المؤلف: أ.د. عادل بن علي بن أحمد الشدِّي
أستاذ التفسير وعلوم القرآن جامعة الملك سعود
الناشر: دار الوطن للنشر والتوزيع المملكة العربية السعودية ـ المقر الرئيسي: الرياض
الطبعة: الطبعة الأولى
عدد الأجزاء: مجلد واحد
فهرس الموضوعات
- الفصل الثاني: التفسير العلمي بين الرفض والقبول:
- تمهيد
- المبحث الأول: أبرز المعارضين للتفسير العلمي وأدلتهم.
- المبحث الثاني: تحقيق موقف بعض من صنِّفوا معارضين للتفسير العلمي:
- المطلب الأول: أبو حيان الأندلسي.
- المطلب الثاني: محمد رشيد رضا.
- المطلب الثالث: محمد عبد العظيم الزرقاني.
- المطلب الرابع: سيد قطب.
- المبحث الثالث: أبرز المؤيدين للتفسير العلمي وأدلتهم:
- المبحث الرابع: الترجيح بين أدلة المانعين والمجيزين:
-
المراجع والمصادر
- العودة الي الكتاب : التفسير العلمي التجريبي للقرآن الكريم
الفصل الثاني: التفسير العلمي بين الرفض والقبول
وفيه تمهيد وأربعة مباحث:
تمهيد في التفسير بالرأي وعلاقته بالتفسير
العلمي.
المبحث الأول: أبرز المعارضين للتفسير العلمي وأدلتهم.
المبحث
الثاني: تحقيق موقف بعض من صنِّفوا معارضين للتفسير العلمي وفيه أربعة مطالب.
المبحث
الثالث: أبرز المؤيدين للتفسير العلمي وأدلتهم وفيه مطلبان.
المبحث الرابع:
الترجيح بين أدلة المانعين والمجيزين وفيه مطلبان.
تمـهيـد
التفسير العلمي نوع من أنواع التفسير بالرأي الذي يُراد به: «الكشف عن
معاني القرآن باجتهاد المفسِّر رأيه»( ).
ومعلوم ما جرى من الخلاف حول جواز
التفسير بالرأي أو تحريمه، وخلاصة ذلك تقسيم التفسير بالرأي إلى قسمين:
القسم
الأول: التفسير بالرأي المحمود وهو: اجتهاد المفسِّر الصادر عن علم أو غلبة ظن،
المستمد من القرآن والسنة مع علم صاحبه باللغة العربية وقواعد الشريعة.
فهذا
النوع من التفسير بالرأي جائز بل قد يكون مندوبًا إليه لأدلة منها:
1- كثرة
النصوص التي تحث على تدبر القرآن والاعتبار بآياته ولا يمكن حصول ذلك دون فهم
وإعمال للعقل ومن هذه النصوص:
أ- قوله تعالى: ﴿كِتٰبٌ اَنْزَلْنٰهُ اِلَيْكَ مُبٰرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوْٓا اٰيٰتِهٖ وَلِيَتَذَكَّرَ اُولُوا الْاَلْبَابِ﴾ [ص:
29].
ب- قوله تعالى: ﴿اَفَلَا يَتَدَبَّرُوۡنَ الۡقُرۡاٰنَؕ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِنۡدِ غَيۡرِ اللّٰهِ لَوَجَدُوۡا فِيۡهِ اخۡتِلَافًا كَثِيۡرًا﴾ [النساء: 82].
جـ-
قوله تعالى: ﴿اِنَّ فِيْ خَلْقِ السَّمٰوٰتِ وَالْاَرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَاٰيٰتٍ لِّاُولِى الْاَلْبَابِۙ﴾ [آل عمران:190].
2- دعاء النبي غ لابن
عباس ب بأن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل( ).
3- اختلاف الصحابة في
تفسير بعض الآيات على وجوه متعددة، فدل على جواز التفسير بالرأي عندهم.
القسم
الثاني: التفسير بالرأي المذموم: وهو الاجتهاد الصادر عن جهل أو هويً أو عنهما
معًا. وحكمه التحريم ومن الأدلة على ذلك:
1- أنه قولٌ على الله بغير علم.
وقد قال تعالى: ﴿ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [الإسراء:36]. وعدّه سبحانه من الفواحش المحرّمة
في قوله تعالى: ﴿قُلۡ اِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الۡـفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَ الۡاِثۡمَ وَالۡبَـغۡىَ بِغَيۡرِ الۡحَـقِّ وَاَنۡ تُشۡرِكُوۡا بِاللّٰهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهٖ سُلۡطٰنًا وَّاَنۡ تَقُوۡلُوۡا عَلَى اللّٰهِ مَا لَا تَعۡلَمُوۡنَ﴾ [الأعراف:33].
2- الوعيد الوارد في السنة
على القول في القرآن بالرأي: ومن ذلك:
أ- ما رواه الترمذي وأبوداود عن ابن
عباس ب أن النبي غ قال: «...ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار»(
).
ب- حديث: «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ»( ).
