الكتاب: التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب المشهور بـ متن أبي شجاع في الفقه الشافعي
المؤلف: مصطفى ديب البغا الميداني الدمشقي الشافعي
الموضوع: الفقه، أحاديث الأحكام
الناشر: دار ابن كثير دمشق - بيروت
الطبعة: الرابعة، ١٤٠٩ هـ - ١٩٨٩ م
عدد الصفحات: ٢٨٣
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صفحة المؤلف: [مصطفى ديب البغا]
فهرس الموضوعات
كتاب الصلاة [١]
الصلاة المفروضة خمس (١) :
١ - الظهر وأول وقتها زوال
الشمس [٢] وآخره إذا صار
(١) الأصل في مشروعية الصلاة:
آيات،
منها: قوله تعالى "إنَ الصَلاةَ كَانَتْ على المُؤْمنينَ كِتَاباً مَوْقوتاً" /
النساء: ١٠٣/.
وأحاديث، منها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما، الذي
رواه
البخاري (٨) ومسلم (١٦) وغيرهما: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم (بُنِيَ الإسْلامُ عَلى خَمْس: شَهَادَة أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَ
مُحمَداً رَسُولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ وإيَتَاءِ الزكإَةِ، والحج، وَصَوْم
رَمضَانَ) .
وجَاء في حديث الإسراء: (ففَرَضَ اللهُ على أمتي خَمْسينَ
صَلاةً ... فرَاجَعتُهُ فقال: هي خمس، وهي خمسُونَ، لا يُبَدلُ الْقَوْلُ
لَدَيَّ) . البخاري (٣٤٢) مسلم (١٦٣) وغيرهما.
(هي خمس: من حيث الفعل.
هي خمسون: من حيث الأجر).
(٢) والحديث الذي يجمع مواقيت الصلوات
الخمس، ما رواه مسلم (٦١٤) وغيره، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم: أنه أتاه سائلٌ يسألُه عن مواقيت الصلاة، فلم=
ظل
كل شيء مثله بعد ظل الزوال [١].
٢ - والعصر: وأول وقتها الزيادة على
ظل المثل [٢]، وآخره في الاختيار [٣] إلى ظل المثلين،
= يَرُدَّ عليه
شيئاً. قال: فأقام الفجر حين انْشَق الفجْرُ، والناس لا يكاد يعرفُ بضُهم بعضاً،
ثم أمره فأقام بالظهر حين زالتِ الشمسُ، والقائلُ يقولُ: قد انْتَصَفَ النهارُ،
وهو كان أعْلمَ منهم، ثم أمره فأقام بالعصرِ والشَّمْسُ مُرْتَفعَةٌ، ثم أمره
فأقام بالمغرب حين وَقَعَت الشمس، ثم أمره فأقام العشاءَ حين غابَ الشَّفَقُ.
ثم
أخَر الفجرَ من الْغدِ، حتى انْصرَفَ منها والقائلُ يقول: قد طلعت الشمس أو
كَادتْ، ثم أخَّر الظهر حتى كان قريباً من وقت العصر بالأمْس، ثم أخر العصر حتى
انصرف منها والقائلُ يقولُ: قد احْمَرَّتِ الشمسُ، ثم أخّو المغربَ حتى كان عند
سُقوطِ الشَفَقِ، ثم أخّر العشاء حتى كان ثلثُ الليل الأوَّل. ثم أصبح، فدعا
السائل فقال: (الْوَقتُ بَيْنَ هَذيَن) .
[انشق الفجر: طلع ضوؤه.
زالت: مالت عن وسط السماء.
وقعت الشمس: غابت. الشفق: الحمرة التي تظهر
بعد غروب الشمس.
سقوط الشفق: غيابه] .
وهناك أحاديث بينت
بعض ما أجمل فيه، أو زادت علمه، كما سترى.
(١) الظل الموجود عند ما
يعرف الزوال.
(٢) أقل زيادة يعرف بها دخول الوقت.
(٣) أي
الوقت الذي يختار عدم تأخير الصلاة عنه.
وفي الجواز إلى غروب الشمس
[١].
٣ - والمغرب: ووقتها واحد وهو غروب الشمس وبمقدار ما يؤذن ويتوضأ
ويستر العورة ويقيم الصلاة ويصلي خمس ركعات [٢].
٤ - والعشاء: وأول
وقتها إذا غاب الشفق الأحمر وآخره في الاختيار إلى ثلث الليل وفي الجواز إلى طلوع
الفجر الثاني [٣].
(١) روى البخاري (٥٥٤) ومسلم (٦٠٨) عن أبي هريرة
رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أدرَكَ مِنَ الصبْحِ
رَكْعَةً قَبْلَ أنْ تطْلُع الشَمْسُ فَقَدْ أدْرَكَ الصبحَ، وَمَنْ أدْرَكَ
رَكْعَة مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أدْرَكَ العصر) .
(٢)
وهذا المذهب الجديد للشافعي رحمه الله تعالى، ودليله: حديث جبريل عليه السلام،
الذي رواه أبو داود (٣٩٣) والترمذي (١٤٩) وغيرهما، عن ابن عباس رضي الله عنه،
وفيه: أن جبريل عليه السلام صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم المغرب في اليومين حين
أفطر الصائم.
أي في وقت واحد وهو بعد الغروب.
والمذهب
القديم امتداد وقت المغرب حتى يغيب الشفق الأحمر، ورجحه أئمة المذهب لرجحان
أدلته، كحديث مسلم السابق (حا ٢ ص٣٩) الذي كان في المدينة، وهو مرجح علما حديث
جبريل عليه السلام الذي كان في مكة، لأن العبرة بما ثبت أخيراً، وفيه: ثم أخر
المغرب حتى كان عند سقوط الشفق. وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (وَقْتُ صَلاةِ
المغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَفَقُ) . رواه مسلم (٦١٢) .
(٣) لما
رواه مسلم (٦٨١) وغيره، عن أيى قتادة رضي الله عنه أنّه صلى الله عليه وسلم قال:
(أما، إنِّه ليسَ في النَّوْمِ تفْرِيطٌ، إنّما=
٥ - والصبح: وأول
وقتها طلوع الفجر الثاني وآخره في الاختيار إلى الأسفار وفي الجواز إلى طلوع
الشمس [١].
"فصل" وشرائط وجوب الصلاة ثلاثة أشياء:
١ -
الإسلام
٢ - والبلوغ
٣ - والعقل وهو حد التكليف [٢].
-
التَّفْرِيطُ على مَنْ لمْ يُصَل الصَّلاةَ حَتّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَلاةِ
الأخْرَى). فدل على أن وقت الصلاة لا يخرج إلا بدخول وقت غيرها، وخرجت الصبح من
هذا العموم بدليل (انظر حا ١ ص ٣٩. حا ٢ ص٤١) فبقي على مقتضاه في غيرها.
والفجر
الثاني: هو المنتشر ضوؤه معترضاً بنواحي السماء يعقبه الضياء، نجلاف الأول فإنه
يطلع مستطيلاً، يعلوه ضوء طويل كذنب الذئب، ثم تعقبه ظلمة.
(١) انظر:
حا (١) ص (٣٩) وحا (٢) ص (٤١) .
(٢) أي إذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة
المذكورة وجد التكليف بالصلاة وغيرها من فروع الشريعة، وإذا لم تجتمع انتفى
التكليف.
ودل على شرط الإسلام ما رواه البخاري (١٣٣١) ومسلم (١٩) عن
ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً رضي الله عنه
إلى اليمن فقال: (ادْعهُمْ إلى شَهَادَةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنّى رَسُولُ
الله، فَإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلك فَأعْلِمهُمْ أن اللهَ قَد افْتَرَضَ عَلَيهمْ
خَمْس صَلَوَات في كُل يوْم وَليْلَة ... ) .
ودل على اشتراط العقل
والبلوغ ما رواه أبو داود (٤٤٠٣) وغيره، عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (رُفِع الْقَلمُ عَنْ ثَلاثَة: عَنْ النّائِمِ حَتّى يَسْتَيْقظَ،
وَعَنِ الصَّبيَ حَتّى يَحْتَلِمَ، وعن المجنونِ حَتّى يَعْقِلََ) . [يحتلم:
يبلغَُ] .
والصلوات المسنونات [١] خمس:
١ - العيدان
٢
- والكسوفان
٣ - والاستسقاء.
والسنن التابعة للفرائض سبعة
عشر ركعة:
٤ - ركعتا الفجر [٢]
٥ - وأربع قبل الظهر
٦
- وركعتان بعده [٣] وأربع
(١) أي سناً مؤكداً تأكيداً زائداً عن
غيرها، لاستقلالها وطلب الجماعة فيها، وستأتي مفصلة في أبوابها، إن شاء الله
تعالى.
(٢) روى البخاري (١١١٦) ومسلم (٧٢٤) عن عائشة رضي الله عنها
قالت: لم يَكُنِ النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوَافِلِ أشد تَعاهُداً
منه على رَكْعَتَيْ الفجر.
[النوافل: جمع نافلة، وهي ما زاد عن الفرض.
أشد تعاهداً: أكثر محافظة] .
(٣) روى البخاري (١١٢٧) عن عائشة رصي
الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يَدعَُ أرْبَعاً قبل الظهر،
وركعتين قبل الغَداة.
أي صلاة الفجر. ولمسلم (٧٣٠) : كان يصلي في بيتي
قبل الظهر أربعاً، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين.
ويزيد
ركعتين أيضاً بعدها، لما رواه الخمسة وصححه الترمذي (٤٢٨،٤٢٧) عن أم حبيبة رضي
الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ صَلّىَ أرْبعً
رَكْعَات قبلَ الظهر، وأربعاً بعدها، حَرمهُ اللهُ عَلى النّارِ) .
والجمعة
كالظهر فيما مر، لأنها بدل عنها، ولما رواه مسلم (٨٨١) عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذَا صَلَى أحَدُكُمُ الجُمُعَةَ
فَلْيُصَل بَعْدَهَا أرْبَعاً) .
وروى الترمذي (٥٢٣) : أن ابن مسعود
رضي الله عنه كان يصلي قَبْلَ الجمعة أربَعاً وبعدَها أربعاً. والظاهر أًنه
توقيف، أي علمه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قبل العصر [١]
وركعتان
بعد المغرب [٢]
وثلاث بعد
(١) لما رواه الترمذي وحسنه
(٤٣٠) عن ابن عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رَحمَ اللهُ
امرَءاً صَلّى قبل الْعَصْرِ أربعاً) . ويصليها ركعتين ركعتين، لما رواه الترمذي
(٤٢٩) وغيره عن علي رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل العصر
أربع ركعات يفصِلُ بَينَهُن بِالتَسلِيمِ.
(٢) روى البخاري (١١٢٦)
ومسلم (٧٢٩) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم
عشرَ رَكْعات: ركعتين قبلَ الظهر وَركعتين بعدها، وركعتين بعدَ المغرب في بيته،
وركعتين بعدَ العشاء في بيته، وركعتين قلَ صلاة الصبح، كانت ساعة لا يُدْخَلُ على
النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
وهذه الركعات العشر المذكورة في هذا
الحديث آكد من غير ها، ودل على سنية غيرها ما ذكر من الأدلة.
ويستحب
أن يصلى ركعتين خفيفتين قبل صلاة المغرب، لما رواه البخاري (٥٩٩) ومسلم (٨٣٧) عن
أنس رضي الله عنه قال: كنا بالمدينة، فإذا أذنَ المؤذنُ لصلاة المغرب ابْتدَرُوا
السواري،
فيركعونَ ركعتين ركعتين، حتى إن الْغَريبَ ليدخل المسجد
فَيَحْسِب أنَ الصلاة قد صُليَتْ، من كثرة من يصليهما.
(ابتدروا
السواري: جمع سارية وهي الدعامةُ التي يرفع عليها وغْيرها السقف، وتسمى
أسْطوانةً، وابتدروها أي تسارعوا إليها ووقف كل واحد خلف واحدة منها. ركعتين
ركعتين: أي كل واحد يصلي ركعتين لا يزيد عليها) وكونهما خفيفتين: أي لا يطيل
فيهما القراءة.
ويستحب- أيضاً- أن يصلي ركعتين خفيفتين قبل صلاة
العشاء،=
العشاء يوتر بواحدة منهن [١].
= لما رواه البخاري
(٦٠١) ومسلم (٨٣٨) عن عبد الله بن مُفضَّل رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله
عليه وسلم: (بَيْنَ كل أذَانيْن صَلاةٌ، بَيْنَ كُل أذَانَين صَلاةٌ. ثم قال في
الثالثة: لِمَنْ شاءَ) .
(أذانين: الأذان والإقامة).
