣).
٢ - لا بدّ من جمع طرق التفسير عن الصحابي أو التابعين، لتمييز الاختلاف في الرواية عنهم والنظر فيها، مثل ما روي عن ابن عباس في تفسير الكرسي بأنه العلم، أو بأنه موضع قدمي الرحمن. قال أبو منصور الأزهري: «والصحيح عن ابن عباس في الكرسي ما رواه الثوري وغيره عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير [٣٩] عن ابن عباس أنه قال: الكرسيُّ:
(١) انظر: «مقدمة في أصول التفسير» (ص٦٢).
(٢) انظر: «مقدمة في أصول التفسير» (ص٥٨).
(٣) راجع ما ظهر لي بعد ذلك من تحرير ما يتعلق بأسانيد التفسير في كتابي «مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير» (ص٣٠٠ - ٣٠٨)، وقد عقّب على هذا الشيخ عبد الله الجديع «ملتقى أهل التفسير»، وللشيخ الدكتور حاتم الشريف محاضرة في هذا الباب «ملتقى أهل التفسير»، وكذا للأخ محمد صالح محمد سليمان في كتابه «اختلاف السلف في التفسير بين النظرية والتطبيق» كلام حول أسانيد التفسير (ص٢١٨ - ٢٦٣).
٥٧
موضع القدمين، وأما العرش فإنه لا يُقدر قدره»، وهذه رواية اتفق أهل العلم على صحتها، والذي روي عن ابن عباس في الكرسي أنه العلمُ، فليس مما يثبته أهل المعرفة بالأخبار (١).
٣ - إذا صح عن الصحابي أو التابعي قولان مختلفان في التفسير ولا يمكن الجمع بينهما فهما كالقولين، إلا إذا دل الدليل على أنه رجع عن أحدهما.
٤ - جمع مرويات الصحابة والتابعين في تفسير الآية أدل على المقصود، ولذا يلزم الاهتمام بجمع مروياتهم فيها (٢).
٥ - ليس كل اختلاف وارد عنهم يعد اختلافًا؛ كما سيرد في «اختلاف التنوع».
٦ - هل يجوز إحداث قول بعد إجماعهم على قول في الآية أم لا؟ (٣).
في المسألة تفصيل:
إن كان القول المُحدث مضادًّا لقولهم فهو مردود غير مقبول.
وإن كان غير مضاد بل تحتمله الآية، فإنه يقبل؛ لأنه ليس مسقطًا لهم في القول، وسيأتي ذكر القاعدة في هذا الموضوع. [٤٠]
خامسًا: تفسير القرآن باللغة
المقصود به تفسير القرآن بلغة العرب (٤).
وسبب اعتبار هذا طريقًا من طرق التفسير هو:
نزول القرآن بلغتها، واعتماده أساليبها في الخطاب.
(١) «تهذيب اللغة» (١٠/ ٥٤).
(٢) انظر: «مقدمة في أصول التفسير» (ص٥٤).
(٣) انظر: «التمهيد في أصول الفقه» للكلوذاني (٣/ ٣٢١)؛ «أضواء البيان» (٣/ ١٢٤)؛ وانظر: «مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير» (ص٢٣٠ - ٢٣٢).
(٤) كتبت في هذا المصدر رسالة الدكتوراه «التفسير اللغوي للقرآن الكريم»، وهي من مطبوعات دار ابن الجوزي.
٥٨
ومما يدل على اعتبار اللغة طريقًا من طرق التفسير الحديث السابق - في التفسير النبوي - عن استشكال الصحابة للظلم، في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢]، ووجه دلالة هذا الأثر أن الصحابة قد فسروا الظلم بما يعرفونه من لغتهم، ولم ينكر عليهم الرسول ﷺ هذا، بل أرشدهم إلى المراد بالظلم في الآية.
ومما يدل عليه - كذلك - اعتماد الصحابة والتابعين على اللغة في تفاسيرهم، واستشهادهم بأشعار العرب وأساليبها لبيان المعاني اللغوية في القرآن.
وقد حكى صاحب كتاب «مقدمة المباني» إجماع الصحابة على جواز تفسير القرآن باللغة (١).
ومن ذلك تفسير (الساهرة) بالأرض، فقد ورد ذلك عن ابن عباس، وعكرمة، والحسن، وقتادة، ومجاهد، وسعيد، والضحاك، وابن زيد (٢).
بل شدد العلماء على من فسَّر القرآن وهو غير عالم بلغة العرب؛ كما روي عن مالك ومجاهد وغيرهما.
قال مالك: «لا أوتى برجل يفسِّر كلام الله وهو لا يعرف لغة العرب إلا جعلته نكالًا» (٣).
مسألة: «في ضوابط التفسير باللغة»:
كيف نفسر ما كان محتملًا لأكثر من معنى في لغة العرب؟
إن كان اللفظ يحتمل هذه المعاني كلها من دون تعارض ولا تناقض في السياق
جاز [٤١] حمل الآية عليها، وهذا يأتي - غالبًا - في الألفاظ المشتركة، وإن
كان قد يترجح إحداها. مثل تفسيرهم لقوله تعالى: ﴿لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ
إِلًاّ وَلاَ ذِمَّةً﴾ [التوبة: ١٠].
