الكتاب، المقالة العلمية : وقفات مع نظرية التفسير الموضوعي
المؤلف: عبد السلام حمدان اللوح
الناشر:
عام النشر: ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
عدد الصفحات: 38
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الموضوع: علوم القرأن
فهرس الموضوعات
- ملخص البحث
- مقدمة
- الوقفة الأولى: تعريف التفسير الموضوعي
- الوقفة الثانية: نشأة التفسير الموضوعي وتدرجه
- الوقفة الثالثة: العمر الزمني والدراسات السابقة في التفسير الموضوعي
- الوقفة الرابعة: أسباب غياب مصطلح التفسير الموضوعي عند السابقين
- الوقفة الخامسة: دواعي ظهور مصطلح التفسير الموضوعي المعاصر
- الوقفة السادسة: أهداف وأهمية التفسير الموضوعي
- الوقفة السابعة: تطور ألوان التفسير الموضوعي ومناهج بحثها
- الخاتمة
- ثبت المراجع والمصادر
- العودة إلي علوم القرأن
ملخص البحث
يهدف البحث إلى مزيد من تأصيل نظرية التفسير الموضوعي المعاصر وذلك
من حيث التعريف بهذا المصطلح بما يتلاءم مع تدرج ألوانه، ومن حيث نشأة هذا اللون
من التفسير وتدرجه، مع بيان العمر الزمني لهذه النظرية، مع ذكر الأسباب التي أدت
إلى عدم
ظهور هذا المصطلح قديماً، ودواعي ظهوره في العصر الحاضر، وذلك
مما يبرز أهمية وأهداف وغايات التفسير الموضوعي، وكيف تطورت ألوان التفسير
الموضوعي ومناهج بحثها من حال إلى حال، ومن ضعف إلى قوة، مما جعلها أقرب إلى
النضج والكمال.
مقدمة
الحمدُ للهِ جعلَ كتابَهُ نبعاً فياضاً بخيرِه، كريماً بعطائِهِ، لا
يخلقُ على كثرةٍ الردِ، وأصلي وأسلمُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آلِهِ
وصحبِهِ والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:
فإنَّ التفسيرَ
الموضوعيَ علمٌ شريفٌ، لأنَّ شرفَ العلمِ من شرفِ المعلومِ، وهو تفسيرُ العصرِ
والمستقبلِ، وهو حديثُ النشأةِ إذا قيسَ بغيرِهِ من مناهج التفسير الأخرى
كالتحليلي والإجمالي والمقارنِ وغيرها.
وإن متابعةَ البحثِ فيهِ لا
يعْني الإعراضَ عمَّا سبقَ من جهودٍ قيّمةٍ لأساتذةٍ أعلامٍ وأخوةٍ أفاضلٍ،
ولكنَّ مستجدات العصر وقضايا الناسِ لا تقفُ عندَ حدٍ، بدليلِ أنَّ كلَّ يومٍ قدْ
يجدُّ جديدٌ، وتظهرُ أمورٌ لم تكنْ في الأزمان السابقةِِ مما يقتضي إظهارَ حكمِ
اللهِ في هذه القضية أو تلك، مما يحتاجُ إلى نظريةٍ منهجيةٍ تضبطُ هذه الأبحاثَ
وتصححُ مسارَها، وتُسدِّدُ خُطاها، بعيداً عن العفويةِ والارتجال واللا منهجيةِ،
بالإضافة إلى أنَّ نظريةَ التفسير الموضوعيِ ما زالتْ غضةً حديثةَ النشأةِ،
فتحتاجُ إلى مزيدٍ من البحثِ والدراسةِ حتى تكتملَ، وتقوى على سوقِها، وتسرَّ
الناظرينَ إليها، وممّا شجعني للكتابةِ حولَ هذه المقدمات في التفسير الموضوعي
أنه أُسند إليَّ في كلية أصول الدين تدريس هذه المادةِ عدةَ مراتٍ، فعشتُ في
ظلالِها فترةً من الزمنِ، ووقفتُ أثناءَ ذلك على قضايا أحببتُ تدوينَها
وتطويرَها، لتصبحَ في هذا البحث المتواضع.
ونظراً لحجم البحثِ
المحدودِ فلن أتحدثَ عن منهجيةِ البحث في التفسير الموضوعي، ولا عن الجانبِ
التطبيقي، لأنَّ ذلكَ يحتاجُ إلى بحوثٍ مستقلةٍ قائمةٍ بذاتِها، والنيةُ قائمةٌ
لمتابعتها في بحوثٍ أخرى إن شاء اللهُ تعالى.
ولا شكَ أن هذه الوقفاتِ
تمثّلُ جزءاً من القواعدِ والضوابطِ والأسسِ التي تقومُ عليها نظريةُ التفسير
الموضوعي، مما يُسهم في تأصيل وتقعيد هذه النظرية، لتصبحَ منطلقَ الأبحاثِ
التطبيقية للتفسيرِ الموضوعي بألوانِهِ المتعددة، سواءٌ ما يتعلقُ منها بالمصطلح
القرآني، أو الموضوع القرآني، أو السورة القرآنية.
وتحقيقاً لهذا
الهدفِ وتلكَ الغايةِ فقد جَعلتُ هذا البحثَ في مقدمةٍ وسبعِ وقفاتٍ وخاتمةٍ.
المقدمة
ُ: توضحُ أهميةَ الموضوعِ وسببَ اختيارهِ، وما تشتملُ عليه الدراسةُ من
وقفاتٍ.
الوقفة الأولى: تعريفُ التفسير الموضوعي.
الوقفة
الثانية: نشأةُ التفسير الموضوعي وتدرجُهُ.
الوقفة الثالثة: العمرُ
الزمنيُ والدراساتُ السابقةُ للتفسير الموضوعي.
الوقفة الرابعة:
أسبابُ غياب مصطلح التفسير الموضوعي عندَ السابقين.
الوقفة الخامسة:
دواعي ظهورِ مصطلحِ التفسير الموضوعي المعاصر.
الوقفة السادسة: أهدافُ
وأهميةُ التفسير الموضوعي.
الوقفة السابعة: تطورُ ألوان التفسير
الموضوعي ومناهج بحثها.
والخاتمةُ: أذكرُ فيها خلاصةَ البحثِ وما
توصلتُ إليهِ من نتائجَ وتوصياتٍ.
والله الموفق لما يحب ويرضى
بسم
الله الرحمن الرحيم
الوقفة الأولى: تعريف التفسير الموضوعي:
التفسير الموضوعي مصطلح مُرَكّبٌ تركيباً وصفياً، وللوقوف على تعريف
هذا المصطلح المركب لا بد من تعريف جزئيه، كلِّ على حدة لغةً واصطلاحاً، ثم يُجمع
بينهما ليُعطي تعريفاً أقربَ ما يكون لهذا المصطلح المعاصر، وسنقف على بعض
التعريفات لمن كتبوا في هذا العلم لنرى قربهم أو بعدهم، وما لهم وما عليهم ونخلص
من كل ذلك بالتعريف المختار.
أولاً: تعريف التفسير:
أ -
التفسير لغة: هو مصدر فسّر بتشديد السين، الذي هو مضعف فَسَرَ بالتخفيف الذي
مصدره الفَسْر، وكلاهما فعل متعد، وهما بمعنى الاستبانة والكشف [١].
قال
ابن منظور: فَسَرَ الشيء يَفْسِرُهُ بالكسر ويَفْسُرُهُ بالضم فَسْراً،
وفَسَّرَهُ: أبانه، والفَسْرُ: كشف المغطى، والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل،
واستَفْسَرْتُه كذا أي سألته أن يُفَسِّرَهُ لي ... [٢].
قال ابن
فارس: "فسر" الفاء والسين والراء كلمة واحدة تدل على بيان شيء وإيضاحه [٣] وقد
ذكر السيوطي: بأن التفسير على وزن "تفعيل" من الفسر، وهو البيان والكشف، ويُقال
هو مقلوب السفر، تقول أسفر الصبح إذا أضاء، وقيل مأخوذ من التفسرة وهي اسمٌ لما
يعرِفُ به الطبيبُ المرضَ [٤]
وأما الراغب الأصفهاني فقد جعل التفسير
أعم من التأويل بقوله: والتفسيرُ قد يُقال فيما يختصُ بمفرداتِ الألفاظِ وغرِيبها
وفيما يختصُ بالتأويل، ولهذا يُقال تفسيرُ الرؤيا
(١) ... انظر: البحر
المحيط - لأبي حيان الأندلسي - دراسة وتحقيق مجموعة من العلماء - منشورات دار
الكتاب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى - ١٤٢٢ هـ-٢٠٠١ م - ح ١ - ص ٩، ١٢١.
(٢)
انظر: لسان العرب - لابن منظور - طبعة دار المعارف - القاهرة - تولى تحقيقها نخبة
من العلماء العاملين بدار المعارف - ح ٤ ص ٣٤١٢.
(٣) معجم مقاييس
اللغة - لأبي الحسين أحمد بن فارس - تحقيق عبد السلام هارون - طبعة دار الجيل -
بيروت - الطبعة الأولى ١٤١١ هـ - ١٩٩١ م - ح ٤ - ص ٥٠٤.
(٤) انظر:
الإتقان في علوم القرآن - للإمام جلال الدين السيوطي - دار الفكر للطباعة والنشر
و التوزيع - بيروت - ح ٢ ص ١٧٣.
وتأويلُها [١]. قال تعالى: (وَلا
يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) [٢]
والمراد: أي أحسن توضيحاً وبياناً للمطلوب.
ويوضح أبو البقاء المعنى
اللغوي بما يقربُه من معناه الاصطلاحي وذلك حيث يقول: "التفسيرُ هو الاستبانةُ
والكشف والعبارة عن الشيء بلفظٍ أسهلٍ وأيسرٍ من لفظ الأصل، وقال أهل البيان:
التفسيرُ هو أن يكون في الكلام لبسٌ وخفاءٌ فيُؤتى بما يزيله ويفسره" [٣].
وبهذه
النبذة للمعنى اللغوي للتفسير واشتقاقاتها يتضح المراد بمدلول هذه اللفظة التي
جاء ذكرها في كتاب الله ولمرةٍ واحدةٍ بسورة الفرقان [٤]. والأمر من الوضوح بحيث
لا يحتاج إلى توضيح حيث تعاضدت أقوال علماء اللغة في بيان ذلك وتوضيحه.
ب
- التفسير اصطلاحاً:
سنعرض لأقوال العلماء في التعريف الاصطلاحي
للتفسير ثم نخرج بخلاصة تلك الأقوال في تعريف جامع.
فقد عرفه أبو حيان
بقوله: "هو علمٌ يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها
الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تُحمَلُ عليها حالة التركيب، وتتماتٌ لذلك"
[٥].
وعرفه الزركشي بقوله: "هو علمٌ يُعْرَفُ به فهم كتاب الله
المنزَّل على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وبيان معانيه، واستخراج أحكامه
وحكمه" [٦].
وعرفه ابن عاشور بقوله: "هو اسمٌ للعلْمِ الباحث عن بيان
معاني ألفاظ القرآن وما يُستفاد منها باختصار أو توسع" [٧].
(١)
المفردات في غريب القرآن - لأبي القاسم الحسين بن محمد المعرف بالراغب الأصفهاني
- تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني - دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان - ض
٣٨٠.
(٢) سورة الفرقان، الآية ٣٣.
(٣) الكليات "معجم في
المصطلحات والفروق اللغوية" - لأبي البقاء الكفوي - تحقيق د. عدنان درويش، ومحمد
المصري - مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - الطبعة الثانية ١٤١٣
هـ - ١٩٩٣ م ص ٢٦٠.
(٤) الآية (٣٣) ، وقد سبق ذكرها أعلاه.
(٥)
البحر المحيط - مصدر سابق - ج ١ ص ١٢١.
(٦) البرهان في علوم القرآن -
للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي - تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - دار
المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - الطبعة الثانية ١٣٩١ هـ - ١٩٧٢ م - ح ١ ص
١٣.
(٧) التحرير والتنوير - لمحمد الطاهر ابن عاشور - دار سحنون للنشر
والتوزيع - تونس - ١٩٩٧ م - ح ١ ص ١١
وقد ذكر أبو البقاء تعريفاً
اصطلاحياً للتفسير أقرب ما يكون لتعريف أبي حيان الأندلسي ولعلَّه قد أخذ ذلك عنه
[١].
وبالنظر في أقوال العلماء عامة نجد أن تعاريفهم منها المطوّل
الذي لم نذكره لطوله ومنها الموجز الذي أشرنا لبعضها، مع إمكان الجمع بينها
باعتبار أنها متحدة من جهة المعنى وما تهدف إليه، وإن كانت مختلفة من جهة اللفظ
والنظم، فجميعها يلتقي على أن التفسير: "هو علمٌ يبحث عن مراد الله في كلامه
القرآني بقدر الطاقة البشرية بهدف فهم المعنى وبيان أحكامه وحكمه الإفرادية
والتركيبية سواءٌ كان ذلك باختصارٍ أو توسعٍ" .