(١)
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق (حاشية ٢ ص ٤٤) ، ولما رواه مسلم (٧٥٢) عنه
أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الوِتْرَُ ركْعةٌ مِنْ آخِر الليل)
.
وهذا أقل الوتر، وأوسطه ثلاث ركعات، وأكثره إحدى عشرة ركعة.
روى
البخاري (١٠٧١) ومسلم (٧٣٦) واللفظ له، وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين أن يَفرغُ من صلاة العشاء إلى الفجر
إحدى عَشرَةَ رَكْعة، يُسلًمُ بين كل ركعتين، ويُوتِرُ بوَاحدَة. فإذا سكَتَ
المؤذنُ من صلاة الفجر، وتَبَيِّنَ له الفجر، وجَاءهَ المؤذنُ، قام فركع ركعتين
خفيفتين، ثم اضطَجعً على شِقِّهِ الأيْمَن حتى يأتِيهُ المؤذن للإقامةِ.
[ركعتين
خفيفتين: هما سنة الفجر] .
وروى أبو داود (١٤٢٢) وغيره، عن أبي أيوب
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (الوِتْرُ حَق، فَمنْ أحب
أنْ يُوترَ بخمْس فَليَفْعلْ، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحَب أن يُوتِرَ
بِوَاحِدَة فَلْيَفعَلْ) .
[حق: مشروع ومطلوب] .
وثلاث
نوافل مؤكدات [١]:
١ - صلاة الليل [٢]
٢ - وصلاة الضحى
[٣]
(١) أي بعد النوافل التي تطلب فيها الجماعة، والنوافل الرواتب
التابعة للفرائض، لفضيلة الجماعة في الأولى، وارتباط الثانية بالفريضة.
والنوافل:
جمع نافلة، وهي بمعنى المسنون والمستحب.
(٢) روى مسلم (١١٦٣) وغيره،
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ الصلاة
أفضلُ بعد المَكتُوبَةِ؟ قال: (الضَلاةُ في َجوْفِ اللّيل) .
(المكتوبة:
المفروضة. جوف الليل: باطنه وساعات التفرغ فيه للعبادة).
وتسمى قيام
الليل، والتهجد ان فعلت بعد النوم، قال تعالى: "وَمِنَ اللَيْلِ فَتَهجدِْ بهِ
نَافِلَةَ لكَ" الإسراء:٧٩ /.
(أي ترك الهجود- وهو النوم - وقم فصل
واقرأ القرآن. نافلة لك: زيادة على الفرائض مفروضة عليك خاصة).
(٣)
روى البخاري (١٨٨٠) ومسلم (٧٢١) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوْصاني خَليلي
بثلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيام من كل شَهرٍ، ورَكْعتيِ الضُحى وأن أوتِرَ قبلَ أنْ
أنَامَ. أصًلي الوتر.
وأقلها ركعتان، لما ذكر في الحديث، وأكثرها ثمان
ركعات، لما رواه البخاري (٣٥٠) ومسلم (٣٣٦) واللفظ له، في حديث أم هانىء رضي الله
عنها: أنه لما كان عام الفتح، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة،
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله، فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه
والْتَحَفَ به، ثم صلى ثمانيَ ركعاتٍ سُبْحَةَ الضحى. أي صلاة الضحى.
والأفضل
أن يفصل بين كل ركعتين، لما جاء في رواية أبي داود (١٢٩٠) عنها: أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم=
٣ - وصلاة التراويح [١].
= صلى يوم الفتح
سُبْحَةَ الضحى ثماني ركعات، يسلَم مِن كل ركعتين.
ووقتها من ارتفاع
الشمس حتى الزوال، والأفضل فعلها عند مُضيَ ربع النهار، روى مسلم (٧٤٨) وغيره، كن
زيد بن أرْقَم رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أهل قباء هم
يصلون الضحى، فقال: (صَلاةُ الأوَابِينَ إذا رَمِضَتِ الفِصَالُ مِنَ الضحَى)
.
(الأوابين: جمع أواب، وهو الراجع إلى الله تعالى. رمضت الفصال:
احترقت من حر الرمضاء، أي وجدت حر الشمس، والرمضاء في الأصل الحجارة الحامية من
حر الشمس، والمراد ارتفاع النهار. والفصال: جمع فصيل، وهو ولد الناقة).
(١)
وتسمى قيام رمضان، وهي عشرون ركعة في كل ليلة من ليالي رمضان، يصلي كل ركعتين
بتسليمة، ووقتها بين صلاة العشاء وصلاة الفجر، وتصلى قبل الوتر.
روى
البخاري (٣٧) ومسلم (٧٥٩) وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ رمَضَانَ إيماناً واحْتساباً غُفِرَ لهُ مَا
تَقَدمَ مِنْ ذَنْبه) [إيماناً: تصديقَاً بأنه حق. احتساباً: إخلاصاً لله
تعاَلىَ] .
وروى البخاري (٨٨٢) ومسلم (٧٦١) واللفظ له، عن عائشة رضي
الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى في المسجد ذات ليلة، فصلَّى بصلاته
ناسٌ، ثم صلى من القابلة فكثُر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة- أو الرابعة
- فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: (قد رأيْت الّذي
صَنَعْتُمْ، فلم يَمْنَعني من الخروج إليكم، إلا أنّي خَشيتُ أن تُفْرَضَ عليكم)
. وذلك في رمضان.
[الذي صنعتم: أيَ اجتماعكم للصلاة وانتظاري] .
"فصل"
وشرائطُ الصلاة قبل الدخول فيها خمسة أشياء:
١ - طهارة الأعضاء من
الحدث [١] والنجس [٢]
٢ - وستر العورة
= وروى البخاري
(١٩٠٦) عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى
المسجد، فإذا الناس أوزاع مُتَفَرَقونَ، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي
بصلاته الرهْطُ، فقال عمر: إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان
أمْثلَ.
ثم عزم فجمعهم على أبيَ بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس
يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعهَ هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي
يقومون. يعني آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله.
[أوزاع جماعات.
الرهط: ما دون العشرة من الرجال. نعمت البدعة هذه: حسن هذا الفعل، والبدعة ما
استحدث على غير مثال سبق، وتكَون حسنة ومشروعة إن وافقت الشرع واندرجت تحت مستحسن
فيه، وذميمة مرفوضة إن خالفته، أو اندرجت تحت مستقبح فيه، وإن لم تخالف الشرع ولم
تندرج تحت أصل فيه كانت مباحة] .
وروى البيهقي وغيره بإسناد صحيح (٢/
٩٩٦) : أنهم كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان
بعشرين ركعة.
وروى مالك في الموطأ (١/ ١١٥) : كان الناس في زمن عمر
يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة. وجمع البيهقي بين الروايتين: بأن الثلاث كانت
وتراً.
(١) الأصغر والأكبر، لقوله تعالى: "يَا أيُّهَا الَذينَ
آمَنُوا إذَا قمْتُمْ إلى الصَلاةَ فَاغسْلوا وُجُوهكُمْ وأيْدَيَكُمْ إلَى
المَرَافقِ وَامْسحوا بِرُؤوسكمْ وَأرجُلَكُمْ إلى الْكعبيْنِ وَإنْ كُنْتُمْ
جُنباً فاطهرُوا" / المائدة: ٦ /. وانظر حا ١ ص٢٠، حا ٢ ص ٣٨.
(٢) دل
على ذلك أمره صلى الله عليه وسلم بغسل النجاسات، =
بلباس طاهر [١]،
=
كقوله لفاطمةَ بنت أبي حبيش رضي الله عنها: (فَإذَا أقْبَلَتِ الحَيْضةُ
فَاتْرُكي الصَلاةَ، فَإذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلي عَنْكِ الدمَ وَصَلَي) .
انظر حاشية (١) ص (٣٥) .
وحديث علي رضي الله عنة فيْ غسل المذي، انظر
حا ١ ص ٣١.
وقياساً على طهارة الثوب، المأمور به بقوله تعالى:
"وثيابكَ فطَهرْ" / المدثر: ٥ /.
(١) لقوله تعالى: "خُذُوا زينَتَكُمْ
عنْدَ كلً مسَجد" / الأعراف: ٣١ /. قال ابن عباس رضَي الله عنهَما: المراد به
الثياب في الصلاة. (مغني المحتاج: ١/ ١٨٤) .
وروى الترمذي (٣٧٧)
وحسنه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا
تُقبلُ صَلاةُ الحائِضِ إلا بِخمَار) . والحائض البالغ، لأنها بلغت سن الحيض.
والخمار ما تغطي به الَمرأة رأسها، وإذا وجب ستر الرأس فستر غيره أولى. ودل على
هذا ما رواه البخاري (٣٦٥) عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يصلي الفجر، فَيَشْهَد معه نساء من المؤمنات، مُتَلَفِّعَاتٍ في
مروطهِن، ثم يرجعن إلى بيوتهن، ما يعرفهن أحد.
[متلفعات في مروطهن:
متلفافات بأكسيتِهن، واللفاع ثوب يجلل به الجسد كله] .
ودليل اشتراط
كونها طاهرة، قوله تعالى: "وَثِيَابَكَ فَطهِّرْ" المدثر: ٥ /.
وروى
أبو داود (٣٦٥) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن خولة
٣ - والوقوف على
مكان طاهر [١]
٤ - والعلم بدخول الوقت [٢]
٥ - واستقبال
القبلة [٣].
بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول
الله، إنه ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: (إذا طَهُرْت
فَاغْسِلِيهِ ثم صلَي فيه) . فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: (يَكفِيَك غَسْلُ
الدم، ولَا يضرك أثَرُهُ) .
(١) دَل على ذلك: أمره صلى اللهَ عليه
وسلم بصب الماء على بول الأعرابي في المسجد (انظر حا ٢ ص ٨) . وقياساً على طهارة
الثوب.
(٢) لقوله تعالى: "إن الصَّلاةَ كَانَتْ عَلى المُؤمنينَ
كتَاباً مَوْقُوتاً" / النساء ١٠٣ /. أي فرضاً محدداً بوقت فلابد من العلًم
بدخولَه.
(٣) قال تعالى: "قَد نَرَى تَقَلُبَ وَجْهِكَ في السَمَاءِ
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قبْلَة تَرْضَاهَا فَوْل وَجْهَكَ شَطر المَسْجد الحَرَام" /
البقرة: ١٤٤ /.
[تقلب وجهك: تردد وجهك وتصرف نظرك إلى جهة السماء.
فلنولينك:
فلنحولنك ولنصرفنك. قبلة: جهة تقابلها في صلاتك، ترضاها: تحبها وتميل إليها. فول
وجهك: توجه شطر المسجد: نحوه وتلقاءه. الحرام: الذي لا يحل التعرض له وانتهاكه]
.
وروى البخاري (٥٨٩٧) ومسلم (٣٩٧) في حديث المسيء صلاته: أنه صلى
الله عليه وسلم قال له: (إذَا قُمْتَ إلى الصَلاةِ فَأسبغِ الْوُضُوءَ، ثم
اسْتَقْبِل الْقِبلةَ فكبر) . (انظر حاشية ١ ص ٥٢) .
والمراد بالمسجد
الحرام في الآية، وبالقبلة في الحديث، الكعبة.
روى البخاري (٣٩٠)
ومسلم (٥٢٥) عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم صلى نحوَ بيت المَقْدِسِ، ستة عَشَرَ أو سبعة عشر شهراً، وكان رسولُ اللهِ
صلي الله عليه وسلم يُحِب أنْ يوَجَهَ نحوَ الكَعْبَة، فأنزل الله: "قَد نَرَى
تَقَلب وَجْهِكَ في السمَاءِ" فَتَوَجَهَ نَحوَ الكعبة.
ويجوز ترك
القبلة في حالتين:
١ - في شدة الخوف [١]
٢ - وفي النافلة
في السفر على الراحلة [٢].
"فصل" وأركان الصلاة ثمانية عشر ركنا:
١
- النية [٣]
٢ - والقيام مع القدرة [٤]
(١) من قتال وغيره،
إذا كان السبب مباحاً، لقوله تعالى: "فَإنْ خِفتمْ فَرِجَالاً أوْ رُكْبَانا" /
البقرة: ٢٣٩ /.
أي إن لم يمكنكم أن تصلوا صلاة كاملة لخوف ونحوه،
فصلوا كما تيسر لكم، مشاة على أرجلكم، أو راكبين على دوابكم، قال ابن عمر رضي
الله عنهما: مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها. قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر
ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (البخاري:٤٢٦١) .
(٢)
روى البخاري (٣٩١) عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
يصلي على رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجتَهَتْ - وفي رواية: نَحوَ المَشرِقِ - فإذا
أراد الفريضةَ، نزل فاستقبل القبلة.