3- تحرج بعض
كبار الصحابة والسلف عن التفسير بالرأي: ومن ذلك:
أ- ما روي عن أبي بكر حين
سئل عن تفسير شيء من القرآن «أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في حرف في كتاب
الله بغير علم»( ).
ب- ما روي عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن تفسير
آية من القرآن سكت كأن لم يسمع شيئًا( ).
ولكن هل يدخل التفسير العلمي ضمن
التفسير بالرأي المحمود فيكون جائزًا أو المذموم فيكون محرمًا؟ اختلف العلماء في
هذه المسألة بين معارض ومؤيد على تفصيل سيتضح من خلال ما سيأتي.
* * *
المبحث الأول: أبرز المعارضين للتفسير العلمي وأدلتهم
انتقد بعض العلماء التفسير العلمي واختاروا المنع منه لما يؤدي إليه من
مفاسد في تفسير كلام الله تعالى، والذي يعنينا في هذا المقام ذكر أبرزهم دون
مناقشة حججهم وبيان مدى قوتها أو ضعفها فمن هؤلاء:
1- الإمام الشاطبي (ت 790هـ): وهو أشهر المعارضين للتفسير العلمي على الإطلاق، حيث قرر في كتابه (الموافقات) أن علم التفسير مطلوب فيما يتوقف عليه فهم المراد من الخطاب، فإذا كان المراد معلومًا فالزيادة على ذلك تكلُّف، ثم مثّل على ذلك بقوله تعالى: ﴿اَفَلَمۡ يَنۡظُرُوۡۤا اِلَى السَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ كَيۡفَ بَنَيۡنٰهَا وَزَ يَّـنّٰهَا وَمَا لَهَا مِنۡ فُرُوۡجٍ﴾ [ق:6] ، فمن فسّرها بعلم الهيئة فقد أتى عملًا غير سائغ، لأن ذلك مما لا تعرفه العرب وقت نزول القرآن، والقرآن إنما أُنزل على معهودهم.
ثم ذكر تكلُّف أهل العلوم الطبيعية وغيرها الاحتجاج على صحة الأخذ بعلومهم بآيات من القرآن، وأحاديث عن النبي غ، مثل احتجاج أهل العدد بقوله: ﴿قَالُوا۟ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْـَٔلِ ٱلْعَآدِّينَ﴾ [المؤمنون:113]. والهندسة بقوله: ﴿اَنْزَلَ مِنَ السَّمَاۤءِ مَاۤءً فَسَالَتْ اَوْدِيَةٌ ۢ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۗوَمِمَّا يُوْقِدُوْنَ عَلَيْهِ فِى النَّارِ ابْتِغَاۤءَ حِلْيَةٍ اَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهٗ ۗ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ اللّٰهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ەۗ فَاَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاۤءً ۚوَاَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْاَرْضِۗ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ اللّٰهُ الْاَمْثَالَ﴾ [الرعد: 17] ، وأهل التعديل النجومي بقوله: ﴿اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍۙ﴾ [الرحمن:5]( ).
2- محمود شلتوت شيخ الأزهر (ت 1964م): وقد طالب في مقدمة
تفسيره بتنزيه القرآن عن استنباط العلوم الكونية والمعارف النظرية الحديثة منه
احتفاظًا بقدسيته وجلاله.
ورأى أن هذا اللون من التفسير أفسد على أصحابه أمر
علاقتهم بالقرآن، وأفضى بهم إلى صور من التفكير لا يريدها القرآن، ولا تتفق مع
الغرض الذي من أجله أنزله الله.
وأشار إلى خطأ هذا التوجه لأن القرآن ليس
كتابًا لنظريات العلوم ودقائق الفنون، ولحمل هذا التوجه أصحابه على التكلُّف
المذموم، وتعريضه القرآن للدوران مع مسائل العلوم، وتحميله تبعات الخطأ في
المسائل العلمية( ).
3- أمين الخولي (ت 1965م): حيث ذكر أدلة الشاطبي في
الاعتراض على التفسير العلمي ثم أضاف إليها أدلة تؤيد المنع منه من نواحٍ
ثلاث:
أ- الناحية اللغوية: حيث تم تفسير ألفاظ القرآن من خلال التفسير
العلمي بمعانٍ وإطلاقات لم تُعرف لها أثناء نزول القرآن.
ب- الناحية
الأدبيَّة والبلاغيَّة: فكيف يخاطب الناس وقت نزول القرآن ويُتحدُّون بمعانٍ لم
تعرفها الدنيا إلا بعد نزول القرآن بقرون.
جـ- الناحية الدينيَّة أو
الاعتقادية: فكيف تؤخذ جوامع الطب والفلك والهندسة والكيمياء من القرآن، وهي
جوامع لا تنضبط بل تتغيّر سريعًا.
ثم ذكر أن الربط بين القرآن والحقائق
العلمية المختلفة ربما كان ضرره أكبر من نفعه خصوصًا وأن القرآن خطاب لعامة
الناس: العلماء والجهال، وهذا الخطاب العام لا تدخل فيه دقائق قوانين العلوم في
معادلات جبرية وأرقام حسابية( ).