ثانياً: تعريف
الموضوعي:
أ - الموضوعي لغة:
قال ابن فارس: "وضع" الواو
والضاد والعين: أصلٌ واحدٌ يدل على الخفض للشيء وحطه، يقال: وضَعْتُه بالأرض
وضعاً، ووضَعتِ المرأة ولدها، والوضائع: قومٌ يُنقلون من أرضٍ إلى أرضٍ يسكنون
بها، والوضيعُ: الرَّجُلُ الدنِيّ [٢].
ويقول الراغب الأصفهاني:
(الموضوعي نسبةٌ إلى الموضوع، والموضوعُ مشتقٌ من الوضع، وأصله من "وَضَعَ" وهو
أعمُّ من الحطِ، ومنه المَوْضِعُ، قال تعالى: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ
مَوَاضِعِه) [٣]، ويقال: وضَعَتِ الحمل فهو موضوع، قال تعالى: (وَأَكْوَابٌ
مَوْضُوعَةٌ) [٤] وقال: (وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ) [٥] فهذا الوضع عبارة
عن الإيجاد والخلق، ووضعت المرأة الحَمْلَ وضعاً، قال تعالى: (فَلَمَّا
وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا
وَضَعَتْ) [٦] [٧].
وقد أشار ابن منظور إلى ذلك بقوله: الوَضْعُ ضِدُّ
الرَّفْع، وضَعَهُ يَضَعَهُ وَضْعاً ومَوْضوعاً، والمواضع: معروفة، واحدها
مَوْضِعٌ [٨].
(١) الكليات - مصدر سابق - ص ٢٦٠.
(٢) معجم
مقاييس اللغة - مصدر سابق - ح ٦ ص ١١٧.
(٣) سورة النساء - الآية ٤٦،
وسورة المائدة - الآية ١٣.
(٤) سورة الغاشية - الآية ١٤.
(٥)
سورة الرحمن - الآية ١٠.
(٦) سورة آل عمران - الآية ٣٦.
(٧)
المفردات في غريب القرآن - مصدر سابق - ص ٥٢٥.
(٨) لسان العرب - مصدر
سابق - ح ٥ ص ٤٨٥٧.
وأما السمين الحلبي فقد تحدث في معجمه عن "وَضَعَ"
بعدة معاني منها: أحططنا وأسقطنا، قال تعالى: (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ) [١]،
قال بعضهم: والوَضْعُ أعمُّ من الحَطِّ، ومنها الموضِعُ، ومنها الإيجادُ، ومنها
البناءُ والاتخاذُ، قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاس) [٢] أي
بُني واتُّخِذَ، ومنها إبرازُ أعمال الخلائق، قال تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَاب)
[٣] ومنها الحطُ، قال تعالى: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُم) [٤] أي يحط عنهم
أثقال التكليف [٥]. أقول: وبالنظر في التعاريف السابقة ندرك أن مادة "وَضَعَ"
استُعملت بعدة معانٍ منها القريب ومنها البعيد، ولكن بالنظر إلى الاستعمال
القرآني لها نجدُ المعاني الممدوحة كالأكواب الموضوعة في الجنة، والأرض الموضوعة
لنفع الأنام، ووضع مريم بولادتها لعيسى عليه السلام، ووضع الوزر أي حطه وإسقاطه
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووضع الكعبة بيت الله الحرام بمعنى بناؤه
واتخاذه إلى غيرها من المعاني القرآنية التي يغلبُ عليها الخيرُ والمدحُ.
وأما
عن علاقة "الموضوعي" بالتفسير فقد تحدث عن ذلك الدكتور عبد الستار سعيد وذكر
كلاماً طيباً، حيث يقول: "وقد رجعتُ إلى القرآن الكريم فوجدتُ من معانيها: إيجابُ
الشيء وإثباته في المكان، مثل (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْط) [٦]، فيكون وصف
التفسير" بالموضوعي "ملحوظاً فيه هذا المعنى، لأن المفسر يثبت كل آية في موضعها
من المعنى الكلي للقضية التي يبحثها."
وبالتدقيق في كتب اللغة وجدت
إشارةً إلى تصحيح إطلاق "الموضوع" على القضية الواحدة ... فعلى هذا يكون
"الموضوع" هنا بمعنى الشيء الذي له صفةٌ معينة، وأُلزِمَ مكاناً معيناً، لا
يبرحُهُ إلى غيره.
(١) سورة الشرح - الآية ٢.
(٢) سورة آل
عمران - الآية ٩٦.
(٣) سورة الكهف - الآية ٤٩، وسورة الزمر - الآية
٦٩.
(٤) سورة الأعراف - الآية ١٥٧.
(٥) عمدة الحفاظ في
تفسير أشرف الألفاظ "معجم لغوي لألفاظ القرآن الكريم" - للشيخ أحمد بن يوسف
المعروف بالسمين الحلبي - حققه الدكتور محمد التونجي - عالم الكتب - بيروت - ط ١
- ١٤١٤ هـ-١٩٩٣ م - ح ٤ ص ٣٦٧.
(٦) سورة الأنبياء - الآية ٤٧.
وهذا
المعنى ملحوظٌ تماماً في تقييد التفسير "بالموضوعي" لأنه يُلزِمُ المفسر الارتباط
بمعنى معين وصفة معينة، لا يتعداها إلى غيرها حتى يفرغ من تفسير الموضوع الذي
التزم به "[١]."
ب - الموضوعي اصطلاحاً: بعد النظر والبحث عن التعريف
الاصطلاحي "للموضوع" عند العلماء والباحثين وجدتُ تعريفين صريحين في ذلك لباحثين
معاصرين ووجدتُ ما يشبه التعريف الاصطلاحي لعالمٍ غير معاصر عاش في أوائل القرن
الحادي عشر من الهجرة النبوية وهو أبو البقاء الكفوي [٢]، وليس غريباً أن لا
يتعرض السابقون لمثل هذا الموضوع وذلك لأن الحاجة إليه برزت حديثاً، ومع هذه
التعاريف بدءاً بالأسبق فالأسبق.
ذو القعدة قال أبو البقاء: "الموضوعُ
هو عبارة عن المبحوث بالعلم عن أغراضه الذاتية" [٣].
ذو القعدة وقال
الدكتور عبد الستار سعيد: "الموضوع عند علماء التفسير: القضية التي تعددت
أساليبها وأماكنها في القرآن ولها جهة واحدة تجمعها عن طريق المعنى الواحد أو
الغاية الواحدة" [٤].
ذو القعدة وقال الدكتور مصطفى مسلم: "هو قضية أو
أمر متعلق بجانب من جوانب الحياة في العقيدة أو السلوك الاجتماعي أو مظاهر الكون
تعرضت لها آيات القرآن الكريم" [٥].
وبعد هذا الاستعراض لأقوال
العلماء في المعنى الاصطلاحي "للموضوع" يمكننا أن نضع تعريفاً جديداً لنسهم في
هذا الميدان ونعزز هذا العلم المعاصر بمزيد من التأصيل. فالموضوع: "هو الأمر
المتعلق بالحياة البشرية العاجلة أو الآجلة أو المتعلق بسنن الله في النظام
الكوني، وله رصيده من الآيات القرآنية التي يجمعها غرض واحد" .
(١)
المدخل إلى التفسير الموضوعي - دار التوزيع والنشر الإسلامية - ط ٢ - ١٤١١
هـ-١٩٩١ م - ص ٢٢ - ٢٣.
(٢) هو أيوب بن موسى الحسيني القريمي الكفوي،
صاحب الكليات، كان من قضاة الأحناف، عاش وولي القضاء في "كفه" بتركيا، وبالقدس
وببغداد، وعاد إلى استانبول فتوفي بها ودفن في تربة خالد، وكان ذلك سنة ١٠٩٤ هـ -
١٦٨٣ م. انظر: الأعلام "قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين
والمستشرقين" - خير الدين الزركلي - دار العلم للملايين - بيروت - ط ٦ - ١٩٨٤ م -
ح ٢ ص ٣٨.
(٣) الكليات "معجم في المصطلحات والفروق اللغوية" - مصدر
سابق - ص ٨٦٨.
(٤) المدخل إلى التفسير الموضوعي - مصدر سابق - ص
٢٠.
(٥) مباحث في التفسير الموضوعي - دار القلم - دمشق - ط ١ - ١٤١٠
هـ-١٩٨٩ م - ص ١٦.
تعريف "التفسير الموضوعي" : وعودٌ على بدءٍ، وبناء
على تعريفي "التفسير" من جهة "والموضوعي" من جهة أخرى لغة واصطلاحاً لكلٍّ منهما،
يمكننا الآن أن نضع تعريفاً اصطلاحياً لهذا المصطلح المركب "التفسير الموضوعي"
.
وقبل ذلك نستعرض ما كتبه السابقون من تعريفات لهذا المصطلح المعاصر،
ومن الواضح أننا لن نقف على تعاريف قديمة نظراً لحداثة هذا العلم في نظريته
ومصطلحه، ومع ذلك فقد تحصَّل عدةُ تعريفات منها المختصر ومنها ما يشبه شرح
التعريف، ومنها ما ينطبق على لون من ألوان التفسير الموضوعي دون سواه من الألوان
الأخرى، بل عامة التعاريف من هذا النوع.
ولعل هذا التنوع في التعريف
راجعٌ إلى تدرج وتكامل هذا العلم حيث مرَّ بمراحل متعددة منذ البداية وحتى أصبح
عِلْماً مشهوراً له نظريته ومنهجيته، فكل مرحلة من مراحل تدرجه كانت تأخذ شكلاً
ونمطاً خاصاً بها، وبالتالي يأتي التعريف متلائماً معها.
والآن مع هذه
التعاريف حتى نخلص إلى رأيٍ ونتيجةٍ ونبدأ بالأسبق فالأسبق حسب إمكاناتنا
المحدودة وطاقاتنا المحاصرة في أرض الإسراء والمعراج.
ذو القعدة ذكر
الدكتور عبد الحي الفرماوي تحت عنوان "تعريف" : "اسم التفسير الموضوعي - بحسب
النوع الثاني - اصطلاحٌ مستحدث، أطلقه العلماء المعاصرون على: جمع الآيات
القرآنية ذات الهدف الواحد، التي اشتركت في موضوعٍ ما، وترتيبها حسب النزول - ما
أمكن ذلك - مع الوقوف على أسباب نزولها، ثم تناولها بالشرح والبيان والتعليق
والاستنباط، وإفرادها بالدرس المنهجي الموضوعي، الذي يُجلِّيها من جميع نواحيها
وجهاتها، ووزنها بميزان العلم الصحيح، الذي يبين الباحث معه الموضوع على حقيقته،
ويجعله يدرك هدفه بسهولةٍ ويسر، ويحيط به إحاطة تامة، تمكنه من فهم أبعاده،
والذود عن حياضه" [١].
وأقول: واضح مما ذكره الدكتور الفرماوي أنه
يغلب على تعريفه الشرح والتوضيح للونٍ من ألوان التفسير الموضوعي، وذلك أكثر من
كونه تعريفاً كما عَنْوَنَ.
ذو القعدة وقد عرفه الدكتور عبد الستار
سعيد بقوله: "هو علمٌ يبحث في قضايا القرآن الكريم المتحدة معنىً أو غاية، عن
طريق جمع آياتها المتفرقة، والنظر فيها، على هيئة مخصوصة، وبشروط مخصوصة، لبيان
معناها، واستخراج عناصرها، وربطها"
(١) البداية في التفسير الموضوعي
"دراسة منهجية موضوعية" - مطبعة الحضارة العربية - ط ٢ - ١٣٩٧ هـ-١٩٧٧ م - ص
٥٢.
برباط جامع "[١]."
وواضح مما ذكر الدكتور سعيد أن
تعريفه أكثر إيجازاً مما سبقه وأقرب إلى كونه تعريفاً مع طوله، وأبعد عن كونه
شرحاً أو توضيحاً، ثم نجد الدكتور السعيد يشرح التعريف ويبين محترزاته ويظهر
المراد بفقرات التعريف.
ومما نأخذه على هذا التعريف أنه خص به لوناً
واحداً للتفسير الموضوعي وهو الموضوع القرآني، ولم يشمل الألوان الأخرى، والأصل
في التعريف أن يكون جامعاً لكل أجزاء المعرَّف، ولعله كان معلوماً لديهم في تلك
الفترة الزمنية المبكرة بالنسبة لهذا المنهج التفسيري أن التفسير الموضوعي يغلب
عندهم على الموضوع القرآني دون السورة القرآنية والمصطلح القرآني.
وقد
ذكر الدكتور عبد المنعم القصاص عدة تعاريف منها:-
١ - التفسير
الموضوعي: "هو جمعُ ما تكرر في القرآن الكريم في موضوع واحد أو هو تفسير القرآن
بالقرآن" .