وفي رواية (١٠٤٥) عن ابن عمر رضي
الله عنهما: كان يصلي في السفر ...
(٣) لقوله تعالى: "وَما أمرُوا إلا
ليعبدُوا اللهَ مُخْلصين َُ له الدين" / الينة: ٥ /. قال الماوردي: والإَخلاص في
كلامهم اَلنية.
ولحديث: (إنّما الأعمال بالنيِّات) انظر: ص ١٤
حاشية.
(٤) روى البخاري (١٠٦٦) عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال
كانت بي بَوَاسيرُ - فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: (صل
قَائماً. فَإنْ لَمْ تسَتطِع فقاعِداً، فَإنْ لَمْ تَسْتَطِع فعلى جنب) .
زاد
النسائي: (فَإنْ لَمْ تَسْتطِعْ فَمُسْتَلقيا، لا يكَلَفُ اللهُ نفساً إلا
وُسعها) . [كفاية الأخبار:١/ ١٠٣] .
٣ - وتكبيرة الإحرام
٤
- وقراءة الفاتحة وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها
٥ - والركوع
٦
- والطمأنينة فيه
٧ - والرفع
٨ - والاعتدال
٩ -
والطمأنينة فيه
١٠ - والسجود
١١ - والطمأنينة فيه
١٢
- والجلوس بين السجدتين
١٣ - والطمأنينة فيه [١]
١٤ -
والجلوس
(١) دليل ما سبق من الأركان إلى هنا: ما رو - صلى الله عليه
وسلم - لام، فقال: (ارْجِعْ فصل: فَإنكَ لَمْ تُصَلً) . فصلى ثم جاء فسلم على
النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ارجعْ فصل، فَإنَّك لم تُصل) .
ثلاثاً،
فقال: والذي بعثَك بالحق ما أحْسنُ غيرَه، فعلمني. فقال: (إذَا قمْتَ إلى الصلاة
فكبر، ثم اقرأ مَا تَيَسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئَن راكعاً، ثم ارفع حتى
تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطْمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) .
ويطلق
العلماء على هذا الحديث: خبر المسيء صلاته.
[لم تصل: الصلاة المطلوبة.
غيره: غير الذي فعلته من الكيفية.
اقرأ ما تيسر معك من القرآن: وعند
ابن حبان (٤٨٤) : (ثم اقرأ بأم القُرْآن) وهي الفاتحة، ودل على ذلك حديث البخاري
(٧٢٣) ومسلم (٣٩٤) : (لا صلاةَ لمنْ لمْ يقْرَأ بفاَتحة الْكِتابِ) . ودل على أن
البسملة آية منها ومن كل سورة، ما رواَه مسَلم (٤٠٠) عن أنس رضي الله عنه قال:
بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظْهُرِنا إذ أغفىَ إعْفَاءةً، ثم
رفع رأسه متبسماً، فقلنا: ما أضحْككَ =
الأخير [١]
١٥ -
والتشهد فيه [٢]
١٦ - والصلاة على النبي صلى الله عليه
=
يا رسول الله؟ قال: (أنْزِلَتْ علي آنِفاً سورة فقرأ: بسمِ الله الرحْمنِ
الرحيمِ. إنا أعْطَيْنَاكَ الكوثر.) فعدها صلى الله عليه وسلمَ آية من السورة.
تعتدل قائمة: أي وتطمئن في قيامك، كما جاء في الحديث عن ابن جان. في صلاتك كلها:
أي في كل ركعة من صلاتكُ].
(١) لما رواه البخاري (٧٩٤) عن أبي حُمَيْد
السّاعِدِي رضي الله عنه، في صفة صلاتِه صلى الله عليه وسلم: وإذا جلس في الركعة
الآخِرَة قدم رجلهَ اليُسْرَى، ونصَب الأخْرى، وقَعدَ على مَقْعَدَتَهَ.
ولأنه
محل ذكر واجب، كما سيأتي، فكان واجباً، كالقيام لقراءة الفاتحة.
(٢)
لما رواه البخاري (٥٨٠٦) ومسلم (٤٠٢) وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا
إذا صلَّينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا - وعند البيهقي (٢/ ١٣٨)
والدارقطني (١/ ٣٥٠) : كنا نقول قبل أن يُفْرَضَ علينا التَشهُدُ - السلامُ على
اللهِ قبل عبادهِ، السلام على جبريلَ، السلامُ على ميكائيلَ، السلام على فُلانَ،
فلَما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقْبَلَ علينا بوجْهِه فقال: (إن اللهَ هو
السلامُ، فإذَا جَلسَ أحَدُكُمْ في الصَلاة فَلْيقَلْ: التحِياتُ ... ) .
[هو
السلام: أي هو اسم من أَسماء الله تعالى، قيل: معناه: سلامته مما يلحق الخلق من
العيب والفناء] .
وقد ررد في صيغته روايات عدة كلها صحيحة وصيغته
الكاملة المفضلة لدى الشافعي رحمه الله تعالى: ما رواه مسلم (٤٠٣) وغيره عن ابن
عباس رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم =
وسلم
فيه [١]
١٧ - والتسليمة الأولى [٢]
١٨ - ونية الخروج من
=
يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: (التحِياتُ
المُبَارَكَاتُ، الصَلَوَاتُ الطيبَات لله، الَسّلامُ عَليكَ أيها النبي ورحمةُ
الله وَبَرَكَاتُه، السَّلامُ عليَنا وعلى عباد اللهِ الصَالِحِين، أشهَدُ أنْ لا
إلهَ إلا اللهُ، وأشهَدُ أن مُحَمداً رسُولُ اللهِ) .
(١) قوله تعالى:
"إن اللهَ وَمَلائكَتَهُ يُصَلونَ عَلى النّبِي يَا أيهَا الّذينَ آمنُوا صَلُّوا
عَلَيْهِ وَسَلًمُوا تَسْليماً" / الأحزاب: ٥٦ /.
وقد أجَمع العلماء
على أنها لا تجب في غير الصَلاة، فتعين وجوبها فيها، وقد أخرج ابن حبان (٥١٥)
والحاكم (١/ ٢٦٨) وصححه، عن ابن مسعود رضي الله عنه، في السؤال عن كيفية الصلاة
عليه صلى الله عليه وسلم: كيف نصلي عَلَيْكَ، إذا نحن صلينا عليك في صَلاتِنا
صلَى الله عليكَ؟ فقال: قولوا ....
وهذا يعين أن محل الصلاة عليه صلى
الله عليه وسلم الصلاة.
والمناسب لها آخر الصلاة، فوجبت في الجلوس
الأخير بعد التشهد.
والصيغة الكاملة فيها: اللهم صل على محمد وعلى آلِ
محمد، كما صليت على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما
باركْتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حَمِيدي مجيد.
وقد
ثبت هذا بأحاديثَ صحيحة، رواها البخاري ومسلم وغيرهما، وفي بعض طرقها زيادة على
ذلك أو نقص.
(٢) روى مسلم (٤٩٨) عن عائشة رضي الله عنها: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يسَتفْتِحُ الصلاةَ بالتكبِيرِ ... وكان يَخْتِمُ
الصلاةَ بالتسلِيمِ.
الصلاة [١]
وترتيب الأركان على ما
ذكرناه [٢].
وسننها: قبل الدخول فيها شيئان:
١ - الأذان
٢
- والإقامة [٣]
(١) الأصح أنها ليست بركن، ولكنها تسن، رعاية للقول
بأنها ركن.
(٢) لخبر المسيء صلاته، وفيه عطف الأركان بثم، وهي
للترتيب، وعمل النبي صلى الله عليه وسلم المنقول بالأحاديث الصحيحة.
(٣)
للصلوات المفروضة. ودل على مشروعيتهما ما رواه البخاري (٦٠٢) ومسلم (٦٧٤) عن مالك
بن الحويرث رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حضَرَتِ
الصَلاةُ فَلْيُؤَذنْ لَكُم أحَدكُمْ وَلْيَؤُمكُمْ أكبرُكُم) .
وعند
أبي داود (٤٩٩) من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه: (وتقول إذَا أقَمْتَ إلى
الصَلاة: اللهُ أكبرَ، اللهُ أكبرَ ... ) .
وصرف الأمر عن الوجوب أدلة
أَخرى.
وصيغة الأذان: اللهُ أكْبَرَ اللهُ أكْبَرَ، اللهُ أكبَرَ
اللهُ أكبْرَ، أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ،
أشْهَدُ أن مُحَمَداً رسولُ الله، أشْهَدُ أن محمَد رسولُ الله، حَي عَلى
الصَلاة، حَي على الصَّلاة، حي عَلى الفلاحِ، حي عَلى الفَلاحِ، اللهُ أكْبًرَ
اللهُ أكبَرَ، لاَ إلهَ إلاّ اللهُ.
ويضيف في أذان الفجر: الصلاةُ
خيرٌ مِنَ النومِ، الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوم، بعد قوله: على الفلاح
الثانية.
وصيغةَ الإقامة: اللهُ أكْبَرَ اللهُ أكبَرَ، أشْهَدُ أنْ لا
الهَ إلا اللهُ، أشهَدُ أن محمَّداً رسولُ الله، حَي على الصلاةِ حي على
الفَلاحِ، قدْ قَامتِ الصلاةُ قد قامتِ اَلصًلاةُ، اللهُ أكْبَرَ اللهُ أكْبرَ،
لا إلهَ إلا اللهُ.
= وقد ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة عند البخاري
ومسلم وغيرهما.
ويسن لمن سمع الأذان أن يقوك مثل ما يقول المؤذن، فإذا
انتهى الأذان صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا له بما ورد.
روى
مسلم (٣٨٤) وغيره، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنه سمع النبي صلى الله
عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذنَ فقولوا مثل ما يقولُ، ثم صلوا علي، فإنهُ من
صلًى عليَ صلاة صلى الله بها عليه عشراً، ثم سلوا الله ليَ الوسيلةَ، فإنها
مَنزِلَةٌ في الجنةِ، لا تَنْبَغي إلا لعَبْد من عباد الله، وأرْجُو أنْ أكونَ
أنا هُوَ، فمن سألَ اللهَ لي الوسيلةَ حًلَتْ علَيه الشَفَاعةُ) أي استحقها ووجبت
له.
وروى البخاري (٥٨٩) وغيره عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: (من قالَ حين يَسْمعُ الندَاءَ: اللهُم رب هذهِ الدعْوَةِ
التامةِ والصَلاة القَائمَةِ، آت محمداً الوسيلةَ والفضيلةَ، وابْعثة مقاماً
محصوداً الذيَ وعَدْته. حَلًّتْ له شَفاعَتي يومَ القيَامةَ) .
[الدعوة
التامة: دعو ة التوحيد التي لا ينالها تغيير ولا تبديل. الفضيلة: المرتبة الزائدة
على سائر الخلائق. مقاماً محموداً: يحمد القائم فيه. الذي وعدته: بقوله سبحانه:
"عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" / الإسراء:٧٩ /] .
وتسن الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمؤذن أيضاً، ويقولها بصوت أخفض من الأذان
ومنفصل عنه، حتى لا يتوهم أنها من ألفاظ الأذان.
ويستثنى من موافقة
السامع للمؤذن قوله: (حي على الصلاة) و (حي على الفلاح) ، فإنه يقول: لا حول ولا
قوة إلا بالله - رواه البخارى (٥٨٨) =
وبعد الدخول فيها شيئان:
١
- التشهد الأول [١]
٢ - والقنوت في الصبح [٢] وفي الوتر في النصف
الثاني من شهر رمضان [٣].
= مسلم (٣٨٥) وغيرهما - وقوله: (الصلاة خير
من النوم) فإنه يقول: صدقت وبررت.
ويسن مثل ذلك أيضاً عند سماع
الإقامة والانتهاء منها، وعند قول: قد قامت الصلاة، يقول: أقامها اللهُ
وأدَامَها. رواه أبو داود (٥٢٨) .
(١) للاتباع المعلوم من الأحاديث
الصحيحة، منها حديث البخاري (١١٦٧) : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قامَ مِنَ
اثْنتَيْنِ من الظُّهر لَمْ يجْلِسْ بَيْنَهمَا، فلما قَضى صَلاتَهُ سَجدَ
سَجْدَتَيْن. ثم سلمَ بعد ذلك. فالسجود لتركه سهواً دليل سنيته.
[بينهما:
أي بين الركعتين الأوليين والركعتين الأخريين] .
وفي حديث المسيء
صلاته عند أبي داود (٨٦٠) (فَإذا جَلَستَ في وَسَطِ الصَّلاةِ فاَطمَئِن،
وَافْتَرِشْ فَخِذَكَ اليسرَى، ثم تَشهَد) .