(١) مقدمتان في علوم القرآن (ص٢٠١)، قال: «ومن الدليل على ذلك أيضًا إجماع أصحاب رسول الله على تفسير القرآن على شرائط اللغة»، ثم ساق أمثلة لذلك.
(٢) انظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٣٦، ٣٧).
(٣) أخرجه الواحدي في «البسيط» (١/ ٢١٩)، رسالة دكتوراه حققها الشيخ محمد بن صالح الفوزان، وهو في المطبوع (ط١٤٣٠) للمحقق نفسه (١/ ٤١١).
٥٩
فقد ورد عنهم في الإِلِّ أقوال: الأول: العهد. الثاني: القرابة. الثالث: الله سبحانه. قال الطبري - معلقًا على هذه الأقوال ـ: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء المشركين الذين أمر نبيه والمؤمنين بقتلهم - بعد انسلاخ الأشهر الحرم - وحصرهم والقعود لهم على كل مرصد، أنهم لو ظهروا على المؤمنين لم يراقبوا فيهم إلًاّ، والإِلّ: اسم يشتمل على معان ثلاثة: وهي: العهد والعقد والحلف، والقرابة، وهو أيضًا بمعنى: الله، فإذا كانت الكلمة تشمل هذه المعاني الثلاثة، ولم يكن الله خصَّ من ذلك معنى دون معنى، فالصواب أن يعم ذلك كما عمَّ بها جلّ ثناؤه معانيها الثلاثة، فيقال: لا يراقبون في مؤمن الله، ولا قرابة، ولا عهدًا، ولا ميثاقًا» (١).
وإن كان اللفظ لا يحتمل إلا أحد المعاني من معاني اللفظ،
فهناك ضوابط تدل على اختيار هذا المعنى دون غيره، وهي كالتالي:
١ - أن تكون اللفظة المفسِّرة صحيحة في اللغة،
فلا يجوز تفسير القرآن بما لا يعرف في لغة العرب.
ومثاله: تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ [البلد: ٢] بأنه: حالٌّ ومقيم به، قال الطاهر بن عاشور: «وحكى ابن عطية عن بعض المتأولين: أن معنى: ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ أنه حالٌّ؛ أي: ساكن بهذا البلد، وجعله ابن العربي قولًا، ولم يعزه إلى قائل، وحكاه القرطبي والبيضاوي كذلك، وهو يقتضي أن تكون جملة، ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ﴾ في موضع الحال من ضمير ﴿أُقْسِمُ﴾، فيكون القسم بالبلد مقيدًا باعتبار كونه
(١) «تفسير الطبري» (١٠/ ٨٥).
٦٠
بلد محمد ﷺ، وهو تأويل جميل لو ساعد عليه ثبوت استعمال «حلّ» بمعنى: حال؛ أي: مقيم في مكان، فإن هذا لم يرد في كتب اللغة: «الصحاح» و«اللسان» و«القاموس» و«مفردات الراغب»، ولم يعرج عليه صاحب «الكشاف»، ولا أحسب إعراضه عنه إلا لعدم ثقته بصحة استعماله.
وقال الخفاجي: والحل صفة أو مصدر بمعنى: الحال - هنا على هذا الوجه - ولا [٤٢] عبرة بمن أنكره لعدم ثبوته في كتب اللغة.
وكيف يقال: لا عبرة بعدم ثبوته في كتب اللغة، وهل المرجع في إثبات اللغة إلا كتب أئمتها» (١).
ومثاله: تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ [البلد: ٢] بأنه: حالٌّ ومقيم به، قال الطاهر بن عاشور: «وحكى ابن عطية عن بعض المتأولين: أن معنى: ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ أنه حالٌّ؛ أي: ساكن بهذا البلد، وجعله ابن العربي قولًا، ولم يعزه إلى قائل، وحكاه القرطبي والبيضاوي كذلك، وهو يقتضي أن تكون جملة، ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ﴾ في موضع الحال من ضمير ﴿أُقْسِمُ﴾، فيكون القسم بالبلد مقيدًا باعتبار كونه
(١) «تفسير الطبري» (١٠/ ٨٥).
٦٠
بلد محمد ﷺ، وهو تأويل جميل لو ساعد عليه ثبوت استعمال «حلّ» بمعنى: حال؛ أي: مقيم في مكان، فإن هذا لم يرد في كتب اللغة: «الصحاح» و«اللسان» و«القاموس» و«مفردات الراغب»، ولم يعرج عليه صاحب «الكشاف»، ولا أحسب إعراضه عنه إلا لعدم ثقته بصحة استعماله.
وقال الخفاجي: والحل صفة أو مصدر بمعنى: الحال - هنا على هذا الوجه - ولا [٤٢] عبرة بمن أنكره لعدم ثبوته في كتب اللغة.
