الكتاب مباحث في التفسير الموضوعي
المؤلف مصطفى مسلم
الناشر دار
القلم
الطبعة الرابعة 1426هـ - 2005م
عدد الأجزاء 1
الموضوع: علوم
القرأن، علوم التفسير
فهرس الموضوعات
- المقطع الرابع: الرحلة في طلب العلم
- مدخل
- المناسبات بين المقطع الرابع وما قبله
- العرض الإجمالي للمقطع الرابع
- الانطلاق والبحث عن العبد الصالح
- العظات والعبر من فقرة الانطلاق والبحث عن العبد الصالح
- اللقاء والحوار
- العظات والعبر من فقرة اللقاء والحوار
- الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة
- مدخل
- أولها: الجانب النفسي لموسى عليه السلام
- ثانيها: صدمة المفاجأة وهول الحادث
- ثالثها: مبادئ شريعة التوراة
- الفراق بعد تأويل التصرفات الغريبة
- العظات والعبر من فقرة الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة
- المقطع الخامس: قصة ذي القرنين الرجل الطواف
- مدخل
- المناسبات
- العرض الإجمالي للمقطع الخامس
- وقفات لابد منها
- الوقفة الأولى: مع ذي القرنين
- الوقفة الثانية: مع السد وموقعه
- الوقفة الثالثة: مع يأجوج ومأجوج؛ حقيقتهم ومصيرهم
- القيم في قصة ذي القرنين
- العظات والعبر في المقطع الخامس- قصة ذي القرنين
- خاتمة السورة
- الخاتمة
- الفهارس
- العودة إلي كتاب مباحث في التفسير الموضوعي
المقطع الرابع: الرحلة في طلب العلم
مدخل
المقطع الرابع: الرحلة في طلب العلم
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا، فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا، قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا، قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا، قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا، قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا، أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا، وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [٦٠-٨٢]
المناسبات بين المقطع الرابع وما قبله
سبق أن ذكرنا في مبحث "المناسبات في السورة" أن قصة موسى والخضر عليهما السلام تتعلق بالهدف الأساسي لسورة الكهف من حيث الاستنكار على اليهود الذي زودوا وفد قريش بأسئلة تعجيزية ليتثبتوا -حسب زعمهم- من صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم به فسيقت لهم هذه الحادثة أن هذا المنهج ليس فهمًا صحيحًا في التثبيت من صدق النبي فهذا موسى عليه السلام من أعظم أنبياء بني إسرائيل وأكرمهم على الله تعالى، قد جهل ثلاث مسائل واحتاج إلى من يعلمه إياها، ولم يؤثر ذلك في مكانته العظيمة وفضله وسبقه وكونه من أولي العزم من الرسل.
فالقصة وثيقة الصلة -من هذه الزاوية- بهدف سورة الكهف وهو إثبات الرسالة، وبيان صدق الرسول.
ولكن ما مدى صلة هذه القصة بالعنوان الذي اخترناه "القيم في ضوء سورة الكهف" ؟ إن هذه القصة تمثل جانبًا مهمًا أيضًا في الزاوية التي نتناول منها السورة، فهي تمثل قيمة العلم الحقيقية، وتسوق نموذجًا فريدًا لما ينبغي أن يتحلى به طالب العلم والعالم من صفات، وحقيقة العلم الذي يحرص عليه وثمرته.
إن قصة أصحاب الكهف تناولت قيمة السلطة والسلطان.
وتناولت قصة صاحب الجنتين قيمة المال والرجال:
وتتناول هذه القصة قيمة العلم وحقيقته.
هذان وجهان للمناسبة بين هذا المقطع وبين هذه السورة والعنوان الذي تناولها تفسير السورة من خلاله.
فما أوجه المناسبة بين هذا المقطع وسابقه؟
هناك عدة أوجه للمناسبة بين هذا المقطع وسابقه، ومن الأوجه التي ذكرها المفسرون ما هو وثيق الصلة بالمقطع ومنها ما هو غير واضح الارتباط، وأذكر بعض الوجوه واضحة الارتباط والصلة بالمقطع السابق.
١- ذكر في المقطع السابق قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} .
وذكر في هذا المقطع لون من ألوان تصريف القول بأسلوب القصة والحوار وفيه من عظيم الحكم، والآداب والعظات والعبر الشيء الذي لا يحاط به، وسنورد جملة من ذلك عند العرض الإجمالي وفي مبحث العظام والعبر لهذا المقطع الرابع.
٢- ذكر في المقطع السابق قوله تعالى: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} وهو في سياق المؤاخذة على الإنسان الذي لا يستسلم لبراهين الحق وأدلة العقل، وظهور الحجة، ولولا هذه الطبيعة في الإنسان لتجاوب مع نداءات الفطرة التي فطر عليها، وللبى نداء العقل فلم يتخذ أولياء من دون الله سبحانه وتعالى، ولعادي إبليس وذريته، لأن العقل يفرض عليه ذلك، ولكنه أوتي الجدل فلا يستسلم لكل ذلك إلا بعد المجاهدة ومساندة دواعي الاستسلام.
وفي سياق قصة موسى والخضر عليهما السلام لون رفيع من ألوان التربية القرآنية وإلزام النفس الإنسانية حدودًا معينة في ترك الجدل ولو كان أمام واقعة ظاهرها الانحراف.
ولا شك أن هذا النوع من ترك الجدل أشد على النفس، لأن المأمور بالكف عن الجدل يرى الحق معه فكيف يصبر عن إظهاره ويسكت على خلافه ولعل هذا اللون التربوي الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أنا زعيم ببيت في ربض الجنة، لمن ترك المراء، وإن كان محقًا ..." ١ الحديث.
٣- ذكر في المقطع السابق بعض وسائل المعرفة في قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} .
إن وسيلة الإدراك الأصلية في الإنسان هو القلب الذي انفرد به الإنسان من بين سائر المخلوقات ونقصد بالقلب تلك الملكة المعنوية التي يستطيع الإنسان بواسطتها التمييز بين الحق والباطل والخطأ والصواب وهي وسيلة التحليل والتركيب والاستنباط والإقناع، وهي التي جاء التعبير عنها باللب والعقل والفؤاد والقلب وهي التي تأتيها الغشاوة والران أو الإبصار والإشراق وهي المرادة بقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦] .
ولهذه الملكة صلة وثيقة بالقلب المادي المكون من اللحم، وبالمخ في الرأس المكون من النخاع والأعصاب.
وهذا القلب يستمد معلوماته الأولية عن طريق الحواس الخمس وعلى رأسها السمع والبصر.
فبعد ذكر وسائل المعرفة في المقطع السابق، ذكر هنا أن هنالك علمًا لا يخضع لوسائل المعرفة المعهودة عند الناس، وإنما هو علم من لدن الله سبحانه وتعالى يقذفه في قلوب بعض عباده وأصفيائه، وإما إلهامًا أو وحيًا، لذا جاء تعظيم شأن هذا العلم بإسناده إلى ضمير العظمة مع التأكيد عليه بالمؤكدات العديدة {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} .
٤- ذكر في المقطع السابق أن مشركي قريش اتبعوا سنة من قبلهم من المكذبين الهالكين في طلب العقوبة الدنيوية العاجلة وذلك في قوله تعالى:
١ رواه أبو داود، انظر مختصر سنن أبي داود باب الأدب ٧/ ١٧٢، والترمذي بلفظ قريب. انظر: سنن الترمذي أبواب البر ٣/ ٢٤٢.
{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} .
وذكر أيضًا سنة الله سبحانه وتعالى في الأخذ في العاجلة أو الإرجاء إلى الآجلة وأن الخيرة في اختيار الله ومشيئته وإرادته وأمره، لو كان الإنسان مدركًا للحكمة العالية في تصريف شئون الكون، جاء ذلك في قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا} .
وذكر في هذا المقطع ثلاث وقائع كان ظاهرها أن العاجلة خلاف المصلحة، ولكن عندما كشف النقاب عن السر الإلهي في ذلك، وبرزت الحكمة الدافعة، اختلف التقدير والتقويم للتصرفات، فقد كانت النظرة الظاهرة تقضي بإبقاء السفينة على حالها وهو أفضل لمصلحة المساكين وترك الغلام على قيد الحياة أدخل للسرور على قلب والديه من قتله وترك الجدار الآيل للسقوط أليق بتصرف أهل القرية البخلاء اللئام عقوبة لهم. ولكن حكمة الله سبحانه وتعالى وإرادته وأمره كان خلاف هذه الظواهر العاجلة، فكانت الآجلة أفضل للمساكين، وأقوم للأبوين الصالحين، وأحفظ لليتيمين في القرية.
هذه الأوجه التي أراها أحكم من غيرها في الربط بين المقطعين، أما ما ذكره بعض المفسرين من ورود ذكر إبليس في المقطع السابق وذكر الشيطان في المقطع اللاحق. وذكر تمرد إبليس وتكبره عن سماع أمر ربه بالسجود لآدم فكانت عاقبته الطرد واللعنة، وعكس ذلك في قصة موسى عليه السلام حيث سمع أمر الله وأطاع وتواضع لله تعالى فذهب لتلقي العلم ممن هو دون شهرته ومكانته في قومه.
هذه الوجوه وغيرها أراها عابرة لا تخلو من التكلف. وفيما ذكرته الغنية والكفاية بإذن الله.
العرض الإجمالي للمقطع الرابع
ذكرت في مقدمات تفسير هذه السورة الكريمة أن الأسلوب العام في مقاطع هذه السورة هو أسلوب القصة، كما ذكرت أن القصص التي ذكرت في هذه السورة قصص فريدة، حتى قصة موسى فتعتبر فريدة من وجه لأنها تتعلق بالسيرة الذاتية لموسى عليه السلام وبمداركه العلمية وتلمذته على الرجل الصالح الذي علمه ربه من لدنه علمًا، أما القصص الأربع في سورة الكهف قصص فريدة في القرآن الكريم.
وذكرت أيضًا أن أسلوب القرآن الكريم في كثير من قصصه إغفال جزئيات كثيرة إما لعدم تأثيرها في السياق والعبر المستقاة من القصة، أو تشويقًا للسامع وإفساحًا لمجال فكرة وخياله لكي يملأ تلك الفجوات بالاحتمالات التي تخطر على باله، وفي ذلك تنشيط للذهن، وإثارة للتساؤلات لمتابعة الأحداث.
وتتبلور هذه الأسس في قصة موسى والخضر عليها السلام في أبرز صورة:
- فالدافع لموسى عليه السلام في اتخاذ قرار بالسفر إلى مجمع البحرين لا وجود له في ثنايا القصة.
- ونفاجأ بالقصة وأحداثها وبموسى وفتاه وهما على متن الطريق وقد شرعا في السفر، وهما يتبادلان الحديث حول الوصول إلى الهدف والتصميم على ذلك.
- والمكان الذي كان منه الانطلاق مجهول وكذلك مكان اللقاء بالعبد الصالح وزمانه ولئن ذكر مجمع البحرين فهو غير معلوم بالتحديد لأحد من المفسرين.
وقل مثل ذلك في زمان الحادثة هل كان قبل خروج بني إسرائيل من مصر، أو بعد الخروج، وهل وقع قبل التيه أو أثناءه.
- وهذا الفتى الذي رافق موسى عليه السلام من هو؟ ما دوره في مجريات الأحداث؟ ما مصيره بعد اللقاء بالعبد الصالح؟
- والعبد الصالح ما حقيقته؟ أنبي مرسل، أو ولي مكرم، أو عالم مطلع؟ وما المدة التي قضياها مصطحبين؟ وما وجهته ومصيره بعد الفراق؟ وجو الغموض والمفاجآت الذي يلف القصة من أولها إلى آخرها ملائم تمامًا للهدف منها، يقول سيد قطب رحمه الله تعالى في هذا الصدد: إن القوى الغيبية لتتحكم في القصة منذ نشأتها، فها هو ذا موسى يريد أن يلقى هذا الرجل الموعود، فمضى في طريقه، ولكن فتاه ينسى غداءهما عند الصخرة، وكأنما نسيه ليعودا فيجد هذا الرجل هناك.
"ولم ينبئنا القرآن باسم الرجل تكملة للجو الغامض الذي يحيط بنا، وما قيمة اسمه؟ إنما يراد به أن يمثل الحكمة الإلهية العليا، التي لا ترتب النتائج القريبة على المقدمات المنظورة بل تهدف إلى أغراض بعيدة لا تراها العين المحدودة، فعدم ذكر اسمه يتفق مع الشخصية المعنوية التي بمثلها" ١.
وبعد أن يكشف الرجل ستر الغيب عن تصرفاته ليبرز الحكمة من ورائها يختفي من السياق كما بدا، لقد مضى في المجهول كما خرج من المجهول فالقصة تمثل الحكمة الكبرى، وهي لا تكشف عن نفسها إلا بمقدار ثم تبقى مغيبة في علم الله وراءه الأستار.
ولولا أن السنة النبوية الشريفة أكملت جوانب وألقت الأضواء على بعض التفصيلات لما وجدنا إلى العلم الصحيح بها سبيلًا.
لذا أرى من اللزام علي أن أسرد ما ذكرته السنة الصحيحة في هذا الشأن لنستعرض بعد ذلك العرض الإجمالي لمعاني الآيات الكريمة.
جاء في صحيح البخاري ... عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: إن نوفًا٢ البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر عليه السلام ليس هو موسى صاحب
١ في ظلال القرآن: ٤/ ٢٢٨١ باختصار وتصرف.
٢ نوف البكالي: أحد القصاص بالكوفة، وهو ابن امرأة كعب الأحبار، وكان يروي عن كعب الإسرائيليات.
بني إسرائيل، قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ قال: أنا" .
وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "موسى رسول الله ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب، ولَّى فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه، إن لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا رب فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتًا فجعله في مكتل ثم انطلق، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، حتى إذا أتيا الصخرة -وفي رواية: وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة، لا يصيب من مائها شيء إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك الصخرة فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر- وضعا رءوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربًا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذ كان من الغد، قال موسى لفتاه: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به قال له فتاه: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} ، قال: فكان للحوت سربًا ولموسى وفتاه عجبًا، قال: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} قال: فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجَّى بثوب، فسلم عليه موسى، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام؟ -وفي رواية فوجدا خضرًا على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلم عليه موسى، فكشف عن وجهه، وقال: هل بأرضك من سلام؟ - من أنت؟ قال: أنا موسى فقال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: أتيتك لتعلمني مما علمت رشدًا -وفي رواية قال له موسى: وما أدراك بموسى بني إسرائيل؟ قال: الذي"
أدراك بي ودلك علي، قال له الخضر: ما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدًا قال: أما كان لك شغل في بني إسرائيل يشغلك؟ أما يكفيك التوراة ينزل عليك؟ - {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، فقال موسى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} قال له الخضر: {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول١، فلما ركبا في السفينة، لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدوم -وفي رواية فخرقها ووتد فيها وتدًا- فقال له موسى: قد حملونا بغير نول فعمدت إلى سفينتهم فخرقها لتغرق أهلها؟ {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} ٢، {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما يمشيان على الساحل إذا أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} ، قال: وهذا أشد من الأولى، {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} أي مائلًا: فقال الخضر بيده "فأقامه" ، فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وددنا"
١ النول: الأجر.
٢ إمرًا: أي منكرًا من قولهم: أمر الأمر، أي كبر وكثر، كقولهم استفحل الأمر. انظر: المفردات: ٣٠.
أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما "١."
من خلال العرض القرآني للقصة، ومن خلال بعض التفصيلات في السنة النبوية لها، يمكن تقسيم القصة إلى أربع فقرات:
١- الانطلاق والبحث عن العبد الصالح.
٢- اللقاء والحوار.
٣- الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة.
٤- الفراق بعد تأويل التصرفات الغريبة.
ونظرًا لطول الحديث عن أحداث القصة مجتمعة، فالأولى أن نذكر كل فقرة باستقلال في العرض الإجمالي، وكذلك في العظات والعبر، وسأحاول إلقاء الضوء على بعض الجوانب والإشكالات التي أثارها بعض المفسرين على نقاط في القصة من خلال العرض والمناقشة.
١ انظر صحيح البخاري، كتاب التفسير ٥/ ٢٣٢، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل ٧/ ١٠٣.
الانطلاق والبحث عن العبد الصالح
تقدمت الإشارة إلى أن القرآن الكريم لم يذكر عن أسباب رحلة موسى عليه السلام للبحث عن العبد الصالح شيئًا.
إلا أن السنة النبوية أوضحت أن سبب الرحلة كان عتاب الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى عليه السلام عندما سئل هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه.
وقبل البدء بعرض أحداث الفقرة الأولى من هذا المقطع، أحب أن أتناول جانبًا مما يورده القرآن الكريم من عتاب الله لأصفيائه من خلقه، وذلك لئلا يتسرب للنفوس شيء من وساوس الشيطان تجاه عصمة الأنبياء والمرسلين، ولكيلا تهتز الصورة المشرقة في أذهان المؤمنين عن رسل الكرام.
إن ما يرد في آيات الذكر الحكيم من عتاب لبعض الأنبياء والمرسلين نلحظ
فيه ثلاثة جوانب:
أولها:
إثبات بشرية هؤلاء الأنبياء وأنهم وإن بلغوا قمة الكمالات البشرية فلا تزول عنهم صبغة البشر المخلوق الذي تتنازعه الطاقات والقوى المودعة فيه، فإن صلتهم بالملأ الأعلى، وسعيهم الحثيث لتطبيق ما يوحى إليهم والمسارعة إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى يجعل منهم قدوة لأتباعهم في الإيمان والعمل الصالح، إلا أن دواعي الحاجة الإنسانية من طعام وشراب وسير في الأسواق للكسب والمعاش، وعدم الاطلاع على الغيب ومستقبل الأيام وما يعتورهم من مرض ونسيان وضعف في القوى الجسمية كل ذلك يؤكد بشريتهم فلا يستطيعون النجاة منها، وإلى هذا الجانب أشار القرآن الكريم في دحض شبهة من زعم أن عيسى وأمه إلهين من دون الله. {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المائدة: ٧٢-٧٥] .
فبلوغ الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه الدرجات العليا من القربى والطاعة لا تخرجهم عن طبيعة البشر ولا يجوز اتخاذهم شركاء مع الله سبحانه وتعالى.
وقد ضلت الأمم السابقة في هذا الأمر فاختلطت عليهم المقاييس، فبلغ من تقديسهم لأنبيائهم وصالحيهم أن عبدوهم من دون الله، كما فعلت النصارى فضلوا وأضلوا.
وأبرزت بعض الأمم جانب البشرية فيهم وضخمته ونفت عنهم المزايا التي يتميزن بها عن غيرهم، فنسبت إليهم كل نقيصة ظلمًا وزورًا فضلوا وأضلوا، كما فعل اليهود في سير أنبيائهم. والمنهج العدل أن يعتقد في اصطفائهم من البشر لحمل رسالة ربهم وتبليغها إلى الناس على خير وجه، وصلتهم بالملأ الأعلى وتلقيهم عن طريق الوحي إليهم. وهي مكانة لا تدانيها مكانة غيرهم من البشر.
إلا أنهم يبقون من البشر {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} .
فوجود النسيان والسهو من بعض الأنبياء تأكيد لهذا الجانب، من غير أن يؤثر على مكانتهم الرفيعة عند ربهم ومولاهم جل جلاله.
ثانيها:
جانب تربوي تعليمي، إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يمثلون قمة العبودية لله تعالى، وهم القدوة لغيرهم في ذلك.
كما أن سيرتهم الذاتية هي النبراس لغيرهم أثناء السير إلى الله تعالى فلئن وقع منهم بمقتضى الطبيعة البشرية ما يعاتبون عليه سرعان ما يرجعون إلى الله ويلتجئون إلى عفوه ومغفرته ويتفيئون ظلال رحمته ورضوانه.
إن في رسم معالم التوبة والاستغفار واستدرار الرحمة والرضوان من خلال سيرة الأنبياء تشريعًا لأمم، ولو لم تكن هذه الوقائع في سيرهم فأنى للمذنبين أن يدركوا طريق الإنابة إلا ظلال رحمة ربهم.
إن في لجوء آدم عليه السلام إلى ربه بالابتهال، والإنابة {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣] .
وفي استسلام نوح عليه السلام لربه ورجوعه إليه، وإيثار رضوانه على ما تطلعت إليه نفسه بشأن ابنه أكبر المعالم التربوية إلى يوم القيامة.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: ٤٧] .
وفي ابتهال ذي النون في بطن الحوت {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٨٧] .
زاد لمن وقع في ضيق الدنيا وتقلبات أحوالها وسدت في وجهه السبل.
وفي إنابة داود عليه السلام واستغفاره وإقباله على ربه بالطاعة والعبادة إدراك للصلة بين العبد وخالقه ومولاه ومالكه. {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ، فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: ٢٤، ٢٥] .
لو ترك البشر يشرعون لأنفسهم طريق التوبة والإنابة والاستغفار لما اهتدوا إلى رضوان ربهم، ولضلوا كما ضل من شرع لنفسه شئون حياته الدنيوية إن "الدعاء هو العبادة" ١ والشرائع التعبدية كلها من الله سبحانه وتعالى وليس لأحد أن يشرع
١ رواه الترمذي في كتاب التفسير: ٤/ ٢٧٩.
لنفسه والمقربون إلى الله سبحانه وتعالى يدركون ما يليق بالذات القدسية من كمالات وما تنزع عنها الذات القدسية من نقص ومحال، والبشر عاجزون عن ذلك فما يكون كمالًا في حق البشر قد يكون نقصًا محالًا على الذات الإلهية إن وجود الولد والزوجة والقرين والشريك من متطلبات الحياة الإنسانية وتعتبر من الكمالات البشرية ومن عدمها اشتكى من نقص في نفسه.
أما بالنسبة لله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا، تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا، وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٨٨-٩٣] . {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ، لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: ١٠٠-١٠٣] .
ثالثها:
إن من يمعن النظر في الأقوال والأعمال التي عوتب عليها الأنبياء صلوات الله عليهم يجدها لا تخرج عن دائرة الأقوال والأفعال التي تدخل في دائرة الاجتهاد وورود الاحتمالات عليها، والموقف الذي اتخذه النبي في الغالب يكون مما يقال عنه أن الأولى كان الوجه الآخر، إلا أن هذه الأولوية لا تدرك إلا بعد التنبيه الرباني ولا يمكن الاستدلال عليها بالظواهر والأسباب المتاحة عند وجود الحادثة وإلا لأدى إلى ارتكاب النبي المخالفة الواضحة وهم منزهون عن ذلك.
وإذا كان العتاب يرد على خلاف الأولى، والتهديد يرد على الأمر المفروض غير الواقع١.
١ كما في قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: ٤٤-٤٧] . وكقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: ٥٦] .
ولمن العتاب؟ ولمن التهديد؟ لصفوة الله من خلقه وأنبيائه المرسلين إلى عباده فكيف يكون الحال بالنسبة لمن خالف صريح أمره وارتكب صريح نهيه وعصى محكم شرعه.
إن في ذكر هذه الألوان من العتاب إيجاد حاجز نفسي بين العباد وبين المعصية ومخالفة شرائع الله.
وبالنسبة لمعاتبة موسى عليه السلام التي نحن بصدد الحديث عنها فهناك احتمالان لا ثالث لهما:
أ- إنه نسي رد الأمر إلى الله سبحانه وتعالى، كما نسي غيره من الأنبياء والمرسلين: كما نسي آدم عليه الصلاة والسلام، وكما نسي سليمان عليه السلام وكما نسي محمد صلى الله عليه وسلم {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} .
ولكن النسيان في أمور الشرائع والعبادات لا يخلو من نوع من الأثر والتعقيب أو التعليق، فالنسيان في بعض العبادات يجبر بعمل لاحق كالصلاة، وفي بعض المعاملات بتحمل الآثار المالية وإن كانت المؤاخذة الأخروية غير واردة في شأن النسيان فإن التنبيه أو العتاب الدينوي مما يقوم الأمر ويعدله.
هذا لعامة الناس، فكيف الأمر بالنسبة للقدوة وأئمة الهدى الذين تكون أقوالهم وأفعالهم وإقرارهم تشريعًا.
ب- إن موسى عليه السلام عندما نفى أن يكون من الناس من هو أعلم منه، إنما قصد الناس من أمته من بني إسرائيل وفي أمور الشرائع التي كلف بها ومن المعلوم عند العلماء، أن الرسول أعلم الناس بأمور الشرائع المنزلة عليه.
فيستحيل أن يكون في أمته من هو أعلم منه ولو بجزئية من الشريعة لأن في ذلك خدشًا لمقام النبوة.
وقد ذهب بعض العلماء كالإمام الفخر الرازي إلى أن النبي أعلم الناس من أمته بجميع العلوم الموجودة في عهده -ولم يقصرها على الشرائع- لذات
السبب السابق لذا رجح الفخر الرازي أن الذي {عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَاب} هو سليمان عليه السلام نفسه وليس أحد أتباعه المؤمنين به١.
وإني وإن كنت لا أميل إلى ما ذهب إليه الرازي، إلا أن مبدأ كون الرسول أعلم أمته بالشرائع المنزلة عليه مبدأ متفق عليه بين العلماء فقول موسى عليه السلام كان من هذا القبيل، فأخبر عن ظاهر علمه بالمبدأ المقرر.
إلا أن الصلة القلبية للأنبياء بمصدر الوحي والعلوم الربانية تعطي لدائرة المدارك أفقًا أوسع، ودقة أبلغ، فكان العتاب الإلهي، لأن صيغة التعبير جاءت عامة من غير تخصيص ومطلقة من غير تقييد.
أقدم هذه الأسس بين يدي البحث في قصة موسى والخضر عليهما السلام مخافة أن تند بالقلم كلمة أسيء فيها الأدب مع مقام نبي الله موسى عليه السلام، أو يفهم أحد القراء عبارة على خلاف ما أقصد فتورث شبهة في النفس أو استهانة بحق نبي الله، وفي ذلك مزلق وإلحاد في دين الله، {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٦] .
وأعود إلى سياق فقرة انطلاق موسى عليه السلام للبحث عن العبد الصالح إننا نستشف من افتتاحية الفقرة أن موسى عليه السلام كان قد تلقى أمرًا من ربه للذهاب إلى العبد الصالح والتعلم منه بدليل هذا الجزم والتصميم {لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} ، لو لم يكن الأمر واجبًا عليه لكان له في بني إسرائيل ما يشغله، ولما كان له أن يتركهم أحقابًا من الزمان وإذا أدركنا أن الحقب فسر بالدهر، والحقبة الواحدة تبلغ ثمانين عامًا وقيل أكثر، إذا علمنا ذلك وأدركنا مدى العزم والتصميم الذي كان عليه موسى عليه السلام للظفر بالعبد الصالح، فلا يكون ذلك إلا عن تكليف كلف به.
ومرة أخرى نفاجأ بوجود الحوت معهما ولم يحدثنا النص القرآني عن حكمة
١ انظر تفسيره مفاتيح الغيب: ٢٤/ ١٩٧.
وجوده إلا أن السنة النبوية بينت لنا أيضًا سبب حمله معهم، وهو أن عودة الحياة إليه علامة وصولهم إلى مجمع البحرين مكان وجود العبد الصالح -وأستبعد ما ذهب إليه بعض المفسرين من أنهم حملوه زادًا للسفر، لأن نص الحديث النبوي جعله أمارة البلوغ واللقاء- والقصة مليئة بالمفاجآت وخوارق العادات، التي تبرز جانب قصور العلم البشري، وإحاطة المشيئة الإلهية بالكون وتصريف شئونه.
فلما جلس موسى عليه السلام وفتاه على الصخرة، وكان المفروض أن الفتى مكلف بالحراسة والخدمة ومراقبة الحوت في المكتل، وإخبار موسى عليه السلام بكل ما يطرأ، إلا أن النسيان الذي لا يعهد في مثل هذه الحالة يطرأ على الفتى يوشع بن نون فينسى عودة الحياة إلى الحوت وخروجه من المكتل وذهابه في البحر، وبقاء السرب في البحر، إن أي أمر عادي في حياة الإنسان يمكن أن يغفل عنه بحكم الإلف والعادة، أما مثل هذه الخوارق فلو حدثت مرة واحدة لبقي القلب والعقل والفكر مشغولًا بها طيلة العمر، فما بالك إذا كانت شئون السفر والحصول على المبتغى مترتبًا على عودة الحياة إلى الحوت.
إنها دروس ربانية، ثم لا يشعران بالتعب والحاجة إلى الراحة والطعام إلا بعد مضي بقية اليوم وليلة كاملة من الحادثة، ولا يخطر الأمر على بال الفتى إلا بمناسبة الرجوع إلى المكتل لإخراج الطعام، والشيء بالشيء يذكر {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} .
وعادا أدراجهما فقد تحققت أمارة اللقاء، لكن الصخور تتشابه أين الصخرة التي أويا إليها، إلا أن العلامة الجديدة للاستدلال كان ذاك النفق الذي تركه الحوت كالطاق في البحر، وتماسك الماء عن الجريان عليه بمشيئة الله تعالى: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا} .
العظات والعبر من فقرة الانطلاق والبحث عن العبد الصالح
١- مشروعية الرحلة في طلب العلم.
٢- من الأدب الإسلامي التلطف مع الخدم والعبيد، ومناداتهم بالأسماء المحببة وفي الحديث "لا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي" ١.
٣- في اصطحاب موسى عليه السلام لفتاه مشروعية اتخاذ الرفيق للاستئناس والاستعانة به عند الحاجة.
٤- من شرط الرفقة في السفر أن يكون أحدهم أميرًا، وعلى الأمير أن يعلم صحبه عزيمته ومقصده ويخبر عن مدة مكثه في سفره.
٥- مما ينظم شئون السفر ويخفف الأعباء ويزيد من التلاحم والترابط بين المسافرين توزيع الأدوار والمهمات، إلا أن الجميع يتضامنون في تحمل المسئولية ولو كان الخطأ أو النسيان في فرد واحد. لذا نسب النسيان إلى موسى وفتاه وإن كان حصوله من الفتى {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا} .
{قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} .
٦- في نسيان الفتى حادثة عودة الحياة إلى الحوت وانسلاله من المكتل واتخاذه السرب في البحر، وعدم جرية الماء على هذا السرب -وكلها خوارق- في هذا النسيان، تنبيه رباني على أن كسب العلم لا يتم إلا بإرادة الله ومشيئته كما أن ثبوته وبقاءه لدى الإنسان لا يتم إلا بإرادته ومشيئته مهما بذل الإنسان من جهد وحرص على ذلك.
الحقيقي لكل ذلك هو الله سبحانه وتعالى لا خالق ولا فاعل على الحقيقة سواه. وهو من قبيل {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: ٨٠] .
١ رواه الإمام أحمد في المسند: ٢/ ٤٤٤؛ والإمام مسلم في صحيحه كتاب الألفاظ من الأدب: ٧/ ٤٦.
اللقاء والحوار
هذه الفقرة على وجازتها واختصار عباراتها تعد من الذخائر القرآنية التي لا يحاط بمعانيها وقد استنبط المفسرون آدابًا وحكمًا من هذه الآيات المعدودة، وسأذكر طرفًا من هذه الحكم عند الحديث عن العظات والعبر.
لكني أذكر قبل ذلك: المنزلق الذي هلك فيه بعض الناس.
لقد ضلت طائفتان في شأن أفضلية موسى على الخضر عليهما السلام، والمنطلق الذي انطلقوا منه أن الأستاذ ينبغي أن يكون أفضل من التلميد فكيف يذهب موسى عليه السلام للتلقي من الخضر عليه السلام؟
فذهبت طائفة -مقتفية أثر اليهود- إلى أن موسى المذكور في القصة ليس موسى بن عمران رسول الله، وإنما هو رجل آخر من بني إسرائيل وكان نوف البكالي يقول بهذا وهو ما رد عليه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كما تقدم في حديث البخاري.
والدافع لهذه الطائفة للذهاب هذا المذهب هو أن في هذا التلقي ازدراء وتحقيرًا لنبي الله موسى عليه السلام، وهم يريدون بهذا الإنكار إبعاده عن ذلك.
وضلت طائفة أخرى عندما قررت المبدأ نفسه وقالت إن الأستاذ ينبغي أن يكون أفضل من التلميذ، ولما ثبت أن نبي الله موسى عليه السلام ذهب إلى ولي الله الخضر عليه السلام، فالخضر أفضل من موسى والولي أفضل من النبي، وعمموا هذه القاعدة إلى أبعد من ذلك ليقولوا، إن الولي قد يصل إلى مرتبة لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل. وهذه ضلالة وجهالة، فالولي أحد أتباع نبي من الأنبياء وأحد المتلقين لشرائع الله عن طريق النبي، فكيف يكون أفضل من النبي نفسه أو تكون مرتبته أعلى من مرتبة النبي؟
وقد ذهب ابن حجر العسقلاني في فتح الباري إلى كفر القائلين بهذا القول لمخالفتهم أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة.
والقول الحق في ذلك: أن الخصوصية لا تقتضي الأفضلية، كما أن الأفضل قد يتلقى من الفاضل، ولا يعد ذلك نزولًا للملتقي عن مرتبته أو مكانته أو ازدراء له وتحقيرًا.
وموسى عليه السلام أفضل من الخضر بالاتفاق، لأنه نبي ورسول، أنزل الله عليه التوراة وأسمعه كلامه {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} كما أنه من أولي العزم من الرسل المذكورين في قوله الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: ٧] . والخضر عليه السلام مختلف في نبوته، وليس رسولًا باتفاق١.
وخلال اللقاء القصير تدور محاورة بين الرجل الصالح وبين موسى عليه السلام، نلاحظ فيه شخصية الرجل الصالح المملية للشروط، الواقفة موقف
١ ذهب جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة إلى التفريق بين النبي والرسول:
فالنبي: من أتاه الوحي من الله ونزل عليه الملك بالوحي.
والرسول: من يأتي بشرع على الابتداء أو بنسخ بعض أحكام شريعة قبله. فكل رسول نبي لا العكس. انظر: أصول الدين لأبي منصور البغدادي: ١٥٤.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"النبي هو الذي ينبئه الله وهو ينبئ بما أنبأ الله به، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول" . انظر: كتاب النبوات: ١٧٢.
فالتفريق عند ابن تيمية ينصب على قضية المبالغين أو المكلفين فإن كانوا من أتباع شريعة سابقة ووجد فيهم التقاعس عن أمور الشريعة فالنبي يجدد أمر الشريعة في نفوس هؤلاء وفي الأصل لم يكونوا مخالفين معاندين أما الرسول فيرسل إلى قوم مخالفين ليبلغهم رسالات الله سواء كانت شريعة منزلة عليه ابتداء أو شريعة رسول سابقة عليه.
بينما التفريق بين النبي والرسول على قول أبي منصور البغدادي فينصب على الشريعة نفسها فالنبي يكون على شريعة نبي سابق عليه، يوحي إليه لتجديدها في نفوس الأتباع أو دعوة المخالفين إليها.
أما الرسول فيأتي بشريعة مستقلة ابتداء أو بنسخ وزيادة أو تعديل في شريعة من سبقه.
المعلم المربي، الواثقة من نفسها المتحدثة عن الحقائق الغيبية.
كما نلاحظ شخصية موسى عليه السلام المتلهفة لطلب المعرفة، المتواضعة أشد درجات التواضع، الحريصة على الظفر بالقبول عند الرجل الصالح ولقد أشارت الآيات الكريمة إلى جانب من تفخيم شأن الرجل الصالح، فهو عبد من خواص عبيد الله، المنسوبين إلى الله جلا جلاله والعبودية منتهى درجات الكمالات الإنسانية وما ذكر أحد في القرآن الكريم بصفة العبودية المنسوبة إلى الله تعالى إلا في سياق التكريم والتشريف١.
كما أن في ذكر إيتائه رحمة من عند الله إضفاء مزايا جليلة على مكانته وفي ذكر تعليمه العلم اللدني تشريف وتوقير له. كل ذلك في قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} .
ولعل سياق النص الكريم يدل بإشاراته وظلاله إلى ما ورد في الحديث الصحيح من سبب خروج موسى عليه السلام، وعتب الله سبحانه وتعالى له. ليلقى من الرجل الصالح لونًا من ألوان الاستعلاء بالعلم اللدني. ولكن هذا. الاستعلاء لا يخرجه من إعادة الفضل والنعمة إلى مسديه كما ورد في صحبح البخاري: "فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضك من سلام، من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدًا، قال: أما يكفيك أن التوراة بيدك؛ وأن الوحي يأتيك؟ يا موسى إن لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه ... فأخذ طائر بمنقاره من البحر، وقال: والله ما علمي وعلمك من جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر" ٢.
إن الإشارة إلى سعة علم الله في هذا الموقف تذكير لموسى عليه السلام
١ انظر: مقطع افتتاحية سورة الكهف عند الحديث عن قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} : ١٩٣ من الكتاب.
٢ انظر: صحيح البخاري، كتاب التفسير: ٥/ ٢٣٣.
لساعة النسيان التي كانت وراء هذه الرحلة العلمية١. وهي في نفس الوقت من الحوافز لحرص موسى عليه السلام للمصاحبة والتلقي، لذا نراه يوافق مسبقًا على الشروط وأنه سيكون عند حسن ظن العبد الصالح به، ولا ينسى أن يربط ذلك بالمشيئة الربانية {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} .
ووقفة مع دلالات هذه الفقرة وعظاتها وعبرها.
١ ذهب المفسرون مذهبين في الدافع للخضر عليه السلام إلى القول: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} في بداية اللقاء. الأول: لبيان أن المجال الذي يعمل فيه -تنفيذًا لأوامر ربه- غير المجال الذي كلف به موسى لأداء رسالة ربه، ولكي لا يتوهم موسى أن يتهمه بالقصور أو العجز، فأسرع إلى بيان السبب، بأن هذا ليس مما كلف به موسى والأنبياء المرسلون الآخرون، بل هو من الأشياء التي لم يحط بها البشر خبرًا، فإن لم يصبر عليها موسى فليس مؤاخذًا ولا متهمًا بالتقصير، فقال: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرً} ، تبريرًا وإعذارًا مسبقًا لموسى إن لم يصبر.
والمذهب الثاني للمفسرين: هو أن الخضر اختار الكلمات والأسلوب قصدًا إلى التعليم وإبراز مكانة العلم وعزته، لذا جاء قوله مؤكدًا بخمس مؤكدات:
أ- "إن" المفيدة للتوكيد.
ب- لن والنفي بها آكد من النفي بغيرها من أدوات النفي.
جـ- العدول عن -لن تصبر- إلى قوله: {لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} وذاك يفيد نفي الصبر بطريق برهاني فكأنه قال له: إني مطلع على أحوالك وقدرتك على الاحتمال فوجدتك بعد المعاينة أنك لا تستطيع الصبر.
د- تنكير "صبرًا" في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، فكأنه قال: لا تصبر معي أصلًا شيئًا ولو يسيرًا من الصبر.
هـ- ثم تعليل عدم الصبر بعدم إحاطته بهذه الأمور مؤكد خامس.
فعلى هذا المذهب قول الخضر: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} تعجيب من شأنه وتوجيه تربوي لاستشرافه وعزمه.
ولعل ما تقدم في الحديث الصحيح من دوافع الخروج ونقاط الحوار بينهما يرجح المذهب الثاني. وهو الذي رجحته وجريت عليه في الفقرات اللاحقة.
العظات والعبر من فقرة اللقاء والحوار
١- تواضع الطالب للمعلم وإشعاره بهذا التواضع، يكون أدعى إلى توجه المعلم القلبي، فيبارك الله في العلم وتفتح آفاق المعرفة أمام الطالب ويبرز هذا التواضع في مخاطبة موسى عليه السلام للعبد الصالح بصيغة الاستفهام {هَلْ أَتَّبِعُك} ، أي هل تأذن لي أن أكون لك تبعًا؟، ولم يقيد هذ التبعية بجانب من جوانب الصحبة أو الخدمة وإنما أطلقها، وفي ذلك إبراز لجانب الثقة المطلقة في المعلم.
٢- رفع المعلم إلى مقام رفيع والاعتراف له بالأستاذية، وإنزال النفس مكان التلمذة، تقدير لمكانة الأستاذ، وتواضع وهضم نفس من جانب الطالب، وهو من أسباب حصول النفع بإذن الله للطالب، لأن استشعار الطالب بهذا الفارق الكبير بينه وبين معلمه يزيده حرصًا على عدم تفويت شيء مما يقوله معلمه، بينما تكبر الطالب ورؤيته نفسه أنه أعظم قدرًا، أو أكثر فهمًا من أستاذه فمن الحواجب التي تحجب بين الطالب والفائدة من هذا الأستاذ١.
أبرز موسى عليه السلام هذا الجانب من الفرق بينه وبين العبد الصالح بقوله {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ} ، فعلم الخضر عليه السلام قد تلقاه من الله جل جلاله، يدل على ذلك سياق الآيات "وعلمناه" وبناء الفعل للمفعول "عُلمت" .
أما تعليم موسى فيكون على يد العبد الصالح "تعلمني" ، وكأنه يقول إن الفرق بين علمك وعلمي كالفرق بين المعلمين، وهذا منتهى التقدير والاعتراف بالمنة، كما قيل: "من علمني حرفًا كنت له عبدًا" وقال شعبة: من أخذت منه أربعة أحاديث أقررت له بالعبودية حياتي.
١ يقول الإمام النووي: قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف: هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وعليه أن ينظر معلمه بعين الاحترام ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على طبقته فإنه أقرب إلى انتفاعه به، وكان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء وقال: اللهم استر عيب معلمي عني ولا تذهب بركة علمه مني. انظر التبيان في آداب حملة القرآن/ ٢٣.
٣- وفي "من" التبعيضية "مما" إشارة إلى جانبين:
إن موسى عليه السلام لا يريد إرهاق الأستاذ ومطالبته بكل ما عنده وإنما يكتفي ببعض ما عنده الذي يراه الأستاذ صغيرًا أو قليلًا ولكنه في حد ذاته علم راشد عظيم.
وأيضًا بيان لجانب من تواضع موسى واستدرار عطف أستاذه لقبوله طالبًا عنده. فالفقير الذي يقول للغني: "أعطني من بعض ما أعطاك الله" يظهر قناعته باليسير ويبرز سعة ما عند الغني وأن ذلك لا يرهقه.
٤- العلوم التي يحرص عليها هي العلوم الراشدة وهي الوسيلة إلى الفلاح، وذلك تزكية للعلم لدى العبد الصالح "مما علمت رشدًا" .
٥- في تواضع موسى عليه السلام على الرغم من مكانته وشرفه في قومه والحرص الشديد الذي أظهره لطلب العلم رفع لمكانة العلم والعلماء، وبيان أن الشرف يزداد بالعلم وأن التواضع في سبيل طلبه رفع للمكانة.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "ذلك طالبًا فعززت مطلوبًا" ١.
٦- على المتعلم أن لا يعترض على أستاذه في بداية الطلب، لأن ذلك قد يؤدي إلى حرمانه من علوم أستاذه، وخاصة إذا لم تتبين له الطريقة المناسبة في توجيه السؤال بحيث لا يزعج أستاذه.
وكم كان أسلوب السؤال سببًا في الغضب والحرمان والعتاب:
انظر إلى أسلوب بني إسرائيل في الطلب {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [البقرة: ٦٨] .
وإلى أسلوب استفسار الحواريين {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة: ١١٢] .
فكأنه رب موسى وعيسى وليس ربهم؟ علمًا أن القوم مؤمنون بالله وبرسالة النبي الذي يخاطبونه؟!
١ انظر التبيان في آداب حملة القرآن: ٢٦.
بينما نجد الأسلوب القمين بالإجابة في دعاء عيسى عليه السلام ربه {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المائدة: ١١٤] .
٧- إذا شعر المعلم أن تلميذه ليس مبتدئًا، وأن علومه السابقة تهيئ له كثرة الاعتراضات والمناقشات، للمعلم أن يملي عليه شروطه التي تهيئ الظروف المناسبة لأداء رسالة التعليم، وعند عدم الالتزام بالشروط له أن يشترك المفارقة ويطلبها.
٨- للأستاذ أن يكشف عن جوانب النقص في معلومات تلميذه، ويعرفه بحقيقة علمه القاصر -وذلك من باب التأديب لا التحقير- ولكيلا تأخذه النخوة والغرور العلمي.
٩- وللأستاذ أن يختبر مدى إخلاص الطالب ورغبته الصادقة في التحصيل ومدى قدرته على تحمل المشاق في سبيله، وحدود صبره على غلظة الأستاذ وجفائه.
كل ذلك نأخذه من إيحاءات قول الخضر عليه السلام: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} .