وقد تبعه محمد حسين الذهبي فنقل عنه حججه
بنصها تقريبًا دون إشارة إليه( ).
4- محمد عزة دروزة: وقد أخذ على بعض
المفسرين محاولة استنباط النواميس العلمية والفنية واستخراج الأفلاك والمطر
وأطوار النشوء ونمو الأحياء وانفتاق الأرض والسماء والذرة والكهرباء... من بعض
الآيات القرآنية أو محاولة تطبيق النظريات العلمية والفنية على بعض الآيات
القرآنية، ومثّل على ذلك بتفسير طنطاوي جوهري، وانتقد تحويل القرآن من هدفه
الوعظيّ الدعويّ المقدس إلى الجدل والبحث العلمي التجريبي( ).
5- شوقي ضيف:
حيث وصف التفاسير التي خاضت في مباحث علمية بأنها جنحت عن الجادة لأن القرآن فوق
كل علم ومن الخطأ اتخاذه ذريعة لإثبات نظرية علمية في الطبيعة والعلوم الكونية
والفلكية، وبيَّن أنه ليس من رسالة القرآن أن يكون كتابًا تُستنبط منه النظريات
العلمية( ).
6- أحمد محمد جمال: حيث خطَّأ من سمّاهم: بعض المثقفين من
المسلمين، لمحاولتهم تطبيق بعض إشارات القرآن أو بعض لفتاته المعجزة على
الاكتشافات أو النظريات الحديثة، وهم يظنون أنهم يرفعون بذلك شأن القرآن بينما
يعرضونه بادعاءاتهم للتناقض والانتقاد والتعارض، ويضعونه دون موضعه من التقديس
والتصديق( ).
7- الدكتور صبحي الصالح: حيث انتقد ما أسماه (التوفيق العلمي
في الدراسات القرآنية)، ووصفه بأنه مدعاة إلى الزلل لدى أكثر الذين خاضوا فيه من
المعاصرين، ومثّل على ذلك بتفسير الجواهر لطنطاوي جوهري( ).
8- محمد كامل
حسين: حيث رأى أن التفسير العلمي للآيات الكونية دعوى لا دليل عليها، ولا حاجة
للمؤمنين بها، واتهم من يفسرون الآيات تفسيرًا علميًّا بضعف الإيمان فليس مقصودًا
بالآيات الكونية غير الوعظ.. وكل تعمق في تصويرها تصويرًا واقعيًا هو بدعة حمقاء(
).
9- الدكتور عبد المجيد المحتسب: أكّد على «أن القرآن الكريم ليس كتاب علم
مثل الكيمياء والذرة والهندسة.. إنما هو كتاب هداية ورحمة للناس»( )، واستدل على
موقفه المعارض للتفسير العلمي بالخلط الواقع بينه وبين علم إعجاز القرآن، وبخلو
السنة من الإشارة إلى العلوم المختلفة التي يذكرها أهل التفسير العلمي، وبأن
إثبات صدق القرآن لا يكون بالربط بينه وبين النظريات العلمية، بل بعجز العرب عن
الإتيان بمثله، واختلاف أسلوبه عن الحديث النبوي، واستدل بأن الأمر بالتدبر في
الكون إنما جاء لتهيئة الإنسان للإيمان، ولا يسوغ إطلاق العنان للعقل البشري في
بحث كل ما ورد في القرآن( ).
10- الدكتور علي عبد الواحد وافي عميد كلية
التربية بجامعة الأزهر سابقًا:
حيث وصف التفسير العلمي بأنه «جناية كبرى»،
ووصف أصحابه بأنهم أساءوا أبلغ الإساءة إلى الإسلام والقرآن( ) بسبب التعسف
وتحميل الألفاظ ما لا تحتمل وبسبب تعريض كلام الله للكذب والتكذيب، وتحويل القرآن
إلى كتاب يقرر النظريات العلمية على أنها عقائد دينية( ).
11- عبد الكريم بن
صالح الحميد: أنكر ربط الآيات القرآنية بمكتشفات العلم التجريبي، والزعم بأن ذلك
يدل على إعجاز القرآن، واعتبر ذلك من مجاراة الكفار والملاحدة فيما يزعمون أنهم
اكتشفوه وعرفوه، وعدَّ هذا التوجه فتنة عظيمة، ورأى أن القائلين به أقحموا آيات
القرآن قسرًا وقهرًا رغم عدم طوعيتها، والبون البعيد الفارق بينها وبين هذه
العلوم الدخيلة. وقد ألف في ذلك كتابًا سمّاه: (الفرقان في بيان إعجاز القرآن)
زادت صفحاته عن 470 صفحة، وقال في مقدمته: «والمراد من هذا الكتاب النظر في هذا
الطوفان الغامر المسمى: إعجاز القرآن العلمي، بزعم تصديق كلام الله وتصحيحه
وتأييده هذه النظريات التي يُطلق عليها اسم العلم، التي وفدت من ملاحدة أصّلوا
علومهم ونظرياتهم على جحود الخالق سبحانه»( ).