وكيف يقال: لا عبرة بعدم ثبوته في كتب اللغة، وهل المرجع في إثبات اللغة إلا كتب أئمتها» (١).
٢ - أن تفسير القرآن على الأغلب المعروف من لغة العرب دون الشاذ أو القليل
ومثاله: تفسير قوله تعالى: ﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا﴾
[النبأ: ٢٤] قيل: البرد: النوم، وهذا التفسير تفسير بالأقل، إذ الأغلب المعروف من
البرد هو ما يبرد حر الجسم من الهواء (٢).
٣ - أن يراعي المفسر عند تفسيره للفظة السياق،
فلا يختار إلا ما يتناسب معه، ولذا كان من أوجه رد أقوال بعض المفسرين عدم
مناسبتها للسياق (٣).
وقد كان للراغب في مفرداته عناية بجانب السياق، فيبين معنى اللفظة اللغوي بناء على ما هي فيه من السياق.
(١) «التحرير والتنوير» (٣٠/ ٣٤٨)، ومما يستدرك هنا أن الخفاجي مطالب بصحة النقل عن العرب، وإن لم يثبت في كتب اللغة، وينظر في هذا كتابي «التفسير اللغوي»، فقد أشرت إلى وجوب ثبوت اللفظ المفسَّر به في كلام العرب (ص٥٣٧ - ٥٤٠، ٦١٧).
(٢) انظر: «تفسير الطبري» (٣/ ١٢)؛ و«إعراب القرآن» للنحاس (٥/ ١٣٢)؛ و«القطع والائتناف» له (ص٧٥٨)؛ و«التحرير والتنوير» (٣٠/ ٣٧).
(٣) انظر حول رد القول لعدم مناسبة السياق: «أضواء البيان» (١/ ٧٥، ٧٦).
٦١
قال الزركشي: «ومن أحسنها كتاب «المفردات» للراغب، وهو يتصيَّد المعاني من السياق؛ لأن مدلولات الألفاظ خاصة» (١).
وقال في موضع آخر: «وهذا يُعنَى به الراغب كثيرًا في كتابه المفردات؛ فيذكر قيدًا زائدًا على أهل اللغة في تفسير مدلول اللفظ؛ لأنه اقتنصه من السياق» (٢).
وكلامه يدل على أنه فضلًا عن ورود الكلمة في العربية إلا أنها لها معنى خاصًّا يتحدد من السياق يجب أن يراعى.
وقد كان للراغب في مفرداته عناية بجانب السياق، فيبين معنى اللفظة اللغوي بناء على ما هي فيه من السياق.
(١) «التحرير والتنوير» (٣٠/ ٣٤٨)، ومما يستدرك هنا أن الخفاجي مطالب بصحة النقل عن العرب، وإن لم يثبت في كتب اللغة، وينظر في هذا كتابي «التفسير اللغوي»، فقد أشرت إلى وجوب ثبوت اللفظ المفسَّر به في كلام العرب (ص٥٣٧ - ٥٤٠، ٦١٧).
(٢) انظر: «تفسير الطبري» (٣/ ١٢)؛ و«إعراب القرآن» للنحاس (٥/ ١٣٢)؛ و«القطع والائتناف» له (ص٧٥٨)؛ و«التحرير والتنوير» (٣٠/ ٣٧).
(٣) انظر حول رد القول لعدم مناسبة السياق: «أضواء البيان» (١/ ٧٥، ٧٦).
٦١
قال الزركشي: «ومن أحسنها كتاب «المفردات» للراغب، وهو يتصيَّد المعاني من السياق؛ لأن مدلولات الألفاظ خاصة» (١).
وقال في موضع آخر: «وهذا يُعنَى به الراغب كثيرًا في كتابه المفردات؛ فيذكر قيدًا زائدًا على أهل اللغة في تفسير مدلول اللفظ؛ لأنه اقتنصه من السياق» (٢).
وكلامه يدل على أنه فضلًا عن ورود الكلمة في العربية إلا أنها لها معنى خاصًّا يتحدد من السياق يجب أن يراعى.
٤ - أن يعرف ملابسات النزول إذا احتاجها عند تفسير لفظة ما؛
لكي يعرف المراد بها في الآية، كمن يريد تفسير النسيء في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا
النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ [٤٣] [التوبة: ٣٧]، فالنسيء التأخير، ولكن
تحديد هذا التأخير يحتاج إلى معرفة قصة الآية، وبها يُعرف تفسيرها، والمراد به
هنا تأخير الأشهر الحرم واستحلالها (٣).
٥ - أن يقدم المعنى الشرعي على المعنى اللغوي إذا تنازعهما اللفظ،
إلا إذا دل الدليل على إرادة المعنى اللغوي؛ لأن القرآن نزل لبيان الشرع لا
لبيان اللغة.
فالصلاة في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾ [التوبة: ٨٤] تحتمل الدعاء، وتحتمل صلاة الجنازة، وهذا هو المقدم؛ لأنه المعنى الشرعي.