٢ - التفسير الموضوعي: "هو عبارة عن الكشف عن معاني آيات
القرآن الكريم والغوص في أعماقها للوصول إلى مراد الله تعالى منها بقدر الطاقة
البشرية" .
٣ - التفسير الموضوعي: "هو جمعُ الآيات القرآنية التي
تتحدث عن موضوع واحد مشتركة في الهدف، وترتيبها على حسب النزول كلما أمكن ذلك، ثم
تناولها بالشرح والتفصيل، وبيان حكمة الشارع في شرعه وقوانينه، مع الإحاطة التامة
لكل جوانب الموضوع كما ورد في القرآن الكريم، والكشف عن أهدافه ومقاصده" .
٤
- التفسير الموضوعي: "هو تقسيمُ آيات القرآن الكريم إلى مجموعات كل مجموعة منها
تندرج تحت عنوان يشملها جميعاً، فهذه الآيات المتفرقة تكوِّن بحثاً مستقلاً
متميزاً عن غيره ذات موضوع واحد وهدف واحد" [٢].
وأرى أن هذه التعاريف
الأربعة التي ذكرها القصاص كلها تتحدث أيضاً عن لونٍ واحدٍ للتفسير الموضوعي، وهي
نفس الملاحظة على التعاريف التي قبله، وهي ما بين إيجاز مُخلٍ أو طولٍ مُملٍ.
(١)
المدخل إلى التفسير الموضوعي - مصدر سابق - ص ٢٠.
(٢) دراسات في
التفسير الموضوعي للقرآن الكريم - للدكتور عبد المنعم علي إبراهيم القصاص - مطبعة
الحسين الإسلامية - القاهرة - ط ١ - ١٤١١ هـ-١٩٩٠ م - ص ٢٧.
ذو القعدة
وقد ذكر الدكتور مصطفى مسلم خمسة تعاريف، كان من ضمنها تعريف الدكتور السعيد
السابق وقد رجَّح واحداً منها معللاً هذا الترجيح بخلوه من التكرار ولإشارته إلى
نوعيه الرئيسيين، وهذا التعريف: "هو علمٌ يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من
خلال سورةٍ أو أكثر" [١].
وأرى أن التعليل الأول للترجيح وهو خلوه من
التكرار مقبولٌ ومعقولٌ، لكن التعليل الثاني وهو إشارته إلى نوعيه الرئيسيين،
فلعل ذلك قد أُلبسَ على الدكتور مسلم بسبب قوله "من خلال سورة أو أكثر" وذلك أن
الباحث قد يختار موضوعاً من خلال سورة ولا يقصد أن يبحث الوحدة الموضوعية لهذه
السورة، ولا أن يبرز المحور الرئيس لها، ولا أن يربط بين قضايا هذه السورة فيما
بينها من جهة وبمحورها من جهة ثانية، فعلى سبيل المثال قد يتناول الباحث موضوع
"الاستئذان في القرآن الكريم" فلا يجد آيات هذا الموضوع إلا في سورة النور، وهو
لم يقصد أن يتناول السورة كلها بالتفسير الموضوعي، وإنما هو موضوعٌ قرآني لم توجد
له آيات إلا في هذه السورة فقط، فهو بذلك موضوع قرآني تم تناوله من خلال سورة
قرآنية، وليس تفسيراً موضوعياً لسورة قرآنية حسب المنهجية المعتمدة لذلك.
وهذا
يعني أن جميع التعاريف السابقة كانت مقصورة على تعريف جزءٍ من أجزاء المعرَّف،
ولم تكن هذه التعاريف جامعة مانعة.
وهذا يدعو إلى إيجاد تعريف يجمع
ألوان التفسير الموضوعي وهي "الموضوع القرآني - المصطلح القرآني - السورة
القرآنية" .
وأجتهد قدر وسعي وطاقتي في وضع تعريف جامعٍ يحقق الهدف
والغاية والوسيلة، فأقول: إن التفسير الموضوعي: "هو جمعُ الآيات التي تتناول
موضوعاً واحداً أو مصطلحاً واحداً أو الاقتصارُ على الآيات في السورة الواحدة،
ويفسَّرُ ذلك تفسيراً موضوعياً مُبرزاً وحدة الموضوع، ومحققاً لمقاصد القرآن
وأهدافه" .
وبهذا التعريف قد أشرتُ إلى الألوان الثلاثة للتفسير
الموضوعي، وأشرت إلى الوسيلة والمنهج لتحقيق ذلك، وحددت الهدف والغاية التي يصبو
إليها الباحث من التفسير الموضوعي بألوانه المتعددة.
(١) مباحث في
التفسير الموضوعي - مصدر سابق - ص ١٦.
الوقفة الثانية: نشأة التفسير الموضوعي وتدرجه:
مر التفسير الموضوعي بمراحل متعددة وكان يأخذ أنماطاً وأحوالاً
متباينة حسب المراحل التي تدرج فيها، وكانت أحوال المسلمين عبر هذه المراحل، ومدى
حاجتهم إلى هذا اللون من التفسير تلعب دوراً هاماً في بروز هذا التفسير بحيث
انتهى في آخر مراحله
علماً له أصوله وقواعده ونظريته التي ينطلق منها
ويعتمد عليها.
فأوَّلُ مراحل هذا اللون من التفسير بدأت منذ عهد
النبوة حيث كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفسر بعض الآيات فيما يتعلق
بالموضوع الواحد، مما يؤكد ذلك ما رواه الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
لما نزلت هذه الآية (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ
... َ) [١] شق ذلك على أصحاب رسول الله فقالوا: يا رسول الله وأيُّنا لا يظلم
نفسه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما
قال العبد الصالح: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [٢] إنما هو الشرك [٣].
إذن المراد بالظلم في آية سورة الأنعام هو الشرك كما وضحت ذلك آية سورة لقمان.
بهذا
ندرك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جمع بين آيتين في موضوع واحد، وغير ذلك
كثير كان يعمد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفسر آية فيها إبهامٌ
وإجمالٌ بآية أخرى فيها بيانٌ وتفصيل، دليل ذلك ما رواه البخاري [٤] بأن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فسَّر مفاتح الغيب في قوله تعالى: (وَعِنْدَهُ
مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُو) [٥] فقال: مفاتيح الغيب خمسٌ:
(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا
فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي
نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [٦]، وهذا المنهج
النبوي يمثل اللبنات التمهيدية الأولى للتفسير الموضوعي.
- ثم أخذ
الصحابة رضوان الله عليهم هذا المنهج عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجمعوا
بين آيات يربطها رابط، كأن يكون ظاهرها التناقض فيجمعون بينها بما يجعلها مؤتلفة
غير مختلفة،
(١) سورة الأنعام: الآية ٨٢.
(٢) سورة لقمان:
الآية ١٣.
(٣) صحيح البخاري - للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل
البخاري - منشورات دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - كتاب التفسير - تفسير
سورة لقمان - ج ٦ - ص ٢٠ - ، وصحيح مسلم - للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج
القشيري النيسابوري - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي - نشر وتوزيع رئاسة إدارات
البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية - ط ١٤٠٠
هـ- ١٩٨٠ م - كتاب الإيمان باب (٥٦) صدق الإيمان وإخلاصه - رقم الحديث (١٩٧) - ح
١ ص ١١٤.
(٤) صحيح البخاري - مصدر سابق - كتاب التفسير - تفسير سورة
الأنعام - ح ٥ ص ١٩٣.
(٥) سورة الأنعام: الآية ٥٩.
(٦)
سورة لقمان: الآية ٣٤.
متناسقة غير متناقضة، مثالُ ذلك ما روي عن سعيد
بن جبير قال: قال رجلٌ لابن عباسٍ: إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليَّ فقد قال
الله: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا
يَتَسَاءَلُونَ) [١]، وقال الله: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
يَتَسَاءَلُونَ) [٢] وقال الله: (وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) [٣] وقال
الله: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا
كُنَّا مُشْرِكِينَ) [٤] فقد كتموا في هذه الآية ... فأجابه ابن عباسٍ بقوله:
قوله: (فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ) في النفخة
الأولى، وقوله: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُون) في النفخة
الثانية. وإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، عند ذلك يقول المشركون: تعالوا
نقول: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) فيختم الله على أفواههم وتنطق
أيديهم، عند ذلك يعرفون أن الله لا يكتم حديثاً [٥].
وهذه لبنات أخرى
يقتضيها واقع الصحابة وهي مرحلة ثانية بعد عهد النبوة وقد سارت على هدي النبوة
إلا أن الحاجة إليها ازدادت عمَّا كانت عليه زمن نزول القرآن على قلب رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك لم تكن هذه البدايات تأخذ صورة التفسير الموضوعي من
حيث التقعيد والتأصيل كما هو عليه الآن.
- ثم بدأ علماء التفسير
بخطوةٍ أكثر تقدماً إلى مفهوم هذا اللون من التفسير حيث قاموا بجمع الآيات
القرآنية التي تتدرج تحت مبحث من مباحث علوم القرآن وصنفوا فيها كتباً مستقلة
بهذه المباحث القرآنية، مثالُ ذلك ما فعله القاسم بن سلاّم - أبو عبيد - حيث
ألَّف كتاباً في "الناسخ والمنسوخ" ، وألّف يحيى بن سلام البصري كتاباً في
"الأشباه والنظائر" وكان ذلك في بداية القرن الثالث الهجري، وفي القرن الخامس
ألَّف الماوردي كتاباً في "أمثال القرآن" ، وفي القرن السابع ألَّف العزُ بن عبد
السلام كتاباً في "مجاز القرآن" ، وفي القرن الثامن ألَّف ابن القيِّم كتاباً في
"أقسام القرآن" .
(١) سورة المؤمنون: الآية ١٠١.
(٢) سورة
الصافات: الآية ٥٠.
(٣) سورة النساء: الآية ٤٢.
(٤) سورة
الأنعام: الآية ٢٣.
(٥) رواه البخاري في صحيحه - كتاب التفسير - حم
السجدة - مصدر سابق - ج ٦ - ص ٣٥.
وهكذا تتابع التأليفُ والجمع للآيات
المرتبطة برباط واحد وتخدم قضايا وموضوعات متعلقة بالقرآن الكريم مما يمثِّل
مرحلة أكثر تقدماً تجاه التفسير الموضوعي وإن لم تكن قد بلغت غايتها ولم تكن قد
استوت على سوقها في تمثيل نظرية التفسير الموضوعي.
يضاف إلى ذلك ما
جمعه الفقهاء من الآيات ذات الموضوع الواحد فيما يتعلق بأحكام القرآن فجمعوا في
كتبهم ما يتعلق بالوضوء والتيمم تحت كتاب الطهارة، واستنبطوا منها الأحكام الخاصة
بها، كما جمعوا ما ورد في الصلاة وقيامها وركوعها والقراءة فيها تحت كتاب الصلاة،
وما يتعلق بالصدقات والأموال ومصارفها تحت كتاب الزكاة ... وهكذا في سائر أبواب
الفقه من العبادات والمعاملات والفرائض وغيرها ... مثال ذلك كتاب "أحكام القرآن"
الذي ألَّفه أبو بكر الجصاص، وكتاب "أحكام القرآن" الذي ألَّفه ابن العربي
المالكي، وكتاب "أحكام القرآن" الذي ألَّفه إلكيا الهراسي الشافعي وغيرها ... وكل
ذلك هو لونٌ من ألوان التفسير الموضوعي في مراحله الأولى.
واستمرت هذه
الجهود جيلاً بعد جيلٍ، وعصراً بعد عصر، وكلما توالت العصور كلما كانت الحاجة إلى
بروز هذا اللون من التفسير أكثر، حتى جاء العصر الحاضر بما فيه من مآسٍ ونكباتٍ
حلت بالأمة الإسلامية أبرزها وأخطرها القضاء على الخلافة الإسلامية من خلال
التآمر عليها من أعدائها، وتلك الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين في كل مكان
وبالذات أرض المحشر والمنشر أرض الشام أرض فلسطين أرض الرباط إلى يوم الدين
وتدنيس المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية، كلُّ ذلك دفع العلماء المسلمين إلى أن
يقاوموا هذا الاعتداء بأقلامهم ودمائهم مستلهمين الخلاص وطريق النجاة من القرآن
ذاته فألفوا مجموعةً من الدراسات القرآنية التي تعالج هذا الواقع العام للمسلمين
وما يجدُّ فيه من قضايا معاصرة.
يقول الدكتور صلاح الخالدي: "وعندما
نتكلم عن الدراسات القرآنية المعاصرة القريبة من التفسير الموضوعي الذي نتكلم
عنه، فإننا نعني تلك الكتب والدراسات الخاصة بموضوعات وأفكار وحقائق وتوجيهات
القرآن والتي تدور حول القرآن ولا تخرج عنه إلى باقي مصادر الإسلام الأخرى
كالحديث والفقه والعقيدة والتاريخ واللغة وغير ذلك [١]."
