اسم المؤلف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (٣٨٤ - ٤٥٨ هـ)
اسم المحقق: السيد أحمد صقر
الناشر: مكتبة دار التراث - القاهرة
الطبعة: الأولى، ١٣٩٠ هـ - ١٩٧٠ م
عدد الأجزاء: ٢
أعده للمكتبة الشاملة: محمد المنصور (٢١/ ٧/ ١٤٣٦ هـ = ١٠/ ٥/ ٢٠١٥ م)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صفحة المؤلف: [أبو بكر البيهقي]
الموضوع: سيرة وترجمة العالم النبيل الإسلامي
- -٥٥ - باب ما يستدل به على تمكن الشافعي، رحمه الله، من عقله، وما يؤثر عنه في الآداب
- -٥٦ - باب ما يستدل به على سخاوة الشافعي، رحمه الله، وحسن جوده،
- -٥٧ - باب ما يستدل به على شهادة أئمة المسلمين وعلمائهم للشافعي
- -٥٨ - باب ما يؤثر من خضاب الشافعي، رحمه الله، ولباسه وهيئته، ونقش خاتمه
- -٥٩ - باب ذكر وصية الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه
- العودة الي كتاب مناقب الشافعي للبيهقي
باب ما يستدل به على تمكن الشافعي، رحمه الله، من عقله، وما يؤثر عنه
في الآداب
* * *
أخبرنا عبد الرحمن: محمد بن الحسين السّلمي قال:
حدثنا عباس بن الحسن قال: أنبأنا محمد بن الحسين بن سعيد، قال: حدثنا زكريا بن
يحيى قال: حدثني أحمد بن العباس النّسائي قال: سمعت علي بن عثمان [١] وجعفر
الوراق يقولان:
سمعنا أبا عُبَيد: القاسم بن سلام يقول: ما رأيت رجلا
قط أعقل من الشافعي [٢] رحمه الله.
وقرأته أيضا في كتاب زكريا
السّاجِي بإسناده هذا، رواية أبي إسحاق: إبراهيم بن محمد القراب عنه. وقد مضى في
حكاية [٣] أحمد بن حنبل في ذكر الشافعي حين قال: فإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف أن
لا تجده إلى يوم القيامة.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو
أحمد الدارمي قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال: حدثنا أبي
قال:
(١) في ح: «بن يحي».
(٢) توالي التأسيس ٥٥.
(٣)
في ح: «في كتابه قول».
حدثنا حرملة قال: سمعت الشافعي يقول: كلّ ما
قلته [١] لكم ولم تشهد عليه عقولكم أو تقبله أو تراه حقاً - فلا تقبلوه؛ فإن [٢]
العقل مضطر إلى قبول الحق.
أخبرنا محمد بن الحسين قال: حدثنا عبد الله
بن سعيد البُسْتي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف العتبي [٣] قال: حدثنا محمد بن
محمد بن عبد الله الرازي، بدمشق، قال: سمعت أبا القاسم: عبد الله بن محمد
القزويني يقول:
سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: لو أن عقول الناس كلّهم
جُعلت في عقل الشافعي لغرقت عقولُهم في عقله.
قال: وسمعت عبد الله بن
محمد القزويني [٤] يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي
يقول: الكلام يقظةُ العقل، والسكوتُ نومه، فانظر كيف مراعاتك له في نومه ويقظته
[٥].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أنبأني أبو عمر بن السّمّاك،
شِفَاهاً، أنّ أبا موسى الذّرقي [٦] حدثهم قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال:
قال
الشافعي: الذي يحتاج إليه الناس من المرَمّة أكثر مما يحسب، وإن الدّوابّ لتُراضُ
فتستقيم.
(١) في ح: «قلت».
(٢) في ح: «وإن».
(٣)
في ا: «الهيتي».
(٤) في ح: «الفقيه».
(٥) مناقب الشافعي
للرازي ١٢٢.
(٦) في ا: «الدرمي».
وأخبرنا أبو عبد الله
قال: حدثنا أبو الوليد قال: سمعت محمد بن إسحاق يحكي عن يونس بن عبد الأعلى
قال:
سمعت الشافعي يقول: سياسة [١] الناس أشد من سياسة الدواب [٢].
أخبرنا
محمد بن الحسين السلمي قال: حدثنا الحسين بن علي التميمي، وأبو الحسن القصّاب،
الفقيه الرازي، بالرّيّ، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا أحمد بن
عمرو بن أبي عاصم قال: سمعت إبراهيم بن محمد بن [٣] الشافعي يقول:
قال
الشافعي: إنّ للعقل حدًّا ينتهي إليه كما أن للبصر حد ينتهي إليه [٤]
أخبرنا
أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن الصوفي قال: سمعت أبا علي الزَّعُورِي يقول: سمعت
الزّبير الأسَدَبَاذِي يقول: سمعت: أحمد بن يحيى بن زكريا المصري يقول: [سمعت
الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول:] [٥] العاقلُ من عَقَلَه عقْلُه عن كلّ مذموم
[٦].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد
قال: حدثني أبو علي: الحسن بن حبيب، بدمشق، قال:
سمعت الربيع يقول:
سمعت الشافعي يقول: والله الذي لا إله إلا هو، لو علمت أنّ شرب الماء البارد ينقص
من مروءتي ما شربته، ولو كنت اليوم ممن يقول الشعر لرثيت المروءة [٧].
(١)
في ا: «سبات. . . من سبات»!
(٢) مناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
(٣)
ليست في ح.
(٤) مناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
(٥) الزيادة من
ح وحدها.
(٦) مناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
(٧) مناقب الشافعي
للرازي ٢٢٢ وتوالي التأسيس ٢٥.
أخبرنا أبو عبد الله قال: حدثني أبو
عبد الله: محمد [١] بن محمد بن الحسين المذكر قال: حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله ابن بنت محمد بن إدريس الشافعي قال: حدثني
أبي قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي وهو يعاتب أبا عثمان ابنه فقال: يا بني،
والله لو علمت أنّ الماء البارد يثلم من مروءتي شيئاً ما شربت إلا حارّا.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السّلمي قال: سمعت أبا منصور: محمد بن القاسم ابن عبد الرحمن
يقول: سمعت إبراهيم بن محمود يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت
الشافعي يقول: المروءة أربعة أركان: حسن الخلق، والسخاء، والتواضع، والنّسك
[٢].
وأخبرنا أبو عبد الرحمن قال: سمعت عبد الله بن الحسين السّلامي،
سمعت علي بن أحمد الحَرّاني يقول: سمعت أيوب بن سليمان قال:
قال [٣]
الشافعي: المروءة عفّة الجوارح عما لا يعنيها.
قال: وقال محمد بن
إدريس الشافعي:
جوهر المرء في خلال ثلاث: كتمان الفقر حتى يظنّ الناس
من عفّتك أنّك غني، وكتمان الغضب حتى يظنّ الناس أنك راضٍ، وكتمان الشّدّة حتى
يظن الناس أنك متنعم.
(١) في ا: «أحمد».
(٢) مناقب الشافعي
للرازي ١٢٢.
(٣) في ح: «قال لنا».
قال: وقال الشافعي: من
أحب أن يقضى له بالحسنى [١] فليحسن بالناس الظن.
أخبرنا محمد بن
الحسين قال: سمعت ناصر بن محمد يقول: سمعت أبا عبد الله: محمد بن عبد الله بن
سعيد بن سليمان الجوهري، المعروف بالأندلسي، يقول: سمعت البويطي يقول:
سمعت
الشافعي يقول: لا يكمل الرجل في الدنيا إلا بأربع: بالديانة، والأمانة، والصيانة،
والرَّزَانة [٢].
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا عبد الله
بن الحسين السّلامي، بمرو، قال: حدثنا أبو الحسن: علي بن محمد المصري بملاجرد [٣]
قال: حدثنا أبو أيوب بن سليمان الحَرْبِي قال: سمعت محمد بن محمد بن إدريس
الشافعي يقول: رآني أبي [٤] محمد بن إدريس وأنا أعجل في بعض الأمر فقال يا بني،
رفقاً رفقاً؛ فإنّ العجلة تنقص الأعمال، وبالرفق تدرك الآمال [٥].
وقال:
سمعت عبد الرحمن بن أبي بكر يقول: سمعت الزهري يقول: سمعت عروة بن الزبير يقول:
سمعت أبا هريرة يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن
الله رفيق يحبّ الرفق
(١) في ح: «بالخير».
(٢) مناقب
الشافعي للرازي ١٢٢.
(٣) في ا: «بميارجرد» وفي هـ: «بملارحرد».
(٤)
في ا: «أبو محمد».
(٥) مناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
ويعطى
عليه مالا يعطى على العنف» [١].
أخبرنا بهذا الحديث أبو بكر: أحمد بن
الحسن القاضي قال: حدثنا أبو حفص: عمر بن محمد بن أحمد الجمحي، بمكة، قال: حدثنا
علي بن عبد العزيز قال: حدثنا القَعْنَبي قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر
التيمي، عن ابن شهاب، عن عروة، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحبّ الرفق ويعطى عليه ما لا يعطى على العنف».
أخبرنا
محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت عبد الله بن الحسين الصوفي يقول: سمعت محمد بن
علي البلخي يقول: أنبأنا أبو عمر: بشران ابن يحيى الأصبهاني قال: سمعت علي بن
إسماعيل بن طَبَاطِبَا العَلَوِي يقول: سمعت أبي يقول:
سمعت الشافعي
يقول: الانبساط إلى الناس مَجْلَبَةٌ لقرناء السوء، والانقباض عنهم مكسبة
للعداوة، فكن بين المُنْقَبِض والمُنْبَسِط [٢].
وبهذا الإسناد
قال:
سمعت الشافعي يقول: ما أكرمت أحداً فوق مقداره إلا اتضع من قدري
عنده بمقدار ما أكرمته به [٣].
(١) الحديث من رواية أبي هريرة في سنن
ابن ماجه ٢/ ١٢١٦، ومن رواية عائشة أيضا. ومن رواية علي بن أبي طالب في مسند أحمد
٢/ ١٧٣ ومن رواية عبد الله بن مغفل في الأدب المفرد للبخاري ١٢٥ وفي سنن أبي داود
٤/ ٣٥٢.
(٢) حلية الأولياء ٩/ ١٢٢ ومناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
(٣)
مناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا
زرعة: أحمد بن الحسن [١] الصوفي الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن الحسين [٢]
المصري يقول:
سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي
يقول: ثلاثة إن أهنتهم أكرموك، وإن أكرمتهم أهانوك: المرأة، والمملوك،
والنَّبَطِيّ [٣].
وبهذا الإسناد قال:
سمعت الشافعي، رضي
الله عنه، يقول: لا وفاء لعبد، ولا شكر للئيم، ولا صّنِعة عند نَذْل.
وبهذا
الإسناد قال:
سمعت الشافعي، رضي الله عنه [يقول:] [٤] أربعة لا يعبأ
الله بهم يوم القيامة تقوى جُنْدِي، وزهد خصى، وأمانة امرأة، وعبادة صَبِي
[٥].
أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي قال: أنبأنا الحسن بن رشيق،
إجازة، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الجَلّاب قال: سمعت المزني يقول:
سمعت
الشافعي يقول: أقمت أربعين سنة أسأل إخواني الذين تزوجوا عن أحوالهم في تزويجهم،
فما منهم أحد [٦] قال: إنه رأى خيراً.
(١) في ا: «الحسين».
(٢)
في ا: «الحسن».
(٣) مناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
(٤) الزيادة
من ح.
(٥) مناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
(٦) في ا: «أحد إلا
قال».
قال: وسمعت الشافعي يقول: سمعت بعض أصحابنا ممن أثق به قال [١]:
تزوجت لأصون ديني فذهب ديني ودين أمي ودين جيراني!
قال: وسمعت الشافعي
يقول: ثلاثة إن أهنتهم أكرموك، وإن أكرمتهم أهانوك: المرأة، والمملوك،
والنّبَطِيّ.
قلت: وهذا الذي ذكره الشافعي في هذه الحكاية، خبر عن قوم
لم يَرَوْا فيما جرَّبوا من النكاح غِبْطةً، فأما الاستحباب فقد قال «في كتاب
أحكام القرآن»: أحببت له النكاح إذا كان ممن تَتُوقُ نفسه إليه؛ لأن الله أمر به
ورضيه وندب إليه وجعل فيه أسباب منافع. وقرأ الآيات والأخبار التي وردت فيه وقال:
ومن لم تتق نفسه إليه ولم يحتج إلى النكاح، فلا أرى بأساً أن يدع النكاح، بل أحبّ
ذلك، وأن يتخلى لعبادة الله تعالى.
وقال في القديم - رواية الحسن بن
محمد الزّعْفَرَانِي عنه:
فأحبّ أن لا ينكح، وليتفرغ لله تعالى، وخفّة
المؤنة. ومن كانت تنازعه نفسه إليه فأُحبّ أن ينكح ويُحْرزَ دينه.
قال:
وأحبّ نكاح ذات الدِّين والعقل؛ فإن أهل العقل من كلّ صنف أقربهم من الدوام على
الخير، والانتقال من الشر.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي قال: سمعت
أبا الحسن: أحمد بن محمد ابن مقسم، ببغداد، يقول: سمعت أبا بكر: أحمد بن عبد الله
السجستاني يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
(١) مناقب الشافعي
للرازي ١٢٢.
سمعت الشافعي يقول: صحبة من لا يخاف العار عارٌ يوم
القيامة [١].
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا الحسن بن رشيق
المصري، إجازة، قال: حدثنا محمد بن الربيع بن سليمان ومحمد بن سفيان بن سعيد؛
قالا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال:
قال لي [٢] الشافعي: عاشر كرَامَ
الناس تعش كريما، ولا تعاشر اللئام فتنسب إلى اللؤم [٣].
أخبرنا محمد
بن الحسين الصوفي قال: سمعت أبا بكر بن شَاذَان يقول: سمعت أبا الفضل بن مُهَاجِر
يقول: سمعت المزني يقول:
سمعت الشافعي يقول: أظلم الظالمين لنفسه من
تواضع لمن لا يكرمه، ورغب في مودّة من لا ينفعه، وقبل مدح من لا يعرفه [٤].
وأخبرنا
أبو سعد [٥] المَالِينِي قال: أنبأنا أبو الفتح: محمد بن أحمد بن علي ابن النعمان
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي ثابت قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال:
سمعت
الشافعي يقول: إن أظلم الناس لنفسه من رغب في مودة من لا يراعى حقّه.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن العباس
(١)
مناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
(٢) سقطت من ح.
(٣) مناقب
الشافعي للرازي ١٢٢.
(٤) مناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
(٥) في
ح: «أبو سعيد».
(م ١٣ - مناقب جـ ٢)
الضبي يقول: سمعت أبا
عبد الله: محمد بن حمدان الطرائفي يقول: سمعت الربيع ابن سليمان يقول:
سمعت
الشافعي يقول: ليس بأخيك من احتجت إلى مُدَارَاتِه [١].
أخبرنا أبو
عبد الرحمن السّلمي قال: سمعت علي بن أحمد بن إبراهيم الفارسي [٢] يقول: سمعت أبا
عبد الله: محمد بن حفص يقول:
سمعت عبيد الله بن أحمد يقول: سمعت
الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول: من صدَق في أخوة أخيه
قَبِلَ عِلَلَه، وسدّ خَلَلَه، وعفا عن زَلَلِه [٣].
وبهذا الإسناد
قال:
سمعت الشافعي يقول: المعتذر من غير ذنب يوجب [٤] على نفسه ذنبا
[٥].
وبإسناده عن الشافعي قال: إني إذا أبغضت الرجل أبغضت شِقِّيَ
الذي يليه.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت منصور بن عبد الله
يقول: سمعت عبد الصمد بن يعقوب البزاز: بمصر، يقول:
سمعت المزني يقول:
سألت الشافعي: من السّفلة؟ قال: من يكون إكرامه لمخالفيه أكثر من إكرامه لأهل
مذهبه، وليس ذلك لقلّة فضله وعلمه،
(١) مناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
(٢)
سقطت من ح.
(٣) مناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
(٤) في ا:
«موجب».
(٥) مناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
يريد أن يستكثر بهم
ومتى يوالي العدو؟ [١].
حدثنا أبو محمد: عبد الله بن يوسف الأصبهاني
قال: حدثنا أبو العباس: أحمد بن محمد بن يزيد اللبان، بهمذان، قال: حدثنا محمد بن
حمدان الطرائفي قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول:
طبع ابن آدم على اللؤم: فمن شأنه أن يتقرب ممن يتباعد منه، ويتباعد ممن يتقرّب
منه [٢].
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال: حدثنا الزبير بن عبد
الواحد قال: حدثني أحمد بن علي بن [٣] المدائني قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم
الكناس قال: حدثنا أحمد بن علي قال: [حدثني أسد بن سعيد، قال: حدثني الشافعي، رضي
الله عنه، قال: قال عمي: محمد بن علي قال] [٤] شيخ لنا: من أظهر شكرك بما لم تأت
إليه فاحذر أن يكفر نعمتك فيما أتيت إليه.
وبهذا الإسناد قال: حدثني
أسد بن سعيد قال:
سمعت الشافعي يقول: ليس سُرُورٌ يَعْدِلُ صحبةُ
الإخوان، ولا غمّ يعدل فراقهم [٥].
سقط من إسناده «أحمد بن علي»
الثاني الذي رواه عن أيد بن سعيد بن عفير بن أبي زكريا، في أحد الموضعين، وذكره
في موضع آخر.
(١) مناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
(٢) هذا النص
يصحح الخطأ الفاحش في حلية الأولياء ٩/ ١٢٤. والخبر في مناقب الشافعي للرازي
١٢٢.
(٣) ليست في ح.
(٤) الزيادة من ح.
(٥)
مناقب الشافعي للرازي ١٢٢.
وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا
عبد الله بن سعيد البُسْتِي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد بن
محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي قال: حدثنا جعفر بن أحمد بن محمد بن يحيى
الخولاني قال: حدثنا عمارة ابن وثيمة قال: حدثنا أحمد بن علي قال: حدثنا أسد بن
سعيد بن عفير قال:
سمعت الشافعي يقول: قال لي عمي محمد بن علي: من
أظهر شكرك بما لم تأت إليه فاحذر أن يكفر نعمتك فيما أتيت إليه.
وبإسناده
قال: حدثنا محمد قال: حدثنا الحسين بن علي النهاوندي [١]، بحمص، قال: سمعت عبد
الله بن محمد القزويني يقول: سمعت المزني يقول:
سمعت الشافعي يقول: من
أحسن ظنّه بلئيم كان أدنى عقوبته الحرمان.
أخبرنا أبو عبد الرحمن
السلمي قال: سمعت محمد بن أحمد الفقيه يقول: سمعت أحمد بن محمد بن الفضل المعدل
[٢] يقول: سمعت محمد بن جعفر بن نصر يقول: سمعت محمد بن القاسم المصري يقول: سمعت
أحمد بن علي بن صالح يقول: سمعت ابن عفير يقول:
سمعت الشافعي يقول: من
علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقا [٣].
وبهذا الإسناد عن ابن
عفير قال:
سمعت الشافعي يقول: ليس سُرُورٌ يَعْدِلُ صحبةَ الإخوان،
ولا غمّ يعدل
(١) كذا في هـ، ح، وفي ا: «التعاويذي».
(٢)
في ح: «العدل».
(٣) مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
فراقهم
[١].
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن الصوفي قال: سمعت أبا الحسن:
محمد بن محمد بن الحسن بن الحارث الكارزي يقول: سمعت أبا عبد الله: الحسين بن
محمد بن بحر المصري يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول:
سمعت الشافعي
يقول: لا تقصر في حقّ أخيك اعتماداً على مودّته [٢].
قال: وقال
الشافعي رضي الله عنه: لا تبذل وجهك لمن يهون عليه رَدُّك.
أخبرنا
محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعت أبي يقول: بلغني
أن رجلا قال للشافعي، رضي الله عنه: أوصني فقال: إن الله خلقك حرّا فكن كما خلقك
[٣].
قال: وبلغني عن الشافعي أنه قال: من بَرَّك فقد أوثقك، ومن جفاك
فقد أطلقك.
قال: وبلغني عن الشافعي، رضي الله عنه، أنه قال: من سمع
بأذنه صار حاكياً، ومن أَصْغَى بقلبه كان واعياً، ومن وَعظَ بفعله كان هادياً
[٤].
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا عبد الله بن سعيد،
بهمذان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد بن محمد عن [٥] عبد
الله بن جعفر الرازي، بدمشق، قال: حدثنا الطحاوي قال: حدثنا
(١) مناقب
الشافعي للرازي ١٢٢.
(٢) «... «... «١٢٣.
(٣) «... «...
«١٢٣.
(٤) «... «... «... ١٢٣.
(٥) في ا: «بن».
خير
[١] بن سعيد الحضرمي الإسكندراني قال: حدثنا أبو حفص: صاحب البويطي، عن البويطي،
عن الشافعي، رضي الله عنه، قال:
من نَمَّ لك نَمَّ بك، ومن نقل إليك
نقل عنك، ومن إذا أرضيته قال فيك ما ليس فيك - إذا أغضبته قال فيك ما ليس فيك
[٢].
أخبرنا أبو جعفر: محمد بن أحمد [٣] بن محمد بن جعفر القرميسيني
الخطيب قال: حدثنا أبو بكر بن المقري قال: حدثنا محمد بن المعافي الصيداوي،
بصيدا، قال: سمعت الربيع يقول:
سمعت الشافعي يقول: الكيس العاقل هو
الفطن المتغافل [٤].
وقرأت في كتاب أبي نعيم الأصبهاني: عن أحمد بن
محمد بن مقسم قال: سمعت أبا بكر الخَلَّال يقول: سمعت المزني يقول:
سمعت
الشافعي يقول: من [وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه و] [٥] من وعظه علانية فقد فضحه
وشانَه.