وفي قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣]، فالصلاة هنا هي الدعاء، وهو المعنى اللغوي، لقوله ﷺ: «اللهم صلّ على آل أبي أوفى» (٤).
(١) «البرهان في علوم القرآن» (١/ ٢٩١).
(٢) «البرهان في علوم القرآن» (٢/ ١٧٢).
(٣) في هذا المثال ونحوه؛ يلاحظ أن معرفة المعنى اللغوي لا تكفي في تحديد المراد، بل الأمر محتاج إلى النقل، وههنا نحن بحاجة إلى ما يمكن أن نسميه بـ (أحوال النزول)، ومنها قصة الآية كما في هذا المثال.
(٤) انظر: «البرهان» للزركشي (٢/ ١٦٧)؛ و«أصول التفسير» لابن عثيمين (ص٢٩، ٣٠).
٦٢
تنبيهات حول تفسير القرآن باللغة:
١ - يعد بعض الباحثين أبا عبيدة معمر بن المثنى والفراء والزجاج أئمة التفسير اللغوي، ولا ينظرون إلى تفاسير الصحابة والتابعين اللغوي، ويعدونها من التفسير بالأثر، وسبب هذا الخطأ اعتماد مصطلح المأثور - وسيأتي نقاشه - والصواب أن الإمامة في التفسير اللغوي للصحابة والتابعين.
فالصحابة عرب خُلَّص، وبلغتهم نزل القرآن، والتابعون أخذوا عنهم العلم، وهم في عصر الاحتجاج، فكيف لا يكونون أئمة اللغة، ولذا يقع الخطأ حينما يجعل تفسير الصحابة والتابعين اللغوي تفسيرًا أثريًّا مقابل تفسير هؤلاء المتأخرين من اللغويين الذي يُجعَل تفسيرهم لغويًّا.
وهذا التقرير لا يعني هضم هؤلاء حقهم في التفسير اللغوي، ولكن المقصود أن رتبتهم فيه دون رتبة الصحابة والتابعين.
٢ - فسَّر أبو عبيدة معمر بن المثنى القرآن معتمدًا على اللغة فقط، غير ناظر إلى أسباب النزول وملابساته، فجعل القرآن نصًّا عربيًّا مجردًا، وهذه الطريقة التي سلكها [٤٤] أبو عبيدة من أسباب الخطأ في التفسير كما ذكره شيخ الإسلام (١).
وقد أنكر عليه هذا المسلك علماء عصره ومن جاء بعدهم؛ كالأصمعي (٢)، وأبي حاتم السجستاني (٣)، والفراء (٤)، وأبي عمر الجرمي (٥)، والطبري (٦)، وغيرهم.
(١) «مقدمة في أصول التفسير» (ص٨١).
(٢) انظر: «إنباه الرواة» (٣/ ٢٨٧).
(٣) انظر: «طبقات النحويين واللغويين» للزبيدي (ص١٧٦).
(٤) «معجم الأدباء» (١٩/ ١٥٩).
(٥) انظر: «طبقات النحويين واللغويين» (ص١٧٦).
(٦) انظر عبارته في: التفسير (١/ ٥٨)، وقد تكررت فيه هذه العبارة، وهي في أبي عبيدة. وانظر تصريحه باسمه (٢٧/ ٢٨١).
٦٣
ومن أمثلة تفسيراته التي لم يراع فيها أسباب النزول وملابساته، تفسيره لقوله تعالى: ﴿... وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾ [الأنفال: ١١]، قال في تفسير: ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾: «مجازه: يفرغ عليهم الصبر وينزله عليهم فيثبتون لعدوهم» (١).
وسبب النزول يدل على أن التثبيت حقيقي؛ أي: يثبت أقدامهم فلا تسوخ في الرمل، وبهذا جاء التفسير عن الصحابة ومن بعدهم.
قال الطبري - معلقًا على قول أبي عبيدة ـ: «وذلك قولٌ خلافٌ لقول جميع أهل التأويل من الصحابة والتابعين، وحسب قول خطأ أن يكون خلافًا لقول من ذكرنا، وقد بينا أقوالهم فيه، وأن معناه: ويثبت أقدام المؤمنين بتلبيد المطر الرمل حتى لا تسوخ أقدامهم وحوافر دوابهم» (٢).
٣ - فَهْمُ السلف للقرآن حجة يحتكم إليه لا عليه، ولذا فإن ورود تفسير من تفاسيرهم مبني على فهمهم لغتهم يكون حجة يرجع إليها، وقد أغرب أبو حيان في تفسير قوله تعالى: [٤٥] ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [يوسف: ٢٤] حيث قال: «والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب؛ لأنهم قدَّروا جواب (لولا) محذوفًا، ولا يدل عليه دليل؛ لأنهم لم يقدروا لـ (همَّ بها)، ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط؛ لأن ما قبل الشرط دليل عليه، ولا يحذف الشيء لغير دليل عليه» (٣).
فقوله ﵀: «والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب» قول غريب، فهل أبو حيان أعلم من السلف - الذين نزل بلغتهم القرآن - بكلام
(١) «مجاز القرآن» (١/ ٢٤٢).