أبرز ما استدل به المعارضون
للتفسير العلمي:
يمكن تلخيص ما سبق من أدلة للمعارضين للتفسير العلمي على
النحو التالي:
1- التفسير العلمي تكلف، لأن المراد من
خطاب القرآن معلوم لدى السابقين، وما زاد على ذلك فهو تكلف منهي عنه.
2-
التفسير العلمي يجعل القرآن كتاب تفصيل لدقائق العلوم، وغرض القرآن أسمى من ذلك،
فهو كتاب هداية وإرشاد.
3- التفسير العلمي مدعاة للزلل
لدى أكثر من خاضوا فيه بتحميل النصوص ما لا تحتمل لموافقة الكشوفات العلمية
الحادثة.
4- التفسير العلمي بدعة جديدة لم تؤثر عن
الصحابة والسلف وأهل التفسير في القرون المفضلة.
5-
التفسير العلمي يعرِّض القرآن للتكذيب حين تنقض النظريات والفرضيات العلمية التي
يربطها أهل التفسير العلمي بالآيات القرآنية.
6- التفسير
العلمي يتجاوز بالألفاظ القرآنية حدود الاستعمال في معهود العرب وقت نزول الآيات
إلى معانٍ لم تكن معروفة لهم ذلك الوقت.
7- التفسير
العلمي يتنافى مع كون القرآن خطابًا للناس كافّةً العوّام والعلماء، فالعامي لا
يفقه القضايا العلمية التي يتعرض لها أهل التفسير العلمي.
8-
التفسير العلمي مفاسده أكبر من مصالحه، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
ملاحظات
عامة على أقوال المعارضين للتفسير العلمي:
وبعد استعراض أقوال أبرز
المعارضين للتفسير العلمي يجدر التأكيد على أمور منها:
أولًا: أن هؤلاء
المعارضين قد قدّموا خدمة كبرى للتفسير العلمي وأسهموا في تحسن مسيرته، نظرًا
لشدّة نقدهم وقوة معارضتهم حيث سعى أهل التفسير العلمي إلى تلافي الأخطاء التي
تنتقد عليهم، والتدقيق فيما يكتبونه، بدليل أن الكثير من المؤلفات المعاصرة في
التفسير العلمي تخلو من كثير من الملاحظات التي أبداها المعترضون.
ثانيًا:
أن تفسير الجواهر لطنطاوي جوهري كان سببًا واضحًا للموقف الرافض للتفسير العلمي
عند الكثير من المعترضين، بدليل كثرة ذكرهم له وتمثيلهم ببعض ما جاء فيه من
شطحات.
ثالثًا: تفاوت حجج المعارضين من حيث القوة والضعف، وليس المقصود هنا
هو الرد التفصيلي على الضعيف منها، لكن المقصود هو إثبات المعارضة لهذا اللون من
التفسير.
رابعًا: نقل اللاحق من المعارضين عن السابق، وكثرة ترداد الحجج
والأدلة بأساليب مختلفة مع حدّة العبارة أحيانًا، مما أطال الجدل وأوحى لبعض
الباحثين بشدّة الخصومة، وصعوبة الفصل فيها بين المؤيدين والمعارضين، مع أن
الواقع غير ذلك.
خامسًا: أن هناك مجموعة أخرى من المعارضين للتفسير العلمي
مثل الأستاذ عباس العقاد ـ المفكر والكاتب المشهور ـ، والأستاذ إسماعيل مظهر ـ
صاحب مجلة المصور ومحررها ـ، وقد عدّهما بعض الباحثين( ) ضمن المعارضين، لكنني لم
أذكرهما هنا لعدم تخصصهما في هذا المجال؛ لأن المقصود في مثل هذه الأبحاث التركيز
على أقوال أهل التخصص المرتبطين بالبحث العلمي.
سادسًا: تم تصنيف بعض
الأعلام من قبل بعض الباحثين المعاصرين على أنهم معارضون للتفسير العلمي دون
تمحيص لموقفهم الحقيقي، تأييدًا أو معارضة للتفسير العلمي، ثم تتابع الباحثون على
نقل هذا التصنيف حتى أصبح شبه مسلَّم به عند كثير من المتخصصين، ولذا فسوف أحاول
في المبحث التالي تحقيق موقف بعض من صُنّفوا معارضين للتفسير العلمي.
المبحث الثاني: تحقيق موقف بعض من صنِّفوا معارضين للتفسير العلمي
المطلب الأول: أبو حيَّان الأندلسي (ت 745هـ):
ذكر الدكتور فهد الرومي أبا حيان ضمن المعارضين للتفسير العلمي( ).
واستدل
على ذلك بنقل عنه ينتقد فيه الرازي في تفسيره ومما جاء فيه قول أبي حيان: «...