أخبرنا أبو الحسن [٦]: علي بن محمد بن عبد الله بن بشران
العدل، ببغداد: قال: أنبأنا دعلج بن أحمد بن دعلج قال: حدثنا أحمد بن عبد الله
ابن يوسف [٧] قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يحكي عن الشافعي: أنّ رجلين
(١)
كذا في ا، هـ، وفي ح: «حسين».
(٢) مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٣)
في ح: «محمد بن محمد».
(٤) حلية الأولياء ٣٢٣.
(٥) الزيادة
من ح. والخبر في مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٦) في ا: «أبو
الحسين».
(٧) في ح: «ابن سيف».
كانا يتعاتبان والشافعي
يسمع كلامهما، فقال لأحدهما: إنك لا تقدر [أن] [١] ترضي الناس كلّهم، فأصلح ما
بينك وبين الله عز وجل، فإذا أصلحت ما بينك وبين الله فلا تُبالِ بالناس.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين قال: حدثنا أبو محمد: عبد الله ابن سعيد بن عبد
الرحمن [بهمذان] [٢] قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف ابن عبد الله الهِيْتِي
قال: حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي قال: حدثنا محمد بن الحسين
[٣] بن عاكويه قال: حدثنا أحمد بن سعيد بن عُتَيب الصُّوري [٤] قال: سمعت الربيع
بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول: لو أنّ رجلا سَوَّى نفسه حتى صار
مثل القدح - لكان له في الناس من يعانده [٥].
وبإسناده قال: حدثنا
محمد الرازي قال: حدثنا الحسن بن حبيب، عن الربيع قال:
سمعت الشافعي
يقول: أصحاب المروءات في جهد.
وبإسناده قال: حدثنا محمد قال: حدثنا
يحيى [٦] بن علي بن أبي مروان المصري قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال:
كنت
مع الشافعي إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة فقال الشافعي: من سَلمَ نفْسَه فوق ما
يساوي ردّه الله تعالى إلى قيمته.
(١) الزيادة من ح.
(٢)
الزيادة من ح.
(٣) في ا: «بن الحسن».
(٤) في ا:
«المصري».
(٥) مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٦) في ا: «حدثنا
الحسن».
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن الصوفي قال: حدثنا القاسم
بن محمد ابن يحيى المصري، بمصر، يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت
الشافعي يقول: الحرية هي الكرم [١] والتقوى، فإذا اجتمعا في شخص فهو حر.
قال:
وسمعت الشافعي يقول: الفتوة حلى الأحرار [٢].
قال: وسمعت الشافعي
يقول: من تزّين بباطل هتك ستره.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال:
حدثنا أبو عبد الله: الحسين بن الحسن ابن أيوب الطوسي قال: حدثنا أبو حاتم: محمد
بن إدريس الرازي قال: سمعت حرملة بن يحيى يقول:
قال [٣] الشافعي: إذا
ذكر الرجل بغير صناعته [٤] فقد وُهِصَ [٥]: أي كسر [٦].
أخبرنا محمد
بن الحسين السلمي قال: سمعت محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي يقول: سمعت محمد بن
موسى بن النعمان، بمصر، يقول: سمعت يونس ابن عبد الأعلى يقول:
سمعت
الشافعي يقول: التواضع من أخلاق الكرام، والتكّبُر من شيم اللئام [٧].
(١)
في ح: «الكرم، والكرم التقوى».
(٢) مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٣)
في ح: «سمعت الشافعي».
(٤) في ا: «بغير صناعة».
(٥) في ا:
«فقد وقص».
(٦) مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٧) مناقب
الشافعي للرازي ١٢٣.
قال: وسمعت الشافعي يقول:
أرفع الناس
قدراً من لا يرى قدره، وأكثر الناس فضلا من لا يرى فضله [١].
أخبرنا
يحيى [٢] بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو عبد الله: الزبير بن عبد
الواحد قال: حدثنا أبو العباس: أحمد [٣] بن يحيى بن زكريا قال: حدثنا الربيع
قال:
سمعت الشافعي يقول: الكبر كلّ [٤] عيب، وإذا رأيت الرجل بالنهار
يكسر الحَطَب فلا تأمن عليه بالليل.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ
قال: أخبرني أبو تراب المذكر قال: سمعت محمداً - يعني شكر الدوري [٥] - يقول:
حدثني أبو بكر: محمد بن عبد الرحمن قال: سمعت المزني يقول:
سمعت
الشافعي يقول: أيّما قوم لم تخرج نساؤُهم إلى رجال غيرهم، ورجالهم إلى نساء غيرهم
- إلا خرج أولادهم حَمْقَى.
وأخبرنا أبو عبد الله قال: سمعت أبا أحمد:
الحسين بن علي التميمي يقول: سمعت أبا عوانة يقول: سمعت المزني يقول: سمعت
الشافعي يقوله
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا الزبير بن عبد
الواحد الحافظ قال: حدثني أبو عبد الله القاضي قال: سمعت أحمد بن سنان يقول:
(١)
مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٢) في ح: (أخبرنا محمد بن إبراهيم».
(٣)
في ا، ح: «ابن أحمد».
(٤) في ا: «وكل».
(٥) في ا:
«الهروي».
سمعت الشافعي يقول: ليس الخطأ أن يرمي الإنسان [١] الهدف؛
إنما الخطأ ما تعمده، أو كما قال.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال:
سمعت أبا زرعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن الحسين المصري يقول: سمعت
الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول: من استُغْضِب فلم يغضب فهو
حمار، ومن استُرْضِي فلم يَرض فهو شيطان [٢].
أخبرنا محمد بن الحسين
السلمي قال: سمعت أحمد بن محمد بن مقسم يقول: سمعت أبا بكر الخلال يقول: سمعت
الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول: سمعت مالك بن أنس يقول:
سمعت «الزهري» يقول:
الذل في خمسة أشياء: حضور المجلس بلا نسخة، وعبور
المَعْبر [٣] بلا قطعة، ودخول الحمام بلا كرنيب، وتذلل الشريف للدنيء لينال منه
شيئا، وتذلل الرجل للمرأة لينال من مالها شيئا.
وأخبرنا أبو عبد الله
الحافظ قال: سمعت أبا بكر: محمد بن عبد الله العدل يقول: سمعت أبا سهل: حامد بن
عبد الله الحلواني يقول: حدثنا محمد بن الحسين القاضي قال: سمعت أبا القاسم: ابن
أخت المزني يقول: سمعت المزني يقول: سمعت عبد الله بن محمد البَلَوِي يقول:
سمعت
الشافعي يقول: من الذل أشياء: عبور الجسر بلا قطعة، وحضور
(١) كذا في
ا، وفي هـ، ح: «بالإنسان».
(٢) مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٣)
في ح: «الجسر».
مجلس العلم بلا نسخة، ودخول الحمام بلا سطل، وذل
الشريف للوضيع يطلب نائلة، وذلّ رجل لامرأته يطلب رضاها، ومُدَارَاة الأحمق؛ فإن
مداراة الأحمق غايةٌ لا تدرك [١].
قال الشافعي: وأنشدني مالك بن أنس
قال: أنشدني «الزهري» لنفسه:
لا تأمنَنَّ امرءاً أَسْكَنْتَ
مُهْجَتَهُ ... غَيْظاً وإن قلت: إنّ الغيظَ يَنْدَمِلُ [٢]
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، وأبو عثمان: سعيد بن محمد بن عبدان، وأبو عبد الرحمن: محمد
بن الحسين؛ قالوا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان
يقول:
سمعت الشافعي يقول: لا يدخل في الوصية إلا أحمق أو لص.
وأخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا بكر: محمد بن محمد بن أحمد ابن عثمان المصري
يقول:
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن محمد بن عثمان
المقري البغدادي يقول: سمعت المزني يقول:
سمعت محمد بن إدريس الشافعي
يقول: من ولى القضاء فلم يفتقر فهو لص [٣].
أخبرنا أبو عبد الرحمن
السلمي قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله الديناري [٤] يقول: سمعت أحمد بن محمد
العكبري يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول: التلطف
في الحيلة أجدى من الوسيلة [٥].
(١) مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٢)
في ا: «الفيض مندمل».
(٣) مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٤)
في ح: «الدينابي» وفي هـ: «الرينابي».
(٥) مناقب الشافعي للرازي
١٢٣.
أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا الحسن بن رشيق المصري،
إجازة، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الخولاني قال:
سمعت يونس بن عبد
الأعلى يقول: قال لي الشافعي: يا أبا موسى، إذا كثرت عليك الحوائج فابدأ بأهمتها
[١].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول:
سمعت أحمد بن محمد بن الحسن [٢] المصري يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم
يقول:
سمعت الشافعي يقول: من كتم سرّه كانت الخِيرَةُ في يده [٣].
وبهذا
الإسناد قال:
سمعت الشافعي يقول: وروى لنا [عن] [٤] عمرو بن العاص أنه
قال: ما أفشيت إلى أحدٍ سرًّا فأفشاه فَلُمْتُهُ؛ لأني كنت أضيق صدراً منه
[٥].
أخبرنا محمد بن الحسين قال: سمعت علي [٦] بن عبد الله بن محمد بن
الحسين الصوفي يقول: سمعت الحسن بن يوسف الزبيري [٧] يقول: حدثنا أبو سعيد: الحسن
بن عامر البَرْقَعِيدِي قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت
الشافعي يقول: ليس بعاقل من لم يأكل مع عدوه في غضارة ثلاثين سنة [٨].
(١)
مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٢) في ا: «الحسين».
(٣) مناقب
الشافعي للرازي ١٢٣.
(٤) الزيادة من ح، هـ.
(٥) مناقب
الشافعي للرازي ١٢٣.
(٦) في ا، هـ: «ثمل».
(٧) في ح:
«البربري».
(٨) مناقب الشافعي للرازي ١٢٣، والغضارة: الصحفة المتخذة
من الطين.
أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا زرعة
الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن الحسن [١] المصري يقول: سمعت المزني والربيع
يقولان:
سمعنا الشافعي، رضي الله عنه، يقول: لا بأس بالفقيه أن يكون
معه سَفِيهٌ يُسَافِهُ به.
قال: وأنشدنا المزني بعد هذه الحكاية:
إنَّ
مَنْ أَحْوَجَكَ الدَّهْرُ إليهِ ... فتعرّضْتَ له هُنْتَ عليه
وأخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا علي بن مالك بن عبد الله البلخي قال: حدثنا أبو
بكر: أحمد بن محمد [٢] قال: سمعت أحمد بن محمد ابن عبد الوهاب المصري يقول: سمعت
المزني والربيع يقولان فذكره بزيادة رجل في إسناده.
أخبرنا محمد بن
الحسين الصوفي قال: حدثنا علي بن عمر [٣] الحافظ الدارقطني قال: حدثني إبراهيم بن
محمد النسائي قال: أخبرني عبد الله بن وهبان قال: حدثنا محمد بن الربيع قال:
حدثنا أحمد بن أبي بكر قال:
سمعت الشافعي يقول: لقيت غلاما لي وقد أخذ
من داري جبة [٤] يريد بيعها، فلما رآني أصابته حيرة فقلت له: ما هذا؟ وما تريد أن
تعمل؟ فالتفت إليّ وقال: يا مولاي ما أعجزك! تفتي بشيء ولا تأخذ به في نفسك، كلّ
من
(١) في ا: «الحسين».
(٢) في ا: «محمد بن قال» وفوقها:
«سقط».
(٣) في هـ: «بن عمرو».
(٤) في ا: «دار لي» وفي هـ:
«خشبة».
كان معه شيء فهو أحقُّ به، فإن كان لك على شيء [١] فثبِّت
وخذ. قال: فضحكت في وجهه وتركته.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال:
سمعت أبا يعلى الزّبيري يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول:
سمعت المزني يقول:
سمعت الشافعي يقول: الشفاعات زكاة المروءات [٢].
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا أبو عبد الله: محمد
بن المسيّب قال: حدثنا يونس قال:
سمعت الشافعي يقول: اصطنع رجلٌ إلى
رجلٍ من «العرب» صنيعةً فرجع إليه فقال له: أجرك الله من غير أن يبتليك.
قال
الشافعي: هُمْ أَحَدُّ النّاسِ عقولا.
وفي كتاب العاصمي فيما قرأ مما
حكى عن الربيع قال: قلت يوما للشافعي: خَارَ اللهُ لك. فقال: يا بني: قل فيما
تحب؛ فإن الخبرة قد تكون من الكرْه.
وعن الربيع قال: قال الشافعي: ليس
في الطَّيْبِ سَرَفٌ.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أحمد
بن محمد بن الحسين المُسَافِرِي - والد أبي بكر - قال: سمعت محمد بن المنذر يقول:
سمعت الربيع ابن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول: ما نقص من أَثْمَان
السّودان إلا لضعف عقولهم، ولولا ذلك لكان لَوْناً من الألوان مِنَ الناس مَنْ
يشتهيه ويفضّله على غيره [٣].
(١) في ا: «على حق».
(٢)
مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٣) حلية الأولياء ٩/ ٢١٩.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد: جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت أبا
عبد الله: الحسين [١] بن محمد بن بحر يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول:
سمعت
الشافعي يقول: لو أن رجلا تصوّف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته
أحمق.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت جعفر بن محمد المراغي
[٢] يقول: سمعت الحسين بن بحر يقول. فذكره.
أخبرنا محمد بن عبد الله
قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن السندي يقول: سمعت الربيع
بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول: ما رأيت صوفيا قطّ إلا مسلم
الخَوَّاص.
قلت: وإنما أراد به من دخل في الصوفية واكتفى بالاسم عن
[٣] المعنى، وبالرسم عن الحقيقة، وقعد [٤] عن الكسب، وألقى مؤنته على المسلمين،
ولم يبال بهم، ولم يرع حقوقهم، ولم يشتغل بعلم ولا عبادة، كما وصفه في موضع آخر.
وذلك فيما أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا عبد الله الرازي يقول:
سمعت
إبراهيم بن المولد يحكي عن الشافعي أنه قال: لا يكون الصوفي صوفيا حتى يكون فيه
أربع خصال: كَسُولٌ أكُول، نئوم، كثير الفضول.
وإنما أراد به ذمّ من
يكون منهم بهذه الصفة، فأمّا من صفا منهم
(١) في ح: «الحسن».
(٢)
في ح، هـ: «الراعي».
(٣) في ا: «على».
(٤) في ح:
«فقعد».
في الصّوفية بصدق التوكل على الله عز وجل، واستعمال آداب
الشريعة في معاملته مع الله عز وجل في العبادة، ومعاملته مع الناس في العشرة -
فقد حُكِيَ عنه أنه عاشرهم وأخذ عنهم.
وذلك فيما أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن الحسين ابن موسى السلامي يقول: سمعت علي بن
أحمد يقول: سمعت أيوب بن سليمان يقول: سمعت محمد بن محمد [١] بن إدريس الشافعي
يقول: سمعت أبي يقول:
صحبت الصوفية عشر سنين ما استفدت منهم إلا هذين
الحرفين: الوقت سيف، ومن العصمة أن لا تقدر [٢].
وبلغني أنه رأى مِنْ
بعض مَنْ تسمّى باسم الصّوفية ما كَرِه، فخرج قوله في ذمّ أمثاله.
وذلك
فيما قرأته من كتاب أبي الحسن العاصمي: أخبرني الزبير ابن عبد الواحد قال: حدثني
سعيد بن عبد الله بن سهل أبو عثمان البغدادي، بمصر، قال سمعت علي بن بحر الورّاق
يقول:
كان الشافعي، رحمه الله، رجلا عَطِراً: وذلك أنه كان به
بَاسُور، وكان يجيء غلامه كلَّ غداة بِغَالِيَةٍ فيمسح بها الاسطوانة التي يجلس
عليها. وكان إلى جنبه إنسان من الصّوفية، وكان يسمى الشافعي «البَطَّال» يقول:
هذا البطال وهذا البطال قال: فلما كان ذات يوم عمد إلى شاربه فوضع [فيه] [٣]
قَذَراً، ثم جاء إلى حلقة الشافعي، فلما شمّ الشافعي الرائحة أنكر فقال: فتشوا
نعالكم، فقالوا: ما نرى شيئا يا أبا عبد الله. قال: فيشمّ بعضكم بعضا، فوجدوا ذلك
الرجل، فقالوا: يا أبا عبد الله، هذا. فقال له: ما حملك على هذا؟ قال:
(١)
في ح: «بن أحمد»!
(٢) مناقب الشافعي للرازي ١٢٤.
(٣)
الزيادة من ح.
رأيت تجبرك فأردت أن أتواضع لله. قال: خذوه فاذهبوا به
إلى «عبد الواحد» - وكان على الشرطة - فقولوا له: يقول [١] لك أبو عبد الله:
اعتقل هذا إلى أن ينصرف [٢]. قال: فلما خرج الشافعي دخل عليه فدعا به فضربه
ثلاثين دِرَّة أو أربعين دِرَّة، فقال: هذا بما تخطّيت المسجد بالقَذَر، وصلّيت
على غير الطهارة.
* * *
أما «السّماع» فأخبرنا أبو عبد
الرحمن السّلمي قال: سمعت عبد الله بن محمد بن علي بن زياد يقول: سمعت محمد بن
إسحاق بن خُزَيْمَة يقول:
سمعت يونس بن عبد الأعلى [٣] يقول: سألت
الشافعي عن إباحة أهل المدينة السماع؟
فقال الشافعي: لا أعلم أحداً من
علماء الحجاز كره السماع، إلا ما كان منه في الأوصاف. وأما الحُدَاءُ وذِكْرُ
الأطلال والمَرَابِع وتحسين الصوت بألحان [٤] الأشعار - فمباح.
قلت
وقد نقلت إلى «كتاب المبسوط» ثم إلى «كتاب المعرفة» شرط الشافعي - رحمه الله - في
السماع، من أراده رجع إليهما، إن شاء الله تعالى.
وأخبرنا أبو عبد
الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن العباس يقول:
(١) في ا:
«فقال له: قال».
(٢) في ح: «انصرف».
(٣) في ا: «بن عبد
الله»!
(٤) في هـ: «الصوت بالأشعار الحسان».
(م ١٤ - مناقب
جـ ٢)
سمعت سعيد بن محمد الديناري، حدثني إبراهيم بن عبد الله
المُقْعَد - وكان الناس يتبركون بدعائه - قال:
حدثني المزني قال:
مررنا على الشافعي وإبراهيم بن إسماعيل بن عُلَيّة على دار قوم وجاريةٌ
تغنيهم:
خليليّ ما بَالَ المَطَايَا كأنّها ... تراها على الأعقاب
بالقوم تنكص [١]
فقال الشافعي: ميلوا بنا نسمع. فلما فرغت قال الشافعي
لإبراهيم بن عُلَيّة: أيطربك هذا؟ قال: لا، قال: فما لك حِسٌّ.
وقد
قال الشافعي في «كتاب أدب القاضي» [٢] في الرجل يتخذ الغلام والجارية المغنيين:
«إن كان يَجْمَعُ عليهما ويغنيان [٣] فهذا سَفَهٌ تُرَدُّ به شهادته. وهو في
الجارية أكثر [٤] من قِبَل أنّ فيه سفها وديَاثَةً. وإن كان لا يجمع عليهما [٥]
ولا يغشى لهما - كرهت ذلك له [٦] ولم تردّ به شهادته [٧]. وهكذا الرجل يغشى بيوت
الغناء ويغشاه المغنون: إن كان لذلك مُدْمِعاً وكان ذلك (٨ مشهودا عليه فهو
بمنزلة سفه ترد به شهادته ٨) .
وإن كان ذلك يَقِلُّ منه لم تُرَدّ
شهادته؛ بما وصفت من أن ذلك ليس بحرام بيّن.
(١) كذا في ا: وفي هـ وح:
«كأنا نراها ... تنكس».
(٢) الأم ٦/ ٢١٥.
(٣) في الأم:
«ويغشى لذلك فهذا. . .».
(٤) في ا: «أكبر».
(٥) في ح:
«عليها ولا يغشى لها».
(٦) في ح، هـ: «لها».
(٧) في الأم:
«وكان لذلك مسقطنا عليه مشهوداً ...».
(٨) ما بين الرقمين ساقط من ح،
هـ.
فأما استماع الحُدَاء ونشيد الأعراب، فلا بأس به كثر [١] أو
قَلَّ، وكذلك استماع الشعر.
أخبرنا [٢] سفيان، عن إبراهيم بن مَيْسرة
[عن عمرو بن الشريد] [٣] عن أبيه قال: أَرْدَفَنِي رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، فقال: هل معك من شعر أُمَيَّةَ بن أبي الصَّلْت شيء؟ قلت: نعم. قال: هيه.
قال: فأنشدته بيتا. قال: هيه، فأنشدته حتى بلغت مائة بيت.
أخبرنا أبو
عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن
سليمان قال: أنبأنا الشافعي قال: حدثنا سفيان. فذكره.
قال الشافعي،
رضي الله عنه: وسمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الحُدَاءَ والرَّجَزَ، وأمر
ابن رَواحَةَ في سفره فقال: حَرَّك بالقوم. فاندفع برجزه [٤].
أخبرنا
محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا الحسين بن رشيق المصري، إجازة، قال: حدثنا
محمد بن رمضان قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال:
سمعت
أبي يقول:
كنت أنا والشافعي، وابن بكير، وجماعة من أصحابنا في منزل
يوسف ابن عمر في صنيع لهم وهو عرس، فكان ثَمَّ لَهْوٌ ودُفُّ فما أنكره أحد
منهم.
وإنما أراد باللهو: ما ورد الخبر بجوازه في العرس: وهو ما لا
ينكر من الشعر والرجز.
(١) في ا: «كثيرا».
(٢) الأم ٦/
٢١٥.
(٣) الزيادة من الأم.
(٤) الأم ٦/ ٢١٥.
وأخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا عبد الله بن سعيد البُسْتِي قال: حدثنا أحمد بن
محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله ابن جعفر الرازي قال: حدثنا
محمد بن عبد الحارث الحِمْصِي قال: حدثنا الطَّحَاوِي قال: سمعت يونس بن عبد
الأعلى يقول:
سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: الوقار في النُّزْهَة
سُخْف [١].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا العباس: محمد بن
يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي، رضي الله عنه،
يقول: لعب سعيد بن جُبَيْر بالشِّطْرَنج من وراء ظهره فيقول: بإيش دَفَعَ كذا؟
قال: بكذا، قال: ادفع بكذا.
وإنما حكى الشافعي بهذا؛ ليبين بذلك سبب
تركه ردّ الشهادة به، وهو اختلاف أهل العلم في جوازه.
وأما الكراهية
فقد أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال:
حدثنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشافعي [٢]، رضي الله عنه: يكره من
وَجْه الخبر اللعب بالنّرْد أكثر مما يكره اللعب بشيء من الملاهي. ولا نحبّ اللعب
الشّطرنج وهو أخف من النَّرْد. ويكره اللعب بكل ما لعب به الناس؛ لأن اللعب ليس
من صنيع [٣] أهل الدين ولا المروءة. ومن لعب بشيء من هذا على الاستحلال [له] لم
تردّ شهادته.
(١) مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٢) الأم ٦/
٢١٣.
(٣) في الأم: «صنعة».
ثم بسط الكلام فيمن غفل به عن
الصلاة فأكثر حتى تفوته، ثم يعود له حتى تفوته، وردّ الشهادة. ثم استثنى ملاعبة
الرجل أهلَه، وإجراءه الخيل، وتأديبَه فرسه، وتعليمَه الرّمي ورميه [١] وقال: ليس
ذلك من اللعب - يعني المكروه - ولا [٢] ينهى عنه.
ثم قال [٣]: وينبغي
للمرء أن لا يبلغ منه ولا من غيره من تلاوة قرآن ولا نظر في علم - ما يشغله عن
الصلاة حتى يَخْرُجَ وقْتُها. وكذلك لا يتنَفَّلُ حتى يخرج من المَكْتُوبةِ؛ لأن
المكتوبة أوجب عليه من جميع النَّوَافِل.
وهذه الحكاية إلى قوله: «لم
ترد شهادته» فيما قرأناه على أبي عبد الله الحافظ، وما بعده فيما أجاز لي روايته
عنه وبالله التوفيق.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني
الزبير بن عبد الواحد قال: سمعت يوسف بن عبد الأحد القُمِّي يقول: سمعت يونس بن
عبد الأعلى يقول:
سمعت الشافعي يقول: ترك العادة ذنب مُسْتَحْدَث.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازَةً، قال: حدثني أحمد بن
علي المدائني قال: سمعت المزني والربيع يقولان:
سمعنا الشافعي يقول:
لا تشاور من ليس في بيته دقيق؛ فإنه مُدَلَّهُ العقل.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن قال: حدثنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا محمد ابن رمضان الزيات،
ومحمد بن يحيى قالا [٤]: حدثنا محمد بن عبد الله قال:
(١) في الأصول:
«ورمى».
(٢) في ا: «فلا».
(٣) الأم ٥/ ٢١٣.
(٤)
في ا: «قال».
قال الشافعي، رضي الله عنه: قال شريح القاضي لرجل: إني
أظنك أحمق. فقال له الرجل: إنّ أَحْمَقَ ما يكون الشيخ إذا أعجب بظنّه.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا أحمد: محمد بن علي الرازي يقول: سمعت محمد بن
إسحاق بن خُزَيْمَة يقول: سمعت المزني يقول:
سمعت الشافعي يقول: ما
ضُحِكَ من خطأ رجل إلا ثبت صوابُه في قلبه [١].
أخبرنا أبو عبد الرحمن
السلمي قال: سمعت أبا بكر بن شاذان يقول: سمعت أبا الفضل بن مهاجر يقول: سمعت
المزني يقول:
سمعت الشافعي يقول: كان لرجلٍ من أهل المدينة ابنٌ
متخلّف، فبعثه يوماً ليشتري له حبلا طوله [٢] ثلاثون ذراعا، فقال: في عَرْض كم؟
فقال: في عَرْضِ مصيبتي فيك! [٣].
أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد
الصوفي قال: أخبرنا أبو أحمد بن عَدِيّ الحافظ قال: سمعت محمد بن نصر القاسم بن
روح الخوَّاص يقول: سمعت حرملة يقول:
سمعت الشافعي يقول: ما دخل قومٌ
بَلَدَ قومٍ إلا أخذ كلّ واحد [منهم] [٤] من سُنَّة صاحبه، حتى إن العراقي ليأخذ
من سنّة الشّامي، والشّامي من سنَّة العراقي.
قال: وسمعت حرملة
يقول:
(١) مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٢) في ا:
«طويلا».
(٣) مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٤) الزيادة من
ح.
سمعت الشافعي يقول: إذا رأيت الرجل فَضّة خاتمه كثيرة وفصُّه صغير،
فذاك رجل عاقل، وإذا رأيت فضته قليلة وفصه كبير، فذاك رجل عاجز، وإذا رأيت
[الكاتب دواته على يساره فليس بكاتب، وإذا رأيت دواته] [١] على يمينه وقلمه على
أذنه، فذاك كاتب، أو نحوه.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو
سعيد: محمد بن الفضل المُذَكِّر قال: سمعت أبا الحسن: محمد بن أحمد بن أيوب
البغدادي يقول: حدثنا جعفر بن أحمد الواسطي قال: حدثني أبو جعفر الترمذي، عن
البويطي.
عن الشافعي قال: ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنه [٢].
وأخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت محمد بن محمد بن هارون يقول: سمعت أبا الحسن بن
سليمان يقول: سمعت محمد بن إسماعيل السلمي يقول: سمعت البويطي يقول:
سمعت
الشافعي يقول: ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنه.
قال لنا [٣] أبو
عبد الله الحافظ، فيما قرئ عليه في قول الشافعي، رضي الله عنه: في [٤] هذا صيانة
كثيرة للمروءة، وهي أن المخبر بسنه لا بدّ من أن يكون بين مصدِّق ومكذِّب، فقائل
يقول: نقص من سنه رغبة في الشباب، وآخر يقول: زاد على سنّه طلبا للتَّشَايُخ. ثم
إن كان من أهل العلم قيل: متى لقى فلانا ولقى فلانا وهو صغير؟
(١)
الزيادة من ح.
(٢) مناقب الشافعي للرازي ١٢٣.
(٣) في ا:
«قال أخبرنا».
(٤) سقطت من ا.
قال أبو عبد الله: سألني أبو
بكر بن جعفر المزكي [١]، وكان من عقلاء الرجال، عن سني فأحببته بقول الشافعي
فقال: لقد أحببت بجواب شاف.
قلت: وفي مثل هذا أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ قال: أنبأني أبو عمرو بن السّمّاك، شِفَاهاً، أنّ أبا سعيد الجصّاص حدّثه
قال: سمعت محمد - يعني ابن عبد الله بن عبد الحكم - يقول:
قال [لي]
[٢] الشافعي: يا محمد، لا تحدِّث عن حي؛ فإنّ الحي لا يؤمن عليه أن ينسى.
قال
محمد: وذلك أني سمعت من الشافعي، رضي الله عنه، حكاية فحكيتها عنه فَنُمِيَتْ
إليه فأنكرها، فاغتم أبي لذلك غمًّا شديداً، وكنا نُجِلّه، فقال: يا بني، لقد
حكيت عن الشافعي حكاية فنميت إليه فأنكرها. قال: فقلت له: يا أبه، أنا أذكّره
لعله يذْكر. فمضيت إليه فقلت: يا أبا عبد الله، أليس تذكر يوم كذا وكذا وقد سألك
سائل عن مسألة في الرضاع فأجبته فتكلمت بكذا وكذا في الإيلاء؟ فوقفته على الكلمة
فذكرها. ثم قال لي: يا محمد، لا تحدّث عن حيّ، فإن الحيّ لا يؤمن عنه النسيان.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ قال: أنبأنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ، بأَسَدَاباذ،
قال: سمعت أبا جعفر الطّحَاوي يقول: سمعت المزني يقول:
سمعت الشافعي
يقول: من كذب على أخيه فقد عَضَهَه [٣].
أخبرنا محمد بن الحسين
السّلمي قال: حدثنا علي بن عمر بن أحمد بن
(١) في ح: «المذكر».
(٢)
الزيادة من ح.
(٣) في ح: «فقد عظمه».
مهدي الحافظ، ببغداد،
قال: قرأت في كتاب يحيى بن عثمان بن صالح، بمصر، حدثني عبد الله بن عبد الخالق
المصري قال:
سمعت الشافعي يقول لعبد الحميد بن الوليد بن المغيرة
الأشجعي، وأتاه عائدا له في منزله، فقال له الشافعي: قوّى الله قُوَّتَكَ
وأَضْعَفَ [١] ضَعْفَك.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في «التاريخ» قال:
حدثنا طاهر بن محمد ابن عبد الله: أبو عبد الله البغدادي قال: حدثنا أبو بكر
النيسابوري قال:
قال لنا الربيع بن سليمان: دخلت يوما على الشافعي
فقلت له: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحتُ ضعيفاً، فقلت: قَوَّى الله ضَعْفَك. فقال [لي:]
[٢] يا ربيع، أجاب الله قلبَك ولا أجاب لفظك؛ إنْ قوّى ضَعْفِي علَيَّ قتلني،
ولكن قل: قَوَّاكَ اللهُ على ضَعْفِك [وفي رواية في غير هذا الموضع: قال الربيع:
والله ما أردت إلا خيراً [٣] فقال الشافعي: أجل، والله يا بني لو تشتمني صراحاً
لعلمت أنك لم تُرِد إلا الخير] .
قرأت في كتاب العاصمي: سمعت دعلج بن
أحمد، بالعراق، يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خُزَيْمَة يقول:
سمعت
الربيع يحكي عن الشافعي: أنه كان يكره أن يقول: أعظم الله أجرك - يعني في المصائب
- ويقول: إذا قال: أعظم الله أجرك معناه: أكثر الله مصائبك ليعظم أجرك.
(١)
في ح: «وضعف».
(٢) الزيادة من ح.
(٣) الزيادة من ح.
قال
ابن خزيمة [١]: حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا حماد،
عن ثابت [٢]، عن «مطرف» قال: لا تقل: أعظم الله أجرك ولكن قل: أجرك الله.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد: حسَّان بن محمد الفقيه قال: سمعت
الحسن بن سفيان يقول: سمعت حَرْمَلَة بن يحيى يقول:
سمعت الشافعي
يقول: إن «ابن عجلان» أنكر علي والي المدينة إِسْبَال الإِزار يوم الجمعة على
رؤوس الناس، فأمر بحبسه، فدخل «ابن أبي ذئب» على الولي فشفع له وقال: إنّ ابن
عجلان أحمق، يراك تأكل الحرام وتلبس الحرام وتفعل كذا فلا ينكره [٣] عليك، ثم
ينكر عليك إسبال الإزرار؟! فَخَلَّى سبيلَه.
أخبرنا أبو عبد الرحمن
السلمي قال: سمعت أبا العباس المصري يقول: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: سمعت
ابن عبد الحكم يقول:
سمعت الشافعي يقول: رأيت من عجائب الدنيا ثلاثة:
رجل يكتب بشماله فيسبق من يكتب بيمينه، ورجل حبسه القاضي في مُدَّي نوى، ورجل
يدور على الجواري يعلِّمهن الغناء، فإذا جاء وقت الصلاة صلى قاعداً.
وأخبرنا
أبو سعد: سعيد بن محمد بن أحمد الشعيثي قال: حدثنا أبو محمد: جعفر بن محمد بن
الحارث قال: أخبرني أبو عبد الله: الحسين بن محمد بن بحر
(١) في ح:
«جرير».
(٢) في ح: «ابن».
(٣) في ح: «فلا ينكر».
المصري
قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول:
قال [١] الشافعي، رضي الله عنه.
فذكر هذه الحكاية، غير أنه قال في الثالث: ورأيت شيخا كبيراً يدور على الفتيان
يعلمهن الغناء، فإِذا حضرت الصلاة صلّى قاعداً.
(١) في ح: «سمعت
الشافعي».
باب ما يستدل به على سخاوة الشافعي، رحمه الله، وحسن جوده، وحسن عهده، وما
يؤثر عنه في السخاء
* * *
أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ
قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت
«الحُمَيْدي» يقول: قدم الشافعي، رضي الله عنه، من «صنعاء» إلى «مكة» بعشرة آلاف
دينار في منديل، فضرب خباءه في موضع خارجا من مكة، فكان الناس يأتونه فما برح حتى
ذهبت كلها [١].
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا محمد: عبد
الله بن محمد ابن علي يقول: سمعت أبا نعيم الفقيه يقول: سمعت الربيع بن سليمان
يقول: سمعت الحميدي يقول. فذكره بمثله.
وبهذا الإسناد قال: سمعت
الربيع بن سليمان يقول: أخذ رجل بركاب الشافعي فقال الشافعي: يا ربيع، أعطه
الأربعة دنانير واعتذر لي منه [٢].
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال:
حدثني أبو بكر: محمد بن أحمد بن بالويه الجلاب قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا
الربيع. فذكره بمثله إلا أنه قال: واعذرني.
(١) حلية الأولياء ٩/ ١٣٠،
والمناقب للرازي ١٢٨.
(٢) في ا: «أربعة. . . واعذرني. . .» والخبر في
الحلية ٩/ ١٣٠.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني نصر بن
محمد قال: حدثنا أبو علي: الحسن بن حبيب بن عبد الملك، بدمشق، قال: سمعت الربيع
بن سليمان يقول:
كان الشافعي راكبَ حمارٍ فمر على سوق الحذَّائين،
فسقط سوطه من يده، فوثب غلام من الحذائين، فأخذ السوط ومسحه بكُمِّه وناوله إياه،
فقال الشافعي لغلامه: ادفع تلك الدنانير التي معك إلى هذا الفتى. قال الربيع:
فلست أدري كانت تسعة دنانير أو سبعة [١].
أخبرنا محمد بن الحسين
السلمي قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت قَعْنَب بن أحمد بن عمرو
[٢] بن محمد بن مُجَاشِع يقول: سمعت محمد بن أحمد بن وَرْدَان يقول:
سمعت
الربيع بن سليمان يقول: كنا مع الشافعي، رضي الله عنه، وقد خرج من مسجد مصر
فانقطع شِسْع نعله، فأصلح له رجل شِسْعَه [٣] ودفعه إليه فقال: يا ربيع، معك من
نفقتنا شيء؟ قلت: نعم. قال: كم؟ قلت: سبعة دنانير. قال: ادفعها إليه.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنبأنا علي بن محمد بن عمر قال: حدثنا عبد الرحمن بن
أبي حاتم قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عمرو بن سواد السرحِي قال: كان الشافعي، رحمه
الله، أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام. فقال لي [٤] الشافعي: أفلست من
دهري ثلاث إفلاسات؛ فكنت أبيع قليلي
(١) المناقب للرازي ١٢٨ وفيه:
«سوق الحدادين».
(٢) في ا: «عمر».
(٣) في ا: شسعا.
(٤)
من ح.
وكثيري حتى حليّ ابنتي وزوجتي، ولم أرهن قط [١].
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن
محمد ح وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن
عبد الحكم المصري قال:
كان الشافعي أسخى الناس بما يجد، وكان يمرّ
بنا، فإن وجدني وإلا قال: قولوا لمحمد إذا جاء يأتي المنزل؛ فإني لست أتغدى حتى
يجيء. فربما جئته فإذا قعدت معه على الغداء قال: يا جارية، اضربي لنا فالوذج. فلا
تزال المائدة بين يديه حتى تفرغ منه ويتغدى [٢].
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه قال: سمعت أبا العباس بن سريج يحكى عن أبي
بكر بن الجنيد عن أبي ثور قال:
كان الشافعي من أجود الناس وأسخاهم
كفا: كان يشتري الجارية الصَنَاع [٣] التي تطبخ وتعمل الحلوى، ويشترط عليها أن لا
يقربها؛ لأنه كان عليلا لم يمكنه أن يقرب النساء في وقته ذلك؛ لباصور كان به،
وكان يقول لنا: تشهَّوْا ما أحببتم؛ فقد اشتريت جارية تحسن أن تعمل ما تريدون.
قال: فيقول لها بعض أصحابنا: اعملي اليوم كذا وكذا. فكنا نحن الذين نأمرها، وهو
مسرور بذلك [٤].
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد قال: أخبرنا أبو
الوليد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد
الحكم يقول:
(١) الحلية ٩/ ١٣٢ وآداب الشافعي ومناقبه ١٢٦.
(٢)
الحلية ٩/ ١٣٢ وآداب الشافعي ومناقبه ١٢٤.
(٣) في ا، ح: «الصناعة».
(٤)
الحلية ٩/ ١٣٣.
كان الشافعي، رحمه الله، من أسخى الناس. قال: وكنت آكل
مع الشافعي تمراً مُلَوَّزاً من هذه الجِرَار، فجاء رجل فقعد وأكل، وكان يجلس
إليه، فلما فرغ من الأكل قال الرجل للشافعي: ما تقول في أكل الفجاءة؟ قال: فلوى
الشافعي عنقه إليّ وقال: هلا كان سؤاله قبل أن يأكل؟
وأخبرنا أبو عبد
الله الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان قال: حدثنا أبو جعفر - يعني
محمد بن عبد الرحمن - قال: حدثنا الحسن - يعني ابن الأشعث - قال: سمعت محمد بن
عبد الله بن عبد الحكم يقول: جاءنا الشافعي إلى منزلنا قال: فقال لي: اركب دابتي
هذه قال: فركبتها قال: فقال لي: أقبل بها وأدبر، ففعلت فقال: إني أراك بها
لَبِقاً فخذها فهي لك. قال: وكان من أسخى الناس. ثم ذكر قصة التمر [١].
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد
الرحمن - يعني ابن محمد - قال:
حدثنا الربيع بن سليمان قال: تزوجت،
فسألني الشافعي: كم أصدقتها؟ قلت: ثلاثين [٢] دينارا. فقال: كم أعطيتها؟ فقلت:
ستة دنانير. فصعد داره وأرسل إلي صرة فيها أربعة وعشرون دينارا [٣].
أخبرنا
محمد بن الحسين قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعت أحمد بن علي بن سعيد
البزاز يقول: سمعت إبراهيم بن خالد: أبا ثور يقول: أراد الشافعي الخروج إلى
مكة.
ح. وأخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرنا أبو الوليد: حسان بن
محمد
(١) المناقب للرازي ١٢٨.
(٢) في ح: «ثلاثون».
(٣)
الحلية ٩/ ١٣٢ وآداب الشافعي ومناقبه ١٢٥.
الفقيه قال: حدثنا إبراهيم
بن محمود، حدثني أبو سليمان [١]، حدثني أبو ثور قال:
أراد الشافعي
الرجوع إلى مكة ومعه مال قال: فقلت له: - وكان قلَّما يُمسك شيئا؛ من سماحته -
ينبغي أن تشتري بهذا المال ضَيعة تكون لك ولولدك من بعدك. قال: فخرج ثم قدم
علينا، فسأَلته عن ذلك المال فقال: ما وجدت بمكة ضيعة يمكنني أن أشتريها لمعرفتي
بأصلها؛ أكثرها قد [٢] وُقفت، ولكن قد بنيت بمنى مَضْرباً يكون لأصحابنا إذا
حجّوا ينزلون فيه [٣].
[(٤ لفظ حديث أبي عبد الله، وليس في رواية
السلمي: وقد وُقفت ٤)] .
أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت عبد
الواحد بن بكر الورثاني [٥] قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي قال:
سمعت محمد ابن أحمد بن بنت الشافعي يقول: سمعت عمي يقول: باع الشافعي ضيعة له
بمائة ألف فقسمها بمكة فبينا هو كذلك إذ أقبل أعرابي من بني عذرة فسلم عليه فقال
له: يا فتى، بيني وبينك حرمة متأكدة. فقال له الشافعي: وما ذاك؟ قال: رأيتك مع
أبيك ولك ذؤابة تشتري أضحية يوم النحر. فالتفت إليّ البائع فقال [٦]: خاب الفتى.
قال: فقال الشافعي: هذه حرمة متأكدة، وقال له: ادخل، وخذ النطع وما عليه. فدخل،
فأخذ النطع وما عليه.
(١) في ح: «ابن سليمان».
(٢) في ا:
«فقد».
(٣) الحلية ٩/ ١٢٧.
(٤) ما بين الرقمين في هـ، ولا
في ح.
(٥) في ح: «الورباني» والورثاني بفتح الواو نسبة إلى ورثان من
قرى شيراز، ينسب إليها أبو الفرج: عبد الواحد بن بكر الورثاني الصوفي. رحل في طلب
الحديث وسمعه، وروى عن أبي بكر الإسماعيلي. وتوفى بالحجاز سنة ٣٧٢ كما في اللباب
٣/ ٢٦٧.
(٦) في ح: «فقلت».
ورواه أبو الحسن العاصمي، عن
محمد بن عبد الله الرازي، عن إسحاق بن محمد الأنصاري، عن أحمد بن محمد الشافعي،
عن عمه
ويحتمل أن تكون الحكاية عند هذا الرازي من الوجهين جميعا.
أخبرنا
محمد بن الحسين بن محمد بن موسى قال: أخبرنا محمد بن علي بن طلحة قال: حدثنا أحمد
بن علي الأصبهاني قال: حدثنا زكريا الساجي قال: حدثني عبد الله بن أحمد المروزي
قال:
سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي وجاءه سائل فقال: إني رجل من
أمري كيت وكيت فأمر لي بشيء، وما كان يملك يومئذ إلا ديناراً، فأعطاه إياه فقال
له بعض جلسائه: هذا لو أعطيته درهما أو درهمين كان كثيرا، فقال: إني أستحي أن
يطلب رجل مني شيئاً ومعي مقدرة فلا أعطيه.