وقد كثرت
البحوث والدراسات القرآنية حول قضايا معاصرة فرضتها حاجة الناس في هذا العصر من
أمثلة ذلك "اليهود في القرآن" لمحمد عزة دروزة، ومنها "المرأة في القرآن" لعباس
محمود العقاد، ومنها "ظاهرة النفاق في القرآن" لعبد الرحمن حبنكة الميداني،
وغيرها كالصبر
(١) التفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق - الدكتور
صلاح عبد الفتاح الخالدي - دار النفائس للنشر والتوزيع - الأردن - ط ١ - ١٤١٨ هـ
- ١٩٩٧ م - ص ٣٧.
في القرآن، والرحمة في القرآن، والأخلاق في القرآن
... ومع ذلك نجد الدكتور صلاح الخالدي لا يعتبر مثل هذه الدراسات نماذج تمثلُ
التفسير الموضوعي لأنها لا تسير على الخطة النموذجية للتفسير الموضوعي، ولا تلتزم
بالمنهج الموضوعي للتفسير، ولهذا يعتبرها دراسات قرآنية نافعة تبحث في بعض
موضوعات القرآن [١]، ونجد الدكتور الخالدي يضع خلاصةً يحكم من خلالها على الجهود
السابقة فيقول: "وخلاصة هذا المبحث أن التفسير الموضوعي مصطلح معاصر، وأن البحث
فيه والكتابة فيه من باب تلبية حاجات مسلمي هذا العصر، وأن السابقين لم يعرفوه
بالصورة التي نعرفها نحن الآن وأنهم كانوا مشغولين بالتفسير التحليلي وفق ترتيب
الآيات والسور في المصحف، وهذا لا يعيبهم، ولا ينقص من قدرهم، لأنهم حققوا حاجات
مسلمي عصرهم، ولا نطالبهم أن يرتقوا لمستوى حاجاتنا المتجددة [٢]."
وأقول:
حتى لا نجحف بحق إخواننا الذين كتبوا في دراسات وقضايا وأحكام قرآنية إنهم بلا شك
كانوا أقرب ما يكونون من التفسير الموضوعي وإن لم يقصدوا به هذا المصطلح ذاته،
فطريقتهم في جمع الآيات حول موضوع واحد والتنسيق بينها لتصبح بحثاً متكاملاً له
هدفه وغايته هي أبرز خطوة في منهجية التفسير الموضوعي، فهم قد ساروا في الدرب حتى
أوشكوا على النهاية، وهم الذين طبقوا قبل أن يقعدوا ويؤصلوا، بل إن سيرهم وجهدهم
العملي التطبيقي هو الذي سارع في إنضاج هذا العلم وفي إعلان ميلاده المتمثل في
وضع ضوابط وقواعد وأسس تمثل نظرية هذا اللون من التفسير، فمن حيث التطبيق
فالسابقون هم السابقون، ومن حيث المصطلح والتأصيل فالمعاصرون هم المؤصلون، ولعلي
بهذه النتيجة اختلف مع السابقين ممن كتبوا في نظرية التفسير الموضوعي، ولكن لكلِّ
مجتهد نصيب، والله الهادي إلى سواء السبيل.
الوقفة الثالثة: العمر الزمني والدراسات السابقة في التفسير الموضوعي:
وأقصد بالدراسات السابقة تلك الدراسات المتخصصة في نظرية التفسير
الموضوعي من حيث تأصيلها وتقعيدها ووضع الضوابط والمنهجية للبحث على أسس وقواعد
سليمة صحيحة وبالتالي الوصول إلى نتائج عملية تطبيقية تحقق الهدف والغاية من هذه
الدراسة أو تلك، ولا أقصد الدراسات التي مارست التفسير الموضوعي قبل نضج النظرية
ولا بعد نضجها فهي كثيرة ومتعددة عبر العصور، وعدم الإشارة إليها هنا لا ينقص من
قدرها ولا من أهميتها بغض
(١) انظر: التفسير الموضوعي بين النظرية
والتطبيق - مرجع سابق - ص ٣٧.
(٢) نفس المرجع السابق - ص ٣٩.
النظر
عن قربها أو بعدها من نظرية التفسير الموضوعي، وسيأتي لها ذكرٌ في مواطن أخرى
كأمثلة على التطبيق، وأعتمد في ترتيب هذه الدراسات المعنية في هذا المقام حسب
الأسبقية لأن المعروف والملاحظ أن اللاحقين ينتفعون من موائد السابقين ويزيدون
بما فتح الله عليهم هنا أو هناك فيكملون ويتممون ويصححون، فحسنٌ في مثل هذا
المقام أن يُنسب الشيء لصاحبه الأول فالأول وذلك حسب الاستطاعة والقدرة في التحري
والضبط دون ميلٍ أو تحيّز لسببٍ أو لآخر والله الموفق لما يحب ويرضى.
وقبل
استعراض هذه الدراسات أود القول بأن العمر الزمني التقريبي لهذه النظرية من
التفسير الموضوعي هو ربع قرنٍ من تاريخ كتابة هذا المبحث حيث إننا الآن في العام
الثاني بعد الألفين من الميلاد بما يوافق العام الثالث والعشرين وأربعمائة وألفٍ
من الهجرة النبوية، فيوافق ميلاد هذا العلم إذن عام ١٩٧٧ م الموافق ١٣٩٨ هـ وقد
يزيد ربع القرن عاماً أو عامين تمثل مرحلة المخاض.
وأما قبل ذلك
فالكتابة في نظرية هذا النوع من التفسير تأصيلاً وتقعيداً كانت تمر بمرحلة
التفكير والتحري والتنقيب فهي تمثل فترة حمل الجنين تهيئةً للمخاض والميلاد، وسوف
أثبت ذلك من خلال ما هو مثبت ومدون، يقول الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد في
مقدمة كتابه: "ثمَّ شاء الله تعالى أن تتجدد قصتي مع التفسير الموضوعي مرة أخرى
حين أُسند إليَّ تدريس عدة موضوعات منه [١]، فطفقتُ أبحث عن كتاب يكون كالمقدمة
أو المدخل لهذا اللون لأجعله تأسيساً أو تمهيداً بين يدي دراسة الموضوعات فلم
أظفر يومئذ بشيء وسألت الأستاذ الذي كان يدرس المادة قبلي، ففاجأني بأنه يدرس
الموضوعات بلا مقدمات، وعجيب من هذا المسلك، إذ كيف يفهم العلم على هذا النمط بلا
حدود ولا معالم؟ وهل خلت المكتبة الإسلامية الزاخرة من هذه الدراسة الضرورية ...
واستعنت الله تعالى فكتبت يومئذ مقدمة يسيرة في بيان هذا اللون من التفسير
أمليتها على الطلاب، ثم استفدت فوائد جمةً كنت أقيدها في أوراق متناثرة حين زاولت
تدريس الموضوعات [٢]."
وأقول: كان الدكتور عبد الستار في الرياض
بالسعودية ولا يعلم عن ميلاد هذا العلم في مصر بلد الأزهر الشريف منارة العلم في
زمانه، بدليل أنه لما عاد إلى مصر ليدرس هذه المادة في كلية أصول الدين بالقاهرة
قال: "فرجعت إلى أوراقي المتناثرة تحثني رغبتي القديمة، وشرعت في البحث والتنقيب،
وتطلبت ما يكون قد جدَّ من كتب في هذا الشأن، وقد تفضل"
(١) كان ذلك
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في مدينة الرياض عام ١٤٠٠ هـ تقريباً.
(٢)
المدخل إلى التفسير الموضوعي - مصدر سابق - ص ٦ - ٧.
أستاذنا وشيخنا
العلامة الدكتور أحمد الكومي فأهداني بحثاً له بعنوان: "التفسير الموضوعي في
القرآن الكريم" صدَّره بمقدمة أفاد فيها وأجاد، وحدّد بها المعالم الأولى لهذا
الفن، وأبرز طريقته، وهو بحث لم يسبق إليه - فيما أعلم - بل أظنه الخطوة العلمية
الأولى في هذا الباب، ثم أهداني الصديق الدكتور عبد الحي الفرماوي كتابه "البداية
في التفسير الموضوعي" الذي تابع فيه طريقة شيخنا "الكومي" وأضاف به العديد من
الحقائق العلمية، ونبهَ إلى كثير من المراجع المفيدة [١].
وبعد رجوعي
إلى كتاب الدكتور عبد الحي الفرماوي وجدتُه قد كتب مقدمته عام ١٣٩٧ هـ أي قبل
خمسٍ وعشرين عاماً، وقد تابع في كتابه طريقة الدكتور الكومي الذي كان صاحب الخطوة
العلمية الأولى كما أشار لذلك الدكتور عبد الستار سابقاً، ولعل ذلك هو الذي دفعنا
إلى أن نزيد في عمر هذا اللون التفسيري سنةً أو سنتين على ربع القرن، واعتبرتها
فترة مخاض بدليل أن ما كتبه الدكتور الكومي هو بحث وما كتبه الدكتور الفرماوي هو
كتاب كما أشار لذلك أيضاً الدكتور عبد الستار سابقاً.
وبهذا نستطيع
القول الفصل في وضع حجر الأساس لهذا العلم وكيف تتابع البناء وارتقى وتدرج حتى
أصبح بناية يأوي إليها الناس لينعموا بظلها ويستريحوا بين جدرانها، وهذا التصور
الهيكلي للبناء إنما هو حسب علمي وما توفر لدي من مراجع موثقة بتواريخها، وقد
أضطرُّ إلى إضافةٍ أو تقويم إن ثبت لي في المستقبل غير هذا التصور.
وبناءً
عليه نرتب الدراسات السابقة حسب الأسبقية كما أشرت سابقاً، ويعذرني القارئ إن
سهوت عن كتابٍ أسبقٍ، أو سقط كتابٌ لم أقف عليه نظرا لظروف الطوق والحصار التي
نعيشها في فلسطين، أو قُدِّم كتابٌ على ما هو أسبق منه لعدم وجود توثيق بتاريخ
طبعها أو تأليفها، وذلك حسب علمي وإمكاناتي المحدودة كما يلي:-
١ -
التفسير الموضوعي للقرآن الكريم - للدكتور أحمد الكومي:
وقد تحدث عن
هذا الكتاب الدكتور عبد الحي الفرماوي حيث يقول: "أما عن منهج محدد واضح المعالم
مفصل النقاط للدراسة في هذا المنهج من التفسير، فلم يتضح ذلك إلا في القريب على
يد أستاذنا الجليل فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد السيد الكومي رئيس قسم التفسير
بجامعة الأزهر وبعض زملائه أساتذة القسم وتلاميذهم بقسم الدراسات العليا [٢]."
(١)
المدخل في التفسير الموضوعي - مصدر سابق - ص ٧ - ٨.
(٢) البداية في
التفسير الموضوعي - الدكتور عبد الحي الفرماوي - مصدر سابق - ص ٦١.
ولم
أقف على هذا الكتاب نظراً للعذر السابق.
٢ - البداية في التفسير
الموضوعي (دراسة منهجية موضوعية) - للدكتور عبد الحي الفرماوي:
وقد
وثّق مقدمته بشهر المحرم عام ١٣٩٧ هـ وطبع الطبعة الثانية كما هو مثبت عليه في
العام نفسه الموافق لعام ١٩٧٧ م وليس كما ذكر الدكتور الخالدي أنه طبع في مصر عام
١٩٨٤ م [١] حتى لو طبع طبعة متأخرة في هذا العام فالأصل هو الإشارة إلى تاريخ أول
طبعة أو تاريخ المقدمة حفاظاً على حقه في الأسبقية، ونلاحظ أنه سماه "البداية"
وكأنه يؤرخ لميلاد هذا العلم بعنوان كتابه، ونسي أن الميلاد قد سبقه مخاض متمثل
فيما كتبه الدكتور أحمد الكومي، وهو من منشورات مكتبة جمهورية مصر بالقاهرة.
٣
- المدخل في التفسير الموضوعي - للدكتور عبد الستار فتح الله سعيد:
وقد
وثّق مقدمته بربيع الأول عام ١٤٠٦ هـ الموافق ١٩٨٥ م، وقد استفاد من الكتابين
السابقين كما أشار بذلك في مقدمة كتابه [٢]، ونلاحظ أنه قد سماه "المدخل" وكأنه
الطريق النافذ والموصل إلى هذا العلم، وهو من منشورات دار التوزيع والنشر
الإسلامية بالقاهرة.
٤ - الفتوحات الربانية في التفسير الموضوعي -
للدكتور الحسيني أبو فرحة:
طبع في مصر عام ١٩٨٧ م [٣].
٥ -
مباحث في التفسير الموضوعي - لأستاذنا الدكتور مصطفى مسلم:
طبع بدار
القلم - دمشق عام ١٤١٠ هـ - ١٩٨٩ م، وهو أستاذي بجامعة الإمام محمد بن سعود
الإسلامية بالرياض في مرحلة البكالوريوس قبل ربع قرنٍ تقريباً.