١٠- ولطالب العلم -بعد الاعتماد على الله سبحانه وتعالى وربط الأمر بمشيئة مولاه- أن يُري الأستاذ من نفسه الجلد والتحميل والمصابرة، وأن عين الأستاذ ستقر به وأنه سيجده حيث يحب، وذلك تحدثًا بفضل الله ونعمته عليه واستظهارًا لرغبته الصادقة في الطلب -لا من باب تزكية النفس أو الرياء.
{قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} .
الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة
مدخل
الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة
بعد ذاك الحوار المعبر ذي المغزى، انطلق الركب الكريم١، واقتصر النص القرآني على الأحداث ذات الشأن في هذه الرحلة -كما هو الحال في شأن القصص القرآني- ولم يحدد الاتجاه والمقصد، وكأنها رحلة مطلقة متروكة لمجريات الأحداث، ليكون الموقف المناسب تجاه الحدث الطارئ، هذا ما يبدو في الظاهر، أما في علم الغيب فلا صدفة ولا مفاجأة، بل الأمور تجري حسب تقدير العزيز العليم بها.
ويمر الركب على مساكين يعملون في البحر، على سفينة لهم، ينقلون الناس من ساحر البحر إلى آخر، لقاء أجر معلوم، فيعرفون الرجل الصالح فيحملونه وصاحبه من غير أجر تكريمًا وتقديرًا،
فلا يلبث الخضر أن ينزوي إلى طرف من السفينة ليقلع لوحًا من خشبها، ويوتد مكان الخرق وتدًا ليحد من تسرف الماء إليها، ولا يملك موسى نفسه من الغضب والانفعال تجاه هذا التصرف، كيف يقابل إحسان القوم بمثل هذا التصرف؟! ثم بأي وجه حق يعتدي على مالهم بالإتلاف؟! وكونهم مساكين تستدر حالهم العطف وتثير الشفقة عليهم.
ومن شأن هذا الخرق أن يغرق ركاب السفينة الأبرياء، فما وجه المشروعية في كل ذلك؟! {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} إن هذا العمل بالمقاييس الظاهرة وما يحتمل أن يترتب عليه من المهالك أمر عظيم ولا شك.
ولكن الرجل الصالح ينظر إلى المسألة من زاوية أخرى، بناء على الحكمة العليا والمصلحة الآجلة، وتطبيقًا للقاعدة الشرعية المتفق عليها بين العلماء الربانيين "يتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأقوى" فيذكر موسى عليه السلام {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} . وتهدأ نفس موسى عليه السلام ويذكر العهد الذي قطعه على نفسه بعدم الاعتراض والاستفسار، حتى يكون الخضر هو البادئ بالتوضيح والبيان، وتطمئن نفسه إلى أن صاحبه ليس كسائر الأصحاب، وإنما هو رجل رباني على جانب من العلم لا يعمله موسى.
١ أسدل الستار على فتى موسى من وقت اللقاء، وسيقت القصة بأسلوب المثنى مما يدل على أنه لم يكن مع موسى والرجل الصالح أثناء الرحلة، وأغلب الظن أن موسى أمره بالعودة إلى موطنه، لأن مدة الرحلة لم تكن معلومة لديه، ولعل عدم ذكر موسى له عند اللقاء بالرجل الصالح أمارة على أن الأمر كله من الأسرار الربانية بين موسى وربه عز وجل.
ومرة أخرى نتساءل: كيف ينسى موسى عليه السلام في هذا الموقف الدقيق العهد على الرغم من استمرار الصحبة، وحصول العلم الراشد الذي يتوقع أن يتعمله منها مبني على عدم الاعتراض والاستفسار؟!
نقول في الجواب كما قلنا في الحكمة في نسيان الحوت، ليعلم الإنسان أن تحصيل أي علم مهما صغر أو كبر، واستمراره وبقاءه مهما طال الوقت أو قصر، مرتبط بمشيئة الله تعالى وإرادته، ولا يمكن أن يحصل شيء من ذلك إلا بتوفيقه ورضاه.
وبعد اعتذار موسى عليه السلام عن نسيانه، وطلبه السماح من صاحبه بالتغاضي عما بدر، وأن لا يحاسبه عليه فيشق عليه الأمر، ويرهق من أمره. انطلقا فمرا على مجموعة من الغلمان يلعبون، فرأى الخضر غلامًا هو أضوؤهم وجهًا وأحسنهم مظهرًا، فتقدم إليه واجتز رأسه فاقتلعه، وأزهق روحه.
لقد كان أمر السفينة إتلافًا ماليًا مباشرًا، وإغراق الركاب بقي في حدود الاحتمال، أما هنا في حادثة الغلام، فإن القتل قد حصل وإن النفس قد أزهقت، والغلام لم يبلغ الحلم ليقال: إنه أخذ بجريرة سابقة -لم يعلمها موسى- حتى لو ارتكب الغلام جريمة قتل قلا قصاص عليه لأن القلم رفع عن الصغير حتى يبلغ، فلا توجد شريعة سماوية تبيح قتل مثل هذه النفس مهما كانت الاحتمالات والتأويلات للأسباب الظاهرة لذا كان انفعال موسى عليه السلام أشد من السابقة، وكان احتجاجه أقوى.
ولئن كانت الأولى نسيانًا، فلا نسيان هنا، وإنما هو العمد والقصد كما قال خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، "فكانت الأولى من موسى نسيانًا، والثانية عمدًا، والثالثة فراقًا" ١. {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} إنه إنكار معلل، لأن قتل النفس البريئة لا يجوز في أي شريعة ولا تحتمله العقول
١ صحيح البخاري، كتاب التفسير ٥/ ٢٣٣.
السليمة، وبعد سفك دم، بدون وجه حق، وهو من الإفساد في الأرض عند جميع العقلاء.
وإلى جانب تذكير الخضر له بعهده ووعده، يقابل شدة موسى بشدة مثلها واحتجاجه المعلل بصرامة وعنف. {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} ألم أقل لك أنت بالذات يا موسى، وليس لغيرك، مع ذلك تعترض علي المرة تلو الأخرى.
وعاد إلى نفس موسى عليه السلام هدوءها مرة أخرى، وتذكر أن المقاييس التي يحتكم إليها الرجل الصالح غير المقاييس الظاهرة التي ينطلق منها موسى عليه السلام وأنه ينظر من أفق غير الأفق الذي ينظر منه موسى، وتذكر أنه قال له في بداية الرحلة: "إني على علم من الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه" ١.
عندئذ حصلت القناعة التامة لموسى عليه السلام أن لا مجال للوصول إلى هذا العلم إلا بما يهيئه الله سبحانه وتعالى للعبد، وأن الطريق الكسبي إلى أسسه وقواعده المطردة مسدودة، وأن النماذج التي رآها -وإن لم يعلم تأويلها وحقائقها بعد- كافية لإعطائه أمثلة صالحة من هذه العلوم التي استأثر الله بعلمها {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: ٣٤] .
عند ذلك قال له موسى: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} .
"رحمة الله علينا وعلى موسى، لو صبر على صاحبه لرأى العجب، ولكن أخذته ذمامة ٢، فقال ذلك" ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغب موسى عليه السلام في الفراق لا رغبته عن الصحبة، وإنما أخذه الحياء من تصرفاته مع الرجل
١ المرجع السابق.
٢ الذماء: الحياء. وانظر المرجع السابق.
الصالح، وكأنه لا يملك من نفسه إلا الاعتراض والاحتجاج. وخاصة بعد حصول القناعة بنوع هذا العلم، وتقديم النماذج الصالحة، وسواء كثرت هذه النماذج أو قلت فلن تمكن موسى من أخذ زمام هذا العلم والمبادأة بتصرفات شبيهة بتصرفات الرجل الصالح. فما دام الأمر كذلك فليعد إلى مجاله وإلى شغله في بني إسرائيل ليؤدي فيهم رسالة ربه.
ولكن ليس من الأدب انسحاب الطالب وكأنه يرغب عن معلمه، وإنما ليعط المبرر للأستاذ في اتخاذ قرار الفراق، فعلق الفارق على واقعة أخرى يظهر فيها عدم صبر موسى عليه السلام، وتأتي الحادثة غير بعيد، ونجد موسى عليه السلام يسارع إلى الاعتراض علمًا أن ظاهر الأمر لا يقتضي الاعتراض، لأنه لا مفسدة مالية ولا بدنيه، بل هو معروف وإصلاح، وكل ما في الأمر أن ظاهره معروف لأناس لا يستحقونه.
ومع ذلك نجد موسى عليه السلام يسارع إلى الاحتجاج {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} .
وقبل أن أدع العرض الإجمالي لهذه الفقرة أحب أن أناقش أقوال المفسرين في الدوافع التي جعلت موسى عليه السلام يحتج المرة تلو المرة على الرجل الصالح على الرغم من عهده بعدم السؤال والاستفسار ناهيك عن الاعتراض والاحتجاج؟! ولئن كانت الأولى نسيانًا، فما توجيه المرة الثانية والثالثة، ولم يكن هناك نسيان؟ أليس في ذلك ما يؤخذ على موسى عليه السلام ويؤثر على جانب العصمة فيه.
لعل أبرز التوجيهات التي ذكرت في هذا الصدد ثلاثة:
أولها: الجانب النفسي لموسى عليه السلام
ويقصد بذلك طبيعة موسى عليه السلام التي تربى عليها، فقد فتح عينيه في بيت عزة وأبهة وملك، وترعرع على ذلك، والإنسان ابن بيئته، فقد كان العنفوان والحدة يسري في دمه، وانعكس ذلك على تصرفاته قبل النبوة وبعدها:
ففي حادثة انتثاره للإسرائيلي وضربه القبطي يظهر جانب من هذه الشدة: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: ١٥] .
وفي حادثة توجهه إلى الإسرائيلي في اليوم التالي وقد استنجد به ثانية {قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ، فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} [القصص: ١٨، ١٩] .
وبعد النبوة نلحظ هذه الشدة في تصرفاته، فلما رجع إلى قومه ووجدهم يعكفون على عبادة العجل، ووجد أخاه هارون بين ظهرانيهم لم يتخذ حيالهم إجراء حاسمًا، ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف: ١٥٠، ١٥١] .
وفي سفره مع الرجل الصالح {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} ، {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} .
إنه يمثل ذاك النموذج من الرجال المخلصين الذين تأخذهم الحدة عند مجابهة الأحداث المخالفة لما يرونه الصواب والحق، ولكن سرعان ما يراجعون أنفسهم عندما يذكرون بالحق ويظهر لهم الصواب.
فموقفه من تصرفات الرجل الصالح كان من أثر التكوين الشخصي لنفس موسى عليه السلام، وحدة مزاجه، فلا يستطيع إلا أن يقول ما يعتقده الحق مهما كانت الظروف.
ثانيها: صدمة المفاجأة وهول الحادث
كثيرًا ما تكون الآراء والمواقف النظرية بمنأى عن التطبيق العملي، فكم من طالب علم أخذ دروسًا في علم البيان ومقومات الخطابة وآدابها، فلما تولى إلقاء خطبة في محفل أو على منبر خانته معلوماته وتطايرت الأفكار من ذهنه. وارتجفت منه الأقدام وتلعثمت الشفاه فجاء بها مفككة العبارات ركيكة الجمل.
وكم من باحث تلقى مبادئ الكتابة والتأليف وطريقة جمع المادة العملية وترتيبها والتوثيق من المراجع العلمية وتخريج الأحاديث النبوية من مظانها، بل قد ينتقد الآخرين لعدم التزامهم بالمنهج العلمي في ذلك، فلما كلف بكتابه مقالة أو بحث انهارت الأسس التي كان يبني عليها آراءه ونقده، ويشهد ميلاد بحث لا يطلق عليه اسم التأليف إلا تجوزًا.
وهكذا في الحياة العملية، فالتاجر الذي يأخذ معلوماته وخبرته من كتب علم التجارة يصطدم بعقبات قد تودي بثروته عند النزول إلى الأسواق.
والجندي الذي يأخذ ثقافته العسكرية عن السلاح واستخدامه في الكلية النظرية قد يدفع حياته أو حياة زملائه ثمنًا للتجربة الأولى على السلاح.
ومن هذا القبيل ما جرى لموسى عليه السلام، فقد قطع على نفسه العهد بأن لا يسأل -وبالأولى أن لا يعترض- حتى يكون الرجل الصالح هو البادئ بالشرح والبيان ولكنه عندما خرج إلى التجربة العملية، ورأى أمام عينه هذا التخريب والإفساد -حسب الظاهر- نسي وعده واستنكر.
يقول سيد قطب -رحمه الله: "لقد نسي موسى ما قاله هو، وما قاله صاحبه أمام هذا التصرف العجيب الذي لا مبرر له في نظر المنطق العقلي، والإنسان قد يتصور المعنى الكلي المجرد، ولكنه عندما يصطدم بالتطبيق العملي لهذا المعنى، والنموذج الواقعي منه يستشعر له وقعًا غير التصور المجرد، وها هو ذا موسى الذي نبه من قبل أنه لا يستطيع صبرًا على ما لم يحط به خبرًا، فاعتزم الصبر واستعان بالمشيئة وبذل الوعد وقبل الشرط، ها هو ذا يصطدم بالتجربة العملية لتصرفات هذا"
الرجل فيندفع مستنكرًا "١."
ورغم وجاهة التعليل الذي ذكره سيد قطب رحمه الله تعالى ومطابقته للحادثة الأولى، فإن المفاجأة تفقد صدمتها عندما تتكرر، وخاصة عند التذكير بالوعد المرة تلو المرة، كما أن التجربة تكسب الخبرة، فلا يتماشى هذا التعليل مع الحادثة الثانية والثالثة. ولئن كانت الأولى نسيانًا واندهاشًا بهول الحادثة، فقد كانت الثانية عمدًا، والثالثة رغبة في الفراق.
فلا بد من مبرر منطقي يستمسك به موسى عليه السلام ودافع شرعي يمنعه من السكوت على ما يشاهده أمامه.
ولعلى هذا السبب دفع بعض المفسرين ليقولوا توجيهًا آخر.
١ في ظلال القرآن ٦/ ٢٢٧٩.
ثالثها: مبادئ شريعة التوراة
ذهب بعض المفسرين إلى أن موقف موسى عليه السلام من الاعتراض على الحوادث التي يخالف ظاهرها شريعة التوراة، منسجم تمام الانسجام مع أحكام التوراة، ولو لم يقف هذا الموقف لكان مؤاخذًا بموجب شريعته.
يقول البقاعي: "من العهد الوثيق المكرر في جميع أسفار التوراة بعد إثباته في لوحي الشهادة في العشر كلمات -التي نسبتها من التوراة كنسبة الفاتحة من القرآن- بالأمر القطعي أنه لا يقر على منكر" ١.
فإنكار المنكر في حينه ركن من أركان الدين ولا يجوز السكوت عليه، ولما ترك بنو إسرائيل هذا الركن من شريعتهم استحقوا لعنة الله على لسان أنبيائهم {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: ٧٨، ٧٩] .
ولا يقال: لكن موسى عليه السلام أعطى وعدًا وقطع عهدًا على نفسه بعدم
١ نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي: ١٢/ ١١١.
الاستفسار والمعارضة لما يرى أو يسمع خلال مصاحبته للرجل الصالح؟! لا يقال ذلك، لأن مخالفة ظاهر الشريعة غير داخلة في الوعد، فلو تم العقد والالتزام بين طرفين على اشتراط شرط مصادم لنص من الكتاب والسنة أو لحكم شرعي متفق عليه كان هذا الشرط باطلًا، ومن الفقهاء من يرى فساد العقد، ومنهم من يرى سريان العقد وبطلان الشرط. كما في حادثة بريرة واشتراك بائعيها أن يكون لهم الولاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم في شأنها: "من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له وإن شرط مائة مرة، شرط الله أحق وأوثق" ١، أي لا تقره الشريعة.
هذا في شريعتنا وما يدل عليه ظاهر الأمر أن ذلك كان مقررًا في شريعة موسى عليه السلام، يقول البقاعي: "على أنه -أي موسى عليه السلام- لو لم ينس لم يترك الإنكار، كما فعل عند قتل الغلام، لأن مثل ذلك غير داخل في الوعد لأن المستثنى شرعًا كالمستثنى وضعًا" ٢، ويقول في موضع آخر من كتابه: "فكل منهما -موسى والخضر عليهما السلام- صادق فيما قال موف بحسب ما عنده، أما موسى عليه السلام فلأنه ما خطر له قط أن يعاهد على أن لا ينهي عما يعتقده منكرًا، وأما الخضر فإنه عقد على ما في نفس الأمر لأنه لا يقدم على منكر" ٣.
١ رواه البخاري في كتاب المكاتب ٣/ ١٢٧.
٢ انظر نظم الدرر ١٢/ ١١١.
٣ المرجع السابق ١٢/ ١١٢.
الفراق بعد تأويل التصرفات الغريبة
{قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} .
لقد حان وقت الفراق، كما طلب موسى عليه السلام عند اعتراضه على قتل الغلام، وعند شعوره بأن لا جدوى من الاستمرار، فلن يتمكن من هذا العلم إلا ما يطلعه عليه الرجل الصالح -كما تقدم- ولكنه تحقق من مجالات العلم الذي لا يحيط به أحد غير الله عز وجل، وأن الأمور جارية في هذا الكون بقتضى الحكمة الإلهية وحسب موازين ربانية منضبطة.
ولكيلا يتركه العبد الصالح في حيرة من أمره، وكما وعده في بداية الأمر أنه
سيحدث له ذكرًا لهذه التصرفات، بدأ بوفاء وعده، وذكر الأسباب التي دفعته إليها: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} .
إن الأمر في غاية الوضوح عند المطلع على الأسباب الحقيقية الخفية.
إن هذا التصرف -الذي كان ظاهره إلحاق الضرر بأهل السفنية- كان في الحقيقة لصالحهم، لقد كانت سفينتهم معرضة للحجز والغصب، ولو تركت سليمة لخسروها تمامًا وفاتتهم بالكلية، فإلحاق خرق بها وهو ضرر محتمل في سبيل دفع ضرر أكبر شيء تقول به بدهيات العقول، وتستسيغه جميع النفوس بل يكون هذا التصرف من أعظم الإحسان إلى أصحاب السفينة، مقابل إحسانهم بحملنا من غير أجر.
ولم ينتظر الخضر من موسى جوابًا وإقرارًا على ما يقول، فإن الأمر من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تردد أو جدال.
{وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} .
"لقد كان الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرًا" ١، وكان الأبوان المؤمنان الصالحان متعلقين بهذا الغلام تعلقًا شديدًا، إنها عاطفة الأبوة، وحقيقة حال الغلام غير ظاهرة لهما، فلو استمر الغلام بينهما على قيد الحياة لأوردهما المهالك، فلا يملكان رده عن غيه وكفره ولا يتحكمان في قلبيهما لهجرة ومقاطعته.
إن حزن ساعات وأيام خير لهما من نار جهنم، والعوض الذي وعدا به كفيل أن يسدل الستار على ذكرى هذا الغلام التعيس الشقي.
{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢١٦] .
ومن ينظر بنور الله وببصيرة المؤمن يتلمس جوانب الخيرية في كل ما يصيبه
١ انظر صحيح مسلم كتاب الفضائل ٧/ ١٠٧.
في دنياه، وفي توجيهات المصطفى صلى الله عليه وسلم "عجبت للمؤمن إن الله لم يقض قضاء إلا كان خيرًا له" ١.
ولا يعترض معترض: إن الغلام لا يطلق إلا على من كان دون سن البلوغ، فكيف يحكم بكفره؟ وقد ذهب جمهور أهل السنة والجماعة إلى أن الأطفال دون البلوغ، لا يوصفون بالكفر والإيمان حقيقة، وأنهم إذا ماتوا دون البلوغ كانوا من أهل الجنة، على خلاف في التفاصيل الفرعية بينهم؟!
أقول إن قول أهل السنة والجماعة تظاهره النصوص الكثيرة، وهو حكم عام وقاعدة أساسية، ولكن ما استثناه الدليل من القاعدة العامة يؤخذ به أيضًا، وقد ورد الدليل الصحيح أن الغلام قد طبع يوم طبع كافرًا، ولما أوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، وأن كل مولود بعد ذلك، أو كان موجودًا ولكنه لم يبلغ الحلم هو كافر، عمم الدعاء عليهم، وحكم بكفرهم جميعًا.
{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: ٢٦، ٢٧] . إن النص يقطع دابر الاجتهاد والاختلاف، فلا اجتهاد في مورد النص.
إذن فوجه المصلحة في الحادثة واضحة، وكان هذا القتل للغلام أكبر تكريم للأبوين الصالحين، وكان في نفس الوقت رحمة بهما وشفقة على حالهما، لأنهما لو أطلعا على حقيقة حال الغلام، فلربما كلفا بقتله بأيديهما، وفي ذلك من الإصر والشدة ما فيه.
{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} .
لقد كان الجدار لغلامين صغيرين فقدا حنان الأب ورعايته منذ الصغر، وكانا وديعتين لأب صالح استودعهما الله سبحانه وتعالى الذي لا تضيع ودائعه، وكان تحت الجدار كنز لهما، وكان الجدار آيلًا للسقوط، ولو ترك يسقط وحال الغلامين
١ انظر مسند الإمام أحمد ٣/ ١١٧.
على ما تقدم لضاعت ثروتهما، وبالتالي ضاع مستقبلهما وضاعت الوديعة، فكلف الله سبحانه وتعالى الخضر عليه السلام بالقيام برعاية مصالحهما في هذا الجانب أليس في هذا العمل إحسان ووضع للمعروف في موضعه؟ بل إهمال مصالح الغلامين وتعريضها للخطر يزعزع ثقة الصالحين الملتجئين إلى الله عز وجل بوعد ربهم.
{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} .
بهذا التنبيه وهذه الإشارة يودع الرجل الصالح موسى عليه السلام.
لقد كانت هذه التصرفات تجاه هذه الوقائع أمرًا من الله تعالى للعبد الصالح ولم يكن تصرفًا ناشئًا عن اجتهاده.
وكأن هذه الأحداث قد اختيرت بالذات لمشابهتها لأحداث شبيهة وقعت لموسى عليه السلام، وكانت له مواقف حيالها من غير أن يتلقى في ذلك أمرًا بالتصرف.
- لقد كان لموسى واقعة مع التابوت واليم، وكانت المخاطر تحيط به من كل جانب، ولكن المخاطر كانت سببًا في نجاته من بطش فرعون وجنوده فالذي نجى التابوت من الغرق وألقى به إلى الساحل هو الذي أنقذ سفينة المساكين من استيلاء الملك الظالم عليها.
- ولقد كان لموسى تجربة مع قتل نفس من غير أن يوحى إليه في ذلك، فلما ندم على فعلته تولاه ربه بواسع مغفرته {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ، قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: ١٥-١٧] .
- وتقديم المعروف من غير عوض قد فعله موسى عليه السلام مع ابنتي شعيب عليه السلام ولم يطلب منهما أجرًا {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: ٢٤] .
لقد أزاح الخضر عليه السلام ثقل التساؤلات عن قلب موسى عليه السلام بذكر حقيقة الدوافع إلى هذه التصرفات.
ويختفي الخضر عليه السلام ويسدل الستار على القصة، وفي النفس من عمق التأمل في الحقائق الكامنة في الغيب وراء الأحداث المشاهدة الشيء الكثير.
ويسرح الخيال مع وقعات أقدام موسى عليه السلام في طريق العودة إلى بني إسرائيل وقد عاد من رحلته بعلم نفيس، وكنز وفير من الحقائق اللدنية ليتم مسيرة الكفاح والجهاد مع بني إسرائيل.
العظات والعبر من فقرة الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة
مدخل
العظات والعبر من فقرة الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة
١- المكلف ملزم بتطبيق ما يدل عليه ظاهر الشرع، والمحاسبة أو المؤاخذة تكون حسب موقف المكلف من دلالة النصوص الظاهرة في اعتقاده، أما حقائق الأشياء ومآل الأحداث فليس مكلفًا بها لأنها في علم الغيب. لذا لو غلب على ظن المكلف أمر ما فتصرف بناء على ما ترجح لديه، ثم تبين له أن الصحة والصواب كان على خلاف ذلك لم يأثم في تصرفه، وإن ترتب على تصرفه أضرارًا بالغير تحمل هذا الضرر من غير مؤاخذة أخروية.
٢- من كمال الحكمة الربانية وعظيم رحمة الله بعباده أن يستعمل نبيين كريمين مثل موسى والخضر عليهما السلام في حفظ مصالح الغلامين اليتيمين، ليلجأ عباده إليه ويتوكلوا عليه حق التوكل، فإن الله لا تضيع عنده الودائع، كما أن في ذلك حفظ مصالح الذرية بصلاح الآباء.
٣- الالتزام بالأدب القرآني الرفيع في المخاطبة والمحادثة:
- فلما كان خرق السفينة عيبًا في الظاهر، لا صلاح فيه، نسبه الخضر إلى نفسه فقال: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} .
- ولما كان أمر الغلام فيه جانبان: القتل، والإبدال بأفضل منه، أسنده إلى ضمير الجمع {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} .
- ولما كان إقامة جدار الغلامين خيرًا محضًا، نسبه إلى الله سبحانه وتعالى: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} . علمًا أن الأفعال على الحقيقة كلها لله، وبأمر منه {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} .
وهذه الآداب نجدها بكثرة في الأسلوب القرآني وفي السنة النبوية المطهرة وهي ذات إيماء عميق في النفس البشرية.
تعقيبات وتعليقات
قبل الانتقال من هذا المقطع أرى لزامًا أن أتعرض لثلاث نقاط كثر فيها كلام المفسرين.
أولاها- نبوة الخضر عليه السلام:
اختلف العلماء في نبوة الخضر عليه السلام، فمنهم من قال: إنه نبي، ومنهم من قال: إنه رجل صالح وولي من أولياء الله تعالى.
أستند القائلون بنبوته على جملة من الأدلة منها:
١- قوله تعالى: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} والمراد بالرحمة النبوة بدليل قوله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّك} [القصص: ٨٦] . والرحمة المنزلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم النبوة.
ولكن يرد على هذا القول أن كلمة "رحمة" ومشتقاتها ذكرت في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة مرة، للدلالة على النعم الإلهية في مختلف مجالات الحياة ومنها نعمة النبوة، فالنبوة رحمة لا شك في ذلك، ولكن لا يلزم أن تكون كل رحمة نبوة.
قال البقاعي: قال الحراني: المراد بالرحمة في {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} ما ظهر من كراماته وبالعلم الباطن الخفي المعلوم قطعًا أنه خاص بحضرته سبحانه١.
٢- قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} يقتضي أن الله سبحانه وتعالى علمه بغير واسطة، فلا معلم له من البشر ومن كان هذا شأنه لا بد أنه قد تلقى
١ انظر: نظم الدرر: ١٢/ ١٠٦.
علمه بوحي من الله تعالى، وكذلك قول الخضر في نهاية تأويل الأحداث {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} فيدل على أنه أوحي إليه للقيام بهذه التصرفات.
وهذا أيضًا ليس نصًا قطعيًا في الدلالة على نبوته، فقد ثبت قوله عندما التقي بموسى عليه السلام: إني على علم لا ينبغي لك أن تعلمه.
فهو عبد من عباد الله الصالحين الذين أكرمهم الله سبحانه وتعالى بهذا العلم اللدني الخاص، ولا مانع أن يتلقى ذلك عن طريق الإلهام والمكاشفة.
٣- في قول موسى عليه السلام له {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} قد جعل نفسه تابعًا للخضر والنبي لا يتبع غير النبي في التعليم، لأن في تبعيته لغيره من غير الأنبياء إنزالًا لمكانته، ولا يليق لكونه القدوة في قومه.
وهذا أيضًا غير مسلم به لأن تابعية النبي لغيره لا تصح فيما أصبح باعتبارها نبيًا، أما في غيرها من العلوم الكونية والتجريبية والغيبية فلا مانع من التبعية.
٤- واستدلوا بطريقة الخضر في مخاطبة موسى حيث أبدى له الترفع والتعزز بالعلم الذي عنده، بينما نجد تواضع موسى الشديد، فلو لم يكن نبيًا لما تواضع له موسى هذا التواضع الجم.
وهذا أيضًا مردود لأن موسى عليه السلام أفضل وأعلى مكانة من الخضر عليه السلام على كل الاحتمالات، فإنه نبي مرسل من أولي العزم من الرسل، والخضر مختلف في نبوته، ولم يقل أحد ممن يعتد برأيه إنه رسول.
أما تواضع موسى عليه السلام له فإنه من باب تقدير العلم، وخفض الجناح للعلماء، وهضم حظ النفس، وقد خوطب سيد ولد آدم وأفضل الأنبياء والمرسلين بقول الله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ٢١٥] فالتواضع وخفض الجناح لا يدل على أفضلية المتواضع له.
٥- واستدلوا بما ورد في الحديث، أن موسى عليه السلام عندما التقى به قال: السلام عليك، قال: وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل، فقال موسى عليه السلام: من عرفك هذا؟ قال: الذي بعثك إلي.
قالوا: وهذا يدل على أنه عرف ذلك بالوحي، والوحي لا يكون إلا مع النبوة والجواب عن هذا كالجواب عن الدليل الثاني {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} لأن ذلك قد يكون عن طريق الإلهام أو المكاشفة١.
وعلى الرغم من ورود هذه الاحتمالات على هذه الأدلة، والقاعدة تقول: "إذا ورد على الدليل الاحتمال بطل به الاستدلال" فإني أرجح قول القائلين بنبوته والوحي إليه.
وذلك لأن الإلهام والمكاشفة لا يبنى عليهما حكم شرعي، ولا يجوز للولي العمل بمقتضاهما إذا خالفهما ظاهر الشريعة، لعدم العصمة.
بينما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فمعصومون من تسلط الشياطين عليهم أو التدخل فيما يوحى به إليهم أو يلهمونه، فإلهام الأنبياء والنفث في روعهم، وما يرونه أثناء النوم كل ذلك دليل شرعي تبنى عليه الأحكام الشرعية إلى جانب الوحي بواسطة جبريل عليه السلام إليهم، لذا كان إقدام إبراهيم عليه السلام على ذبح ولده إسماعيل بناء على ما رآه في منامه، حكمًا شرعيًا لازمًا لا مناص من تنفيذه {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: ١٠٢] .
وإقدام الخضر عليه السلام على إتلاف المال وقتل النفس لا بد أن يكون بناء على دليل يقيني لا يتطرق إليه الشك. ولا يكون هذا إلا لنبي من الأنبياء المعصومين من التلبيس والإلقاء والتشويش الذي قال الله سبحانه وتعالى في شأن صون ما يوحي به إليهم {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: ٢٦-٢٨] .
١ انظر: تفاصيل الأدلة وما ورد عليها في فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني: ٦/ ٣١٠ وما بعدها.
ثانيها- موت الخضر عليه السلام:
اختلف العلماء في موت الخضر عليه السلام:
ذهب جمهورالعلماء من المحدثين والفقهاء إلى موته، واستدلوا على ذلك بما يلي:
١- ظاهر قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: ٣٤] .
وكلمة بشر نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، والخضر عليه السلام داخل في هذا العموم.
٢- قول الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض" ١. فلو بقي أحد غيرهم على الأرض لما صح في الإطلاق، فدل على أن لا أحد غير المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يعبد الله على وجه الأرض على الشكل الصحيح.
٣- حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته -وفي رواية قبل موته بشهر- فلما سلم قام فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد" ٢.
٤- لو كان الخضر حيًا لآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ونصره وقاتل معه ولحضر الجمعة والجماعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان موسى حيًا لما وسعه إلا اتباعي" ٣. وقد أخذ الله سبحانه وتعالى الميثاق على النبيين وأممهم أن يؤمنوا برسول الله وينصروه، إذا أدركوا زمن بعثته كما في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِه
١ انظر: صحيح مسلم كتاب الجهاد: ٥/ ١٥٦.
٢ انظر: صحيح البخاري كتاب العلم: ١/ ٣٧.
٣ مسند الإمام أحمد: ٣/ ٣٨٧.
وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: ٨١] .
ولم يثبت بطريق صحيح مجيء الخضر عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما روي في ذلك من روايات لا يسلم من الطعن والضعف.
وذهبت طائفة من العلماء إلى أن الخضر عليه السلام حي، وهو من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أبرز القائلين بذلك: الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم١، والقرطبي في تفسيره٢، وابن الصلاح الشهرزوري في فتاواه٣، والنقاش وجهور الصوفية٤.
واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما يلي:
١- ذكر ابن عبد البر في "التمهيد" عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجي بثوب، هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون صوته ولا يرون شخصه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته السلام عليكم أهل البيت {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت} الآية، إن في الله خلفًا من كل هالك، وعوضًا من كل تألف وعزاء من كل مصيبة، فبالله فثقوا وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.
فكانوا يرون أنه الخضر عليه السلام، يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم٥.
٢- أخرج الخطيب وابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال: بينا أن أطوف بالبيت إذا رجل متعلق بأستار الكعبة يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا تغلطه المسائل، ويا من لا يتبرم بإلحاح الملحين، أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك، قلت: يا عبد الله أعد الكلام، قال: أسمعته؟ قلت: نعم، قال: والذي نفس الخضر بيده -وكان هو الخضر- لا يقولهن عبد دبر الصلاة المكتوبة إلا
١ انظر: شرح النووي على صحيح مسلم: ١٥/ ١٣٥.
٢ انظر: تفسير القرطبي المسمى بالجامع لأحكام القرآن: ٥/ ٤٠٨١.
٣ انظر فتاوى ابن الصلاح: ١/ ١٨٥.
٤ انظر: تفسير الألوسي المسمى روح المعاني: ١٥/ ٣٢٨.
٥ انظر: فتح الباري: ٦/ ٣١١، والألوسي: ١٥/ ٣٢٢، والمستدرك للحاكم: ٣/ ٥٨.
غفرت ذنوبه، وإن كانت مثل رمل عالج وعدد المطر وورق الشجر١.
٣- روى الدارقطني في الأفراد وابن عساكر عن ابن عباس أنه قال: الخضر ابن آدم لصلبه ونسيء له في أجله حتى يكذب الدجال.
٤- في التعليق على الحديث الوارد في صفة الدجال -وهو في صحيح مسلم- قال: "يأتي وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس -أو من خير الناس- فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر" الحديث. قال أبو إسحاق: يقال: إن هذا الرجل هو الخضر عليه السلام٢.
٥- مشاهدات الناس له في كل عصر ولقاؤهم به في أنحاء الأرض يؤكد استمرار حياته.
والذي يميل إليه القلب، أن أمور الكون تجري على سنن مطردة وإثبات خرق سنة كونية، لا بد له من دليل ثابت قطعي، إما بالمشاهدة المحسوسة أو بالاتصال إلى المعصوم عليه الصلاة والسلام والروايات التي استدل بها القائلون بحياة الخضر عليه السلام لا يتوفر فيها شرط الصحة -فضلًا عن الثبوت القطعي- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرواية ابن عبد البر، قال عنها ابن كثير: إسنادها ضعيف.
والروايات الأخرى ليست مسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن حكايات العامة لا تقوم بها حجة، ولا تثبت بها وبالروايات الضعيفة خارقة لسنة كونية في امتداد عمر إنسان آلاف السنوات. والله أعلم.
ثالثها- قصة الخضر مزلقة قدم:
قصة موسى والخضر عليهما السلام كانت ولا تزال مزلقًا لأقدام كثير من السفهاء والجهلة والزنادقة، حيث ذهبوا إلى الاستدلال بما فعله الخضر عليه السلام
١ انظر: روح المعاني: ١٥/ ٣٢٢ ونسبه إلى الخطيب وابن عساكر.
٢ أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان الفقه، راوي صحيح مسلم، انظر الحديث في صحيح مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة: ٨/ ١٩٩.
على التفلت من ظواهر أحكام الشريعة وادعوا أنها خاصة بالأنبياء والعوام، أما الخاصة من الأولياء، فإنهم تتجلى لقلوبهم التي خلت من الأغيار الحقائق، فيتصرفون على ضوء هذه الحقائق ولا يتقيدون بالظواهر، ويستدلون على زندقتهم بأفعال الخضر التي كانت مخالفة لظواهر الشريعة.
وأجمع العلماء على أن مثل هذا القول كفر وزندقة وهذا يقتل قبل أن يستتاب أو تعرض عليه التوبة، فإن أصر قتل، على خلاف في ذلك.
يقول الإمام القرطبي: "وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب، لأنه إنكار ما علم من الشرائع، فإن الله قد أجرى سنته وأنفذ حكمته بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه، وهم المبلغون عنه رسالته وكلامه، المبينون شرائعه وأحكامه، اختارهم لذلك، وخصهم بما هنالك، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ، وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: ٢١٣] ، وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي، واليقين الضروري، واجتماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه، ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل، فمن قال: إن هناك طريقًا آخر يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل، بحيث يستغني عن الرسل فهو كافر، يقتل ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب، ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام، الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله فلا نبي بعده ولا رسول، وبيان ذلك أن من قال يأخذ عن قلبه، وأن ما يقع فيه حكم الله تعالى، وأنه يعمل بمقتضاه، وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة، فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة فإن هذا نحو ما قاله عليه الصلاة والسلام:" إن روح القدس نفث في روعي "١ الحديث٢."
١ انظر: كلام القرطبي في تفسيره: ٥/ ٤٠٨٠.
٢ وانظر حديث "إن روح القدس نفث في روعي" في مجمع الزوائد للهيثمي: ٤/ ٧٢ وعزاه إلى الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة.
القيم من خلال قصة موسى والخضر عليهما السلام:
إن القيمة الأساسية التي يدور حولها المقطع الرابع وأحداث هذه الرحلة والصحبة هو "العلم" ، ولئن كانت القيم الصحيحة في المقاطع السابقة تقابل بأخرى داخلة فيها التمويه والزيف، فيراد كشف بهرجها وزيفها بإلقاء أنوار القيم الصحيحة عليها لإذابة ذاك الزيف والدجل عنها. فإن الأمر مختلف في هذا المقطع.
إن العلم يعرض هنا على أنه قيمة صحيحة ولكن له مظهران: ظاهر وخفي وينبغي أن لا تحجبنا وسائلنا التي نطلع بواسطتها على الجانب الظاهري عن التسليم بوجود الجانب الخفي الذي أحاط الله سبحانه وتعالى به.
إن العلوم التي بلغها الأنبياء والمرسلون لأممهم وأقاموا صرح الحضارات الإنسانية عليها علوم أساسية لم تستغن عنها البشرية في أي مرحلة من مراحل وجودها. وكانت واسطة العقد في هذه الرسالات السماوية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث ختمت به وبرسالته النبوات {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠] .
وإلى جانب العلوم المستمدة من الوحي الإلهي فهنالك العلوم التجريبية، التي تشكل حصيلة الجهد البشري على مر القرون للتعرف على سنن الله في الكون، للارتقاء بالوسائل التي يستخدمها الإنسان في حياته وتعامله.
وهذه العلوم كلها تكتسب بالجهد البشري، ولوسائل المعرفة من الحواس وغيرها دور في تنميتها والاستزادة منها.
ووراء كل ذلك علم غير خاضع للجهد البشري ووسائله في التعرف والاستزادة وهو علم الغيب الذي تدار شئون الكون به، ومجاله الإيمان المطلق والتسليم لعالمه جل جلاله الذي أحاط بكل شيء علمًا. وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي
كِتَابٍ مُبِينٍ، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس: ٦١-٦٣] .
ولعل من وجوه الحكمة في تأخير ذكر هذه القصة بعد القصتين السابقتين في سورة الكهف، أن القيم الواردة في القصص الثلاث تتباين المدارك البشرية في التعرف عليها.
فالقصة الأولى -قصة الفتية الذين آواهم الكهف- التي اشتملت على ذكر السلطة الجائرة التي أدعت حق الألوهية وموهت على الناس الحقيقة، إن بطلان هذه الدعوى يدركه العقل السليم مهما كان المستوى الثقافي لصاحبه، لأنه أمر مخالف لبدائه العقول وفطرة الإنسان.
بينما لا تدرك جميع العقول القيمة الزائفة في القصة الثانية -قصة صاحب الجنتين- فإن المال والجاه وكثرة الرجال، زينة الحياة الدنيا، ولا تدرك حقيقتها إلا العقول المهتدية بنور الإيمان.
أما القيمة الحقيقية للعلم بمظهره الظاهر والخفي، علم الشرائع والعلم اللدني لا يدرك حقيقته إلا أهل البصائر من المؤمنين الراسخين الذين لا تزعزع إيمانهم الأسباب الظاهرة والنتائج المحتملة، بل يرون خلف الأسباب والمسببات يد القدرة الإلهية والحكمة العليا التي تتجلى فيها حقائق أسماء الله الحسنى وصفاته العلى.
لذا فإننا نقول إن المقابلة هنا في قصة موسى والخضر عليهما السلام ليست مقابلة بين قيم زائفة وأخرى حقة، كما كان الحال في قصة أصحاب الكهف وقصة صاحب الجنتين، بل المقابلة بين قيم صحيحة ظاهرة وقيم صحيحة أخرى غيبية في علم الله المحيط بالحقائق ومآل الأمور.
والمتمسك بالعلم الظاهر محمود الفعال والسلوك، وينبغي أن لا ينكر العلوم الخفية وخاصة إذا وجد من الظواهر الكونية ما لا يمكنه تعليله أو معرفة أسبابه الظاهرة أو إدراك وجه الحكمة فيه، وإنما يعيد العلم إلى الذي يعلم السر في السماوات والأرض.
مدخل
المقطع الرابع: الرحلة في طلب العلم
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا، فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا، قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا، قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا، قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا، قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا، أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا، وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [٦٠-٨٢]
المناسبات بين المقطع الرابع وما قبله
سبق أن ذكرنا في مبحث "المناسبات في السورة" أن قصة موسى والخضر عليهما السلام تتعلق بالهدف الأساسي لسورة الكهف من حيث الاستنكار على اليهود الذي زودوا وفد قريش بأسئلة تعجيزية ليتثبتوا -حسب زعمهم- من صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم به فسيقت لهم هذه الحادثة أن هذا المنهج ليس فهمًا صحيحًا في التثبيت من صدق النبي فهذا موسى عليه السلام من أعظم أنبياء بني إسرائيل وأكرمهم على الله تعالى، قد جهل ثلاث مسائل واحتاج إلى من يعلمه إياها، ولم يؤثر ذلك في مكانته العظيمة وفضله وسبقه وكونه من أولي العزم من الرسل.
فالقصة وثيقة الصلة -من هذه الزاوية- بهدف سورة الكهف وهو إثبات الرسالة، وبيان صدق الرسول.
ولكن ما مدى صلة هذه القصة بالعنوان الذي اخترناه "القيم في ضوء سورة الكهف" ؟ إن هذه القصة تمثل جانبًا مهمًا أيضًا في الزاوية التي نتناول منها السورة، فهي تمثل قيمة العلم الحقيقية، وتسوق نموذجًا فريدًا لما ينبغي أن يتحلى به طالب العلم والعالم من صفات، وحقيقة العلم الذي يحرص عليه وثمرته.
إن قصة أصحاب الكهف تناولت قيمة السلطة والسلطان.
وتناولت قصة صاحب الجنتين قيمة المال والرجال:
وتتناول هذه القصة قيمة العلم وحقيقته.
هذان وجهان للمناسبة بين هذا المقطع وبين هذه السورة والعنوان الذي تناولها تفسير السورة من خلاله.
فما أوجه المناسبة بين هذا المقطع وسابقه؟
هناك عدة أوجه للمناسبة بين هذا المقطع وسابقه، ومن الأوجه التي ذكرها المفسرون ما هو وثيق الصلة بالمقطع ومنها ما هو غير واضح الارتباط، وأذكر بعض الوجوه واضحة الارتباط والصلة بالمقطع السابق.
١- ذكر في المقطع السابق قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} .
وذكر في هذا المقطع لون من ألوان تصريف القول بأسلوب القصة والحوار وفيه من عظيم الحكم، والآداب والعظات والعبر الشيء الذي لا يحاط به، وسنورد جملة من ذلك عند العرض الإجمالي وفي مبحث العظام والعبر لهذا المقطع الرابع.
٢- ذكر في المقطع السابق قوله تعالى: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} وهو في سياق المؤاخذة على الإنسان الذي لا يستسلم لبراهين الحق وأدلة العقل، وظهور الحجة، ولولا هذه الطبيعة في الإنسان لتجاوب مع نداءات الفطرة التي فطر عليها، وللبى نداء العقل فلم يتخذ أولياء من دون الله سبحانه وتعالى، ولعادي إبليس وذريته، لأن العقل يفرض عليه ذلك، ولكنه أوتي الجدل فلا يستسلم لكل ذلك إلا بعد المجاهدة ومساندة دواعي الاستسلام.
وفي سياق قصة موسى والخضر عليهما السلام لون رفيع من ألوان التربية القرآنية وإلزام النفس الإنسانية حدودًا معينة في ترك الجدل ولو كان أمام واقعة ظاهرها الانحراف.