أخبرنا محمد بن عبد الله
الحافظ قال: أخبرني نصر بن محمد العدل قال: وجدت في كتابي عن إبراهيم بن محمد
قال: كنت في مجلس أحمد بن يوسف التغلبي، صاحب أبي عبيد: القاسم بن سلام، فجرى ذكر
الشافعي وأخلاقه وفقهه وسماحته فقالوا: ما شبهناه إلا بأبيات. أنشدها [١] حفص بن
عمر الأزدي المقري لبعض الأعراب:
إن زرت ساحته ترجو سماحته ... بلّتك
راحته بالجود والديم
أخلاقُه كرم وقوله نعم ... يقولها بفم بَحْبَحْت
فاحِتَكمِ [٢]
ما ضرّ زائرَه يرجو أناملَه ... إن كان ذا رحمٍ أو غير
ذي رحم
(١) في ا: «بأثبات. أنشدنا ...»
(٢) بحبحت:
تمكنت
(م ١٥ مناقب جـ ٢)
[الجود غرّتُه والمجد غايته ...
يقولها بفم قد لج في نعمِ] [١]
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال:
أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، حدثنا محمد بن روح،
حدثنا الزبير بن سليمان القرشي، عن الشافعي قال:
خرج «هَرْثَمَة»
فأقرأني سلام أمير المؤمنين: هارون. قال [٢]: وقد أمر لك بخمسة آلاف دينار. قال:
فَحُمل إليه المال، فدعا بحجَّام فأخذ من شعره فأعطاه خمسين دينارا. ثم أخذ رقاعا
وصر من تلك [٣] الدنانير صُرَراً ففرقها في القرشيين الذين هم بالحضرة من أهل مكة
حتى ما رجع إلى بيته إلا بأقل من مائة دينار [٤].
وقرأت في كتاب أبي
الحسن: محمد بن الحسين العاصمي، رحمه الله، المجموع لمناقب الشافعي، رضي الله
عنه: سمعت أبا بكر: أحمد بن الحسن الفقيه الشافعي يحكي عن أبي القاسم الطالبي، عن
الشافعي، رحمه الله، أنه أدخل إلى الرشيد [٥] فقال له: يا أخا شافع، شَقَقْتَ
العصا، وخرجت مع العلوية علينا؟
قال: يا أمير المؤمنين، أأدع ابن عمي
من يقول إني ابن عمه، وأصير إلى قوم يقولون إني عبدهم. قال: فأطلق عنه ووصله
بثمانين ألف درهم [٦] قال: فخرج فرأى حجَّاما فطمَّ شعره فوصله بثمانين دينار
فعاتبه على ذلك الرشيد، فأنشأ يقول:
(١) هذا البيت ليس في ح، ولا في
هـ.
(٢) ليست في ا.
(٣) في ح: «وصرر تلك».
(٤)
الحلية ٩/ ١٣١.
(٥) في ح: «دخل علي الرشيد».
(٦) من ح.
موللو
تنازعني كفى إلى خُلُق ... يرزى لقلت لها أَلْقيهِ أَوْ بِينِي
خِيْمِي
كريمٌ ونفسي لا تحدّثُني ... أنّ الإله بلا رزْقِ يُخَلِّيني
هذا وما
زال مالي من أذى طمعٍ ... ومن ملامة أهل اللَّوم يُغريني
بل بما
اشتريت بمالي قط محمدةً ... إلا تيقَّنْت أنِّي غيرُ مغْبون
ولا
دُعِيتُ إلى مجدٍ ومكْرُمةٍ ... إلا أجبتُ: أَلَا مَنْ ينَادِيني [١]؟!
لبَّيك
يا كرمي لبيكَ ثانيةً ... لبيكَ ثالثةً من حيثُ تَدْعوني
وقرأت في
موضع آخر البيت الأول
والله لو كرهَت كَفِّي مُسَاعدتي ... لقُلْتُ
لِلْكَفِّ بِينى إذْ كَرِهْتِيني [٢]
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في
«التاريخ» قال: سمعت محمد بن عبد الأعلى يقول: سمعت أحمد بن عبد الرحمن الرَّقِّي
يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول:
ح. وأخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن أحمد بن عبد الأعلى المقري يقول: سمعت
أحمد بن أحمد بن عبد الرحمن يقول: سمعت المزني يقول:
سمعت الشافعي
يقول: السخاء والكرم يغطي عيوب الدنيا والآخرة بعد أن لا تلحقه بدعة [٣].
وقرأته
في كتاب زكريا بن يحيى الساجي عن محمد بن إسماعيل قال:
(١) في ح: «إلى
من ذا يناجيني».
(٢) في ح: «إن كرهتيني».
(٣) الحلية ٩/
١٣٤.
سمعت الحسين بن علي يقول: سمعت الشافعي يقول: فذكره غير أنه قال:
غطى عيوب الدنيا والآخرة.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو
تراب الطوسي قال: حدثنا محمد بن المنذر الهروي قال: سمعت الربيع يقول:
سمعت
الشافعي يقول: السخاء في اليمن.
ورواه أيضا ابن عبد الحكم عن الشافعي،
رضي الله عنه.
وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: أخبرنا الحسن بن
رشيق - إجازة - قال: حدثنا محمد بن يحيى الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن
عبد الحكم قال: قال لنا الشافعي: نزلنا بامرأة من اليمن فجعلت تخرج إلينا الشيء
بعد الشيء «وقلَّله» [١] فقلنا لها: إن معنا أشياء. قالت: فما تريدون بهذا؟
أتنزلون عندنا وتأكلون طعامكم؟ والله لا كان هذا، والله لئن فعلتم هذا لترون
متاعكم مطرحا في الصحراء.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت
أبا سعيد: أحمد بن محمد ابن رميح الحافظ يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق بن
خزيمة يقول:
ح. وأخبرنا محمد بن الحسين الصوفي قال: سمعت جدي إسماعيل
بن نجيد [٢] يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت وفاء بن سهل الكندي
يقول:
سمعت الشافعي يقول: أمْلَقْتُ بمكة حتى لم يبق لي شيء، فقلت:
إلى من
(١) ليست في ح.
(٢) في ح: «محمد».
أصير؟
ففكّرت فيمن يقوم بي من قريش وغيرهم، ثم قلت: ما أجد لي خيرا من أن أصير إلى
اليمن. قال: فتجهزت وخرجت إليها، فأتيت صنعاء فسألت عن رجل من أهل اليمن ممن
يُؤْثَر، فوصف لي رجل وسمى لي موضعه، فخرجت نحوه حتى أتيت منزله، فإذا برجل قاعد
وإذا بجماعة وإذا له دار ضيافة، فعدل بي إلى دار الضيافة فدخلت مع الضيفان، ثم
أنه أقبل إلينا، فأرسل إليّ رسولا فسألني من أنا فأخبرته بنسبي، فحوّلني من ذلك
الموضع إلى موضع وراءه فأقمت ثلاثة أيام لا يسألني عن شيء أكثر من أن يجيء [١]
فيسلم، ثم ينصرف. قال: فلما كان اليوم الرابع سألني: أضيف أنا أم زائر؟ فقلت [٢]:
زائر. فحوَّلني من ذلك المكان إلى مجلس وغيره، فكان يأتيني في كل وقت، ويؤانسنى
وأؤانسه، فلما طال مكثي عنده أتاني، فقال لي: لعلك تريد الرجوع فقلت إلى أهلك؟:
أي والله، لقد اشتقت إلى منزلي، فلم أعلم حتى أتاني بدنانير كثيرة وطرائف، وخرجت
وخرج معي حتى جاز موضعا من مواضعهم فودّعني ثم رجع إلى منزله، فأقبلت إلى منزلي
بما أجازني، وأعطاني، فأقمت دهرا أتمناه أن يوافيني بمكة فكنت أسأل عنه كل حين من
يقدَمُ من تلك الناحية، حتى قدم رجل من مِخْلافِه [٣] فسألته عنه، فأخبرني
بقدومه، فأتيته وسلمت عليه، ثم إني صرت إلى منزلي فأمرتهم فأصلحوا لي المنزل وما
يحتاج إليه وبحرت [٤] بيتا واسطوانة، ثم أتيته فسألته أن يصير إلى منزلي، فكأنه
تلكَّأَ، فلم أزل به [٥] حتى صار معي إلى المنزل، فلما صرنا إلى المنزل جلس في
الاسطوانة ولم يدخل البيت، فلم
(١) في ا: «مما يجيء».
(٢)
في ح: «فأخبرته أني زائر».
(٣) في اللسان ١٠/ ٤٣٢: قال ابن بري:
المخالف لأهل اليمن كالأجناد لأهل الشام، والكور لأهل العراق، والرساتيق لأهل
الجبال، والطاسيج لأهل الأهواز.
(٤) في ا: «يحدث» وبجر البيت:
وسعه.
(٥) من ح.
أزل به، وأطلب إليه حتى دخل المنزل،
وأُتينا بطعام [١] فأكل وأكلنا معه، وكنا قد هيأنا طعاما كثيرا، فلما أكل وفرغ
وتوضْأ التفت إليّ وقال لي: كأنك إنما أردت أن ترينا متاعك وطعامك وأثوابك يابن
أخي، لو صيرت هذا في أعناق الرجال لكان أعظم لقدرك، وأسنى لذكرك.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا علي بن عيسى
المدائني قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: إني علي عيد وليس
عندي نفقة، فقال لي أهلي: عودت قوما أن تصلهم فلو استسلفت شيئا؟ فاستسلفت سبعين
دينارا، فتركت عشرين ديناراً للنفقة، وفرَّقت الباقي، فبينا أنا على ذلك إذ أتاني
رجل من قريش يشتكي إليّ الحاجة، فأخبرته خبري. فقلت له: خذ ما تحب. فقال: ما
حاجتي [٢] إلا أكثر من هذه الدنانير. فقلت له: خذها، وبتُّ، وما معي دينار ولا
درهم، فبينا أنا في منزلي إذ أتاني رسول البَرْمَكِي: جعفر بن يحيى، فقال: أجب.
فأجبته فقال: ما شأنك في هذه الليلة؟ يهتف لي هاتف يقول: الشافعي، الشافعي، كلما
دخلت في النوم. أخبرني بأمرك، فأخبرته فأعطاني خمسمائة دينار وقال: أزيدك؟
فأعطاني خمسمائة أخرى فلم يزل يزيدني حتى أعطاني ألفي دينار [٣].
ورواه
أيضا زكريا الساجي عن ابن بنت الشافعي عن الأخضر بن عبد الله الصُّدَائي عن
الربيع بن سليمان إلا أنه قال: قال رسول الفضل بن يحيى أو البرمكي: جعفر بن
يحيى.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن قال: أخبرنا الحسن بن
رشيق،
(١) في ح: «بطعامنا».
(٢) في ا: «ما يقنعني إلا أكثر
...».
(٣) مناقب الشافعي للرازي ص ١٢٨ - ١٢٩.
إجازة، قال:
حدثنا أحمد بن سلامة الطحاوي ومحمد بن الربيع قالا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى
قال:
سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: مرَّ رجل من النجار
بالزُّهْري وهو في قريته، والرجل يريد الحج، فابتاع الزهري منه بزًّا بأربعمائة
دينار إلى أن يرجع من حجَّه، فما برح الرجل حتى فرَّقه عن آخره، فرأى الزهري
الكراهة في وجه الرجل لذلك، فلما فرغ الرجل [١] من حجه مرّ بالزهري يتقاضاه، فأمر
له الزهري [٢] بثلاثين ديناراً ينفقها في سفره، ودفع إليه الدنانير، ثم قال له
الزهري: كأني رأيتك [٣] قد ساء ظنك يومئذ. قال الرجل: أجل! قال الزهري: والله لم
أفعل ذلك إلا للتجارة: أُعْطِي القليل فأُعْطَى الكثير.
أخبرنا أبو
عبد الله الحافظ وأبو الحسن: علي بن محمد بن علي بن الحسين الهروي - قدم علينا
حاجّاً - قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن عبد الله بن محمد ابن مخلد يقول: حدثنا
يونس بن عبد الأعلى قال:
حدثني محمد بن إدريس الشافعي أن رجاء بن
حَيْوَة عاتب «ابن شهاب» في الإسراف وكان يدَّان فقال: لا آمن [٤] أن يحبس هؤلاء
القوم أيديهم عنك فتكون قد حملت على أمانتك قال: فوعده أن يقصر. فمرّ به بعد ذلك
وقد وضع الطعام، ونصب موائد العسل، فوقف به رجاء وقال: يا أبا بكر، هذا الذي
افترقنا عليه؟ فقال له ابن شهاب: اترك [٥]؛ فإن السّخِيّ لا تؤدّبُه التجارب.
(١)
من ح.
(٢) من ح.
(٣) في ح: «قد رأيتك قد ..».
(٤)
في ا: «لا أمر».
(٥) في ا: «انزل».
قال أبو عبد الله: محمد
بن العباس: أنشدني الحسين بن أبي عبد الله الكاتب في هذا المعنى:
له
سَحَائِبُ جودٍ في أنامله ... أمطارها الفضة البيضاء والذهبُ
يقول في
العسر: إنْ أيْسَرْتُ ثانيةً ... أقصرت عن بعض ما أُعْطِي وما أهبُ
حتى
إذا عاد أيامُ اليسار له ... رأيت أمواله في الناس تُنْتَهَبُ
لفظ
حكاية الهروي.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني عبد الرحمن
بن الحسن العاصمي - شفاها - أن زكريا بن يحيى حدثهم قال: حدثنا محمد بن إسماعيل
قال: سمعت الحسين بن علي يقول:
قال الشافعي، رضي الله عنه:
لا
أزال أحب «حماد بن أبي سليمان» [١] لشيء بلغني عنه: بلغني أنه كان راكبا على
حمار، فحرّكه الحمار فانقطع زره، فمر على خياط فأراد أن ينزل عليه ليسَوِّي [٢]
زره [فقال - يعني الخياط: والله لا نزلت فقام الخياط إليه ليسوي زره] [٣] فأدخل
يده في جيبه فأخرج إليه صُرَّةً فيها دنانير فناولها الخياط، ثم اعتذر إليه من
قلتها.
(١) هو فقيه الكوفة أبو إسماعيل: حماد بن أبي سليمان الأشعري،
مولاهم صاحب إبراهيم النخعي، وشيخ أبي حنيفة. روى عن أنس بن مالك، وسعيد بن
المسيب، وطائفة، وكان جوادا سريا محتشما يفطر كل ليلة من رمضان. خمسمائة إنسان.
وقال شعبة: كان صدوق اللسان. كما في الشذرات ١/ ١٥٧.
(٢) في ا:
«فيسوى».
(٣) ما بين القوسين سقط من ا.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق - إجازة - قال: حدثنا سعيد بن أحمد
القضاعي قال: سمعت إسماعيل بن يحيى المزني يقول:
سمعت الشافعي يقول:
دخل رجل على أبي جعفر المنصور فقال له: يا أمير المؤمنين، تفضل عليّ تفضلا قرشيا
ولا تصنعنّ صُنْعاً حجازيًّا [١].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو
بكر: أحمد بن الحسن القاضي، وغيرهما، قالوا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب
يقول: سمعت أبا عبد الله: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول:
سمعت
الشافعي يقول: وقف أعرابي على عبد الملك بن مروان، فسلم عليه ثم قال: أي يرحمك
الله، إنه قد مرت بنا سنون ثلاث: أما إحداها فأهلكت المواشي. وأما الثانية
فَاَنْضَت اللحم. وأما الثالثة فخلصت إلى العظم. وعندك مال: فإن يكن لله فأعط
عباد الله. وإن يكن لك فتصدق علينا، إنَّ اللهَ يَجْزِي المُتَصَدِّقِينَ. قال:
فأعطاه عشرة آلاف درهم وقال: لو أن الناس يحسنون يسألون هكذا ما حرمنا أحدا
[٢].
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر: أحمد بن الحسن القاضي،
وأبو عبد الرحمن السلمي، قالوا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت
الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول: وقف أعرابي على قوم فقال:
أي يرحمكم الله، إني رجل من أبناء السبيل [وأَنْضَاء طريق وفُلَّال سنة] [٣] فرحم
الله أمرأً
(١) في ح: «صناعا» وفي ا: فلا تضيفن صاعا».
(٢)
المناقب للرازي ١٢٩، والعقد الفريد لابن عبد ربه ٣/ ٤٣١ وفيه أن الأعرابي دخل على
هشام بن عبد الملك ... :
(٣) في ح: «والضار» وفي الحلية: «وآيضا من
سفر» والتصويب من العقد الفريد ٣/ ٤٢٨.
أَعْطَى من سَعَةٍ، وواسى من
كَفَاف. قال: فأعطاه رجل ديناراً فقال: آجرك الله من غير أن يبْتليك.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه قال: سمعت
محمد بن المسيّب الأَرْغيَاني يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
دفع
إليَّ الشافعي دراهم لأشتري له [١] حَمَلاً، وأمرني أن أشوي ذلك قال: فنسيت
واشتريت سمكتين وشويتهما، فأتيته بهما فنظر فقال: يا أبا محمد، كُلْهُماَ فقد
اشتهيتَهما [٢].
ورواه أبو بشر الدُّولاَبِي، عن الربيع قال: فقلت:
هكذا قضى فقال: يا ربيع، اليوم تأكل شهوتك، وغدا [تأكل شهوتنا] [٣].
أخبرنا
أبو عبد الله: محمد بن عبد الله قال: أخبرني عبد الله بن محمد الحَيّاني قال:
حدثنا محمد - يعني ابن عبد الرحمن الأصبهاني - قال: حدثنا إبراهيم بن مَتّوية
قال: حدثنا أبو عبد الله،: أو عبيد الله: أحمد بن عبد الرحمن قال:
خرج
للشافعي يوما غلام أسود ومعه ساجة قد حملها للبيع فَبَصُر بِهِ، فأمر به، فدعى،
فقال: إلى أين؟ ما هذا الذي معك؟ قال: فما تريد؟ فكرر عليه فقال: يا مولاي، لم
تفتي الناس بشيء لا تأخذ به؟ أليس تزعم أن البينة على المدعي، واليمين
(١)
من ح.
(٢) الحلية ٩/ ١٣٠.
(٣) ما بين القوسين من الحلية ٩/
١٣٢ - ١٣٣.
على من أنكر؟ أعني المدعى عليه - فإن كان لك في الخشبة
دعوى فثبِّت. فضحك الشافعي وقال: اذهب كيف شئت [١].
أخبرنا أبو عبد
الله قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن العباس يقول: سمعت أبا عبد الله: محمد بن
حمدان الطَّرَائفي يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي
يقول: إذا أخطأتك الصنيعة إلى من يتقي الله تعالى فاصطنعها إلى من يتقي العار.
قرأت
في كتاب العاصمي عن الزبير بن عبد الواحد، عن القزويني، عن الربيع قال:
كان
الشافعي، رضي الله عنه، إذا سأله إنسان أن يصله بشيء يَحْمَارُّ وَجْهُهُ حياءً
من السائل، ويبادر بإعطائه ما سأله. ولقد سأله إنسان يوما وهو راكب شيئا فتغيَّر
لونه وقال: أين تكون حتى أبعث إليك بحاجتك؟ فلما رجع إلى منزله بعث إليه بما
سأله.
قال الربيع: قد سمعنا بالأسخياء. قد كان عندنا قوم من الأسخياء
بمصر، وأهل الفضل رأيناهم ما رأينا مثل الشافعي، ولا سمعنا أحداً في زمانه كان
مثلَه [(٢ قال الربيع: وكان الشافعي يقول: أهل اليمن فيهم السخاء ٢)] .
قال
الربيع: قال الحميدي: فأين سخاء أهل اليمن من سخاء الشافعي رضي الله عنه؟ أولئك
سخاؤهم من فَضْلٍ معهم والشافعي يسخو [٣] بكلِّ ماله.
(١) راجع الحلية
٩/ ١٣٣.
(٢) ما بين الرقمين سقط من ا.
(٣) من ح.
وقرأت
في كتاب زكريا بن يحيى السّاجِي، عن إبراهيم بن زياد، عن البويطي قال:
قدم
علينا الشافعي مصر، وكانت «زبيدة» ترسل إليه برزم الوشى والثياب فيقسمها الشافعي
بين الناس [١].
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا العباس:
محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
رأيت الشافعي يوم
أضحى واقفا على درجة له [٢] يأمر الذَّابِحَ بذبح أضحيته ويسمي الله ويكبّر
[٣].
(١) الحلية ٩/ ١٤٢.
(٢) في ح: «درجة بابه».
(٣)
في ح: بلغ مقابلة في الثالث والعشرين.
باب ما يستدل به على شهادة أئمة المسلمين وعلمائهم للشافعي، رضي الله عنه،
بالتقدم في العلم، واعترافهم له به، وحسن ثنائهم عليه، وجميل دعائهم له
* * *
فمنهم:
أبو عبد الله: مالك بن أنس
الأصبحي: إمام أهل الحرمين، رحمة الله عليه.
أخبرنا أبو عبد الله:
محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد ابن يعقوب الأموي قال: سمعت
عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: قال الشافعي: أنا قرأتُ على مالك
فكان يعجبه قراءتي. قال أبي: لأنه كان فصيحا.
وذكرنا في باب رحلته إلى
مالك: أنه لما سمع مالك كلام الشافعي نظر إليه ساعة - وكانت لمالك فراسة - فقال
له: ما اسمك؟ قال: محمد. قال: يا محمد، اتق الله، واجتنب المعاصي؛ فإنه سيكون لك
شأن. فقال: نعم وكرامة. وحين قرأ عليه «الموطأ» ظاهرا - كلما أراد أن يقطع أعجبه
حُسن قراءته وإعرابه فيقول: يا فتى: زد. حتى قرأه عليه في أيام يسيرة.
وأخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ قال: قرأت في كتاب بعض فقهائنا بنيسابور: حدثنا العباس
بن عبد الله الحيري قال: حدثنا أبو جعفر: محمد بن جرير الطبري قال: حدثنا الربيع
بن سليمان قال:
كان الشافعي جالسا يوما بين يدي مالك بن أنس، فجاء رجل
إلى مالك فقال: يا أبا عبد الله، إني رجل أبيع القُمْرِيّ، وإني بعت يومي هذا
قُمْرِيًّا. فلما كان العشي أتاني صاحب القمري فقال: إن قمريّك لا يصيح، فتشاجرت
أنا وهو إلى أن حلفت بالطلاق أن قمريّ ما يهدأ من الصياح. فقال مالك: طلقت امرأتك
ولا سبيل لك عليها، فانصرف الرجل مغموما، فقام إليه الشافعي - وهو يومئذ ابن أربع
عشرة سنة - فقال: أعد مسألتك - رحمك الله - فأعاد عليه فقال: أيّما أكثر: صياح
قمريك أم سكوته؟ قال: فقال: صياحه. قال: امض فلا شيء عليك. ورجع الشافعي إلى
الحلقة، ورجع [١] الرجل إلى مالك، لِصيته [٢] في البلاد، وكبر اسمه فقال: يا أبا
عبد الله، انظر لي في مسألتي يكن لك فيها أجزل الثواب. فقال: ما أعرف لمسألتك
جوابا غير ما أخبرتك. قال: فإن في حلقتك من أفتاني [٣] بأن لا شيء عليك. قال:
مَنْ المفتي لك، رحمك الله؟ قال: هذا الغلام، وأومأ إلى الشافعي، فَزَبَرَهُ مالك
وأخْجَله وقال: يا غلام:، بلغني عنك غير فتواي، فمن أين لك هذا؟ قال: لأني سألته
[٤]: أيّما أكثر صياح قمريك أم سكوته؟ فأخبرني بصياحه. فقال مالك: وهذا أعظم، أيّ
شيء في سكوته وصياحه مما يكون مخرجا للفتوى؟ قال: لأنك حدثتني - يعني عن عبد الله
بن يزيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس: أنها أتت النبي، صلى الله
عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أبا جَهْم ومعاوية خطباني، فأيّهما أتزوج؟
فقال النبي، صلى الله عليه وسلم:
أما «معاوية» فصعلوك لا مال له، واما
«أبو جهم» فرجل لا يضع
(١) في ا: «ودخل».
(٢) في ح:
«لصوته».
(٣) في ا: «قد أفتاني».
(٤) في ا: «سألت ذا».
عصاه
عن عاتقه. [١] وقد علم النبي، صلى الله عليه وسلم، أن أبا جَهْم يأكل وينام
ويستريح، فقال لها: لا يضع سوطه على المجاز، والعرب تجعل أغلب الفعلين كمداومته.
فلما أن سألتُه: أيّما أكثر: صياح قمريك أو سكوته؟ فأخبرني بصياحه. فقسته على قول
النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا يضع سوطه» وعلمت أن النبي، صلى الله عليه وسلم،
خاطب العرب على قدر عقولهم، وجعلوا أكثر الفعلين كمداومته. قال: فتعجب مالك بن
أنس من قوله، ولم يقدح فيه بشيء فضرب مسلم بن خالد الزّنجي بين كَتِفي الشافعي
وقال: أفتِ فقد والله آن لك أن تفتي.
قلت: كان قد وقع غلط في هذه
الحكاية في إسناد الحديث فقال: عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أم سلمة، في قصة فاطمة
بنت قيس. والصحيح ما ذكرناه.
ورواه الشافعي في مواضع من كتبه على
الصحة [٢].
* * *
ومنهم: أبو محمد: سفيان بن عُيَيْنَة
الهِلَالي،، رحمة الله عليه.
حدثنا أبو محمد: عبد الله بن يوسف بن
أحمد الأصبهاني، قال: حدثنا أبو سعيد: أحمد بن محمد بن زياد قال: حدثنا تميم بن
عبد الله: أبو محمد، قال: سمعت سويد [٣] بن سعيد يقول:
(١) الحديث
أخرجه مالك بسياقه في الموطأ: كتاب الطلاق: باب ما جاء في نفقة المطلقة ٢/ ٥٨٠ -
٥٨١.
والشافعي في الرسالة ص ٣٠٦، ٣١٠، ومسلم في كتاب الطلاق: باب
المطلقة ثلاثا لا نفقة لها ٢/ ١١١٤.
(٢) راجع اختلاف الحديث ٧/ ٢٧٩
بهامش الأم.
(٣) في ا: «تزيد».
كنا عند سفيان بن عُيَيْنَة
بمكة، فجاء الشافعي فسلّم وجلس، فروى ابن عيينة حديثا رقيقا فغشى على الشافعي
فقيل: يا أبا محمد، مات محمد بن إدريس وقال ابن عيينة: إن كان مات محمد فقد مات
أفضل زمانه [١].
أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي قال:
أخبرنا عباس ابن الحسين [٢] قال: حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد قال: حدثنا زكريا
بن يحيى قال: حدثنا عمرو بن سفيان بن محمد الثّغري [٣] قال: سمعت أبي يقول:
رأيت
محمد بن إدريس الشافعي جالسا عند ابن عُيَيْنَة، وكان إذا جلس عنده جلس متربعا
كجلسة القضاة، فقال رجل لابن عيينة: إنّ هاهنا قوما [٤] يرون كذا - - بُعَرِّضُ
بالشافعي ومالك - فقال ابن عُيَيْنَةَ: ما أُحِبُّ أن يأتيني من يقول بهذا
القول:
فقال الشافعي لابن عيينة: يا أبا محمد، ليس هذا من صنعتك؛ إنما
صنعتك الحديث، وإنما هذا لأهل النظر. فسكت سفيان، وطأطأ رأسه، فما رأيت ابن عيينة
بعد ذلك إلا معظِّماً له ومكرما.
وقرأت في كتاب أبي يحيى: زكريا بن
يحيى الساجي روايته عن أحمد ابن محمد ابن بنت الشافعي قال: سمعت أبي وعمي
يقولان:
كان سفيان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفُتْيا يُسأَل
عنها التفت إلى الشافعي فقال: سلوا هذا الفتى.
(١) توالي التأسيس ٥٤
والمناقب للرازي ١٧ - ١٨.
(٢) في ح: «الحسن».
(٣) في ا:
«المسعدي».
(٤) في ا: «ههنا قوم».
أخبر أبو عبد الله
الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد القاضي قال: حدثنا أبو جعفر - يعني الحافظ -
قال: حدثنا أحمد بن روح قال: [١] حدثنا زكريا. فذكره مختصرا.
وقرأت في
كتاب أبي الحسن العاصمي: عن الزبير بن عبد الواحد قال: أخبرني القزويني: محمد بن
عبد الله قال: سمعت محمد بن يعقوب بن الفرجي يقول: إن علي بن المديني قال [٢]:
كان الشافعي لي صديقا، وكان سبب معرفتي إياه عند ابن عيينة، وكان ابن عيينة يجله
ويعظمه.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الفضل: الحسن
بن يعقوب العدل يقول: سمعت أبا أحمد: محمد بن روح الأُسْتواي يقول: سمعت عبدان
الأهوازي الحافظ يذكر عن بعض شيوخه، عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال:
كنا
في مجلس ابن عيينة وعنده الشافعي، فحدث ابن عيينة عن الزهري، عن علي بن الحسين:
أن النبي، صلى الله عليه وسلم، مرَّ به رجل ومعه امرأته صفية فقال: تعال، هذه
امرأتي صفية. الحديث [٣] قال: قال ابن عيينة للشافعي: ما فقه هذا الحديث؟ فقال
الشافعي: إن كان القوم اتهموا النبي، صلى الله عليه وسلم، كانوا بتهمتهم إياه
كفارا لكن النبي، صلى الله عليه وسلم، أدب من بعده فقال:
(١) في ح،
هـ: «أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أحمد بن روح قال: حدثنا زكريا.
فذكره مختصرا».
(٢) في ا: «... بن الفرجي قال: قال علي بن المديني.
كان الشافعي ...».
(٣) تمامه: «فقالا: سبحان الله يا رسول الله. قال:
إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يلقي الشيطان في أنفسكما
شيئا».
والحديث أخرجه البخاري في أبواب الاعتكاف: باب زيارة المرأة
زوجها في اعتكافه ٤/ ٢٤٣ وباب هل يدرأ المعتكف على نفسه ٤/ ٢٤٤.
(م ١٦
- مناقب جـ ٢)
إذا كنتم هكذا فافعلوا هكذا لكيلا يظن بكم الظن السوء
فقال ابن عيينة: جزاك الله خيرا، ما يجيئنا منك إلا كلُّ ما نحب [١].
ورواه
زكريا بن يحي السّاجي، عن عبد الله بن أحمد الأهْوَازي، وهو عبدان، عن أحمد بن
عمرو - يعني ابن أبي عاصم - قال:
سمعت إبراهيم بن محمد الشافعي، وقد
مضى رجوع سفيان إلى قوله في تفسير حديث أقروا الطير.
وقرأت في كتاب
أبي الحسن العاصمي: عن الزبير بن عبد الواحد، عن محمد بن عبد الله بن جعفر، عن
أبي بكر: محمد بن إدريس كاتب الحميدي [قال: سمعت الحميدي] [٢] يقول: مرض الشافعي
فعاده ابن عيينة ثلاث مرات.
* * *
ومنهم مع ابن عيينة
جماعة من فقهاء مكة: مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن
أبي روَّاد، وغيرهم، رحمهم الله.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال:
أخبرنا محمد بن عبد العزيز - إجازة - قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد قال: حدثنا
محمد بن عبد الله القزويني - قاضي مصر - أظنه عن الربيع (بن خالد) [٣] قال:
أخبرني أبو يعقوب البويطي، عن الحميدي قال:
كان سفيان بن عيينة، ومسلم
بن خالد، وسعيد بن سالم، وعبد المجيد
(١) آداب الشافعي ٦٨ - ٧٠.
وتوالي التأسيس ٥٤.
(٢) ما بين القوسين من ا.
(٣) ليست في
ح.
ابن عبد العزيز، وشيوخ أهل مكة يصفون الشافعي ويعرفونه من صغره
مقدَّماً عندهم [١] بالذكاء والعقل والصيانة، ويقولون: لم نعرف له صبوة [٢].
وقرأته
في كتاب العاصمي عن الزبير وقال في إسناده: حدثنا الربيع.
أخبرنا أبو
عبد الرحمن: محمد بن الحسين الصوفي قال: سمعت أبا إسحاق: إبراهيم [(٣ بن محمد بن
يحيى يقول: سمعت أبا نعيم الفقيه يقول: سمعت الربيع ٣)] بن سليمان يقول: سمعت
الحميدي يقول: سمعت مسلم بن خالد يقول للشافعي: قد والله آن لك أن تفتي - وهو ابن
خمس عشرة سنة [٤].
* * *
ومنهم [أبو سعيد:] [٥] يحيى بن
سعيد بن فَرّوخ القطان: إمام أهل العلم بالحديث في زمانه، رحمه الله.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الزبير بن بعد الواحد قال: سمعت الحسن بن سفيان
يقول: سمعت الحارث بن سريج النَّقَّال [٦] يقول: [(٥ سمعت يحيى بن سعيد يقول [٧]]
: أنا أدعو الله للشافعي أخصه [٨]
وحكاه أيضا داود بن علي الأصبهاني
عن الحارث، وقد ذكرنا فيما تقدم قوله حين عرض عليه كتاب «الرسالة» للشافعي، رضي
الله عنه: ما رأيت أعقل
(١) في ا: «عليهم».
(٢) توالي
التأسيس ٥٤ - ٥٥ والمناقب للرازي ٢٠.
(٣) ما بين الرقمين ليس في ح.
(٤)
توالي التأسيس ٥٤.
(٥) من ح.
(٦) في ح: «البقال».
(٧)
ما بين الرقمين سقط من ح.
(٨) ليست في ح.
أو أفقه منه
[١].
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو بكر: محمد بن
المقري قال: أخبرنا أبو القاسم: جعفر بن الحسين الرندي [٢] بأصبهان، حدثنا أبي
قال: سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أنا أدعو الله للشافعي في
صلاتي من أربعين سنة، وأخبرني الثقة من أصحابنا عن أبي النعيم الأصبهاني قال:
حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثني عمرو بن عثمان المكي، عن الزَّعْفَرَاني قال:
سمعت يحيى بن سعيد يقول: أنا أدعو الله للشافعي في صلاتي منذ أربع سنين. هذا هو
الصحيح والأول وهم.
* * *
ومنهم أبو سعيد: عند الرحمن بن
مَهْدِي بن حسّان العَنْبَرِي، المقدم في عصره في علم الحديث والفقه. كتب إلى
الشافعي، رحمه الله، ليضع له كتابا فيه معاني القرآن، ويجمع فنون الأخبار فيه،
وصحة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له كتاب «الرسالة»
قال عبد الرحمن: ما أصلي صلاة إلا وأدعو للشافعي فيها [٣].
أخبرنا علي
بن بشران قال: أخبرنا دعلج بن أحمد قال: سمعت جعفر بن أحمد السَّامَاني يقول:
سمعت جعفر ابن أخي أبي ثَوْر يقول: سمعت عمي يقول: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى
الشافعي. فذكره غير أنه قال: قبول الأخبار.
وأخبرنا أبو عبد الله
الحافظ قال: أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال: أخبرنا
(١) توالي التاسيس
٥٥.
(٢) في ح: «الديريني» وفي هـ: «الزندي».
(٣) توالي
التأسيس ٥٥.
إبراهيم بن محمود قال: حدثني أبو سليمان قال:
حدثني
الحارث بن سريج قال: أنا حملت كتاب الرسالة للشافعي إلى عبد الرحمن بن مهدي وجه
بها معي إليه.
قد ذكرنا فيما تقدم سائر الحكايات عنه وإعجابه [١]
بكتاب الرسالة.
وقرأت في كتاب زكريا الساجي: حدثني [بشر بن] [٢]
مجاهد: أبو العلاء عن أبي عبد الرحمن القطان قال: حضرت عبد الرحمن بن مهدي لما
جاءته رسالة الشافعي فقرأها فقال: هذا كلام رجل فَهِم.
وأخبرنا أبو
سعد: أحمد بن محمد المَالِينِي قال: أخبرنا أبو أحمد: عبد الله ابن عَدِي الحافظ
قال: سمعت عبدان يقول:
سمعت عمرو بن العباس قال: قلت لعبد الرحمن بن
مهدي: إن الشافعي لا يوّرث من المرتد؟ فقال عبد الرحمن: إن الشافعي شاب مفهم؛ لأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يتوارث أهل ملتين [٣].
* * *
ومنهم
أبو عبد الله: محمد بن الحسن الشَّيْبَاني، رحمه الله.
قرأت في كتاب
زكريا بن يحيى الساجي: حدثني محمد بن إسماعيل قال: سمعت مصعب الزبيري يقول: قال
لي محمد بن الحسن: إن كان أحد يخالفنا
(١) في ا: «في إعجابه».
(٢)
ليست في ا.
(٣) أخرجه ابن ماجه في السنن: كتاب الفرائض: باب ميراث أهل
الإسلام من أهل الشرك ٢/ ٩١٢ وانظر الخبر في التوالي ٥٥.
يوماً فيثبت
خلافه علينا فالشافعي. فقيل له: لم؟ قال: لتأتّيه ولتثبُّته في السؤال والاستماع
[١].
وقد ذكرنا قبل هذا تعظيم كل واحد منهما صاحبه وتوقيره إياه.
وحكينا عن أبي يوسف القاضي، رحمه الله، حين خرج الشافعي من عند الرشيد بعث إليه
يُقريه السلام ويقول: صنّف الكتب؛ فإنك أولى [٢] من يصنّف الكتب في زمانك هذا.
*
* *
ومنهم يحيى بن حسان التنيسي، وأيوب بن سُوَيد الرَّمْلِي، رحمهما
الله.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر
قال: حدثنا أبو عبد الله بن مهدي قال: حدثنا محمد بن سعيد قال: سمعت الربيع ابن
سليمان يقول:
هيّأ ابن هرم للشافعي ولأيوب بن سويد المحدث، فانتخب
الشافعي عليه أحاديث، قرأها عليه أيوب بن سويد المحدث وأنا أسمع، فسمعت أيوب بن
سويد يقول:
ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل هذا الرجل - يعني
الشافعي.
وأما يحيى بن حسان فجاء إلى الشافعي بيته حتى قرأ عليه
بحضرتي، وسمعت الذي انتخب عليه الشافعي.
وأخبرنا محمد بن عبد الله
الحافظ قال: سمعت أبا العباس: محمد بن
(١) المناقب للرازي ١٨
(٢)
في ا: «فيقول: صنف الكتاب فإن أول. . .».
يعقوب يقول: سمعت الربيع بن
سليمان يقول:
سمعت أيوب بن سويد يقول: ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل
الشافعي.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو العباس: الوليد
بن بكر المالكي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن علي بن جابر التِّنِّيسي عن شيوخه:
أنّ
الشافعي لما رود تنِّيس نزل على ابن يحيى بن حسّان، وكان من المياسير، وكان
طبّاخُه لا يعيد اللون في الأسبوع إلا مرة، فأمر الشافعي الطباخَ بإعادة لونٍ
استطابه، فلما وُضِعَ على المائدة تغيَّرَ يحيى بن حسّان، فقال الشافعي: أنا
أمرته بهذا، فَسُرِّي عنه، ثم قال للغلام الطباخ: أنت حر لوجه الله تعالى، شكراً
لانبساط أبي عبد الله الشافعي في رحلنا.
وفي حديث أبي الحسن العاصمي:
عن الزبير بن عبد الواحد قال: أخبرني القزويني - وهو محمد بن عبد الله - قاضي أهل
مصر، عن الربيع قال: أخبرني البويطي أن يحيى بن حسّان كان يقول: ما رأيت مثل
الشافعي.
وكان شديد المحبة للشافعي، قدم الفسطاط وقال: إنما جئت
للسلام على الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه.
* * *
ومنهم أبو
الحسن: علي بن عبد الله بن جعفر بن المديني، أحد أئمة أهل العلم بالحديث.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا نصر بن محمد بن أحمد [١] قال:
(١) في
ح: «نصر بن أحمد بن محمد».
حدثني محمد بن عمرو البصري قال: حدثنا محمد
بن عاصم قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن يوسف بن النضر قال: حدثنا محمد بن
يعقوب بن الفرجي قال:
سمعت محمد بن علي بن المديني قال: قال أبي: لا
تترك للشافعي حرفاً واحداً إلا كتبته؛ فإنّ فيه معرفة.
ورواه أبو
الحسن: محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم في كتابه، عن أبي عبد الله بن يوسف
هكذا.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرني علي بن عمر الحافظ
قال: حدثني أبو بكر: محمد بن أحمد بن سهل النابلسي الشهيد قال: سمعت أبا بكر:
أحمد بن عمرو بن جابر يقول: سمعت محمد بن يعقوب بن الفرجي يقول:
سمعت
علي بن المديني يقول: كتبت عن الشافعي كتاب «الرسالة» وجئت بها إلى أبي، فقال لي
أبي: لا تترك عند هذا الرجل شيئا من الأسْفَاط [١] إلا كتبته. ثم جئتُ بها عبد
الرحمن بن مهدي فأعجب بها، ثم كتبها الشافعي وأهداها إلى عبد الرحمن بن مهدي.
كذا
وجدته وكأنه سقط من إسناده ذكر محمد بن علي المديني [٢].
* * *
ومنهم
أبو زكريا: يحيى بن معين البغدادي، إمام أهل العلم بالحديث، رحمه الله.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر
(١) في ح،
هـ: «الاستنباط».
(٢) في ح: «الترمذي».
المعدِّل قال:
حدثني محمد بن عمرو البصري قال: حدثنا محمد بن عاصم قال: سمعت حامد بن محمد
الحافظ، بمصر، يقول: سمعت أبا يحيى البلخي يقول: سمعت محمد بن إبراهيم البوشنجي
يقول:
سألت يحيى بن معين عمن أكتب كتب الشافعي؟ فقال: عن الربيع وذلك
قبل خروجي إلى مصر.
وهكذا قرأته في كتاب أبي الحسن العاصمي هذا عن أبي
أحمد: حامد ابن محمد الحافظ.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت
محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت محمد بن موسى بمصر يقول: سمعت هاشم بن مرثد
الطبراني يقول:
سمعت يحيى بن معين يقول: الشافعي صدوق.
وكذلك
حكاه محمد بن محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، عن أبي بكر: محمد بن موسى بن عيسى
المصري.
وكذلك حكاه يحيى بن زكريا المصري، عن هاشم بن مرثد.
وأخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا محمد بن علي [بن طلحة [١]] المروروذي قال:
حدثنا محمد [٢] بن علي الأصبهاني قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: حدثنا
أحمد بن روح البغدادي قال:
سمعت الزَّعْفَرَاني يقول: كنت مع يحيى بن
معين في جنازة فقلت له:
(١) ليست في ح.
(٢) في ا:
«أحمد».
يا أبا زكريا، ما تقول في الشافعي؟ قال: دعنا لو كان الكذب له
مطلقا لكانت مروءته تمنعه من الكذب.
* * *
ومنهم أبو رجاء:
قتيبة بن سعيد البَغْلَاني، رحمه الله.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ
قال: أخبرني القاسم بن غانم بن حمَّويه قال: سمعت أبا عبد الله البوشنجي قال:
سمعت
أبا رجاء: قتيبة بن سعيد يقول: الشافعي إمام.
أخبرنا محمد بن عبد الله
الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: أخبرني أبو سعيد المكي - وهو ابن
الأعرابي، إجازة - قال: حدثنا تميم بن عبد الله الرازي قال:
سمعت
قتيبة بن سعيد يقول: مات الثوري ومات الورع، ومات الشافعي وماتت السنن! ويموت
أحمد بن حنبل وتظهر البدع.
وقرأت في كتاب زكريا السّاجِي: حدثني أحمد
بن مردك الرازي قال:
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: رأيت الشافعي بمكة.