(٢) روى الحاكم عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا رَفع رأسَه من
الركوعِ في صلاةِ الصبح في الركعةِ الثانيةِ، رَفعً يَدَيْه يَدعُو بهذا
الدعَاء:
اللهم اهْدِني فيمَنْ هَدَيْت ... [مغني الَمحتاج:١/ ١٦٦]
.
(٣) روى أبو داود (١٤٢٥) عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: عَلمني
رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهْدني فِيمَنْ
هَدَيْت وعَافِني فيمَنْ عَافَيْتِ، وَتَوَلني فِيمَنْ توليت، وبَارِكْ لي فيمَا
أعْطَيتً، وَقِني شَرّ ما قَضَيتَ، إنك تَقضي وَلا يُقضىَ عَلَيكَ، وَإنهُ لا
يَذل مَنْ وَاليْتَ، وَلا يَعز من عادَيْتَ، تَبَارَكْتَ ربنا وَتَعَالَيْت).
وهيآتها
خمسة عشر خصلة:
١ - رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام
٢ -
وعند الركوع
٣ - والرفع منه [١]
٤ - ووضع اليمين على
الشمال [٢]
٥ - والتوجه [٣]
= قال الترمذي (٤٦٤) هذا حديث
حسن. وقال: ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر شيئاً أحسن
منه.
وعند أبي داود (١٤٢٨) أن أبَي بنَ كعب - رضي الله عنه - أمَهمْ -
يعني في رَمَضَانَ - وكان يَقْنُتُ في النصفِ الآخِر مِنْ رَمَضَانَ. وفعل
الصحابي حجة إذا لم ينكر عليه.
(١) روى البخاري (٧٠٥) ومسلم (٣٩٠) عن
ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افْتَتَحَ التكْبيرَ
في الصَّلاةِ، فرفعً يَديْهِ حينَ يُكَبَرُ، حتى َجْعَلهُما حَذْوَ مَنكبَيْهِ،
وإذا كَبَر للركوع فعلَ مثله، وإذا قال: سمعَ اللهُ لِمَن حَمِدَهُ، فعل مثلَه
وقالَ: رَبنَا وَلَكَ الحَمْدُ، ولاَ يفعل ذلك حينَ يسَجدُ، ولا حينَ يرفع رأسَهُ
من السجُود.
(٢) لخبر مسلم (٤٠١) عن وَائل بن حِجرِ رضى الله عنه: أنه
رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة، ثم وَضعً يدَه
اليُمْنى على اليسرَى.
(٣) روى مسلم (٧٧١) عن علي رضي الله عنه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: (وَجَهْتُ
وَجْهِيَ لِلذِي فَطَرَ السمَاوَاتِ والأرْضَ حنيفاً وما أنا مِنَ المُشْركِينَ،
إن صَلاتي وَنُسُكي وَمُحْيَايَ وَمَماتي لله رب العَالمَينَ، لا شَرِيك لَهُ،
وبذلك أمِرت وَأنَا مِنَ المسلمِينَ) .
[وجهت وجهي: قصدت بعبادتَي.
فطر: ابتدأ خلقها. حنيفاً: مائلاُ إلى الدين الحق. نسكى: عبادتي وما أتقرب به إلى
الله تعالى] .
٦ - والاستعاذة [١]
٧ - والجهر في موضعه
٨
- والإسرار في موضعه [٢]
(١) لقوله تعالى: "فَإذَا قَرَأتَ الْقُرآنَ
فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَيْطَانِ الرجِيمِ" / النحل: ٩٨ /.
(٢)
يجهر في الصبح وأولي المغرب والعشاء، وفي الجمعة والعيدين، وخسوف القمر،
والاستسقاء، والتراويح ووتر رمضان، وركعتي الطواف ليلاً ووقت الصبح، وستأتي في
مواضعها. ويتوسط في النفل المطلق في الليل بين السر والجهر، قال تعالى: "ولاَ
تجْهرْ بصلاِتكَ ولا ُتخَاِفتِْ بها وابْتغَِ بين ذلكَ سبيلاً" . / الإسراء: ١١٠
/. والمراد صلاة الليل. ويسر فيما عدا ما ذكر.
دل على ذلك أحاديث،
منها:
- ما رواه البخاري (٧٣٥) ومسلم (٤٦٣) عن جبير بن مطعم رضي الله
عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المَغْرِب بِالطّورِ.
-
ما رواه البخاري (٧٣٣) ومسلم (٤٦٤) عن البراء رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى
الله عليه وسلم يقرأ "والتينِ وَالزيتُون" في العشاء، وما سمعت أحداً أحسنَ صوتاً
منه، أو قراءة.
- ما رواه البخاري (٧٣٩) ومسلم (٤٤٩) من حديث ابن عباس
رضي الله عنه في حضور الجن واستماعهم القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:
وهو يُصَلَي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سَمعُوا القرآنَ استَمَعُوا لهُ.
فهذه
الأحاديث تدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر بقراءته بحيث يسمعها من
حضر.
ودل على السر في غير ما ذكر، ما رواه البخاري (٧١٣) عن خباب =
٩
- والتأمين [١]
١٠ - وقراءة سورة بعد الفاتحة [٢]
١١ -
والتكبيرات
= رضي الله عنه، وقد سأله سائل: أكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قلنا: بمَ كنتم تعرفون ذلك؟ قال:
باضطِرَاب لحيتَهَ.
وروى البخاري (٧٣٨) ومسلم (٣٩٦) عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: في كل صلاة يقرأ، فما أسْمعنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
أسْمَعْناكم وما أخْفىَ عنّا أخفيْنا عنكم.
ولم ينقل الصحابة رضي الله
عنهم الجهر في غير تلك المواضع.
(١) روى أبو داود (٩٣٤) عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذاْ تلا: "غيرِ المَغضُوب
عَلَيْهِمْ ولا الضَالَينَ" قال: آمينَ، حتى يسمع من يليه من الصف الأَول.
وزاد
ابن ماجه (٨٥٣) : فيرتج بها المَسجد.
يسن هذا للمأموم أيضاً، ويكون
تأمينه عقب تأمين الإمام، روى البخاري (٧٤٩) ومسلم (٤١٠) عن أبي هريرة رضي الله
عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمامُ "غَيْر المَغْضُوبِ
عَلَيْهِم وَلا الضالينَ" فقولوا: آمينَ، فإنهُ مَنْ وَافق قَولُهُ قوْل
المَلائكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تقَدمَ مِنْ ذَنبِه) . وفي رواية عند أبي داود
(٩٣٦) (إذا أمنَ الإمام فأمنوا ... ) .
(٢) في الركعتين الأوليين، دل
على ذلك أحاديث منها: ما رواه البخاري (٧٤٥) ومسلم (٤٥١) عن أبي قتادة، رضي الله
عنه: أنَ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بأُم الكتابِ وسورة معها، في
الركعتين الأولَييْن من صلاةِ الظهر وصلاة العصر. وفي رواية: وهكذا يفعل في
الصبح. مع ما سبق من أحاديث الجهر بالقراءة.
عند الرفع والخفض [١]
١٢
- وقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد [٢]
١٣ - والتسبيح في الركوع
والسجود [٣]
١٤ - ووضع اليدين على الفخذين في الجلوس يبسط اليسرى
ويقبض اليمنى إلا المسبحة فإنه يشير بها متشهداً [٤]
= ولا يقرأ
المأموم غير الفاتحة في الصلاة الجهرية، لما رواه أبو داود
(٨٢٣، ٨٢٤)
والنسائي (٢/ ١٤١) وغيرهما، عن عبادة بن الصامت
رضي الله عنه قال: كنا
خَلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة
الفجر فَثَقلَت عليه
القراءةُ، فلما انصرف قال: (لعلَكُمْ تقرؤونَ خَلفَ إمَامِكم) . قال: قلنا يا
رسول الله، إي والله. قال: (لا تَفعلوا إلا بأمَ القرْآن، فإنه لا صلاةَ لِمَنْ
لم يَتقْرًأ بها) . وفي رواية: (فلا تقرؤوا بشيء مِنَ الْقرْآن إذا جهرْتُ به إلا
بأم القُرآن) .
(١) روي البخاري (٧٥٢) ومسلم (٣٩٢) عن أبي هريرة رضي
الله عنه: أنه كان يصلي بهم، فيكبر كلما خفض ورفع، فإذا انصرف قال: إني
لأشبَهُكمُ صلاة برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
[بهم: أي بأصحابه.
خفض ورفع: نزل للركوع أو السجود أو قام منهما. انصرف: انتهى من صلاته] .
(٢)
انظر حاشية (١) ص (٥٨) .
(٣) روى مسلم (٧٧٢) وغيره، عن حذيفة رضي الله
عنه قال: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليْلة .. وفيه: ثم ركع، فجعل
يقول: سبحانَ رَبِّي العظِيمِ ... ثم سجدً فقال: سُبْحَان ربي الأعلى.
(٤)
روى مسلم (٥٨٠) عن ابن عمر رضي الله كنهما - في صفة جلوسه صلى الله عليه وسلم -
قال: كان إذا جلس في الصلاة، =
١٥ - والافتراش في جميع الجلسات
١٦
- والتورك في الجلسة الأخيرة [١] والتسليمة الثانية [٢].
= وضع كفة
اليمنى على فَخِذِهِ اليُمْنى، وقبضَ أصابعَه كلَها، وأشار بإصبعه التي تلي
الإبهامَ، ووضع كفه اليُسرَى على فَخِذِهِ اليُسْرَى.
(١) لما رواه
البخاري (٧٩٤) من حديث أبي حُمَيْد الساعِدِي رضي الله عنه قال: أنا كنتُ
أحفَظَكُمْ لصلاة رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ... وفيه: فإذا جَلسَ في
الركعَتَيَنِ جلسَ على رِجله اليُسرى ونَصَبَ اليُمْنى، وإذا جلس في الركعة
الاَخرة قدمَ رجلَهَ اليُسرى، ونصبَ الأخرى، وقعد على مَقْعَدَتِهِ.
[قدم
رجله اليسرى: أي من تحت رجله اليمنى المنصوبة] .
وعند مسلم (٥٧٩) عن
عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في
الصلاة: جعل قدمه اليسرى بين فَخذِهِ وساقِهِ، وفرش قدمَه اليُمْنى.
(٢)
روى مسلم (٥٨٢) عن سعد رضي الله عنه قال: كنتُ أرَى رسولَ الله صلى الله عليه
وسلم يُسَلمُ عن يَمِينِهِ وعن يسَارِهِ، حتى أرَى بَيَاضَ خَده.
وروى
أبو داودَ (٩٩٦) وغيره، عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم
كانَ يُسَلِّمُ عَنْ يمِينِهِ وَعَن شِمَالهِ، حتى يُرَى بياضُ خَده: (السلامُ
عليكمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، السلامُ عليكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ) . قال الترمذي (٢٩٥)
: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح.
(فصل) والمرأة تخالف الرجل في خمسة
أشياء:
١ - فالرجل يجافي مرفقيه عن جنبيه [١]
٢ - ويقل
بطنه عن فخذيه في الركوع والسجود [٢]
٣ - ويجهر في مواضع الجهر
٤
- وإذا نابه شيء في الصلاة سبح [٣]
٥ - وعورة الرجل ما بين سرته
وركبته [٤].
(١) روى البخاري (٣٨٣) ومسلم (٤٩٥) عن عبد الله بن مالك
ابن بُحَينَة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فَرَّجَ
بَيْنَ يديه، حتّى يَبدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ. وعند أبي داود (٧٣٤) والترمذي
(٢٧٠) عن أبي حميد رضي الله عنه: نحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه.
يجافي: يرفع ويباعد.
(٢) روى أبو داود (٧٣٥) عن أبي حميد رضي الله
عنه، في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وإذا سجد فَرج بينَ فَخِذيه،
غَيرَ حَامِل بَطْنَهُ على شيء من فَخِذيه. يقل: يرفع ويحمل.
(٣) أي
إذا حصل لإمامه أو غيره شيء وأراد أن ينبهه قال: سبحان الله. لما رواه البخاري
(٦٥٢) ومسلم (٤٢١) عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (مَنْ رَابَهُ شيءٌ في صَلاتِه فَليُسَبَح، فإنه إَذا سَبَّحَ التُفِتَ
إلَيْهِ، وإنما التصفِيقُ للنسَاء) .
[التصفيق هنا: ضرب ظاهر الكف
اليسرى بباطن الكف اليمنى.
رابه: شك في أمر يحتاج إلى تنبيه، ولفظ
مسلم (نابه) أي أصابه شيء يحتاج فيه إلى إعلام] .
(٤) روى الدارقطني
(١/ ٢٣١) والبيهقي (٢/ ٢٢٩) مرفوعاً: (ما فوْقَ الركبَتَيْنِ مِنَ الْعوْرَةِ وً
ما أَسْفَلَ مِنْ السرةِ مِنْ الْعوْرةِ) .