(٢) «تفسير الطبري» (٩/ ١٩٧)؛ وانظر: «تفسير ابن عطية» (١٣/ ٢٤٥، ٩/ ٤٢٩)؛ و«معاني القرآن» للنحاس (٤/ ٣٠٩، ١١٠).
(٣) «البحر المحيط» (٥/ ٢٩٥).
٦٤
العرب؟ وهل أبو حيان أعلم بمعاني كلام الله منهم؟ كل هذا بغض النظر عن المرويات التي رويت عنهم؛ لأن المراد هنا هو قضية المنهج الذي انتهجه أبو حيان في هذه العبارة. [٤٦]
فالصلاة في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾ [التوبة: ٨٤] تحتمل الدعاء، وتحتمل صلاة الجنازة، وهذا هو المقدم؛ لأنه المعنى الشرعي.
وفي قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣]، فالصلاة هنا هي الدعاء، وهو المعنى اللغوي، لقوله ﷺ: «اللهم صلّ على آل أبي أوفى» (٤).
(١) «البرهان في علوم القرآن» (١/ ٢٩١).
(٢) «البرهان في علوم القرآن» (٢/ ١٧٢).
(٣) في هذا المثال ونحوه؛ يلاحظ أن معرفة المعنى اللغوي لا تكفي في تحديد المراد، بل الأمر محتاج إلى النقل، وههنا نحن بحاجة إلى ما يمكن أن نسميه بـ (أحوال النزول)، ومنها قصة الآية كما في هذا المثال.
(٤) انظر: «البرهان» للزركشي (٢/ ١٦٧)؛ و«أصول التفسير» لابن عثيمين (ص٢٩، ٣٠).
٦٢
تنبيهات حول تفسير القرآن باللغة:
١ - يعد بعض الباحثين أبا عبيدة معمر بن المثنى والفراء والزجاج أئمة التفسير اللغوي، ولا ينظرون إلى تفاسير الصحابة والتابعين اللغوي، ويعدونها من التفسير بالأثر، وسبب هذا الخطأ اعتماد مصطلح المأثور - وسيأتي نقاشه - والصواب أن الإمامة في التفسير اللغوي للصحابة والتابعين.
فالصحابة عرب خُلَّص، وبلغتهم نزل القرآن، والتابعون أخذوا عنهم العلم، وهم في عصر الاحتجاج، فكيف لا يكونون أئمة اللغة، ولذا يقع الخطأ حينما يجعل تفسير الصحابة والتابعين اللغوي تفسيرًا أثريًّا مقابل تفسير هؤلاء المتأخرين من اللغويين الذي يُجعَل تفسيرهم لغويًّا.
وهذا التقرير لا يعني هضم هؤلاء حقهم في التفسير اللغوي، ولكن المقصود أن رتبتهم فيه دون رتبة الصحابة والتابعين.
٢ - فسَّر أبو عبيدة معمر بن المثنى القرآن معتمدًا على اللغة فقط، غير ناظر إلى أسباب النزول وملابساته، فجعل القرآن نصًّا عربيًّا مجردًا، وهذه الطريقة التي سلكها [٤٤] أبو عبيدة من أسباب الخطأ في التفسير كما ذكره شيخ الإسلام (١).
وقد أنكر عليه هذا المسلك علماء عصره ومن جاء بعدهم؛ كالأصمعي (٢)، وأبي حاتم السجستاني (٣)، والفراء (٤)، وأبي عمر الجرمي (٥)، والطبري (٦)، وغيرهم.
(١) «مقدمة في أصول التفسير» (ص٨١).
(٢) انظر: «إنباه الرواة» (٣/ ٢٨٧).
(٣) انظر: «طبقات النحويين واللغويين» للزبيدي (ص١٧٦).
(٤) «معجم الأدباء» (١٩/ ١٥٩).
(٥) انظر: «طبقات النحويين واللغويين» (ص١٧٦).
(٦) انظر عبارته في: التفسير (١/ ٥٨)، وقد تكررت فيه هذه العبارة، وهي في أبي عبيدة. وانظر تصريحه باسمه (٢٧/ ٢٨١).
٦٣
ومن أمثلة تفسيراته التي لم يراع فيها أسباب النزول وملابساته، تفسيره لقوله تعالى: ﴿... وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾ [الأنفال: ١١]، قال في تفسير: ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾: «مجازه: يفرغ عليهم الصبر وينزله عليهم فيثبتون لعدوهم» (١).
وسبب النزول يدل على أن التثبيت حقيقي؛ أي: يثبت أقدامهم فلا تسوخ في الرمل، وبهذا جاء التفسير عن الصحابة ومن بعدهم.
قال الطبري - معلقًا على قول أبي عبيدة ـ: «وذلك قولٌ خلافٌ لقول جميع أهل التأويل من الصحابة والتابعين، وحسب قول خطأ أن يكون خلافًا لقول من ذكرنا، وقد بينا أقوالهم فيه، وأن معناه: ويثبت أقدام المؤمنين بتلبيد المطر الرمل حتى لا تسوخ أقدامهم وحوافر دوابهم» (٢).