ولا شك أن هذا النوع من ترك الجدل أشد على النفس، لأن المأمور بالكف عن الجدل يرى الحق معه فكيف يصبر عن إظهاره ويسكت على خلافه ولعل هذا اللون التربوي الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أنا زعيم ببيت في ربض الجنة، لمن ترك المراء، وإن كان محقًا ..." ١ الحديث.
٣- ذكر في المقطع السابق بعض وسائل المعرفة في قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} .
إن وسيلة الإدراك الأصلية في الإنسان هو القلب الذي انفرد به الإنسان من بين سائر المخلوقات ونقصد بالقلب تلك الملكة المعنوية التي يستطيع الإنسان بواسطتها التمييز بين الحق والباطل والخطأ والصواب وهي وسيلة التحليل والتركيب والاستنباط والإقناع، وهي التي جاء التعبير عنها باللب والعقل والفؤاد والقلب وهي التي تأتيها الغشاوة والران أو الإبصار والإشراق وهي المرادة بقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦] .
ولهذه الملكة صلة وثيقة بالقلب المادي المكون من اللحم، وبالمخ في الرأس المكون من النخاع والأعصاب.
وهذا القلب يستمد معلوماته الأولية عن طريق الحواس الخمس وعلى رأسها السمع والبصر.
فبعد ذكر وسائل المعرفة في المقطع السابق، ذكر هنا أن هنالك علمًا لا يخضع لوسائل المعرفة المعهودة عند الناس، وإنما هو علم من لدن الله سبحانه وتعالى يقذفه في قلوب بعض عباده وأصفيائه، وإما إلهامًا أو وحيًا، لذا جاء تعظيم شأن هذا العلم بإسناده إلى ضمير العظمة مع التأكيد عليه بالمؤكدات العديدة {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} .
٤- ذكر في المقطع السابق أن مشركي قريش اتبعوا سنة من قبلهم من المكذبين الهالكين في طلب العقوبة الدنيوية العاجلة وذلك في قوله تعالى:
١ رواه أبو داود، انظر مختصر سنن أبي داود باب الأدب ٧/ ١٧٢، والترمذي بلفظ قريب. انظر: سنن الترمذي أبواب البر ٣/ ٢٤٢.
{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} .
وذكر أيضًا سنة الله سبحانه وتعالى في الأخذ في العاجلة أو الإرجاء إلى الآجلة وأن الخيرة في اختيار الله ومشيئته وإرادته وأمره، لو كان الإنسان مدركًا للحكمة العالية في تصريف شئون الكون، جاء ذلك في قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا} .
وذكر في هذا المقطع ثلاث وقائع كان ظاهرها أن العاجلة خلاف المصلحة، ولكن عندما كشف النقاب عن السر الإلهي في ذلك، وبرزت الحكمة الدافعة، اختلف التقدير والتقويم للتصرفات، فقد كانت النظرة الظاهرة تقضي بإبقاء السفينة على حالها وهو أفضل لمصلحة المساكين وترك الغلام على قيد الحياة أدخل للسرور على قلب والديه من قتله وترك الجدار الآيل للسقوط أليق بتصرف أهل القرية البخلاء اللئام عقوبة لهم. ولكن حكمة الله سبحانه وتعالى وإرادته وأمره كان خلاف هذه الظواهر العاجلة، فكانت الآجلة أفضل للمساكين، وأقوم للأبوين الصالحين، وأحفظ لليتيمين في القرية.
هذه الأوجه التي أراها أحكم من غيرها في الربط بين المقطعين، أما ما ذكره بعض المفسرين من ورود ذكر إبليس في المقطع السابق وذكر الشيطان في المقطع اللاحق. وذكر تمرد إبليس وتكبره عن سماع أمر ربه بالسجود لآدم فكانت عاقبته الطرد واللعنة، وعكس ذلك في قصة موسى عليه السلام حيث سمع أمر الله وأطاع وتواضع لله تعالى فذهب لتلقي العلم ممن هو دون شهرته ومكانته في قومه.
هذه الوجوه وغيرها أراها عابرة لا تخلو من التكلف. وفيما ذكرته الغنية والكفاية بإذن الله.
العرض الإجمالي للمقطع الرابع
ذكرت في مقدمات تفسير هذه السورة الكريمة أن الأسلوب العام في مقاطع هذه السورة هو أسلوب القصة، كما ذكرت أن القصص التي ذكرت في هذه السورة قصص فريدة، حتى قصة موسى فتعتبر فريدة من وجه لأنها تتعلق بالسيرة الذاتية لموسى عليه السلام وبمداركه العلمية وتلمذته على الرجل الصالح الذي علمه ربه من لدنه علمًا، أما القصص الأربع في سورة الكهف قصص فريدة في القرآن الكريم.
وذكرت أيضًا أن أسلوب القرآن الكريم في كثير من قصصه إغفال جزئيات كثيرة إما لعدم تأثيرها في السياق والعبر المستقاة من القصة، أو تشويقًا للسامع وإفساحًا لمجال فكرة وخياله لكي يملأ تلك الفجوات بالاحتمالات التي تخطر على باله، وفي ذلك تنشيط للذهن، وإثارة للتساؤلات لمتابعة الأحداث.
وتتبلور هذه الأسس في قصة موسى والخضر عليها السلام في أبرز صورة:
- فالدافع لموسى عليه السلام في اتخاذ قرار بالسفر إلى مجمع البحرين لا وجود له في ثنايا القصة.
- ونفاجأ بالقصة وأحداثها وبموسى وفتاه وهما على متن الطريق وقد شرعا في السفر، وهما يتبادلان الحديث حول الوصول إلى الهدف والتصميم على ذلك.
- والمكان الذي كان منه الانطلاق مجهول وكذلك مكان اللقاء بالعبد الصالح وزمانه ولئن ذكر مجمع البحرين فهو غير معلوم بالتحديد لأحد من المفسرين.
وقل مثل ذلك في زمان الحادثة هل كان قبل خروج بني إسرائيل من مصر، أو بعد الخروج، وهل وقع قبل التيه أو أثناءه.
- وهذا الفتى الذي رافق موسى عليه السلام من هو؟ ما دوره في مجريات الأحداث؟ ما مصيره بعد اللقاء بالعبد الصالح؟
- والعبد الصالح ما حقيقته؟ أنبي مرسل، أو ولي مكرم، أو عالم مطلع؟ وما المدة التي قضياها مصطحبين؟ وما وجهته ومصيره بعد الفراق؟ وجو الغموض والمفاجآت الذي يلف القصة من أولها إلى آخرها ملائم تمامًا للهدف منها، يقول سيد قطب رحمه الله تعالى في هذا الصدد: إن القوى الغيبية لتتحكم في القصة منذ نشأتها، فها هو ذا موسى يريد أن يلقى هذا الرجل الموعود، فمضى في طريقه، ولكن فتاه ينسى غداءهما عند الصخرة، وكأنما نسيه ليعودا فيجد هذا الرجل هناك.
"ولم ينبئنا القرآن باسم الرجل تكملة للجو الغامض الذي يحيط بنا، وما قيمة اسمه؟ إنما يراد به أن يمثل الحكمة الإلهية العليا، التي لا ترتب النتائج القريبة على المقدمات المنظورة بل تهدف إلى أغراض بعيدة لا تراها العين المحدودة، فعدم ذكر اسمه يتفق مع الشخصية المعنوية التي بمثلها" ١.
وبعد أن يكشف الرجل ستر الغيب عن تصرفاته ليبرز الحكمة من ورائها يختفي من السياق كما بدا، لقد مضى في المجهول كما خرج من المجهول فالقصة تمثل الحكمة الكبرى، وهي لا تكشف عن نفسها إلا بمقدار ثم تبقى مغيبة في علم الله وراءه الأستار.
ولولا أن السنة النبوية الشريفة أكملت جوانب وألقت الأضواء على بعض التفصيلات لما وجدنا إلى العلم الصحيح بها سبيلًا.
لذا أرى من اللزام علي أن أسرد ما ذكرته السنة الصحيحة في هذا الشأن لنستعرض بعد ذلك العرض الإجمالي لمعاني الآيات الكريمة.
جاء في صحيح البخاري ... عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: إن نوفًا٢ البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر عليه السلام ليس هو موسى صاحب
١ في ظلال القرآن: ٤/ ٢٢٨١ باختصار وتصرف.
٢ نوف البكالي: أحد القصاص بالكوفة، وهو ابن امرأة كعب الأحبار، وكان يروي عن كعب الإسرائيليات.
بني إسرائيل، قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ قال: أنا" .
وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "موسى رسول الله ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب، ولَّى فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه، إن لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا رب فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتًا فجعله في مكتل ثم انطلق، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، حتى إذا أتيا الصخرة -وفي رواية: وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة، لا يصيب من مائها شيء إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك الصخرة فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر- وضعا رءوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربًا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذ كان من الغد، قال موسى لفتاه: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به قال له فتاه: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} ، قال: فكان للحوت سربًا ولموسى وفتاه عجبًا، قال: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} قال: فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجَّى بثوب، فسلم عليه موسى، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام؟ -وفي رواية فوجدا خضرًا على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلم عليه موسى، فكشف عن وجهه، وقال: هل بأرضك من سلام؟ - من أنت؟ قال: أنا موسى فقال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: أتيتك لتعلمني مما علمت رشدًا -وفي رواية قال له موسى: وما أدراك بموسى بني إسرائيل؟ قال: الذي"
أدراك بي ودلك علي، قال له الخضر: ما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدًا قال: أما كان لك شغل في بني إسرائيل يشغلك؟ أما يكفيك التوراة ينزل عليك؟ - {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، فقال موسى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} قال له الخضر: {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول١، فلما ركبا في السفينة، لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدوم -وفي رواية فخرقها ووتد فيها وتدًا- فقال له موسى: قد حملونا بغير نول فعمدت إلى سفينتهم فخرقها لتغرق أهلها؟ {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} ٢، {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما يمشيان على الساحل إذا أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} ، قال: وهذا أشد من الأولى، {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} أي مائلًا: فقال الخضر بيده "فأقامه" ، فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وددنا"
١ النول: الأجر.
٢ إمرًا: أي منكرًا من قولهم: أمر الأمر، أي كبر وكثر، كقولهم استفحل الأمر. انظر: المفردات: ٣٠.
أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما "١."
من خلال العرض القرآني للقصة، ومن خلال بعض التفصيلات في السنة النبوية لها، يمكن تقسيم القصة إلى أربع فقرات:
١- الانطلاق والبحث عن العبد الصالح.
٢- اللقاء والحوار.
٣- الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة.
٤- الفراق بعد تأويل التصرفات الغريبة.
ونظرًا لطول الحديث عن أحداث القصة مجتمعة، فالأولى أن نذكر كل فقرة باستقلال في العرض الإجمالي، وكذلك في العظات والعبر، وسأحاول إلقاء الضوء على بعض الجوانب والإشكالات التي أثارها بعض المفسرين على نقاط في القصة من خلال العرض والمناقشة.
١ انظر صحيح البخاري، كتاب التفسير ٥/ ٢٣٢، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل ٧/ ١٠٣.
الانطلاق والبحث عن العبد الصالح
تقدمت الإشارة إلى أن القرآن الكريم لم يذكر عن أسباب رحلة موسى عليه السلام للبحث عن العبد الصالح شيئًا.
إلا أن السنة النبوية أوضحت أن سبب الرحلة كان عتاب الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى عليه السلام عندما سئل هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه.
وقبل البدء بعرض أحداث الفقرة الأولى من هذا المقطع، أحب أن أتناول جانبًا مما يورده القرآن الكريم من عتاب الله لأصفيائه من خلقه، وذلك لئلا يتسرب للنفوس شيء من وساوس الشيطان تجاه عصمة الأنبياء والمرسلين، ولكيلا تهتز الصورة المشرقة في أذهان المؤمنين عن رسل الكرام.
إن ما يرد في آيات الذكر الحكيم من عتاب لبعض الأنبياء والمرسلين نلحظ
فيه ثلاثة جوانب:
أولها:
إثبات بشرية هؤلاء الأنبياء وأنهم وإن بلغوا قمة الكمالات البشرية فلا تزول عنهم صبغة البشر المخلوق الذي تتنازعه الطاقات والقوى المودعة فيه، فإن صلتهم بالملأ الأعلى، وسعيهم الحثيث لتطبيق ما يوحى إليهم والمسارعة إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى يجعل منهم قدوة لأتباعهم في الإيمان والعمل الصالح، إلا أن دواعي الحاجة الإنسانية من طعام وشراب وسير في الأسواق للكسب والمعاش، وعدم الاطلاع على الغيب ومستقبل الأيام وما يعتورهم من مرض ونسيان وضعف في القوى الجسمية كل ذلك يؤكد بشريتهم فلا يستطيعون النجاة منها، وإلى هذا الجانب أشار القرآن الكريم في دحض شبهة من زعم أن عيسى وأمه إلهين من دون الله. {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المائدة: ٧٢-٧٥] .
فبلوغ الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه الدرجات العليا من القربى والطاعة لا تخرجهم عن طبيعة البشر ولا يجوز اتخاذهم شركاء مع الله سبحانه وتعالى.
وقد ضلت الأمم السابقة في هذا الأمر فاختلطت عليهم المقاييس، فبلغ من تقديسهم لأنبيائهم وصالحيهم أن عبدوهم من دون الله، كما فعلت النصارى فضلوا وأضلوا.
وأبرزت بعض الأمم جانب البشرية فيهم وضخمته ونفت عنهم المزايا التي يتميزن بها عن غيرهم، فنسبت إليهم كل نقيصة ظلمًا وزورًا فضلوا وأضلوا، كما فعل اليهود في سير أنبيائهم. والمنهج العدل أن يعتقد في اصطفائهم من البشر لحمل رسالة ربهم وتبليغها إلى الناس على خير وجه، وصلتهم بالملأ الأعلى وتلقيهم عن طريق الوحي إليهم. وهي مكانة لا تدانيها مكانة غيرهم من البشر.
إلا أنهم يبقون من البشر {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} .
فوجود النسيان والسهو من بعض الأنبياء تأكيد لهذا الجانب، من غير أن يؤثر على مكانتهم الرفيعة عند ربهم ومولاهم جل جلاله.
ثانيها:
جانب تربوي تعليمي، إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يمثلون قمة العبودية لله تعالى، وهم القدوة لغيرهم في ذلك.
كما أن سيرتهم الذاتية هي النبراس لغيرهم أثناء السير إلى الله تعالى فلئن وقع منهم بمقتضى الطبيعة البشرية ما يعاتبون عليه سرعان ما يرجعون إلى الله ويلتجئون إلى عفوه ومغفرته ويتفيئون ظلال رحمته ورضوانه.
إن في رسم معالم التوبة والاستغفار واستدرار الرحمة والرضوان من خلال سيرة الأنبياء تشريعًا لأمم، ولو لم تكن هذه الوقائع في سيرهم فأنى للمذنبين أن يدركوا طريق الإنابة إلا ظلال رحمة ربهم.
إن في لجوء آدم عليه السلام إلى ربه بالابتهال، والإنابة {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣] .
وفي استسلام نوح عليه السلام لربه ورجوعه إليه، وإيثار رضوانه على ما تطلعت إليه نفسه بشأن ابنه أكبر المعالم التربوية إلى يوم القيامة.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: ٤٧] .
وفي ابتهال ذي النون في بطن الحوت {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٨٧] .
زاد لمن وقع في ضيق الدنيا وتقلبات أحوالها وسدت في وجهه السبل.
وفي إنابة داود عليه السلام واستغفاره وإقباله على ربه بالطاعة والعبادة إدراك للصلة بين العبد وخالقه ومولاه ومالكه. {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ، فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: ٢٤، ٢٥] .
لو ترك البشر يشرعون لأنفسهم طريق التوبة والإنابة والاستغفار لما اهتدوا إلى رضوان ربهم، ولضلوا كما ضل من شرع لنفسه شئون حياته الدنيوية إن "الدعاء هو العبادة" ١ والشرائع التعبدية كلها من الله سبحانه وتعالى وليس لأحد أن يشرع
١ رواه الترمذي في كتاب التفسير: ٤/ ٢٧٩.
لنفسه والمقربون إلى الله سبحانه وتعالى يدركون ما يليق بالذات القدسية من كمالات وما تنزع عنها الذات القدسية من نقص ومحال، والبشر عاجزون عن ذلك فما يكون كمالًا في حق البشر قد يكون نقصًا محالًا على الذات الإلهية إن وجود الولد والزوجة والقرين والشريك من متطلبات الحياة الإنسانية وتعتبر من الكمالات البشرية ومن عدمها اشتكى من نقص في نفسه.
أما بالنسبة لله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا، تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا، وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٨٨-٩٣] . {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ، لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: ١٠٠-١٠٣] .
ثالثها:
إن من يمعن النظر في الأقوال والأعمال التي عوتب عليها الأنبياء صلوات الله عليهم يجدها لا تخرج عن دائرة الأقوال والأفعال التي تدخل في دائرة الاجتهاد وورود الاحتمالات عليها، والموقف الذي اتخذه النبي في الغالب يكون مما يقال عنه أن الأولى كان الوجه الآخر، إلا أن هذه الأولوية لا تدرك إلا بعد التنبيه الرباني ولا يمكن الاستدلال عليها بالظواهر والأسباب المتاحة عند وجود الحادثة وإلا لأدى إلى ارتكاب النبي المخالفة الواضحة وهم منزهون عن ذلك.
وإذا كان العتاب يرد على خلاف الأولى، والتهديد يرد على الأمر المفروض غير الواقع١.
١ كما في قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: ٤٤-٤٧] . وكقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: ٥٦] .
ولمن العتاب؟ ولمن التهديد؟ لصفوة الله من خلقه وأنبيائه المرسلين إلى عباده فكيف يكون الحال بالنسبة لمن خالف صريح أمره وارتكب صريح نهيه وعصى محكم شرعه.
إن في ذكر هذه الألوان من العتاب إيجاد حاجز نفسي بين العباد وبين المعصية ومخالفة شرائع الله.
وبالنسبة لمعاتبة موسى عليه السلام التي نحن بصدد الحديث عنها فهناك احتمالان لا ثالث لهما:
أ- إنه نسي رد الأمر إلى الله سبحانه وتعالى، كما نسي غيره من الأنبياء والمرسلين: كما نسي آدم عليه الصلاة والسلام، وكما نسي سليمان عليه السلام وكما نسي محمد صلى الله عليه وسلم {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} .
ولكن النسيان في أمور الشرائع والعبادات لا يخلو من نوع من الأثر والتعقيب أو التعليق، فالنسيان في بعض العبادات يجبر بعمل لاحق كالصلاة، وفي بعض المعاملات بتحمل الآثار المالية وإن كانت المؤاخذة الأخروية غير واردة في شأن النسيان فإن التنبيه أو العتاب الدينوي مما يقوم الأمر ويعدله.
هذا لعامة الناس، فكيف الأمر بالنسبة للقدوة وأئمة الهدى الذين تكون أقوالهم وأفعالهم وإقرارهم تشريعًا.
ب- إن موسى عليه السلام عندما نفى أن يكون من الناس من هو أعلم منه، إنما قصد الناس من أمته من بني إسرائيل وفي أمور الشرائع التي كلف بها ومن المعلوم عند العلماء، أن الرسول أعلم الناس بأمور الشرائع المنزلة عليه.
فيستحيل أن يكون في أمته من هو أعلم منه ولو بجزئية من الشريعة لأن في ذلك خدشًا لمقام النبوة.
وقد ذهب بعض العلماء كالإمام الفخر الرازي إلى أن النبي أعلم الناس من أمته بجميع العلوم الموجودة في عهده -ولم يقصرها على الشرائع- لذات
السبب السابق لذا رجح الفخر الرازي أن الذي {عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَاب} هو سليمان عليه السلام نفسه وليس أحد أتباعه المؤمنين به١.
وإني وإن كنت لا أميل إلى ما ذهب إليه الرازي، إلا أن مبدأ كون الرسول أعلم أمته بالشرائع المنزلة عليه مبدأ متفق عليه بين العلماء فقول موسى عليه السلام كان من هذا القبيل، فأخبر عن ظاهر علمه بالمبدأ المقرر.
إلا أن الصلة القلبية للأنبياء بمصدر الوحي والعلوم الربانية تعطي لدائرة المدارك أفقًا أوسع، ودقة أبلغ، فكان العتاب الإلهي، لأن صيغة التعبير جاءت عامة من غير تخصيص ومطلقة من غير تقييد.
أقدم هذه الأسس بين يدي البحث في قصة موسى والخضر عليهما السلام مخافة أن تند بالقلم كلمة أسيء فيها الأدب مع مقام نبي الله موسى عليه السلام، أو يفهم أحد القراء عبارة على خلاف ما أقصد فتورث شبهة في النفس أو استهانة بحق نبي الله، وفي ذلك مزلق وإلحاد في دين الله، {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٦] .
وأعود إلى سياق فقرة انطلاق موسى عليه السلام للبحث عن العبد الصالح إننا نستشف من افتتاحية الفقرة أن موسى عليه السلام كان قد تلقى أمرًا من ربه للذهاب إلى العبد الصالح والتعلم منه بدليل هذا الجزم والتصميم {لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} ، لو لم يكن الأمر واجبًا عليه لكان له في بني إسرائيل ما يشغله، ولما كان له أن يتركهم أحقابًا من الزمان وإذا أدركنا أن الحقب فسر بالدهر، والحقبة الواحدة تبلغ ثمانين عامًا وقيل أكثر، إذا علمنا ذلك وأدركنا مدى العزم والتصميم الذي كان عليه موسى عليه السلام للظفر بالعبد الصالح، فلا يكون ذلك إلا عن تكليف كلف به.
ومرة أخرى نفاجأ بوجود الحوت معهما ولم يحدثنا النص القرآني عن حكمة
١ انظر تفسيره مفاتيح الغيب: ٢٤/ ١٩٧.
وجوده إلا أن السنة النبوية بينت لنا أيضًا سبب حمله معهم، وهو أن عودة الحياة إليه علامة وصولهم إلى مجمع البحرين مكان وجود العبد الصالح -وأستبعد ما ذهب إليه بعض المفسرين من أنهم حملوه زادًا للسفر، لأن نص الحديث النبوي جعله أمارة البلوغ واللقاء- والقصة مليئة بالمفاجآت وخوارق العادات، التي تبرز جانب قصور العلم البشري، وإحاطة المشيئة الإلهية بالكون وتصريف شئونه.
فلما جلس موسى عليه السلام وفتاه على الصخرة، وكان المفروض أن الفتى مكلف بالحراسة والخدمة ومراقبة الحوت في المكتل، وإخبار موسى عليه السلام بكل ما يطرأ، إلا أن النسيان الذي لا يعهد في مثل هذه الحالة يطرأ على الفتى يوشع بن نون فينسى عودة الحياة إلى الحوت وخروجه من المكتل وذهابه في البحر، وبقاء السرب في البحر، إن أي أمر عادي في حياة الإنسان يمكن أن يغفل عنه بحكم الإلف والعادة، أما مثل هذه الخوارق فلو حدثت مرة واحدة لبقي القلب والعقل والفكر مشغولًا بها طيلة العمر، فما بالك إذا كانت شئون السفر والحصول على المبتغى مترتبًا على عودة الحياة إلى الحوت.
إنها دروس ربانية، ثم لا يشعران بالتعب والحاجة إلى الراحة والطعام إلا بعد مضي بقية اليوم وليلة كاملة من الحادثة، ولا يخطر الأمر على بال الفتى إلا بمناسبة الرجوع إلى المكتل لإخراج الطعام، والشيء بالشيء يذكر {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} .
وعادا أدراجهما فقد تحققت أمارة اللقاء، لكن الصخور تتشابه أين الصخرة التي أويا إليها، إلا أن العلامة الجديدة للاستدلال كان ذاك النفق الذي تركه الحوت كالطاق في البحر، وتماسك الماء عن الجريان عليه بمشيئة الله تعالى: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا} .
العظات والعبر من فقرة الانطلاق والبحث عن العبد الصالح
١- مشروعية الرحلة في طلب العلم.
٢- من الأدب الإسلامي التلطف مع الخدم والعبيد، ومناداتهم بالأسماء المحببة وفي الحديث "لا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي" ١.
٣- في اصطحاب موسى عليه السلام لفتاه مشروعية اتخاذ الرفيق للاستئناس والاستعانة به عند الحاجة.
٤- من شرط الرفقة في السفر أن يكون أحدهم أميرًا، وعلى الأمير أن يعلم صحبه عزيمته ومقصده ويخبر عن مدة مكثه في سفره.
٥- مما ينظم شئون السفر ويخفف الأعباء ويزيد من التلاحم والترابط بين المسافرين توزيع الأدوار والمهمات، إلا أن الجميع يتضامنون في تحمل المسئولية ولو كان الخطأ أو النسيان في فرد واحد. لذا نسب النسيان إلى موسى وفتاه وإن كان حصوله من الفتى {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا} .
{قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} .
٦- في نسيان الفتى حادثة عودة الحياة إلى الحوت وانسلاله من المكتل واتخاذه السرب في البحر، وعدم جرية الماء على هذا السرب -وكلها خوارق- في هذا النسيان، تنبيه رباني على أن كسب العلم لا يتم إلا بإرادة الله ومشيئته كما أن ثبوته وبقاءه لدى الإنسان لا يتم إلا بإرادته ومشيئته مهما بذل الإنسان من جهد وحرص على ذلك.
الحقيقي لكل ذلك هو الله سبحانه وتعالى لا خالق ولا فاعل على الحقيقة سواه. وهو من قبيل {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: ٨٠] .
١ رواه الإمام أحمد في المسند: ٢/ ٤٤٤؛ والإمام مسلم في صحيحه كتاب الألفاظ من الأدب: ٧/ ٤٦.
اللقاء والحوار
هذه الفقرة على وجازتها واختصار عباراتها تعد من الذخائر القرآنية التي لا يحاط بمعانيها وقد استنبط المفسرون آدابًا وحكمًا من هذه الآيات المعدودة، وسأذكر طرفًا من هذه الحكم عند الحديث عن العظات والعبر.
لكني أذكر قبل ذلك: المنزلق الذي هلك فيه بعض الناس.
لقد ضلت طائفتان في شأن أفضلية موسى على الخضر عليهما السلام، والمنطلق الذي انطلقوا منه أن الأستاذ ينبغي أن يكون أفضل من التلميد فكيف يذهب موسى عليه السلام للتلقي من الخضر عليه السلام؟
فذهبت طائفة -مقتفية أثر اليهود- إلى أن موسى المذكور في القصة ليس موسى بن عمران رسول الله، وإنما هو رجل آخر من بني إسرائيل وكان نوف البكالي يقول بهذا وهو ما رد عليه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كما تقدم في حديث البخاري.
والدافع لهذه الطائفة للذهاب هذا المذهب هو أن في هذا التلقي ازدراء وتحقيرًا لنبي الله موسى عليه السلام، وهم يريدون بهذا الإنكار إبعاده عن ذلك.
وضلت طائفة أخرى عندما قررت المبدأ نفسه وقالت إن الأستاذ ينبغي أن يكون أفضل من التلميذ، ولما ثبت أن نبي الله موسى عليه السلام ذهب إلى ولي الله الخضر عليه السلام، فالخضر أفضل من موسى والولي أفضل من النبي، وعمموا هذه القاعدة إلى أبعد من ذلك ليقولوا، إن الولي قد يصل إلى مرتبة لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل. وهذه ضلالة وجهالة، فالولي أحد أتباع نبي من الأنبياء وأحد المتلقين لشرائع الله عن طريق النبي، فكيف يكون أفضل من النبي نفسه أو تكون مرتبته أعلى من مرتبة النبي؟
وقد ذهب ابن حجر العسقلاني في فتح الباري إلى كفر القائلين بهذا القول لمخالفتهم أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة.
والقول الحق في ذلك: أن الخصوصية لا تقتضي الأفضلية، كما أن الأفضل قد يتلقى من الفاضل، ولا يعد ذلك نزولًا للملتقي عن مرتبته أو مكانته أو ازدراء له وتحقيرًا.
وموسى عليه السلام أفضل من الخضر بالاتفاق، لأنه نبي ورسول، أنزل الله عليه التوراة وأسمعه كلامه {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} كما أنه من أولي العزم من الرسل المذكورين في قوله الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: ٧] . والخضر عليه السلام مختلف في نبوته، وليس رسولًا باتفاق١.
وخلال اللقاء القصير تدور محاورة بين الرجل الصالح وبين موسى عليه السلام، نلاحظ فيه شخصية الرجل الصالح المملية للشروط، الواقفة موقف
١ ذهب جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة إلى التفريق بين النبي والرسول:
فالنبي: من أتاه الوحي من الله ونزل عليه الملك بالوحي.
والرسول: من يأتي بشرع على الابتداء أو بنسخ بعض أحكام شريعة قبله. فكل رسول نبي لا العكس. انظر: أصول الدين لأبي منصور البغدادي: ١٥٤.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"النبي هو الذي ينبئه الله وهو ينبئ بما أنبأ الله به، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول" . انظر: كتاب النبوات: ١٧٢.
فالتفريق عند ابن تيمية ينصب على قضية المبالغين أو المكلفين فإن كانوا من أتباع شريعة سابقة ووجد فيهم التقاعس عن أمور الشريعة فالنبي يجدد أمر الشريعة في نفوس هؤلاء وفي الأصل لم يكونوا مخالفين معاندين أما الرسول فيرسل إلى قوم مخالفين ليبلغهم رسالات الله سواء كانت شريعة منزلة عليه ابتداء أو شريعة رسول سابقة عليه.
بينما التفريق بين النبي والرسول على قول أبي منصور البغدادي فينصب على الشريعة نفسها فالنبي يكون على شريعة نبي سابق عليه، يوحي إليه لتجديدها في نفوس الأتباع أو دعوة المخالفين إليها.
أما الرسول فيأتي بشريعة مستقلة ابتداء أو بنسخ وزيادة أو تعديل في شريعة من سبقه.
المعلم المربي، الواثقة من نفسها المتحدثة عن الحقائق الغيبية.
كما نلاحظ شخصية موسى عليه السلام المتلهفة لطلب المعرفة، المتواضعة أشد درجات التواضع، الحريصة على الظفر بالقبول عند الرجل الصالح ولقد أشارت الآيات الكريمة إلى جانب من تفخيم شأن الرجل الصالح، فهو عبد من خواص عبيد الله، المنسوبين إلى الله جلا جلاله والعبودية منتهى درجات الكمالات الإنسانية وما ذكر أحد في القرآن الكريم بصفة العبودية المنسوبة إلى الله تعالى إلا في سياق التكريم والتشريف١.
كما أن في ذكر إيتائه رحمة من عند الله إضفاء مزايا جليلة على مكانته وفي ذكر تعليمه العلم اللدني تشريف وتوقير له. كل ذلك في قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} .
ولعل سياق النص الكريم يدل بإشاراته وظلاله إلى ما ورد في الحديث الصحيح من سبب خروج موسى عليه السلام، وعتب الله سبحانه وتعالى له. ليلقى من الرجل الصالح لونًا من ألوان الاستعلاء بالعلم اللدني. ولكن هذا. الاستعلاء لا يخرجه من إعادة الفضل والنعمة إلى مسديه كما ورد في صحبح البخاري: "فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضك من سلام، من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدًا، قال: أما يكفيك أن التوراة بيدك؛ وأن الوحي يأتيك؟ يا موسى إن لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه ... فأخذ طائر بمنقاره من البحر، وقال: والله ما علمي وعلمك من جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر" ٢.
إن الإشارة إلى سعة علم الله في هذا الموقف تذكير لموسى عليه السلام
١ انظر: مقطع افتتاحية سورة الكهف عند الحديث عن قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} : ١٩٣ من الكتاب.
٢ انظر: صحيح البخاري، كتاب التفسير: ٥/ ٢٣٣.
لساعة النسيان التي كانت وراء هذه الرحلة العلمية١. وهي في نفس الوقت من الحوافز لحرص موسى عليه السلام للمصاحبة والتلقي، لذا نراه يوافق مسبقًا على الشروط وأنه سيكون عند حسن ظن العبد الصالح به، ولا ينسى أن يربط ذلك بالمشيئة الربانية {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} .
ووقفة مع دلالات هذه الفقرة وعظاتها وعبرها.
١ ذهب المفسرون مذهبين في الدافع للخضر عليه السلام إلى القول: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} في بداية اللقاء. الأول: لبيان أن المجال الذي يعمل فيه -تنفيذًا لأوامر ربه- غير المجال الذي كلف به موسى لأداء رسالة ربه، ولكي لا يتوهم موسى أن يتهمه بالقصور أو العجز، فأسرع إلى بيان السبب، بأن هذا ليس مما كلف به موسى والأنبياء المرسلون الآخرون، بل هو من الأشياء التي لم يحط بها البشر خبرًا، فإن لم يصبر عليها موسى فليس مؤاخذًا ولا متهمًا بالتقصير، فقال: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرً} ، تبريرًا وإعذارًا مسبقًا لموسى إن لم يصبر.
والمذهب الثاني للمفسرين: هو أن الخضر اختار الكلمات والأسلوب قصدًا إلى التعليم وإبراز مكانة العلم وعزته، لذا جاء قوله مؤكدًا بخمس مؤكدات:
أ- "إن" المفيدة للتوكيد.
ب- لن والنفي بها آكد من النفي بغيرها من أدوات النفي.
جـ- العدول عن -لن تصبر- إلى قوله: {لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} وذاك يفيد نفي الصبر بطريق برهاني فكأنه قال له: إني مطلع على أحوالك وقدرتك على الاحتمال فوجدتك بعد المعاينة أنك لا تستطيع الصبر.
د- تنكير "صبرًا" في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، فكأنه قال: لا تصبر معي أصلًا شيئًا ولو يسيرًا من الصبر.
هـ- ثم تعليل عدم الصبر بعدم إحاطته بهذه الأمور مؤكد خامس.
فعلى هذا المذهب قول الخضر: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} تعجيب من شأنه وتوجيه تربوي لاستشرافه وعزمه.
ولعل ما تقدم في الحديث الصحيح من دوافع الخروج ونقاط الحوار بينهما يرجح المذهب الثاني. وهو الذي رجحته وجريت عليه في الفقرات اللاحقة.
العظات والعبر من فقرة اللقاء والحوار
١- تواضع الطالب للمعلم وإشعاره بهذا التواضع، يكون أدعى إلى توجه المعلم القلبي، فيبارك الله في العلم وتفتح آفاق المعرفة أمام الطالب ويبرز هذا التواضع في مخاطبة موسى عليه السلام للعبد الصالح بصيغة الاستفهام {هَلْ أَتَّبِعُك} ، أي هل تأذن لي أن أكون لك تبعًا؟، ولم يقيد هذ التبعية بجانب من جوانب الصحبة أو الخدمة وإنما أطلقها، وفي ذلك إبراز لجانب الثقة المطلقة في المعلم.
٢- رفع المعلم إلى مقام رفيع والاعتراف له بالأستاذية، وإنزال النفس مكان التلمذة، تقدير لمكانة الأستاذ، وتواضع وهضم نفس من جانب الطالب، وهو من أسباب حصول النفع بإذن الله للطالب، لأن استشعار الطالب بهذا الفارق الكبير بينه وبين معلمه يزيده حرصًا على عدم تفويت شيء مما يقوله معلمه، بينما تكبر الطالب ورؤيته نفسه أنه أعظم قدرًا، أو أكثر فهمًا من أستاذه فمن الحواجب التي تحجب بين الطالب والفائدة من هذا الأستاذ١.
أبرز موسى عليه السلام هذا الجانب من الفرق بينه وبين العبد الصالح بقوله {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ} ، فعلم الخضر عليه السلام قد تلقاه من الله جل جلاله، يدل على ذلك سياق الآيات "وعلمناه" وبناء الفعل للمفعول "عُلمت" .
أما تعليم موسى فيكون على يد العبد الصالح "تعلمني" ، وكأنه يقول إن الفرق بين علمك وعلمي كالفرق بين المعلمين، وهذا منتهى التقدير والاعتراف بالمنة، كما قيل: "من علمني حرفًا كنت له عبدًا" وقال شعبة: من أخذت منه أربعة أحاديث أقررت له بالعبودية حياتي.
١ يقول الإمام النووي: قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف: هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وعليه أن ينظر معلمه بعين الاحترام ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على طبقته فإنه أقرب إلى انتفاعه به، وكان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء وقال: اللهم استر عيب معلمي عني ولا تذهب بركة علمه مني. انظر التبيان في آداب حملة القرآن/ ٢٣.
٣- وفي "من" التبعيضية "مما" إشارة إلى جانبين:
إن موسى عليه السلام لا يريد إرهاق الأستاذ ومطالبته بكل ما عنده وإنما يكتفي ببعض ما عنده الذي يراه الأستاذ صغيرًا أو قليلًا ولكنه في حد ذاته علم راشد عظيم.
وأيضًا بيان لجانب من تواضع موسى واستدرار عطف أستاذه لقبوله طالبًا عنده. فالفقير الذي يقول للغني: "أعطني من بعض ما أعطاك الله" يظهر قناعته باليسير ويبرز سعة ما عند الغني وأن ذلك لا يرهقه.
٤- العلوم التي يحرص عليها هي العلوم الراشدة وهي الوسيلة إلى الفلاح، وذلك تزكية للعلم لدى العبد الصالح "مما علمت رشدًا" .
٥- في تواضع موسى عليه السلام على الرغم من مكانته وشرفه في قومه والحرص الشديد الذي أظهره لطلب العلم رفع لمكانة العلم والعلماء، وبيان أن الشرف يزداد بالعلم وأن التواضع في سبيل طلبه رفع للمكانة.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "ذلك طالبًا فعززت مطلوبًا" ١.
٦- على المتعلم أن لا يعترض على أستاذه في بداية الطلب، لأن ذلك قد يؤدي إلى حرمانه من علوم أستاذه، وخاصة إذا لم تتبين له الطريقة المناسبة في توجيه السؤال بحيث لا يزعج أستاذه.
وكم كان أسلوب السؤال سببًا في الغضب والحرمان والعتاب:
انظر إلى أسلوب بني إسرائيل في الطلب {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [البقرة: ٦٨] .
وإلى أسلوب استفسار الحواريين {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة: ١١٢] .
فكأنه رب موسى وعيسى وليس ربهم؟ علمًا أن القوم مؤمنون بالله وبرسالة النبي الذي يخاطبونه؟!
١ انظر التبيان في آداب حملة القرآن: ٢٦.
بينما نجد الأسلوب القمين بالإجابة في دعاء عيسى عليه السلام ربه {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المائدة: ١١٤] .
٧- إذا شعر المعلم أن تلميذه ليس مبتدئًا، وأن علومه السابقة تهيئ له كثرة الاعتراضات والمناقشات، للمعلم أن يملي عليه شروطه التي تهيئ الظروف المناسبة لأداء رسالة التعليم، وعند عدم الالتزام بالشروط له أن يشترك المفارقة ويطلبها.
٨- للأستاذ أن يكشف عن جوانب النقص في معلومات تلميذه، ويعرفه بحقيقة علمه القاصر -وذلك من باب التأديب لا التحقير- ولكيلا تأخذه النخوة والغرور العلمي.
٩- وللأستاذ أن يختبر مدى إخلاص الطالب ورغبته الصادقة في التحصيل ومدى قدرته على تحمل المشاق في سبيله، وحدود صبره على غلظة الأستاذ وجفائه.
كل ذلك نأخذه من إيحاءات قول الخضر عليه السلام: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} .
١٠- ولطالب العلم -بعد الاعتماد على الله سبحانه وتعالى وربط الأمر بمشيئة مولاه- أن يُري الأستاذ من نفسه الجلد والتحميل والمصابرة، وأن عين الأستاذ ستقر به وأنه سيجده حيث يحب، وذلك تحدثًا بفضل الله ونعمته عليه واستظهارًا لرغبته الصادقة في الطلب -لا من باب تزكية النفس أو الرياء.
{قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} .
الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة
مدخل
الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة
بعد ذاك الحوار المعبر ذي المغزى، انطلق الركب الكريم١، واقتصر النص القرآني على الأحداث ذات الشأن في هذه الرحلة -كما هو الحال في شأن القصص القرآني- ولم يحدد الاتجاه والمقصد، وكأنها رحلة مطلقة متروكة لمجريات الأحداث، ليكون الموقف المناسب تجاه الحدث الطارئ، هذا ما يبدو في الظاهر، أما في علم الغيب فلا صدفة ولا مفاجأة، بل الأمور تجري حسب تقدير العزيز العليم بها.
ويمر الركب على مساكين يعملون في البحر، على سفينة لهم، ينقلون الناس من ساحر البحر إلى آخر، لقاء أجر معلوم، فيعرفون الرجل الصالح فيحملونه وصاحبه من غير أجر تكريمًا وتقديرًا،
فلا يلبث الخضر أن ينزوي إلى طرف من السفينة ليقلع لوحًا من خشبها، ويوتد مكان الخرق وتدًا ليحد من تسرف الماء إليها، ولا يملك موسى نفسه من الغضب والانفعال تجاه هذا التصرف، كيف يقابل إحسان القوم بمثل هذا التصرف؟! ثم بأي وجه حق يعتدي على مالهم بالإتلاف؟! وكونهم مساكين تستدر حالهم العطف وتثير الشفقة عليهم.
ومن شأن هذا الخرق أن يغرق ركاب السفينة الأبرياء، فما وجه المشروعية في كل ذلك؟! {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} إن هذا العمل بالمقاييس الظاهرة وما يحتمل أن يترتب عليه من المهالك أمر عظيم ولا شك.
ولكن الرجل الصالح ينظر إلى المسألة من زاوية أخرى، بناء على الحكمة العليا والمصلحة الآجلة، وتطبيقًا للقاعدة الشرعية المتفق عليها بين العلماء الربانيين "يتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأقوى" فيذكر موسى عليه السلام {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} . وتهدأ نفس موسى عليه السلام ويذكر العهد الذي قطعه على نفسه بعدم الاعتراض والاستفسار، حتى يكون الخضر هو البادئ بالتوضيح والبيان، وتطمئن نفسه إلى أن صاحبه ليس كسائر الأصحاب، وإنما هو رجل رباني على جانب من العلم لا يعمله موسى.
١ أسدل الستار على فتى موسى من وقت اللقاء، وسيقت القصة بأسلوب المثنى مما يدل على أنه لم يكن مع موسى والرجل الصالح أثناء الرحلة، وأغلب الظن أن موسى أمره بالعودة إلى موطنه، لأن مدة الرحلة لم تكن معلومة لديه، ولعل عدم ذكر موسى له عند اللقاء بالرجل الصالح أمارة على أن الأمر كله من الأسرار الربانية بين موسى وربه عز وجل.
ومرة أخرى نتساءل: كيف ينسى موسى عليه السلام في هذا الموقف الدقيق العهد على الرغم من استمرار الصحبة، وحصول العلم الراشد الذي يتوقع أن يتعمله منها مبني على عدم الاعتراض والاستفسار؟!
نقول في الجواب كما قلنا في الحكمة في نسيان الحوت، ليعلم الإنسان أن تحصيل أي علم مهما صغر أو كبر، واستمراره وبقاءه مهما طال الوقت أو قصر، مرتبط بمشيئة الله تعالى وإرادته، ولا يمكن أن يحصل شيء من ذلك إلا بتوفيقه ورضاه.
وبعد اعتذار موسى عليه السلام عن نسيانه، وطلبه السماح من صاحبه بالتغاضي عما بدر، وأن لا يحاسبه عليه فيشق عليه الأمر، ويرهق من أمره. انطلقا فمرا على مجموعة من الغلمان يلعبون، فرأى الخضر غلامًا هو أضوؤهم وجهًا وأحسنهم مظهرًا، فتقدم إليه واجتز رأسه فاقتلعه، وأزهق روحه.
لقد كان أمر السفينة إتلافًا ماليًا مباشرًا، وإغراق الركاب بقي في حدود الاحتمال، أما هنا في حادثة الغلام، فإن القتل قد حصل وإن النفس قد أزهقت، والغلام لم يبلغ الحلم ليقال: إنه أخذ بجريرة سابقة -لم يعلمها موسى- حتى لو ارتكب الغلام جريمة قتل قلا قصاص عليه لأن القلم رفع عن الصغير حتى يبلغ، فلا توجد شريعة سماوية تبيح قتل مثل هذه النفس مهما كانت الاحتمالات والتأويلات للأسباب الظاهرة لذا كان انفعال موسى عليه السلام أشد من السابقة، وكان احتجاجه أقوى.