ونظير ما ذكره الرازي وغيره أن النحوي مثلًا يكون قد شرع في كتاب في النحو فشرع
يتكلم في الألف المنقلبة، فذكر أن الألف في [الله] أهي منقلبة من ياء أو واو، ثم
استطرد من ذلك إلى الكلام في الله تعالى فيما يجب له ويجوز عليه ويستحيل، ثم
استطرد من ذلك إلى إعجاز ما جاء به القرآن وصدق ما تضمنه، ثم استطرد إلى أن من
مضمونه البعث والجزاء بالثواب وبالعقاب، ثم المثابون في الجنة لا ينقطع نعيمهم
والمعاقبون في النار لا ينقطع عذابهم، فبينا هو في علمه يبحث في الألف المنقلبة
إذا هو يتكلم في الجنة والنار، ومَنْ هذا سبيلُه في العلم فهو من التخليط
والتخبيط في أقصى الدرجة»( ).
ثم علَّق الدكتور الرومي على هذا النقل بقوله
جازمًا:
«وذلكم رأيه لا أظنه بحاجة إلى بيان، يرفض هذا اللون ويرفض القول به
لا عجزًا عنه وإنما عمدًا وقصدًا لعدم الخروج عن حدود التفسير المقبول عنده»(
).
وحين نتأمل كلام أبي حيّان المتقدم فإننا لا نجد له تعلقًا برفض التفسير
العلمي ومعارضته بل هو ينتقد الاستطراد المؤدي إلى انتقال المؤلف من فن إلى فن
ومن علم إلى علم دون منهجية علمية ضابطه، ولذا فقد أردف أبو حيان كلامه المتقدم
بنقله عن شيخه أبي جعفر بن الزبير ما يؤكد ذلك المعنى فقال: «وكان أستاذنا
العلامة أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي ـ قدس الله تربته ـ يقول ما
معناه: متى رأيت الرجل ينتقل من فن إلى فن في البحث أو التصنيف فاعلم أن ذلك إما
لقصور علمه بذلك الفن، أو لتخليط ذهنه وعدم إدراكه حيث يظن أن المتغايرات
متماثلاث»( ).
المطلب الثاني: محمد رشيد رضا (ت 1354هـ):
ذكره الدكتور أحمد عمر أبو حجر ضمن أشهر المعارضين للتفسير العلمي في
العصر الحديث( ).
واستدل على ذلك بنقل ساقه عنه من مقدمة تفسير المنار قال
فيه رشيد رضا: «كان من سوء حظ المسلمين أن أكثر ما كتب في التفسير يشغل قارئه عن
مقاصد القرآن العالية وهدايته السامية فمنها ما يُشغل عن القرآن بمباحث الإعراب
وقواعد النحو... وقد زاد الفخر الرازي صارفًا آخر عن القرآن هو ما يورده في
تفسيره من العلوم الرياضية والطبيعيّة وغيرها من العلوم الحادثة في الملة على ما
كانت عليه في عهده كالهيئة الفلكية اليونانية وغيرها.
وقلّده بعض المعاصرين
بإيراد مثل ذلك من علوم هذا العصر وفنونه الكثيرة الواسعة فهو يذكر فيما يسميه
تفسير الآية فصولًا طويلة بمناسبة كلمة مفردة كالسماء والأرض من علوم الفلك
والنبات والحيوان تصد قارئها عمّا أنزل الله لأجله القرآن»( ).
ولم ينفرد
الدكتور أحمد أبو حجر بهذا التصنيف بل إن الدكتور محمد حسين الذهبي ذكر محمد رشيد
رضا تحت مبحث اختار له عنوان: (إنكار بعض العلماء المعاصرين لهذا اللون في
التفسير)( ).
وكذلك الدكتور عبد المجيد المحتسب فإنه عنون أحد مباحث كتابه
بقوله: إنكار محمد رشيد رضا للتفسير العلمي( ).
وبتتبع المواضع التي هي مظان
للتفسير العلمي في تفسير محمد رشيد رضا يصل الباحث إلى نتيجة مغايرة لما سبق
تقريره من بعض الباحثين فإن محمد رشيد رضا لم يكن معارضًا للتفسير العلمي، بل لقد
استخدمه في مواضع متعددة من تفسيره، لكنه كان يرفض أن تطغى مباحث التفسير العلمي
بحيث تشغل قارئ التفسير عن الهدف الأسمى للقرآن وهو الهداية وينتقد الإطالة في
مباحث العلوم الطبيعيّة بمناسبة كلمة أو كلمتين من مفردات القرآن وهو يشير بذلك
إلى صنيع طنطاوي جوهري وإن لم يصرح باسمه.
وسوف أقتصر هنا على بعض الأمثلة
من تفسير المنار التي وردت بعد تفسير الآية رقم 126من سورة النساء، للتأكيد على
انفراد محمد رشيد رضا بها حيث أن ما كان يكتبه من درس شيخه محمد عبده قد توقف فيه
عند الآية المذكورة.