وروى البخارى (٣٤٦) عن
جابر رضي الله عنه: أنه صلى في ثوب =
١ - والمرأة: تضم بعضها إلى بعض
[١]
٢ - وتخفض صوتها بحضرة الرجال الأجانب [٢]
٣ - وإذا
نابها شيء في الصلاة صفقت [٣]
٤ - وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها
وكفيها [٤]
= واحد، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب
واحدٍ وفي رواية (٣٤٥) : صلّى جابرُ في إزارٍ قد عَقَدَهُ من قِبَلِ قَفَاهًُ.
والإزار
في الغالب ثوب يستر وسط الجسم، أي ما بين السرة والركبة وما قاربهما.
(١)
روىَ البيهقي (٢/ ٢٢٣) : أنه صلى الله عليه وسلم مرَّ على امرأتين تصلّيان، فقال:
(إذَا سجَدْتُما فَضُمّا بَعْضَ اللَّحمِ إلى الأرْضِ، فَإن المرأةَ لَيْسَتْ في
ذَلِكَ كالرَّجُلِ) .
(٢) خشيةَ الفتنة، قال تعالى: "فلا تخْضعْنَ
بِالقوْلِ فيطمعً الذي في قَلْبه مَرَض" / الأحزاب: ٣٢ /.
[تخضعنَ
باَلقول: تلينَ كلامكنّ: مرض: فسوق وقلة ورع] وهذا يدل على أن صوت المرأة قد يثير
الفتنة، فيطلب منها خفض الصوت بحضرة الأجانب.
(٣) انظر: حا ٣ ص ٦٣.
(٤)
لقوله تعالى "ولا يبدِينَ زِينَتَهن إلا مَا ظهَرَ مِنهَا" .
النور:
٣١ /.
والمشهور عند الجمهور: أن المراد بالزينة مواضعها، وما ظهر منها
هو الوجه والكفان. (ابن كثير: ٣/ ٢٨٣) .
روى أبو داود (٦٤٠) وغيره، عن
أم سلمةَ رضي الله عنها: أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أتصَلي المرأةُ في
دِرعْ وخمارٍ وليس عليها إزار؟ قال: (إذا كان الدرعُ سابغاً. يغطي ظهور قدميها)
.
والأمة كالرجل [١].
"فصل" والذي يبطل الصلاة أحد عشر
شيئاً:
١ - الكلام العمد [٢]
٢ - والعمل الكثير [٣]
٣
- والحدث
٤ - وحدوث النجاسة
٥ - وانكشاف العورة
٦
- وتغير النية [٤]
٧ - واستدبار القبلة [٥]
٨ - والأكل
٩
- والشرب
١٠ - والقهقهة
١١ - والردة [٦].
[درع:
قميص المرأة الذي يغطي بدنها ورجليها. خمار: ما تغطي به المرأة رأسها. سابغ:
طويل] .
وواضح: أنه إذا غطى ظهور قدميها حال القيام والركوع، انسدل
أثناء السجود، وغطى باطن القدمين، لانضمام بعضها إلى بعض. وانظر: حاشية ١ ص
٤٩.
(١) أي في ستر العورة فيَ الصلاة، أما خارج الصلاة فهي كالحرة.
(٢)
روى البخاري (٤٢٦٠) ومسلم (٥٣٩) عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كُنَّا نتكلمُ
في الصلاةِ، يُكَلَمُ أحَدُنا أخاه في حاجَتهِ حتى نَزَلَتْ هذه الآية:
"حَافِظُوا عَلى الصلَوَات والصَّلاة الْوسْطًي وقوموا للهِ قَانِتِين" / البقرة:
٣٨٢ / فأمِرْنا بالسكوتَ [قانتينَ: خاضعين] وروى مسلم (٥٣٧) وغيره، عن معاوية بن
الحَكم السلمي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه
الصلاةَ لا يَصْلح فيها شيء من كلام الناس، إنَّما هوَ التَّسْبيح والتَّكبير
وقراءة القُرْآنِ) .
(٣) لأنه يتنافى مع نظام الصلاة.
(٤)
بأن ينوي الخروج من الصلاة.
(٥) لأن في هذه الأمور الخمسة تركاً لشرط
من شروط الصلاة أو ركن من أركانها، كما علمت مما مر.
(٦) لمنافاة هذه
الأمور لهيئة الصلاة وشروطها، وانظر حا ٢.
"فصل" وركعات الفرائض سبعة
عشر ركعة: فيها أربع وثلاثون سجدة، وأربع وتسعون تكبيرة وتسع تشهدات، وعشر
تسليمات ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة.
وجملة الأركان في الصلاة مائة
وستة وعشرون ركنا: في الصبح وثلاثون ركنا وفي المغرب اثنان وأربعون ركنا وفي
الرباعية أربعة وخمسون ركناً.
ومن عجز عن القيام في الفريضة صلى
جالساً ومن عجز عن الجلوس صلى مضطجعاً [١].
"فصل" والمتروك من الصلاة
ثلاثة أشياء:
١ - فرض
٢ - وسنة
٣ - وهيئة
فالفرض
لا ينوب عنه سجود السهو بل إن ذكره والزمان قريب أتى به وبنى عليه وسجد للسهو
[٢]
(١) لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه: (صَلً قائماً، فإنْ لم
تسْتَطعْ فقاعداً، فإنْ لم تَسْتَطعْ فَعَلى جنْبٍ) . انظر: ص ٥١ حا ٤.
(٢)
روى البخاري (١١٦٩) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلّى بنا النبى صلى الله عليه
وسلم الظهرَ أو العصرَ، فسلمَ، فقال له ذو اليدين: الصلاةُ يا رسول الله، أنقصت؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أحق مَا يَقولُ) . قالوا: نَعَم، فصلى
ركعتين أخْرَيَينِ، ثم سَجدَ سجْدتَيْنِ.
والسنة: لا يعود إليها بعد
التلبس بالفرض لكنه يسجد للسهو عنها [١].
والهيئة: لا يعود إليها بعد
تركها ولا يسجد للسهو عنها [٢].
وإذا شك في عدد ما أتى به من الركعات
بنى على اليقين وهو الأقل وسجد للسهو [٣].
(١) روى البخاري (١١٦٦)
ومسلم (٥٧٠) عن عبد الله بن بُحيْنةَ رضي الله عنه أنه قال: صلّى لنا رسولُ الله
صلى الله عليه وسلم ركْعَتَيْنِ من بعض الصلوات - وفي رواية: قام من اثنتين من
الظهر - ثم قام فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قَضَى صلاته ونَظرْنَا تسليمه،
كبر قبل التسليم، فسجد سجدتين وهو جالس، ثم سلَّم. [نظرنا: انتظرنا] .
وانظر
ص ٥٧ حاشية ١.
وروى ابن ماجه (١٢٠٨) وأبو داود (١٠٣٦) وغيرهما، عن
المغيرة ابن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذَا قَامَ أحَدُكمْ
مِنَ الرَّكْعَتين، فلَمْ يستتم قَائماً، فَلْيَجْلِسْ. وَإذَا اسْتتَم قائِما
فَلا يَجْلسْ، ويَسْجدُ سَجْدَتَيِ السهو) .
(٢) لعدم تأَكدها وعدم
ورود السجود فيها.
(٣) روى مسلم (٥٧١) عن أبي سعيد رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذَا شَك أحدُكُمْ في صلاتِهِ، فليمْ يَدرِ
كَمْ صَلَّى، ثلاثا أم أربعاً؟ فَلْيَطرَحِ الشَك، وليبن على ما استيقَنَ ثم
يَسْجُدُ سجدتينِ قبل أن يُسَلِّمَِ، فإن كان صلَّى خمساً شفَعْنَ له صلاتَه، وإن
كان صلَّى إتماماً لأربع، كانَتا تَرْغيماً للشيطانِ) .
[شفعن: جعلنها
زوجاً كما ينبغي أن تكون. ترغيماً: إغاظة وإذلالاً]
وسجود السهو سنة
[١] ومحله قبل السلام [٢].
"فصل" وخمسة أوقات لا يصلى فيها إلا صلاة
لها سبب:
١ - بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس
٢ - وعند
طلوعها حتى تتكامل وترتفع قدر رمح
٣ - وإذا استوت حتى تزول
٤
- وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس
٥ - وعند الغروب حتى يتكامل غروبها
[٣].
(١) لأنه لم يشرع لترك واجب.
(٢) كما ثبت في الأحاديث
المتقدمة.
(٣) روى البخاري (٥٦١) ومسلم (٨٢٧) عن أبي سعيد الخدري رضى
الله عنه قال: سمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا صَلاِةَ بَعدَ
الصَّبْح حَتّى تَرْتَفع الشمْس، وَلا صَلاةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتى تَغيب الشمس)
. والمراد بالنفي هنا النهي، أيَ لا يصلين أحد في هذه الأوقات.
وروى
مسلم (٨٣١) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلي الله
عليه وسلم ينهانا أن نُصَليَ فيهِن وأن نقبرَ موتانا: حين تَطلعٌ الشَمسُ بازغة
حتى ترتَفع، وحينَ يَقُومُ قائمُ الظَهيرة حتى تزُولَ، وحينَ تَضيف الشمسُ
للغرُوبِ.
[بازَغة: يطلع قرصها. قائم الظهيرة: اشتداد الحر، وأصله أن
البعير إذا كان باركاً قام من شدة الحر. تزول: تميل عن وسط السماء. تضيف: تميل
حال اصفرارها] . والنهي فيما سبق للتحريم.
أما ما لها سبب فتصلى في كل
الأوقات. نفلاً كانت أم فرضاً، دل على ذلك:
ما رواه البخاري (٥٧٢)
ومسلم (٦٨٤) عن أنس رضي الله عنه، عن
"فصل" وصلاة الجماعة سنة مؤكدة
[١] وعلى المأموم أن ينوي الائتمام دون الإمام [٢].
ويجوز أن يأتم
الحر بالعبد، والبالغ بالمراهق [٣]
النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَنْ نَسيَ صلاة فَليصَل إذا ذَكَرَها، لا كَفارَةَ لها إلا ذلك: "وَأقمِ
الصلاةَ لِذكري" / طه: ١٤ /) .
وما رواه البخاري (١١٧٦) ومسلم (٨٣٤)
عن أم سلمة رضي الله عنها: أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتينِ بعدَ العصرِ،
فسألتْه عن ذلك فقال: (يا بنتَ أبي أمَيةَ، سألت عن الركعتين بعد العصر، وإنه
أتاني ناس منْ عَبْد القَيس، فَشَغَلُوَني عن الركْعَتَينِ اللتًّيْن بعدَ
الظهرِ، فَهُمًا هَاتانَ) .
(١) للرجال والنساء، لما رواه البخاري
(٦١٩) ومسلم (٦٥٠) عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: (صَلاةُ الجَمَاعَةِ تفْضُلُ صَلاةَ الفَذ بسَبعْ وَعِشْرِينَ
درًجَة) .
[الفذ: المنفرد] .
والأصح أنها فرض كفاية في حق
الرجال المقيمين، بحيث يظهر شعارها، لما رواه أبو داود (٥٤٧) وصححه ابن حبان
(٤٢٥) : (ما من ثَلاثَة في قرْيَة أوْ بَدْو، لا تُقَامُ فيهم الجماعةُ - وفي
رواية: الصلاة - إلا اسْتَخْوَذَ عليهِمُ الشَّيْطَان) . أي غلبهم واستولى عليهم
وحولهم إليه.
(٢) ليصح اقتداؤه ويكون له ثواب الجماعة، عملا بحديث:
(إنما الأعمال ... ) .
(٣) هو الذي قارب البلوغَ، والمراد به هنا
الصبي المميز، لما رواه البخاري (٤٠٥١) : أن عَمْرَو بْنَ سلمة رضي الله عنه، كان
يَؤُم قَوْمَهُ وهو ابنُ ست أو سبعَ سنين.
ولا تصح قدوة رجل بامرأة
[١] ولا قارئ بأمي [٢].
وأي موضع صلى في المسجد بصلاة الإمام فيه وهو
عالم بصلاته [٣] أجزأه ما لم يتقدم عليه وإن صلى خارج المسجد والمأموم قريبا منه
وهو عالم بصلاته ولا حائل [٤] هناك جاز.
"فصل" ويجوز للمسافر قصر
الصلاة الرباعية [٥] بخمس
(١) روى أبو داود (٥٩٦) وغيره، عن مالك بن
الحويرث رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ زار
قوماً فلا يَؤُمَهُمْ، وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُم) .
ومفهومه: أن
المرأة لا تؤم القوم وفيهم الرجال.