٣ - فَهْمُ السلف للقرآن حجة يحتكم إليه لا عليه، ولذا فإن ورود تفسير من تفاسيرهم مبني على فهمهم لغتهم يكون حجة يرجع إليها، وقد أغرب أبو حيان في تفسير قوله تعالى: [٤٥] ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [يوسف: ٢٤] حيث قال: «والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب؛ لأنهم قدَّروا جواب (لولا) محذوفًا، ولا يدل عليه دليل؛ لأنهم لم يقدروا لـ (همَّ بها)، ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط؛ لأن ما قبل الشرط دليل عليه، ولا يحذف الشيء لغير دليل عليه» (٣).
فقوله ﵀: «والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب» قول غريب، فهل أبو حيان أعلم من السلف - الذين نزل بلغتهم القرآن - بكلام
(١) «مجاز القرآن» (١/ ٢٤٢).
(٢) «تفسير الطبري» (٩/ ١٩٧)؛ وانظر: «تفسير ابن عطية» (١٣/ ٢٤٥، ٩/ ٤٢٩)؛ و«معاني القرآن» للنحاس (٤/ ٣٠٩، ١١٠).
(٣) «البحر المحيط» (٥/ ٢٩٥).
٦٤
العرب؟ وهل أبو حيان أعلم بمعاني كلام الله منهم؟ كل هذا بغض النظر عن المرويات التي رويت عنهم؛ لأن المراد هنا هو قضية المنهج الذي انتهجه أبو حيان في هذه العبارة. [٤٦]
سادسًا: التفسير بالاجتهاد والرأي (١)
الاجتهاد، والرأي، والاستنباط، والعقل (٢)، كلها مصطلحات تدل على مدلول واحد عند علماء علوم القرآن.
وقد غلب مصطلح الرأي على هذه المصطلحات، ولذا فهو الذي سيتكرر ذكره.
مسألة: هل وقع خلاف في جواز التفسير بالرأي؟
يذكر بعض الباحثين خلافًا في مسألة ما، وليس هناك خلاف حقيقي، ومن هذه المسائل مسألة التفسير بالرأي.
ويرجع سبب هذا إلى عدم تحرير محل النزاع؛ لأن في تحرير محل النزاع توضيحًا لعدم وجود خلافٍ حقيقي.
والرأي قال به الصحابة والتابعون من بعدهم (٣) وعملوا به، ومنهم صدِّيق الأمة أبو بكر الذي قال في الكلالة لما سئل عنها: «أقول فيها برأيي فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان» (٤).
(١) انظر هذا المبحث بتفاصيل أخرى في: «مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير» (ص٢٠٩ - ٢٢٩)؛ و«مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر» (ص١٩ - ٥٠).
(٢) يطلق بعض الباحثين هذا المصطلح على سبيل الذم، فيجعلون (التفسير العقلي) من قبيل التفسير الذي يكون عن جهل أو هوى، وهو التفسير المذموم.
(٣) انظر مثالًا له في: «تفسير الطبري» (٢٦/ ١٦٢، ١٦٣)، وقد سبق نقله في (ص٣٨).
(٤) راجع مرويات هذا الأثر في: «تفسير الطبري» (٤/ ٢٨٤).
٦٥
وهذا الرأي الذي عمل به الصحابة هو الرأي المحمود، وهو المبني على علم أو غلبة ظن.
أما الرأي المذموم فهو الذي وقع عليه نهي السلف، وشنعوا على صاحبه، وهو ما كان على جهل أو هوى.
والذين حكوا الخلاف في الرأي لم يبينوا نوع الرأي الذي وقع عليه النهي، ولو فعلوا لما احتاجوا إلى جعل قولين في هذه المسألة ثم ترجيح بينهما (١).
وقد تورع بعض السلف عن القول في التفسير (٢)، وكان لذلك أسبابٌ؛ كخشية القول على الله بغير علم، والوقوع في الرأي المذموم. [٤٧]
قال عبيد الله بن عمر: «لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليغلظون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع» (٣).
وكان بعضهم لا يقول في التفسير إلا بما بلغه، ويكره القول فيه فيما لم يبلغه فيه أثر عمن سبقه، ومن ذلك ما رواه يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، أنه لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن (٤).
ويظهر أن هذا المسلك صنيع عدد من الأئمة الذين كتبوا التفسير؛ كعبد الرزاق، وابن أبي حاتم، وسفيان بن عيينة، وغيرهم، ممن كتب عمن سلفه ما وصله من آثارهم، دون أن يكون له عليها تعليق.
وكان الإمام أحمد ممن نهى عن الكتابة في معاني القرآن، ولعل نهي
(١) وبعضهم انتهى إلى أن الخلاف لفظي؛ كالدكتور محمد حسين الذهبي في كتابه «التفسير والمفسرون» (١/ ٢٤٦ - ٢٥٥).