المثال الأول: في تفسير قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِيْ جَعَلَ لَكُمُ النُّجُوْمَ لِتَهْتَدُوْا بِهَا فِيْ ظُلُمٰتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْاٰيٰتِ لِقَوْمٍ يَّعْلَمُوْنَ﴾ [الأنعام:97]. تعرض محمد رشيد رضا للنجوم ثم ذكر علم الهيئة الفلكية الذي
يُعرف به من آيات قدرة الله وعلمه وحكمته ما لا يعرف من علم آخر، وذكر أن هذا
العلم قد اتسع في عصره بما استحدثه أهله من المراصد المقربة للأبعاد، والآلات
المحللة للنور التي يُعرف بها سرعة سيره وأبعاد الأجرام السماوية بعضها من بعض،
ومساحة الكواكب وكثافتها والمواد المؤلفة منها، وربط ذلك كله بالاهتداء بالنجوم
ثم اقتبس كلامًا علميًّا متخصصًا عن علماء الهيئة في أبعاد بعض النجوم الثوابت
التي هي شموس من جنس شمسنا، وعلل ذلك الاقتباس بمعرفة سعة ملك الله تعالى وقدر
علمه عزَّ وجلَّ( ).
المثال الثاني: في تفسير قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِيْ يُرْسِلُ الرِّيٰحَ بُشْرًاۢ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهٖۗ حَتّٰٓى اِذَآ اَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنٰهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَاَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاۤءَ فَاَخْرَجْنَا بِهٖ مِنْ كُلِّ الثَّمَرٰتِۗ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتٰى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ﴾ [الأعراف:57].
أشار محمد رشيد رضا إلى نعمة الله على الخلق بالهواء
والرياح وكون الهواء عنصر الحياة للحيوان والنباتات، وذكر تركيب الهواء وعناصره
وامتصاص النبات الكربون السام من الهواء وتغذّيه به وتركه الأكسجين للحيوان الذي
به حياته ثم أنشد من نظمه في النباتات:
تختلج الكربون من ضرع الهوى
تؤثـرنـا بالأكسجــين المنتقـى
وبعد أن
استطرد في ذكر منافع الهواء للمخلوقات عرّج على الرياح فذكر أنواعها وتياراتها
وفوائدها بكلام يندرج ضمن التفسير العلمي( ).
المثال الثالث: في تفسير قوله
تعالى: ﴿ فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾ [الدخان:10]. ذكر أنه يصح التعبير بالدخان عن العناصر
البسيطة للبخار والدخان كالأيدروجين وهو مولد الماء، والأكسجين وهو مولد النار،
والاسم العرفي لجنس هذه البسائط الغاز( ).
ثم قال: «فإن قيل إن آخر ما انكشف
للبشر من علم التكوين في هذا القرن أن المنشأ الأول للخلق الذي كان قبل وجود
الحيوان والنبات وما يسمى بالجماد من طبقات الأرض هو اتحاد ذراته الكهربائية
الإيجابية بالسلبية المعبر عنهما في لغة العلم (بالإلكترون والبروتون) فهل لهذا
من أصل من القرآن العظيم؟ فقلت: نعم إن هذان إلا زوجان منتجان» ثم ربط ذلك الكشف
العلمي بقوله تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ﴾ [الذاريات:49]، وعقب بقوله: «وأبلغ من هذا
في العموم وأدهش لأولي الألباب والفهوم وأعظم عبرة للمشتغلين في العلوم قوله عزَّ
وجلَّ: ﴿سُبۡحٰنَ الَّذِىۡ خَلَقَ الۡاَزۡوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنۡۢبِتُ الۡاَرۡضُ وَمِنۡ اَنۡفُسِهِمۡ وَمِمَّا لَا يَعۡلَمُوۡنَ﴾ [يس:36]. فهو يشمل الكهربائية وغيرها مما علم
ومما قد يُعلم في المستقبل»( ).
كما أن محمد رشيد رضا قد استخدم التفسير
العلمي عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَالْاَرْضَ مَدَدْنٰهَا وَاَلْقَيْنَا فِيْهَا رَوَاسِيَ وَاَنْۢبَتْنَا فِيْهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُوْنٍ﴾ [الحجر:19].
وقوله تعالى: ﴿وَاَرْسَلْنَا الرِّيٰحَ لَوَاقِحَ فَاَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاۤءِ مَاۤءً فَاَسْقَيْنٰكُمُوْهُۚ وَمَآ اَنْتُمْ لَهٗ بِخٰزِنِيْنَ﴾
[الحجر:22].
وقوله تعالى: ﴿وَالشَّمۡسُ تَجۡرِىۡ لِمُسۡتَقَرٍّ لَّهَا ؕ ذٰلِكَ تَقۡدِيۡرُ الۡعَزِيۡزِ الۡعَلِيۡمِؕ﴾ [يس:38].
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِيْ يُرْسِلُ الرِّيٰحَ بُشْرًاۢ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهٖۗ حَتّٰٓى اِذَآ اَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنٰهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَاَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاۤءَ فَاَخْرَجْنَا بِهٖ مِنْ كُلِّ الثَّمَرٰتِۗ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتٰى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ﴾
[الأعراف:57]. وغيرها من المواضع.