(٢) القارىء هو الذي يحسن قراءة
الفاتحة، والأمي هو الذي يخل بحرف منها، ولم تصح القدوة به لأن قراءتها كاملة ركن
كما علمت، وصحت صلاته لنفسه ضرورةً لعدم قدرته على التعلم.
(٣) أي
بصلاة الإمام كأن يسمعه أو يراه، أو يسمع مبلغا، أو يرى بعض الصف.
(٤)
حاجز يمنع الاستطراق أو المشاهدة.
(٥) لقوله تعالى: "وَإذَا
ضَرَبْتُمْ في الأرْض فَلَيْسَ عَلَيكُمْ جَنَاحٌ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاة"
/ النساء: ١٠١/.
[ضربتم: سافرتم] .
روى مسلم (٦٨٦) عن يعلى
أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لَيس عَلَيكم جُنَاحٌ أنْ
تَقْصُرُوا مِنَ الصَلاةِ إنْ خِفْتُم أنْ يُفتِنكُمُ الّذِين كفرُوا" فقد أمِنَ
الناسُ؟ فقال: عجت مما
شرائط:
١ - أن يكون سفره في غير
معصية
٢ - وأن يكون مسافته ستة عشر فرسخا [١]
٣ - وأن يكون
مؤديا للصلاة الرباعية [٢]
٤ - وأن ينوي القصر مع الإحرام
٥
- وأن لا يأتم بمقيم [٣]
ويجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر في
وقت أيهما شاء وبين المغرب والعشاء في وقت أيهما شاء [٤].
عجبتَ منه،
فسألت رسولَ الله صلي الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: (صَدَقَةٌ تَصَدقَ اللهُ بها
عَلَيكُم، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ) .
وهذا يدل على أن قصر الصلاة ليس
خاصاً بحالة الخوف.
وروى البخاري (١٠٣٩) ومسلم (٦٩٠) عن أنس رضي الله
عنه قال: صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً، والعَصْرَ بذي
الحُلَيْفَة رَكعتَيْنِ.
(١) َ روى البخاري تعليقا (في تقصير الصلاة،
باب: في كم تقصر الصلاة) : وكان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، يَقْصُران
ويفطران في أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخاً. وتساوي (٨١) كيلو متراً تقريباً.
ومثله
يفعل توقيفاً، أي بعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(٢) أي يقصر
الصلاة الرباعية التي يؤديها حال السفر، فلو قضى فائتة الحضر في السفر فلا يقصر،
وكذلك إذا قضى فائتة السفر في الحضر.
(٣) لخبر أحمد بن حنبل، عن ابن
عباس رضي الله عنهما، سئل: ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد، وأربعاً إذا
ائْتم بمقيم؟ فقال: تلك السنة.
(٤) روى البخاري (١٠٥٦) عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلمِ يَجْمعُ بَيْنَ صلاةِ
الظهْر والعَصر إذا كان على ظهْرِ سَيْرٍ، ويجمعُ بين المَغْرِب والْعشاَءِ.
[على
ظهر سير: أي مسافراً سائراً] .
وروى أبو داود (١٢٠٨) والترمذي (٥٥٣)
واللفظ له، وغيرهما، عن
ويجوز للحاضر في المطر أن يجمع بينهما في وقت
الأولى منهما [١].
"فصل" وشرائط وجوب الجمعة [٢] سبعة أشياء:
معاذ
رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلِم كان في غزوة تَبُوك: إذا ارتَحلَ
قَبْلَ أنْ تزيغ الشمس أخَّرَ الظهر حتى يَجْمَعَهاَ إلى العصًرِ يُصَلِّيهما
جميعاً، وإذا ارتحل بَعدَ زَيغْ الشمسِ صلَى الظهر والعصر
جميعاً ثم
سار. وكان إذا ارتحل قبلَ المَغْرِب أخرَ المغربَ حتى يصليها مع العشاء، وإذا
ارتحل بعد المغرب عجلَ العِشَاء، فصلاها مَع المغربِ.
(١) روى البخاري
(٥١٨) ومسلم (٧٠٥) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى
بالمدينة سبعا وثمانياً: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. زاد مسلم: من غَيْر
خَوْف ولا سَفَرٍ. وعند البخاري: فقال أيوب - أحد رواة الحديث - لعله في ليلة
مطيرة؟ قال: عسَىَ.
ويشرط أن يكون هذا جماعة في المسجد، أو مكان بعيد
عُرْفاً. ولا يجوز جمعهما في وقت الثانية، لأنه ربما انقطع المطر، فيكون أخرج
الصلاة عن وقتها بغير عذر.
(٢) والأصل في وجوبها:
قوله
تعالى: "يَا أيُها الَّذينَ آمَنُوا إذَا نُوديَ لِلصَلاة مِنْ يَوم الجُمُعة
فَاسعَوا إلى ذكرِ الله وَذَرُوا البَيع ذَلِكُمُ خَيْرٌ لَكُمْ إن كُنْتم
تَعلَمُونَ" / الجَمعة: َ ٩ /.
وروى مسلم (٨٦٥) وغيره، عن أبي هريرة
وابن عمر رضي الله عنهما: أنَهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد
منبره: (لَيَنْتَهِيَن أقْوَام عَنْ وَدْعِهِمُ الجُمُعَاتِ، أوْ ليًخْتِمَن
اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ، ثُم لَيَكُونُن مِنَ الْغَافلينَ) .
[ودعهم:
تركهم] .
١ - الإسلام
٢ - والبلوغ
٣ -
والعقل
٤ - والحرية
٥ - والذكورية
٦ -
والصحة
٧ - والاستيطان [١].
وشرائط فعلها ثلاثة:
١
- أن تكون البلد مصراً أو قرية [٢]
٢ - وأن يكون العدد أربعين من أهل
الجمعة [٣]
٣ - وأن يكون
(١) أي الإقامة وعدم السفر، دل
على الشروط الثلاثة الأولى ما مر في أول كتاب الصلاة ودل على الأربعة الأخرى: ما
رواه الدارقطني (٢/ ٣) وغيره عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَوْم الآخِرِ فعَلَيْهِ الجُمعةُ، إلا امرأةَ
ومسافراً وعَبْداً ومَريضاً) .
وعند أبي داود (١٠٦٧) عن طارق بن شهاب
رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجُمُعَةُ حَق وَاجِبٌ عَلى
كُل مُسْلِمِ في جماعَةِ إلا أربعةَ: عبدٌ مملوكٌ أو امرأةٌ أو صبي أو مريضٌ)
.
(٢) لأن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يصلوها
إلا هكذا، وكانت قبائل الأعراب مقيمين حول المدينة وما كانوا يصلونها، وما أمرهم
النبي صلى الله عليه وسلم بها.
والمصر ما كان فيه سوق قائم وأمير
وقاض، وقيل غير ذلك.
(٣) وهم الذين تتوفر فيهم الشروط السابقة، ودل
على اشتراط العدد: ما رواه الدارقطني. (٢/ ٤) والبيهقي (٣/ ٧٧) عن جابر رضي الله
عنه قال: مَضَتِ السنةُ أن في كل أربعين فما فَوقَ ذلك جُمُعَةً.
وروى
أبو داود (١٠٦٩) وغيره، عن كعب بن مالك رضي الله عنه: أن أولَ مَن جمعِّ بهم
أَسْعدُ بن زرارة رضي الله عنه، وكانوا يومئذ أربعين.
الوقت باقيا [١]
فإن خرج الوقت أو عدمت الشروط صليت ظهراً.
وفرائضها ثلاثة:
١
- خطبتان يقوم فيهما
٢ - ويجلس بينهما [٢]
٣ - وأن تصلى
ركعتين [٣] في جماعة [٤].
وهيآتها أربع خصال:
١ - الغسل
وتنظيف الجسد
٢ - ولبس الثياب البيض
٣ - وأخذ الظفر
٤
- والطيب [٥].
(١) روى البخاري (٣٩٣٥) ومسلم (٨٦٠) عن سلمة بن الأكوع
رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعةَ، ثم نَنْصرفُ
وليس للحيطان ظِل نستظل فيه. وعندهما (٨٩٧، ٨٥٩) عن سهل بن سعد رضي الله عنه: ما
كنا نُقيلُ ولا نتَغَدى إلا بعد الجمعة.
[نقيل: من القيلولة، وهي
النوم وسط النهار للاستراحة] .
دل الحديثان على: أن الجمعة ما كانت
تصلى إلا وقت الظهر بل وفي أوله.
(٢) روى البخاري (٨٧٨) ومسلم (٨٦١)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ قائماً،
ثم يَقْعُدُ، ثم يقومُ، كما تفعلونَ الآنَ.
(٣) للإجماع، ولما رواه
النسائي (٣/ ١١١) وغيرِه، عن عمر رضي الله عنه أنه قال: صَلاةُ الجُمُعةِ
ركْعَتَانِ ... على لَسانِ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم.
(٤) لأنها لم
تصل في عصر النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين إلا كذلك.
ولما
رواه أبو داود (١٠٦٧) عن طارق بن شهاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة)
(٥) روى البخاري (٨٤٣)
وغيره عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا
يَغتَسِلُ رَجُل يومَ الجمعة، ويَتَطَهرُ ما استطاعَ من طهْر، ويَدهِنُ من
دُهْنِهِ، أو يَمَس من
ويستحب الإنصات في وقت الخطبة [١]
ومن
دخل والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين ثم يجلس [٢].
"فصل" وصلاة
العيدين سنة مؤكدة [٣] وهي
طيبِ بيْتِهِ، ثم يَخْرُج فلا يُفَرِّقُ
بينَ اثتين، ثم يصلِّي ما كُتبَ له، ُثم ينْصِتُ إذا تكَلمَ الإمَامُ، إلا غُفِرَ
له ما بينه وين الجمعةِ الأَخرى).
وعند أحمد (٣/ ٨١) : (وَلَبِسَ مِنْ
أحْسَن ثيَابهِ) . واختيرت البيض لخبر الترمذي (٩٩٤) وغيره: (الْبَسُوا مِن
ثياَبكمَ البياضَ فَإنَها مِنْ خَير ثيابكم، وكَفنُوا فيها مَوْتَاكم) .
وروى
البزار في مسنده: أَنه صلى الله عليه وسلم كان يقلم أظافره ويقص شاربه يوم
الجمعة. (وانظر ص ٢٥ حاشية ٢) .
(١) روى البخاري (٨٩٢) ومسلم (٨٥١)
وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا
قُلْتَ لصَاحِبِكَ يومَ الجمعةِ: أنصِتْ، والإمامُ يخطُبُ، فلَقدْ لَغَوْتَ) .
وعند
أبي داود (١٠٥١) . من رواية علي رضي الله عنه: (ومن لغا فليس له
في جمعته نلك شيء) أي لم يحصل ثوابها كاملاً. واللغو ما لا يحسن من الكلام.
(وانظر
الحاشية السابقة).
(٢) روى مسلم (٨٧٥) عن جابر رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلي الله عليه وسلم: (إذا جَاءَ أحَدُكُمْ يومَ الجمعةِ والإمامُ
يَخْطُبُ فَلْيركع رَكْعَتَين وَلْيَتَجَوَزْ فِيهِمَا) . أيَ يخففهما. وانظر
البخاري (٨٨٨) .
(٣) روى البخاري (٩١٣) ومسلم (٨٨٩) عن أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخْرج يومَ الفِطر
والأضْحَى إلى المصَلى، فأوَلُ شيء يبدَأ بِهِ الصلاةُ، ثم يَنصَرِف، فيقومُ
مقابلَ الناسِ، والناسُ جًلوسٌ على صُفوفِهم، فيعظهمْ ويُوصِيهِمْ ويَأمُرُهُم،
فإنْ كانَ يريدُ أنْ يَقْطعً بَعثاً قطعَهُ، أو يَأمرَ بشيء أمرَ به، ثم ينصرف.
يقطع بعثاً: يفرد جماعة يبعثهم للجهاد.
ركعتان [١] يكبر في الأولى
سبعاً سوى تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمساً سوى تكبيرة القيام [٢].
ويخطب
بعدها خطبتين: يكبر في الأولى تسعاً وفي الثانية سبعاً [٣].
ويكبر من
غروب الشمس من ليلة العيد إلى أن يدخل
(١) روى النسائي (٣/ ١١١)
وغيره، من حديث عمر رضي الله عنه أنه قال: وصلاةُ الفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وصلاةُ
الأضْحى ركْعَتانِ .. ثم قال: على لسانِ محمد صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا
الإجماع.
(٢) عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه: أن النبي صلى الله
عليه وسلم كبر في العيدين: في الأولى سبعاً قبلَ القراءةِ، وفي الآخرةِ خمساً
قبلَ القراءة. رواه الترمذي (٥٣٦) وقال: هو أحسن شيء في هذا الباب عن النبي صلى
الله عليه وسلم.