(٢) وقع هذا التورع عند بعض التابعين من أهل المدينة وأهل الكوفة من تلاميذ ابن مسعود.
(٣) «تفسير الطبري» (١/ ٣٧)، وانظر ما بعدها.
(٤) «تفسير الطبري» (١/ ٣٨).
٦٦
الإمام جاء بعد وقوع فتنة التأويل في كلام الله سبحانه، وتحميل النص القرآن معان غير مرادة فيه، كما فعل المعتزلة، وغيرهم.
قال الإمام أحمد لأبي عبيد القاسم بن سلام: «بلغني أنك تؤلف كتابًا في القراءات أقمت فيه الفراء وأبا عبيد أئمة تحتج لهم في معاني القرآن؛ فلا تفعل» (١).
ومما يوضح هذا المنهج عبارة شيخ الإسلام التي نقل فيها كلام الإمام أحمد في الفراء.
ففي قوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى: ٩] نقل الإمام ابن تيمية قول الفراء، ومن تبعه، وهو: إن نفعت، وإن لم تنفع.
ثم قال بعد ذلك - معقبًا ـ: «وهذا الذي قالوه معنى صحيح، وهو قول الفراء وأمثاله، لم يقله أحد من مفسري السلف، ولهذا كان الإمام أحمد بن حنبل ينكر على الفراء ما ينكره، ويقول: «كنت أحسب الفراء رجلًا صالحًا حتى رأيت كتابه في معاني القرآن». [٤٨]
وهذا الذي قالوه مدلول عليه بآيات أخر، وهو معلوم بالاضطرار من أمر الرسول ﷺ، فإن الله بعثه مبلغًا ومذكرًا لجميع الثقلين - الجن والإنس - لكن ليس هو المعني في هذه الآية» (٢).
مسألة: ما العلم الذي يحتاجه من فسَّر برأيه؟
من أهم العلوم التي يحتاجها المفسر، علم اللغة، وذلك لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، ولذا فإن هذا العلم لا ينفك عن أي آية، بل هو ملازم لها.
ويلزم في بعض الآيات علوم لا تلزم في أخرى غيرها؛ كالآية العامة
(١) «طبقات المفسرين» للداودي في ترجمة: إسماعيل بن إسحاق الأزدي (١/ ١٠٨).
(٢) «دقائق التفسير» (٥/ ٧٦).
٦٧
المخصَّصة، فإنه يلزم معرفة مخصِّصها، والآية المنسوخة، فإنه يلزم معرفة ناسخها ... وغيرها من العلوم التي لا تدور في كل آية.
وباختلاف الطبقات يختلف المطلوب من العلوم كذلك، فمن كان في طبقة الصحابة، فإنه يلزمه - مع ما ذكر - معرفة التفسير النبوي للآيات، ومعرفةُ أسباب النزول، وقصص الآية.
ومن كان في طبقة التابعين يلزمه زيادة معرفة تفسير الصحابة؛ كي لا يخرج عن أقوالهم إن أجمعوا أو حكوا سبب نزوله، أو فسَّروا أمرًا غيبيًّا، ويجتهد ويختار إن اختلفوا.
وكذا من جاء بعد التابعين، فيلزمه معرفة ما قاله التابعون مما أجمعوا عليه، فلا يخالف، أو ما اختلفوا فيه، فيجتهد في بيان الصحيح.
مسألة: هل للتفسير المذموم حد يعرف به؟
إنك في هذه المسألة أمام تفاسير كثيرة يحكي المفسرون ذمَّها؛ كتفسير المعتزلة، والرافضة، والباطنية، وغيرهم. [٤٩]
وحكاية الذم لهذه التفاسير تعني أنهم خالفوا أصولًا متفقًا على ثباتها في التفسير.
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في (فصل: الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال) (١) = إلى نوعين يمكن جعلهما سببًا في الحكم على تفسير ما بأنه مذموم.
الأول: من اعتقد معاني، ثم أراد حمل ألفاظ القرآن عليها.
وهؤلاء صنفان:
الصنف الأول: من يسلب لفظ القرآن ما دل عليه، وأريد به.
الصنف الثاني: من يحمل لفظ القرآن على ما لم يدل عليه، ولم يُردْ به.
(١) انظر: «مقدمة في أصول التفسير» (ص٨١).
٦٨
وهذان الصنفان قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلًا؛ فيكون خطؤهم في الدليل والمدلول.
وقد يكون حقًّا فيكون خطؤهم في الدليل لا المدلول.
وهذا القسم ينطبق على طوائف من المبتدعة؛ كالجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة، والرافضة، والصوفية .. إلخ.
ومن أمثلة خطئهم في الدليل والمدلول: تأبيد النفي في قوله تعالى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣] في قصة موسى، وقد قال به المعتزلة، وذلك لأنهم اعتقدوا قبل هذا أن الله لا يُرى، فعمدوا إلى القرآن، فاستدلوا بآيات لا دلالة فيها على مذهبهم، مثل هذه الآية.