٦ -
دراسات في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم - للدكتور عبد المنعم القصاص:
طبع
في مصر عام ١٤١١ هـ - ١٩٩٠ م، تحدث مؤلفه في عشرين صفحة حول مقدمة عامة في
التفسير ثم ذكر مبحثاً من عشر صفحات حول التفسير الموضوعي خاصة ثم ذكر أربعة
مباحث تطبيقية لقضايا قرآنية.
(١) التفسير الموضوعي بين النظرية
والتطبيق - مصدر سابق - ص ٣١.
(٢) انظر: مقدمة كتاب المدخل - مصدر
سابق - ص ٨.
(٣) (*) انظر الملاحظة في حاشية الصفحة التي تليها.
٧
- التفسير الموضوعي للقرآن في كفتي الميزان - لأستاذنا الدكتور عبد الجليل عبد
الرحيم:
طبع في عمان عام ١٩٩١ م، ومؤلفه أستاذي درست على يديه مادة
التفسير الموضوعي بمرحلة الماجستير بالجامعة الأردنية عام ١٩٨٣ م، وكان يُملي
علينا فقرات المادة ولم يكن قد أعد كتابه يومئذ ولم أقف عليه حتى الآن، وأسأل
الله أن يتيسر ذلك قريباً بإذنه تعالى.
٨ - دراسات في التفسير
الموضوعي - للدكتور أحمد العمري:
طبع في مصر [١].
٩ -
دراسات في التفسير الموضوعي - للدكتور زاهر عواض الألمعي:
طبع في
الرياض (*) .
١٠ - المدرسة القرآنية - لمحمد باقر الصدر:
طبع
في بيروت (*) .
١١ - منهجية البحث في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم
- للدكتور زياد خليل الدغامين [٢]:
١٢ - التفسير الموضوعي بين النظرية
والتطبيق - للدكتور صلاح الخالدي:
طبع في عمان عام ١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م،
وقد عاصرته في جامعة الإمام زميلاً وإن اختلفت مرحلة الدراسة، وحاول مؤلفه أن
يستفيد مما سبق وأن يزيد عليه لمزيد فائدة.
الوقفة الرابعة: أسباب غياب مصطلح التفسير الموضوعي عند السابقين:
لم يبرز التفسير الموضوعي مبكراً لأن حاجة السابقين إليه لم تكن
ملحة بوجود هذا اللون من التفسير فقد رأينا كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم -
يُزيل اللبس في الآية وكيف يجمع بين الآيات ذات الموضوع الواحد ليفسر العام
المجمل بالمفصل وذلك كله على قدر الحاجة التي نادراً ما كانت تظهر وتعترض حياة
النبوة والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وكان اهتمامهم بحفظ كتاب الله وفهمه
والعمل به مُقدمٌ على أي قضية أخرى قد يكون البحث فيها نوعاً من الترف
(١)
(*) لم أقف على هذه الكتب وإنما أفدتها من كتاب صلاح الخالدي رقم (١٢) أعلاه
ولذلك قدمتها عليه لأنه أثبتها في كتابه مما يدل على أنها وجدت قبل كتابه، ومعذرة
لأصحاب هذه الكتب وغيرهم ممن ألفوا في هذا العلم ولم يتيسر لنا الاطلاع على ما
كتبوا.
(٢) طبع بدار البشير - الأردن - طبعة ١ - ١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م.
بالنسبة
لهم، بالإضافة إلى استغلال جلَّ أوقاتهم في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله
باعتباره العمل الأهم والأَوْلى وقد حققوا فتوحات بالدعوة والجهاد لم يحققها
غيرهم ممن انشغلوا بالكتابة والتأليف [١]، فلم يكن عدم ظهور هذا اللون من التفسير
عندهم راجعاً إلى قصورهم أو عدم اهتمامهم بهذا اللون، ولكن إحاطتهم بثمرته أغناهم
عن الخوض فيه والانشغال به، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - المكلف
بالتبليغ هو أوعى الناس لمهمته وأكثرهم علماً وإحاطة برسالته، وبالتالي أقدرهم
على بيان مُراد الله سبحانه وتعالى في كتابه وآياته، إذ إن تبليغ الرسالة على
الوجه الأكمل مترتب على فهمه لمحتوى الرسالة جملة وتفصيلاً قال تعالى:
(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم)
[٢]، وكيف يُبين للناس كتاب الله دون أن يحيط بعلمه، وبالتالي لا حاجة لأن يصنع
لهم نظرية التفسير الموضوعي فالاشتغال بالمعلوم نوع من العبث.
ثم يأتي
الصحابة في المرتبة الثانية بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنهم تربوا
على يديه وشاهدوا الوحي وعاصروا التنزيل، ومع مكانتهم العلمية التي لا خلاف عليها
بين عقلاء الناس فلا يضرهم أن يجهل بعضهم معنى كلمة هنا أو هناك في كتاب الله
تعالى كما وقع مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أشكل عليه معنى الأبَ في قوله
تعالى: (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً) [٣] فقال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف
[٤].
فالأمور التي لا ينبني عليها حكم عملي يُعدُّ البحث فيها تكلفاً
لا فائدة منه حيث يكتفى منها بمواطن العبرة والعظة، وقد جاء النهي القرآني الصريح
عن الخوض في مثل هذه الأمور التي لا تدخل في إطار الأحكام العملية، قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ
تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ
عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ
قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ) [٥]، وقد نهى النبي - صلى الله
عليه وسلم - عن الاستفسارات التي لا يكون لها واقع عملي في حياة المسلمين وذلك
حيث يقول: (إن أعظم
(١) انظر: البداية في التفسير الموضوعي - الدكتور
عبد الحي الفرماوي - مصدر سابق - ص ٥٧.
(٢) سورة النحل: الآية ٤٤.
(٣)
سورة عبس: الآية ٣١.
(٤) تفسير القرآن العظيم - للإمام ابن كثير
الدمشقي - كتب هوامشه وضبطه حسين بن إبراهيم زهران - دار الكتب العلمية - بيروت -
ح ٤ - ص ٧٤٣ - وقال ابن كثير: إسناده صحيح.
(٥) سورة المائدة: الآية
(١٠١ - ١٠٢) .
المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يُحرَّم فحُرِّم من
أجل مسألته) [١]، ويقول أيضاً: (ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم كثرة
مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) [٢].
وقد لاحظنا من خلال نشأة
التفسير الموضوعي وتدرجه كيف ازدادت الحاجة في عصر التابعين ومن بعدهم إلى المزيد
من تفسير القرآن سواء كان بالمنهج التحليلي أو من خلال جمع موضوعات تتعلق بالقرآن
وجعلها في مصنفات خاصة مثل "القسم في القرآن" ، "الأمثال في القرآن" ، "والناسخ
والمنسوخ في القرآن" وغيرها من موضوعات وأحكام فقهية متنوعة، تجمعها أبواب وكتب
ومؤلفات تمثل الجانب التطبيقي للتفسير الموضوعي وإن كانت لا تحمل هذا المصطلح
المتعارف عليه بنظريته في عصرنا الحاضر، إن دل ذلك فإنما يدل على أن بُعدهم عن
عصر التنزيل والنبوة جعلهم أكثر حاجة ممن سبقهم إلى مزيد من الدراسات، وقد بلغت
الحاجة أشدها في عصرنا الحاضر حيث جدّت في حياة الأمة أمور لم تكن موجودة في
الأزمان السابقة مما اقتضى ظهور هذا اللون بعد أن كانت دواعي وجوده غير متوفرة
سابقاً.
الوقفة الخامسة: دواعي ظهور مصطلح التفسير الموضوعي المعاصر:
عرفنا فيما سبق الأسباب في عدم ظهور هذا التفسير الموضوعي بنظريته
عند السابقين ولعل ذلك يمهد الطريق لمعرفة دواعي ظهوره في العصر الحاضر، ومع وجود
هذه الدواعي والأسباب لا ننسى أن القرآن قد نزل للناس جميعاً منذ مبعثه - صلى
الله عليه وسلم - وإلى قيام الساعة، فلا بد أن يظهر في كل عصر ومع كل جيل مدى
شموله وكماله وصلاحيته وتلائمه مع جميع المعطيات والمستجدات.
وإليك
هذه الدواعي والأسباب فيما يلي:-
١ - وجود أمور مستجدة جاءت بعد أن لم
تكن في العصور الماضية فلا بد من بيان حكم القرآن في هذه القضايا، وهذا لا يكون
إلا من خلال البحث في القرآن ذاته لاستخلاص الأحكام التي تتعلق بهذه القضايا
والمستجدات على اختلاف تنوعها.
٢ - بُعد الناس عن زمن التنزيل وجهلهم
بكثيرٍ من قضايا القرآن وأحكامه المتعلقة بشئونهم الخاصة والعامة، وبالتالي هم في
حاجة ماسة لمثل هذه الموضوعات القرآنية التي تجمع كل ما يتعلق بالموضوع الواحد من
آيات متفرقة في سور القرآن، فيتعرفون مثلاً على
(١) رواه البخاري في
صحيحه - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة - باب ما يكره من كثرة السؤال - مصدر سابق
- ح ٨ - ص ١٤٣.
(٢) رواه مسلم في صحيحه - كتاب الفضائل - باب (٣٧) -
حديث (١٣١) - مصدر سابق - ح ٤ - ص ١٨٣١.
الأخلاق في القرآن الكريم،
وعلى أحكام البيوع في القرآن الكريم، وعلى أحكام السلم والحرب في القرآن الكريم،
وغيرها من الأحكام والموضوعات المتعددة.
٣ - حاجة الناس إلى دراسات
متخصصة ومتعمقة في الموضوعات القرآنية مع وجود علماء قد تخصصوا في تفسير القرآن
وعلومه خاصة، كل ذلك دعى وسهل وجود هذا النوع من التفسير خاصة وأنه ليس من السهل
أن يوقف على هذا الهدف من خلال كتب التفسير التحليلي التي تحوي بين ثناياها
التفسير وغيره من علوم لها علاقة بالنص القرآني [١].
٤ - وجود شبهات
وطعونات ضد الإسلام والمسلمين أثارها أعداء الإسلام من مبشرين ومستشرقين،
وانطلقوا في شبهاتهم من خلال دراسات ومعاجم وفهارس وضعوها لتعينهم وتسهل عليهم
اختلاق الشبهات، فكان لا بد من وجود ردود حاسمة تحمل نفس المنهج الموضوعي لدفع
تلك الشبهات وإثبات بطلانها، وأهم تلك الشبهات كانت تدور حول أحكام الميراث في
القرآن الكريم وأنها لم تساوِ بين الرجل والمرأة في الميراث، ومنها أحكام تتعلق
بالمرأة من حيث عدم مخالطتها للرجال والتزامها بالحجاب وإباحة التعدد وغيرها من
قضايا، فكان لزاماً أن تظهر عدالة الإسلام واستقامة أحكام القرآن في هذه القضايا
وأمثالها من خلال دراسات موضوعية قرآنية [٢].
٥ - الوضع المتردي
المؤلم الذي حل بالمسلمين في هذا الزمان حيث ازدادت الهجمة الشرسة على ديار
المسلمين ومقدساتهم وضاعت الخلافة الإسلامية بسبب ما حل بالمسلمين من ضعف وهوان
مما جرأ أعداء الله على مزيد من التآمر والكيد للإسلام والمسلمين مستغلين ظاهرة
الضعف العام والهزائم التي حلت بديارهم ونفوسهم، فاقتضى ذلك التفكير في الخلاص
الجاد بالعود إلى دين الله المتمثل في كتاب الله وسنة نبيه دراسةً واستنارةً
واهتداءً، وهذا يقتضي دراسة متعمقة في أحكامه وموضوعاته لفهم معانيه وأهدافه
وغاياته والتي منها عزة الأمة وقوتها وانتصارها ونفض غبار الذل والهوان عن كاهل
الأمة، فقد أعز الله الأمة بهذا الدين فلا عزة لها في غيره، بل إن ابتغت العزة في
غيره أذلها الله ذلاً لا يندفع عنها إلا بالعود إلى دينه [٣].
ولذلك
وُجدتْ كتابات قرآنية موضوعية حول أسباب النصر والهزيمة في ضوء القرآن الكريم،
وقد ناقشت رسالة ماجستير بعنوان: (عوامل ارتقاء الأمم وانحدارها) في ضوء
القرآن
(١) انظر: المدخل إلى التفسير الموضوعي - للدكتور عبد الستار
فتح الله سعيد - مصدر سابق - ص ٣٤ بتصرف.
(٢) انظر: نفس المرجع السابق
- ص ٣٥، ٣٦ بتصرف.
(٣) انظر: التفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق -
للدكتور صلاح الخالدي - مصدر سابق - ص ٤٧ بتصرف.