فذكر قصة في مناظرته، ثم قال قتيبة: لو وصل إليّ كلامه [١] لكتبته: ما رأت عيناي
أكيس منه.
* * *
ومنهم أبو عبيد: القاسم بن سلاَّم، إمام
أهل اللغة مع معرفته بعلوم الشريعة، رضي الله عنه.
أخبرنا القاضي
الإمام أبو عمر: محمد بن الحسين بن محمد البسطامي قال:
(١) في ا: «لو
وصلت إلى كلامه».
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال: سمعت علي بن عبد
العزيز البَغَوِي بمكة يقول:
سمعت «أبا عبيد: القاسم بن سلام» يقول:
ما رأيت رجلا قط أعقل [١] ولا أورع ولا أفصح ولا أنبل رأيا من الشافعي، رضي الله
عنه وأرضاه.
وروينا عن علي بن عثمان وحفص الوراق عن أبي عبيد أنه قال:
ما رأيت رجلا قطّ أعقل من الشافعي.
ورواه زكريا الساجي في كتابه عن
أحمد بن العباس (النسائي عنهما) [٢]
وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى
الساجي، عن عبد الله بن أحمد الأهْوَازي قال حدثني الحسن بن أسد قال:
سمعت
الربيع بن سليمان يقول: جاءني «أبو عبيد: القاسم بن سلام» فأخذ مني كتب الشافعي،
رضي الله عنه.
* * *
ومنهم أبو عبد الله: أحمد بن محمد بن
حنبل بن هلال الشَّيْبَاني، الإمام المقدم، رضي الله عنه.
أخبرنا أبو
سعد: أحمد بن محمد بن الخليل الماليني قال: أخبرنا أبو أحمد: عبد الله بن عدي
الحافظ قال: حدثنا زكريا السّاجِي قال: حدثني داود الأصبهاني قال:
سمعت
إسحاق بن رَاهَوَيْه يقول: لقيني أحمد بن حنبل بمكة فقال: تعالى حتى أريك رجلا لم
تر عيناك مثله. قال: فجاء، فأقامني على الشافعي.
(١) في ا: «أفضل».
(٢)
من ح. وموضع القوسين بياض في ا.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال:
حدثنا أبو الوليد: حسّان بن محمد الفقيه قال: حدثنا أبو جعفر: محمد بن علي العمري
قال: حدثنا أبو إسماعيل: محمد بن إسماعيل قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الكوفي -
وكان من الإسلام بمكان - قال:
رأيت الشافعي بمكة يفتي الناس، ورأيت
إسحاق بن إبراهيم الحَنْظَلي، وأحمد بن حنبل حاضرين. قال أحمد بن حنبل لإسحاق: يا
أبا يعقوب، تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله. فقال له إسحاق: لم تر عيناي
مثله؟ قال: نعم. فجاء به فأوقفه على الشافعي، رضي الله عنه، ثم قال: اسمع ما
يقول، فلما تفرّق الناس عنه قال أحمد لإسحاق: كيف رأيت؟ قال: نعم هذا الرجل كما
وصفت لكنه أخطأ في خمسة أحصيت عليه، وقد أفتى أكثر من مائتي مسألة أخطأ في خمس.
فقال له أحمد بن حنبل: ألا تشكر الله؟ رجل يفتي فيما ذكرت يخطئ في خمس عندك، وهذا
رجل حجازي لو أوردت عليه: سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله -
لم يحتج به ما لم يكن عندهم بالحجاز له أصل. ثم ذكر الحكاية في مناظرة الشافعي
وإسحاق في سكنى بيوت مكة. وقد ذكرناه في «كتاب المعرفة».
وقرأت في
كتاب زكريا السّاجِي: حدثني جعفر بن أحمد قال: سمعت محمد ابن جبريل يقول: إن يحيى
بن معين قال: لما قدم الشافعي كان أحمد بن حنبل ينهى عنه قال: فاستقبله يوما
والشافعي راكب بغلة وهو يمشي خلفه قال: فقلت له: يا أبا عبد الله، أنت تنهانا عنه
فكيف تتبعه؟ فقال: اسكت، لو [١] لزمت البغلة انتفعت.
أخبرنا محمد بن
عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر المعدل
(١) في ا:
«إن»
قال: وجدت عن أبي القاسم بن منيع: قال لي صالح [١] بن أحمد بن
حنبل:
ركب الشافعي حماره فجعل أبي يَسارَه، يمشي والشافعي راكب وهو
بذاكره، فبلغ ذلك يحيى بن معين فبعث إلى أبي في ذلك فبعث إليه: إنّك لو كنت في
الجانب الآخر من الحمار كان خيراً لك. هذا أو معناه.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي قال وذكر محمد بن عبيد الله بن صالح بن أحمد بن حنبل.
ح.
وقرأتُ في كتاب أبي الحسن العاصمي: عن أبي إسحاق: إبراهيم ابن محمد الرقي قال:
حدثنا عبد الواحد بن معبد، عن صالح بن أحمد قال:
جاء الشافعي يوما إلى
أبي يعوده، وكان عليلا، فوثب إليه أبي فقبّل ما بين عينيه، ثم أجلسه في مكان وجلس
بين يديه، فجعل [٢] يسائله ساعة. قال: فلما قام الشافعي ليركب وثب أبي فأخذ
بركابه ومشى معه. فبلغ يحيى بن معين، فوجه إلى أبي: يا سبحان الله! اضطرك الأمر
إلى أن تمشي إلى جانب بغلة الشافعي؟ فقال له أبي: وأنت لو مشيت من الجانب الآخر
لانتفعت. ثم قال أبي: من أراد الفقه فليشم ذنب هذه البغلة.
قال أبو
الحسن: وسمعت دعلج بن أحمد يحكي، عن ابن منيع، عن صالح ابن أحمد، عن أبيه، بهذه
الحكاية أو قريبا منها.
قال أبو الحسن: حدثني محمد بن عبد الله الرازي
قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن صالح بن سنان، عن صالح بن أحمد قال: سمعت أبي في
مسألة ذكرها فقال: قد قال بهذه غير واحد من الأئمة منهم الشافعي، رحمه الله.
(١)
في ح: «أنت صالح. . . قال له».
(٢) في ا: «فقال فجعل».
وأخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا عباس بن الحسن قال: حدثنا محمد بن الحسين بن
سعيد الزَّعْفَرَانِي، قال: حدثنا زكريا بن يحيى قال: حدثني محمد بن مخلد، أو ابن
خالد، البغدادي قال: حدثنا الفضل بن زياد قال: قال أحمد بن حنبل:
هذا
الذي ترون كله أو عامته من الشافعي، ما بت منذ أربعين سنة - أو قال ثلاثين سنة -
إلا وأنا أدعو الله للشافعي وأستغفر له.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ
قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد، بأسداباذ، قال: سمعت عبيد [١] الله بن محمد بن
زياد يقول: سمعت الميموني - يعني عبد الملك ابن عبد الحميد - يقول: سمعت محمد بن
محمد بن إدريس الشافعي يقول:
سمعت أحمد بن حنبل يقول: ستة ممن أدعو
الله لهم: أحدهم محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه.
وأخبرنا محمد
بن عبد الله الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الحيَّانِي قال: حدثنا محمد بن
عبد الرحمن الأصبهاني قال: سمعت زكريا بن يحيى السّاجِي يقول: سمعت ابن مجاهد
يقول: سمعت أحمد بن الليث يقول:
سمعت أحمد بن حنبل يقول: إني لأدعو
الله للشافعي في صلاتي منذ أربعين سنة، أقول [٢]: اللهم اغفر لي ولوالديّ ولمحمد
بن إدريس الشافعي [٣]؛ فما كان منهم أتبع لحديث [٤] رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، منه.
(١) في ح: «عبد الله».
(٢) ليست في ا.
(٣)
ليست في ا.
(٤) في ا: «أتبع منه لحديث».
ورأيت في كتاب
زكريا: عن بدر بن مجاهد، عن محمد بن الليث. ورواه حميد بن الربيع، عن أحمد بن
حنبل، وزاد فيه: ما أعلم أحداً أعظم منَّةً على الإسلام في زمن الشافعي من
الشافعي. ثم ذكر دعاءه له في أدبار صلواته.
أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ قال: حدثني أبو الحسن: أحمد بن محمد المقري بأَبيوَرْد قال: حدثنا جعفر بن
[١] محمد بن عبد الرحمن.
ح. قال: وأخبرنا عبد الله بن محمد بن حيَّان
قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن.
ح. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي
قال: سمعت أحمد بن محمد بن محمد بن العمركي السّرخسي - بها - قال: حدثنا أبو جعفر
الأصبهاني قال: حدثنا أبو القاسم: عبد الله بن محمد الأشقر قال: سمعت الفضل بن
زياد القطان يقول:
سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما أحد مس بيده محبرة
وقلماً إلا وللشافعي في عنقه منة.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ
قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه، قال: حدثنا إبراهيم (بن محمود) [٢] قال حدثني أبو
سليمان: داود قال: حدثني أبو جعفر المعروف بخياط السنَّة قال: قال لي أحمد بن
حنبل: جاءني الحميدي فقال لي: يا أبا عبد الله، تجالس الشافعي؟ فقلت له: وماله لا
أجالسه؟ أجالسته؟ فقال: لا. قال: فقلت له: اذهب حتى تجالسه حتى إذا تكلمت تفهم.
قال: فعاد إليّ بعد مجالسته فقال: يا أبا عبد الله، فرّطنا في هذا الرجل.
(١)
في ا: «أبو جعفر: محمد بن عبد الرحمن».
(٢) سقطت من ح.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الوليد قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال:
حدثني أبو سليمان قال: حدثني محفوظ بن أبي توبة قال:
كنا بمكة وأحمد
بن حنبل جالس عند الشافعي وحدّث ابن عيينة، فقلت لأحمد: يا أبا عبد الله، قد حدّث
ابن عيينة. فقال لي أحمد: هذا يفوت وذاك لا يفوت، وجلس عند الشافعي.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن محمد قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد
قال: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي - نزيل مكة فيما كتب إليّ - قال: سمعت محمد بن
الفضل البزاز يقول: سمعت أبي يقول:
حججت مع أحمد بن حنبل، فنزلنا في
مكان واحد [١]، أو في دار - يعني بمكة - وخرج أبو عبد الله - يعني أحمد بن حنبل -
باكراً، وخرجت أنا معه، فلما صلينا [٢] الصبح درت المجلس فجئت مجلس سفيان بن
عيينة، وكنت أدور مجلساً مجلساً طلبا لأبي عبد الله حتى وجدته عند شاب أعرابي
وعليه ثياب مصبوغة، وعلى رأسه جُمَّة، فزاحمته حتى قعدت عند أحمد بن حنبل فقلت:
يا أبا عبد الله، تركتَ ابن عُيَيْنَة وعنده الزُّهْرِي، وعمرو بن دينار، وزياد
بن علاقة ومن التابعين [٣] ما الله به عليم؟ فقال: اسكت، فإن فاتك حديث بعلو تجده
[٤] بنزول، فلا يضرك في دينك ولا في عقلك أو في فقهك. وإن فاتك عقل هذا الفتى
أخاف أن لا تجده إلى يوم القيامة، ما رأيت أحدا أفقه في كتاب الله تعالى من هذا
الفتى القرشي. قلت: من هذا؟ قال: محمد بن إدريس
(١) في ا: «واحد
معه».
(٢) في ح: «صليت».
(٣) في ح، ا: «والتابعين»
والتصويب في الحلية.
(٤) في ا: «فخذه».
الشافعي، رحمه الله
[١].
أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي قال: أخبرنا أبو
عبد الله: محمد [٢] بن عبد الرحمن الرّازي الصّوفي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد
بن ناجية قال: سمعت محمد بن مسلم بن وَارَة يقول:
لما قدمت من مصر
أتيت أبا عبد الله: أحمد بن حنبل لأسلم عليه فقال لي: كتبت كتب الشافعي؟ فقلت:
لا، فقال لي: فرّطت. ما عرفنا العموم من الخصوص، وناسخ حديث رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، من المنسوخ حتى جالسنا الشافعي، رحمه الله. قال ابن وارة: فحملني ذلك
أن رجعت إلى مصر وكتبتها.
أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت
محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت أبا القاسم بن مَنِيع يقول:
سمعت
أحمد بن حنبل يقول: كان الفقه قفلا على أهله حتى فتحه الله بالشافعي.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو تراب: أحمد بن محمد المذكر قال: سمعت محمد
بن المنذر يقول: سمعت الحسن بن عامر - وهو ابن [٣] سفيان - يقول: سمعت حميد بن
زنجويه يقول:
قلت لأحمد بن حنبل: ما تقول في قول الشافعي، رضي الله
عنه،
(١) حلية الأولياء ٩/ ٩٨ - ٩٩.
(٢) في ا: «أخبرنا عبد
الله بن محمد بن عبد الرحمن ...».
(٣) في ح: «أبو سفيان».
(م
١٧ - مناقب الشافعي جـ ٢)
«في الرَّهن» [١]؟ فقال: إني لأعجب ممن
يخالفه.
وأخبرني أبو نعيم، إجازة، قال: أخبرنا موسى بن العباس قال:
سمعت أبا العباس: محمد بن الحكم الرملي يقول: سمعت حميد بن زَنْجَوَيْه يقول:
سمعت
أحمد بن حنبل يقول: إني لعجب ممن يخالف قول الشافعي في الرهن.
أخبرنا
محمد بن عبد الله بن محمد قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: حكى لنا عن أبي
بكر المروروذي قال:
قال لي أحمد بن حنبل: إذا جاءت مسألة ليس فيها أثر
فأفتِ فيها بقول الشافعي، رضي الله عنه.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ
قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد الأسَدَابَاذِي قال: حدثني أبو عمران: موسى بن
القاسم بن الأشيب قال: حدثنا إبراهيم ابن محمد: أبو إسحاق الشهرزوري قال: حدثني
أبو صالح: [محمد بن صالح] [٢] قال: سمعت أيوب بن إسحاق يقول:
سمعت
أحمد بن حنبل يقول: ما تكلم في العلم رجل أقل خَطاءً، ولا آخَذَ بسنة النبي، صلى
الله عليه وسلم، من الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه.
وقرأت في كتاب أبي
بكر: محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا: قرئ على مكي بن عبدان أنه سمع «مسلم بن
الحجاج» يقول: قال أحمد بن حنبل: كان الشافعي، رحمه الله، من أفصح الناس. قلت له:
كان له سنّ؟ قال:
(١) راجع الأم ٣/ ١٦٦.
(٢) ما بين
القوسين من ح.
لم يكن بالكبير. قلت له: إن مصعب الزبيري قال: هو أسن
مني بأربع أو خمس سنين [١] قال: كذا [٢] كان. لم يكن بالكبير.
قال
أحمد: قال الشافعي، رضي الله عنه، أنا قرأت على مالك فكان يعجبه قراءتي. قال
أحمد: لأنه كان فصيحا.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ «في الأمالي» قال:
سمعت أبا أحمد: علي [٣] بن عبد الله المروزي يقول: سمعت أبا غالب: علي بن أحمد بن
النضر الأزدي يقول:
سمعت أبا عبد الله: أحمد بن محمد بن حنبل، وسئل عن
محمد بن إدريس الشافعي، قال أحمد: لقد مَنّ الله علينا به. لقد كنا تعلّمنا كلام
القوم وكتبنا كتبهم حتى قدم علينا الشافعي، فلما سمعنا كلامه علمنا أنه أعلم من
غيره، وقد جالسناه الأيام والليالي فما رأينا منه إلا كلَّ خير، رحمة الله
عليه.
قال أبو غالب: فقال له رجل: يا أبا عبد الله، فإن يحيى بن معين
وأبا عبيد الله لا يرضيانه: يعني في نسبتهما إياه إلى التشيع. فقال أحمد: ما أدري
ما يقولان؟ والله ما رأينا منه إلا خيرا ولا سمعنا منه إلا خيرا، ثم قال أحمد لمن
حوله: اعلموا رحمكم الله، أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله شيئا من العلم
وحُرِمَه قرناؤه وأشكاله حسدوه فرموه بما ليس فيه. وبئست الخصلة في أهل العلم!
قلت:
قد ذكرنا فيما مضى مناظرة أحمد مع يحيى بن معين حين نسب
(١) في ا:
«وسنين».
(٢) ليست في ح.
(٣) في ا: «محمد».
الشافعي
إلى التشيع باحتجاجه في قتال أهل البغي بفعل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه،
وجواب أحمد عنه.
وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى السّاجِي: سمعت الحسن بن
محمد الزَّعْفَرَاني يقول: ما ذهبت إلى الشافعي مجلساً قط إلا وجدت أحمد بن حنبل
فيه، ولقد كان أحمد بن حنبل ألزم للشافعي منك لي [١] فبم [٢] أشبهك إلا بضبَّة
الباب [٣].
* * *
ومنهم أبو يعقوب: إسحاق بن إبراهيم
الحَنْظَلي، أحد أئمة أهل الحديث في عصره، رحمه الله.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن: محمد بن الحسين السلمي قال: أخبرنا علي بن محمد بن عمر الفقيه قال: حدثنا
ابن أبي حاتم قال: حدثنا علي بن الحسن الهَسِنْجاني [٤] قال: سمعت أبا إسماعيل
الترمذي يقول:
سمعت إسحاق بن راهويه يقول: ما تكلم أحد بالرأي - وذكر
الثوري والأوزاعي وأبا حنيفة ومالكا - إلا والشافعي أكثر اتباعاً وأقلُّ خطاءً
منه [٥].
(١) ليست في ا.
(٢) في ا: «ما أشبهك».
(٣)
بلغ مقابلة في الرابع والعشرين.
(٤) نسبة إلى قرية من قرى الري يقال
لها هسنكان فعرب فقيل «هسنجان» وهو بكسر أوله وفتح السين المهملة ثم نون ساكنة
بعدها جيم وآخره نون. وعلي بن الحسن الرازي الهسنجاني سمع هشام بن عمار، وسعيد بن
أبي مريم، ونعيم بن حماد، وأحمد بن حنبل، ويحيى ابن معين وغيرهم. وروى عنه عبد
الرحمن بن أبي حاتم وغيره وتوفى سنة ٢٧٥ كما في معجم البلدان ٨/ ٤٦٥ - ٤٦٦.
(٥)
آداب الشافعي ص ٨٩ - ٩٠.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني
الحسين بن محمد الدارمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد. فذكره، غير أنه لم يذكر
الثوري.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو محمد
الصيدلاني قال: سمعت أبا عبد الله البُوْشَنْجِي يقول: سمعت إسحاق بن رَاهَوَيْه
يقول وقد ذاكرني قوله - يعني قول الشافعي - قال: هو متين القول.
أخبرنا
أبو سعد: أحمد بن محمد المَالِينِي قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال: سمعت
منصور بن إسماعيل الفقيه، ويحيى بن زكريا يقولان: سمعنا أبا عبد الرحمن النّسائي
يقول: سمعت عبيد الله بن فضالة النسائي الثقة المأمون يقول:
سمعت
إسحاق بن راهويه يقول: الشافعي إمام.
وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي
قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: عبيد الله بن محمد المطلبي
قال: حدثنا عمر بن الربيع أبو طالب قال: سمعت أبا عبد الرحمن النّسائي يقول: سمعت
عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم النسائي الثقة. فذكره.
وأخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي قال: أخبرنا علي قال: حدثنا عبيد الله ابن محمد الشافعي قال: سمعت
أبا الحسن: علي بن زريق الآدمي قال: سمعت أبا عبد الرحمن النسائي يقول:
قال
إسحاق بن راهويه: الشافعي خطيب العلماء. فقلت: سمعتَه من
إسحاق؟ فقال:
لا. عبيد الله بن فضالة عنه [١].
* * *
ومنهم يحيى بن
أَكْثَم القاضي.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو
الفضل بن أبي نصر قال: حكى لنا عن يحيى بن أكثم أنه سئل.
ح. وقرأت في
كتاب زكريا بن يحيى السّاجي قال: حدثني جعفر بن محمد قال: سأل «ابن إدريس»: «يحيى
بن أكثم» عن «أبي بكر الأصم» قال: ذاك معلم كتَّاب: يقول الشيء ويرجع عنه.
وسأله
عن «بشر المريسي» قال: ذاك شَغّاب.
وسأله عن «الشافعي» فقال: ما رأيت
رجلا أعقل من الشافعي، كان كبير الدّماغ.
* * *
ومنهم أبو
إسحاق: إبراهيم بن محمد الشافعي، رحمة الله عليه.
أخبرنا محمد بن عبد
الله الحافظ، قال: أخبرني الحسين بن محمد الدّارمي، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني
ابن محمد الحَنْظلي - قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النَّبِيل قال:
سمعت
أبا إسحاق: إبراهيم بن محمد، وذكر «محمد بن إدريس الشافعي» فقال: هو ابن عمي
فعظمه وذكر من قدره وجلاله [٢] يعني في العلم.
* * *
(١)
ليست في ا.
(٢) في ا: «وجلالته».
ومنهم سليمان بن داود
الشَّاذكُوني.
قرأت في كتاب زكريا السّاجي: سمعت بدر بن مجاهد
يقول:
قال لي سليمان الشَّاذَكُوني: اكتب رأي «الشافعي» واخرج إلى
«أبي ثَوْر» فاكتب عنه؛ فإنه مذهب أصحابنا الذي نعرفه، وامِض إلى أبي ثور لا
يفوتك بنفسه.
* * *
ومنهم:
عبد الله بن عبد
الحكم المصري.
قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: أنبأنا محمد بن عبد
الله بن عبد السلام: مكحول ببيروت، قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد
الحكم، وذكر الشافعي فقال: قال أبي: عبد الله بن عبد الحكم: ما رأيت مثل هذا
الرجل.