ولئن كانت الأولى نسيانًا، فلا نسيان هنا، وإنما هو العمد والقصد كما قال خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، "فكانت الأولى من موسى نسيانًا، والثانية عمدًا، والثالثة فراقًا" ١. {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} إنه إنكار معلل، لأن قتل النفس البريئة لا يجوز في أي شريعة ولا تحتمله العقول
١ صحيح البخاري، كتاب التفسير ٥/ ٢٣٣.
السليمة، وبعد سفك دم، بدون وجه حق، وهو من الإفساد في الأرض عند جميع العقلاء.
وإلى جانب تذكير الخضر له بعهده ووعده، يقابل شدة موسى بشدة مثلها واحتجاجه المعلل بصرامة وعنف. {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} ألم أقل لك أنت بالذات يا موسى، وليس لغيرك، مع ذلك تعترض علي المرة تلو الأخرى.
وعاد إلى نفس موسى عليه السلام هدوءها مرة أخرى، وتذكر أن المقاييس التي يحتكم إليها الرجل الصالح غير المقاييس الظاهرة التي ينطلق منها موسى عليه السلام وأنه ينظر من أفق غير الأفق الذي ينظر منه موسى، وتذكر أنه قال له في بداية الرحلة: "إني على علم من الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه" ١.
عندئذ حصلت القناعة التامة لموسى عليه السلام أن لا مجال للوصول إلى هذا العلم إلا بما يهيئه الله سبحانه وتعالى للعبد، وأن الطريق الكسبي إلى أسسه وقواعده المطردة مسدودة، وأن النماذج التي رآها -وإن لم يعلم تأويلها وحقائقها بعد- كافية لإعطائه أمثلة صالحة من هذه العلوم التي استأثر الله بعلمها {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: ٣٤] .
عند ذلك قال له موسى: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} .
"رحمة الله علينا وعلى موسى، لو صبر على صاحبه لرأى العجب، ولكن أخذته ذمامة ٢، فقال ذلك" ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغب موسى عليه السلام في الفراق لا رغبته عن الصحبة، وإنما أخذه الحياء من تصرفاته مع الرجل
١ المرجع السابق.
٢ الذماء: الحياء. وانظر المرجع السابق.
الصالح، وكأنه لا يملك من نفسه إلا الاعتراض والاحتجاج. وخاصة بعد حصول القناعة بنوع هذا العلم، وتقديم النماذج الصالحة، وسواء كثرت هذه النماذج أو قلت فلن تمكن موسى من أخذ زمام هذا العلم والمبادأة بتصرفات شبيهة بتصرفات الرجل الصالح. فما دام الأمر كذلك فليعد إلى مجاله وإلى شغله في بني إسرائيل ليؤدي فيهم رسالة ربه.
ولكن ليس من الأدب انسحاب الطالب وكأنه يرغب عن معلمه، وإنما ليعط المبرر للأستاذ في اتخاذ قرار الفراق، فعلق الفارق على واقعة أخرى يظهر فيها عدم صبر موسى عليه السلام، وتأتي الحادثة غير بعيد، ونجد موسى عليه السلام يسارع إلى الاعتراض علمًا أن ظاهر الأمر لا يقتضي الاعتراض، لأنه لا مفسدة مالية ولا بدنيه، بل هو معروف وإصلاح، وكل ما في الأمر أن ظاهره معروف لأناس لا يستحقونه.
ومع ذلك نجد موسى عليه السلام يسارع إلى الاحتجاج {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} .
وقبل أن أدع العرض الإجمالي لهذه الفقرة أحب أن أناقش أقوال المفسرين في الدوافع التي جعلت موسى عليه السلام يحتج المرة تلو المرة على الرجل الصالح على الرغم من عهده بعدم السؤال والاستفسار ناهيك عن الاعتراض والاحتجاج؟! ولئن كانت الأولى نسيانًا، فما توجيه المرة الثانية والثالثة، ولم يكن هناك نسيان؟ أليس في ذلك ما يؤخذ على موسى عليه السلام ويؤثر على جانب العصمة فيه.
لعل أبرز التوجيهات التي ذكرت في هذا الصدد ثلاثة:
أولها: الجانب النفسي لموسى عليه السلام
ويقصد بذلك طبيعة موسى عليه السلام التي تربى عليها، فقد فتح عينيه في بيت عزة وأبهة وملك، وترعرع على ذلك، والإنسان ابن بيئته، فقد كان العنفوان والحدة يسري في دمه، وانعكس ذلك على تصرفاته قبل النبوة وبعدها:
ففي حادثة انتثاره للإسرائيلي وضربه القبطي يظهر جانب من هذه الشدة: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: ١٥] .
وفي حادثة توجهه إلى الإسرائيلي في اليوم التالي وقد استنجد به ثانية {قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ، فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} [القصص: ١٨، ١٩] .
وبعد النبوة نلحظ هذه الشدة في تصرفاته، فلما رجع إلى قومه ووجدهم يعكفون على عبادة العجل، ووجد أخاه هارون بين ظهرانيهم لم يتخذ حيالهم إجراء حاسمًا، ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف: ١٥٠، ١٥١] .
وفي سفره مع الرجل الصالح {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} ، {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} .
إنه يمثل ذاك النموذج من الرجال المخلصين الذين تأخذهم الحدة عند مجابهة الأحداث المخالفة لما يرونه الصواب والحق، ولكن سرعان ما يراجعون أنفسهم عندما يذكرون بالحق ويظهر لهم الصواب.
فموقفه من تصرفات الرجل الصالح كان من أثر التكوين الشخصي لنفس موسى عليه السلام، وحدة مزاجه، فلا يستطيع إلا أن يقول ما يعتقده الحق مهما كانت الظروف.
ثانيها: صدمة المفاجأة وهول الحادث
كثيرًا ما تكون الآراء والمواقف النظرية بمنأى عن التطبيق العملي، فكم من طالب علم أخذ دروسًا في علم البيان ومقومات الخطابة وآدابها، فلما تولى إلقاء خطبة في محفل أو على منبر خانته معلوماته وتطايرت الأفكار من ذهنه. وارتجفت منه الأقدام وتلعثمت الشفاه فجاء بها مفككة العبارات ركيكة الجمل.
وكم من باحث تلقى مبادئ الكتابة والتأليف وطريقة جمع المادة العملية وترتيبها والتوثيق من المراجع العلمية وتخريج الأحاديث النبوية من مظانها، بل قد ينتقد الآخرين لعدم التزامهم بالمنهج العلمي في ذلك، فلما كلف بكتابه مقالة أو بحث انهارت الأسس التي كان يبني عليها آراءه ونقده، ويشهد ميلاد بحث لا يطلق عليه اسم التأليف إلا تجوزًا.
وهكذا في الحياة العملية، فالتاجر الذي يأخذ معلوماته وخبرته من كتب علم التجارة يصطدم بعقبات قد تودي بثروته عند النزول إلى الأسواق.
والجندي الذي يأخذ ثقافته العسكرية عن السلاح واستخدامه في الكلية النظرية قد يدفع حياته أو حياة زملائه ثمنًا للتجربة الأولى على السلاح.
ومن هذا القبيل ما جرى لموسى عليه السلام، فقد قطع على نفسه العهد بأن لا يسأل -وبالأولى أن لا يعترض- حتى يكون الرجل الصالح هو البادئ بالشرح والبيان ولكنه عندما خرج إلى التجربة العملية، ورأى أمام عينه هذا التخريب والإفساد -حسب الظاهر- نسي وعده واستنكر.
يقول سيد قطب -رحمه الله: "لقد نسي موسى ما قاله هو، وما قاله صاحبه أمام هذا التصرف العجيب الذي لا مبرر له في نظر المنطق العقلي، والإنسان قد يتصور المعنى الكلي المجرد، ولكنه عندما يصطدم بالتطبيق العملي لهذا المعنى، والنموذج الواقعي منه يستشعر له وقعًا غير التصور المجرد، وها هو ذا موسى الذي نبه من قبل أنه لا يستطيع صبرًا على ما لم يحط به خبرًا، فاعتزم الصبر واستعان بالمشيئة وبذل الوعد وقبل الشرط، ها هو ذا يصطدم بالتجربة العملية لتصرفات هذا"
الرجل فيندفع مستنكرًا "١."
ورغم وجاهة التعليل الذي ذكره سيد قطب رحمه الله تعالى ومطابقته للحادثة الأولى، فإن المفاجأة تفقد صدمتها عندما تتكرر، وخاصة عند التذكير بالوعد المرة تلو المرة، كما أن التجربة تكسب الخبرة، فلا يتماشى هذا التعليل مع الحادثة الثانية والثالثة. ولئن كانت الأولى نسيانًا واندهاشًا بهول الحادثة، فقد كانت الثانية عمدًا، والثالثة رغبة في الفراق.
فلا بد من مبرر منطقي يستمسك به موسى عليه السلام ودافع شرعي يمنعه من السكوت على ما يشاهده أمامه.
ولعلى هذا السبب دفع بعض المفسرين ليقولوا توجيهًا آخر.
١ في ظلال القرآن ٦/ ٢٢٧٩.
ثالثها: مبادئ شريعة التوراة
ذهب بعض المفسرين إلى أن موقف موسى عليه السلام من الاعتراض على الحوادث التي يخالف ظاهرها شريعة التوراة، منسجم تمام الانسجام مع أحكام التوراة، ولو لم يقف هذا الموقف لكان مؤاخذًا بموجب شريعته.
يقول البقاعي: "من العهد الوثيق المكرر في جميع أسفار التوراة بعد إثباته في لوحي الشهادة في العشر كلمات -التي نسبتها من التوراة كنسبة الفاتحة من القرآن- بالأمر القطعي أنه لا يقر على منكر" ١.
فإنكار المنكر في حينه ركن من أركان الدين ولا يجوز السكوت عليه، ولما ترك بنو إسرائيل هذا الركن من شريعتهم استحقوا لعنة الله على لسان أنبيائهم {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: ٧٨، ٧٩] .
ولا يقال: لكن موسى عليه السلام أعطى وعدًا وقطع عهدًا على نفسه بعدم
١ نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي: ١٢/ ١١١.
الاستفسار والمعارضة لما يرى أو يسمع خلال مصاحبته للرجل الصالح؟! لا يقال ذلك، لأن مخالفة ظاهر الشريعة غير داخلة في الوعد، فلو تم العقد والالتزام بين طرفين على اشتراط شرط مصادم لنص من الكتاب والسنة أو لحكم شرعي متفق عليه كان هذا الشرط باطلًا، ومن الفقهاء من يرى فساد العقد، ومنهم من يرى سريان العقد وبطلان الشرط. كما في حادثة بريرة واشتراك بائعيها أن يكون لهم الولاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم في شأنها: "من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له وإن شرط مائة مرة، شرط الله أحق وأوثق" ١، أي لا تقره الشريعة.
هذا في شريعتنا وما يدل عليه ظاهر الأمر أن ذلك كان مقررًا في شريعة موسى عليه السلام، يقول البقاعي: "على أنه -أي موسى عليه السلام- لو لم ينس لم يترك الإنكار، كما فعل عند قتل الغلام، لأن مثل ذلك غير داخل في الوعد لأن المستثنى شرعًا كالمستثنى وضعًا" ٢، ويقول في موضع آخر من كتابه: "فكل منهما -موسى والخضر عليهما السلام- صادق فيما قال موف بحسب ما عنده، أما موسى عليه السلام فلأنه ما خطر له قط أن يعاهد على أن لا ينهي عما يعتقده منكرًا، وأما الخضر فإنه عقد على ما في نفس الأمر لأنه لا يقدم على منكر" ٣.
١ رواه البخاري في كتاب المكاتب ٣/ ١٢٧.
٢ انظر نظم الدرر ١٢/ ١١١.
٣ المرجع السابق ١٢/ ١١٢.
الفراق بعد تأويل التصرفات الغريبة
{قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} .
لقد حان وقت الفراق، كما طلب موسى عليه السلام عند اعتراضه على قتل الغلام، وعند شعوره بأن لا جدوى من الاستمرار، فلن يتمكن من هذا العلم إلا ما يطلعه عليه الرجل الصالح -كما تقدم- ولكنه تحقق من مجالات العلم الذي لا يحيط به أحد غير الله عز وجل، وأن الأمور جارية في هذا الكون بقتضى الحكمة الإلهية وحسب موازين ربانية منضبطة.
ولكيلا يتركه العبد الصالح في حيرة من أمره، وكما وعده في بداية الأمر أنه
سيحدث له ذكرًا لهذه التصرفات، بدأ بوفاء وعده، وذكر الأسباب التي دفعته إليها: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} .
إن الأمر في غاية الوضوح عند المطلع على الأسباب الحقيقية الخفية.
إن هذا التصرف -الذي كان ظاهره إلحاق الضرر بأهل السفنية- كان في الحقيقة لصالحهم، لقد كانت سفينتهم معرضة للحجز والغصب، ولو تركت سليمة لخسروها تمامًا وفاتتهم بالكلية، فإلحاق خرق بها وهو ضرر محتمل في سبيل دفع ضرر أكبر شيء تقول به بدهيات العقول، وتستسيغه جميع النفوس بل يكون هذا التصرف من أعظم الإحسان إلى أصحاب السفينة، مقابل إحسانهم بحملنا من غير أجر.
ولم ينتظر الخضر من موسى جوابًا وإقرارًا على ما يقول، فإن الأمر من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تردد أو جدال.
{وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} .
"لقد كان الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرًا" ١، وكان الأبوان المؤمنان الصالحان متعلقين بهذا الغلام تعلقًا شديدًا، إنها عاطفة الأبوة، وحقيقة حال الغلام غير ظاهرة لهما، فلو استمر الغلام بينهما على قيد الحياة لأوردهما المهالك، فلا يملكان رده عن غيه وكفره ولا يتحكمان في قلبيهما لهجرة ومقاطعته.
إن حزن ساعات وأيام خير لهما من نار جهنم، والعوض الذي وعدا به كفيل أن يسدل الستار على ذكرى هذا الغلام التعيس الشقي.
{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢١٦] .
ومن ينظر بنور الله وببصيرة المؤمن يتلمس جوانب الخيرية في كل ما يصيبه
١ انظر صحيح مسلم كتاب الفضائل ٧/ ١٠٧.
في دنياه، وفي توجيهات المصطفى صلى الله عليه وسلم "عجبت للمؤمن إن الله لم يقض قضاء إلا كان خيرًا له" ١.
ولا يعترض معترض: إن الغلام لا يطلق إلا على من كان دون سن البلوغ، فكيف يحكم بكفره؟ وقد ذهب جمهور أهل السنة والجماعة إلى أن الأطفال دون البلوغ، لا يوصفون بالكفر والإيمان حقيقة، وأنهم إذا ماتوا دون البلوغ كانوا من أهل الجنة، على خلاف في التفاصيل الفرعية بينهم؟!
أقول إن قول أهل السنة والجماعة تظاهره النصوص الكثيرة، وهو حكم عام وقاعدة أساسية، ولكن ما استثناه الدليل من القاعدة العامة يؤخذ به أيضًا، وقد ورد الدليل الصحيح أن الغلام قد طبع يوم طبع كافرًا، ولما أوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، وأن كل مولود بعد ذلك، أو كان موجودًا ولكنه لم يبلغ الحلم هو كافر، عمم الدعاء عليهم، وحكم بكفرهم جميعًا.
{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: ٢٦، ٢٧] . إن النص يقطع دابر الاجتهاد والاختلاف، فلا اجتهاد في مورد النص.
إذن فوجه المصلحة في الحادثة واضحة، وكان هذا القتل للغلام أكبر تكريم للأبوين الصالحين، وكان في نفس الوقت رحمة بهما وشفقة على حالهما، لأنهما لو أطلعا على حقيقة حال الغلام، فلربما كلفا بقتله بأيديهما، وفي ذلك من الإصر والشدة ما فيه.
{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} .
لقد كان الجدار لغلامين صغيرين فقدا حنان الأب ورعايته منذ الصغر، وكانا وديعتين لأب صالح استودعهما الله سبحانه وتعالى الذي لا تضيع ودائعه، وكان تحت الجدار كنز لهما، وكان الجدار آيلًا للسقوط، ولو ترك يسقط وحال الغلامين
١ انظر مسند الإمام أحمد ٣/ ١١٧.
على ما تقدم لضاعت ثروتهما، وبالتالي ضاع مستقبلهما وضاعت الوديعة، فكلف الله سبحانه وتعالى الخضر عليه السلام بالقيام برعاية مصالحهما في هذا الجانب أليس في هذا العمل إحسان ووضع للمعروف في موضعه؟ بل إهمال مصالح الغلامين وتعريضها للخطر يزعزع ثقة الصالحين الملتجئين إلى الله عز وجل بوعد ربهم.
{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} .
بهذا التنبيه وهذه الإشارة يودع الرجل الصالح موسى عليه السلام.
لقد كانت هذه التصرفات تجاه هذه الوقائع أمرًا من الله تعالى للعبد الصالح ولم يكن تصرفًا ناشئًا عن اجتهاده.
وكأن هذه الأحداث قد اختيرت بالذات لمشابهتها لأحداث شبيهة وقعت لموسى عليه السلام، وكانت له مواقف حيالها من غير أن يتلقى في ذلك أمرًا بالتصرف.
- لقد كان لموسى واقعة مع التابوت واليم، وكانت المخاطر تحيط به من كل جانب، ولكن المخاطر كانت سببًا في نجاته من بطش فرعون وجنوده فالذي نجى التابوت من الغرق وألقى به إلى الساحل هو الذي أنقذ سفينة المساكين من استيلاء الملك الظالم عليها.
- ولقد كان لموسى تجربة مع قتل نفس من غير أن يوحى إليه في ذلك، فلما ندم على فعلته تولاه ربه بواسع مغفرته {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ، قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: ١٥-١٧] .
- وتقديم المعروف من غير عوض قد فعله موسى عليه السلام مع ابنتي شعيب عليه السلام ولم يطلب منهما أجرًا {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: ٢٤] .
لقد أزاح الخضر عليه السلام ثقل التساؤلات عن قلب موسى عليه السلام بذكر حقيقة الدوافع إلى هذه التصرفات.
ويختفي الخضر عليه السلام ويسدل الستار على القصة، وفي النفس من عمق التأمل في الحقائق الكامنة في الغيب وراء الأحداث المشاهدة الشيء الكثير.
ويسرح الخيال مع وقعات أقدام موسى عليه السلام في طريق العودة إلى بني إسرائيل وقد عاد من رحلته بعلم نفيس، وكنز وفير من الحقائق اللدنية ليتم مسيرة الكفاح والجهاد مع بني إسرائيل.
العظات والعبر من فقرة الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة
مدخل
العظات والعبر من فقرة الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة
١- المكلف ملزم بتطبيق ما يدل عليه ظاهر الشرع، والمحاسبة أو المؤاخذة تكون حسب موقف المكلف من دلالة النصوص الظاهرة في اعتقاده، أما حقائق الأشياء ومآل الأحداث فليس مكلفًا بها لأنها في علم الغيب. لذا لو غلب على ظن المكلف أمر ما فتصرف بناء على ما ترجح لديه، ثم تبين له أن الصحة والصواب كان على خلاف ذلك لم يأثم في تصرفه، وإن ترتب على تصرفه أضرارًا بالغير تحمل هذا الضرر من غير مؤاخذة أخروية.
٢- من كمال الحكمة الربانية وعظيم رحمة الله بعباده أن يستعمل نبيين كريمين مثل موسى والخضر عليهما السلام في حفظ مصالح الغلامين اليتيمين، ليلجأ عباده إليه ويتوكلوا عليه حق التوكل، فإن الله لا تضيع عنده الودائع، كما أن في ذلك حفظ مصالح الذرية بصلاح الآباء.
٣- الالتزام بالأدب القرآني الرفيع في المخاطبة والمحادثة:
- فلما كان خرق السفينة عيبًا في الظاهر، لا صلاح فيه، نسبه الخضر إلى نفسه فقال: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} .
- ولما كان أمر الغلام فيه جانبان: القتل، والإبدال بأفضل منه، أسنده إلى ضمير الجمع {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} .
- ولما كان إقامة جدار الغلامين خيرًا محضًا، نسبه إلى الله سبحانه وتعالى: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} . علمًا أن الأفعال على الحقيقة كلها لله، وبأمر منه {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} .
وهذه الآداب نجدها بكثرة في الأسلوب القرآني وفي السنة النبوية المطهرة وهي ذات إيماء عميق في النفس البشرية.
تعقيبات وتعليقات
قبل الانتقال من هذا المقطع أرى لزامًا أن أتعرض لثلاث نقاط كثر فيها كلام المفسرين.
أولاها- نبوة الخضر عليه السلام:
اختلف العلماء في نبوة الخضر عليه السلام، فمنهم من قال: إنه نبي، ومنهم من قال: إنه رجل صالح وولي من أولياء الله تعالى.
أستند القائلون بنبوته على جملة من الأدلة منها:
١- قوله تعالى: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} والمراد بالرحمة النبوة بدليل قوله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّك} [القصص: ٨٦] . والرحمة المنزلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم النبوة.
ولكن يرد على هذا القول أن كلمة "رحمة" ومشتقاتها ذكرت في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة مرة، للدلالة على النعم الإلهية في مختلف مجالات الحياة ومنها نعمة النبوة، فالنبوة رحمة لا شك في ذلك، ولكن لا يلزم أن تكون كل رحمة نبوة.
قال البقاعي: قال الحراني: المراد بالرحمة في {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} ما ظهر من كراماته وبالعلم الباطن الخفي المعلوم قطعًا أنه خاص بحضرته سبحانه١.
٢- قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} يقتضي أن الله سبحانه وتعالى علمه بغير واسطة، فلا معلم له من البشر ومن كان هذا شأنه لا بد أنه قد تلقى
١ انظر: نظم الدرر: ١٢/ ١٠٦.
علمه بوحي من الله تعالى، وكذلك قول الخضر في نهاية تأويل الأحداث {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} فيدل على أنه أوحي إليه للقيام بهذه التصرفات.
وهذا أيضًا ليس نصًا قطعيًا في الدلالة على نبوته، فقد ثبت قوله عندما التقي بموسى عليه السلام: إني على علم لا ينبغي لك أن تعلمه.
فهو عبد من عباد الله الصالحين الذين أكرمهم الله سبحانه وتعالى بهذا العلم اللدني الخاص، ولا مانع أن يتلقى ذلك عن طريق الإلهام والمكاشفة.
٣- في قول موسى عليه السلام له {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} قد جعل نفسه تابعًا للخضر والنبي لا يتبع غير النبي في التعليم، لأن في تبعيته لغيره من غير الأنبياء إنزالًا لمكانته، ولا يليق لكونه القدوة في قومه.
وهذا أيضًا غير مسلم به لأن تابعية النبي لغيره لا تصح فيما أصبح باعتبارها نبيًا، أما في غيرها من العلوم الكونية والتجريبية والغيبية فلا مانع من التبعية.
٤- واستدلوا بطريقة الخضر في مخاطبة موسى حيث أبدى له الترفع والتعزز بالعلم الذي عنده، بينما نجد تواضع موسى الشديد، فلو لم يكن نبيًا لما تواضع له موسى هذا التواضع الجم.
وهذا أيضًا مردود لأن موسى عليه السلام أفضل وأعلى مكانة من الخضر عليه السلام على كل الاحتمالات، فإنه نبي مرسل من أولي العزم من الرسل، والخضر مختلف في نبوته، ولم يقل أحد ممن يعتد برأيه إنه رسول.
أما تواضع موسى عليه السلام له فإنه من باب تقدير العلم، وخفض الجناح للعلماء، وهضم حظ النفس، وقد خوطب سيد ولد آدم وأفضل الأنبياء والمرسلين بقول الله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ٢١٥] فالتواضع وخفض الجناح لا يدل على أفضلية المتواضع له.
٥- واستدلوا بما ورد في الحديث، أن موسى عليه السلام عندما التقى به قال: السلام عليك، قال: وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل، فقال موسى عليه السلام: من عرفك هذا؟ قال: الذي بعثك إلي.
قالوا: وهذا يدل على أنه عرف ذلك بالوحي، والوحي لا يكون إلا مع النبوة والجواب عن هذا كالجواب عن الدليل الثاني {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} لأن ذلك قد يكون عن طريق الإلهام أو المكاشفة١.
وعلى الرغم من ورود هذه الاحتمالات على هذه الأدلة، والقاعدة تقول: "إذا ورد على الدليل الاحتمال بطل به الاستدلال" فإني أرجح قول القائلين بنبوته والوحي إليه.
وذلك لأن الإلهام والمكاشفة لا يبنى عليهما حكم شرعي، ولا يجوز للولي العمل بمقتضاهما إذا خالفهما ظاهر الشريعة، لعدم العصمة.
بينما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فمعصومون من تسلط الشياطين عليهم أو التدخل فيما يوحى به إليهم أو يلهمونه، فإلهام الأنبياء والنفث في روعهم، وما يرونه أثناء النوم كل ذلك دليل شرعي تبنى عليه الأحكام الشرعية إلى جانب الوحي بواسطة جبريل عليه السلام إليهم، لذا كان إقدام إبراهيم عليه السلام على ذبح ولده إسماعيل بناء على ما رآه في منامه، حكمًا شرعيًا لازمًا لا مناص من تنفيذه {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: ١٠٢] .
وإقدام الخضر عليه السلام على إتلاف المال وقتل النفس لا بد أن يكون بناء على دليل يقيني لا يتطرق إليه الشك. ولا يكون هذا إلا لنبي من الأنبياء المعصومين من التلبيس والإلقاء والتشويش الذي قال الله سبحانه وتعالى في شأن صون ما يوحي به إليهم {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: ٢٦-٢٨] .
١ انظر: تفاصيل الأدلة وما ورد عليها في فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني: ٦/ ٣١٠ وما بعدها.
ثانيها- موت الخضر عليه السلام:
اختلف العلماء في موت الخضر عليه السلام:
ذهب جمهورالعلماء من المحدثين والفقهاء إلى موته، واستدلوا على ذلك بما يلي:
١- ظاهر قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: ٣٤] .
وكلمة بشر نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، والخضر عليه السلام داخل في هذا العموم.
٢- قول الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض" ١. فلو بقي أحد غيرهم على الأرض لما صح في الإطلاق، فدل على أن لا أحد غير المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يعبد الله على وجه الأرض على الشكل الصحيح.
٣- حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته -وفي رواية قبل موته بشهر- فلما سلم قام فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد" ٢.
٤- لو كان الخضر حيًا لآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ونصره وقاتل معه ولحضر الجمعة والجماعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان موسى حيًا لما وسعه إلا اتباعي" ٣. وقد أخذ الله سبحانه وتعالى الميثاق على النبيين وأممهم أن يؤمنوا برسول الله وينصروه، إذا أدركوا زمن بعثته كما في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِه
١ انظر: صحيح مسلم كتاب الجهاد: ٥/ ١٥٦.
٢ انظر: صحيح البخاري كتاب العلم: ١/ ٣٧.
٣ مسند الإمام أحمد: ٣/ ٣٨٧.
وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: ٨١] .
ولم يثبت بطريق صحيح مجيء الخضر عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما روي في ذلك من روايات لا يسلم من الطعن والضعف.
وذهبت طائفة من العلماء إلى أن الخضر عليه السلام حي، وهو من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أبرز القائلين بذلك: الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم١، والقرطبي في تفسيره٢، وابن الصلاح الشهرزوري في فتاواه٣، والنقاش وجهور الصوفية٤.
واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما يلي:
١- ذكر ابن عبد البر في "التمهيد" عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجي بثوب، هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون صوته ولا يرون شخصه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته السلام عليكم أهل البيت {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت} الآية، إن في الله خلفًا من كل هالك، وعوضًا من كل تألف وعزاء من كل مصيبة، فبالله فثقوا وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.
فكانوا يرون أنه الخضر عليه السلام، يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم٥.
٢- أخرج الخطيب وابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال: بينا أن أطوف بالبيت إذا رجل متعلق بأستار الكعبة يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا تغلطه المسائل، ويا من لا يتبرم بإلحاح الملحين، أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك، قلت: يا عبد الله أعد الكلام، قال: أسمعته؟ قلت: نعم، قال: والذي نفس الخضر بيده -وكان هو الخضر- لا يقولهن عبد دبر الصلاة المكتوبة إلا
١ انظر: شرح النووي على صحيح مسلم: ١٥/ ١٣٥.
٢ انظر: تفسير القرطبي المسمى بالجامع لأحكام القرآن: ٥/ ٤٠٨١.
٣ انظر فتاوى ابن الصلاح: ١/ ١٨٥.
٤ انظر: تفسير الألوسي المسمى روح المعاني: ١٥/ ٣٢٨.
٥ انظر: فتح الباري: ٦/ ٣١١، والألوسي: ١٥/ ٣٢٢، والمستدرك للحاكم: ٣/ ٥٨.
غفرت ذنوبه، وإن كانت مثل رمل عالج وعدد المطر وورق الشجر١.
٣- روى الدارقطني في الأفراد وابن عساكر عن ابن عباس أنه قال: الخضر ابن آدم لصلبه ونسيء له في أجله حتى يكذب الدجال.
٤- في التعليق على الحديث الوارد في صفة الدجال -وهو في صحيح مسلم- قال: "يأتي وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس -أو من خير الناس- فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر" الحديث. قال أبو إسحاق: يقال: إن هذا الرجل هو الخضر عليه السلام٢.
٥- مشاهدات الناس له في كل عصر ولقاؤهم به في أنحاء الأرض يؤكد استمرار حياته.
والذي يميل إليه القلب، أن أمور الكون تجري على سنن مطردة وإثبات خرق سنة كونية، لا بد له من دليل ثابت قطعي، إما بالمشاهدة المحسوسة أو بالاتصال إلى المعصوم عليه الصلاة والسلام والروايات التي استدل بها القائلون بحياة الخضر عليه السلام لا يتوفر فيها شرط الصحة -فضلًا عن الثبوت القطعي- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرواية ابن عبد البر، قال عنها ابن كثير: إسنادها ضعيف.
والروايات الأخرى ليست مسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن حكايات العامة لا تقوم بها حجة، ولا تثبت بها وبالروايات الضعيفة خارقة لسنة كونية في امتداد عمر إنسان آلاف السنوات. والله أعلم.
ثالثها- قصة الخضر مزلقة قدم:
قصة موسى والخضر عليهما السلام كانت ولا تزال مزلقًا لأقدام كثير من السفهاء والجهلة والزنادقة، حيث ذهبوا إلى الاستدلال بما فعله الخضر عليه السلام
١ انظر: روح المعاني: ١٥/ ٣٢٢ ونسبه إلى الخطيب وابن عساكر.
٢ أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان الفقه، راوي صحيح مسلم، انظر الحديث في صحيح مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة: ٨/ ١٩٩.
على التفلت من ظواهر أحكام الشريعة وادعوا أنها خاصة بالأنبياء والعوام، أما الخاصة من الأولياء، فإنهم تتجلى لقلوبهم التي خلت من الأغيار الحقائق، فيتصرفون على ضوء هذه الحقائق ولا يتقيدون بالظواهر، ويستدلون على زندقتهم بأفعال الخضر التي كانت مخالفة لظواهر الشريعة.
وأجمع العلماء على أن مثل هذا القول كفر وزندقة وهذا يقتل قبل أن يستتاب أو تعرض عليه التوبة، فإن أصر قتل، على خلاف في ذلك.
يقول الإمام القرطبي: "وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب، لأنه إنكار ما علم من الشرائع، فإن الله قد أجرى سنته وأنفذ حكمته بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه، وهم المبلغون عنه رسالته وكلامه، المبينون شرائعه وأحكامه، اختارهم لذلك، وخصهم بما هنالك، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ، وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: ٢١٣] ، وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي، واليقين الضروري، واجتماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه، ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل، فمن قال: إن هناك طريقًا آخر يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل، بحيث يستغني عن الرسل فهو كافر، يقتل ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب، ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام، الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله فلا نبي بعده ولا رسول، وبيان ذلك أن من قال يأخذ عن قلبه، وأن ما يقع فيه حكم الله تعالى، وأنه يعمل بمقتضاه، وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة، فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة فإن هذا نحو ما قاله عليه الصلاة والسلام:" إن روح القدس نفث في روعي "١ الحديث٢."
١ انظر: كلام القرطبي في تفسيره: ٥/ ٤٠٨٠.
٢ وانظر حديث "إن روح القدس نفث في روعي" في مجمع الزوائد للهيثمي: ٤/ ٧٢ وعزاه إلى الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة.
القيم من خلال قصة موسى والخضر عليهما السلام:
إن القيمة الأساسية التي يدور حولها المقطع الرابع وأحداث هذه الرحلة والصحبة هو "العلم" ، ولئن كانت القيم الصحيحة في المقاطع السابقة تقابل بأخرى داخلة فيها التمويه والزيف، فيراد كشف بهرجها وزيفها بإلقاء أنوار القيم الصحيحة عليها لإذابة ذاك الزيف والدجل عنها. فإن الأمر مختلف في هذا المقطع.
إن العلم يعرض هنا على أنه قيمة صحيحة ولكن له مظهران: ظاهر وخفي وينبغي أن لا تحجبنا وسائلنا التي نطلع بواسطتها على الجانب الظاهري عن التسليم بوجود الجانب الخفي الذي أحاط الله سبحانه وتعالى به.
إن العلوم التي بلغها الأنبياء والمرسلون لأممهم وأقاموا صرح الحضارات الإنسانية عليها علوم أساسية لم تستغن عنها البشرية في أي مرحلة من مراحل وجودها. وكانت واسطة العقد في هذه الرسالات السماوية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث ختمت به وبرسالته النبوات {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠] .
وإلى جانب العلوم المستمدة من الوحي الإلهي فهنالك العلوم التجريبية، التي تشكل حصيلة الجهد البشري على مر القرون للتعرف على سنن الله في الكون، للارتقاء بالوسائل التي يستخدمها الإنسان في حياته وتعامله.
وهذه العلوم كلها تكتسب بالجهد البشري، ولوسائل المعرفة من الحواس وغيرها دور في تنميتها والاستزادة منها.
ووراء كل ذلك علم غير خاضع للجهد البشري ووسائله في التعرف والاستزادة وهو علم الغيب الذي تدار شئون الكون به، ومجاله الإيمان المطلق والتسليم لعالمه جل جلاله الذي أحاط بكل شيء علمًا. وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي
كِتَابٍ مُبِينٍ، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس: ٦١-٦٣] .
ولعل من وجوه الحكمة في تأخير ذكر هذه القصة بعد القصتين السابقتين في سورة الكهف، أن القيم الواردة في القصص الثلاث تتباين المدارك البشرية في التعرف عليها.
فالقصة الأولى -قصة الفتية الذين آواهم الكهف- التي اشتملت على ذكر السلطة الجائرة التي أدعت حق الألوهية وموهت على الناس الحقيقة، إن بطلان هذه الدعوى يدركه العقل السليم مهما كان المستوى الثقافي لصاحبه، لأنه أمر مخالف لبدائه العقول وفطرة الإنسان.
بينما لا تدرك جميع العقول القيمة الزائفة في القصة الثانية -قصة صاحب الجنتين- فإن المال والجاه وكثرة الرجال، زينة الحياة الدنيا، ولا تدرك حقيقتها إلا العقول المهتدية بنور الإيمان.
أما القيمة الحقيقية للعلم بمظهره الظاهر والخفي، علم الشرائع والعلم اللدني لا يدرك حقيقته إلا أهل البصائر من المؤمنين الراسخين الذين لا تزعزع إيمانهم الأسباب الظاهرة والنتائج المحتملة، بل يرون خلف الأسباب والمسببات يد القدرة الإلهية والحكمة العليا التي تتجلى فيها حقائق أسماء الله الحسنى وصفاته العلى.
لذا فإننا نقول إن المقابلة هنا في قصة موسى والخضر عليهما السلام ليست مقابلة بين قيم زائفة وأخرى حقة، كما كان الحال في قصة أصحاب الكهف وقصة صاحب الجنتين، بل المقابلة بين قيم صحيحة ظاهرة وقيم صحيحة أخرى غيبية في علم الله المحيط بالحقائق ومآل الأمور.
والمتمسك بالعلم الظاهر محمود الفعال والسلوك، وينبغي أن لا ينكر العلوم الخفية وخاصة إذا وجد من الظواهر الكونية ما لا يمكنه تعليله أو معرفة أسبابه الظاهرة أو إدراك وجه الحكمة فيه، وإنما يعيد العلم إلى الذي يعلم السر في السماوات والأرض.
المقطع الخامس: قصة ذي القرنين الرجل الطواف
مدخل
المقطع الخامس: قصة ذي القرنين الرجل الطواف
{وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، فَأَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا، قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا، وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا، ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا، كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا، ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا، قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا، فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا، قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} . [الآيات من: ٨٣-٩٨] .
المناسبات
وحسب المنهج الذي التزمناه نذكر المناسبات بين هذا المقطع وبين المقاطع السابقة كما نحاول الربط بين هذا المقطع ومحور السورة أو العنوان الذي اخترناه لهذا البحث ذكر البقاعي وجوهًا للمناسبة بين قصة ذي القرنين وقصة موسى والخضر عليهما السلام فمما ذكره قوله:
- "لما فرغ من هذه القصة التي حاصلها أنها طواف في الأرض لطلب العلم عقبها بقصة من طاف الأرض لطلب الجهاد، وقدم الأولى إشارة إلى علو درجة العلم لأنه أساس كل سعادة وقوام كل أمر" ١.
- ويمكن أن يضاف إلى ما قاله البقاعي: أن في كل من القصتين رعاية لمصالح العباد وخاصة الضعفاء منهم، ومنع الفساد في الأرض وإقامة الحق والعدل ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى.
- الخبر الحقيقي عند الله سبحانه وتعالى وهو العلم ببواطن الأمور فضلًا عن ظواهرها ففي قصة موسى والخضر عليهما السلام {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} ، {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} ، {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} .
وفي قصة ذي القرنين {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} ، {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} .
أما مناسبة قصة ذي القرنين مع محور السورة والعنوان الذي اخترناه للبحث فهناك تناسب تام وانسجام كامل بين هذه القصة وبين القصص الثلاث المتقدمة في الهدف العام الذي استهدفت القصص الثلاث ترسيخه ألا وهو القيم الصحيحة، وما استهدفت كشفه والتنفير عنه ألا وهو القيم المزيفة الباطلة. وهذا البيان:
١- لما كانت القيمة الزائفة في قصة أصحاب الكهف هي السلطة الغاشمة الظالمة التي أدعت الألوهية من دون خالق السماوات والأرض، ووضعت نفوذها غير المجال التي خلقت من أجلها السلطة.
نجد في قصة ذي القرنين الحاكم الصالح الذي مكن له في الأرض وأوتي من كل شيء سببًا، فدالت لسلطته الأمم والشعوب، وفتحت له الأقاليم، وألقت
١ نظم الدرر للبقاعي: ١٢/ ١٢٨.
الملوك له قيادها، يحكم فيها بالعدل والإحسان، وعمران الأرض لما فيه خير العباد ودفع الفساد، ورفع الظلم والاعتداء، {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} .
فاستعمل السلطة والقوة في الموطن الذي خلقت من أجله، فكان استخدامها في موضعها شكرًا للخالق الذي أنعم عليه بهذا التمكين له في الأرض.
٢- والقيمة الزائفة في قصة صاحب الجنتين كانت زينة الحياة الدنيا المتمثلة في المال والنقر، ونجد في قصة ذي القرنين الإعراض عن زينة الحياة الدنيا والانصراف إلى ما عند الله فهو خير وأبقى {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} .
٣- وفي قصة موسى والخضر عليهما السلام كانت هناك قيمتان صحيحتان إلا أن إحداهما تتعلق بالعلم الظاهر الذي تساس به الأمم والشعوب.
والأخرى تتعلق بالعلم اللدني الخفي الذي لا يطلع عليه أحد إلا بمقدار ما يعلمه الله سبحانه وتعالى من لدنه.
نجد أن القيمتين تبرزان في قصة ذي القرنين، فقد أوتي من كل شيء سببًا وهي الأسباب الظاهرة من الخبرة والعلوم المتعلقة بسياسة الشعوب والأمم وعمارة الأرض وتخطيط المدن والأقاليم وتجييش الجيوش ومعرفة منازل الأرض. وكل ما من شأنه أن يمكن له في الأرض من أسباب عزة الدولة والحاكم العادل وترسيخ أقدامه في الحكم.
إلى جانب هذه الأسباب الظاهرة نجد الإيمان المطلق بالله سبحانه وتعالى
وتوفيقه له وأنه وفق إلى هذا بمحض الرحمة والفضل من رب العزة والكرم. {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} .
وكذلك إيمانه المطلق بوعد الله سبحانه وتعالى الذي إذا جاء فلن تستطيع هذه الأسباب الظاهرة الصمود أمامها. وأن هذا السد الذي منع يأجوج ومأجوج من العدوان، سيزول ويكون دكاء، لأن وعد الله قد تم بأن ينتشر فساد يأجوج ومأجوج قبيل قيام الساعة وقبل النفخ في الصور لجمع الخلائق {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} جعله دكاء علمًا أن الأسباب الظاهرة تومئ إلى تخليده لأنه جبل من الحديد المطعم بالنحاس، إلا أن وعد الله كفيل بإثارة السبب الخفي الذي يجعل هذا الجبل الحديدي دكاء ليلتحق بأمثاله من الجبال عندما يأتي أمر الله {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا، لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه: ١٠٥-١٠٧] .
لقد قال الخضر عليه السلام في نهاية جولاته مشيرًا إلى هذا العلم الغيبي الذي آتاه الله سبحانه وتعالى: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} ، ويقول الملك الصالح: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} .
لقد كانت خبرته وتوفيقه لعمل الخير والصواب وتمكينه في الأرض ليس اعتمادًا على الأسباب الظاهرة وإنما كانت في الحقيقة رحمة من الله العزيز الحكيم العليم الخبير.
لقد جاءت قصة ذي القرنين في خاتمة القصص السابقة لتبرز القيم الصحيحة واقعًا متمثلًا في سيرة أحد عباد الله الصالحين، ولا تكون مظنة خيالات ومثل لا مجال لتطبيقها على هذه الأرض وفي الواقع البشري١. بالإضافة إلى أنها من
١ للقيام بدور الخلافة في الأرض على الوجه الصحيح لا بد للحاكم أن يأخذ بطرفي المعادلة ويوازن بينهما وذلك:
- باتخاذ الأسباب الظاهرة التي تمكن من التصرف حسب سنن الله في هذا الكون لتسخيرها للمصالح المعتبرة.
- والاعتماد على الأسباب الخفية الغيبية "الإيمان بالغيب، الوحي" لإقامة العلاقات=
نوع القصص الذي كان فيه تثبيت قلب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول عنه سبحانه وتعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: ٤٩] . لتكون إفحامًا لأولئك الذين أرادوا إطفاء نور الله بتوجيه هذه الأسئلة التعجيزية، ولتكون دليل صدق على أن هذا وحي من الله {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: ١١١] .
= البشرية على ضوء الهدايات المستمدة منه.
وفقد إحدى الدعامتين يؤدي إلى نتائج غير محمودة، فالحضارة اليونانية والرومانية قديمًا والحضارة الغربية حديثًا اعتمدت على الدعامة الأولى "الأسباب الظاهرة" فسببت الشقاء للإنسانية. وفقدت الحضارة النصرانية هذه الدعامة واعتمدت على الثانية فقط فأصيبت بالشلل والعجز.
أما الحضارة التي نتجت من فتوحات ذي القرنين، والحضارة الإسلامية التي سادت العالم -يوم كان المسلمون قادة العالم- فقد أخذت بالدعامتين فأنتجت السعادة للبشرية.
العرض الإجمالي للمقطع الخامس
في هذا المقطع قصة ذي القرنين وجولاته الثلاث في مغرب الشمس ومطلعها وبين السدين، وكما هو الشأن في القصص القرآني لا تخبرنا الآيات الكريمة عن اسم ذي القرنين ونشأته ولا عن زمانه أو مكانه١، وإنما تحدثنا عن شيء حول شخصيته وعن رحلاته الثلاث: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} .
إنه شخص مكن له رب السماوات والأرض الخالق المدبر المتصرف في شئون الكون، رب العزة والجبروت مكن له في الأرض وآتاه من كل شيء سببًا، وينصرف ذهن السامع أو القارئ إلى وجوه التمكين له في الأرض،
١ ليس مهمة القصة القرآنية تسجيل الحدث التاريخي من زاوية تدوينية بحتة وإنما يكون التركيز على مواطن العظة والعبرة وهي تتحقق من غير ذكر للزمان والمكان في أغلب الأحيان، وحتى الأسماء أحيانًا كما مر في قصة أصحاب الكهف وصاحب الجنتين وصاحب موسى عليه السلام. وانظر ما ذكرناه في المقطع الأول عن مزايا القصص القرآني.
- مكن له في العلوم والمعرفة واستقراء سنن الأمم والشعوب صعودًا وهبوطًا.