وبهذا نصل إلى نتيجة مؤداها عدم معارضة
محمد رشيد رضا للتفسير العلمي وخطأ تصنيفه ضمن المعارضين.
المطلب الثالث: محمد عبد العظيم الزرقاني (ت 1367هـ):
ذكره الدكتور أحمد أبو حجر ضمن أشهر المعارضين للتفسير العلمي في العصر
الحديث، واستدل على ذلك بقول الزرقاني: «القرآن كتاب هداية وإعجاز، وعلى هذا فلا
يليق أن نتجاوز به حدود الهداية والإعجاز حتى إذا ذكر فيه شيء من الكونيات فإنما
ذلك للهداية ودلالة الخلق على الخالق، ولا يقصد القرآن مطلقًا في ذكر هذه
الكونيات أن يشرح حقيقة علمية في الهيئة والفلك أو الطبيعة والكيمياء... ولا أن
يزيد في علم الطب بابًا ولا في علم التشريح فصلًا ولا أن يتحدث عن علم الحيوان أو
النبات أو طبقات الأرض»( ).
ثم انتقد الزرقاني الذين: «طاب لهم أن يتوسعوا
في علوم القرآن ومعارفه فنظموا في سلكها ما بدا لهم من علوم الكون وهم في ذلك
مخطئون ومسرفون»( )، ورأى الزرقاني أنه لا حاجة لهذا التوسع فقال: «ولا أحب أن
نتوسع في هذا فبين أيدينا أمثلة كثيرة ومؤلفات جمة تموج وتضطرب باستنباط علوم
الكون من القرآن أو بتفسير القرآن وشرحه بعلوم الكون مما لا نرى حاجة إليه»(
).
والذي يظهر بعد التأمل أن قصد الزرقاني انتقاد الاستغراق في هذا اللون من
التفسير ومحاكمة القرآن بحقائقه النهائية إلى العلوم المادية، ولذا فقد تساءل بعد
كلامه المتقدم قائلًا: «فهل يليق بعد ذلك أن نحاكم القرآن إلى هذه العلوم المادية
القلقة، بينما القرآن هو تلك الحقائق الإلهية القارة الثابتة.
إن القرآن لا
يفر من وجه العلم، ولكنه يدعو إليه ويقيم بناءه عليه وليس من الحكمة والإنصاف أن
نحاكم المعارف العليا إلى المعارف الدنيا»( ).
أما مجرد التفسير العلمي الذي
لا استغراق فيه بحيث يطغى على هداية النص القرآنيّ ولا تعظيم له بحيث يصبح حاكمًا
على النص القرآني، فإن الزرقاني لا يرفضه بدليل سياقه مثالين مقبولين عنده في
التفسير العلمي:
المثال الأول: في قوله تعالى: ﴿اَلَمْ تَرَ اَنَّ اللّٰهَ يُزْجِيْ سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهٗ ثُمَّ يَجْعَلُهٗ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلٰلِهٖۚ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاۤءِ مِنْ جِبَالٍ فِيْهَا مِنْۢ بَرَدٍ فَيُصِيْبُ بِهٖ مَنْ يَّشَاۤءُ وَيَصْرِفُهٗ عَنْ مَّنْ يَّشَاۤءُۗ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهٖ يَذْهَبُ بِالْاَبْصَارِ﴾ [النور:43].
قال الزرقاني: «فهذا النص الكريم يتفق مع أحدث النظريات
العلمية في الظواهر الطبيعيّة من سحاب ومطر وبرق»( ).
والمفارقة هنا أنه ربط
الآية القرآنية بما أسماه: أحدث النظريات العلمية مع أنه كان ينتقد ربط القرآن
بالعلوم الكونية لأنها: «خاضعة لطبيعة الجزر والمدّ، وأن أبحاثًا كثيرة لا تزال
قلقة حائرة بين إثبات ونفي»( ).
المثال الثاني: في قوله تعالى: ﴿ اَيَحْسَبُ الْاِنْسَانُ اَلَّنْ نَّجْمَعَ عِظَامَهٗ بَلٰى قَادِرِيْنَ عَلٰٓى اَنْ نُّسَوِّيَ بَنَانَهٗ﴾ [القيامة:3-4] قال الزرقاني: «أرجو أن تقف قليلًا عند تخصيص البنان بالتسوية في هذا المقام، ثم تستمع بعد ذلك إلى علم تحقيق الشخصية في عصرنا الأخير، وهو يُقرر أن أدق شيء وأبدعه في بناء جسم الإنسان هو تسوية النبان، حتى إنه لا يمكن أن تجد بنانًا لأحد يشبه بنان آخر بحال من الأحوال، وقد انتهوا من هذا إلى أن حكموا البنان في كثير من القضايا والحوادث ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظٰمًا فَكَسَوْنَا الْعِظٰمَ لَحْمًا ثُمَّ اَنْشَأْنٰهُ خَلْقًا اٰخَرَۗ فَتَبَارَكَ اللّٰهُ اَحْسَنُ الْخَالِقِيْنَۗ﴾( ) [المؤمنون:14].