ونفيهم للرؤية في قوله تعالى: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٣]، وذلك لأنهم اعتقدوا أن الله لا يُرى، فحرفوا معنى هذه الآية لتوافق مذهبهم.
وقد كانت هذه الطريقة سببًا لِوُلُوج كثير من المبتدعة؛ كالرافضة، والفلاسفة والقرامطة .. باب التأويل، وتحريف نصوص كلام الله سبحانه.
ومن أمثلة خطئهم في الدليل لا في المدلول - وهو كثير عند الصوفية والوعاظ - تفسير بعض الصوفية قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ [٥٠] يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ ... الآية [البقرة: ٢٤٩]، قال: هذه الآية مَثَلٌ ضَرَبَه الله للدنيا فشبهها الله بالنهر، والشارب منه بالمائل إليها والمستكثر منها، والتارك لشربه بالمنحرف عنها والزاهد فيها، والمغترف بيده غرفة بالآخذ منها قدر الحاجة، وأحوال الثلاثة عند الله مختلفة.
قال القرطبي: «قلت: ما أحسن هذا لولا ما فيه من التحريف في التأويل، والخروج عن الظاهر، لكن معناه صحيح من غير هذا» (١).
(١) «تفسير القرطبي» (٣/ ٢٥١).
٦٩
وقد يكون خطؤهم في الدليل والمدلول كذلك؛ كاستدلال بعض المتصوفة بقوله تعالى: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ [ص: ٤٢] على جواز الرقص (١).
الثاني: من فسر القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب، من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن، والمنزل عليه والمخاطب به، وملابسات النزول؛ كأسباب النزول وقصص الآيات، وعادات المخاطبين ... إلخ.
وقد ذكرت مثالًا لذلك في التنبيهات على التفسير باللغة، عند الحديث عن منهج أبي عبيدة.
فهذان النوعان إذا وقعا في تفسير ما فإنه يحكم بذمِّه، نظرًا لأنه فسَّر القرآن بما لا يسوغ له، وحمله على غير المراد به.
ولذا فإن تفاسير السلف لا يوجد فيها تفاسير على هذه الشاكلة، وإن كان ورد عن مجاهد بعض التفاسير المذمومة؛ كتفسيره قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [البقرة: ٦٥].
قال: لم يمسخوا، إنما هو مثل ضُرِب لهم، كما ضرب لهم مثل الحمار يحمل أسفارًا (٢).
وهذه التفاسير المذمومة التي وردت عنه، لم تخرجه - رحمه الله تعالى - عن الإمامة [٥١] في التفسير، حتى قال سفيان الثوري: «إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به» (٣).
وإذا حكم على كتاب في التفسير بأنه مذموم، فإن هذا يكون بالنظر إلى منهج الاستدلال عند هذا المفسر.
(١) «تفسير القرطبي» (١٥/ ٢١٥).
(٢) تفسير الطبري (١/ ٣٣٢)،وقد ردَّ تأويله الإمام الطبري، وانظر مثالًا آخر من تفاسيره المذمومة في تفسير الطبري (٣٠/ ٢٨٢).
(٣) تفسير الطبري (١/ ٨٥) ط. هجر.
٧٠
فالمعتزلة - مثلًا - مصنفون في هذا النوع من الرأي، نظرًا لمنهجهم في الاستدلال ولتحريفهم بعض الآيات لتوافق ما يعتقدون.
ومع الحكم على تفسير ما من تفاسيرهم بأنه مذموم، كتفسير الزمخشري، فإن هذا لا يعني أن كل تفسيره مذموم، بل فيه ما يوافق الحق. [٥٢]
* * *
٧١
طرق التفسير
١ - تفسير القرآن بالقرآن:
أنواعه:
١ - بيان المجمل.
٢ - تقييد المطلق.
٣ - تخصيص العام.
٤ - تفسير المفهوم من آية بأخرى.
٥ - تفسير لفظة بلفظة.
٦ - تفسير معنى بمعنى.
٧ - تفسير أسلوب في آية بأسلوب في آية أخرى.
٢ - تفسير القرآن بالسنة:
أنواعه:
١ - أن يبتدأ النبي ﷺ الصحابة بالتفسير.
٢ - أن يشكل على الصحابة فهم أية فيفسرها لهم.
٣ - أن يذكر في كلامه ما يصلح أن يكون تفسيرًا.
٤ - أن يتأول القرآن فيعمل به.
٣ - تفسير القرآن بأقوال الصحابة:
مصادر الصحابة في التفسير:
١ - القرآن الكريم.
٢ - السنة النبوية.
٣ - اللغة العربية.
٤ - أهل الكتاب.
٥ - الفهم والاجتهاد.
٤ - تفسير القرآن بأقوال التابعين:
مصادر التابعين في التفسير:
١ - القرآن الكريم.
٢ - السنة النبوية.
٣ - الصحابة.
٤ - اللغة العربية.
٥ - أهل الكتاب.
٦ - الفهم والاجتهاد.
٥ - تفسير القرآن باللغة
٦ - تفسير القرآن بالرأي والاجتهاد
٧٢