وقرأت في كتابه: عن الزبير بن عبد الواحد، عن محمد بن أحمد بن
موران، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال:
قدم [١] الشافعي مصر
وكان صنَّف الكتب، فأعطاني أبي شيئا من الورَق فقال: مُرّ به إلى القرشيين، وسلهم
أن يكتبوا لك شيئاً من كلامه في أحكام القرآن؛ فإني ما رأيت رجلا أحسن استنباطا
منه. قال: فأعطيته الورق، فجعل يكتب فمات الشافعي فأوصى [٢] أن يُرَدَّ الورق
إلينا. قال: فَرُدَّ إلينا قال محمد: فإذا قد كتب بعضُه بخطه من أحكام القرآن،
وهي عندنا إلى الآن.
* * *
(١) في ح: «لما قدم».
(٢)
في ح: «وأوصى».
ومنهم من أصحابه العراقيين:
أبو ثور:
إبراهيم بن خالد الكلبي، رضي الله عنه.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ
قال: أخبرني أبو أحمد أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد الحَنْظلي
- قال: أخبرني أبو عثمان، نزيل مكة، من كتابه [١] قال:
قال أبو ثور:
كنت وإسحاق بن راهويه، وحسين الكرابيسي، وذكر جماعة من العراقيين، ما تركنا
بِدْعَتَنَا حتى رأينا الشافعي [٢]، رضي الله عنه.
أخبرنا محمد بن عبد
الله بن محمد في «التاريخ» قال: سمعت إسحاق ابن سعد [٣] بن الحسن بن سفيان يقول:
سمعت جدي يقول:
سمعت «أبا ثور» يقول: ما رأيت مثل الشافعي، رضي الله
عنه، ولا [٤] رأى الشافعي مثل نفسه.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال:
أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: سمعت أبا سعيد: محمد بن إبراهيم المذكّر
يقول:
قلت للحسن بن سفيان: سمعتَ «أبا ثور» يقول: كثيرا ما كان
يمازحني الشافعي، رضي الله عنه: يا أبا البقر؟ فأقرَّ به وقال: [٥] نعم.
*
* *
(١) في ا: «مكة كتابة».
(٢) آداب الشافعي ومناقبه
٦٥.
(٣) في ح: «ابن سعيد».
(٤) في ا: «فلا».
(٥)
في ا: «ويقول».
ومنهم أبو علي: الحسن بن محمد الصباح الزَّعْفَرَاني،
رحمه الله، راوي كتب الشافعي في القديم.
أخبرنا محمد بن عبد الله
الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود.
وأخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا أبو بكر: محمد بن أحمد بن هارون قال: سمعت
إبراهيم بن محمود يقول [١]:
سمعت «الزعفراني» يقول: ما رأيتُ مثل
الشافعي أفضل ولا أكرم ولا أسخى ولا أتقى ولا أعلم منه.
وأخبرنا أبو
عبد الله الحافظ قال: وفيما كتب إليّ أبو سعيد بن الأعرابي: أنه سمع «الزعفراني»
يقول:
ما حمل أحد مِحْبَرَةً إلا وللشافعي [٢] عليه مِنَّة.
وأخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان القاضي، قال: حدثنا
محمد بن عبد الرحمن الأصبهاني قال: أنبأنا أحمد بن روح البغدادي قال:
حدثنا
«الزَّعْفَرَاني» قال: ما رأيت الشافعي لحن قط، وكان يُقْرَاَ عليه من كل الشعر
فيعرفه.
قلت: وكان الحسن بن محمد الزعفراني من أهل اللغة.
وقرأت
في كتاب زكريا السّاجِي، عن جعفر بن أحمد، عن الزعفراني قال:
(١) في
ا: «قال».
(٢) في ا: «والشافعي».
ما كان الشافعي إلا بحرا،
(١ وكان يبتدئ فلو كان من يسائله لانفجر بحراً ١) .
* * *
ومنهم
أبو علي: الحسين بن علي الكَرَابيسي، رحمة الله عليه.
أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ، قال: أنبأني أبو القاسم الأسدي، شِفَاهاً: أنّ زكريا بن يحيى حدّثهم
قال: حدثنا محمد بن هارون بن عبد الخالق قال:
سمعت «الحسين بن علي
الكرابيسي» يقول: ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى الشافعي مثل نفسه.
أخبرنا
محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا علي بن محمد بن عمر الفقيه قال: حدثنا عبد
الرحمن بن أبي حاتم قال: [٢] سمعت دُبَيْساً يقول:
كنت عند أحمد بن
حنبل في الجامع فمر الحسين الكرابيسي فجئته فقلت: ما تقول في الشافعي؟ فقال: ما
كنا ندري ما الكتاب ولا السنة والإجماع حتى سمعنا [٣] من الشافعي.
وقرأت
في كتاب زكريا بن يحيى السّاجِي: عن محمد بن إسماعيل قال: حدثنا حسين بن علي
قال:
جاء مصعب الزبيري إلى الشافعي فقال: أقرأ عليك «أشعار الهذليين»؟
فكلما [٤] ذهب مصعب ينشده من عذوبة لسان الشافعي قال حسين: ما رأيت
(١)
ما بين الرقمين ساقط من ح.
(٢) آداب الشافعي ومناقبه ٥٦ - ٥٧.
(٣)
في ا: «سمعناه».
(٤) في ح: «فلما ذهب مصعب ينشده مصعب».
أفصح
من الشافعي ولا أعذب لسانا [١].
وقال أهل الصناعة في النحو: ما رأينا
الشافعي لحن قط.
وقرأت في كتابه: حدثني محمد بن [٢] إسماعيل قال: سمعت
حسين بن علي [الكرابيسي] يقول:
كنا نسأل الشافعي عن الشيء فيقول: لا
أدري. الله أعلم، ثم يجيبنا وهو أعلم الناس به، واحتج لنفسه ولمخالفه ثم يقول: لا
يسألكم أحد إلا أجبتموه على حسب ما أقول لكم.
* * *
ومن
أصحابه المكيين والمصريين، منهم: أبو بكر: عند الله بن الزّبير القرشي
الحُمَيْدي.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن محمد
الدارمي قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال: حدثني أبو بشر بن
أحمد الدُّولاَبِي، في طريق مكة، قال: حدثنا أبو بكر بن إدريس قال:
سمعت
الحميدي يقول: [٣] كان أحمد بن حنبل قد أقام عندنا بمكة على سفيان بن عُيَيْنَة
فقال لي ذات يوم، أو ذات ليلة: هاهنا رجل من قريش له بيان ومعرفة. قلت: فمن هو؟
قال: محمد بن إدريس الشافعي. وكان أحمد بن حنبل قد جالسه بالعراق. فلم يزل بي حتى
أخذني إليه. وكان الشافعي يجلس قُبَالَة المِيْزَاب، فجلسنا إليه ودارت مسائل،
فلما قمنا قال لي أحمد بن
(١) في ا: «من لسانه».
(٢) ليست
في ح وهـ.
(٣) آداب الشافعي ومناقبه ٤٣ - ٤٥.
حنبل: كيف
رأيت؟ فجعلت أتتبع ما أخطأ فيه، وكان ذلك مني بالقُرَشِيَّة - يعني الحسد - فقال
لي أحمد بن حنبل: فأنت لا ترضى أن يكون رجل من قريش تكون له هذه المعرفة وهذا
البيان - أو [١] نحو هذا من القول - يخطئ خمساً أو عشْراً، اترك ما أخطأ وخذ ما
أصاب. قال: فكأن كلامه وقع [٢] في قلبي فجالسته فغلبتهم عليه، فلم يزل يقدم مجلس
الشافعي.
ورواه غيره عن ورّاق أبي بكر بن إدريس، عن الحميدي فزاد فيه:
فلزمته حتى خرجت معه إلى مصر. وزاد غيره عنه فيه: قال أحمد: وإيش هو من الخطأ
الذي تنكره؟ لعلّه لو سألته لخرج منها، الزمه. فلزمناه [٣].
وأخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن -
يعني ابن حاتم - قال: حدثنا أبو بكر بن إدريس، وراق الحميدي قال:
قال
الحميدي: كنا نريد أن نَرُدَّ على أصحاب الرأي فلم نحسن كيف نرد عليهم حتى جاءنا
الشافعي ففتح علينا [٤].
قال: وحدثنا عبد الرحمن قال: أخبرني أبو بشر
بن أحمد بن حماد قال: حدثنا أبو بكر بن إدريس قال:
سمعت الحميدي يقول:
كان الشافعي ربما ألقى عليّ وعلى ابنه أبي عثمان المسألةَ فيقول: أيّكما أصاب فله
دينار [٥].
(١) في ا: «ونحو».
(٢) في ا: «وجع».
(٣)
في ح: «فلزمناه فلزمته حتى خرجت معه إلى مصر».
(٤) آداب الشافعي
ومناقبه ٤١ - ٤٢.
(٥) آداب الشافعي ومناقبه ٩٧ وحلية الأولياء ٩/
١١٩.
أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد المَالِينِي، أخبرنا أبو أحمد بن
عدي الحافظ قال: حدثنا علي بن أحمد بن علي بن عمران - يعني الجُرْجَانِي - عن
أبيه:
عن الحُمَيْدي قال: حدثنا سيّد علماءِ أهلِ زمانه: محمد بن
إدريس الشافعي.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي، وأبو حازم [١]: عمر
بن أحمد العَبْدَوِي الحافظ. قال أبو عبد الرحمن: أخبرنا، وقال أبو حازم: سمعت
أبا محمد بن أبي حامد الشيباني يقول: سمعت أبا العباس: الفضل بن محمد بن الفضل
الحافظ يقول: سمعت أبا الحسن: علي بن أحمد بن الجُرْجَاني يقول: سمعت أبي
يقول:
سمعت الحميدي يقول: سيد علماء أهل زمانه: محمد بن إدريس
الشافعي.
ورواه أيضا محمد بن داود، عن أحمد بن علي الجرجاني قال: كان
الحميدي إذا جرى عنده ذكر الشافعي يقول [٢]: حدثنا سيد الفقهاء الشافعي.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني محمد بن يوسف الدَّقيقي قال: حدثنا أبو نعيم
الفقيه قال: حدثنا محمد بن داود. فذكره.
* * *
(١) في ح:
«أبو حاتم» وهو تحريف. وفي هـ: «العبدي» وهو أبو حازم: عمر بن أحمد ابن إبراهيم
بن عبدويه العبدوي. كان إماما رحل في طلب الحديث، فسمع أبا بكر الإسماعيلي وخلقا
كثيرا. وروى عنه الخطيب أبو بكر. وتوفى يوم عيد الفطر سنة ٤١٧ كما في اللباب ٢/
١١٣.
(٢) سقطت من ح.
ومنهم أبو عبد الله: أحمد بن صالح
المصري، رحمه الله.
أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي،
قال: أنبأنا علي ابن عمر الدَّارَقطْنِي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم
قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا موسى بن سهل الرَّمْلِي قال: قلت
لأحمد بن صالح: جالستَ أبا عبد الله: محمد بن إدريس الشافعي؟ فقال: سبحان الله!
مثله كنت أُقصِّر في مجالسته.؟!
* * *
ومنهم علي بن معبد
[١] المصري، رحمه الله.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قال أبو
الوليد الفقيه: سمعت مَكّي ابن عبدان يقول: سمعت جعفر بن محمد بن موسى يقول: سمعت
الربيع بن سليمان يقول: سمعت علي بن معبد [٢] يقول: ما عرفنا الحديث حقا [٣] حتى
جاءنا الشافعي، رضي الله عنه.
* * *
ومنهم عبد الملك بن
هشام النحوي، رحمة الله عليه.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال:
حدثنا علي بن عمر الحافظ، ببغداد، قال: حدثنا أبو العباس: عبيد الله بن محمد
المطّلبي، عن يحيى بن زكريا ابن حيويه قال:
سمعت المزني يقول: قدم
علينا الشافعي، وكان بمصر عبد الملك بن هشام،
(١) في ح: «بن سعيد» وهو
تحريف.
(٢) في ح: «بن سعيد».
(٣) سقطت من ح.
صاحب
المغازي، وكان علامة أهل مصر في العربية والشعر، فقيل له في المَصِيرِ إلى
الشافعي، فَتَثَاقَلَ ثمّ ذهب إليه فقال: ما ظننتُ أنّ الله خلق مثل الشافعي.
وكان ابن هشام بعد ذلك قد اتخذ قول الشافعي حجّة في اللغة.
* * *
ومنهم
أبو يعقوب: يوسف بن يحيى البُوَيْطِي، رحمه الله.
أخبرنا أبو عبد
الرحمن السلمي قال: أنبأنا الحسن بن رشيق، إجَازَةَ، قال: حدثنا محمد بن سفيان
قال: حدثنا الربيع قال:
قال البويطي: الرَّادَّ على الشافعي
مَتْعُوب.
وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: عن الزبير بن عبد الواحد
قال: حدثنا محمد بن عبد الله القَزْويني، قاضي أهل مصر، قال: حدثنا الربيع
قال:
قال أبو يعقوب: ما عرفنا نحن مقدار الشافعي [حتى رأيت أهل العراق
يذكرون الشافعي] [١] ويصفونه بوصف ما نحسن نحن نصفه، فقد كان حُذَّاق العراق
بالفقه والنّظر، وكلّ صنف أهل الحديث وأهل العربية والنُّظّار، يقولون إنهم لم
يَرَوْا مثل الشافعي، رضي الله عنه.
قال الربيع: وكان البُوَيْطي
يقول: قد رأيت الناس، والله ما رأيت أحداً يشبه الشافعي، رضي الله عنه، ولا
يقاربه في صِنْف من العلم، ووالله إنّ الشافعي كان أوْرَع عندي من كل من رأيتُه
يُنْسَبُ إلى الورع. قال الربيع: ومن كثرة ما كنتُ أرى أبا يعقوب البويطي يتأسف
على الشافعي وما فاته، قلت له: يا أبا يعقوب: قد كان الشافعي لك محبًّا يقدّمك
على أصحابه، وكنت
(١) الزيادة من ح.
أراك شديد الهيبة له،
فما منعك أن تسأله عن كل ما كنت تريد؟
فقال لي: قد رأيت الشافعي ولينه
وتواضعه، والله ما كلمته في شيء قطّ إلا وأنا كالمُقْشَعِرّ من هيبته. ثم قال: قد
رأيت «ابن هرم» وكلَ من كان في زمان الشافعي كيف كانوا يهابونه، وقد رأيت هيبة
السلاطين عند الشافعي، رضي الله عنه.
* * *
ومنهم أبو عبد
الله: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، رحمه الله.
أخبرنا محمد
بن الحسين السلمي قال: سمعت أبا القاسم: إبراهيم بن محمد [١] النَّصْرَابَاذِي
يقول: حدثنا أبو بكر: محمد بن علي بن الحسين الفقيه المصري، بها: قال:
سمعت
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى الشافعي بعينه
مثله.
وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: عن أبي الحسن: علي بن محمد
ابن قدامة قال: سمعت سعيد بن عمرو البّرْذَعِي يقول:
سمعت محمد بن عبد
الله بن عبد الحكم يقول: ليس «أبو عُبَيْد» عندنا بفقيه. قلت: لم؟ قال: لأنه يجمع
أقاويل الناس ويختار لنفسه منها قولا. قلت: فمن الفقيه؟ قال: الذي يستنبط أصلا من
كتاب أو سنة لم يسبق إليه، ثم يُشَعِّبُ من ذلك الأصل مائة شعبة. قلت: ومن يقوى
على هذا؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه.
* * *
(١)
في ح: «بن محمد بن النصراباذي».
ومنهم أبو إبراهيم: إسماعيل بن يحيى
المزني.
وأبو محمد: الربيع بن سليمان بن كامل المُرَادِي، رضي الله
عنهما.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: قال أبو أحمد الترمذي، عن
زكريا ابن أحمد.
وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، سماعه من أبي يحيى:
زكريا بن أحمد بن يحيى بن موسى البَلْخي، قال: سمعت عثمان بن سعيد يقول:
سمعت
المزني يقول: أَحْذَقُنا أحذقنا سرقة من الشافعي.
وقرأت في كتابه: عن
الزبير بن عبد الواحد قال: وحدثنا القزويني قال: سمعت أبا إبراهيم المزني
يقول:
لو كنا نفهم عن الشافعي كل ما يقول لأتيناكم عنه بِصنُوف العلم،
ولكنا لم نكن نفهم.
قال: وقال له رجل: يا أبا إبراهيم، أمْلَى عليك
الشافعي «كتاب السبق والرمي»؟ أظنه قال: نعم، ولا نعلم أحداً سبقه [إليه] [١] قال
المزني: وأيّ علم كان يذهب على الشافعي؟
[ولكن لم نكن نفهم فقصّرنا
وعاجله الموت] [٢]
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي الصّوفي قال: سمعت
أبا الحسن: أحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة الطّرْسُوسِي يقول: سمعت أحمد بن
عبد الرحمن يقول:
قال المزني: لو وُزِنَ عقل الشافعي بنصف عقل أهل
الأرض لَرَجَحَ بهم.
(١) الزيادة من ح.
(٢) الزيادة من
ح.
(م ١٨ - مناقب جـ ٢)
قال: وقال المزني. لو كان الشافعي
في بني إسرائيل لاحتاجوا إليه.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت
أبا محمد بن علي بن زياد العدل يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول:
سمعت
الربيع بن سليمان يقول:، وذكر الشافعي، فقال: لو رأيتموه لقلتم: إن هذه ليست كتبه
كان والله لسانُه أكثر من كتبه.
وقرأت في كتاب العاصمي بإسناده: عن
حرملة بن يحيى قال: كان أبي يقول: كل ما تكلم به الشافعي فاكتبه. قال: وكان معي
كاتب قد رَتَّبَهً أبي معي، فكان أبي يقول للكاتب: اكتب كل ما تكلم به.
(١
قلت: وقد ذكرنا فيما تقدم من هذا الكتاب عن كل واحد ممن سمّينا هاهنا، أو عن
أكثرهم، وعن غيرهم، ما بلغنا من أقَاوِيلهم في مدح الشافعي، رضي الله عنه، وحسن
الثناء عليه، وإعادةُ ذلك هاهنا مما يطولُ به الكتاب، واقتصرنا على هذا، وبالله
التوفيق ١).
* * *
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني
محمد بن إبراهيم المؤذن، عن أبي نعيم الفقيه قال:
وقال داود بن علي
الأصبهاني: الرَّادُّ على الشافعي مَتْعُوب أبداً.
قال أبو نعيم: لم
يقصد داود بالردّ على الشافعي، إنما رَدَّ ابنُه على الشافعي فأخطأ.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا العباس بن الحسن قال: حدثنا
(١) ما
بين الرقمين ليس في هـ.
محمد بن الحسين قال: حدثنا أبو يحيى السّاجِي
قال: حدثنا أبو العباس: أحمد ابن الحسين قال:
حدثنا «داود بن علي»
قال: كنت يوماً أقلب كتب إسحاق بن إبراهيم الحَنْظَليّ، فرأيتُ من كُتبِ الشافعي،
فجعل يخفيها عني فاجْتَذَبْتُها [١] فقلت: معاذ الله أَنْ نأخُذَ إلا مَنْ
وَجَدْنا مَتَاعَنا عندَه.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت
عمر بن أحمد بن شاهين يقول: سمعت عبد الله بن سليمان يقول:
قال «داود
بن علي الأصبهاني»: كان الشافعي سِرَاجاً منيراً لحملة الآثار ونقلة الأخبار،
مَنْ تعلَّق بشيء من بيانه صار مِحْجَاجاً.
قال: وسمعت عبد الله يقول:
قال الحسن بن محمد الزَّعْفَرَانِي، وسئل في مجلسه عن مسألة فقال: معضِلَة [٢]
نبلغ بها إلى أبي سليمان - يعني داود - فنسأله فقال له بعض من في المجلس: لو
أَفْتَيْتَهُ فقال: إني أعلم الظاهر من قول الشافعي، رضي الله عنه، وهو يعلم
الظاهر والباطن.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أنبأنا أبو الوليد
قال: حدثنا إبراهيم ابن محمود بن حمزة قال:
قال داود بن علي في ذكر
صفة الشافعي، رحمه الله: شرفُه ومَنْصِبُه ونسبُه الذي لا يُجهل في عبد مناف،
ومنها: ما مَنَّ الله عليه من دينه وجميل سَتْرِهِ وورعه.
(١) في هـ:
«فاخذتها».
(٢) في ا: «معظه» وفي ح: «مفصلة».
وأخبرنا أبو
عبد الله قال: قال أبو الوليد فيما أخبرت [١] عنه: سمعت إبراهيم بن محمود
يقول:
سمعت «داود بن علي» يقول في ذكر الشافعي: ومن فضائله حفظُه
لكتاب ربّه، ومعرفته به، وجمعه لسنن النبي، صلى الله عليه وسلم، ومعرفته بالواجب
منها من النَّدْب، ومعرفته بناسخ القرآن من منسوخه، و [٢] العامّ منه والخاصّ، ثم
معرفته بسيرة هدى نبيه، صلى الله عليه وسلم، وأئمة الهدى بعده، ومغازي رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، وخلفائه بعده، وتركه تقليد أهل بلده، وإيثاره ما دلّ عليه
كتابُ ربّه، وثبت عن نبيه، صلى الله عليه وسلم، ثم ما كشف من تَمْوِيه المخالفين،
وما أبطل من زخْرفِتهم [٣] بالحقّ الذي قَذَفَ به على باطلهم فَيْدْمَغُه، ثم ما
بَيَّن من الحق الذي سهَّل - بتوفيق خالقه - مَعْرِفَته حتى استطال به من لم يكن
يميز بين ظلام وضياء مثلا، وألفوا الكتب وناظروا المخالفين.
قال:
ومنها مَا مَنَّ الله عليه من مَنْطِقِه الذي طُبِعَ عليه وكان يعترف [٤] له به
كلّ من شاهده، ويقر بتقصيره عن بلوغ أدْنى ما مَنّ الله به عليه منه.