- مكن له في سياسة النفوس أفرادًا وجماعات تهذيبًا وتربية وانتظامًا.
- مكن له في أسباب القوة من الأسلحة والجيوش وأسباب القوة والمنعة والظفر.
- مكن له في أسباب العمران وتخطيط المدن وشق القنوات وإنماء الزراعة.
مهما قيل ومهما تصور من أسباب التمكين الحسنة التي تليق برجل رباني قد مكن له في هذه الأرض يمكن أن يدخل تحت قوله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} . ويبقى للتصور مجال وللخيال سعة لاستشفاف صور هذا التمكين وأشكاله، وذلك من خلال المؤكدات العدة التي وردت في الآية الكريمة١.
ويبدأ ذو القرنين رحلته الأولى -ولا نعلم نقطة الانطلاق فيها- إلى أن يبلغ مغرب الشمس حيث يجدها الرائي أنها تغرب في موضع ما حسب ما تكون الجهة أو الموضع الذي يقف عنده فيما أنه كان في أقصى الغرب وكان أمامه البحر أو بحيرات ومستنقعات وجدها تغرب في عين حمئة٢.
ووجد عندها -أي العين الحمئة- قومًا، وهل كلف ذو القرنين من قبيل الله تعالى أن يحمل إليهم رسالة؟ وهل كان نبيًا؟ أو ملكًا صالحًا من أتباع أحد الأنبياء؟ أو أن تمكينه منهم جعل لسان حاله يقول بأن يتخذ فيهم سيرة حسنة حسب المفاهيم التي أتلزمها في حياته؟
ظاهر النص يدل على أنه كان مكلفًا بذلك من غير تحديد وسيلة التكليف.
١ المؤكدات في الآية: "إن" المفيدة التوكيد والنصب، و "نا" ضمير المتكلم المعظم نفسه، وفي "له" المفيدة للتخصيص، والعموم المستفاد من قوله: {مِنْ كُلِّ شَيْء} .
٢ يميل الدكتور عبد العليم خضر في كتابه "مفاهيم جغرافية في القصص القرآني، قصة ذي القرنين" إلى تحديد بحر إيجة وأنه البحر الغربي الذي بلغه، وأن خليج أزمير الذي يصب فيه نهر "غديس" الذي يحمل معه الأتربة والطين البركاني من الأناضول: هو العين الحمئة. انظر: ٢٤٤.
بهذا الأمر، ومن ثم كان المبدأ الذي سار عليه فيهم {أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا، وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} .
إنها سياسة العدل التي تورث التمكين في الحكم والسلطة وفي قلوب الناس الحب والتكريم للمستقيمين، وإدخال الرعب في قلوب أهل الفساد والظلم١. فالمؤمن المستقيم يجد الكرامة والود والقرب من الحاكم، ويكون بطانته وموضع عطفه وثقته ورعاية مصالحه وتيسير أموره.
أما المعتدي المتجاوز للحد، المنحرف الذي يريد الفساد في الأرض فسيجد العذاب الرادع من الحاكم في الحياة الدنيا، ثم يرد إلى ربه يوم القيامة ليلقى العقوبة الأنكى بما اقترفت يداه في حياته الأولى.
ولم يعين السياق القوم الذين اتخذ فيهم ذو القرنين هذه السياسة الحكيمة كما أهمل ذكر المدة التي مكثها بينهم والنتائج التي توصل إليها، وكأن الأمر المفروغ منه أن تثمر هذه السيرة العادلة والمبادئ السامية حضارة ربانية وتقدمًا وسعادة وطمأنينة لذا لا داعي لذكرها والوقوف عندنا.
ثم تأتي رحلة المشرق فيصل إلى مكان يبرز لعين الرائي أن الشمس تطلع من خلف الأفق، ولم يحدد السياق أهو بحر أم يابسة، إلا أن القوم الذين كانوا عند مطلع الشمس كانوا في الأرض مكشوفة بحيث لا يحجبهم عند شروقها مرتفعات
١ جاء التعبير القرآني في السياق بـ "ظلم" . ويطلق الظلم في الآيات الكريمة على معان عدة منها: الشرك وهو أشد أنواع الظلم {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} [لقمان: ١٣] ، {يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} [البقرة: ٥٤] .
- والسعي في الأرض بالفساد وارتكاب الفحشاء والموبقات {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٣٥] .
- والاعتداء على الناس وأكل أموالهم بالباطل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} [النساء: ٣٠] .
وقد أوصل الدامغاني معاني الظلم في القرآن إلى تسعة معان. انظر: قاموس القرآن أو إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن للدامغاني: ٣٠٨.
جبلية أو أشجار سامقة، ولعلها كانت بعض الصحاري الممتدة أو السهول الواسعة، فالمكان لم يحدد والستر لم يعين {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} ١.
ونظرًا لوضوح سياسة ذي القرنين في الشعوب التي تمكن منها، وهو الدستور المعلن في رحلة الغرب لم يكرر هنا إعلان مبادئه، لأنها منهج حياة ودستور ودولة مترامية الأطراف وسياسة أمم فهو ملتزم بها أينما حل أو ارتحل {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} .
إلا أن الرحلة الثالثة تختلف عن الرحلتين السابقتين من حيث طبيعة الأرض والتعامل مع البشر سكان المنطقة، ومن حيث الأعمال التي قام بها فلم يقتصر فيها على الأعمال الجهادية لكبح جماح الأشرار والمفسدين، بل قام بعمل عمران هائل.
أما الأرض فوعرة المسالك، وأما السكان -وكان وعورة الأرض قد أثرت على طبائعهم وطريقة تخاطبهم مع غيرهم- فهناك المشقة في التفاهم والمخاطبة بحيث لا يكاد الإنسان منهم يقدر على التعبير عما في نفسه، ولا أن يفقه ما يحدثه به غير بني قومه {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} إما في أسلوب التخاطب والتعامل -كما أسلفنا- أو من التخلف الحضاري والبدائية في العادات والمفاهيم والمصطلحات.
فلما وجدوا القوة في دولة ذي القرنين والعدل والصلاح في سيرته -وعدل السلطان بفتح أمامه القلوب قبل فتح الجيوش الأمصار- لجئوا إليه لحمايتهم من
١ الستر يطلق على الحواجز الطبيعية من الجبال والأشجار، وكذلك على ما يحجب ضوء الشمس من الأمور الصناعية من بنيان وملابس، وبكل احتمال مما سبق قال بعض المفسرين.
ويرجع الدكتور عبد العليم خضر أن الموضع الذي وصل إليه القرنين في جوله المشرق هي المناطق الصحراوية المطلة على المحيط الهندي وتعرف باسم "غيدروسيا" وكانت مأوى القبائل المتأخرة وكانت تغير على تخوم الدولة المجاورة فأراد ذو القرنين تأديبها وحماية حدود دولته الشرقية منهم. انظر: مفاهيم جغرافية: ٢٦٩.
هجمات تلك القبائل الهمجية المفسدة، قبائل يأجوج ومأجوج التي كانت تشن عليهم هجماتهم من خلف الجبلين المتقابلين من الممر الضيق الذي بينهما وذلك بإقامة سد بين الصدفين١، مقابل خراج يدفعونه إليه من أموالهم.
ونظرًا لأن القضية التي وضعها ذو القرنين نصب عينيه هي الإصلاح ومقاومة الفساد والشر، والحكم بالعدل بين الناس، ولم يكن همه جمع المال أو قصد العلو في الأرض بإذلال الشعوب، فقد رفض عرضهم، وتطوع بإقامة السد على أن يتطوعوا هم من جانبهم بتقديم الجهد البشري، فمنه الخبرة والتصميم والإشراف، وعليهم الطاقة العمالية والمواد الأولية المتوافرة في بلادهم.
وكان أيسر طريق لإقامة السد هو ردم ما بين الجبلين أولًا بفلزات الحديد الذي تتخلله قطع الفحم والخشب، حتى إذا تساوت قمة الحديد بقمة الجبلين المتقابلين، أمر بالنفخ لإيقاد النار بالحطب الذي يتخلل الفلزات لتسخين الحديد، حتى إذا جعله نارًا لشدة احمراره وتوهجه أفرغ عليه النحاس المذاب يتخلل الحديد ويختلط به فيصبح قطعة واحدة وكتلة متماسكة وجدارًا أملس بين الجبلين.
وهكذا حقق الأمن والطمأنينة لهؤلاء القوم المتخلفين، فلم تستطع قبائل يأجوج ومأجوج تسور الرد ولم يستطعوا ثقبه والنفاذ من خلاله٢.
ولما أنجز ذو القرنين هذا العمل الضخم الرائع، لم تأخذه نشوة البطر والغرور بل أعاد النعمة إلى مسديها، نعمة العلم والخبرة إلى واهبها، ونعمة التوفيق للعمل الصالح إلى الذي مكن له في الأرض، {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} .
ومن إيحاء هذا الموقف العظيم وهو يطل على البناء الشامخ ومن ورائه أفواج قبائل يأجوج ومأجوج المتلاطمة وهي لا تستطيع القلب ولا النقب تذكر مصير
١ الصدفان: الجبلان: المتناوحان أي المتقابلان، ولا يقال للواحد صدف وإنما يقال صدفان للاثنين لأن أحدهما يصادف الآخر. تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ١١/ ٦١.
ونسبه لابن عطية.
٢ سنعود إلى الحديث عن ذي القرنين، والسد، ويأجوج ومأجوج في مباحث مستقلة.
الأرض وما عليها ومن فيها، وهذه خواطر المؤمنين المصدقين بوعد ربهم فإن مصير الأرض والجبال الدك والتدمير {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ، وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الحاقة: ١٣-١٥] .
إنها المشاعر الإيمانية تجاه خالق السماوات والأرض المتصرف في شئون الكون ذي العزة والجبروت بيده مقاليد الأمور مصير كل شيء إليه.
{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} .
إنه نموذج الحاكم الصالح الذي أدرك مهمته في الحياة، لقد مكن له في الأرض فجاب الآفاق لنشر العدل والخير والصلاح وقمع الشر والفساد، والأخذ على يد الظالم ومناصرة الضعيف والمظلوم، ودرء العدوان، وإقامة العمران في الأرض من غير أن يكون له حظ دنيوي في كل ذلك بل ابتغاء مرضاة ربه، وإيثارًا للدار الباقية على الفانية فلم يشغله السلطان والجاه والمال والخبرة عن ذكر الله وشكره والتطلع إلى يوم المعاد.
وقفات لابد منها
الوقفة الأولى: مع ذي القرنين
وقفات لا بد منها:
بعد هذا العرض الإجمالي لهذا المقطع، وقبل الانتقال إلى مباحث القيم والعبر والمواعظ لا بد لنا من عدة وقفات نتناول بإيجاز ثلاثة أمور طال كلام المفسرين حولها وتباينت آراؤهم فيها وهذه الأمور:
- التعرف على شخص ذي القرنين.
- السد وموقعه.
- يأجوج ومأجوج: حقيقتهم، ومصيرهم.
الوقفة الأولى: مع ذي القرنين
اختلف المفسرون في اسم ذي القرنين ونسبه وزمان وجوده، وسبب تلقيبه بذي القرنين، ولولا هذا الخلط الشديد الذي لا يقبله العقل ولا ترضاه الشريعة الذي وقع فيه كثير منهم لأعرضنا عن الخوض في هذا الحديث لأن من منهجنا أن لا نلتفت إلى ما أهمله القرآن الكريم، وأن نسير حيث توجهنا الآيات الكريمة في التعرف على الهدايات القرآنية.
وأبرز الأقوال في تحديد شخصية ذي القرنين:
- أنه أبو كرب شمر بن عمرو بن أفريقيش الحميري.
أخذ من ظاهر التسمية، لأن الأذواء من أهل اليمن، فمنهم ذو نواس، ذو النون، ذو النار، سيف بن ذي يزن.
- وقال آخرون إنه الإسكندر المكدوني بن فيلبوس اليوناني
وذلك لأن البلاد التي استولى عليها الإسكندر امتدت من مشارق الأرض ومغاربها.
- وقيل هو قورش الإخميني، لإجماع المؤرخين على عدالة سيرته وحسن سيرته في الشعوب والممالك التي استولى عليها.
ولو نظرنا إلى الآيات الكريمة بتدبير وروية لاستطعنا أن نستنبط من خلالها معالم بارزة وأوصافًا واضحة يمكن أن تكون ضوابط وعلامات تعين على التعرف على هوية ذي القرنين. فمن هذه المعالم:
١- أنه رجل صالح، مكن الله له في الأرض وآتاه من كل شيء سببًا، فأقام العدل وحكم بالقسط.
٢- كانت له رحلة إلى مطلع الشمس وحروب انتصر فيها على أمم كافرة وأخضعها لحكمه.
٣- كانت له رحلة إلى مطلع الشمس لتأديب أقوام متخلفين.
٤- كانت له رحلة إلى منطقة جبلية وعرة لإقامة سد يحمي أقوامًا ضعفاء من هجمات قبائل يأجوج ومأجوج المتوحشة.
٥- من أساسيات السد الذي أقامه ذو القرنين، وقوعه بين جبلين متقابلين.
٦- تكوين هذا السد من زبر الحديد المطعم بالنحاس لتحقيق الصلابة والملاسة.
٧- الغرض من إقامة السد غرض عسكري لدفع هجمات القبائل المتوحشة والحد من فسادهم على القبائل المستضعفة.
ولو وضعنا هذه المعالم نصب أعيننا ثم ولجنا البحث من بابه مستخدمين مفتاحه الذي ذكره القرآن الكريم وهو: {وَيَسْأَلونَك} ، لاستطعنا أن نصل إلى بعض المرجحات كما وصل إليها أبو الكلام أزاد.
لقد وجه السؤال من قريش بقصد التعجيز، فلا بد إذن أن يكون أحد الفريقين -اليهود أو قريش- على علم بحال ذي القرنين لكي يدركوا صحة ما يخبرهم به محمد صلى الله عليه وسلم.
لا يقال إن قريشَا كانت تعرف ذلك، لأن ما تدركه قريش يدركه محمد صلى الله عليه وسلم وهو أحدهم، إذن الذين يعرفون أخبار ذي القرنين هم اليهود الذين زودوا قريشًا بهذه الأسئلة للوقوف على صدق محمد صلى الله عليه وسلم١،
ولو رجعنا إلى كتب اليهود لا نجد في أخبار الملوك والأنبياء ما ينطبق على ما أخبر به القرآن الكريم سوى ما ورد في رؤيا النبي دانيال.
ينقل أبو الكلام آزاد في كتابه: "ويسألونك عن ذي القرنين" من سفر دانيال فيقول: "في السنة الثالثة لجلوس بيلش فر الملك كنت بمدينة سوس هيرا -من أعمال عيلام على شاطئ النهر أولائي- فرأيت الرؤيا للمرة الثانية، رأيت كبشًا واقفًا على شاطئ النهر له قرنان عاليان، وكان الواحد منهما منحرفًا إلى ظهره، ورأيت الكبش ينطح بقرنيه غربًا وشرقًا وجنوبًا لا قبل لحيوان بالوقوف أمامه، فهو يفعل ما يشاء وصار هو كبيرًا جدًا، وبينما أنا أفكر في هذه الظاهرة إذ رأيت تيسًا أقبل من جهة الغرب وغشى وجه الأرض كلها، وكان بارزًا بين عيني التيس قرن عجيب، ثم إن التيس اقترب من الكبش ذي القرنين ونفر منه مغضبًا، ثم عمد إليه فكسر قرنيه، وصرعه وداسه فأصبح الكبش ذو القرنين عاجزًا عن مقاومته، محرومًا من ناصر ينصره عليه" [سفر دانيال ٨/ ١ نقلًا عن "ويسألونك عن ذي القرنين ٨٧" ] .
ثم ذكر الكتاب على لسان دانيال أن الملك جبريل ظهر له وشرح له رؤياه قائلًا: "إن الكبش ذا القرنين يمثل اتحاد المملكتين مادا وفارس فيملكهما ملك قوي لا تقدر دولة على مواجهته، أما التيس ذو القرن الواحد الذي رآه بعد الكبش فالمراد منه ملك اليونان، والقرن البارز بين عيني التيس يدل على أول ملك من اليونان" [سفر دانيال ٨/ ١١] .
يقول أبو الكلام آزاد تعليقًا على رؤيا دانيال:
كانت لليهود في رؤيا دانيال بشارة بأن نهاية أسرهم وبدأ نشأتهم الجديدة
١ يقول الألوسي: غرض اليهود من السؤال الامتحان، وذلك يحسن فيما خفي أمره ولم يشتهر، إذ الشهرة لا سيما إذا كانت تامة مظنة العلم. انظر روح المعاني ١٦/ ٢٧.
منوط بقيام هذه المملكة ذات القرنين، أي أن ملك مادا وفارس يغير على ملك بابل ويتغلب عليه ويحرر اليهود من أسرهم، وأن هذا الملك الذي اختاره الله لإعانة اليهود ورعايتهم يأمر بتعمير بيت المقدس من جديد ويجتمع الشعب الإسرائيلي الممزق مرة أخرى تحت رعايته.
وقد ظهر بعد هذه النبوءة بسنوات: الملك غورش الذي سماه اليونان سايرس، واليهود بـ "خورس" وحد مملكتي مادا وفارس فأنشأ منهما سلطنة عظيمة، ثم هاجم بابل واستولى عليها دون عناء.
رأى دانيال في رؤياه أن الكبش ذا القرنين ينطح بقرنيه في الغرب والشرق والجنوب، أي يجوز انتصارات باهرة في الجهات الثلاث، وهكذا كان أمر غورش، فقد كان انتصاره الأول في الغرب والثاني في الشرق والثالث في الجنوب، أي في بابل، وكذلك صدقت النبوءة بخلاص اليهود وازدهارهم، فقد أطلقهم غورش بعد فتحه بابل من الأسر وأذن لهم بالعودة إلى فلسطين وبناء الهيكل من جديد، وحذا حذو غورش خلفاؤه من ملوك مادا وفارس، فما زالوا يحمون اليهود ويرفقون بهم١.
ويقول أبو الكلام آزاد عن سبب رفق غورش باليهود:
"لقد كان غورش من متبعي مذهب مزديسنا أي الدين الزردشتي، وهذا أمر له أهمية خاصة في العلاقة التي كانت بين الفارسين والإسرائيليين، وفي المعلوم أن الوثنية كانت عامة شاملة العالم كله لم يشذ عنها إلا فئتان: اليهود، والزردشتيون."
وبطبيعة الحال أن يجد الملك غورش بعد فتحه بابل أن تصورات اليهود الدينية قريبة جدًا لتصوراته الدينية، فاندفع إلى احترامهم وتلقي نبوءاتهم برغبة خالصة "٢."
١ انظر كتاب "ويسألونك عن ذي القرنين" ٨٩.
٢ المرجع السابق ٩٨.
إننا وإن كنا لا نستطيع الجزم بما قاله أبو الكلام آزاد عن غورش، فإن الروايات التاريخية يدخلها التبديل والتحريف كثيرًا، إلا أننا نجد المنهج الذي سار عليه أبو الكلام آزاد أقرب إلى الموضوعية، ومع ذلك فإننا نستبعد ما ذهب إليه كثير من المفسرين في كون ذي القرنين أبا كرب شمر بن عمرو بن أفريقيش الحميري، لأنه لم يذكر في سيرته أنه بنى سدًا عسكريًا تنطبق عليه أوصاف سد ذي القرنين كما نستبعد الإسكندر المكدوني فقد كان وثنيًا سفاكًا للدماء متغطرسًا قتل أقرب المقربين إليه.
أما الأوصاف التي ذكرت في سيرة غورش "أو قورش الإخميني" كما وردت في كتب المؤرخين فتدل على حكمته وعدالته، كما أن فتوحاته التي ذكرت في المغرب والمشرق لحماية أطراف دولته من المغيرين الطامعين وبناء السد في شمال مملكته لحفظ سكان الشمال من هجمات القبائل المتوحشة. كل ذلك يرجح أن يكون ذا القرنين.
يقول الشيخ سعيد حوى في كتابه "الأساس في التفسير" :
"لا نعرف أحدًا من علماء عصرنا كأبي الكلام آزاد رحمه الله أكثرنا تأهيلًا للتحقيق في المعضلات التاريخية بما اجتمع له من ثقافة موسوعية دينية وتاريخية، وقد أقدم على تحقيق المراد بذي القرنين وبسده وبيأجوج ومأجوج، فقدم دراسة تعتبر أعظم دراسة في بابها حول هذا الموضوع، إلى أن يقول ومع أننا لا نستطيع الجزم بما أوصل إليه هذا التحقيق لكنه يبقى التحقيق الأقوى في التاريخ الإسلامي حول ذي القرنين" ١.
١ الأساس في التفسير، لسعيد حوى ٦/ ٣٢٣٢.
الوقفة الثانية: مع السد وموقعه
اختلف المفسرون في موقع السد الذي بناه ذو القرنين كاختلافهم في شخصه فذهب بعضهم إلى أنه سد مأرب وآخرون إلى أنه سور الصين إلى غير ذلك، ولو وضعنا أيضًا المعالم التي وضعها القرآن الكريم بين أيدنا لأمكننا التعرف على السد فما ذكره القرآن الكريم:
- أنه سد أقيم بن جبلين متقابلين -صدفين.
- أن تكوينه من الحديد المطعم بالنحاس المذاب.
- أن الغاية من إقامته حماية من دونه من هجمات الأعداء.
وهذا ما فعله أبو الكلام آزاد حينما خطأ القائلين بأنه سد مأرب لأنه سد من حجارة وتراب والهدف منه زراعي لحجز مياه السيول خلفه وتنظيم توزيعه لري الأرض.
وكذلك خطأ من قال إنه سور الصين الذي يمتد "٢٤٠٠" كيلو مترًا فوق السهول والوديان والتلال.
والذي وصل إليه أنه السد المقام على مضيق داريال في جبال القوقاز فإن سلسلة جبال القوقاز الرهيبة تمتد من بحر قزوين شرقًا إلى البحر الأسود غربًا بطول ألف ومائتي كيلومتر ولا يوجد ممر بين السلسلة الشاهقة سوى ممر ضيق يسمى مضيق "داريال" ولا يزد عرض هذا المضيق عن مائة متر تقريبًا، وفي هذا المضيق حاجز حديدي تنطبق عليه جميع أوصاف سد ذي القرنين، وهو يقع الآن في جمهورة جورجيا السوفياتية.
وقد كان الموقع التقريبي لسد ذي القرنين معلومًا لدى بعض المفسرين، فالقرطبي يقول في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} وهما جبلان من قبل أرمينية وأذربيجان١، كما أشار ابن كثير٢ إلى بعثه الواثق لاكتشاف حال السد. وقد ذكر ابن خردازبه في كتاب "المسالك والممالك" ٣ أن الخليفة الواثق العباسي -المتوفى سنة ٢٣٢هـ- كان رأى في منامه كأن ردم يأجوج ومأجوج قد فتح، فكلف "سلام الترجمان" باستطلاع السد، وزوده بالطعام والمال
١ انظر تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٥٥.
٢ تفسير ابن كثير ٣/ ١٠٤.
٣ كتاب المسالك والممالك لأبي القاسم عبد الله بن عبد الله المعروف بابن خردازبه المتوفى في حدود سنة ٣٠٠هـ. ط. مكتبة المثنى ببغداد. نقلًا عن كتاب "ذي القرنين" لمحمد خير يوسف.
وأرسل معه خمسين من الشباب الأقوياء ... إلخ. وزودهم بكتب إلى ملوك الأقاليم، وأمرائها، فوصلت البعثة إلى حصون قريبة من مكان السد، وحولها قرى وحصون خربة كثيرة، وأهل الحصون كانوا مسلمين يقرءون القرآن ولهم كتاتيب، فلما أخبروهم أنهم مرسلون من قبل أمير المؤمنين استغربوا ولم يعرفوا عنه شيئًا ولم يسمعوا به، ووصلوا إلى المدينة التي نزل فيها ذو القرنين للإشراف على بناء السد وهي على مسيرة ثلاثة أيام من موقع السد، ووصفوا السد بأن طوله يبلغ مائتي ذراع، وأن له عضادتين مما يلي الجبل من جنبي السفح.
وكله بناء من حديد مغيب في نحاس، وتكون اللبنة ذراعًا ونصفًا في ذراع ونصف في سمك أربعة أصابع.
وعادات البعثة بعد ان استغرقت رحلة الذهاب ستة عشر شهرًا، ورحلة الإياب اثنتي عشر شهرًا، ولم يبق من أعضائها سوى أربعة عشر رجلًا١.
وما ذهب إليه أبو الكلام آزاد، وبعض المفسرين السابقين رجحه الدكتور عبد العليم خضر، حيث يقول: "ووجد كورش أنه آن الأوان لتأديب الشعوب المتوحشة التي كانت تغير عبر مضيق داريال في جبال القوقاز وعلى شعوب إمارته في أذربيجان وجورجيا وأرمينيا وجنوب الحائط الجبلي الرهيب الذي يسمى جبال القوقاز التي تمتد إلى بحر قزوين في الشرق عند مدينة" دربند "حتى" سوخوم "على البحر الأسود، فتوجه إليها سنة ٣٥٧ق. م، وقضى بالإقليم حوالي تسع سنوات متوالية ما بين بناء السد الحديدي. وتأديب قبائل" الإسكوذيين "أو" الماساجيت "٢."
١ انظر أخبار بعثة سلام الترجمان في كتاب: معجم البلدان لياقوت الحموي ٣/ ١٩٩. ط دار صادر.
٢ انظر مفاهيم جغرافية ٢٧٣.
الوقفة الثالثة: مع يأجوج ومأجوج؛ حقيقتهم ومصيرهم
تضاربت أقوال المفسرين في حقيقة يأجوج ومأجوج وأشكالهم وأوصافهم وأعمارهم وتناسلهم. وليس فيها شيء مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذا آثرنا أن نضرب صفحًا عن تلك الأخبار والأقاويل، ولنا وقفة مع بعض الأحاديث الصحيحة التي تحدثت عن خروجهم قبيل قيام الساعة، فيما بعد.
ولكني وجدت تحقيقًا قيمًا فيما كتبه أبو الكلام آزاد حول القبائل المتوشحة في شمال شرق القارة الآسيوية وهجماتهم على العالم المتحضر في الجنوب والغرب، فأنقله بنصه مع شيء من الاختصار فإن هذا التحقيق يلقي أضواء على أصل قبائل يأجوج ومأجوج. يقول أبو الكلام آزاد:
"تسمى هذه البقعة الشمالية الشرقية" منغوليا "وقبائلها الرحالة" منغول "وتقول لنا المصادر الصينية أن أصل كلمة منغول هو" منكوك "بالكاف الفارسية بعد النون، أو" منجوك "بالجيم الفارسية، وفي الحالتين تقرب الكلمة من النطق العبري" ماكوك "بالكافين الفارسيتين، النطق اليوناني" ميكاك "بالكافين الفارسيتين، ويخبر تاريخ الصين عن قبيلة أخرى من هذه البقعة كانت تعرف باسم" يواشي "، والظاهر أن هذه الكلمة ما زالت تحرف عند الأمم حتى أصبحت يأجوج في العبرية" ١.
ثم يستعرض أبو الكلام آزاد كيف أن أرض منغوليا كانت مصدرًا لدفعات بشرية إلى الجنوب الشرقي "الصين" وإلى الجنوب الغربي، والغرب أحيانًا، وكثير من هذه الهجمات البشرية قد استوطنت الأرض التي احتلتها ومالت إلى الزراعة والصناعة، إلا أن مسقط رأس تلك الموجات البشرية بقيت على توحشها، وبقيت مصدر قلق للشعوب المتحضرة، ويستعرض أبو الكلام آزاد من خلال التاريخ سبع هجمات لهذه القبائل:
الأولى: كانت قبل العصر التاريخي عندما بدأت هذه القبائل تهاجر من الشمال الشرقي وتنتشر في آسيا الوسطى.
الثانية: في فجر التاريخ، ونرى معالم حياتين مختلفتين: حياة البداوة وحياة الاستقرار، فتخلد القبائل المهاجرة إلى السكينة، وبدأ هذا الدور من نحو سنة ١٥٠٠ ق. م. إلى سنة ١٠٠٠ ق. م.
الثالثة: من سنة ١٠٠٠ ق. م. فنجد قومًا همجًا من البدو في بلاد بحر الخزر والبحر الأسود، ثم لا يلبث هو أن يظهر بأسماء مختلفة ومن وجهات مختلفة،
١ انظر: كتاب "ويسألونك عن ذي القرنين" ١٦٥.
ثم نرى قبائل "سي تهين" أخذت تظهر على مسرح التاريخ من سنة ٧٠٠ ق. م. وتهاجم آسيا الصغرى.
ويقول هيرو دتس: إن حدود الآشوريين الشمالية كانت عرضة لغارات قبائل "سي تهين" المستمرة، وكانت هذه الحدود تمتد إلى جبال أرمينيا. فكانت قبائل "سي تهين" تجتاز مضيق القوقاز وتشين الغارات المدمرة على شعوب السهول، حتى إن جموعًا كبيرة منها تقدمت سنة ٦٢٠ ق. م. ووصلت إلى "نينوى" داست في طريقها إيران الشمالية، ويرى مؤرخو اليونان أن هذا الحادث كان من أهم أسباب سقوط نينوى١.
أما الهجمة الرابعة: فينبغي أن نجعلها في حدود سنة ٥٠٠ هـ. م. الزمن الذي ظهر فيه غورش تكونت مملكة مادا وفارس المتحدة فتغيرت الظروف فجأة وأمنت آسيا الغربية من هجمات قبائل "سي تهين" ٢.
وكانت الخامسة: في القرن الثالث قبل الميلاد، وقد تدفق سيل جديد للقبائل المنغولية وانصب على الصين، وقد سمى مؤرخو الصين هذه القبائل "هيونج نو" وفي هذا العصر بنى إمبراطور الصين "شي هوانج تي" ذلك الجدار العظيم الذي اشتهر بجدار الصين لصد هجمات هؤلاء المغيرين، والذي لا يزال يوجد إلى يومنا هذا، وقد بدءوا بناءه سنة ٢٦٤ ق. م. وأتموه في مدة عشر سنين٣.
١ انظر كتاب "ويسألونك عن ذي القرنين" ١٦٧ وأشار إلى كلام هيرودتس ١/ ١٠٤.
٢ رجح الدكتور عبد العليم خضر أن حكم قورش الإخميني كان بين ٥٥٩-٥٢٩ ق. م. وتوفي بعد بناء السد قرب مضيق داريال سنة ٥٢٩ ق. م. معالم جغرافية ٢٤٤.
٣ يبلغ طول سور الصين "٢٤٠٠" كيلوا مترًا في خط مستقيم يتراوح ارتفاعه بين خمسة أمتار وعشرة أمتار، ويبلغ عرضه من ثمانية أمتار عند القاعدة إلى خمسة أمتار عند القمة، وعليه رصيف واسع يسمح بمرور ستة فرسان جنبًا إلى جنب، ويبلغ عدد أبراجه "٢٥٠٠" برجًا، مساحة كل برج خمسة أمتار مربعة وارتفاع البرج سبعة عشر مترًا، وهو مبني من الحجارة وبداخله التراب، وواجهتها من الطوب ويعود تاريخ بنائه إلى أسرة مينج الصينية. انظر دائرة المعارف للبستاني ١١/ ١٠١، وموسوعة المورد للبعلبكي ٥/ ٢٧.
وكانت الهجمة السادسة: في القرن الرابع الميلادي على أوروبا بقيادة "أتيلا" - بعد أن سدت في وجوههم منافذ الشرق والجنوب وقضت على الإمبراطورية الرومانية وعلى مدنيتها معًا.
وكانت الهجمة السابعة: في القرن الثاني عشر الميلادي، فاحتشدت جموع عظيمة من القبائل في بلاد منغوليا، وخرجت بزعامة جينكيز خان، فقضت على الحاضرة العربية وخربت مدينة بغداد، مدينة السلام سنة ٦٥٦هـ. ا. هـ١.
على ضوء هذا التحقيق العلمي الذي قدمه لنا أبو الكلام آزاد، فإن التكاثر السكاني من ناحية ووقوع المجاعات والكوارث ونقص الموارد الغذائية من ناحية أخرى، كل ذلك يؤدي إلى انتشار الموجات البشرية بحثًا عن الطعام أو حبًا في السيطرة والغلبة، وما هذه الهجمات المغولية إلا ظاهرة متكررة، وستكون آخرها ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سيحدث قبيل قيام الساعة حين يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فقد جاء في صحيح مسلم: "... فيطلبه -أي يطلب"
١ في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة بنت أم حبيبة، بنت أبي سفيان، عن أمها أم حبيبة، عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم -قال سفيان أربع نسوة- قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر الوجه، وهو يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها" ، قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: "نعم إذا كثر الخبث" . انظر صحيح البخاري كتاب الأنبياء ٤/ ١٠٩، وصحيح مسلم كتاب الفتن ٨/ ١٦٥.
وهذه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحققت في هجمة التتار عام ٦٥٦هـ، ولقد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب بالذكر ولم يعمم المسلمين، وكانت الخلافة الإسلامية بيد العباسيين، وبعد القضاء على خلافتهم خرج الأمر من أيدي العرب ولم يجتمع أمر الأمة الإسلامية بعد ذلك عليهم.
كما أن تحليق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصبعيه الإبهام والتي تليها كناية أن باب الفتنة لم يفتح على مصراعيه، وستتحقق المعجزة الأخرى في فتح باب الفتنة على مصراعيه عند اقتراب الوعد الحق عندما تخرج قبائل يأجوج ومأجوج قبيل قيام الساعة ليدمروا العالم المتحضر مرة أخرى، والخروج الأخير من علامات الساعة الكبرى كما سنذكره بعد قليل.
عيسى بن مريم عليه السلام الدجال- حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى بن مريم قومًا قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خير من مائة دينار لأحدكم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرًا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرك وردي بركتك ... "١."
والمتبادر إلى الذهن أن يأجوج ومأجوج الذين سيخرجون قبيل قيام الساعة وبعد نزول عيسى عليه السلام هم من نسل السابقين الذين حجزهم ذو القرنين خلف السد، ولكن ما واقعهم الآن هل لا يزالون يتموجون خلف السد، ولو حاول أحد ما أن يطلع عليهم أو يراهم فما شأنهم؟
لقد ورد حديث بلبل أذهان كثير من المفسرين، مما جعل بعضهم يقول إنهم أصبحوا في علم الغيب فلا يراهم أحد إلا عند قبيل الساعة؟! والذي دفعهم إلى ذلك أن الواقع المرئي حول جبال القوقاز وغيرها من المناطق التي يحتمل أن يكون موطنهم، لا يوجد فيها مثل تلك الأمواج المتلاطمة من البشر، ومما زاد الفهم اضطرابًا دلالة ظاهر الآية الكريمة {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا، وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} .
١ صحيح مسلم كتاب الفتن ٨/ ١٩٩.
ولإلقاء الضوء على الموضوع نذكر الحديث أولًا ثم نرى معنى الآية ثانيًا: روى الإمام أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجه١ في سننهما عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا، فيعودون إليه كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء الله فيستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخروجون على الناس" الحديث.
يقول ابن كثير في تفسيره تعقيبًا على الحديث:
وهذا إسناد جيد قوي ولكن في رفعه نكارة، لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه، لإحكام بنائه وصلابته وشدته، ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار، أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه، ويقولون غدًا نفتحه ويلهمون أن يقولوا: إن شاء الله، فيصبحون وهم كما فارقوه فيفتحونه، وهذا فتحه.
ولعل أبا هريرة تلقاه عن كعب فإنه كثيرًا ما كان يجالسه ويحدثه، فحدث به أبو هريرة، فتوهم بعض الرواة أنه مرفوع فرفعه. والله أعلم٢.
فإذا لم يصح رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا إشكال عندئذ لأن سياق الآيات الكريمة يدل على أن ذا القرنين بنى السد وأحكمه وبعد أن تم ذلك {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} . في ذاك الوقت، ثم جاء الحمد والثناء على الله سبحانه وتعالى على لسان ذي القرنين لأنه وفقه إلى بناء هذا السد وحماية الأقوام المستضعفين الذين كانوا مطمع قبائل يأجوج ومأجوج. فتركزا يموج بعضهم في بعض وهم لا يستطيعون تسلق السد ولا نقبه٣، ثم اسدل الستار على
١ مسند الإمام أحمد ٢/ ٥١٠؛ سنن الترمذي كتاب التفسير ٤/ ٣٧٥؛ سنن ابن ماجه كتاب الفتن ٢/ ١٣٦٤.
٢ تفسير ابن كثير ٣/ ١٠٥.
٣ في التعبير بكلمة "ما" في قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} دلالة دقيقة. وهي أن "ما" لنفي الحال، بينما "لن" لنفي المستقبل القريب، و "لا" : لنفي المستقبل البعيد. انظر البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن للزملكاني ١٩٣.
فنفى استظهار السد ونقبه في الحال -أي حال إتمام بنائه- ولم يتعرض للمستقبل.
الحديث عن يأجوج ومأجوج وهم محجوزون، وكما قلنا سابقًا ومن إيحاء هذا المنظر جرى الحديث عن مصير السد وعن حشر الناس يوم القيامة للحساب. أما السد فيصبح دكًا ويسوى بالأرض عند قيام الساعة أما الناس -جميع الناس بما فيهم يأجوج ومأجوج- فإذا نفخ في الصور سيجمعون جميعًا ويعرضون على جهنم، وجاء التعبير بصيغة الماضي "ونفخ" لتحقق الوقوع فهو أمر كائن لا محالة، ويكثر في القرآن الكريم التعبير عن أحداث المستقبل بصيغة الماضي لأن الحدث متحقق الوقوع فكأنه قد وقع وفرغ منه مثل قوله تعالى: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} .
أما واقع يأجوج ومأجوج بعد الحجز فكأي قوم من الأقوام أو أمة من الأمم تعتورها فترات تكاثر وإخصاب ونمو، كما تعتورها فترات ركود وضعف وقلة، ففي حالات التكاثر يحدث الانفجار السكاني وتكون موجات الهجرة والسيطرة، وفي فترات الضعف يكون الكمون وربما يُغزون من غيرهم.
إلا أن ظاهر الآيات والأحاديث يدل على أن الموجات البشرية التي ستكتسح كل شيء أمامها وتجفف منابع المياه العذبة -ومنها بحيرة طبرية- سيكونون من نسل يأجوج ومأجوج الذين حجزوا خلف سد ذي القرنين حيث تكون موجة التكاثر والخصوبة على أشدها في تلك القبائل. ولله في خلقه شئون.
القيم في قصة ذي القرنين
أ- القيم الصحيحة:
تمثلت القيم الصحيحة في سيرة ذي القرنين وأعماله وأقواله، وهي في نفس الوقت تأكيد للقيم الصحيحة التي مر ذكرها في القصص الثلاث السابقة:
١- الحكم والسلطة والتمكين في الأرض ينبغي أن يسخر لتنفيذ شرع الله في الأرض وإقامة العدل بين العباد، وتيسير الأمر على المؤمنين المحسنين، وتضييق الخناق على الظالمين المعتدين ومنع الفساد والظلم وحماية الضعفاء من بطش المفسدين، وهي عكس ما ورد في قصة أصحاب الكهف حيث استخدمت السلطة والحكم في الانحراف والدعوة إلى الشرك {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} .
٢- الرجال الأشداء ذوو الخبرات الفنية العالية في النواحي العسكرية والعمرانية والاقتصادية الذين كانوا طوع بنان ذي القرنين، وكذلك خضوع الأقاليم له وفتح الخزائن أمامه وتقديم خراب الشعوب له طواعيه، كل ذلك لم يدخل على نفسه الغرور والبطر والطيش والغواية بل بقي مثال الرجل المؤمن العفيف المترفع عن زينة الحياة الدنيا {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} . وبعد الانتهاء من تشييد السد قال: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} .
وقارن هذا بما قاله صاحب الجنتين {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} ، {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} .
٣- اتخاذ الأسباب الظاهرة والخفية المغيبة لبلوغ الغايات والأهداف التي سعى إليها حيث آتاه الله من كل شيء سببًا فأتبع سببًا حتى إذا بلغ مغرب الشمس لنشر الإيمان وإقامة العدل.
- ثم أتبع سببًا حتى إذا بلغ مطلع الشمس لمحاربة التخلف.
- ثم أتبع سببًا حتى إذا بلغ بين السدين لإصلاح الأرض ومنع الفساد والدمار وهذه الأسباب الظاهرة والتي كانت من دواعي التمكين له في الأرض لم تصرفه عن النظر في الأسباب الغيبية التي تكون من دواعي التمكين المعنوي مثل: العدل، والإحسان إلى المؤمن المحسن والتيسير عليه والأخذ على يد الظالم والتضييق عليه وكلها من دواعي التمكين المعنوي.
- إعادة النعم والفضل إلى مسديها سبحانه وتعالى.
- الإيمان المطلق بعلم الغيب ومنه قيام الساعة.
ب- القيم الزائفة في قصة ذي القرنين:
وتمثلت القيم الزائفة فيما وجه إليه ذو القرنين همته لإزالته وإصلاحه فمن ذلك:
١- الكفر والظلم والاعتداء الذي قضى عليه في مغرب الشمس {أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} .
٢- التخلف المتمثل في القوم عند مطلع الشمس {وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} .
٣- الإفساد والدمار المتمثل في تصرفات يأجوج ومأجوج {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} .
العظات والعبر في المقطع الخامس قصة ذي القرنين:
١- إن اتخاذ الأسباب للوصول إلى الغايات لون من ألوان التمكين الرباني لعباده ولايتنا في ذلك مع توكيل العبيد على الله سبحانه وتعالى وطلبهم العون والتوفيق والسداد.
٢- من دعائم الملك الصالح والسلطة العادلة تكريم أهل الصلاح وجعلهم بطانة الحاكم واستشارتهم في شئون الدولة وإسنادها إليهم، وتكليفهم بسياسة الرعية، وإبعاد أهل الفساد والظلم والانحراف والمضايقة عليهم.
٣- من مهمات الحاكم الصالح الجهاد في سبيل الله لنشر كلمة التوحيد، ورعاية مصالح الأمة، وحماية المستضعفين ودفع إفساد المفسدين عنهم، وإقامة العدل في ربوع الأرض.
٤- من مهمات دولة العدل إقامة المشاريع والمنشآت النافعة للأمة، التي توفر الأمن والرخاء والسعادة للشعوب.
٥- بقاء سد ذي القرنين إلى قيام الساعة، فإذا جاء وعد الله تعالى باختلال النظام الكوني جعله دكاء وكان وعد ربي حقًا.
٦- بقاء نسل يأجوج ومأجوج إلى قبيل قيام الساعة، حيث يخرجون في آخر الزمان، ويكون خروجهم من علامات الساعة الكبرى.
خاتمة السورة
لقد تضمنت الخاتمة جملة من الحقائق التي تحدثنا عنها تفصيلًا في افتتاحية السورة، وذكرنا هناك الحكمة في ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العشر آيات من أول السورة والعشر آيات الأخيرة من السورة وكونها عصمة من فتنة الدجال لمن قرأها أو حفظها١. ولا نعيد ذكرها هنا مرة أخرى اكتفاء بما تقدم ونكتفي هنا بالعرض العام للخاتمة.
يمكن تقسيم الخاتمة إلى ثلاث فقرات:
الفقرة الأولى: وهي وثيقة الصلة بمشهد ذي القرنين ومنظر القبائل والشعوب والأمم التي حشرت خلف السد، فهي تموج وتضطرب ولا تجد منفذًا ولا سبيلًا إلى الانتشار إلى غاياتها.
وكأن ذا القرنين بعد أن أتم هذا السد الشامخ وتحقق غرضه، ورأى ثمرة جهده لسنوات عديدة، وهو يكابد لإكمال السد بتأمين المواد الأولية وإقامته على التخطيط الدقيق والأسس العلمية السليمة من جهة.
ويكافح لدفع غارات المفسدين في الأرض الذين يحاولون الحيلولة بينه وبين إتمام هذا السد.
فما انتهى وأشرف على هذا الإنجاز الضخم توجه إلى ربه شاكرًا متضرعًا للذي بفضله وكرمه ونعمته تتم الصالحات فقال: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} واستشعر
١ انظر: ما تقدم: ١٨٠ وما بعدها.
- وهو المؤمن بيوم النشور والحشر- أن كل شيء في الدنيا زائل وتذكر يوم العودة إلى الله سبحانه وتعالى ويوم تحمل الأرض والجبال فتدك وتسوى بالأرض {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} ، قال: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} .