(٣) روى البخاري (٩٢٠) ومسلم (٨٨٨) عن ابن عمر رضي
الله عنهما قال: كانَ النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما
يصلون العيدْين قَبلَ الخُطْبَةِ.
وروى البخاري (٩٣٢) عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يومَ فِطْر أو أضْحَى، فصلَّى
ثم خَطب.
وروى الشافعي رحمه الله تعالى (الأم: ١/ ٢١١) عن عبيد الله
ابن عبد الله بن عتبة قال: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين، يفصل بينهما
بجلوس. وروى البيهقي (٣/ ٢٩٩) عنه قال: السنة أن تفتتح الخطبة بتسعِ تكبيرات
تَتْرَى، والثانية بسبعِ تكبيرات تَتْرَى. أي متتالية.
الإمام في
الصلاة [١]
وفي الأضحى: خلف الصلوات المفروضات من صبح يوم عرفة إلى
العصر من آخر أيام التشريق [٢]
"فصل" وصلاة الكسوف سنة مؤكدة فإن فاتت
لم تقض ويصلي لكسوف الشمس وخسوف القمر ركعتين في كل ركعة قيامان يطيل القراءة
فيهما وركوعان يطيل التسبيح فيهما دون السجود ويخطب بعدها خطبتين [٣].
(١)
لقوله تعالى: "وَلتُكْملوا الْعدةَ وَلتُكَبرُوا اللهَ عَلى مَا هَداكُمْ
وَلَعَلَكمْ تَشكُرُونَ" / البقرْةَ: ١٨٥ /. قالوا: هذا في تكبير عيد الفطر، وقيس
به الأضحى.
(٢) روى الحاكم (١/ ٢٩٩) عن علي وعمار رضي الله عنهما: أن
النبى صلى الله عليه وسلم كان يجْهَرُ في المكتوباتِ ببسم الله الرحمن الرحيم،
وكان يَقنُتُ في صلاة الفجر، وكان يكبَرُ من يوم عرفة، صلاةَ الغداة، ويقطعها
صلاةَ العصر آخر أيام التشريق. قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولا أعلم في رواته
منسوباً إلى الجرح. [صلاة الغداة: صلاة الفجر] .
وقال البخاري: وكان
عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل
الأسواق حتى تَرْتَج مِنىً تكبيراً. وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يكبر بمنى
تلك الأيامَ، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فُسْطاطه ومجلسه وممشاه، تلك الأيامَ
جميعاً. كتاب العيدين، باب التكبير أيام منىَ. [فسطاطه: بيته المتخذ من الشعر]
.
(٣) روى البخاري (٩٩٧) ومسلم (٩٠١) عن عائشة رضي الله عنها قالت:
خَسَفَتِ الشمسُ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلَّى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام،
وهو دون القيام الأوَّلَ، ثم ركع فأطال
ويسر في كسوف الشمس، ويجهر في
خسوف القمر [١].
"فصل" وصلاة الاستسقاء مسنونة [٢] فيأمرهم الإمام:
بالتوبة والصدقة والخروج من المظالم ومصالحة الأعداء
الركوع، وهو دونَ
الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في
الأولى، ثم انصرف وقد انْجَلَتِ الشمس، فخطب الناس، فحمِد الله وأثنى عليه، ثم
قال: (إن الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيتانِ مِنْ آياتِ اللهِ لا يَنخَسِفَان لِمَوْت
أحَد ولا لِحَيَاتِهِ، فإذَا رَأيتُم ذَلِكَ، فَادعُوا الله وكَبًّرُوا وصَلوا
وَتَصَدقوا) .
[خسفت: ذهب بعض ضوئها أو كله، ومثله كسفت. في عهد .. :
ووافق هذا يوم موت ولده إبراهيم عليه السلام. سجد: أي سجدتين.
لموت
أحد: وقد كانوا في الجاهلية إذا خسف أحدهما ظنوا أن عظيماً من العظماء قد مات.
انجلت: صفت وعاد نورها] .
(١) لما رواه الترمذي (٥٦٢) وقال: حسن صحيح،
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: صلّى بنا النبي صلى الله عليه وسلم في كسوف،
لا نسمع له صوتاً.
ولما رواه البخاري (١٠١٦) ومسلم (٩٠١) عن عائشة رضي
الله عنها: جَهَرَ النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته.
فحمل
الأول على صلاة كسوف الشمس لأنها نهارية، والثاني على صلاة خسوف القمر لأنها
ليلية.
(٢) روىَ البخاريَ (٩٦٦) ومسلم (٨٩٤) عن عبد الله بن زيد بن
عاصم رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم خَرَج إلى المصلى فاستَسقى،
فاستقبلَ التقبلَةَ وقَلبَ رداءه، وصلى ركعتي. وفي رواية عند البخاري: جهر فيهما
بالقراءة.
وصيام ثلاثة أيام [١]. ثم يخرج بهم في اليوم الرابع في ثياب
بذلة [٢]، واستكانة وتضرع [٣] ويصلي بهم ركعتين كصلاة العيدين [٤]، ثم يخطب
بعدهما [٥]،
(١) لأن لهذه الأمور أثراً في استجابة الدعاء كما ثبت في
الأحاديث، والمراد بالأعداء من كانت بينه وبينهم عداوة دنيوية من المسلمين.
(٢)
هكذا ضبطت في الشروح، أي ثياب المهنة والعمل التي لا عجب بها ولا خيلاء.
(٣)
روى ابن ماجه (١٢٦٦) وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم متواضعاً متبذلاً متَخَشعاً مرَسلاً مُتضرعاً، فصلى ركعتين كما
يصلي في العيد.
[متضرعاً: مظهراً للضراعة، وهي التذلل عند طلب الحاجة]
.
(٤) أي يكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً، لما رواه أبو دارد
(١١٦٥) والترمذي (٥٥٨) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد سئل عن صلاته صلى الله
عليه وسلم الاستسقاء فقال: وصلى ركعتين كما يصلي في العيد. وانظر: حا ٢ ص ٧٨. حا
٣ من هذه الصفحة.
(٥) روى ابن ماجه (١٢٦٨) عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي، فصلى بنا ركعتين بلا أذان
ولا إقامة ثم خطبنا ودعا الله، وحول وجهه نحو القبلة رافعاً يديه، تم قلب رداءه:
فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن.
ويستغفر في خطبتيه بدل
التكبيرات التي في خطبتي العيدين، لقوله تعالى: "استغفروا ربكم إنه كان غفاراً.
يرسلِ السماء عليكم مدراراً" / نوح:١٠ - ١١ /.
[مدراراً: كثير الدر أي
مطراً متتابعاً كثيراً] .
ويحول رداءه [١] ويكثر من الدعاء والاستغفار
[٢]، ويدعو بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: اللهم اجعلها سقيا رحمة ولا
تجعلها سقيا عذاب ولا محق ولا بلاء ولا هدم ولا غرق [٣] اللهم على الظراب والآكام
ومنابت الشجر وبطون الأودية اللهم حوالينا ولا علينا [٤] اللهم اسقنا غيثا مغيثا
هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً عاماً غدقاً طبقاً مجللا، دائما إلى يوم الدين [٥]
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين [٦] اللهم إن بالعباد والبلاد من الجهد
والجوع والضنك ما لا نشكو إلا إليك [٧] اللهم
(١) يقلبه: الأعلى أسفل
واليمين شِمالاً. تفاؤلاً أن يقلب الله تعالى الحال من جدب إلى خصب. انظر حاشية ٥
ص ٧٩.
(٢) انظر حاشية ٥ ص ٧٩.
(٣) مرسل، رواه الشافعي في
الأم: ١/ ٢٢٢.
(٤) رواه البخاري (٩٦٧) ومسلم (٨٩٧) .
[الظراب:
جمع ظَرِب وهو الجبل الصغير أو الرابية الصغيرة. الآكام: جمع أكَمَة وهي التراب
المجتمع، أو الهضبة الضَّخمة] .
(٥) رواه أبو داود (١١٦٩) وغيره.
[غيثاً:
مطراً. مغيثاً: منقذاً من الشدة. هنيئاً: طيباً لا ينغصه شيء.
مريئاً:
محمود العاقبة منمياً. مريعاً: مخصباً فيه الريع وهو الزيادة سحا:
شديد
الوقع على الأرض. غَدَقاً: كثيراً. طبقاً: مستوعباً لنواحي الأرض.
مجللاً:
محلل الأرض ويعمها. دائما: مستمراً نفعه إلى انتهاء الحاجة إليه] .
(٦)
الآيسين بتأخير المطر.
(٧) الجهد: المشقه. الضنك: الضيق والشدة.
أنبت
لنا الزرع وأدر لنا الضرع [١] وأنزل علينا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات
الأرض واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا
فأرسل السماء علينا مدراراً [٢].
ويغتسل في الوادي إذا سال [٣] ويسبح
للرعد والبرق [٤].
"فصل" وصلاة الخوف على ثلاثة أضرب:
١ -
أحدهما: أن يكون العدو في غير جهة القبلة فيفرقهم
(١) أدر: من الإدرار
وهو الإكثار، الضرع: يقال أضرعت الشاة أي نزل لبنها قبل النتاج، أي قبل وضعها
حملها.
(٢) للاتباع، رواه الشافعي في الأم: ١/ ٢٢٢. وانظر حا ٥ ص
٧٩.
(٣) لخبر الشافعي رحمه الله تعالى: أنه صلى الله عليه وسلم كان
إذا سال السيل قال: (اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طَهوراً، فنتطهَّر منه
ونحمدُ الله عليه) . (الأم: ١/ ٢٢٣)
وروى مسلم (٨٩٨) وغيره عن أنس رضي
الله عنه قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر ثوبه
حتي أصابه من المطر، فقلنا: لم صنعت هذا؟ قال: (لأنه حديث عهد بربَه تعالى) .
قال
النووي: معناه أن المطر رحمة، وهو قريب العهد بخلق الله تعالى لها، فيتبرك بها.
شرح مسلم: ٦/ ١٩٥.
(٤) لما رواه مالك في الموطأ (٢/ ٩٩٢) عن عبد الله
بن الزبير رضي الله عنهما: أنه كان إذا سمع الرعْدَ ترك الحديث وقال: سُبحانَ
الذي يسبح الرعْدُ بحمده والملائكةُ من خِيفته، ثم يتقول: إن هذا لوعَيد لأهل
الأرض شديد. لما ينذر به من نزول الصواعق والسيول ونحوها.
وهذا الدعاء
مقتبس من الآية (١٣) من سورة الرعد.
الإمام فرقتين: فرقة تقف في وجه
العدو وفرقة خلفه فيصلي بالفرقة التي خلفه ركعة ثم تتم لنفسها وتمضي إلى وجه
العدو وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بها ركعة وتتم لنفسها ويسلم بها [١].
٢
- والثاني: أن يكون العدو في جهة القبلة فيصفهم الإمام صفين ويحرم بهم فإذا سجد
سجد معه أحد الصفين ووقف الصف الآخر يحرسهم فإذا رفع سجدوا ولحقوه [٢].
٣
- والثالث: أن يكون في شدة الخوف والتحام الحرب فيصلي كيف أمكنه راجلا أو راكبا
مستقبل القبلة وغير مستقبل لها [٣].
(١) روى البخاري (٣٩٠٠) ومسلم
(٨٤٢) وغيرهما، عن صالح بن خَوَّات، عمن شَهِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
صلى يومَ ذَات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفة صفتْ معه، وطائفة وجاده العدو فصلى
بالتي معه ركعة ١٤، ثم ثبت قائماً، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا، فصفوا وجاهَ
العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، تم ثبت جالساً،
وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم.
(٢) روى البخاري (٩٠٢) عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس معه. فكبر وكبرواً معه،
وركع ناس منهم، ثم سجد سجدوا معه، ثم قام للثانية، فقام الذين سجدوا وحرسوا
لإخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى، فركعوا وسجدوا معه، والناس كلهم في صلاة، ولكن
يحرس بعضهم بعضاً.
(٣) قال تعالى: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
وقوموا لله قانتين. فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً فإذا أمنتم فاذكروا"
"فصل"
ويحرم على الرجال لبس الحرير والتختم بالذهب ويحل للنساء وقليل الذهب وكثيره في
التحريم سواء [١].
وإذا كان بعض الثوب إبريسما وبعضه قطنا أو كتانا
جاز لبسه ما لم يكن الإبريسم غالبا [٢].
الله كما علمكم ما لم تكونوا
تعلمون "/ البقرة: ٢٣٨، ٢٣٩ /."