قال:
ومنها ما وقاه الله من شُحّ نفسه المُوجِب له للفلاح؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ
يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [٥] و [ما] [٦] من عليه
به من سماحته وجوده.
(١) في ح: «فيما أخبرني».
(٢) في ا:
«أو».
(٣) في ا: «من خرفهم».
(٤) في ا: «يعرف به له».
(٥)
سورة الحشر: ٩.
(٦) الزيادة من ح.
ثم ساق الكلام إلى أن
قال: وما علمت أحداً في عصره كان أمّنَّ على أهل الإسلام منه؛ لما نشر من الحق،
وقَمَعَ من الباطل، وأظهر من الحجج، وعلم من الخير [١]، رحمة الله ورضوانه عليه،
وعَرَفَ الله جل ثناؤه ذلك له، وجمع بيننا وبين نبينا، صلى الله عليه وسلم،
والصالحين من عباده، وبينه في جنته مع جميع الأحبَّة؛ إنه لطيف خبير.
أخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد: جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت
أبا الحسن: علي بن أبان الطبري يقول: سمعت أبا عبيد بن حربويه يقول:
سمعت
«داود بن علي» يقول: كنت عند أبي ثَوْرٍ إذ دخل عليه رجل فقال: يا أبا ثور. أما
ترى هذه المصيبة التي نزلت بالناس؟ قال: وما هي؟ قال: يقولون: إن «الثوري» أفقه
من «الشافعي» فقال: يا سبحان الله، وقد قالوها! قال: نعم. قال: نحن نقول: إن
الشافعي أفقه من إبراهيم النَّخَعِي وذَوِيه، وقد جاءنا هذا بالثوري [٢].
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: الزبير بن عبد الواحد يقول: سمعت
أبا زُرْعَة: أحمد بن موسى المكي يقول:
سمعت هلال بن العلاء الرَّقي
يقول: مَنَّ الله تبارك وتعالى على الناس بأربعة في زمانهم: الشافعي، وأحمد بن
حنبل، وأبي عبيد، ويحيى بن معين.
فأما الشافعي، رضي الله عنه، فبفقه
حديث النبي، صلى الله عليه وسلم.
(١) في ح: «من الخير. ومنها: نسبه
الذي لا يجهل في عبد مناف. ومنها: ما من الله عليه من دينه وجميل سيره وورعه.
رحمة الله ...».
(٢) راجع توالي التأسيس ٥٩.
وأما أحمد بن
حنبل فجعله للناس إماماً في القرآن، ولولا ذلك لكفر الناس.
وأما أبو
عبيد ففسَّر لهم غريب الحديث، ولولا ذلك لاقتحم الناس في الخطأ.
وأما
يحيى بن معين فنفى الكذب عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا العباس: الوليد بن محمد الواعظ يقول: سمعت
محمد بن مخلد يقول:
قال «حجاج بن الشاعر»: مَنَّ الله على هذه الأمة
بأربعة أئمة في وقتهم: بأحمد بن حنبل: ثبت في القرآن لولاه لهلك الناس. والشافعي
بفقه حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبو عبيد: فسّر غريب حديث رسول الله،
صلى الله عليه وسلم. ويحيى بن معين: نفى الكذب عن حديث رسول الله، صلى الله عليه
وسلم.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: الزبير
بن عبد الواحد الحافظ يقول: سمعت أبا محمد: جعفر بن محمد بن علي الهمذاني
يقول:
سمعت هلال بن العلاء يقول: الشافعيّ [١] أصحاب الحديث عيال عليه
فتح لهم الأقْفَال.
وفيما قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: سمعت أبا
الحسن: علي بن محمد ابن قدامة الأرْدَبِيْلِي يقول: سمعت سعيد بن عمرو البرذعي
يقول: وردت الرّيّ، فدخلت على أبي زُرْعَة فقلت [٢]: سمعت حميد بن الربيع
يقول:
(١) في ح: «للشافعي».
(٢) سقطت من ح.
سمعت
أحمد بن حنبل يقول يعني [١] قوله: ما أعلم أحداَ أعظم مِنَّة على الإسلام في زمن
الشافعي من الشافعي.
فقال أبو زرعة: صدَقَ أحمد بن حنبل، ما أعلم
أحداً أعظم مِنَّةً على الإسلام في زمن الشافعي من الشافعي، ولا أحد ذَبَّ عن سنن
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مثل ما ذبّ الشافعي، ولا أحد كشف عن سَوْءَاتِ
القوم مثل ما كشفه.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني نصر بن
محمد العطّار قال: أخبرني محمد بن عمرو البصري قال: حدثنا أبو إسحاق: إبراهيم بن
محمد بن الحسين الأسَدَابَذِي قال: حدثنا أبو نصر: محمد بن حَمْدَوَيه المرْوَزِي
قال:
سمعت أحمد بن سنان [٢] يقول: لولا الشافعي لدرس الإسلام.
أخبرنا
أبو سعد: أحمد بن محمد المَالِينِي قال: أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال:
أنبأنا عبد الله بن العباس الطَّيَالِسي قال:
سمعت هلال بن العَلاَء
يقول: مَنَّ الله تعالى على هذه الأمة بأربعة لولاهم لهلك الناس.
مَنَّ
الله تعالى عليهم بالشافعي حتى بَيَّنَ المُجْمَلَ من المُفسَّر، والخاصّ من
العام، والناسخ من المنسوخ، ولولاه لهلك الناس.
ومَنَّ الله عليهم
بأحمد بن حنبل حتى صبر في المحنة والضرب، فنظر غيره إليه فصبروا ولم يقولوا بخلق
القرآن، ولولاه لهلك الناس.
(١) في ح: «يقول في قوله».
(٢)
في ا: «بن سيار» وهو تحريف.
ومَنَّ الله عليهم بيحيى بن معين حتى بيّن
الضعفاء من الثقات، ولولاه لهلك الناس
ومَنَّ الله عليهم بأبي عُبَيْد
حتى فَسَّرَ غريب حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولولاه لهلك الناس.
أخبرنا
محمد بن عبد الله قال: حدثني أبو الفضل بن أبي نصر قال: سمعت قاسم بن أبي صالح
يقول:
سمعت أبا حاتم الرازي يقول: لولا الشافعي [١] سمى وأبو سمى: أي
لكان أصحاب الحديث في عمي.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا
الوليد يقول:
سمعت أبا بكر بن مجاهد يقول: من أراد الظَّرْفَ فعليه
بفقه الشافعي، وقراءة أبي عمرو بن العلاء، فإن كان له بيع فالبُرّ.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ [٢] قال: سمعت أبا بكر بن مجاهد يقول: من قرأ بقراءة أبي
عَمْرو بن العلاء وبفقه الشافعي كَمُل ظَرْفُه. وقال فيه غيره عن ابن مجاهد:
وتعلّم النحو فقد أكمل الظَّرْف.
ورواه أبو الحسن العاصمي عن بعض
أصحابه، عن ابن مجاهد قال: وكتب الحديث. ولم يذكر النحو.
أخبرنا أبو
عبد الرحمن السّلمي قال: سمعت عبد الواحد بن محمد الأصبهاني
(١) كذا
في ا. وفي ح: «سمى ملعوه سمر» وفي هـ: «سمى فأبوه سمر»!
(٢) كتب فوقها
في ا: «سقط».
يقول: سمعت محمد بن الحسين [١] بن منصور يقول:
سمعت
أبا العباس بن سريج يقول: من أراد أن يَتَظَرَّفَ فعليه بمذهب الشافعي، وقراءة
أبي عمرو بن العلاء. وشعر ابن المعتز. فقيل له: قد عرفنا مذهب الشافعي، وقراءة
أبي عمرو بن العلاء، فأنشدنا من شعر عبد الله بن المعتز ما يوجب الظرف فأنشد:
كنتُ
صبَاحي قريرَ عَيْنِي ... فصرت أمسي صريعَ بَيْنِي
بعينِ نفْسي أصبتُ
نَفْسِي ... فاللهُ بيني وبين عَيْنِي
وقد ذكرنا فيما تقدم أقَاوِيلَ
أهلِ اللغة في معرفة الشافعي، رضي الله عنه بها، فلا معنى للإعادة.
وأخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم المؤذّن قال:
سمعت أبا بكر: محمد بن الحسن الهاوندي يقول: سمعت أبا عبد الله: إبراهيم بن محمد
بن عرفة النحوي - يعني نفطويه - ينشد:
مَثَلُ الشافعيّ في العلماءِ
... مَثَلُ البدر في نجوم السماء [٢]
كان والله معدِنا لعلومٍ ...
سيّدَ الناس أفقهَ الفقهاءِ
راجحاً عالماً كريمَ طباعٍ ... سيّد الناس
أحلَم الحلماءِ [٣]
(١) في ح: «الحسن».
(٢) البيت الأول في
تاريخ بغداد ٢/ ٦٩ لبعضهم، بعده:
قل لمن قاسه بنعمان جهلا ... أيقاس
الضياء بالظلماء
والأول والثاني والرابع في مناقب الشافعي للرازي
٢٢.
(٣) في ح: «.. أحكم الحكماء».
اقتدى بالنبي في حسن قول
... وأقام البَوَارَ للسفهاء
وقرأتُ في كتاب بعض أصحابنا لبعضهم في
الشافعي، رحمه الله:
الفقه فيك طبيعةٌ مطبوعةٌ ... وَلِمَنْ سِواك
تكلّفٌ وتَصنُّعُ
* * *
باب [١] ما يؤثر من خضاب الشافعي، رحمه الله، ولباسه وهيئته، ونقش
خاتمه
* * *
أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ
قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سئل «بحر بن نصر» وأنا أسمع: هل كان
يَخْضِب عبد الله بن وهب؟ فقال: كان يخضب، «والشافعي» كان يخضب.
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن
محمد بن إدريس قال: حدثنا أحمد بن سنان القَطَّان الوَاسِطِي قال:
رأيت
الشافعي أحمر الرأس واللحية. يعني استعمل الخضاب اتباعاً للسنة [٢]
وأخبرنا
محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو الطّيّب القاضي قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن
قال: حدثنا أحمد بن روح قال:
حدثنا الزعفراني، عن الشافعي، رضي الله
عنه: أنّه كان يخضب بالحنّاء، وكان خَفِيفَ العَارِضَيْن.
(١) في هامش
ا: «أول السادس عشر من الأصل، سماع من القاضي أبي عبد الله، عنه.
(٢)
آداب الشافعي ومناقبه ٧٩.
وفيما يحكى عن أبي يزيد الطَّيَالِسِي
القرَاطِيسِي أنه قال رأيت «الشافعي» وكان رجلا طوَالاً يُصَفرُ لحيته.
وروينا
فيما مضى عن هارون بن سعيد الأيْسلِي أنه قال:
قدم علينا «الشافعي»
فما رأيت أحسن صلاة منه، ولا أحسن وجها منه. فلما قضى صلاته تكلّم فما رأيت [١]
أحسن كلاماً منه.
وروينا فيما تقدم عن قُتَيْبَةَ بن سعيد قال: رأيت
«الشافعي» رضي الله عنه - يعني بمكة - وهو شاب آدَم.
وقرأت في كتاب
أبي الحسن العاصمي: أخبرنا الزبير بن عبد الواحد قال: حدثني القزويني، قاضي مصر،
قال:
قيل للربيع بن سليمان: كيف كان لباس الشافعي؟ قال: كان لباسه
مقتصداً، ليس يلبس الثياب الرفيعة: يلبس الكتان والقطن البغدادي، وربما لبس
قَلَنْسُوةَ، ليس بمشرفة [٢] جدا، وكان يلبس كثيراً العمامةَ والخُفّ.
قال
الربيع: وما أَتَى [٣] على الشافعي يومٌ لا يتصدق فيه، ويتصدق بالليل، وكان في
شهر رمضان يكثر الصدقة بالثياب والدّراهم، ويطعم الفقراء والضعفاء ويتفقدهم،
ويسأل عن كل من عرفه من الناس ويبرهم.
قال الربيع: وكنت أتولّى من
نفقات الشافعي شيئاً فأكتب ما أنفق، فرجعت إليه مرةً بالحساب فقال لي: يا بني،
أنت تشغل هذه القراطيس باطلا، لا تَرْفَع إليَّ منها شيئاً.
(١) في ا:
«رأينا).
(٢) في ا: «بمسرفة».
(٣) في ح: «وما أرى أتى».
قال:
وكانت نفقته على أهله بالسَّعَة.
قال: وكان أكرم الناس مُجَالَسَةً،
بكنّي الصغير والكبير إكراما منه لمن يجالس [١].
قال الربيع: قال لي
البُوَيْطِي: إن أهل مكة قبائل قريش وسائر قبائل العرب يتحدثون: إنّهم لم يروا
رجلا أكمل مروءة من الشافعي.
قال البويطي: والمروءة عند الشافعي أخلاق
الذي [٢] كان يتبع رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وقرأت في كتاب
العاصمي فيما بلغه عن الربيع قال:
كان الشافعي يجلس في حلقته إذا صلّى
الصبح فيجيئه أهلُ القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه عن
تفسيره ومعانيه. فإذا ارتفعت الشمس قاموا واستوت الحلقة للمُذَاكَرة والنّظر.
فإذا ارتفع الضّحى تفرّقوا وجاء أهلُ العربية والعروض والنحو والشعر، فلا يزالون
إلى أن يَقْرُبَ انتصافُ النهار. ثم ينصرف، رحمه الله.
قال الربيع:
ولو [٣] رأيت الشافعي لاستحييت أن تنظر. يعني من هيئته وجلالته.
وفي
كتاب زكريا السّاجِي عن محمد بن هارون، عن داود بن علي قال:
سمعت
إسحاق بن رَاهَوَيْه يقول: لقيت الشافعي في المسجد الحرام قاعداً
(١)
في ح: «لمن يجالسه».
(٢) في هـ، ح: «الدين كان».
(٣) في ح:
«لو».
على طنفسة، وكانت لا تلقى الطنفسة في المسجد الحرام إلا لرجل
جليل.
وعن محمد بن الحارث المخزومي قال: رأيت الشافعي: محمد بن إدريس
بمكة في المسجد الحرام وهو شيخ [خاضب] [١] جليل. أحسبه قال: عظيم السن.
وقرأت
في كتاب أبي الحسن العاصمي: عن الزبير بن عبد الواحد، عن محمد بن عبد الله
القزويني قال:
حدثنا الربيع قال: كان الشافعي حسن الوجه. حسن الخلق،
مُحَبَّباً [إلى] [٢] من كان بمصر في وقت الشافعي من الفقهاء والأمراء والنّبلاء،
كلّهم يجيء إلى الشافعي ويعظّمه ويجلّه.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي
قال: سمعت عبد الله بن محمد بن علي بن زياد يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن
خُزَيْمَة يقول:
سمعت الربيع بن سليمان يقول لرجل: لو رأيت الشافعي
وحسن ثيابه ونظافته وفصاحته - لتعجبت منه. ولو أنّه أَلَّفَ هذه الكتب على
عَرَبِيّتِهِ التي كان ينطق بها لم يقدر على قراءة كتبه.
أخبرنا أبو
عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: حدثنا أحمد بن عمرو العدل
قال: حدثنا محمد بن علي البَلْخِي قال: حدثنا نصر ابن موسى قال: حدثنا - قحزم -
بالزاي هو قَحْزَم بن عبد الله - قال:
ما رأيتُ من العلماء أهيبَ من
الشافعي من بعيد، ولا أبرّ وأكرم منه
(١) الزيادة من ح.
(٢)
الزيادة من ح.
من قريب، وخاصة للغريب [١].
* * *
أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الوليد الفقيه يقول: سمعت أبا نعيم: عبد الملك
بن محمد بن عدي يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول:
نقش خاتمي: «الله ثقة محمد بن إدريس» قال الربيع: فأرانا نقش خاتمه.
قال
الربيع: ونقش خاتمي: «الله ثقة الربيع بن سليمان».
قال أبو نعيم:
وأرانا نقش خاتمه.
قال أبو نعيم: ونقش خاتمي: «الله ثقة عبد الملك بن
محمد».
قال أبو الوليد: فأرانا نقش خاتمه.
قال أبو الوليد:
ونقش خاتمي: «الله ثقة حسّان بن محمد»
قال أبو عبد الله: وأرانا أبو
الوليد نقش خاتمه.
قال أبو عبد الله: ونقش خاتمي: «الله ثقة محمد بن
عبد الله».
وقرأته في كتاب أبي الحسن العاصمي، عن أبي نعيم. وفيه من
الزيادة:
قال أبو نعيم: سألت الربيع بن سليمان قلت له: رأيتَ
الشافعيَّ يتختم في يمينه أو في يساره؟ فقال: في يساره.
وقرأته في
كتاب أبي بكر بن زكريا الشَّيْبَانِي، عن علي بن محمد المُطوعِي، عن أبي نعيم
هكذا بزيادته.
* * *
(١) في هـ، ح: «للقريب».
باب ذكر وصية الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه
* * *
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد: محمد بن
موسى؛ قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: أخبرنا الربيع بن سليمان
قال:
قُرِئَ على محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله، وأنا حاضر: هذا
الكتاب [١] كتبه محمد بن إدريس بن العباس الشافعي، في شعبان سنة ثلاث ومائتين:
وأَشْهَدَ اللهَ عَالمَ خائِنَةِ الأعْين وما تُخْفِي الصّدورُ، وكفى به، جل
ثناؤه، شهيداً، ثمَّ مَنْ سمِعَه: أنّه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، لم يَزَلْ يَدِينُ بذلك، وبه
يَدِين حتى يتوفَّاه الله تعالى ويبعثه [عليه] [٢] إن شاء الله تعالى، وإنَّه
يُوصِي نفسه وجماعةَ مَنْ سَمِعَ وصيَّتَه: بإحْلاَل ما أحَلَّ الله، تبارك
وتعالى، في كتابه [ثم] [٣] على لسان نبيه، صلى الله عليه وسلم، وتحريمِ ما حرَّمَ
الله في الكتاب، قم في السّنة ولا [٤] يجاوزون من ذلك إلى غيره؛ فإن
مُجَاوَزَتَهَ تِرْكُ فَرْضِ [٥] الله، وترك ما خالف [٦] الكتاب والسنة (٧ وهما
من المحدثات ٧)
(١) راجع وصية الشافعي في الأم ٤/ ٤٨ - ٥١.
(٢)
الزيادة من ح والأم.
(٣) الزيادة من هـ، ح، والأم.
(٤) في
الأم: «وأن لا يجاوز من ذلك».
(٥) في الأم: «ترك رضا الله».
(٦)
في ح: «يخالف».
(٧) ما بين الرقمين ساقط من ح.
والمحافظة
على أداء فرائض الله في القول والعمل، والكفِّ عن مَحارِمه خوفاً [١] لله عز وجل،
وكثرة ذكر الوقوف بين يدي [٢] ربه {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ
خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا
وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [٣] وأن ينزل الدنيا حيثُ أَنْزَلَها اللهُ عز وجل؛
فإنّه لم يجعلها دار [مقام، إلا مقام مدة عاجلة الانقطاع، وإنما جعلها دار] [٤]
عمل وجعل الآخرة دار قرارٍ وجزاءٍ بما عمل في الدنيا من خير أو شر، إن لم يعف جلّ
ثناؤه، وأن لا يُخَالَّ أحداً إلا أحداً [٥] خاله لله ممن يعقل [٦] الخَلَّة لله
تبارك وتعالى، ويرجى منه إفادة [٧] علم في دين وحسن أدب في دنيا، وأن [٨] يعرف
المرء زمانه، ويرغب إلى الله تعالى في الخلاص من شرّ نفسِه فيه، ويمسك عن الإسراف
[٩] بقول أو فعل في أمرٍ لا يلزمه، وأن يُخْلِصَ النيَّة لله فيما قالَ وعمِل؛
فإنّ [١٠] الله يَكْفِي مما سواه، ولا يكفي منه شيء غيره. وأَوْصَى متى حَدَثَ به
حَدَثُ الموتِ الذي كتبَ [١١] الله عز وجل على خلقه، الذي أسأل الله العَوْنَ
عليه وعلى ما بَعْدَه، وكفاية [١٢] كلِّ هَوْلٍ دُونَ الجنّةِ برحمته.
ولم
يغير وصيَّتَهُ هذه.
(١) في هـ، ح: «خوف الله».
(٢) في
الأم: «بين يديه».
(٣) سورة آل عمران: ٣٠.
(٤) الزيادة من
ح والأم.
(٥) في ا: «أحد».
(٦) في الأم: «يفعل في
الله».
(٧) في ا: «آفات».
(٨) في الأصول: «وإن لم
يعرف».
(٩) في الأم: «من قول».
(١٠) في الأم: «وإن».
(١١)
في ح: «كتبه».
(١٢) في الأصول: «وكفى به كل».
(م ١٩ -
مناقب الشافعي جـ ٢)
فذكر الوصيَّةَ في أمور مماليكه وأولاده وصدقته
وغيرها [١] وقال في آخرها [٢]:
ومحمد بن إدريس يسأل الله القادر على
ما يشاء أنْ يصلِّي على محمدٍ عبدِه ورسولِه، وأن يرحمه؛ فإنه فقير إلى رحمته،
وأن يُجِيرَهُ من النار؛ فإنه [٣] غَنِيٌّ عن عذابه، وأن يَخْلُفَه في جميع ما
خلف [٤] بأفْضَلِ ما خلف به أحداً من المؤمنين، وأن يكفيهم فقده، ويَجْبُرَ
مصيبتهم [من] [٥] بعده، وأن يقِيهُمْ مَعَاصِيَه وإتيان ما يقبح بهم [٦]، والحاجة
إلى أحدٍ من خلقه بقدرته [٧].
(١) راجع بقية الوصية في الأم ٤/ ٤٨ -
٥١.
(٢) الأم ص ٥١.
(٣) في الأم: «فإن الله».
(٤)
في الأم «ما يخلف».
(٥) الزيادة من الأم.
(٦) في الأصول:
«به».
(٧) راجع تمام الوصية في الأم ٤/ ٥١.