وتتميمًا للصورة المجسدة في حشر يأجوج ومأجوج وحجزهم خلف السد جاء التعقيب الإلهي للتذكير بالحشر الأكبر الذي يقع بعد الدك وخسف القمر وجمع الشمس والقمر واختلال نظام الكون إنه يوم النفخ في الصور {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} لقد بعث الأولون والآخرون بألوانهم المختلفة وأشكالهم المتباينة وهيئاتهم المتنوعة، إنه يوم الجمع الأكبر، إنه يوم الدين، يوم الحساب والجزاء لقد جمعوا جمعًا راغمين، يقول أحدهم: أين المفر؟ {كَلَّا لا وَزَرَ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} . تموج بهم الأرض كالجراد المنتشر، أبصارهم خاشعة كليلة ترهقهم ذلة، إنه اليوم الموعود، وقد أزيلت الحواجز عن الأرض فلا ترى فيها عوجا ولا أمتًا، وأخرجت الأرض أثقالها فلم يبق في جوفها سر دفين، وكشفت السرائر وبرزت الحقائق على وجوه أصحابها. لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء، والقلوب لدى الحناجر كاظمين. ووضعت الموازين القسط، وتطايرت الصحف، وأعلنت مبادئ العدل الرباني:
- لا ظلم اليوم.
- لا كلام إلا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولًا.
- لا شفاعة إلا بإذنه.
- كل إنسان يحمل طائره.
- كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا.
وتعرض جهنم وتحسب بأزمتها١، ويا هول ما يرى من أمرها.
١ في صحيح مسلم: "يؤتى بجهنم تقاد يوم القيامة بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك" انظر: صحيح مسلم كتاب الجنة: ٨/ ١٤٩.
لقد كشف الغطاء عن البصائر المغطاة المحجوبة بظلمات الكفر والعصيان فلم يبق مجال للتكذيب بالنار واليوم الآخر.
لقد وجدوا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون في تبليغهم.
فهذه جهنم تعرض أمام الكافرين عرضًا، لقد قالوا لرسلهم في الحياة الدنيا {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} فلا نفقه ما تقولون ولا نسمع وعيدكم بل قالوا -استخفافًا واستهزاء - {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَاب} .
إنها من إيحاءات هذا المنظر المعروض في تموج يأجوج ومأجوج خلف السد فالمؤمن لا يترك لحظة ولا حالة ولا منظرًا إلا ويأخذ منه العبرة ويربطه بالنتيجة وبالمصير الأبدي.
ثم يأتي التعقيب العام في الفقرة الثانية على معطيات الجولات والمقاطع في السورة كلها أفحسب أهل القيم الباطلة أن خلقهم ووجودهم في الحياة الدنيا كان عبثًا، أفحسبوا أن القضية لعب ولهو ثم لا رجوع إلى الله سبحانه وتعالى أفحسبوا أن صلاتهم وولاءاتهم لزعاماتهم وقياداتهم ستغني عنهم شيئًا؟! أحسبوا أن الموازين والقيم في الآخرة -إن آمنوا بها- هي نفسها التي كانوا يختلقونها من عند أنفسهم ويتعاملون بها؟!
ويورد السياق كلمة الكفر لتلقي بظلالها الكثيفة في هذا المشهد ليدرك هؤلاء أساس البلاء وسبب الشقاء:
- {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} .
- {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} .
- {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} .
- {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} .
- {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} ١.
١ جاء التصريح بصيغة الكفر خمس مرات، ومرتين ضمنًا فإن دلالة الكفر الستر والتغطية، وقد جاء في قوله تعالى: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} ذكر الأغطية على الأعين وفيه معنى الكفر والحاجز المانع عن السمع وهو لون من ألوان الغطاء وفيه معنى الكفر.
وهذا التركيز في الخاتمة على الأمر لبيان سبب استحقاقهم هذا المصير البائس ولتنفير المؤمن من هذه الصفة وإيجاد مناعة لديه، وإيجاد حاجز نفسي بينه وبين المتصفين بها، وهذا أسلوب من الأساليب القرآنية المطردة لترسيخ مفاهيم معينة، أو التنفير من صفات مذمومة.
لقد أكثر هؤلاء الكفرة المنكرون يوم البعث والنشور من الأعمال الدنيوية مالًا، ورجالًا، وجاهًا، حتى انتفخت نفوسهم بها عجبًا وزهوًا وكبرًا وأشرًا وبطرًا، فكان حتفهم في ذلك، فحبطت تلك الأعمال حيث انتفخت فقضت على صاحبها، فهي وأصحابها لا تزن عند الله جناح بعوضة {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القايمة لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرءوا إن شئتم {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} " ١.
هؤلاء هم أخسر الناس على الإطلاق، لأنهم كدوا وتعبوا وجمعوا وسعوا سعيًا حثيثًا في الدنيا، فلم يتركوا ميدانًا من ميادين الفخر والمآثر الدنيوية، ولا مجالًا حسبوه يخلد ذكرهم ويرفع شأنهم إلا اقتحموه. وهم يظنون أن من أعطي في الدنيا شيئًا قيمًا أن يُعطى أكثر منه في الآخرة {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} .
لقد اختلت الموازين عندهم، فلم يستجيبوا لنداء الفطرة في نفوسهم ولم يحملوا أنفسهم عناء التفكر في نهاية المطاف في الخلق والكون علمًا أنها مليئة بالبراهين والدلالات على زوالها وفنائها.
بل سخروا برسل الله المبلغين لدعوة ربهم واتخذوهم هزوًا فكلما ذكروهم بأمر الآخرة والحساب والجزاء قالوا: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} .
١ رواه الشيخان، انظر: صحيح البخاري كتاب التفسير: ٦/ ٢٣٦، وصحيح مسلم كتاب صفات المنافقين: ٨/ ١٢٥.
ويقولون لقد ذهب آباؤنا ولم يعودوا ثانية إلينا ونحن على آثارهم سنمضي ولسنا بمنشرين.
إن مصير هؤلاء جميعًا إلى جهنم التي تعرض عليهم في هذا اليوم بما كسبت أيديهم من سيئات الأعمال، وبما جحدت عقولهم من الآيات البينات وبما ران على قلوبهم من ظلمة الكفر والطغيان.
وفي الفقرة الثالثة يأتي الحديث عن جحافل الإيمان والصبر والتقوى أتباع الأنبياء، المخلصين لربهم، القانتين المطيعين، لقد استنارت قلوبهم بالإيمان واليقين، وتثقفت عقولهم بالهداية والعرفان واستقامت نفوسهم على طاعة الديان، وازدانت جوارحهم بالصالحات من الأعمال تمسكوا بالعروة الوثقى، واعتصموا بحبل الله المتين، فاتخذوا كل ذلك سببًا إلى جنات الفردوس، فتبوءوا منها منزلًا لا يريدون التحول عنه.
إنهم عرفوا الحقائق وقيمها الراخسة فتمسكوا بها، وعرفوا زيف زينة الحياة الدنيا فأنزلوها منزلتها الصحيحة -إنها بلغة ومزرعة للآخرة.
ثم اللمسات الأخيرة في نهاية السورة كالأضواء الكاشفة على المنهج الصحيح الذي يؤدي بصاحبه إلى جنات الفردوس:
إنه الوحي الذي أوحاه الله سبحانه وتعالى إلى عبده ورسوله،
إنها كلمات الله التي لا يحيط بها عقل أو خيال.
فمن أراد أن يجنّب جهنم ويتحول عنها فلا يلزم بها منزلًا ومستقرًا وأن يسلك طريق جنات الفرودس التي لا يبغي عنها حولًا فعليه أن يلتزم بأساسين:
أ- العمل على وفق وحي الله المنزل على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ب- أن يخلص العمل لوجه الله جل جلاله ولا يتخذ معه شريكًا في عبادته.
{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} .
الخاتمة
كانت هذه جولات في التفسير الموضوعي، حاولنا فيها الاطلاع على أصل هذا اللون من التفسير تاريخيًا، ثم عرجنا فيها على أنواع التفسير الموضوعي وحاولنا إلقاء أضواء على مناهج البحث في التفسير الموضوعي لعلها تكون معالم لمن يأتي بعدنا فيزيد وينقح ويعدل لتكون هذه الجهود لبنات في بناء هذا اللون من التفسير -الذي نتوقع أن يكون اللون السائد للتفسير في مستقبل الأيام والله أعلم.
كما قدمنا نموذجين لهذا اللون من التفسير أحدهما موضوع من خلال القرآن الكريم، وهو "الألوهية من خلال آيات القرآن الكريم" والثاني تفسير سورة تفسيرًا موضوعيًّا، واخترنا سورة الكهف، فبحثنا فيها "القيم في ضوء سورة الكهف" .
والله أسأل أن يجعل هذا الجهد المتواضع خدمة لكتابه المبين وأن ينفع به إخواننًا من طلاب العلم، وأن يجعله في ميزان حسناتنا ذخرًا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الفهارس
١- فهرس الآيات الكريمة
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الفاتحة" :
٥، ٦ "إياك نعبد وإياك نستعين" ٨٥.
"سورة البقرة" :
١- ٤ "ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه." ٧٦
٣٠ "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" ٩٦
٣٤ "إلا إبليس أبي واستكبر وكان الكافرين" ٢٥٠
٣٨ "قلنا اهبطوا منها جميعًا فإما يأتينكم مني هدى" ٩٧
٦٨ "قالوا ادع لنا ربك" ٢٧٥
٨٣ "ثم توليتم إلا قليلًا منكم" ٨٨
١٠٥ "ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب" ٢٤
١٢٩ "ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم" ٨٩
١٣٦ "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا" ٢٦٧
١٤٣ "وكذلك جعلناكم أمة وسطًا" ٨٨، ١٩٣
١٧٢ "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" ١٩
رقم الآية الآية رقم الصفحة
١٨٠ "إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا" ٢٤
١٨٩ "يسألونك عن الأهلة" ٦٠، ٦١
١٩٠ "وقاتلوا في سبيل الله" ٨٧
٢١٣ "كان الناس أمة واحدة" ٢٦، ٩٨، ٢٩٦
٢١٥ "قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين" ٢٤
٢١٦ "كتب عليكم القتال وهو كره لكم" ٨٧، ٢٨٥
٢٤٠ "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصية لأزواجهم" ٦٨
٢٤٥ "من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا" ٨٩
٢٤٧ "والله يؤتي ملكه من يشاء" ٨٨
٢٥٥ "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" ١٣٠، ١٥١
٢٥٦ "لا إكره في الدين" ١٦٠
٢٧٢ "وما تنفقوا من خير يوف إليكم" ٢٤
٢٨٤ "إن تبدوا ما في أنسكم" ٨٥
٢٨٥، ٢٨٦ "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" ٤٩، ٧٦، ٨٦
"سورة آل عمران" :
١، ٢ "ألم. الله لا إله إلا هو الحي القيوم" ٦٧
٣ "نزل عليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه" ٨٧
١٤- ١٧ "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين" ٢٣١.
٢٦ "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء" ٨٨
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٨١ "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب" ٧١، ٢٩٣
١٠٤ "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير" ٢٦
١١٠ "كنتم خير أمة أخرجت للناس" ٨٨، ١٩٣
١١٣ "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة" ٢٦، ٨٨
١٦٤ "لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا" ٨٩
١٧٠ "فرحين بما آتاهم الله من فضله" ٨٨
١٨١ "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير" ٨٩
١٨٥ "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" ١٩٦، ٢٩٤
١٩٩ "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله" ٧٦، ٧٦
٢٠٠ "واتقوا الله لعلكم تفلحون" ٨٩
"سورة النساء" :
١، ٣ "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم" ٧٧
٤٢ "ولا يكتمون الله حديثًا ١٨"
٥١ "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت" ٧٠
٥٨ "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" ٥٧، ٧٠
٨٢ "أفلا يتدبرون القرآن" ٦٦، ٩٠
١٠٠ "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا" ٢٠٦
١٧٦ "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة" ٧٧
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة المائدة" :
١ "أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم" ١٩
٨ "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط" ١٩٢
٢٧ "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق" ٩٧
٤٨ "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه" ١٩٢
٧٢ "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" ٢٦٣
٧٥ "ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" ١٥٨
٧٦ "قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرًا ولا نفعًا" ١٠٩
٩٠ "إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام" ١٢
٩٣ "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" ١٢
١٠٢ "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء" ١٠
١١٢ "يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك" ٢٧٥
"سورة الأنعام" :
١٧ "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو" ٢٥
٢٣ "والله ربنا ما كنا مشركين" ١٨
٣٧ "وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه" ١١٤
٣٨ "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه" ٢٥
٤٠ "قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله" ١٤٥
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٥٢ "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والغشي" ١٧٢، ١٧٣
٨٢ "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ١٧
٩٧ "وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها" ١٣١
٩٩ "وهو الذي أنزل من السماء ماء" ١١٥، ١٤١
١٠٠ "وجعلوا لله شركاء الجن" ٢٦٥
١٤٥ "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا" ١٩
١٤٦ "وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر" ١٩
١٥١ "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق" ١٠٤
"سورة الأعراف" :
١١ "إلا إبليس لم يكن من الساجدين" ٢٥٠
١٢ "قال أنا خير منه خلقتني من نار" ٢٤٣
٢٣ "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا" ٢٦٤
٧٧ "وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا" ٢٤٨
١٤٤ "قال يا موسى إني اصطفيتك" ٢٧١
١٥٠ "ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا" ٢٨١
١٧٢ "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم" ٩٥، ١٤٣
"سورة الأنفال" :
٢٣ "ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم" ٢٤
٣٢ "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق" ٢٤٨
٣٣ "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ٢٤٩
٧٠ "يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى" ٢٤
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة التوبة" :
٣٠ "وقالت اليهود عزير ابن الله" ١٩٥
٦٥ "أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون" ٢٤٤
١١١ "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم" ٢٢٤
١٢٨ "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" ٨٤
"سورة يونس" :
١، ٢ "ألر. تلك آيات الكتاب الحكيم" ٨٤
١٥ "قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي" ٢١٢
٢٢ "هو الذي يسيركم في البر والبحر" ١٤٤
٢٨ "ويوم نحشرهم جميعًا ثم نقول للذين أشركوا" ٢٥١
٣٢ "قل من يرزقكم من السماء والأرض" ١١٠
٦١ "وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن" ٢٩٧
٦٨ "قالوا اتخذ الله ولدًا سبحانه هو الغني" ١٥٥
٩٠ "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده" ١٤٦
١٠٩ "وهو خير الحاكمين" ٢٥
"سورة هود" :
٣١- "ولا أقول للذين تزدري أعينكم" ٢٤
٣٢ "قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا" ٢٤٨
٤٧ "قال ربي إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم" ٢٦٤
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٤٩ "تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك" ٢٠٢، ٣٠٣
١١٨ "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" ٢٦
١٢٠ "وكلا نقص عليك من أنباء الرسل" ٢٠٣
"سورة يوسف" :
١، ٢ "ألر تلك آيات الكتاب المبين" ٧٥
٤٢ "اذكرني عند ربك" ٢١٤
٥١ "قالت امراة العزيز الآن حصحص الحق" ٢١٥
٥٤ "قال إنك اليوم لدينا مكين أمين" -
١١١ "لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب" ٧٥، ٢٠٣، ٣٠٣
"سورة الرعد" :
١٦ "أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه" ١٢٢
١٧ "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها" ١٢
"سورة إبراهيم" :
٤ "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم" ٩
٣٢ "الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء" ١١٠، ١٣٠
"سورة الحجر" :
١، ٥ "ألر. تلك آيات الكتاب وقرآن مبين" ٧٥
٩ "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" ٩
١٩ "والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي" ١١٠، ١٣٤
٢٦ "ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون" ١٢٦
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٢٨ "وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرًا" ١٤٧
٩٢, ٩٣ "فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون" ٧٥
"سورة النحل" :
١ "أتى أمر الله فلا تستعجلوه" ٧٥
٥ "والأنعام خلقها لكم فيها دفء" ١٣٩، ١١٠
١١ "هو الذي أنزل من السماء ماء" ١١٦
٣٦ "ولقد بعثنا في كل أمة رسولًا أن أعبدوا الله" ٩٩، ١٠٥
٤٤ "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم" ١٠
٥١ "وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين" ١٤٤
٦٥ "والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض" ١١١
٦٦ "وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه" ١٣٨
١٢٧ "وأصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم" ٧٥
٦٨ "وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي" ١٣٩
٧٢ "والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا" ١٠٤
٨٠ "والله جعل لكم من بيوتكم سكنًا" ١٣١
٨٨ "صنع الله الذي أتقن كل شيء" ١٣٠
٩٠ "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" ٦٨
١١٨ "وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل" ١٨
١٢٠ "إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله" ٢٦
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الإسراء" :
١٢ "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل" ١٣١
١٣ "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه" ٢٤٤
١٥ "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا" ٩
٢٣ "وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه" ١٠٤
٤٢ "قل لو كان معه آلهة كما يقولون" ١٥٤
٤٤ "تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن" ١٤٢
١١١ "وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا" ١٥٩
"سورة الكهف" :
١ "الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب" ٧٤
٥١ "ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض" ١٢٨
١٠٩ "قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي" ٧٤
"سورة مريم" :
٣٥ "ما كان الله أن يتخذ من ولد سبحانه" ١٥٩
٨٨ "وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا" ١٥٩، ٢٦٥
"سورة طه" :
١٠٥ "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفًا" ٣٠٢
١١٧ "فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك" ٢٤٥
١٣٢ "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" ١٠٣
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الأنبياء" :
١٦ "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين" ١٦٠
٢٣ "أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون" ١٥٢
٢٩ "ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم" ١٢٤
٣٤ "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد" ٢٩٣
٨٧ "فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك" ٢٦٤
"سورة الحج" :
٤٦ "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" ٢٥٦
٧٥ "الله يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس" ٢٩٦
"سورة المؤمنون" :
١ "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون" ٧٤
١٢ "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" ١١٣
٩١ "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله" ١٥٤
١٠١ "فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" ١٨
١١٥ "أفحسبتم إنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون" ٩، ١٩٤
١١٧ "ومن يدع مع الله إلهًا آخر لا برهان له به" ٧٤
١١٨ "وقل رب أغفر وارحم وأنت خير الراحمين" ٢٥
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة النور" ""
١١ "لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير لكم" ٢١٣
٣٣ "إن علمتم فيهم خيرًا" ٢٤
"سورة الفرقان" :
١ "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده" ٧٤
٢ "وخلق كل شيء فقدره تقديرًا" ١٢٢، ١٣٢، ١٣٣
٣ "واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئًا" .
٦ "قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض" ٦٦
٣٣ "ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق" ١٥
٥٢ "فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا" ١٠
٧٧ "قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم" ٧٤
"سورة الشعراء" :
١- ٤ "طسم. تلك آيات الكتاب المبين" ١٩٧
٨٠ "وإذا مرضت فهو يشفين" ٢٧٠
٢١٥ "واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين" ٢٩١
"سورة النمل" :
٤٠ "قال الذي عنده علم من الكتاب" ٢٦٧
٦٠ "أمن خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء" ١٦٢
٦٠ "أمن جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا" ١٦٣
٦٢ "أمن يجيب المضطر إذا دعاه" ١٤٦، ١٦٣
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٦٣ "أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر" ١٦٣
٦٤ "أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء" ١٦٤
٧٢ "والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم" ١٣٨
"سورة القصص" :
٨ "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنًا" ٨٣
١٥ "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها" ٢٨١
١٥ "فوكزه موسى فقضى عليه" ٢٨٧
١٨ "قال له موسى إنك لغوي مبين" ٢٨١
٢٤ "قال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير" ٢٥، ٢٨٧
٧٨ "قال إنما أوتيته على علم عندي" ٢٣٠
٨٦ "وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك" ٢٩٠
"سورة العنكبوت" :
٢٥ "وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانًا مودة بينكم" ٢٥١
٥٠ "وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه" ٣٢
٦٠ "وكأين من دابة لا تحمل رزقها" ١٠٣
٦٤ "وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب" ١٨٥
٦٥ "وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين" ١٠٥
"سورة الروم" :
٢٢ "ومن آياته خلق السماوات والأرض" ١٢٤
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٣٠ "فطرة الله التي فطر الناس عليها" ١٤٣، ١٤٤
"سورة لقمان" :
١٠ "خلق السماوات بغير عمد ترونها" ١٢٣
١٣ "إن الشرك لظلم عظيم" ١٧
١٤ "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا" ١٠٤
٢٥ "ولئن سألتم من خلق السماوات والأرض" ١٠٥
٣٤ "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث" ٢٧٩
"سورة السجدة" :
٧ "الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين" ١٢٦
"سورة الأحزاب" :
٧ "وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح" ٢٧١
٢٥ "ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا" ٢٥
٤٠ "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم" ٢٩٧
٧٢ "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال" ١١٣
"سورة سبأ" :
١ "الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض" ١٦٠
٢٤ "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" ٩٨
"سورة فاطر" :
١ "الحمد لله فاطر السماوات والأرض" ١٥٣
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٥ "يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا" ٢٤٥
٨ "أفمن زين له سوء عمله" ١٩٦
١٥ "يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله" ١٥٧
٢٧ "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء" ١١٩، ١٢٣
٤٠ "قال أرأيتكم شركاءكم الذين تدعون من دون الله" ١٣١
٤١ "إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا" ١٥٧
٤٤ "أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" ١٦٠
٤٥ "ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا" ٢٤٩
"سورة يس" :
٣٧ "وآية لهم الليل نسلخ منها النهار فإذا هم مظلمون" ١٣١
٧١ "أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعامًا" ١١١، ١٤٠
٧٧ "أولم ير الإنسان أن خلقناه من نطفة" ١٢٦
٨٠ "الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا" ١٤٢
"سورة الصافات" :
٢٧ "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" ١٨
١٠٢ "قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك" ٢٩٢
"سورة ص" :
١٦ "وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب" ٢٤٨، ٣٢٧
٢٤ "وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه" ٢٦٤
٣٢ "إني أحببت حب الخير" ٢٤
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الزمر" :
٢٣ "الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني" ١٦٨
٥٣ "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم" ٧٢، ٧٣
"سورة غافر" :
١٧ "لا ظلم اليوم" ٢٤٤
٥١ "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا" ١٠٠
"سورة فصلت" :
٩ "قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين" ١٨، ١٢٥
"سورة الزخرف" :
٢٢ "إنا وجدنا آباءنا على أمة" ٢٦
٣٠ "ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر" ١٧٦
٣٢ "أهم يقسمون رحمة ربك" ٢٩٠
٥٢ "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين" ٢٥
٦٦ "وهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة" ٢٥١
٦٧ "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" ٢٤٧
"سورة الأحقاف" :
٢٢ "قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا" ٢٤٩
٣٥ "كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة" ٨٢
"سورة محمد صلى الله عليه وسلم" :
١ "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم" ٨٢
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٣٨ "وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم" ٨٢
"سورة الفتح" :
١ "إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا" ٨٢
"سورة الحجرات" :
١٧ "يمنون عليك أن أسلموا" ٢٣٦
"سورة الذاريات" :
٢١ "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" -
٤٩ "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" ١٥٨
٥٦ "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" ٩، ٩٦، ١٠٣
"سورة الطور" :
٣٥ "أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون" ١٥٠
٤٩ "ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم" ٨٢
"سورة النجم" :
١ "والنجم إذا هوى" ٨٢
٤٥ "وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى" ١٥٨
"سورة القمر" :
٩ "كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا" ٩٩
٢٣ "كذبت ثمود بالنذر" ٩٩
٤٩ "إن كل شيء خلقناه بقدر" ١٢٢
٥٤ "إن المتقين في جنات ونهر" ٨٢
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الرحمن" :
١- ٤ "الرحمن، علم القرآن" ٨٢، ١١٣، ١٣٧
١٤ "خلق الإنسان من صلصال كالفخار" ١٢٦
"سورة الواقعة" :
٥٧ "نحن خلقناكم فلولا تصدقون" ١٠٧، ١٢٦
٧٤ "سبح باسم ربك العظيم" ٨٢
٧٥ "فلا أقسم بمواقع النجوم" ١٣١
"سورة الحديد" :
١ "سبح لله ما في السماوات والأرض" ٨٢
٤ "هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام" ١١٢
٢١ "والله ذو الفضل العظيم" ٨٢
"سورة المجادلة" :
١ "قد سمع الله قول التي تجادلك" ٨٣
"سورة الجمعة" :
٩ "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة" ١٠٢
"سورة الطلاق" :
٣ "ومن يتق الله يجعل له مخرجًا" ١٠٣
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الملك" :
٢ "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا" ١٩٧
١٥ "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه" ١٠٢
"سورة ن" :
١٢ "مناع للخير" ٢٤
"سورة الحاقة" :
١٣ "فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة" ٣٠٨، ٣٢١
٤٤ "ولو تقول علينا بعض الأقاويل" ٢١٢
"سورة نوح" :
٢٦ "وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا" ٢٨٦
"سورة الجن" :
٢٦ "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا" ٢٩٢
"سورة المزمل" :
١ "يا أيها المزمل" ٦٤
"سورة المدثر" :
١ "يا أيها المدثر" ٦٤
"سورة القيامة" :
١٧ "إن علينا جمعه وقرآنه" ١٠
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الإنسان" :
١ "هل أتى على الإنسان حين من الدهر" ١٢٦
٣ "إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا" ١٣٧
"سورة المرسلات" :
٥٠ "فبأي حديث بعده يؤمنون" ٨٣
"سورة النبأ" :
١ "عم يتساءلون عن النبأ العظيم" ٨٣
"سورة النازعات" :
٢٥ "فأخذه الله نكال الآخرة والأولى" ٤٧
٢٧ "أأنتم أشد خلقًا أم السماء" ١٨، ١٤٢
"سورة عبس" :
١ "عبس وتولى أن جاءه الأعمى" ٢٢٥
٢٤ "فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبًا" ١٤٢
٣١ "وفاكهة وأبًا" ١٠
"سورة المطففين" :
٩ "كتاب مرقوم" ٢٠٩
"سورة الطارق" :
٥ "فلينظر الإنسان مم خلق" -
"سورة الضحى" :
١١ "وأما بنعمة ربك" ٨٣
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الشرح" :
١ "ألم نشرح لك صدرك" ٨٣
"سورة التين" :
٤ "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقوم" ١٣٧
"سورة العلق" :
١ "اقرأ باسم ربك الذي خلق" ٦٤، ١١٣، ١٢٦
٦ "وإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى" ١٤٥
"سورة العاديات" :
١١ "إن ربهم بهم يومئذ لخبير" ٨٣
"سورة القارعة" :
١ "القارعة ما القارعة" ٨٣
"سورة الفيل" :
٥ "فجعلهم كعصف مأكول" ٨٣
"سورة قريش" :
١ "لإيلاف قريش" ٨٣
"سورة الكوثر" :
١ "إنا أعطيناك الكوثر" ٨٣
"سورة الإخلاص" :
١- ٤ "قل هو الله أحد" ١٥٩
مدخل
المقطع الخامس: قصة ذي القرنين الرجل الطواف
{وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، فَأَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا، قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا، وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا، ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا، كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا، ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا، قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا، فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا، قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} . [الآيات من: ٨٣-٩٨] .
المناسبات
وحسب المنهج الذي التزمناه نذكر المناسبات بين هذا المقطع وبين المقاطع السابقة كما نحاول الربط بين هذا المقطع ومحور السورة أو العنوان الذي اخترناه لهذا البحث ذكر البقاعي وجوهًا للمناسبة بين قصة ذي القرنين وقصة موسى والخضر عليهما السلام فمما ذكره قوله:
- "لما فرغ من هذه القصة التي حاصلها أنها طواف في الأرض لطلب العلم عقبها بقصة من طاف الأرض لطلب الجهاد، وقدم الأولى إشارة إلى علو درجة العلم لأنه أساس كل سعادة وقوام كل أمر" ١.
- ويمكن أن يضاف إلى ما قاله البقاعي: أن في كل من القصتين رعاية لمصالح العباد وخاصة الضعفاء منهم، ومنع الفساد في الأرض وإقامة الحق والعدل ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى.
- الخبر الحقيقي عند الله سبحانه وتعالى وهو العلم ببواطن الأمور فضلًا عن ظواهرها ففي قصة موسى والخضر عليهما السلام {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} ، {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} ، {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} .
وفي قصة ذي القرنين {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} ، {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} .
أما مناسبة قصة ذي القرنين مع محور السورة والعنوان الذي اخترناه للبحث فهناك تناسب تام وانسجام كامل بين هذه القصة وبين القصص الثلاث المتقدمة في الهدف العام الذي استهدفت القصص الثلاث ترسيخه ألا وهو القيم الصحيحة، وما استهدفت كشفه والتنفير عنه ألا وهو القيم المزيفة الباطلة. وهذا البيان:
١- لما كانت القيمة الزائفة في قصة أصحاب الكهف هي السلطة الغاشمة الظالمة التي أدعت الألوهية من دون خالق السماوات والأرض، ووضعت نفوذها غير المجال التي خلقت من أجلها السلطة.
نجد في قصة ذي القرنين الحاكم الصالح الذي مكن له في الأرض وأوتي من كل شيء سببًا، فدالت لسلطته الأمم والشعوب، وفتحت له الأقاليم، وألقت
١ نظم الدرر للبقاعي: ١٢/ ١٢٨.
الملوك له قيادها، يحكم فيها بالعدل والإحسان، وعمران الأرض لما فيه خير العباد ودفع الفساد، ورفع الظلم والاعتداء، {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} .
فاستعمل السلطة والقوة في الموطن الذي خلقت من أجله، فكان استخدامها في موضعها شكرًا للخالق الذي أنعم عليه بهذا التمكين له في الأرض.
٢- والقيمة الزائفة في قصة صاحب الجنتين كانت زينة الحياة الدنيا المتمثلة في المال والنقر، ونجد في قصة ذي القرنين الإعراض عن زينة الحياة الدنيا والانصراف إلى ما عند الله فهو خير وأبقى {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} .
٣- وفي قصة موسى والخضر عليهما السلام كانت هناك قيمتان صحيحتان إلا أن إحداهما تتعلق بالعلم الظاهر الذي تساس به الأمم والشعوب.
والأخرى تتعلق بالعلم اللدني الخفي الذي لا يطلع عليه أحد إلا بمقدار ما يعلمه الله سبحانه وتعالى من لدنه.
نجد أن القيمتين تبرزان في قصة ذي القرنين، فقد أوتي من كل شيء سببًا وهي الأسباب الظاهرة من الخبرة والعلوم المتعلقة بسياسة الشعوب والأمم وعمارة الأرض وتخطيط المدن والأقاليم وتجييش الجيوش ومعرفة منازل الأرض. وكل ما من شأنه أن يمكن له في الأرض من أسباب عزة الدولة والحاكم العادل وترسيخ أقدامه في الحكم.
إلى جانب هذه الأسباب الظاهرة نجد الإيمان المطلق بالله سبحانه وتعالى
وتوفيقه له وأنه وفق إلى هذا بمحض الرحمة والفضل من رب العزة والكرم. {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} .
وكذلك إيمانه المطلق بوعد الله سبحانه وتعالى الذي إذا جاء فلن تستطيع هذه الأسباب الظاهرة الصمود أمامها. وأن هذا السد الذي منع يأجوج ومأجوج من العدوان، سيزول ويكون دكاء، لأن وعد الله قد تم بأن ينتشر فساد يأجوج ومأجوج قبيل قيام الساعة وقبل النفخ في الصور لجمع الخلائق {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} جعله دكاء علمًا أن الأسباب الظاهرة تومئ إلى تخليده لأنه جبل من الحديد المطعم بالنحاس، إلا أن وعد الله كفيل بإثارة السبب الخفي الذي يجعل هذا الجبل الحديدي دكاء ليلتحق بأمثاله من الجبال عندما يأتي أمر الله {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا، لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه: ١٠٥-١٠٧] .
لقد قال الخضر عليه السلام في نهاية جولاته مشيرًا إلى هذا العلم الغيبي الذي آتاه الله سبحانه وتعالى: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} ، ويقول الملك الصالح: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} .
لقد كانت خبرته وتوفيقه لعمل الخير والصواب وتمكينه في الأرض ليس اعتمادًا على الأسباب الظاهرة وإنما كانت في الحقيقة رحمة من الله العزيز الحكيم العليم الخبير.
لقد جاءت قصة ذي القرنين في خاتمة القصص السابقة لتبرز القيم الصحيحة واقعًا متمثلًا في سيرة أحد عباد الله الصالحين، ولا تكون مظنة خيالات ومثل لا مجال لتطبيقها على هذه الأرض وفي الواقع البشري١. بالإضافة إلى أنها من
١ للقيام بدور الخلافة في الأرض على الوجه الصحيح لا بد للحاكم أن يأخذ بطرفي المعادلة ويوازن بينهما وذلك:
- باتخاذ الأسباب الظاهرة التي تمكن من التصرف حسب سنن الله في هذا الكون لتسخيرها للمصالح المعتبرة.
- والاعتماد على الأسباب الخفية الغيبية "الإيمان بالغيب، الوحي" لإقامة العلاقات=
نوع القصص الذي كان فيه تثبيت قلب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول عنه سبحانه وتعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: ٤٩] . لتكون إفحامًا لأولئك الذين أرادوا إطفاء نور الله بتوجيه هذه الأسئلة التعجيزية، ولتكون دليل صدق على أن هذا وحي من الله {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: ١١١] .
= البشرية على ضوء الهدايات المستمدة منه.
وفقد إحدى الدعامتين يؤدي إلى نتائج غير محمودة، فالحضارة اليونانية والرومانية قديمًا والحضارة الغربية حديثًا اعتمدت على الدعامة الأولى "الأسباب الظاهرة" فسببت الشقاء للإنسانية. وفقدت الحضارة النصرانية هذه الدعامة واعتمدت على الثانية فقط فأصيبت بالشلل والعجز.
أما الحضارة التي نتجت من فتوحات ذي القرنين، والحضارة الإسلامية التي سادت العالم -يوم كان المسلمون قادة العالم- فقد أخذت بالدعامتين فأنتجت السعادة للبشرية.
العرض الإجمالي للمقطع الخامس
في هذا المقطع قصة ذي القرنين وجولاته الثلاث في مغرب الشمس ومطلعها وبين السدين، وكما هو الشأن في القصص القرآني لا تخبرنا الآيات الكريمة عن اسم ذي القرنين ونشأته ولا عن زمانه أو مكانه١، وإنما تحدثنا عن شيء حول شخصيته وعن رحلاته الثلاث: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} .
إنه شخص مكن له رب السماوات والأرض الخالق المدبر المتصرف في شئون الكون، رب العزة والجبروت مكن له في الأرض وآتاه من كل شيء سببًا، وينصرف ذهن السامع أو القارئ إلى وجوه التمكين له في الأرض،
١ ليس مهمة القصة القرآنية تسجيل الحدث التاريخي من زاوية تدوينية بحتة وإنما يكون التركيز على مواطن العظة والعبرة وهي تتحقق من غير ذكر للزمان والمكان في أغلب الأحيان، وحتى الأسماء أحيانًا كما مر في قصة أصحاب الكهف وصاحب الجنتين وصاحب موسى عليه السلام. وانظر ما ذكرناه في المقطع الأول عن مزايا القصص القرآني.
- مكن له في العلوم والمعرفة واستقراء سنن الأمم والشعوب صعودًا وهبوطًا.
- مكن له في سياسة النفوس أفرادًا وجماعات تهذيبًا وتربية وانتظامًا.
- مكن له في أسباب القوة من الأسلحة والجيوش وأسباب القوة والمنعة والظفر.
- مكن له في أسباب العمران وتخطيط المدن وشق القنوات وإنماء الزراعة.
مهما قيل ومهما تصور من أسباب التمكين الحسنة التي تليق برجل رباني قد مكن له في هذه الأرض يمكن أن يدخل تحت قوله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} . ويبقى للتصور مجال وللخيال سعة لاستشفاف صور هذا التمكين وأشكاله، وذلك من خلال المؤكدات العدة التي وردت في الآية الكريمة١.
ويبدأ ذو القرنين رحلته الأولى -ولا نعلم نقطة الانطلاق فيها- إلى أن يبلغ مغرب الشمس حيث يجدها الرائي أنها تغرب في موضع ما حسب ما تكون الجهة أو الموضع الذي يقف عنده فيما أنه كان في أقصى الغرب وكان أمامه البحر أو بحيرات ومستنقعات وجدها تغرب في عين حمئة٢.
ووجد عندها -أي العين الحمئة- قومًا، وهل كلف ذو القرنين من قبيل الله تعالى أن يحمل إليهم رسالة؟ وهل كان نبيًا؟ أو ملكًا صالحًا من أتباع أحد الأنبياء؟ أو أن تمكينه منهم جعل لسان حاله يقول بأن يتخذ فيهم سيرة حسنة حسب المفاهيم التي أتلزمها في حياته؟
ظاهر النص يدل على أنه كان مكلفًا بذلك من غير تحديد وسيلة التكليف.
١ المؤكدات في الآية: "إن" المفيدة التوكيد والنصب، و "نا" ضمير المتكلم المعظم نفسه، وفي "له" المفيدة للتخصيص، والعموم المستفاد من قوله: {مِنْ كُلِّ شَيْء} .
٢ يميل الدكتور عبد العليم خضر في كتابه "مفاهيم جغرافية في القصص القرآني، قصة ذي القرنين" إلى تحديد بحر إيجة وأنه البحر الغربي الذي بلغه، وأن خليج أزمير الذي يصب فيه نهر "غديس" الذي يحمل معه الأتربة والطين البركاني من الأناضول: هو العين الحمئة. انظر: ٢٤٤.
بهذا الأمر، ومن ثم كان المبدأ الذي سار عليه فيهم {أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا، وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} .
إنها سياسة العدل التي تورث التمكين في الحكم والسلطة وفي قلوب الناس الحب والتكريم للمستقيمين، وإدخال الرعب في قلوب أهل الفساد والظلم١. فالمؤمن المستقيم يجد الكرامة والود والقرب من الحاكم، ويكون بطانته وموضع عطفه وثقته ورعاية مصالحه وتيسير أموره.
أما المعتدي المتجاوز للحد، المنحرف الذي يريد الفساد في الأرض فسيجد العذاب الرادع من الحاكم في الحياة الدنيا، ثم يرد إلى ربه يوم القيامة ليلقى العقوبة الأنكى بما اقترفت يداه في حياته الأولى.
ولم يعين السياق القوم الذين اتخذ فيهم ذو القرنين هذه السياسة الحكيمة كما أهمل ذكر المدة التي مكثها بينهم والنتائج التي توصل إليها، وكأن الأمر المفروغ منه أن تثمر هذه السيرة العادلة والمبادئ السامية حضارة ربانية وتقدمًا وسعادة وطمأنينة لذا لا داعي لذكرها والوقوف عندنا.
ثم تأتي رحلة المشرق فيصل إلى مكان يبرز لعين الرائي أن الشمس تطلع من خلف الأفق، ولم يحدد السياق أهو بحر أم يابسة، إلا أن القوم الذين كانوا عند مطلع الشمس كانوا في الأرض مكشوفة بحيث لا يحجبهم عند شروقها مرتفعات
١ جاء التعبير القرآني في السياق بـ "ظلم" . ويطلق الظلم في الآيات الكريمة على معان عدة منها: الشرك وهو أشد أنواع الظلم {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} [لقمان: ١٣] ، {يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} [البقرة: ٥٤] .
- والسعي في الأرض بالفساد وارتكاب الفحشاء والموبقات {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٣٥] .
- والاعتداء على الناس وأكل أموالهم بالباطل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} [النساء: ٣٠] .
وقد أوصل الدامغاني معاني الظلم في القرآن إلى تسعة معان. انظر: قاموس القرآن أو إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن للدامغاني: ٣٠٨.
جبلية أو أشجار سامقة، ولعلها كانت بعض الصحاري الممتدة أو السهول الواسعة، فالمكان لم يحدد والستر لم يعين {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} ١.
ونظرًا لوضوح سياسة ذي القرنين في الشعوب التي تمكن منها، وهو الدستور المعلن في رحلة الغرب لم يكرر هنا إعلان مبادئه، لأنها منهج حياة ودستور ودولة مترامية الأطراف وسياسة أمم فهو ملتزم بها أينما حل أو ارتحل {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} .
إلا أن الرحلة الثالثة تختلف عن الرحلتين السابقتين من حيث طبيعة الأرض والتعامل مع البشر سكان المنطقة، ومن حيث الأعمال التي قام بها فلم يقتصر فيها على الأعمال الجهادية لكبح جماح الأشرار والمفسدين، بل قام بعمل عمران هائل.
أما الأرض فوعرة المسالك، وأما السكان -وكان وعورة الأرض قد أثرت على طبائعهم وطريقة تخاطبهم مع غيرهم- فهناك المشقة في التفاهم والمخاطبة بحيث لا يكاد الإنسان منهم يقدر على التعبير عما في نفسه، ولا أن يفقه ما يحدثه به غير بني قومه {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} إما في أسلوب التخاطب والتعامل -كما أسلفنا- أو من التخلف الحضاري والبدائية في العادات والمفاهيم والمصطلحات.
فلما وجدوا القوة في دولة ذي القرنين والعدل والصلاح في سيرته -وعدل السلطان بفتح أمامه القلوب قبل فتح الجيوش الأمصار- لجئوا إليه لحمايتهم من
١ الستر يطلق على الحواجز الطبيعية من الجبال والأشجار، وكذلك على ما يحجب ضوء الشمس من الأمور الصناعية من بنيان وملابس، وبكل احتمال مما سبق قال بعض المفسرين.
ويرجع الدكتور عبد العليم خضر أن الموضع الذي وصل إليه القرنين في جوله المشرق هي المناطق الصحراوية المطلة على المحيط الهندي وتعرف باسم "غيدروسيا" وكانت مأوى القبائل المتأخرة وكانت تغير على تخوم الدولة المجاورة فأراد ذو القرنين تأديبها وحماية حدود دولته الشرقية منهم. انظر: مفاهيم جغرافية: ٢٦٩.
هجمات تلك القبائل الهمجية المفسدة، قبائل يأجوج ومأجوج التي كانت تشن عليهم هجماتهم من خلف الجبلين المتقابلين من الممر الضيق الذي بينهما وذلك بإقامة سد بين الصدفين١، مقابل خراج يدفعونه إليه من أموالهم.
ونظرًا لأن القضية التي وضعها ذو القرنين نصب عينيه هي الإصلاح ومقاومة الفساد والشر، والحكم بالعدل بين الناس، ولم يكن همه جمع المال أو قصد العلو في الأرض بإذلال الشعوب، فقد رفض عرضهم، وتطوع بإقامة السد على أن يتطوعوا هم من جانبهم بتقديم الجهد البشري، فمنه الخبرة والتصميم والإشراف، وعليهم الطاقة العمالية والمواد الأولية المتوافرة في بلادهم.
وكان أيسر طريق لإقامة السد هو ردم ما بين الجبلين أولًا بفلزات الحديد الذي تتخلله قطع الفحم والخشب، حتى إذا تساوت قمة الحديد بقمة الجبلين المتقابلين، أمر بالنفخ لإيقاد النار بالحطب الذي يتخلل الفلزات لتسخين الحديد، حتى إذا جعله نارًا لشدة احمراره وتوهجه أفرغ عليه النحاس المذاب يتخلل الحديد ويختلط به فيصبح قطعة واحدة وكتلة متماسكة وجدارًا أملس بين الجبلين.
وهكذا حقق الأمن والطمأنينة لهؤلاء القوم المتخلفين، فلم تستطع قبائل يأجوج ومأجوج تسور الرد ولم يستطعوا ثقبه والنفاذ من خلاله٢.
ولما أنجز ذو القرنين هذا العمل الضخم الرائع، لم تأخذه نشوة البطر والغرور بل أعاد النعمة إلى مسديها، نعمة العلم والخبرة إلى واهبها، ونعمة التوفيق للعمل الصالح إلى الذي مكن له في الأرض، {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} .
ومن إيحاء هذا الموقف العظيم وهو يطل على البناء الشامخ ومن ورائه أفواج قبائل يأجوج ومأجوج المتلاطمة وهي لا تستطيع القلب ولا النقب تذكر مصير
١ الصدفان: الجبلان: المتناوحان أي المتقابلان، ولا يقال للواحد صدف وإنما يقال صدفان للاثنين لأن أحدهما يصادف الآخر. تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ١١/ ٦١.
ونسبه لابن عطية.
٢ سنعود إلى الحديث عن ذي القرنين، والسد، ويأجوج ومأجوج في مباحث مستقلة.
الأرض وما عليها ومن فيها، وهذه خواطر المؤمنين المصدقين بوعد ربهم فإن مصير الأرض والجبال الدك والتدمير {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ، وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الحاقة: ١٣-١٥] .