الوقفة السادسة: أهداف وأهمية التفسير الموضوعي
الكريم، وأشرفت على رسالة أخرى بعنوان: (الإعجاز التشريعي في علاج
مشكلة الفقر) من منظور قرآني، وأعتقد أن هذه الموضوعات إنما جاءت من ظروف الواقع
الذي تعيشه الأمة حيث الحرب العسكرية والاقتصادية والنفسية، وعلى كل المستويات
والأصعدة، فلا بد أن تكون الأمة على مستوى من الصد والقوة للدفاع عن حماها ودينها
والانتصار لكتاب ربها وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
٦ - إن لكل
عصر ولكل جيل متطلبات خاصة به تتناسب مع ظروفه وأحواله وتتناسب مع معطيات العصر
والتطور العلمي والتكنولوجي والحضاري لذلك العصر، فلا بد أن يرتقي البحث في
الدراسات القرآنية بما يلائم معطيات العصر ومتطلباته سواء فيما يتعلق بمواكبة
التقدم العلمي، أو فيما جدَّ في حياة الناس من قضايا، أو فيما جدَّ من وسائل
البحث والدراسات الإحصائية الجامعية، ومن أهم ما برز ليخدم الدراسات القرآنية
الموضوعية ويساعد على ظهورها وبروزها في العصر الحاضر تلك المعاجم والفهارس التي
سهلت الوقوف على الآيات المتعلقة بالموضوعات المتخصصة مع سهولة جمعها والتنسيق
بينها ليكتمل منها الموضوع ناضجاً محققاً للهدف والغاية التي وُجِدَ لأجلها
[١].
٧ - اهتمام الجامعات الإسلامية وبالذات أقسام التفسير والدراسات
الإسلامية فيها بهذه البحوث القرآنية الموضوعية باعتبارها حاجة العصر وحاجة
المستقبل، فالكتابة فيها حاجة تقتضيها ظروف الواقع وظروف الناس في هذا الزمان لما
يترتب عليها من فوائد عديدة، لذلك وَجَّهَ الأساتذة في هذه الجامعات طلابهم
لتناول التفسير الموضوعي بالبحث والدراسة لعلهم بذلك يسهمون في خلاص الأمة
ونجاتها مما تجد وتعاني مثل كتاب "حقوق الإنسان بين القرآن والسنة" للدكتور عبد
الكريم الدهشان [٢] وغيرها كثير، والله الهادي إلى سواء السبيل.
الوقفة السادسة: أهداف وأهمية التفسير الموضوعي:
ظهر لنا من خلال الدواعي التي أدت إلى ظهور هذا اللون من التفسير في
العصر الحاضر مدى أهمية هذا التفسير المعاصر فكثير من الدواعي السابقة هي في
ذاتها أهداف تتحقق من خلاله مما يظهر أهميته بشكلٍ أكثر وضوحاً وسوف نشير إلى بعض
هذه الأهداف التي هي من الدواعي التي سبقت الإشارة إليها لكن بطريقة تخدم هذه
الوقفة بالإضافة إلى مجموعة أخرى هي أهداف مستقلة تبين مدى أهمية هذا اللون من
التفسير، وقد تكلم العلماء
(١) انظر: المرجع السابق - ص ٤٨ بتصرف.
(٢)
رسالة دكتوراه بالسودان سنة ١٩٩٥ م - غير منشورة.
على ذلك وهم ما بين
مُوجزٍ ومُجملٍ وبين مُفصِّلٍ ومسترسلٍ، وسنحاول أن نختط طريقاً وسطاً لا إفراط
فيه ولا تفريط وذلك فيما يلي:-
١ - التفسير الموضوعي هو تفسير العصر
والمستقبل حيث يعالج ما يجدُّ في حياة الناس من قضايا وأحداث لم تكن موجودة في
الأزمان السابقة ولم يكن حكم الشرع فيها واضحاً فيقوم المفسر من خلال هذا اللون
من التفسير باستخراج الحلول القرآنية لهذه الأمور المستجدة من خلال استنطاق
النصوص وإماطة اللثام عن وجوه جديدة من الهدايات القرآنية وهذا يبرز جوانب جديدة
من وجوه الإعجاز القرآني الذي لا تنقضي عجائبه فهو المعجزة الخالدة الباقية والتي
تقيم الحجة على الأجيال كلها.
٢ - التفسير الموضوعي يحقق دراسات
وأبحاثاً قرآنية متخصصة وفي مجالات متنوعة يسهل الاطلاع عليها وتحقيق الهدف
والغاية منها.
٣ - يعالج التفسير الموضوعي الشبهات والطعونات التي
يثيرها أعداء الإسلام بين الحين والآخر، فتغلق أبواب فتنةٍ وشكٍ في دين الله
وتفشل مخططات الأعداء ومكرهم وعدائهم للإسلام والمسلمين، فلا مجال للغزو الفكري
الثقافي، فالأمة متحصنة بكتاب ربها لقوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً
وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ
تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ
بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [١].
٤ - التفسير
الموضوعي يؤصل الدراسات والمناهج في كل المجالات والتخصصات لقوله تعالى: (مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ... ) [٢]، وقال تعالى: (وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى
لِلْمُسْلِمِينَ) [٣]، فما من شيء من العلوم والمعارف إلا وله في القرآن ما يشير
إليه بالعبارة أو بالإشارة، فالقرآن إذن يؤهل هذه العلوم ويصحح مسارها لتسير مع
القرآن في اتجاه واحد وتخدم هدفاً واحداً، فعلم أصول التربية القرآنية، وأصول علم
الاقتصاد الإسلامي، وأصول الإعلام وغيرها كل هذه العلوم تحتاج إلى أن تنضبط
بتوجيهات القرآن وتعليماته، وعلى سبيل المثال القول بالإعجاز العلمي في القرآن
اختلف فيه العلماء قديماً وحديثاً فمنهم من أنكر وفرط في ذلك، ومنهم من أسرف
وأفرط في القول
(١) سورة آل عمران: الآية (٩٩ - ١٠١)
(٢)
سورة الأنعام: الآية ٣٨.
(٣) سورة النحل: الآية ٨٩.
بالإعجاز
العلمي، فقمت بدراسة لهذه القضية في بحث مستقل بعنوان "نظرية الإعجاز العلمي بين
الإفراط والتفريط والاعتدال - عرض ومناقشة وتأصيل" ووضعت لها الضوابط والأسس التي
تنضبط بها ويعتدل القول بذلك دون إفراط أو تفريط، فهذا نوع من التأصيل والتأهيل
وتصحيح المسار لقضية اختلف فيها العلماء بين مؤيدٍ ومعارض.
٥ -
التفسير الموضوعي هو السبيل لبيان مدى حاجة الإنسانية جمعاء إلى هذا الدين ومصدر
هدايته وأن القرآن هو الذي يحقق حاجات الإنسان ومتطلباته وقضاياه ويحل مشكلاته
الواقعية التي يعيشها ويحياها في كل زمان ومع كل جيل، وهذا مما يزيد من إقبال
المسلمين على القرآن ويوثق صلتهم به.
٦ - يحقق التفسير الموضوعي
المقاصد الأساسية للقرآن ويبرزها بشكل واضح باعتباره كتاب هداية وإعجاز، ويحفظ
على الإنسان عقيدته ونفسه فلا يُعتدى على إيمانه ولا على ماله وعرضه ونفسه إلى
غير ذلك من حقوق يجب أن تُصانَ وأن تُحفظ لها حرمتها.
٧ - بالتفسير
الموضوعي تظهر لنا حقائق قرآنية وسنن إلهية في الكون والحياة والعلوم والمعارف ما
كان للإنسان أن يقف عليها بدون هذا اللون من التفسير ولن يستطيع القاريء أن يقف
عليها من خلال التفسير التحليلي، مما يسهم ذلك في الدعوة إلى الإسلام وفي إمعان
النظر في القرآن ويسهم أيضاً في الارتقاء بمستوى التفكير العلمي الموضوعي عند
الباحثين ويصبح لدى العلماء والباحثين ملكة ودربة في البحث والدراسة والتأليف
والتفكير المنضبط بقواعد وأصول وأسس قرآنية مستمدة من القرآن ذاته وليست
مستوردة
من ثقافات ومعارف الأمم والشعوب الأخرى [١].
٨ - يقوم التفسير
الموضوعي بحصر وجمع الآيات المتعلقة بالموضوع الواحد، فتفسر الآيات بعضها بعضاً،
فيكون ذلك تفسيراً للقرآن بالقرآن، وهو أبعد عن الخطأ وأقرب إلى الصواب، ويظهر ما
بين هذه الآيات من انسجامٍ وترابط، وذلك يعطي فكرة عامة عن هذا الموضوع حيث
يستقصي كل ما ورد فيه من آيات قرآنية، وذلك يُمكّنُ الباحث أيضاً من
(١)
انظر بعض النقاط السابقة في: مباحث في التفسير الموضوعي - للدكتور مصطفى مسلم -
مصدر سابق ص ٣٠ - ٣٣، والتفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق - للدكتور صلاح
الخالدي - مصدر سابق - ص ٤٨ - ٥١.
دفع التعارض بين الآيات إن وُجِدَ،
وكل ذلك يؤدي إلى سرعة الوصول إلى الهدف دون تعب أو مشقة ومن أقرب الطرق وبأسهل
الوسائل [١].
٩ - هذا اللون من التفسير، خاصة ما يتعلق منه بالسورة
القرآنية يؤكد الوحدة الموضوعية للسورة مهما تعددت القضايا المطروحة في السورة
إلا أنها تخدم هدفاً واحداً ومحوراً واحداً وموضوعاً رئيسياً تدور حوله وتغطية من
جميع جوانبه، وهذا يجعل القاريء يمعن النظر في السورة ليدرك ترابط قضاياها
بوحدتها الموضوعية ومدى ذلك الانسجام والتناسب بين هذه القضايا لقوله تعالى:
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [٢] وقوله:
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [٣].
١٠ - التفسير الموضوعي
الذي يتعلق بالمصطلح القرآني يكشف لنا بوضوح وجلاء مدى استعمال القرآن لهذا
المصطلح وما هي المعاني المختلفة التي تحملها هذه الكلمة القرآنية حسب السياق
والمناسبة التي وردت فيها، وما هي الاشتقاقات والصيغ المستعملة لهذا المصطلح في
القرآن الكريم مما يُكوِّنُ موضوعاً متكاملاً عنوانه هذا المصطلح "دراسة قرآنية"
.
الوقفة السابعة: تطور ألوان التفسير الموضوعي ومناهج بحثها:
مما لا شك فيه أن التفسير الموضوعي بألوانه ومناهج بحثها قد تعرض
لمراحل تدرَّجَ فيها من ضعف إلى قوة، حاله في ذلك حال الطفل بعد ولادته، يحتاج
إلى فترة حتى يحبو، ثم يحتاج فترة حتى يمشي على قدميه ببطء وتؤدة، ثم يحتاج فترة
حتى يجري بقوة وشدة وقد استوى على سوقه.
وقبل الحديث عن مراحل التطور
وتدرجه يحسن بنا أن نلقي الضوء بإيجاز على ألوان التفسير الموضوعي كما هي عليه
الآن، ثم نعود بعد ذلك إلى نموها وتطورها، ونبدأ بها حسب تسلسلها التاريخي وذلك
فيما يلي:-
اللون الأول: الموضوع القرآني:
(١) أجملت هذه
الفائدة من مجموعة فوائد أشار إليها الدكتور عبد الحي الفرماوي في كتابه "البداية
في التفسير الموضوعي" - مصدر سابق - ص ٦٨ - ٧١.
(٢) سورة محمد: الآية
٢٤.
(٣) سورة النساء: الآية ٨٢.
وهو قضية يلحظها الباحث من
خلال تعرض الآيات القرآنية لها بأساليب متعددة فيقوم بجمع هذه الآيات التي اشتركت
في هذا الموضوع، ويرتبها حسب النزول، ويقف على أسباب نزولها، ثم يتناولها بالشرح
والبيان والتعليق ويستنبط عناصر الموضوع من خلال الآيات نفسها، وينسق الموضوع،
ويقسمه إلى أبواب وفصول ومباحث حسب حجم الموضوع الذي يتناوله، مع ربط ذلك كله
بواقع الناس ومشاكلهم مع محاولة حلها ووضع علاج قرآني لها [١].
اللون
الثاني: السورة القرآنية:
وذلك بتناول سورة قرآنية مستقلة عن غيرها من
السور فيجعل منها وحدة موضوعية متكاملة مهما تعددت القضايا المطروحة فيها، وذلك
بالبحث عن الهدف الأساسي في السورة الواحدة بما يمثل محورها الرئيسي ثم يربط بين
قضايا السورة ومقاطعها من جهة ثم بينها وبين محور السورة من جهة أخرى بما يثبت
صحة محورها وتناسبه مع قضايا السورة، ويُعد علم المناسبات هو الأسلوب البارز
والأداة الفاعلة للربط والسبك لتظهر بذلك وحدة السورة الموضوعية المتناسقة رغم
كثرة قضاياها وموضوعاتها الفرعية والجزئية، كل ذلك بعيداً عن طبيعة التفسير
التحليلي [٢].