[الوسطى: صلاة العصر. قانتين: خاشعين.
كما علمكم: أي أعمال الصلاة] .
روى البخاري (٤٢٦١) عن ابن عمر رضي
الله عنه، في وصفه صلاَة الخوف: فإن كان خوف هو أشد من ذلك، صلوا رجالاً قياماً
على أقدامهم أو ركباناً مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها. قال مالك: قال نافع: لا
أرىَ عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسو ل الله صلى الله عليه وسلم.
(١)
روى البخاري (٥١١٠) : مسلم (٢٠٦٧) عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم يقول: (لا تلبسوا الحرير ولا الديبَاج ... )
وروى
البخاري (٥٥٢٦) ومسلم (٢٠٨٩) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه
وسلم: أنَّه نَهى عن خَاتِمِ الذهَبِ.
وروى الترمذي (١٧٢٠) أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (حُرمَ لِبَاسُ الحريرِ والذهب على ذكور أمتي، وأحل
لإناثهم) .
(٢) روى البخاري (٥٤٩٠) ومسلم (٢٠٦٩) عن عمر رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبُسْ الحَرِيرِ إلا هكذا، وأشار بإ
صبعيه اللتين تليان الإبهام. قال - راوي الحديث - فيما علمنا أنه يعني الأعلام.
وهي الخطوط التى تكون على حواشي الثوب ونحوها.
الإبريسم: أحسن
الحرير.
"فصل" ويلزم في الميت أربعة أشياء:
١ - غسله
٢
- وتكفينه
٣ - والصلاة عليه
٤ - ودفنه [١]
واثنان
لا يغسلان ولا يصلي عليهما
١ - الشهيد في معركة المشركين [٢]
٢
- والسقط الذي لم يستهل صارخا [٣]
ويغسل الميت وترا ويكون في أول غسله
سدر وفي آخره شيء من كافور [٤]
(١) أجمع المسلمون على وجوب هذه الأمور
الأربعة وجوبا كفائيا، والدليل على لزومها الإجماع، المستند إلى ما ورد من
الأحاديث، التي سيأتي بعض منها في الباب.
(٢) لخبر البخاري (١٢٧٨) عن
جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في قَتْلى أُحُد بدفنهم في
دمائهم، ولم يغسلوا ولم يُصَل عليهم.
(٣) لحديث الترمذي (١٠٣٢) وغيره،
عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: (الطَفْل لا يُصَلَى
عليه ولا يَرِثُ ولا يورَثُ، حتّى يسْتَهل) .
وروى ابن ماجه (١٥٠٨) عن
جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اسْتهَل السقطُ
صُلَيِ عَليْهِ وَورِثَ) .
استهل: من الاستهلال وهو الصياح أو العطاس
أو حركة يعلم بها حياته
(٤) دل على ذلك: ما روى البخاري: (١٦٥) ومسلم
(٩٣٩) عن أم عطية الأنصارية قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن
نغَسلُ ابنته فقال: (اغْسلْنَهَا ثلاثاً أو خمساً أو أكثرَ منْ ذلك إن رأيْتُن،
بماء وسدر، واجعلنَ في الآخِرة كافوراً، أو شيئاً من كافور، وابدأن بِمَيَامنها
ومَوَاضِعِ الوُضُوء منهاَ) . [وتراً: عدداً مفرداً.
سدر: ورق مدقوق
لنوع من الشجر. كَافور: كمام النخل أي زهره] .
ويكفن في ثلاثة أثواب
بيض ليس فيها قميص ولا عمامة [١].
ويكبر عليه أربع تكبيرات [٢]
١
- يقرأ الفاتحة بعد الأولى [٣]
٢ - ويصلي على النبي صلى الله عليه
وسلم بعد الثانية [٤]
٣ - ويدعو للميت بعد الثالثة فيقول: اللهم هذا
عبدك وابن عبديك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحبائه فيها إلى ظلمة القبر
وما هو
(١) روى البخاري (١٢١٤) ومسلم (٩٤١) عن عائشة رضي الله عنها
قالت: كُفنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثَةِ أثْوَابٍ بِيض سحُوليةِ،
ليس فيها قميص ولا عمامَة.
[سحوليًة: ثياب بيض نقية لا تكَون إلاّ من
القطن، وقيل: نسبة إلى بلد باليمن] وانظر: ص ٧٤ حاشية ٥.
(٢) روى
البخاري (١١٨٨) ومسلم (٩٥١) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نَعَى النَّجَاشيَّ في اليوم الذي مات فيه، خَرَجَ إلى المُصَلَى، فصف
بهم، وكَبر أربعاً.
(٣) روى البخاري (١٢٧٠) عن طلحةَ بن عبد الله بن
عوف قال: صيت خلف ابن عباس رضي الله عنهما على جنازة، فقرأ بفاتحةِ الكتاب، فقال:
لِيَعْلموا أنَها سُنة.
(٤) روى الشافعي في مسنده والنسائي (٤/ ٧٥)
بإسناد صحيح عن أبي أمامة بن سهل رضي الله عنه: أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم: أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة
الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم،
ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات، ولا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سراً في نفسه.
[انظر هامش الأم: ٦/ ٢٦٥] .
لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا
شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به منا اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول
به وأصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له
اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحمتك رضاك وقه
فتنة القبر وعذابه وافسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبيه ولقه برحمتك الأمن من
عذابك وحتى تبعثه آمنا إلى جنتك يا أرحم الراحمين [١].
(١) هذه
الأدعية التقطها الشافعي رحمه الله تعالى من مجموع الأخبار، وربما ذكرها بالمعنى،
واستحسنها أصحابه. وأصح حديث في الباب ما رواه مسلم (٩٦٣) عن عوف بن مالك رضي
الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فسمعته يقول: (اللهم
اغْفِرْ لهُ وارْحمهُ وعافه واعفُ عنه، وأكْرِم نزلَهُ وَوَسعَ مدخَلَهُ، واغسله
بماء وثَلْجَ وبَرَد، ونقه من الخطايا كما ينَقّى الثوبُ الأبيض من الدنس،
وأبدلْهُ داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجَه، وقه
فتنةَ القبر وعذابَ النارِ) . قال عوف: فتمنيت أن لو كنت أنا الميَت، لدَعاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الميت.
[عافه: خلصه مما يكره] .
وما
رواه الترمذي (١٠٢٤) وأبو داود (٣٢٠١) عن أبي هريرة رضيِ الله عنه قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة قال (اللهُم اغفِرْ لحينَا وميتِنَا،
وشاهدنَا وغائبنَا، وَصغيرِنا وَكبيرنا، وَذَكًرِنَا وأنْثانَا، اللهم مَنَْ
أحييته مِنا فَأحيه عَلىَ الإسلام. ومن تَوفيتهُ منَا فَتوفه علىَ الإيمان.
٤
- ويقول بعد الرابعة: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله [١]
ويسلم
بعد الرابعة [٢].
ويدفن في لحد مستقبل القبلة [٣] ويسل من قبل رأسه
برفق [٤] ويقول الذي يلحده: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم [٥]
ويضجع في القبر بعد أن يعمق قامة وبسطة [٦].
(١) رواه أبو داود (٣٢٠١)
بلفظ: (ولا تضِلَّنَا بعدَه) .
(٢) روى البيهقي (٤/ ٤٣) بإسناد جيد،
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعَل
التسيلمَ على الجنازةِ مثلَ التسليم في الصلاة.
(٣) روى مسلم (٩٦٦) عن
سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه: أنه قال في مرض موته: ألحدوا لي لحداً، وانصبوا
علي اللبن نصباً، كما صُنعَ برسول الله صلى الله عليه وسلم.
واللحد هو
الشق تحت الجانب القبلي من القبر.
(٤) روى أبو داود (٣٢١١) بإسناد
صحيح: أن عبد الله بن يزيد الحَطْمي الصحابي، أدخل الحارث القبر من قبل رجلي
القبر، وقال: هذا من السنة.
(٥) رواه أبو داود (٣٢١٣) والترمذي (١٠٤٦)
وحسنه، عن ابن عمر رضي الله عنه: أن النبي صلِى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت
في القبر قال: (بسمِ الله، وعلى سُنة رسول اللهِ) .
(٦) أي قدر
ارتفاَع إنسان معتدلَ الطولَ رافع يديه إلى الأعلى. روى أبو داود (٣٢١٥) والترمذي
(١٧١٣) وقال: حسن صحيح، عن هشام بن عامر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال في قتلى أحد: (احفرُوا وأوْسعُوا وأحسنوا) .
ويسطح
القبر، ولا يبنى عليه ولا يجصص [١]. ولا بأس بالبكاء على الميت [٢] من غير نوح
ولا شق جيب [٣]
(١) للنهي عن هذا، روى مسلم (٩٦٩) وغيره: أن علي بن
أبي طالب رضي الله عنه، قال لأبي الهَياج الأسَدي: ألاَ أبْعَثُكَ على ما بَعثنَي
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنْ لا تَدعً تِمثالا إلا طَمَسْتَه.
ولا
قَبْراً مُشْرِفاً إلا سَويْتَهُ.
[تمثالاً: صورة والمراد هنا ما كان
لذي روح. طمسته: محوته أو درسته. مشرفاً: مرتفعاً. سويته: مع الأرض بارتفاع قليل]
.
وروى مسلم (٩٧٠) عن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنْ يُجصَصَ القبرُ، وأنْ يُقْعَدَ عليه، وأنْ يُبنْى عليه.
[يجصص:
يوضع عليه الجص، وهو ما يسمى بالجبصين، فما بالك بوضع الرخام ونحوه، ورفع القبر
وتزيينه، بعد هذا النهي الصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا شك أنه
حرام، لمخالفة السنَّة، وما فيه من إضاعة المال المنهي عنه شرعاً] .
(٢)
روى البخاري (١٢٤١) ومسلم (٢٣١٥، ٢٣١٦) : أنه صلى الله عليه وسلم بكى على ولده
إبراهيم قبل موته، لما رآه يجود بنفسه، وقال: (إن الْعَينَ تَدمعُ، والقَلْبَ
يَحْزَنُ، ولا نَقُولُ إلا مَا يُرْضي رَبنَا، وإنا بِفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ
لَمَحْزُونُونَ) .
وروى مسلم (٩٧٦) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
زارَ النبي صلى الله عليه وسلم قبرَ أمِّهِ، فبكى وأبْكى مَنْ حَوْلَهُ.
(٣)
النوح والنياحة كل فعل أو قول يتضمن إظهار الجزع: وينافي الانقياد والاستسلام
لقضاء الله تعالى، ومنه شق الجيوب ولطم الخدود ونحوها،
ويعزى أهله إلى
ثلاثة أيام من دفنه [١].
ولا يدفن اثنان في قبر إلا لحاجة [٢].
وكل
ذلك محرم في شرع الله عز وجل.
روى مسلم (٩٣٥) عن أبي مالك الأشعري رضي
الله عنه: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (النَّائحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ
قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يوْمَ الْقِيَامة وعليها سِرْبالٌ مِن قَطِرَان،
وَدِرعٌ مِنْ جَرَبٍ) .
أي يسلط على أعضائهَا الجرب والحكة بحيث يغطي
بدنها تغطية الدرع وهو القميص، وفي معناه السربال. والقطران نوع من صمغ الأشجار،
تطلى به الإبل إذا جربت.
وروى البخاري (١٢٣٢) عن عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ
الخُدُودَ، وَشق الجُيوبَ، ودعا بدعوى الجاهلية) .
[لطم: ضرب. الجيوب:
جمع جيب، وهو فتحة الثوب من جهة العنق، أي شق ثيابه من ناحية الجيب. بدعوى
الجاهلية: قال ما كان يقوله أهل الجاهلية، مثل: واعضداه، يا سند البيت، ونحوها]
.
(١) لما رواه ابن ماجه (١٦٠١) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه
قال: (مَا منْ مُسْلم يُعَزَي أخَاهُ بمصِيبَة إلا كَسَاهُ اللهُ مِنْ َحلل
الكَرَامَة يَوْمَ القِيَامَة) .
[يعَزِّي أخاه: يحثه على الصبر
ويواسيه بمثل قوله: أعظم الله أجرك] .
وتكره بعد ثلاثة أيام إلا
لمسافر، لأن الحزن ينتهي بها غالباً فلا يستحسن تجديده. كما يكره تكرارها،
والأولى أن تكون بعد الدفن لاشتغال أهل الميت بتجهيزه، إلا إن اشتد حزنهم
فتقديمها أولى، مواساة لهم.
(٢) روى البخاري (١٢٨٠) عن جابر بن عبد
الله رضى الله عنهما: أن صلى الله عليه وسلم كان يجْمعُ الرجُلينِْ من قتلى أحُد.