إنها المشاعر الإيمانية تجاه خالق السماوات والأرض المتصرف في شئون الكون ذي العزة والجبروت بيده مقاليد الأمور مصير كل شيء إليه.
{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} .
إنه نموذج الحاكم الصالح الذي أدرك مهمته في الحياة، لقد مكن له في الأرض فجاب الآفاق لنشر العدل والخير والصلاح وقمع الشر والفساد، والأخذ على يد الظالم ومناصرة الضعيف والمظلوم، ودرء العدوان، وإقامة العمران في الأرض من غير أن يكون له حظ دنيوي في كل ذلك بل ابتغاء مرضاة ربه، وإيثارًا للدار الباقية على الفانية فلم يشغله السلطان والجاه والمال والخبرة عن ذكر الله وشكره والتطلع إلى يوم المعاد.
وقفات لابد منها
الوقفة الأولى: مع ذي القرنين
وقفات لا بد منها:
بعد هذا العرض الإجمالي لهذا المقطع، وقبل الانتقال إلى مباحث القيم والعبر والمواعظ لا بد لنا من عدة وقفات نتناول بإيجاز ثلاثة أمور طال كلام المفسرين حولها وتباينت آراؤهم فيها وهذه الأمور:
- التعرف على شخص ذي القرنين.
- السد وموقعه.
- يأجوج ومأجوج: حقيقتهم، ومصيرهم.
الوقفة الأولى: مع ذي القرنين
اختلف المفسرون في اسم ذي القرنين ونسبه وزمان وجوده، وسبب تلقيبه بذي القرنين، ولولا هذا الخلط الشديد الذي لا يقبله العقل ولا ترضاه الشريعة الذي وقع فيه كثير منهم لأعرضنا عن الخوض في هذا الحديث لأن من منهجنا أن لا نلتفت إلى ما أهمله القرآن الكريم، وأن نسير حيث توجهنا الآيات الكريمة في التعرف على الهدايات القرآنية.
وأبرز الأقوال في تحديد شخصية ذي القرنين:
- أنه أبو كرب شمر بن عمرو بن أفريقيش الحميري.
أخذ من ظاهر التسمية، لأن الأذواء من أهل اليمن، فمنهم ذو نواس، ذو النون، ذو النار، سيف بن ذي يزن.
- وقال آخرون إنه الإسكندر المكدوني بن فيلبوس اليوناني
وذلك لأن البلاد التي استولى عليها الإسكندر امتدت من مشارق الأرض ومغاربها.
- وقيل هو قورش الإخميني، لإجماع المؤرخين على عدالة سيرته وحسن سيرته في الشعوب والممالك التي استولى عليها.
ولو نظرنا إلى الآيات الكريمة بتدبير وروية لاستطعنا أن نستنبط من خلالها معالم بارزة وأوصافًا واضحة يمكن أن تكون ضوابط وعلامات تعين على التعرف على هوية ذي القرنين. فمن هذه المعالم:
١- أنه رجل صالح، مكن الله له في الأرض وآتاه من كل شيء سببًا، فأقام العدل وحكم بالقسط.
٢- كانت له رحلة إلى مطلع الشمس وحروب انتصر فيها على أمم كافرة وأخضعها لحكمه.
٣- كانت له رحلة إلى مطلع الشمس لتأديب أقوام متخلفين.
٤- كانت له رحلة إلى منطقة جبلية وعرة لإقامة سد يحمي أقوامًا ضعفاء من هجمات قبائل يأجوج ومأجوج المتوحشة.
٥- من أساسيات السد الذي أقامه ذو القرنين، وقوعه بين جبلين متقابلين.
٦- تكوين هذا السد من زبر الحديد المطعم بالنحاس لتحقيق الصلابة والملاسة.
٧- الغرض من إقامة السد غرض عسكري لدفع هجمات القبائل المتوحشة والحد من فسادهم على القبائل المستضعفة.
ولو وضعنا هذه المعالم نصب أعيننا ثم ولجنا البحث من بابه مستخدمين مفتاحه الذي ذكره القرآن الكريم وهو: {وَيَسْأَلونَك} ، لاستطعنا أن نصل إلى بعض المرجحات كما وصل إليها أبو الكلام أزاد.
لقد وجه السؤال من قريش بقصد التعجيز، فلا بد إذن أن يكون أحد الفريقين -اليهود أو قريش- على علم بحال ذي القرنين لكي يدركوا صحة ما يخبرهم به محمد صلى الله عليه وسلم.
لا يقال إن قريشَا كانت تعرف ذلك، لأن ما تدركه قريش يدركه محمد صلى الله عليه وسلم وهو أحدهم، إذن الذين يعرفون أخبار ذي القرنين هم اليهود الذين زودوا قريشًا بهذه الأسئلة للوقوف على صدق محمد صلى الله عليه وسلم١،
ولو رجعنا إلى كتب اليهود لا نجد في أخبار الملوك والأنبياء ما ينطبق على ما أخبر به القرآن الكريم سوى ما ورد في رؤيا النبي دانيال.
ينقل أبو الكلام آزاد في كتابه: "ويسألونك عن ذي القرنين" من سفر دانيال فيقول: "في السنة الثالثة لجلوس بيلش فر الملك كنت بمدينة سوس هيرا -من أعمال عيلام على شاطئ النهر أولائي- فرأيت الرؤيا للمرة الثانية، رأيت كبشًا واقفًا على شاطئ النهر له قرنان عاليان، وكان الواحد منهما منحرفًا إلى ظهره، ورأيت الكبش ينطح بقرنيه غربًا وشرقًا وجنوبًا لا قبل لحيوان بالوقوف أمامه، فهو يفعل ما يشاء وصار هو كبيرًا جدًا، وبينما أنا أفكر في هذه الظاهرة إذ رأيت تيسًا أقبل من جهة الغرب وغشى وجه الأرض كلها، وكان بارزًا بين عيني التيس قرن عجيب، ثم إن التيس اقترب من الكبش ذي القرنين ونفر منه مغضبًا، ثم عمد إليه فكسر قرنيه، وصرعه وداسه فأصبح الكبش ذو القرنين عاجزًا عن مقاومته، محرومًا من ناصر ينصره عليه" [سفر دانيال ٨/ ١ نقلًا عن "ويسألونك عن ذي القرنين ٨٧" ] .
ثم ذكر الكتاب على لسان دانيال أن الملك جبريل ظهر له وشرح له رؤياه قائلًا: "إن الكبش ذا القرنين يمثل اتحاد المملكتين مادا وفارس فيملكهما ملك قوي لا تقدر دولة على مواجهته، أما التيس ذو القرن الواحد الذي رآه بعد الكبش فالمراد منه ملك اليونان، والقرن البارز بين عيني التيس يدل على أول ملك من اليونان" [سفر دانيال ٨/ ١١] .
يقول أبو الكلام آزاد تعليقًا على رؤيا دانيال:
كانت لليهود في رؤيا دانيال بشارة بأن نهاية أسرهم وبدأ نشأتهم الجديدة
١ يقول الألوسي: غرض اليهود من السؤال الامتحان، وذلك يحسن فيما خفي أمره ولم يشتهر، إذ الشهرة لا سيما إذا كانت تامة مظنة العلم. انظر روح المعاني ١٦/ ٢٧.
منوط بقيام هذه المملكة ذات القرنين، أي أن ملك مادا وفارس يغير على ملك بابل ويتغلب عليه ويحرر اليهود من أسرهم، وأن هذا الملك الذي اختاره الله لإعانة اليهود ورعايتهم يأمر بتعمير بيت المقدس من جديد ويجتمع الشعب الإسرائيلي الممزق مرة أخرى تحت رعايته.
وقد ظهر بعد هذه النبوءة بسنوات: الملك غورش الذي سماه اليونان سايرس، واليهود بـ "خورس" وحد مملكتي مادا وفارس فأنشأ منهما سلطنة عظيمة، ثم هاجم بابل واستولى عليها دون عناء.
رأى دانيال في رؤياه أن الكبش ذا القرنين ينطح بقرنيه في الغرب والشرق والجنوب، أي يجوز انتصارات باهرة في الجهات الثلاث، وهكذا كان أمر غورش، فقد كان انتصاره الأول في الغرب والثاني في الشرق والثالث في الجنوب، أي في بابل، وكذلك صدقت النبوءة بخلاص اليهود وازدهارهم، فقد أطلقهم غورش بعد فتحه بابل من الأسر وأذن لهم بالعودة إلى فلسطين وبناء الهيكل من جديد، وحذا حذو غورش خلفاؤه من ملوك مادا وفارس، فما زالوا يحمون اليهود ويرفقون بهم١.
ويقول أبو الكلام آزاد عن سبب رفق غورش باليهود:
"لقد كان غورش من متبعي مذهب مزديسنا أي الدين الزردشتي، وهذا أمر له أهمية خاصة في العلاقة التي كانت بين الفارسين والإسرائيليين، وفي المعلوم أن الوثنية كانت عامة شاملة العالم كله لم يشذ عنها إلا فئتان: اليهود، والزردشتيون."
وبطبيعة الحال أن يجد الملك غورش بعد فتحه بابل أن تصورات اليهود الدينية قريبة جدًا لتصوراته الدينية، فاندفع إلى احترامهم وتلقي نبوءاتهم برغبة خالصة "٢."
١ انظر كتاب "ويسألونك عن ذي القرنين" ٨٩.
٢ المرجع السابق ٩٨.
إننا وإن كنا لا نستطيع الجزم بما قاله أبو الكلام آزاد عن غورش، فإن الروايات التاريخية يدخلها التبديل والتحريف كثيرًا، إلا أننا نجد المنهج الذي سار عليه أبو الكلام آزاد أقرب إلى الموضوعية، ومع ذلك فإننا نستبعد ما ذهب إليه كثير من المفسرين في كون ذي القرنين أبا كرب شمر بن عمرو بن أفريقيش الحميري، لأنه لم يذكر في سيرته أنه بنى سدًا عسكريًا تنطبق عليه أوصاف سد ذي القرنين كما نستبعد الإسكندر المكدوني فقد كان وثنيًا سفاكًا للدماء متغطرسًا قتل أقرب المقربين إليه.
أما الأوصاف التي ذكرت في سيرة غورش "أو قورش الإخميني" كما وردت في كتب المؤرخين فتدل على حكمته وعدالته، كما أن فتوحاته التي ذكرت في المغرب والمشرق لحماية أطراف دولته من المغيرين الطامعين وبناء السد في شمال مملكته لحفظ سكان الشمال من هجمات القبائل المتوحشة. كل ذلك يرجح أن يكون ذا القرنين.
يقول الشيخ سعيد حوى في كتابه "الأساس في التفسير" :
"لا نعرف أحدًا من علماء عصرنا كأبي الكلام آزاد رحمه الله أكثرنا تأهيلًا للتحقيق في المعضلات التاريخية بما اجتمع له من ثقافة موسوعية دينية وتاريخية، وقد أقدم على تحقيق المراد بذي القرنين وبسده وبيأجوج ومأجوج، فقدم دراسة تعتبر أعظم دراسة في بابها حول هذا الموضوع، إلى أن يقول ومع أننا لا نستطيع الجزم بما أوصل إليه هذا التحقيق لكنه يبقى التحقيق الأقوى في التاريخ الإسلامي حول ذي القرنين" ١.
١ الأساس في التفسير، لسعيد حوى ٦/ ٣٢٣٢.
الوقفة الثانية: مع السد وموقعه
اختلف المفسرون في موقع السد الذي بناه ذو القرنين كاختلافهم في شخصه فذهب بعضهم إلى أنه سد مأرب وآخرون إلى أنه سور الصين إلى غير ذلك، ولو وضعنا أيضًا المعالم التي وضعها القرآن الكريم بين أيدنا لأمكننا التعرف على السد فما ذكره القرآن الكريم:
- أنه سد أقيم بن جبلين متقابلين -صدفين.
- أن تكوينه من الحديد المطعم بالنحاس المذاب.
- أن الغاية من إقامته حماية من دونه من هجمات الأعداء.
وهذا ما فعله أبو الكلام آزاد حينما خطأ القائلين بأنه سد مأرب لأنه سد من حجارة وتراب والهدف منه زراعي لحجز مياه السيول خلفه وتنظيم توزيعه لري الأرض.
وكذلك خطأ من قال إنه سور الصين الذي يمتد "٢٤٠٠" كيلو مترًا فوق السهول والوديان والتلال.
والذي وصل إليه أنه السد المقام على مضيق داريال في جبال القوقاز فإن سلسلة جبال القوقاز الرهيبة تمتد من بحر قزوين شرقًا إلى البحر الأسود غربًا بطول ألف ومائتي كيلومتر ولا يوجد ممر بين السلسلة الشاهقة سوى ممر ضيق يسمى مضيق "داريال" ولا يزد عرض هذا المضيق عن مائة متر تقريبًا، وفي هذا المضيق حاجز حديدي تنطبق عليه جميع أوصاف سد ذي القرنين، وهو يقع الآن في جمهورة جورجيا السوفياتية.
وقد كان الموقع التقريبي لسد ذي القرنين معلومًا لدى بعض المفسرين، فالقرطبي يقول في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} وهما جبلان من قبل أرمينية وأذربيجان١، كما أشار ابن كثير٢ إلى بعثه الواثق لاكتشاف حال السد. وقد ذكر ابن خردازبه في كتاب "المسالك والممالك" ٣ أن الخليفة الواثق العباسي -المتوفى سنة ٢٣٢هـ- كان رأى في منامه كأن ردم يأجوج ومأجوج قد فتح، فكلف "سلام الترجمان" باستطلاع السد، وزوده بالطعام والمال
١ انظر تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٥٥.
٢ تفسير ابن كثير ٣/ ١٠٤.
٣ كتاب المسالك والممالك لأبي القاسم عبد الله بن عبد الله المعروف بابن خردازبه المتوفى في حدود سنة ٣٠٠هـ. ط. مكتبة المثنى ببغداد. نقلًا عن كتاب "ذي القرنين" لمحمد خير يوسف.
وأرسل معه خمسين من الشباب الأقوياء ... إلخ. وزودهم بكتب إلى ملوك الأقاليم، وأمرائها، فوصلت البعثة إلى حصون قريبة من مكان السد، وحولها قرى وحصون خربة كثيرة، وأهل الحصون كانوا مسلمين يقرءون القرآن ولهم كتاتيب، فلما أخبروهم أنهم مرسلون من قبل أمير المؤمنين استغربوا ولم يعرفوا عنه شيئًا ولم يسمعوا به، ووصلوا إلى المدينة التي نزل فيها ذو القرنين للإشراف على بناء السد وهي على مسيرة ثلاثة أيام من موقع السد، ووصفوا السد بأن طوله يبلغ مائتي ذراع، وأن له عضادتين مما يلي الجبل من جنبي السفح.
وكله بناء من حديد مغيب في نحاس، وتكون اللبنة ذراعًا ونصفًا في ذراع ونصف في سمك أربعة أصابع.
وعادات البعثة بعد ان استغرقت رحلة الذهاب ستة عشر شهرًا، ورحلة الإياب اثنتي عشر شهرًا، ولم يبق من أعضائها سوى أربعة عشر رجلًا١.
وما ذهب إليه أبو الكلام آزاد، وبعض المفسرين السابقين رجحه الدكتور عبد العليم خضر، حيث يقول: "ووجد كورش أنه آن الأوان لتأديب الشعوب المتوحشة التي كانت تغير عبر مضيق داريال في جبال القوقاز وعلى شعوب إمارته في أذربيجان وجورجيا وأرمينيا وجنوب الحائط الجبلي الرهيب الذي يسمى جبال القوقاز التي تمتد إلى بحر قزوين في الشرق عند مدينة" دربند "حتى" سوخوم "على البحر الأسود، فتوجه إليها سنة ٣٥٧ق. م، وقضى بالإقليم حوالي تسع سنوات متوالية ما بين بناء السد الحديدي. وتأديب قبائل" الإسكوذيين "أو" الماساجيت "٢."
١ انظر أخبار بعثة سلام الترجمان في كتاب: معجم البلدان لياقوت الحموي ٣/ ١٩٩. ط دار صادر.
٢ انظر مفاهيم جغرافية ٢٧٣.
الوقفة الثالثة: مع يأجوج ومأجوج؛ حقيقتهم ومصيرهم
تضاربت أقوال المفسرين في حقيقة يأجوج ومأجوج وأشكالهم وأوصافهم وأعمارهم وتناسلهم. وليس فيها شيء مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذا آثرنا أن نضرب صفحًا عن تلك الأخبار والأقاويل، ولنا وقفة مع بعض الأحاديث الصحيحة التي تحدثت عن خروجهم قبيل قيام الساعة، فيما بعد.
ولكني وجدت تحقيقًا قيمًا فيما كتبه أبو الكلام آزاد حول القبائل المتوشحة في شمال شرق القارة الآسيوية وهجماتهم على العالم المتحضر في الجنوب والغرب، فأنقله بنصه مع شيء من الاختصار فإن هذا التحقيق يلقي أضواء على أصل قبائل يأجوج ومأجوج. يقول أبو الكلام آزاد:
"تسمى هذه البقعة الشمالية الشرقية" منغوليا "وقبائلها الرحالة" منغول "وتقول لنا المصادر الصينية أن أصل كلمة منغول هو" منكوك "بالكاف الفارسية بعد النون، أو" منجوك "بالجيم الفارسية، وفي الحالتين تقرب الكلمة من النطق العبري" ماكوك "بالكافين الفارسيتين، النطق اليوناني" ميكاك "بالكافين الفارسيتين، ويخبر تاريخ الصين عن قبيلة أخرى من هذه البقعة كانت تعرف باسم" يواشي "، والظاهر أن هذه الكلمة ما زالت تحرف عند الأمم حتى أصبحت يأجوج في العبرية" ١.
ثم يستعرض أبو الكلام آزاد كيف أن أرض منغوليا كانت مصدرًا لدفعات بشرية إلى الجنوب الشرقي "الصين" وإلى الجنوب الغربي، والغرب أحيانًا، وكثير من هذه الهجمات البشرية قد استوطنت الأرض التي احتلتها ومالت إلى الزراعة والصناعة، إلا أن مسقط رأس تلك الموجات البشرية بقيت على توحشها، وبقيت مصدر قلق للشعوب المتحضرة، ويستعرض أبو الكلام آزاد من خلال التاريخ سبع هجمات لهذه القبائل:
الأولى: كانت قبل العصر التاريخي عندما بدأت هذه القبائل تهاجر من الشمال الشرقي وتنتشر في آسيا الوسطى.
الثانية: في فجر التاريخ، ونرى معالم حياتين مختلفتين: حياة البداوة وحياة الاستقرار، فتخلد القبائل المهاجرة إلى السكينة، وبدأ هذا الدور من نحو سنة ١٥٠٠ ق. م. إلى سنة ١٠٠٠ ق. م.
الثالثة: من سنة ١٠٠٠ ق. م. فنجد قومًا همجًا من البدو في بلاد بحر الخزر والبحر الأسود، ثم لا يلبث هو أن يظهر بأسماء مختلفة ومن وجهات مختلفة،
١ انظر: كتاب "ويسألونك عن ذي القرنين" ١٦٥.
ثم نرى قبائل "سي تهين" أخذت تظهر على مسرح التاريخ من سنة ٧٠٠ ق. م. وتهاجم آسيا الصغرى.
ويقول هيرو دتس: إن حدود الآشوريين الشمالية كانت عرضة لغارات قبائل "سي تهين" المستمرة، وكانت هذه الحدود تمتد إلى جبال أرمينيا. فكانت قبائل "سي تهين" تجتاز مضيق القوقاز وتشين الغارات المدمرة على شعوب السهول، حتى إن جموعًا كبيرة منها تقدمت سنة ٦٢٠ ق. م. ووصلت إلى "نينوى" داست في طريقها إيران الشمالية، ويرى مؤرخو اليونان أن هذا الحادث كان من أهم أسباب سقوط نينوى١.
أما الهجمة الرابعة: فينبغي أن نجعلها في حدود سنة ٥٠٠ هـ. م. الزمن الذي ظهر فيه غورش تكونت مملكة مادا وفارس المتحدة فتغيرت الظروف فجأة وأمنت آسيا الغربية من هجمات قبائل "سي تهين" ٢.
وكانت الخامسة: في القرن الثالث قبل الميلاد، وقد تدفق سيل جديد للقبائل المنغولية وانصب على الصين، وقد سمى مؤرخو الصين هذه القبائل "هيونج نو" وفي هذا العصر بنى إمبراطور الصين "شي هوانج تي" ذلك الجدار العظيم الذي اشتهر بجدار الصين لصد هجمات هؤلاء المغيرين، والذي لا يزال يوجد إلى يومنا هذا، وقد بدءوا بناءه سنة ٢٦٤ ق. م. وأتموه في مدة عشر سنين٣.
١ انظر كتاب "ويسألونك عن ذي القرنين" ١٦٧ وأشار إلى كلام هيرودتس ١/ ١٠٤.
٢ رجح الدكتور عبد العليم خضر أن حكم قورش الإخميني كان بين ٥٥٩-٥٢٩ ق. م. وتوفي بعد بناء السد قرب مضيق داريال سنة ٥٢٩ ق. م. معالم جغرافية ٢٤٤.
٣ يبلغ طول سور الصين "٢٤٠٠" كيلوا مترًا في خط مستقيم يتراوح ارتفاعه بين خمسة أمتار وعشرة أمتار، ويبلغ عرضه من ثمانية أمتار عند القاعدة إلى خمسة أمتار عند القمة، وعليه رصيف واسع يسمح بمرور ستة فرسان جنبًا إلى جنب، ويبلغ عدد أبراجه "٢٥٠٠" برجًا، مساحة كل برج خمسة أمتار مربعة وارتفاع البرج سبعة عشر مترًا، وهو مبني من الحجارة وبداخله التراب، وواجهتها من الطوب ويعود تاريخ بنائه إلى أسرة مينج الصينية. انظر دائرة المعارف للبستاني ١١/ ١٠١، وموسوعة المورد للبعلبكي ٥/ ٢٧.
وكانت الهجمة السادسة: في القرن الرابع الميلادي على أوروبا بقيادة "أتيلا" - بعد أن سدت في وجوههم منافذ الشرق والجنوب وقضت على الإمبراطورية الرومانية وعلى مدنيتها معًا.
وكانت الهجمة السابعة: في القرن الثاني عشر الميلادي، فاحتشدت جموع عظيمة من القبائل في بلاد منغوليا، وخرجت بزعامة جينكيز خان، فقضت على الحاضرة العربية وخربت مدينة بغداد، مدينة السلام سنة ٦٥٦هـ. ا. هـ١.
على ضوء هذا التحقيق العلمي الذي قدمه لنا أبو الكلام آزاد، فإن التكاثر السكاني من ناحية ووقوع المجاعات والكوارث ونقص الموارد الغذائية من ناحية أخرى، كل ذلك يؤدي إلى انتشار الموجات البشرية بحثًا عن الطعام أو حبًا في السيطرة والغلبة، وما هذه الهجمات المغولية إلا ظاهرة متكررة، وستكون آخرها ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سيحدث قبيل قيام الساعة حين يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فقد جاء في صحيح مسلم: "... فيطلبه -أي يطلب"
١ في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة بنت أم حبيبة، بنت أبي سفيان، عن أمها أم حبيبة، عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم -قال سفيان أربع نسوة- قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر الوجه، وهو يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها" ، قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: "نعم إذا كثر الخبث" . انظر صحيح البخاري كتاب الأنبياء ٤/ ١٠٩، وصحيح مسلم كتاب الفتن ٨/ ١٦٥.
وهذه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحققت في هجمة التتار عام ٦٥٦هـ، ولقد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب بالذكر ولم يعمم المسلمين، وكانت الخلافة الإسلامية بيد العباسيين، وبعد القضاء على خلافتهم خرج الأمر من أيدي العرب ولم يجتمع أمر الأمة الإسلامية بعد ذلك عليهم.
كما أن تحليق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصبعيه الإبهام والتي تليها كناية أن باب الفتنة لم يفتح على مصراعيه، وستتحقق المعجزة الأخرى في فتح باب الفتنة على مصراعيه عند اقتراب الوعد الحق عندما تخرج قبائل يأجوج ومأجوج قبيل قيام الساعة ليدمروا العالم المتحضر مرة أخرى، والخروج الأخير من علامات الساعة الكبرى كما سنذكره بعد قليل.
عيسى بن مريم عليه السلام الدجال- حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى بن مريم قومًا قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خير من مائة دينار لأحدكم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرًا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرك وردي بركتك ... "١."
والمتبادر إلى الذهن أن يأجوج ومأجوج الذين سيخرجون قبيل قيام الساعة وبعد نزول عيسى عليه السلام هم من نسل السابقين الذين حجزهم ذو القرنين خلف السد، ولكن ما واقعهم الآن هل لا يزالون يتموجون خلف السد، ولو حاول أحد ما أن يطلع عليهم أو يراهم فما شأنهم؟
لقد ورد حديث بلبل أذهان كثير من المفسرين، مما جعل بعضهم يقول إنهم أصبحوا في علم الغيب فلا يراهم أحد إلا عند قبيل الساعة؟! والذي دفعهم إلى ذلك أن الواقع المرئي حول جبال القوقاز وغيرها من المناطق التي يحتمل أن يكون موطنهم، لا يوجد فيها مثل تلك الأمواج المتلاطمة من البشر، ومما زاد الفهم اضطرابًا دلالة ظاهر الآية الكريمة {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا، وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} .
١ صحيح مسلم كتاب الفتن ٨/ ١٩٩.
ولإلقاء الضوء على الموضوع نذكر الحديث أولًا ثم نرى معنى الآية ثانيًا: روى الإمام أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجه١ في سننهما عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا، فيعودون إليه كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء الله فيستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخروجون على الناس" الحديث.
يقول ابن كثير في تفسيره تعقيبًا على الحديث:
وهذا إسناد جيد قوي ولكن في رفعه نكارة، لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه، لإحكام بنائه وصلابته وشدته، ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار، أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه، ويقولون غدًا نفتحه ويلهمون أن يقولوا: إن شاء الله، فيصبحون وهم كما فارقوه فيفتحونه، وهذا فتحه.
ولعل أبا هريرة تلقاه عن كعب فإنه كثيرًا ما كان يجالسه ويحدثه، فحدث به أبو هريرة، فتوهم بعض الرواة أنه مرفوع فرفعه. والله أعلم٢.
فإذا لم يصح رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا إشكال عندئذ لأن سياق الآيات الكريمة يدل على أن ذا القرنين بنى السد وأحكمه وبعد أن تم ذلك {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} . في ذاك الوقت، ثم جاء الحمد والثناء على الله سبحانه وتعالى على لسان ذي القرنين لأنه وفقه إلى بناء هذا السد وحماية الأقوام المستضعفين الذين كانوا مطمع قبائل يأجوج ومأجوج. فتركزا يموج بعضهم في بعض وهم لا يستطيعون تسلق السد ولا نقبه٣، ثم اسدل الستار على
١ مسند الإمام أحمد ٢/ ٥١٠؛ سنن الترمذي كتاب التفسير ٤/ ٣٧٥؛ سنن ابن ماجه كتاب الفتن ٢/ ١٣٦٤.
٢ تفسير ابن كثير ٣/ ١٠٥.
٣ في التعبير بكلمة "ما" في قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} دلالة دقيقة. وهي أن "ما" لنفي الحال، بينما "لن" لنفي المستقبل القريب، و "لا" : لنفي المستقبل البعيد. انظر البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن للزملكاني ١٩٣.
فنفى استظهار السد ونقبه في الحال -أي حال إتمام بنائه- ولم يتعرض للمستقبل.
الحديث عن يأجوج ومأجوج وهم محجوزون، وكما قلنا سابقًا ومن إيحاء هذا المنظر جرى الحديث عن مصير السد وعن حشر الناس يوم القيامة للحساب. أما السد فيصبح دكًا ويسوى بالأرض عند قيام الساعة أما الناس -جميع الناس بما فيهم يأجوج ومأجوج- فإذا نفخ في الصور سيجمعون جميعًا ويعرضون على جهنم، وجاء التعبير بصيغة الماضي "ونفخ" لتحقق الوقوع فهو أمر كائن لا محالة، ويكثر في القرآن الكريم التعبير عن أحداث المستقبل بصيغة الماضي لأن الحدث متحقق الوقوع فكأنه قد وقع وفرغ منه مثل قوله تعالى: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} .
أما واقع يأجوج ومأجوج بعد الحجز فكأي قوم من الأقوام أو أمة من الأمم تعتورها فترات تكاثر وإخصاب ونمو، كما تعتورها فترات ركود وضعف وقلة، ففي حالات التكاثر يحدث الانفجار السكاني وتكون موجات الهجرة والسيطرة، وفي فترات الضعف يكون الكمون وربما يُغزون من غيرهم.
إلا أن ظاهر الآيات والأحاديث يدل على أن الموجات البشرية التي ستكتسح كل شيء أمامها وتجفف منابع المياه العذبة -ومنها بحيرة طبرية- سيكونون من نسل يأجوج ومأجوج الذين حجزوا خلف سد ذي القرنين حيث تكون موجة التكاثر والخصوبة على أشدها في تلك القبائل. ولله في خلقه شئون.
القيم في قصة ذي القرنين
أ- القيم الصحيحة:
تمثلت القيم الصحيحة في سيرة ذي القرنين وأعماله وأقواله، وهي في نفس الوقت تأكيد للقيم الصحيحة التي مر ذكرها في القصص الثلاث السابقة:
١- الحكم والسلطة والتمكين في الأرض ينبغي أن يسخر لتنفيذ شرع الله في الأرض وإقامة العدل بين العباد، وتيسير الأمر على المؤمنين المحسنين، وتضييق الخناق على الظالمين المعتدين ومنع الفساد والظلم وحماية الضعفاء من بطش المفسدين، وهي عكس ما ورد في قصة أصحاب الكهف حيث استخدمت السلطة والحكم في الانحراف والدعوة إلى الشرك {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} .
٢- الرجال الأشداء ذوو الخبرات الفنية العالية في النواحي العسكرية والعمرانية والاقتصادية الذين كانوا طوع بنان ذي القرنين، وكذلك خضوع الأقاليم له وفتح الخزائن أمامه وتقديم خراب الشعوب له طواعيه، كل ذلك لم يدخل على نفسه الغرور والبطر والطيش والغواية بل بقي مثال الرجل المؤمن العفيف المترفع عن زينة الحياة الدنيا {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} . وبعد الانتهاء من تشييد السد قال: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} .
وقارن هذا بما قاله صاحب الجنتين {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} ، {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} .
٣- اتخاذ الأسباب الظاهرة والخفية المغيبة لبلوغ الغايات والأهداف التي سعى إليها حيث آتاه الله من كل شيء سببًا فأتبع سببًا حتى إذا بلغ مغرب الشمس لنشر الإيمان وإقامة العدل.
- ثم أتبع سببًا حتى إذا بلغ مطلع الشمس لمحاربة التخلف.
- ثم أتبع سببًا حتى إذا بلغ بين السدين لإصلاح الأرض ومنع الفساد والدمار وهذه الأسباب الظاهرة والتي كانت من دواعي التمكين له في الأرض لم تصرفه عن النظر في الأسباب الغيبية التي تكون من دواعي التمكين المعنوي مثل: العدل، والإحسان إلى المؤمن المحسن والتيسير عليه والأخذ على يد الظالم والتضييق عليه وكلها من دواعي التمكين المعنوي.
- إعادة النعم والفضل إلى مسديها سبحانه وتعالى.
- الإيمان المطلق بعلم الغيب ومنه قيام الساعة.
ب- القيم الزائفة في قصة ذي القرنين:
وتمثلت القيم الزائفة فيما وجه إليه ذو القرنين همته لإزالته وإصلاحه فمن ذلك:
١- الكفر والظلم والاعتداء الذي قضى عليه في مغرب الشمس {أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} .
٢- التخلف المتمثل في القوم عند مطلع الشمس {وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} .
٣- الإفساد والدمار المتمثل في تصرفات يأجوج ومأجوج {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} .
العظات والعبر في المقطع الخامس قصة ذي القرنين:
١- إن اتخاذ الأسباب للوصول إلى الغايات لون من ألوان التمكين الرباني لعباده ولايتنا في ذلك مع توكيل العبيد على الله سبحانه وتعالى وطلبهم العون والتوفيق والسداد.
٢- من دعائم الملك الصالح والسلطة العادلة تكريم أهل الصلاح وجعلهم بطانة الحاكم واستشارتهم في شئون الدولة وإسنادها إليهم، وتكليفهم بسياسة الرعية، وإبعاد أهل الفساد والظلم والانحراف والمضايقة عليهم.
٣- من مهمات الحاكم الصالح الجهاد في سبيل الله لنشر كلمة التوحيد، ورعاية مصالح الأمة، وحماية المستضعفين ودفع إفساد المفسدين عنهم، وإقامة العدل في ربوع الأرض.
٤- من مهمات دولة العدل إقامة المشاريع والمنشآت النافعة للأمة، التي توفر الأمن والرخاء والسعادة للشعوب.
٥- بقاء سد ذي القرنين إلى قيام الساعة، فإذا جاء وعد الله تعالى باختلال النظام الكوني جعله دكاء وكان وعد ربي حقًا.
٦- بقاء نسل يأجوج ومأجوج إلى قبيل قيام الساعة، حيث يخرجون في آخر الزمان، ويكون خروجهم من علامات الساعة الكبرى.
خاتمة السورة
لقد تضمنت الخاتمة جملة من الحقائق التي تحدثنا عنها تفصيلًا في افتتاحية السورة، وذكرنا هناك الحكمة في ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العشر آيات من أول السورة والعشر آيات الأخيرة من السورة وكونها عصمة من فتنة الدجال لمن قرأها أو حفظها١. ولا نعيد ذكرها هنا مرة أخرى اكتفاء بما تقدم ونكتفي هنا بالعرض العام للخاتمة.
يمكن تقسيم الخاتمة إلى ثلاث فقرات:
الفقرة الأولى: وهي وثيقة الصلة بمشهد ذي القرنين ومنظر القبائل والشعوب والأمم التي حشرت خلف السد، فهي تموج وتضطرب ولا تجد منفذًا ولا سبيلًا إلى الانتشار إلى غاياتها.
وكأن ذا القرنين بعد أن أتم هذا السد الشامخ وتحقق غرضه، ورأى ثمرة جهده لسنوات عديدة، وهو يكابد لإكمال السد بتأمين المواد الأولية وإقامته على التخطيط الدقيق والأسس العلمية السليمة من جهة.
ويكافح لدفع غارات المفسدين في الأرض الذين يحاولون الحيلولة بينه وبين إتمام هذا السد.
فما انتهى وأشرف على هذا الإنجاز الضخم توجه إلى ربه شاكرًا متضرعًا للذي بفضله وكرمه ونعمته تتم الصالحات فقال: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} واستشعر
١ انظر: ما تقدم: ١٨٠ وما بعدها.
- وهو المؤمن بيوم النشور والحشر- أن كل شيء في الدنيا زائل وتذكر يوم العودة إلى الله سبحانه وتعالى ويوم تحمل الأرض والجبال فتدك وتسوى بالأرض {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} ، قال: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} .
وتتميمًا للصورة المجسدة في حشر يأجوج ومأجوج وحجزهم خلف السد جاء التعقيب الإلهي للتذكير بالحشر الأكبر الذي يقع بعد الدك وخسف القمر وجمع الشمس والقمر واختلال نظام الكون إنه يوم النفخ في الصور {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} لقد بعث الأولون والآخرون بألوانهم المختلفة وأشكالهم المتباينة وهيئاتهم المتنوعة، إنه يوم الجمع الأكبر، إنه يوم الدين، يوم الحساب والجزاء لقد جمعوا جمعًا راغمين، يقول أحدهم: أين المفر؟ {كَلَّا لا وَزَرَ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} . تموج بهم الأرض كالجراد المنتشر، أبصارهم خاشعة كليلة ترهقهم ذلة، إنه اليوم الموعود، وقد أزيلت الحواجز عن الأرض فلا ترى فيها عوجا ولا أمتًا، وأخرجت الأرض أثقالها فلم يبق في جوفها سر دفين، وكشفت السرائر وبرزت الحقائق على وجوه أصحابها. لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء، والقلوب لدى الحناجر كاظمين. ووضعت الموازين القسط، وتطايرت الصحف، وأعلنت مبادئ العدل الرباني:
- لا ظلم اليوم.
- لا كلام إلا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولًا.
- لا شفاعة إلا بإذنه.
- كل إنسان يحمل طائره.
- كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا.
وتعرض جهنم وتحسب بأزمتها١، ويا هول ما يرى من أمرها.
١ في صحيح مسلم: "يؤتى بجهنم تقاد يوم القيامة بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك" انظر: صحيح مسلم كتاب الجنة: ٨/ ١٤٩.
لقد كشف الغطاء عن البصائر المغطاة المحجوبة بظلمات الكفر والعصيان فلم يبق مجال للتكذيب بالنار واليوم الآخر.
لقد وجدوا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون في تبليغهم.
فهذه جهنم تعرض أمام الكافرين عرضًا، لقد قالوا لرسلهم في الحياة الدنيا {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} فلا نفقه ما تقولون ولا نسمع وعيدكم بل قالوا -استخفافًا واستهزاء - {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَاب} .
إنها من إيحاءات هذا المنظر المعروض في تموج يأجوج ومأجوج خلف السد فالمؤمن لا يترك لحظة ولا حالة ولا منظرًا إلا ويأخذ منه العبرة ويربطه بالنتيجة وبالمصير الأبدي.
ثم يأتي التعقيب العام في الفقرة الثانية على معطيات الجولات والمقاطع في السورة كلها أفحسب أهل القيم الباطلة أن خلقهم ووجودهم في الحياة الدنيا كان عبثًا، أفحسبوا أن القضية لعب ولهو ثم لا رجوع إلى الله سبحانه وتعالى أفحسبوا أن صلاتهم وولاءاتهم لزعاماتهم وقياداتهم ستغني عنهم شيئًا؟! أحسبوا أن الموازين والقيم في الآخرة -إن آمنوا بها- هي نفسها التي كانوا يختلقونها من عند أنفسهم ويتعاملون بها؟!
ويورد السياق كلمة الكفر لتلقي بظلالها الكثيفة في هذا المشهد ليدرك هؤلاء أساس البلاء وسبب الشقاء:
- {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} .
- {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} .
- {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} .
- {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} .
- {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} ١.
١ جاء التصريح بصيغة الكفر خمس مرات، ومرتين ضمنًا فإن دلالة الكفر الستر والتغطية، وقد جاء في قوله تعالى: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} ذكر الأغطية على الأعين وفيه معنى الكفر والحاجز المانع عن السمع وهو لون من ألوان الغطاء وفيه معنى الكفر.
وهذا التركيز في الخاتمة على الأمر لبيان سبب استحقاقهم هذا المصير البائس ولتنفير المؤمن من هذه الصفة وإيجاد مناعة لديه، وإيجاد حاجز نفسي بينه وبين المتصفين بها، وهذا أسلوب من الأساليب القرآنية المطردة لترسيخ مفاهيم معينة، أو التنفير من صفات مذمومة.
لقد أكثر هؤلاء الكفرة المنكرون يوم البعث والنشور من الأعمال الدنيوية مالًا، ورجالًا، وجاهًا، حتى انتفخت نفوسهم بها عجبًا وزهوًا وكبرًا وأشرًا وبطرًا، فكان حتفهم في ذلك، فحبطت تلك الأعمال حيث انتفخت فقضت على صاحبها، فهي وأصحابها لا تزن عند الله جناح بعوضة {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القايمة لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرءوا إن شئتم {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} " ١.
هؤلاء هم أخسر الناس على الإطلاق، لأنهم كدوا وتعبوا وجمعوا وسعوا سعيًا حثيثًا في الدنيا، فلم يتركوا ميدانًا من ميادين الفخر والمآثر الدنيوية، ولا مجالًا حسبوه يخلد ذكرهم ويرفع شأنهم إلا اقتحموه. وهم يظنون أن من أعطي في الدنيا شيئًا قيمًا أن يُعطى أكثر منه في الآخرة {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} .
لقد اختلت الموازين عندهم، فلم يستجيبوا لنداء الفطرة في نفوسهم ولم يحملوا أنفسهم عناء التفكر في نهاية المطاف في الخلق والكون علمًا أنها مليئة بالبراهين والدلالات على زوالها وفنائها.
بل سخروا برسل الله المبلغين لدعوة ربهم واتخذوهم هزوًا فكلما ذكروهم بأمر الآخرة والحساب والجزاء قالوا: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} .
١ رواه الشيخان، انظر: صحيح البخاري كتاب التفسير: ٦/ ٢٣٦، وصحيح مسلم كتاب صفات المنافقين: ٨/ ١٢٥.
ويقولون لقد ذهب آباؤنا ولم يعودوا ثانية إلينا ونحن على آثارهم سنمضي ولسنا بمنشرين.
إن مصير هؤلاء جميعًا إلى جهنم التي تعرض عليهم في هذا اليوم بما كسبت أيديهم من سيئات الأعمال، وبما جحدت عقولهم من الآيات البينات وبما ران على قلوبهم من ظلمة الكفر والطغيان.
وفي الفقرة الثالثة يأتي الحديث عن جحافل الإيمان والصبر والتقوى أتباع الأنبياء، المخلصين لربهم، القانتين المطيعين، لقد استنارت قلوبهم بالإيمان واليقين، وتثقفت عقولهم بالهداية والعرفان واستقامت نفوسهم على طاعة الديان، وازدانت جوارحهم بالصالحات من الأعمال تمسكوا بالعروة الوثقى، واعتصموا بحبل الله المتين، فاتخذوا كل ذلك سببًا إلى جنات الفردوس، فتبوءوا منها منزلًا لا يريدون التحول عنه.
إنهم عرفوا الحقائق وقيمها الراخسة فتمسكوا بها، وعرفوا زيف زينة الحياة الدنيا فأنزلوها منزلتها الصحيحة -إنها بلغة ومزرعة للآخرة.
ثم اللمسات الأخيرة في نهاية السورة كالأضواء الكاشفة على المنهج الصحيح الذي يؤدي بصاحبه إلى جنات الفردوس:
إنه الوحي الذي أوحاه الله سبحانه وتعالى إلى عبده ورسوله،
إنها كلمات الله التي لا يحيط بها عقل أو خيال.
فمن أراد أن يجنّب جهنم ويتحول عنها فلا يلزم بها منزلًا ومستقرًا وأن يسلك طريق جنات الفرودس التي لا يبغي عنها حولًا فعليه أن يلتزم بأساسين:
أ- العمل على وفق وحي الله المنزل على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ب- أن يخلص العمل لوجه الله جل جلاله ولا يتخذ معه شريكًا في عبادته.
{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} .
الخاتمة
كانت هذه جولات في التفسير الموضوعي، حاولنا فيها الاطلاع على أصل هذا اللون من التفسير تاريخيًا، ثم عرجنا فيها على أنواع التفسير الموضوعي وحاولنا إلقاء أضواء على مناهج البحث في التفسير الموضوعي لعلها تكون معالم لمن يأتي بعدنا فيزيد وينقح ويعدل لتكون هذه الجهود لبنات في بناء هذا اللون من التفسير -الذي نتوقع أن يكون اللون السائد للتفسير في مستقبل الأيام والله أعلم.
كما قدمنا نموذجين لهذا اللون من التفسير أحدهما موضوع من خلال القرآن الكريم، وهو "الألوهية من خلال آيات القرآن الكريم" والثاني تفسير سورة تفسيرًا موضوعيًّا، واخترنا سورة الكهف، فبحثنا فيها "القيم في ضوء سورة الكهف" .
والله أسأل أن يجعل هذا الجهد المتواضع خدمة لكتابه المبين وأن ينفع به إخواننًا من طلاب العلم، وأن يجعله في ميزان حسناتنا ذخرًا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الفهارس
١- فهرس الآيات الكريمة
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الفاتحة" :
٥، ٦ "إياك نعبد وإياك نستعين" ٨٥.