اللون الثالث: "المصطلح القرآني" أو "اللفظة القرآنية"
:
وهذا اللون من التفسير الموضوعي يختص بالمصطلحات والمفردات
القرآنية، حيث يختار الباحث لفظة وردت كثيراً في السياق القرآني، فيتتبعها الباحث
من خلال الآيات والسور جامعاً لكل اشتقاقاتها وتصاريفها المختلفة، ثم يحيط
بتفسيرها مستنبطاً الدلالات واللطائف والحقائق من خلال استعمال القرآن الكريم
لها.
وتعد كتب غريب القرآن [٣] وكتب الأشباه والنظائر [٤] والمعاجم
اللغوية [٥] والمعاجم المفهرسة لألفاظ القرآن [٦] هي منطلق هذه الدراسة والعمدةُ
في إحصاء استقراء الاشتقاقات والتصريفات للمصطلح القرآني المراد تفسيره تفسيراً
موضوعياً [٧].
(١) انظر: البداية في التفسير الموضوعي - للدكتور عبد
الحي الفرماوي - مصدر سابق - ص ٥٢. ومباحث في التفسير الموضوعي - للدكتور مصطفى
مسلم - مصدر سابق - ص ٢٣.
(٢) انظر: دراسات في التفسير الموضوعي
للقرآن الكريم - للدكتور عبد المنعم القصاص - مصدر سابق ص ٣٠، والتفسير الموضوعي
بين النظرية والتطبيق - للدكتور صلاح الخالدي - مصدر سابق - ص ٥٦.
(٣)
مثل كتاب: "المفردات في غريب القرآن" - للراغب الأصفهاني.
(٤) مثل
كتاب: إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن - للخطيب الدامغاني، وكتاب: الأشباه
والنظائر في القرآن الكريم لمقاتل بن سليمان البلخي، وكتاب: كشف السرائر في معنى
الوجوه والأشباه والنظائر لابن العماد.
(٥) مثل كتاب: معجم مقاييس
اللغة - لأبي الحسين أحمد بن فارس، وكتاب: معجم لسان العرب - لابن منظور، وكتاب:
عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ - للسمين الحلبي، وكتاب: الكليات: معجم في
المصطلحات والفروق اللغوية - لأبي البقاء.
(٦) مثل كتاب: المعجم
المفهرس لألفاظ القرآن الكريم - لمحمد فؤاد عبد الباقي، وكتاب: معجم ألفاظ القرآن
الكريم أعدته لجنة من كبار العلماء بالقاهرة، وكتاب: معجم الأدوات والضمائر في
القرآن - لإسماعيل عمايرة وفؤاد السيد، وهو مكمل ومتمم لمعجم عبد الباقي.
(٧)
انظر: مباحث في التفسير الموضوعي - للدكتور مصطفى مسلم - مصدر سابق - ص ٢٣،
والتفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق - للدكتور صلاح الخالدي - مصدر سابق - ص
٥٢.
اللون الرابع: القرآن في جملته:
وهذا اللون حديث
النشأة والولادة ولعل له مستقبلاً زاهراً يضاهي الألوان الثلاثة السابقة، وذلك أن
القرآن في ترابط سوره وآياته وتناسبها وإحكامها يظهر في جملته وحدة موضوعية واحدة
يغطي قضايا وموضوعات موجودة في كل سورة بل في كل آية من آياته، فعلى سبيل المثال
موضوع الهداية، فالقرآن كله هداية لا تستثني من ذلك سورة ولا آية تخرج عن هذا
المقصد العام، وكذلك الإعجاز فليس هناك سورة إلا ويتحقق فيها هذا المقصد أيضاً،
وهكذا المقاصد العامة للقرآن تؤخذ من جملته باعتباره كلٌ لا يتجزأ.
وبعد
هذا العرض السريع لألوان التفسير الموضوعي نعود لنتابع ذلك التدرج والتسلسل
والتطور لهذه الألوان ومناهج بحثها لنرى كيف بدأت وكيف نمت وتطورت.
فقبل
أن توضع نظرية هذا العلم كان التطبيق العفوي الذي يصيب أحياناً ويبتعد أحياناً
أخرى، فليس له ضابط يضبطه، ثم بدأت الكتابة فيه بدءاً بما كتبه الدكتور أحمد
السيد الكومي، حيث أشار إلى ذلك الدكتور الفرماوي في كتابه بقوله: "أما عن منهج
محدد واضح المعالم مفصل النقاط للدراسة في هذا المنهج من التفسير، فلم يتضح ذلك
إلا في القريب على يد أستاذنا الجليل فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد السيد الكومي
[١]، ثم قال الفرماوي:" ويمكن لنا تحديد المنهج على النحو التالي .. "وذكر سبع
نقاط حول هذه المنهجية، وكلها تدور حول لون واحد وهو التفسير الموضوعي لموضوع
قرآني، ذكرها بإيجاز في قرابة صفحة واحدة، ثم أراد أن يؤكد على هذا المنهج
بقوله:" هذا هو المنهج، وهو منهج جديد لكلية أصول الدين تسير
(١)
البداية في التفسير الموضوعي - مصدر سابق - ص ٦١.
عليه الآن بإشراف
أساتذة بها أفاضل، وقد أخرجت بالفعل كثيراً من الأبحاث التي تنضوي تحت لواء
التفسير الموضوعي "[١] مع ملاحظة أن الفرماوي قد أشار إلى نوعين للتفسير الموضوعي
وهما: التفسير الموضوعي للسورة، والتفسير الموضوعي لموضوع قرآني [٢] إلا أنه لم
يضع منهجية للسورة القرآنية."
ثم جاء الدكتور عبد الستار سعيد فجعل
المبحث السادس في كتابه بعنوان: "منهج البحث في التفسير الموضوعي" ، وذكر ثماني
خطوات إجمالاً ثم عاد إليها بالتفصيل لبيان المراد بكل خطوة من الخطوات التي
أجملها، فأخذت مساحة من كتابه قرابة عشر صفحات [٣] وفي ذلك مزيد من الوضوح إلا أن
هذه المنهجية ما زالت محصورة أيضاً في الموضوع القرآني ولم تتجاوزه إلى الألوان
الأخرى للتفسير الموضوعي، بل ينفي الدكتور عبد الستار صراحة الألوان الأخرى، وذلك
عند تفصيله للخطوة الأولى التي تنص على المعرفة الدقيقة لمعنى "التفسير الموضوعي
الخاص" الذي يريد المفسر مزاولته، حيث يقول: "... وكذلك يتجنب المفسر الكتابة تحت
هذا العنوان فيما يُسمى بـ" النظام في القرآن "أو" الوحدة الموضوعية في سور
القرآن الكريم، أو التفسير الموضوعي بمعناه العام كالنسخ في القرآن ونحوه، أو علم
المناسبات لأن هذه الجوانب مع جلالتها وأهميتها لكنها خارجة عن "مصطلح التفسير
الموضوعي" بمعناه الجديد، المقيد بمعناه الخاص على ما بيناه سابقاً [٤].
وقد
نفى ذلك أيضاً في مكان آخر من كتابه حيث يقول: وإلى أن يقوم لهذا الضرب - يقصد
السورة القرآنية - خطة علمية محكمة القواعد واضحة المعالم فإننا نعده في باب
الدراسات القرآنية العامة وليس في التفسير الموضوعي [٥].
ومما يؤكد
ضعف ما ذهب إليه الفرماوي وعبد الستار سعيد من قصر التفسير الموضوعي على لون واحد
فقط دون سواه - وبالذات ما يتعلق بالتفسير الموضوعي للسورة القرآنية - أننا نجد
إنجازات لعلماء أفاضل قاموا بالبحث التطبيقي للتفسير الموضوعي حول سور قرآنية،
مثال ذلك ما كتبه الشيخ محمد الغزالي تحت عنوان "نحو تفسير موضوعي لسور"
(١)
انظر: النقاط السبع والخاتمة التقريرية - في نفس المرجع السابق - ص ٦١ - ٦٣.
(٢)
انظر: نفس المرجع - ص ٥٠ - ٥٢.
(٣) انظر هذه الخطوات إجمالاً وتفصيلاً
بكتابه "المدخل إلى التفسير الموضوعي" - مصدر سابق - ص ٥٦ - ٦٦.
(٤)
المدخل في التفسير الموضوعي - ص ٥٧ - ٥٨.
(٥) نفس المرجع - ص ٢٥.
القرآن
الكريم "الأجزاء العشرة الأولى، يقول في مقدمته:" والهدف الذي سعيت إليه أن أقدم
تفسيراً موضوعياً لكلِّ سورة من الكتاب العزيز، والتفسير الموضوعي غير التفسير
الموضعي، الأخير يتناول الآية أو الطائفة من الآيات فيشرح الألفاظ والتراكيب
والأحكام، أما الأول فهو يتناول السورة كلها، يحاول رسم "صورة شمسية" لها تتناول
أولها وآخرها، وتتعرف على الروابط الخفية التي تشدها كلها، وتجعل أولها تمهيداً
لآخرها، وآخرها تصديقاً لأولها.
لقد عنيت عناية شديدة بوحدة الموضوع
في السورة، وإن كثرت قضاياها، وتأسيت في ذلك بالشيخ محمد عبد الله دراز عندما
تناول سورة البقرة - وهي أطول سورة في القرآن الكريم - فجعل منها باقة واحدة
ملونة نضيدة، يعرف ذلك من قرأ كتابه "النبأ العظيم" وهو أول تفسيره لسورة كاملة
فيما أعتقد [١].
وقد كتب الدكتور دراز حول الوحدة الموضوعية للسور
القرآنية تحت عنوان "الكثرة والواحدة" ، أي كثرة في قضايا السورة ووحدة في
موضوعها ومحورها، وقد كان ذلك بمثابة وضع حجر الأساس للتفسير الموضوعي في السورة
القرآنية، وقد مثل بسورة البقرة [٢] كما أشار لذلك الشيخ محمد الغزالي سابقاً.
إن
دلَّ ذلك فإنما يدل على أن وحدة السورة الموضوعية هي لون أساسي ورئيس من ألوان
التفسير الموضوعي باعتباره يؤكد على وحدة الموضوع للسورة.
ولذلك لما
وضع الدكتور مصطفى مسلم كتابه "مباحث في التفسير الموضوعي" جعل وحدة الموضوع في
السورة مبحثاً له منجيته التي وضعها ولعله أول من وضع هذه المنهجية للبحث في
موضوع السورة وذلك في حدود علمي والإمكانات المتوفرة لديّ.
ومع كون
الدكتور قد أشار إلى ثلاثة ألوان للتفسير الموضوعي وهي: "تفسير موضوعي للفظة
قرآنية، وموضوع قرآني، وسورة قرآنية" وشرح حول كل لون بما يوضح المراد بهذا اللون
[٣] فقد أحدث لونين من ألوان التفسير الموضوعي، وبهذا فقد تقدم خطوتين عمن سبقه،
ووضع منهجية للموضوع القرآني وللسورة القرآنية إلا أنه لم يضع منهجية حول اللفظة
القرآنية، وسيأتي من يضع تلك المنهجية الثالثة كما سيظهر فيما بعد.
(١)
نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم - "الأجزاء العشرة الأولى" - للشيخ محمد
الغزالي - دار الشروق - ط ٢ - ١٤١٣ هـ - ١٩٩٢ م - ص ٥.
(٢) انظر:
النبأ العظيم - للدكتور محمد عبد الله دراز - منشورات دار القلم - ط ٢ - ١٣٩٠ هـ
- ١٩٧٠ م - ص ١٦٣ - ٢١١.
(٣) انظر: مباحث في التفسير الموضوعي - مصدر
سابق - ص ٢٣ - ٢٩.
تحدث الدكتور مسلم حول منهجية البحث في موضوع من
خلال القرآن الكريم، وجعل لها ثماني خطوات بالإضافة إلى ثلاث ملحوظات تابعة لهذه
الخطوات وهو كلام متناسب ليس بالطويل الممل ولا بالمختصر المخل [١]، ثم تحدث
أيضاً عن منهج البحث في التفسير الموضوعي لسورة قرآنية ووضع لها أربع خطوات
أساسية موجزة وعاد إلى بعضها بالتفصيل، وذلك فيما يتعلق بتحديد محور السورة، وكيف
يمكن التعرف عليه من خلال عدة أمور، ثم تحدث عن الهدف في السورة القصيرة والسورة
الطويلة، وكذلك الإطناب والإيجاز في قضايا عرضتها السورة [٢]، وأرى في منهجيته
فيما يتعلق بالسورة القرآنية ملائمة ومناسبة لطبيعة التفسير الموضوعي الذي يتقيد
بموضوع السورة ومحورها ولا يتجاوزها إلى غيرها من السور إلا بما يظهر وجه
المناسبة بينها وبين ما قبلها وما بعدها من السور فقط.
أما الدكتور
صلاح الخالدي فقد ذكر في كتابه الألوان الثلاثة للتفسير الموضوعي وهي المصطلح
القرآني والموضوع القرآني والسور القرآنية ووضع وصفاً لكل لون من هذه الألوان بما
يوضحها ويحدد معالمها [٣].
ثم وضع المبحث التاسع حول "الخطوات
المرحلية للسير في التفسير الموضوعي" وأفرد خطوات عامة للألوان الثلاثة، وهي خمس
خطوات، ثم أفرد لكل لون خطوات خاصة به.
وبدأ بالخطوات المرحلية للسير
مع المصطلح القرآني وجعلها في مرحلتين مرحلة البحث والجمع ومرحلة الترتيب
والتبويب والصياغة، ولكل مرحلة خطواتها الفرعية المتدرجة، ولعلها لا توجد عند
غيره ولم يُسبق إليها ممن كتبوا في منهجية التفسير الموضوعي وذلك حسب علمي وما
توفر لديَّ من مراجع حول هذا الموضوع. وإن كان عرضه مطولاً حيث اعتبر المنهجية في
مرحلتين وكل مرحلة لها خطواتها وقد جعل للمرحلة الأولى عشر خطوات بفروعها
وللمرحلة الثانية ثماني خطوات [٤].
ليس ذلك التطويل مع المصطلح
القرآني فحسب، ولكنه يوجد أيضاً في منهجية البحث في الموضوع القرآني حيث ذكر
الخطوات التي ذكرها الدكتور السعيد وكذلك الخطوات التي ذكرها الدكتور مسلم ثم
يذكر عشر خطوات يراها الدكتور الخالدي نفسه، وهكذا يتوسع في
(١) انظر:
المرجع السابق - ص ٣٧ - ٣٩.
(٢) انظر: المرجع السابق - ص ٤٠ - ٥١.
(٣)
انظر: التفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق - مصدر سابق - ص ٥٢ - ٥٩.
(٤)
انظر: التفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق - مصدر سابق - ص ٦٢ - ٦٨.
المنهجية
سواء مع المصطلح القرآني أو الموضوع القرآني أو السورة القرآنية [١] مما يشبع
منهجية الألوان الثلاثة بحثاً ولعلها بذلك قد تمت واكتملت واستوت على سوقها.
ومع
ذلك فقد أضفت في بحثي هذا لوناً رابعاً للتفسير الموضوعي وهو "القرآن في جملته"
[٢]، وسيأتي في زماننا أو بعد زماننا مَنْ يضع منهجية عملية لهذا اللون الرابع إن
شاء الله تعالى. وبهذا ندرك كيف تطورت ونمت ألوان التفسير الموضوعي ومنهجية البحث
فيها من حال على حال ومن ضعف على قوة ومن قلة إلى كثرة ومن ضيق إلى سعة مما جعل
نظرية التفسير الموضوعي أقرب إلى النضج والكمال، إنها سنة الله في الأشياء تبدأ
ضعيفة صغيرة ثم تقوى وتكبر وتؤتي ثماراً طيبة بإذن ربها، وينعم الناس بخيرها
الكثير وظلها الوفير.
ومما يجدر الإشارة إليه أن التعريف الاصطلاحي
الذي أحدثته للتفسير الموضوعي يتلاءم مع هذا التطور والتدرج في ألوان التفسير
الموضوعي.
(١) انظر: المرجع السابق - ص ٦٨ - ٧٥.
(٢) انظر:
الوقفة السابعة من هذا البحث - ص ٢٨.
الخاتمة
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأَجِرْنا من خزي الدنيا وعذاب
الآخرة وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فقد أتم
الله علينا النعمة بتمام البحث إلى أن بلغنا الخاتمة بعد وقفات مع بعض القضايا
التي تتعلق بمصطلح التفسير الموضوعي المعاصر لنسهم بذلك في تأصيل نظرية هذا
المنهج التفسيري ولتنضبط بذلك النماذج التطبيقية لكل ألوان التفسير الموضوعي.
ويمكننا
أن نضع أهم النتائج في النقاط التالية:-
١ - وضع تعريف اصطلاحي جديد
"للتفسير الموضوعي" حرصت أن يكون جامعاً لكل أجزاء المُعرَّف، بعد أن ظهر لنا أن
التعاريف السابقة كانت خاصة بلون واحد دون سواه، وقد تم الوصول إلى هذا التعريف
بعد تعريف جزئَيْ هذا المركب لغة واصطلاحاً.
٢ - ظهر لنا أن للتفسير
الموضوعي بذوراً ولبنات بدأت منذ عهد النبوة ثم عهد الصحابة ومن تبعهم، ولكن هذه
اللبنات كانت تمهيدية لم تكن تأخذ صورة التفسير الموضوعي من حيث التقعيد
والتأصيل، واستمرت هذه الجهود جيلاً بعد جيل وعصراً بعد عصر، وكلما توالت العصور
كانت الحاجة إلى بروز هذا اللون أكثر.
٣ - وُجِدَتْ دراسات سابقة حول
قضايا وأحكام قرآنية، وكانت طريقتهم في هذه الدراسات أقرب ما يكون من التفسير
الموضوعي وإن لم يقصدوا به هذا المصطلح، فهم بذلك قد ساروا في الدرب حتى أوشكوا
على نهايته ولكن بدون تأصيل ولا تقعيد، فمن حيث التطبيق إذن فالسابقون هم
السابقون، ومن حيث المصطلح والتأصيل فالمعاصرون هم المؤصلون.
٤ - ظهر
لنا أن هذا المنهج التفسيري الموضوعي هو حديث النشأة يقارب عمره ربع قرن وقد يزيد
سنة أو سنتين تمثل مرحلة المخاض لولادة هذا العلم المعاصر.
٥ -
اجتهدتُ في ترتيب الدراسات السابقة حول نظرية هذا العلم حسب تسلسلها الزمني وذلك
حسب علمي، وحسب إمكاناتنا المحدودة بسبب الطوق والحصار في أرض الرباط، وأعتذر إن
كان هناك كتابٌ لم أقف عليه أو فاتني العلم بوجوده.
٦ - وقفنا على
مجموعة أسباب أدت إلى عدم ظهور مصطلح التفسير الموضوعي بنظريته عند السابقين، مع
وجود أسباب ودواعي أدت إلى ظهوره وبروزه في العصر الحاضر ويُعدُّ بذلك هو تفسير
الحاضر والمستقبل.
٧ - ظهرت أهداف وأهمية التفسير الموضوعي باعتباره
يعالج ما جدَّ وما يجِدُّ من قضايا وأحداث تعرض للناس، ولم تكن موجودة من قبل، مع
كونه يمثل خط الدفاع الأول للشبهات والطعونات التي يثيرها أعداء الإسلام، مع
بروزِ ألوانٍ من الإعجاز القرآني من خلال وحدة الموضوع وتكامله ووحدة السورة
وترابطها، إلى غيرها من أهداف وغايات.
٨ - ظهر لنا كيف تطورت وتدرجت
ألوان التفسير الموضوعي ومناهج بحثها، حالها في ذلك حال الصبي يولد ضعيفاً ثم
يقوى ويقوى حتى يشتد ساعده، فأغلب الذين بدأوا بطرق هذا الباب ركزوا على "الموضوع
القرآني" ، ولذلك كانت التعاريف الاصطلاحية للتفسير الموضوعي خاصة بهذا اللون ولم
تراعِ تطور هذا العلم، فاضطررت إلى إحداث تعريفٍ يتلاءم مع هذا التطور الذي انتهى
بثلاثة ألوان مع منهجيتها، بالإضافة إلى لون رابع أحدثته بدون منهجية لأن ذلك
يحتاج إلى بحث خاص كما سيظهر من خلال التوصيات.
وأختم بأهم التوصيات
وهي:-
١ - ضرورة متابعة البحث ليغطي ما تبقى من نظرية التفسير
الموضوعي وأهم ذلك "ألوان التفسير الموضوعي ومناهج بحثها" .
٢ - ضرورة
متابعة البحث في النماذج التطبيقية لتمثل جميع ألوان التفسير الموضوعي، وتوفر
تغطية شاملة لمتطلبات ومعطيات العصر ومستجدات الأمور.
وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين
ثبت المراجع والمصادر
١ - الإتقان في علوم القرآن - الإمام جلال الدين السيوطي - دار
الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.
٢ - الأشباه والنظائر في
القرآن الكريم - مقاتل بن سليمان البلخي - دراسة وتحقيق الدكتور عبدالله محمود
شحاتة - الهيئة المصرية العامة للكتاب - ط ٢ - ١٣٩٥ هـ - ١٩٧٥ م.
٣ -
إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم - الحسين بن محمد الدامغاني - حققه ورتبه
عبد العزيز سيد الأهل - دار العلم للملايين - بيروت - ط ٢ - ١٩٧٧ م.
٤
- الأعلام "قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين"
- خير الدين الزركلي - دار العلم للملايين- بيروت- ط ٦ - ١٩٨٤ م.
٥ -
البحر المحيط - أبو حيان الأندلسي - دراسة وتحقيق مجموعة من العلماء - منشورات
دار الكتاب العلمية - بيروت - ط ١ - ١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م.
٦ - البداية في
التفسير الموضوعي "دراسة منهجية موضوعية" - الدكتور عبد الحي الفرماوي - مطبعة
الحضارة العربية - ط ٢ - ١٣٩٧ هـ - ١٩٧٧ م.
٧ - البرهان في علوم
القرآن - الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي - تحقيق محمد أبو الفضل
إبراهيم - دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - ط ٢ - ١٣٩١ هـ - ١٩٧٢ م.
٨
- التحرير والتنوير - محمد الطاهر ابن عاشور - دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس
١٩٩٧ م.
٩ - تفسير القرآن العظيم - الإمام ابن كثير الدمشقي - كتب
هوامشه وضبطه حسين بن إبراهيم زهران - دار الكتب العلمية - بيروت.
١٠
- التفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق - الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي -
دار النفائس للنشر والتوزيع - الأردن - ط ١ - ١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م.
١١ -
حقوق الإنسان بين القرآن والسنة - الدكتور عبد الكريم حمدي الدهشان - رسالة
دكتوراه - جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية - السودان - ١٩٩٥ م - غير
منشورة.
١٢ - دراسات في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم - الدكتور عبد
المنعم علي إبراهيم القصاص - مطبعة الحسين الإسلامية - القاهرة - ط ١ - ١٤١١ هـ -
١٩٩٠ م.
١٣ - صحيح البخاري - الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل
البخاري - منشورات دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
١٤ - صحيح مسلم
- الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري - تحقيق محمد فؤاد عبد
الباقي - نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
بالمملكة العربية السعودية - ط ١٤٢٠ هـ - ١٩٨٠ م.
١٥ - عمدة الحفاظ في
تفسير أشرف الألفاظ "معجم لغوي لألفاظ القرآن الكريم" - الشيخ أحمد بن يوسف
المعروف بالسمين الحلبي - حققه الدكتور محمد التونجي - عالم الكتب بيروت - ط ١ -
١٤١٤ هـ - ١٩٩٣ م.
١٦ - كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر
- ابن العماد - تحقيق ودراسة الدكتور فؤاد عبدا لمنعم أحمد - منشورات مؤسسة شباب
الجامعة - الإسكندرية - ١٣٩٧ هـ - ١٩٧٧ م.
١٧ - الكليات "معجم في
المصطلحات والفروق اللغوية" - أبو البقاء الكفوي - تحقيق الدكتور عدنان درويش
ومحمد المصري - مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - ط ٢ - ١٤١٣ هـ -
١٩٩٣ م.
١٨ - لسان العرب - ابن منظور - طبعة دار المعارف - القاهرة -
تولى تحقيقها نخبة من العلماء العاملين بدار المعارف.
١٩ - مباحث في
التفسير الموضوعي - الدكتور مصطفى مسلم - دار القلم - دمشق - ط ١ - ١٤١٠ هـ ١٩٨٩
م.
٢٠ - المدخل إلى التفسير الموضوعي - الدكتور عبد الستار فتح الله
سعيد - دار التوزيع والنشر الإسلامية - ط ٢ - ١٤١١ هـ - ١٩٩١ م.
٢١ -
المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم - محمد فؤاد عبد الباقي - مؤسسة مناهل
العرفان - بيروت.
٢٢ - معجم مقاييس اللغة - أبو الحسين أحمد بن فارس -
تحقيق عبد السلام هارون - طبعة دار الجيل - بيروت - ط ١ - ١٤١١ هـ - ١٩٩١ م.
٢٣
- المفردات في غريب القرآن - أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب
الأصفهاني - تحقيق وضبط سيد كيلاني - دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت -
لبنان.
٢٤ - منهجية البحث في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم -
الدكتور زياد خليل الدغامين دار البشير - الأردن - ط ١ - ١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م.
٢٥
- النبأ العظيم - الدكتور محمد عبد الله دراز - منشورات دار القلم - ط ٢ - ١٣٩٠
هـ - ١٩٧٠ م.
٢٦ - نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم "الأجزاء
العشرة الأولى" - الشيخ محمد الغزالي - دار الشروق - ط ٢ - ١٤١٣ هـ - ١٩٩٢ م.