"سورة البقرة" :
١- ٤ "ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه." ٧٦
٣٠ "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" ٩٦
٣٤ "إلا إبليس أبي واستكبر وكان الكافرين" ٢٥٠
٣٨ "قلنا اهبطوا منها جميعًا فإما يأتينكم مني هدى" ٩٧
٦٨ "قالوا ادع لنا ربك" ٢٧٥
٨٣ "ثم توليتم إلا قليلًا منكم" ٨٨
١٠٥ "ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب" ٢٤
١٢٩ "ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم" ٨٩
١٣٦ "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا" ٢٦٧
١٤٣ "وكذلك جعلناكم أمة وسطًا" ٨٨، ١٩٣
١٧٢ "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" ١٩
رقم الآية الآية رقم الصفحة
١٨٠ "إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا" ٢٤
١٨٩ "يسألونك عن الأهلة" ٦٠، ٦١
١٩٠ "وقاتلوا في سبيل الله" ٨٧
٢١٣ "كان الناس أمة واحدة" ٢٦، ٩٨، ٢٩٦
٢١٥ "قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين" ٢٤
٢١٦ "كتب عليكم القتال وهو كره لكم" ٨٧، ٢٨٥
٢٤٠ "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصية لأزواجهم" ٦٨
٢٤٥ "من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا" ٨٩
٢٤٧ "والله يؤتي ملكه من يشاء" ٨٨
٢٥٥ "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" ١٣٠، ١٥١
٢٥٦ "لا إكره في الدين" ١٦٠
٢٧٢ "وما تنفقوا من خير يوف إليكم" ٢٤
٢٨٤ "إن تبدوا ما في أنسكم" ٨٥
٢٨٥، ٢٨٦ "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" ٤٩، ٧٦، ٨٦
"سورة آل عمران" :
١، ٢ "ألم. الله لا إله إلا هو الحي القيوم" ٦٧
٣ "نزل عليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه" ٨٧
١٤- ١٧ "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين" ٢٣١.
٢٦ "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء" ٨٨
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٨١ "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب" ٧١، ٢٩٣
١٠٤ "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير" ٢٦
١١٠ "كنتم خير أمة أخرجت للناس" ٨٨، ١٩٣
١١٣ "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة" ٢٦، ٨٨
١٦٤ "لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا" ٨٩
١٧٠ "فرحين بما آتاهم الله من فضله" ٨٨
١٨١ "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير" ٨٩
١٨٥ "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" ١٩٦، ٢٩٤
١٩٩ "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله" ٧٦، ٧٦
٢٠٠ "واتقوا الله لعلكم تفلحون" ٨٩
"سورة النساء" :
١، ٣ "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم" ٧٧
٤٢ "ولا يكتمون الله حديثًا ١٨"
٥١ "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت" ٧٠
٥٨ "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" ٥٧، ٧٠
٨٢ "أفلا يتدبرون القرآن" ٦٦، ٩٠
١٠٠ "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا" ٢٠٦
١٧٦ "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة" ٧٧
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة المائدة" :
١ "أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم" ١٩
٨ "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط" ١٩٢
٢٧ "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق" ٩٧
٤٨ "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه" ١٩٢
٧٢ "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" ٢٦٣
٧٥ "ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" ١٥٨
٧٦ "قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرًا ولا نفعًا" ١٠٩
٩٠ "إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام" ١٢
٩٣ "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" ١٢
١٠٢ "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء" ١٠
١١٢ "يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك" ٢٧٥
"سورة الأنعام" :
١٧ "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو" ٢٥
٢٣ "والله ربنا ما كنا مشركين" ١٨
٣٧ "وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه" ١١٤
٣٨ "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه" ٢٥
٤٠ "قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله" ١٤٥
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٥٢ "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والغشي" ١٧٢، ١٧٣
٨٢ "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ١٧
٩٧ "وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها" ١٣١
٩٩ "وهو الذي أنزل من السماء ماء" ١١٥، ١٤١
١٠٠ "وجعلوا لله شركاء الجن" ٢٦٥
١٤٥ "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا" ١٩
١٤٦ "وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر" ١٩
١٥١ "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق" ١٠٤
"سورة الأعراف" :
١١ "إلا إبليس لم يكن من الساجدين" ٢٥٠
١٢ "قال أنا خير منه خلقتني من نار" ٢٤٣
٢٣ "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا" ٢٦٤
٧٧ "وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا" ٢٤٨
١٤٤ "قال يا موسى إني اصطفيتك" ٢٧١
١٥٠ "ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا" ٢٨١
١٧٢ "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم" ٩٥، ١٤٣
"سورة الأنفال" :
٢٣ "ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم" ٢٤
٣٢ "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق" ٢٤٨
٣٣ "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ٢٤٩
٧٠ "يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى" ٢٤
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة التوبة" :
٣٠ "وقالت اليهود عزير ابن الله" ١٩٥
٦٥ "أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون" ٢٤٤
١١١ "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم" ٢٢٤
١٢٨ "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" ٨٤
"سورة يونس" :
١، ٢ "ألر. تلك آيات الكتاب الحكيم" ٨٤
١٥ "قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي" ٢١٢
٢٢ "هو الذي يسيركم في البر والبحر" ١٤٤
٢٨ "ويوم نحشرهم جميعًا ثم نقول للذين أشركوا" ٢٥١
٣٢ "قل من يرزقكم من السماء والأرض" ١١٠
٦١ "وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن" ٢٩٧
٦٨ "قالوا اتخذ الله ولدًا سبحانه هو الغني" ١٥٥
٩٠ "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده" ١٤٦
١٠٩ "وهو خير الحاكمين" ٢٥
"سورة هود" :
٣١- "ولا أقول للذين تزدري أعينكم" ٢٤
٣٢ "قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا" ٢٤٨
٤٧ "قال ربي إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم" ٢٦٤
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٤٩ "تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك" ٢٠٢، ٣٠٣
١١٨ "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" ٢٦
١٢٠ "وكلا نقص عليك من أنباء الرسل" ٢٠٣
"سورة يوسف" :
١، ٢ "ألر تلك آيات الكتاب المبين" ٧٥
٤٢ "اذكرني عند ربك" ٢١٤
٥١ "قالت امراة العزيز الآن حصحص الحق" ٢١٥
٥٤ "قال إنك اليوم لدينا مكين أمين" -
١١١ "لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب" ٧٥، ٢٠٣، ٣٠٣
"سورة الرعد" :
١٦ "أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه" ١٢٢
١٧ "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها" ١٢
"سورة إبراهيم" :
٤ "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم" ٩
٣٢ "الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء" ١١٠، ١٣٠
"سورة الحجر" :
١، ٥ "ألر. تلك آيات الكتاب وقرآن مبين" ٧٥
٩ "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" ٩
١٩ "والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي" ١١٠، ١٣٤
٢٦ "ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون" ١٢٦
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٢٨ "وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرًا" ١٤٧
٩٢, ٩٣ "فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون" ٧٥
"سورة النحل" :
١ "أتى أمر الله فلا تستعجلوه" ٧٥
٥ "والأنعام خلقها لكم فيها دفء" ١٣٩، ١١٠
١١ "هو الذي أنزل من السماء ماء" ١١٦
٣٦ "ولقد بعثنا في كل أمة رسولًا أن أعبدوا الله" ٩٩، ١٠٥
٤٤ "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم" ١٠
٥١ "وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين" ١٤٤
٦٥ "والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض" ١١١
٦٦ "وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه" ١٣٨
١٢٧ "وأصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم" ٧٥
٦٨ "وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي" ١٣٩
٧٢ "والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا" ١٠٤
٨٠ "والله جعل لكم من بيوتكم سكنًا" ١٣١
٨٨ "صنع الله الذي أتقن كل شيء" ١٣٠
٩٠ "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" ٦٨
١١٨ "وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل" ١٨
١٢٠ "إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله" ٢٦
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الإسراء" :
١٢ "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل" ١٣١
١٣ "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه" ٢٤٤
١٥ "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا" ٩
٢٣ "وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه" ١٠٤
٤٢ "قل لو كان معه آلهة كما يقولون" ١٥٤
٤٤ "تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن" ١٤٢
١١١ "وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا" ١٥٩
"سورة الكهف" :
١ "الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب" ٧٤
٥١ "ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض" ١٢٨
١٠٩ "قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي" ٧٤
"سورة مريم" :
٣٥ "ما كان الله أن يتخذ من ولد سبحانه" ١٥٩
٨٨ "وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا" ١٥٩، ٢٦٥
"سورة طه" :
١٠٥ "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفًا" ٣٠٢
١١٧ "فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك" ٢٤٥
١٣٢ "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" ١٠٣
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الأنبياء" :
١٦ "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين" ١٦٠
٢٣ "أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون" ١٥٢
٢٩ "ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم" ١٢٤
٣٤ "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد" ٢٩٣
٨٧ "فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك" ٢٦٤
"سورة الحج" :
٤٦ "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" ٢٥٦
٧٥ "الله يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس" ٢٩٦
"سورة المؤمنون" :
١ "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون" ٧٤
١٢ "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" ١١٣
٩١ "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله" ١٥٤
١٠١ "فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" ١٨
١١٥ "أفحسبتم إنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون" ٩، ١٩٤
١١٧ "ومن يدع مع الله إلهًا آخر لا برهان له به" ٧٤
١١٨ "وقل رب أغفر وارحم وأنت خير الراحمين" ٢٥
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة النور" ""
١١ "لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير لكم" ٢١٣
٣٣ "إن علمتم فيهم خيرًا" ٢٤
"سورة الفرقان" :
١ "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده" ٧٤
٢ "وخلق كل شيء فقدره تقديرًا" ١٢٢، ١٣٢، ١٣٣
٣ "واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئًا" .
٦ "قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض" ٦٦
٣٣ "ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق" ١٥
٥٢ "فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا" ١٠
٧٧ "قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم" ٧٤
"سورة الشعراء" :
١- ٤ "طسم. تلك آيات الكتاب المبين" ١٩٧
٨٠ "وإذا مرضت فهو يشفين" ٢٧٠
٢١٥ "واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين" ٢٩١
"سورة النمل" :
٤٠ "قال الذي عنده علم من الكتاب" ٢٦٧
٦٠ "أمن خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء" ١٦٢
٦٠ "أمن جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا" ١٦٣
٦٢ "أمن يجيب المضطر إذا دعاه" ١٤٦، ١٦٣
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٦٣ "أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر" ١٦٣
٦٤ "أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء" ١٦٤
٧٢ "والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم" ١٣٨
"سورة القصص" :
٨ "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنًا" ٨٣
١٥ "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها" ٢٨١
١٥ "فوكزه موسى فقضى عليه" ٢٨٧
١٨ "قال له موسى إنك لغوي مبين" ٢٨١
٢٤ "قال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير" ٢٥، ٢٨٧
٧٨ "قال إنما أوتيته على علم عندي" ٢٣٠
٨٦ "وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك" ٢٩٠
"سورة العنكبوت" :
٢٥ "وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانًا مودة بينكم" ٢٥١
٥٠ "وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه" ٣٢
٦٠ "وكأين من دابة لا تحمل رزقها" ١٠٣
٦٤ "وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب" ١٨٥
٦٥ "وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين" ١٠٥
"سورة الروم" :
٢٢ "ومن آياته خلق السماوات والأرض" ١٢٤
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٣٠ "فطرة الله التي فطر الناس عليها" ١٤٣، ١٤٤
"سورة لقمان" :
١٠ "خلق السماوات بغير عمد ترونها" ١٢٣
١٣ "إن الشرك لظلم عظيم" ١٧
١٤ "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا" ١٠٤
٢٥ "ولئن سألتم من خلق السماوات والأرض" ١٠٥
٣٤ "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث" ٢٧٩
"سورة السجدة" :
٧ "الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين" ١٢٦
"سورة الأحزاب" :
٧ "وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح" ٢٧١
٢٥ "ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا" ٢٥
٤٠ "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم" ٢٩٧
٧٢ "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال" ١١٣
"سورة سبأ" :
١ "الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض" ١٦٠
٢٤ "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" ٩٨
"سورة فاطر" :
١ "الحمد لله فاطر السماوات والأرض" ١٥٣
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٥ "يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا" ٢٤٥
٨ "أفمن زين له سوء عمله" ١٩٦
١٥ "يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله" ١٥٧
٢٧ "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء" ١١٩، ١٢٣
٤٠ "قال أرأيتكم شركاءكم الذين تدعون من دون الله" ١٣١
٤١ "إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا" ١٥٧
٤٤ "أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" ١٦٠
٤٥ "ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا" ٢٤٩
"سورة يس" :
٣٧ "وآية لهم الليل نسلخ منها النهار فإذا هم مظلمون" ١٣١
٧١ "أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعامًا" ١١١، ١٤٠
٧٧ "أولم ير الإنسان أن خلقناه من نطفة" ١٢٦
٨٠ "الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا" ١٤٢
"سورة الصافات" :
٢٧ "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" ١٨
١٠٢ "قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك" ٢٩٢
"سورة ص" :
١٦ "وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب" ٢٤٨، ٣٢٧
٢٤ "وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه" ٢٦٤
٣٢ "إني أحببت حب الخير" ٢٤
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الزمر" :
٢٣ "الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني" ١٦٨
٥٣ "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم" ٧٢، ٧٣
"سورة غافر" :
١٧ "لا ظلم اليوم" ٢٤٤
٥١ "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا" ١٠٠
"سورة فصلت" :
٩ "قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين" ١٨، ١٢٥
"سورة الزخرف" :
٢٢ "إنا وجدنا آباءنا على أمة" ٢٦
٣٠ "ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر" ١٧٦
٣٢ "أهم يقسمون رحمة ربك" ٢٩٠
٥٢ "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين" ٢٥
٦٦ "وهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة" ٢٥١
٦٧ "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" ٢٤٧
"سورة الأحقاف" :
٢٢ "قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا" ٢٤٩
٣٥ "كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة" ٨٢
"سورة محمد صلى الله عليه وسلم" :
١ "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم" ٨٢
رقم الآية الآية رقم الصفحة
٣٨ "وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم" ٨٢
"سورة الفتح" :
١ "إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا" ٨٢
"سورة الحجرات" :
١٧ "يمنون عليك أن أسلموا" ٢٣٦
"سورة الذاريات" :
٢١ "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" -
٤٩ "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" ١٥٨
٥٦ "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" ٩، ٩٦، ١٠٣
"سورة الطور" :
٣٥ "أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون" ١٥٠
٤٩ "ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم" ٨٢
"سورة النجم" :
١ "والنجم إذا هوى" ٨٢
٤٥ "وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى" ١٥٨
"سورة القمر" :
٩ "كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا" ٩٩
٢٣ "كذبت ثمود بالنذر" ٩٩
٤٩ "إن كل شيء خلقناه بقدر" ١٢٢
٥٤ "إن المتقين في جنات ونهر" ٨٢
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الرحمن" :
١- ٤ "الرحمن، علم القرآن" ٨٢، ١١٣، ١٣٧
١٤ "خلق الإنسان من صلصال كالفخار" ١٢٦
"سورة الواقعة" :
٥٧ "نحن خلقناكم فلولا تصدقون" ١٠٧، ١٢٦
٧٤ "سبح باسم ربك العظيم" ٨٢
٧٥ "فلا أقسم بمواقع النجوم" ١٣١
"سورة الحديد" :
١ "سبح لله ما في السماوات والأرض" ٨٢
٤ "هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام" ١١٢
٢١ "والله ذو الفضل العظيم" ٨٢
"سورة المجادلة" :
١ "قد سمع الله قول التي تجادلك" ٨٣
"سورة الجمعة" :
٩ "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة" ١٠٢
"سورة الطلاق" :
٣ "ومن يتق الله يجعل له مخرجًا" ١٠٣
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الملك" :
٢ "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا" ١٩٧
١٥ "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه" ١٠٢
"سورة ن" :
١٢ "مناع للخير" ٢٤
"سورة الحاقة" :
١٣ "فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة" ٣٠٨، ٣٢١
٤٤ "ولو تقول علينا بعض الأقاويل" ٢١٢
"سورة نوح" :
٢٦ "وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا" ٢٨٦
"سورة الجن" :
٢٦ "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا" ٢٩٢
"سورة المزمل" :
١ "يا أيها المزمل" ٦٤
"سورة المدثر" :
١ "يا أيها المدثر" ٦٤
"سورة القيامة" :
١٧ "إن علينا جمعه وقرآنه" ١٠
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الإنسان" :
١ "هل أتى على الإنسان حين من الدهر" ١٢٦
٣ "إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا" ١٣٧
"سورة المرسلات" :
٥٠ "فبأي حديث بعده يؤمنون" ٨٣
"سورة النبأ" :
١ "عم يتساءلون عن النبأ العظيم" ٨٣
"سورة النازعات" :
٢٥ "فأخذه الله نكال الآخرة والأولى" ٤٧
٢٧ "أأنتم أشد خلقًا أم السماء" ١٨، ١٤٢
"سورة عبس" :
١ "عبس وتولى أن جاءه الأعمى" ٢٢٥
٢٤ "فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبًا" ١٤٢
٣١ "وفاكهة وأبًا" ١٠
"سورة المطففين" :
٩ "كتاب مرقوم" ٢٠٩
"سورة الطارق" :
٥ "فلينظر الإنسان مم خلق" -
"سورة الضحى" :
١١ "وأما بنعمة ربك" ٨٣
رقم الآية الآية رقم الصفحة
"سورة الشرح" :
١ "ألم نشرح لك صدرك" ٨٣
"سورة التين" :
٤ "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقوم" ١٣٧
"سورة العلق" :
١ "اقرأ باسم ربك الذي خلق" ٦٤، ١١٣، ١٢٦
٦ "وإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى" ١٤٥
"سورة العاديات" :
١١ "إن ربهم بهم يومئذ لخبير" ٨٣
"سورة القارعة" :
١ "القارعة ما القارعة" ٨٣
"سورة الفيل" :
٥ "فجعلهم كعصف مأكول" ٨٣
"سورة قريش" :
١ "لإيلاف قريش" ٨٣
"سورة الكوثر" :
١ "إنا أعطيناك الكوثر" ٨٣
"سورة الإخلاص" :
١- ٤ "قل هو الله أحد" ١٥٩
٢ فهرس الأحاديث والآثار:
الصفحة طرف الحديث أو الأثر
١٧٤ "اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة"
١١ "أخذ عدي عقالًا أبيض وعقالًا أسود"
٢٩٣ "اللهم إن تهلك هذه العصابة"
٢٥٦ "أنا زعيم بيت في ربض الجنة"
١١ "إن أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء"
١١ "إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها"
١٨٥ "إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله"
١٢ "إن الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"
١٠ "إن عمر بن الخطاب سأل على المنبر"
٢٣١ "إن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم"
٧٠ "إن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين"
٢٠٦ "أن لا يجد المرء على الحق أعوانًا"
٢٦٠ "إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل"
١٤٩ "إن النبي صلى الله عليه وسلم لقي رجلًا يقال له حارثة"
٣٢٠ "إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم"
١٤٣ "إني خلقت عبادي حنفاء"
١٧٣ "بعثت قريش النضر بن الحارث"
الصفحة طرف الحديث أو الأثر
١٢ "جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدتهم كالإخاذ"
١١ "ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم"
٦٠ "سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهلة"
٢٩٣ "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة"
٨٠ "طرأ علي خزبي من القرآن"
٢٨٦ "عجبت للمؤمن إن الله لم يقض قضاء إلا كان خيرًا له"
٣١٩ "فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله"
٤٣، ١٦٩ "قال في بني إسرائيل، والكهف، ومريم إنهن من العتاق الأول"
١٧٣ "قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم -أي كبار قريش"
١٧٠ "قرأ رجل الكهف، وفي الدار دابة فجعلت تنفر"
٢٥٩ "قلت لابن عباس إن نوفًا البكالي يزعم"
٩٦، ١٤٣ "كل مولود يولد على الفطرة"
٦٨ "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع"
٦٨ "كنت جالسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره"
٩٧ "لا تقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل"
٢٦٩ "لا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي"
١٧٣ "لقد نزلت هذه الآية في ستة"
١٦١ "لله تسعة وتسعون اسمًا"
١٧ "لما نزلت هذه الآية:" الذين آمنوا ""
١٠٣ "لو أنكم توكلتم على الله حق التوكل"
٧٩ "ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال"
٦٩ "ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر ما سألته عن الكلالة"
١٧ "مفاتح الغيب خمس"
٢٨٤ "من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله"
٦٩، ١٧٠ "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف"
الصفحة طرف الحديث أو الأثر
١٧٠ "من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نورًا"
١٧٠ "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة"
١٧١ "من قرأ سورة الكهف كما أنزلت كانت له نورًا"
١٧١ "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة"
٦٩، ١٧٠، ١٧٧، ١٨٥ "من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف"
١٤٩ "والذي نفسي بيده إنكم لو تدومون على ما تكونون عندي"
١٢٧ "ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه"
٢٣٤ "يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد"
٩٥ "يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة"
٢٠٦ "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمًا"
٣ فهرس الأعلام:
الاسم الصفحة
[حرف الألف]
آدم عليه السلام: ٤٢، ٨٨، ٢٥٧، ٢٦٤، ٢٦٦
آدم بن إياس: ١١٣، ١٦٩
إبراهيم عليه السلام: ٧٢، ٩٩، ٢٠٠، ٢٠٢، ٢٠٣
إبراهيم زويد الكيلاني: ٢٩
ابن إسحاق: ١٧٣، ١٨٧
ابن أشته: ٨٠
ابن تيمية: ١٨
ابن جرير الطبري: ١٣، ١٤، ٦٠، ١٧٣
ابن الجوزي: ٢٠
ابن حبان: ١٧٣
ابن حجر العسقلاني: ٢٧٠
ابن خلدون: ٣٣
ابن رشد: ١٣٦
ابن شهاب الزهري: ١٣
ابن الصلاح الشهرزوري: ٢٩٤
ابن عبد البر: ٢٩٤، ٢٩٥
ابن عساكر: ٢٩٤، ٢٩٥
ابن العماد: ٢٠
ابن قتيبة: ٢١
ابن القيم: ٢١
ابن كثير: ٢٩٥، ٣٢٠
ابن ماجه: ١٣، ١٤، ٣٢٠
ابن مردويه: ١٢، ١٧٣، ١٧٤
ابن هشام: ١٨٧
ابن وهب: ٨٠
ابو إسحاق: ١٦٩، ٢٩٥
أبو البختري: ١٧٤
أبو بكر الجصاص: ٢١
أبو بكر الصديق: ١٢، ٨١، ٢١٣، ٢٢٤
الاسم الصفحة
أبو بكر بن العربي: ٢١، ٥٨، ٦٦
ابو بكر النيسابوري: ٦٦
أبو جعفر بن الزبير الأندلسي: ٦٧
أبو جهل بن هشام: ١٧٤
أبو حيان: ٦٢
أبو داود: ٨٠/ ٩٧
أبو الدرداء: ٦٩، ١٧٠
أبو ذر الغفاري: ١٧٢
أبو رافع: ٣٢٠
أبو سعيد الخدري: ١٧٠، ٢٠٦
أبو سفيان: ١٨٩
أبو الشيخ: ١٢
أبو صالح: ٢٣١
أبو عبيد القاسم بن سلام: ٢٠
أبو الفضل محمد البجائي المالكي: ٤١
أبو كرب شمر بن عمرو بن أفريقيش الحمري: ٣٠٩، ٣٠٣
أبو الكلام أزاد: ٣١٠، ٣١١، ٣١٢، ٣١٣، ٣١٤، ٣١٥، ٣١٦.
أبو هريرة: ٣٢٠
أبي بن كعب: ١٧٩، ٢٦٠
أتيلا: ٣١٨
أحمد حسن فرحات: ٢٧
أحمد بن حنبل: ١٣، ٦٨، ٧٩، ٨٠، ٩٧، ١٧٠، ١٧٧، ٣٢٠
أحمد شاكر: ٧٩
إدوارد لوثركسيو: ١٢٨
إدوار مونتيه: ٢٢
الإسكندر المكدوني: ٣٠٩، ٣١٣
إسماعيل عليه السلام: ٣٠٠، ٣٠٢، ٢٩٢
الأسود بن المطلب: ١٧٤
الأقرع بن حابس: ١٧٢
إلكيا الهراسي: ٢١
أمية بن خلف الجمحي: ١٧٣، ١٧٤
أوس بن أبي أوس: ٨٠
[حرف الباء]
البخاري: ١١، ١٧، ١٨، ٤٣، ٦٨، ٧٩، ١٦٩، ١٧٠، ٢٠٦، ٢٧٠
البراء: ١٧٠
البقاعي: ٢٩، ٤١، ٤٥، ٥٩، ٦٣، ٦٦، ٦٧، ٢٩٠، ٣٠٠
بلال الحبشي: ١٧٢، ١٧٣
[حرف التاء]
الترمذي: ٣٢٠
[حرف الجيم]
جبريل عليه السلام: ٦٩، ١٧٤، ٣١١
جمال الدين القاسمي: ١١٣، ١٣٦، ١٤٧
الاسم الصفحة
جول لا بوم: ٢٣
جويبر: ١٧٣
جيمس جينز: ١١٩
[حرف الحاء]
الحاكم: ١٢، ٦٨، ١٧٠، ١٧٣
حذيفة الثقفي: ٨٠
الحسن البصري: ١٤
[حرف الخاء]
خباب بن الأرت: ١٧٣
الخضر: ١٧١، ١٧٨، ١٨٨، ١٨٩، ٢٠٠، ٢٥٤، ٢٥٥، ٢٥٩، ٢٦٠، ٢٦١، ٢٦٧، ٢٧٠، ٢٧١، ٢٧٤، ٢٧٧، ٢٧٨، ٢٨٤، ٢٨٥، ٢٨٧، ٢٨٨، ٢٨٩، ٢٩٠، ٢٩١، ٢٩٢، ٢٩٣، ٢٩٤، ٢٩٥، ٢٩٦، ٢٩٧، ٢٩٨، ٣٠٠، ٣٠١، ٣٠٢
الخطيب البغدادي: ٢٩٤
[بحرف الدال]
الدارقطني: ٢٩٥
الدامغاني: ٢٠، ٢٤
دانيال: ٣١١، ٣١٢
داود عليه السلام: ٢٦٤
[حرف الذال]
الذهبي: ١٧٠، ١٧١
ذو القرنين: ١٨٧، ١٨٦، ٢٠٢، ٢٠٣، ٢٩٩، ٣٠٠، ٣٠١، ٣٠٢، ٣٠٣، ٣٠٤، ٣٠٦، ٣٠٧، ٣٠٩، ٣١٠، ٣١١، ٣٢٠، ٣٢٢، ٣٣٣، ٣٢٤، ٣٢٥
ذو النون: ٢٦٤
[حرف الراء]
الراغب الأصفهاني: ١٥، ٢٠، ٢٥
ربيعة: ٨٠
روح بن عبادة البصري: ١٣
[حرف الزاي]
الزجاج: ٢٦
الزركشي: ٥٩، ٦٧
زكريا عليه السلام: ٩٩
زيد بن ثابت: ٦٨، ٨١
زيد بن عمرو بن نفيل: ٢٦
[حرف السين]
السامري: ٢٠٣
سراقة بن مالك: ١١٨
سعد بن أبي وقاص: ١٧٣
سعيد بن جبير: ١٤، ١٨، ٢٥٩
الاسم الصفحة
سعيد حوى: ٣١٣
سفيان بن عيينة: ١٣
سلام الترجمان: ٣١٤
سلمان الفارسي: ١٧٢
سليمان عليه السلام: ٢٦٦، ٢٦٧
سليمان بن بلال: ٨٠
سهل بن معاذ: ١٧٠
سيد قطب: ٢٩، ١٠٧، ١٣٤، ١٤٠، ٢٨٢، ٢٨٣.
السيوطي: ٥٩، ٦٢، ٦٧، ٨٤، ٨٥، ٨٦، ٨٩، ١٧٣، ١٧٤
[حرف الشين]
شعبة بن الحجاج: ١٣، ٩٥، ١٦٩، ١٧٠
الشعبي: ١١
شعيب عليه السلام: ٢٨٧
الشهرستاني: ١٠٥
الشوكاني: ٦٢
شيبة بن ربيعة: ١٧٤
الشيرازي: ٢١٨
[حرف الصاد]
صالح عليه السلام: ٥١
صفوان بن أمية: ١١٨
صهيف الرومي: ١٧٢، ١٧٣
[حرف الضاد]
الضحاك: ١٧٣
الضياء المقدسي: ١٧١
[حرف الطاء]
الطاهر بن عاشور: ١٥٢
[حرف العين]
العاص بن وائل: ١٧٤
عبد الله بن الزبير: ٦٨
عبد الله بن عباس: ١٢، ١٤، ١٨، ٦٠، ٧٢، ٧٩، ١٧٣، ٢٥٩، ٢٦٠، ٢٧٠، ٢٩٥
عبد الله بن عمر: ٧٢، ٢٩٣
عبد الله محمد الصديق الغماري: ٦٧
عبد الله بن مسعود: ١٧، ٤٣، ٨١، ٩٧، ١٦٩، ١٧٣
عبد بن حميد: ١٣
عبد الحميد الفراهي: ٢٩
عبد الرحمن بن يزيد: ١٦٩
عبد الرزاق بن همام الصنعاني: ١٣، ١٤
عبد العظيم الزرقاني: ٣٣
عبد العليم خضر: ٣١٥
عتبة بن ربيعة: ١٧٤
عثمان بن أبي العاص: ٦٨
عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري: ٧٠
الاسم الصفحة
عثمان بن عفان: ٦٨، ٧٩، ٨١
عندي بن حاتم: ١١، ١١٨
العز بن عبد السلام: ٢١، ٦٢
عزير عليه السلام: ٧٢
عقبة بن أبي معيط: ١٧٣
عكرمة: ١٧٣
علي بن أبي طالب: ١٢، ١٨، ١٧١، ٢٩٤
علي بن المديني: ٢١
عمار بن ياسر: ١٧٢، ١٧٣
عمر بن الخطاب: ١٠، ١٢، ٦٩، ٧٢، ٧٣، ٨١
عمرو بن عبيد: ١٤
عمرو بن لحي: ١٠٠
عمير بن وهب: ١١٨
عناية الله المشرقي: ١١٩
عوف: ٧٩
عيسى عليه السلام: ٨٨، ٩٩، ٢٧٥، ٢٧٦، ٣١٩
عيينة بن حصن: ١٧٢
[حرف الفاء]
الفخر الرازي: ٢٩، ٤٥، ٦٠، ٦١، ٦٦، ١٩٣، ٢٦٦، ٢٦٧
فرعون: ٤٧، ٥١، ٩٩، ١٧١, ٢٠٣، ٢٨٧
الفيروزآبادي: ٢٠
[حرف القاف]
قارون: ٢٠٣
قتادة: ١٧٠
القرطبي: ٢٩٤، ٢٩٦
القزويني: ١٥٤
قورش الإخميني: ٣١٠، ٣١٢، ٣١٣
[حرف الكاف]
كريس موريسون: ١٣٣
كعب الأحبار: ٣٢٠
[حرف الميم]
مالك بن أنس: ٧٩
الماوردي: ٢١
مجاهد: ١٤
محمد أبو زهرة: ١٣.
محمد بن إسحاق: ٧٢
محمد البهي: ٢٩
محمد بن جعفر: ٧٩
محمد بن عبد الله دراز: ٥٧، ٦٧
محمد عبد الله الغزنوي: ٦٢
محمد فؤاد عبد الباقي: ٢٢
محمد قطب: ١٠١
مريم عليها السلام: ٨٨
الاسم الصفحة
مسروق: ١٢
مسلم بن الحجاج: ٦٩، ١٧٠، ١٧١، ١٧٧
مقاتل بن سلميان البلخي: ٢٠
المنهال: ١٨
موسى عليه السلام: ٥١، ٩٩، ١٧١، ١٧٨، ١٨٨، ١٨٩، ٢٠٠، ٢٠٣، ٢٥٤، ٢٥٥، ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٦٠، ٢٦١، ٢٦٢، ٢٦٦، ٢٦٧، ٢٦٨، ٢٦٩، ٢٧٠، ٢٧١، ٢٧٢، ٢٧٣، ٢٧٤، ٢٧٥، ٢٧٧، ٢٧٨، ٢٧٩، ٢٨٠، ٢٨١، ٢٨٣، ٢٨٤، ٢٨٥، ٢٨٧، ٢٨٨، ٢٨٩، ٢٩١، ٢٩٥، ٢٩٧، ٢٩٨، ٣٠٠، ٣٠١
[حرف النون]
نافع: ٧٢
النجاشي: ١٨٩
النضر بن الحارث: ١٧٣، ١٧٤، ١٧٨
النقاش: ٢٩٤
نمرود: ٧٢، ٩٩
نوح عليه السلام: ٥١، ٩٩، ٢٦٤
نوف البكالي: ٢٥٩، ٢٧٠
النووي: ١٧٨، ٢٩٤
[حرف الهاء]
هشام بن العاص: ٧٣
[حرف الواو]
الواثق: ٣١٤
وحيد الدين خان: ١١٨
وكيع بن الجراح: ١٣
الوليد بن المغيرة: ٢٤، ١٨٧
ولي الدين الملوي: ٥٩
[حرف الياء]
يحيى عليه السلام: ٩٩
يحيى بن سلام: ٢٠
يحيى بن سعيد: ٧٩
يزيد الفارسي: ٧٩
يوسف عليه السلام: ٢٠١، ٢١٣، ٢١٤، ٢١٥، ٢١٦
٤ فهرس المراجع:
الكتاب المؤلف الطبعة
١- الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - المكتبة الثقافية
٢- إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم - أبو السعود - مكتبة الرياض الحديثة
٣- أساس البلاغة - الزمخشري - دار المعرفة
٤- الأساس في التفسير - سعيد حوى - دار السلام
٥- أسد الغابة في معرفة الصحابة - ابن الأثير - دار الفكر
٦- الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - المختار الإسلامي
٧- إصلاح الوجوه والنظائر - الدامغاني - دار العلم للملايين
٨- أصول الدين - أبو منصور البغدادي - مدرسة الإلهيات-إستانبول
٩- الله يتجلى في عصر العلم - مجموعة من علماء الغرب، ترجمة: الدمرداش سرحان - دار القلم
١٠- البرهان في علوم القرآن - الزركشي - دار المعرفة
١١- تأملات في سورة الكهف - أبو الحسن الندوي - دار القلم
١٢ التبيان في آداب حملة القرآن - النووي - دار الفكر
١٣- التحرير والتنوير - الطاهر بن عاشور - الدار التونسية للنشر
١٤- التصاريف - يحيى بن سلام - الشركة التونسية للتوزيع
الكتاب المؤلف الطبعة
١٥- تفسير القرآن العظيم - ابن كثير - دار إحياء الكتب العربية
١٦- التفسير والمفسرون - محمد حسين الذهبي - دار الكتب الحديثة
١٧- جامع البيان في تفسير القرآن - الطبري - دار المعرفة
١٨- جامع البيان في تفسير القرآن - معين الدين الإيجي - دار نشر الكتب الإسلامية
١٩- الجامع الصحيح "سنن الترمذي" - الترمذي - دار الفكر
٢٠- الجامع الصحيح "صحيح البخاري" - البخاري المكتبة الإسلامية - إستانبول
٢١- الجامع الصحيح "صحيح مسلم" - مسلم بن الحجاج - دار الفكر ""
٢٢- الجامع لأحكام القرآن - القرطبي - الشعب
٢٣- دراسات في التفسير الموضوعي - زاهر عواض - الألمعي
٢٤- الدر المنثور في التفسير بالمأثور - السيوطي - دار المعرفة
٢٥- دلائل التوحيد - جمال الدين القاسمي - دار الكتب العلمية
٢٦- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني - الألوسي - دار إحياء التراب العربي
٢٧- سنن ابن ماجة - ابن ماجة - دار إحياء التراث العربي
٢٨- السيرة النبوية، مع حاشية روض الأنف - ابن هشام - دار المعرفة
٢٩- شرح النووي على صحيح مسلم - النووي - رئاسة إدارات البحوث
٣٠- العلم يدعو إلى الإيمان - كريسي موريسون، ترجمة: محمود صالح الفلكي - مكتبة النهضة المصرية
٣١- العواصم من الفتن في سورة الكهف - عبد الحميد طهماز - دار القلم
٣٢- الفائق في غريب الحديث - الزمخشري - دارالمعرفة
٣٣- فتح الباري شرح صحيح البخاري - ابن حجر العسقلاني - دار الباز
الكتاب المؤلف الطبعة
٣٤- فتح القدير - الشوكاني - البابي الحلبي
٣٥- في ظلال القرآن - سيد قطب - دار الشروق
٣٦- القراءات الشاذة - عبد الفتاح القاضي - دار الكتاب العربي
٣٧- كتاب السبعة في القراءات - ابن مجاهد - دار المعارف
٣٨- لباب النقول في أسباب النزول - السيوطي - مطبعة الملاح
٣٩- مجمع الزوائد - الهيثمي - دار الكتاب العربي
٤٠- مختصر سنن أبي داود - المنذري - دار المعرفة
٤١- مدارج السالكين - ابن القيم - دار الرشاد الحديثة
٤٢- المدخل إلى التفسير الموضوعي - عبد الستار سعيد - دار الطباعة والنشر الإسلامية
٤٣- المدخل إلى القرآن الكريم - محمد عبد الله دراز - دار القلم
٤٤- المستدرك - الحاكم - مكتبة النصر الحديثة
٤٥- المسند الإمام - أحمد بن حنبل - المكتب الإسلامي، دار صادر
٤٦- معاني القرآن - الفراء - عالم الكتب
٤٧- مفاتيح الغيب - الرازي - دار الكتب العلمية
٤٨- مفاهيم جغرافية في القصص القرآني - عبد العليم خضر - دار الشروق
٤٩- المفردات في غريب القرآن - الراغب الأصفهاني - مكتبة الأنجلو مصرية
٥٠- النبأ العظيم - محمد عبد الله دراز - دار القلم
٥١- النبوات - ابن تيمية - دار الفكر
٥٢- نظم الدرر في تناسب الآيات والسور - البقاعي - الدار السلفية
٥٣- النهاية في غريب الحديث والأثر - ابن الأثير - دار إحياء التراث العربي
٥٤- مقدمة في أصول التفسير - ابن تيمية - دار القرآن
٥٥- ويسألونك عن ذي القرنين - أبو الكلام - آزاد الشعب
٥ محتوى الكتاب:
الصفحة الموضوع
٥ المقدمة:
التفسير الم٥ وضوعي: "تعريفه، نشأته، تطوره، ألوانه، أهميته"
٧ تمهيد
٩ نبذة تاريخية عن نشوء علم التفسير وتطوره ومكانة التفسير الموضوعي
١٥ تعريف التفسير الموضوعي
١٧ نشأة التفسير الموضوعي
٢٣ ألوان التفسير الموضوعي
٣٠ أهمية التفسير الموضوعي
٣٥ مناهج البحث في التفسير الموضوعي
٤٧ منهج البحث في تفسير موضوع من خلال القرآن
٤٠ منهج البحث في التفسير الموضوعي لسورة واحدة
٤١ التفسير الموضوعي لسورة قرآنية
٤١ "تحديد محور السورة"
٤٧ الهدف في السورة القصيرة والسورة الطويلة
٥٠ الإطناب والإيجاز في قضايا عرضتها السورة
٥٢ صلة التفسير الموضوعي بالأنواع الأخرى من التفسير
٥٥ علم المناسبات والتفسير الموضوعي
٥٨ أولًا: تعريف علم المناسبات
الصفحة الموضوع
٥٨ ثانيًا: أهمية علم المناسبات وموقف العلماء منه
٦٦ ثالثًا: ظهور علم المناسبات وأهم المؤلفات فيه
٦٨ القسم الأول= المناسبات في السورة الواحدة
٧٠ أنواع المناسبات في السورة الواحدة
٧٠ النوع الأول: المناسبة بين الآيات في السورة الواحدة
٧٤ النوع الثاني: مناسبة فواتح السور لخواتمها
٧٨ القسم الثاني= المناسبات بين السور
٧٨ القول بوجود المناسبات بين السور يعتمد على القول بأن ترتيب السور توقيفي
٨٢ أنواع المناسبات بين كل سورتين متجاورتين
٨٢ النوع الأول: المناسبة بين أول السورة وخاتمة ما قبلها
٨٤ النوع الثاني: مناسبة مضمون كل سورة لما قبلها
٩٠ علم المناسبات يبرز وجهًا من وجوه إعجاز القرآن
٩٣ مثال تطبيقي على موضوع من خلال القرآن الكريم
٩٣ "الألوهية من خلال آيات القرآن الكريم"
٩٥ مقدمات بين يدي الموضوع:
٩٥ أولًا: الألوهية والفطرة
١٠٢ ثانيًا: اهتمام القرآن الكريم بالتوحيد أكثر من الاهتمام بإثبات وجود الخالق
١٠٦ ثالثًا: منهج القرآن في إثبات التوحيد منهج فطري
١٠٩ رابعًا: ربط قضايا العقيدة بمصالح العباد في حياتهم المعاشية
١١٢ خامسًا: مجالات الاستدلال على قضية الألوهية
١١٧ أبرز أنواع الأدلة على توحيد الله جل جلاله في القرآن الكريم
١٢١ أولًا: أدلة الخلق والإبداع
١٢٩ ثانيًا: أدلة العناية
١٤٣ ثالثًا: أدلة الفطرة
١٥٠ رابعًا: البراهين العقلية
الصفحة الموضوع
١٥٥ خامسًا: أدلة التوحيد من خلال إثبات صفات الكمال لله تعالى وتنزيهه عن صفات النقص
١٦٢ خاتمة موضوع الألوهية من خلال آيات القرآن الكريم
١٦٥ مثال تطبيقي: تفسير سورة تفسيرًا موضوعيًا
١٦٥ "القيم في ضوء سورة الكهف"
١٦٧ تمهيد
١٦٩ بين يدي السورة
١٦٩ اسمها وعدد آياتها
١٦٩ خصائص سورة الكهف
١٧٢ وقت نزولها وسببه
١٧٥ أهداف سورة الكهف
١٧٩المناسبات في سورة الكهف
١٧٩ أولًا: المناسبة بين اسم السورة وموضوعاتها
١٨٠ ثانيًا: المناسبة بين افتتاحة السورة وخاتمتها
١٨٦ ثالثًا: المناسبة بين مقاطع السور وهدفها
١٩١ افتتاحية سورة الكهف
١٩١ الموضوعات الأساسية في الافتتاحية
١٩٩ المقطع الأول: قصة الفتية المؤمنين
٢٠٠ بين يدي قصص سورة الكهف
٢٠٤ العرض الإجمالي لقصة الفتية المؤمنين
٢٠٧ العرض التحليلي للقصة
٢١١ تعقيب واستطراد وتعليل
٢١٦ عظات وعبر
٢١٩ المقطع الثاني: مفارقات ومواقف في بواعث العزة
٢٢٠ المناسبة بين المقطع الأول والثاني
٢٢٢ العرض العام للمقطع الثاني
الفصحة الموضوع
٢٣٤ عظات وعبر
٢٤١ المقطع الثالث: وقفة تأمل في المآل والمصير
٢٤٢ المناسبات بين المقطع الثالث وما قبله
٢٤٣ العرض الإجمالي للمقطع الثالث
٢٤٩ الفوائد والعظات والعبر في المقطع الثالث
٢٥٣ لمقطع الرابع: الرحلة في طلب العلم
٢٥٤ المناسبات بين المقطع الرابع وما قبله
٢٥٨ العرض الإجمالي للمقطع الرابع
٢٦٢ الانطلاق والبحث عن العبد الصالح
٢٦٩ العظات والعبر من فقرة الانطلاق والبحث عن العبد الصالح
٢٧٠ اللقاء والحوار
٢٧٤ العظات والعبر من فقرة اللقاء والحوار
٢٧٦ الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة
٢٨٤ الفراق بعد تأويل التصرفات الغريبة
٢٨٩ العظات والعبر من الفقرتين السابقتين
٢٩٠ تعقيبات وتعليقات
٢٩٠ أقوال العلماء في نبوة الحضر عليه السلام
٢٩٣ أقوال العلماء في موت الخضر عليه السلام
٢٩٥ قصة الخضر مزلقة قدم
٢٩٧ القيم في المقطع الرابع
٢٩٩ المقطع الخامس: قصة ذي القرنين "الرجل الطواف"
٢٩٩ المناسبات
٣٠٣ العرض الإجمالي للمقطع الخامس
٣٠٩ وقفات لا بد منها
٣٠٩ الوقفة الأولى مع ذي القرنين
٣١٣ الوقفة الثانية مع السد وموقعه
الصفحة الموضوع
٣١٥ الوقفة الثالثة مع يأجوج ومأجوج: حقيقتهم ومصيرهم
٣٢٢ القيم في قصة ذي القرنين
٣٢٤ العظات والعبر في المقطع الخامس
٣٢٥ خاتمة السورة
٣٢٥ فقرات خاتمة السورة
٣١٣ خاتمة البحث
الفهارس:
٣٣٥ ١- فهرس الآيات المستشهد بها
٣٥٥ ٢- فهرس الأحاديث والآثار
٣٥٩ ٣- فهرس الأعلام
٣٦٥ ٤- فهرس المراجع
٣٦٩ ٥- محتوى الكتاب