فهذان المثالان يؤكدان على خطأ تصنيف الزرقاني ضمن المعارضين
للتفسير العلمي، لأنه يستخدمه ولا يرى بأسًا من الربط بين الآيات ومكتشفات العلم
الحديثة إذا لم تجعل هذه الكشوف حاكمة على النص القرآني، وإذا لم تحل هذه المباحث
دون إدراك هداية القرآن وإرشاده.
ويرى الزرقاني استخدام التفسير العلمي
للوصول إلى الإعجاز العلمي، لأن حديث القرآن عن الكون والأرض والبحر والحيوان
والنبات كان حديث العليم بأسرارها، الخبير بدقائقها مع أن رسول الله غ كان
أميًّا، فأنّى يكون له ذلك السجل الجامع لتلك المعارف كلها، إن لم يكن تلقاه من
لدن حكيم عليم؟! وذكر أن قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُوْا مِنْ قَبْلِهٖ مِنْ كِتٰبٍ وَّلَا تَخُطُّهٗ بِيَمِيْنِكَ اِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُوْنَ﴾ [العنكبوت:48]
فيه تقرير لهذا الإعجاز العلمي( ).
المطلب الرابع: سيد قطب (ت 1378هـ):
يكاد الباحثون يجمعون على معارضة سيد قطب للتفسير العلمي، ومنهم د. فهد
الرومي( ) ود. محمد لطفي الصباغ( ). ود. أحمد عمر أبو حجر( ) ومحمد الأمين ولد
الشيخ( )وغيرهم كثير.
والعجيب أن هؤلاء جميعًا يعتمدون على نص واحد مطول
لسيد قطب في الظلال ساقه أكثرهم بنصه على طوله وجاء هذا النص أثناء تفسيره قول
الله تعالى: ﴿يَسۡـــَٔلُوۡنَكَ عَنِ الۡاَهِلَّةِ ؕ قُلۡ هِىَ مَوَاقِيۡتُ لِلنَّاسِ وَالۡحَجِّ ؕ وَلَيۡسَ الۡبِرُّ بِاَنۡ تَاۡتُوا الۡبُيُوۡتَ مِنۡ ظُهُوۡرِهَا وَلٰـكِنَّ الۡبِرَّ مَنِ اتَّقٰىۚ وَاۡتُوا الۡبُيُوۡتَ مِنۡ اَبۡوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللّٰهَ لَعَلَّکُمۡ تُفۡلِحُوۡنَ﴾ [البقرة:189].
وكانت بدايته محاولة من سيد
قطب لبيان سبب عدول النص عن الإجابة العلمية النظرية على هذا السؤال عن الأهلة ـ
وهي الإجابة التي لم تتهيأ لها البشرية في ذلك الوقت ـ والاكتفاء ببيان كون
الأهلة مواقيت للناس والحج، وهي ثمرة عملية مفيدة للسائل.
ثم دخل سيد قطب من
هذا الباب إلى بيان أن القرآن أكبر من تلك المعلومات العلمية الجزئية، وأنه لم
يجئ ليكون كتاب علم فلكي أو كيماوي أو طبي، معرِّجًا على أن نتائج البحث العلمي
ليست نهائية ولا مطلقة، وتعجّب من «سذاجة المتحمسين لهذا القرآن الذين يحاولون أن
يضيفوا إليه ما ليس منه، وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه، وأن يستخرجوا منه
جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها.. كأنما ليعظموه بهذا
ويكبّروه».
ورأى أنه من الخطأ المنهجي «أن نعلق الحقائق النهائية القرآنية
بحقائق غير نهائية وهي كل ما يصل إليه العلم البشري، هذا بالقياس إلى الحقائق
العلمية والأمر أوضح بالقياس إلى النظريات والفروض التي تسمى علميّة، ومن هذه
النظريات والفروض كل النظريات الفلكية وكل النظريات الخاصة بنشأة الإنسان
وأطواره».
ويرى أن هذه المحاولات إضافة إلى كونها خطًا منهجيًّا فهي تنطوي
على ثلاثة أمور:
الأول: الهزيمة الداخلية التي تخيِّل للبعض أن العلم هو
المهيمن والقرآن تابع.
الثاني: سوء الفهم لطبيعة القرآن ووظيفته.
الثالث:
التأويل المستمر المتكلف لنصوص القرآن لحملها على الفروض والنظريات التي لا تستقر
ولا تثبت( ).
وحين يقصر الباحث نظره على هذا النص، فقد يترجح عنده معارضة
سيد قطب للتفسير العلمي لكن نظرة فاحصة إلى المواضع التي هي مظنة التفسير العلمي
أوصلت إلى نتيجة مغايرة فقد استخدم سيد قطب التفسير العلمي في خمسة وعشرين موضعًا
وقف عليها الباحث( ) .
ولئن كان الدكتور فهد الرومي قد أشار إلى أن تأييد
سيد قطب النظري للانتفاع بالكشوف العلمية في توسيع مدلول الآيات القرآنية
وتعميقها لا يعدّ قبولًا للتفسير العلمي فإن هذا لا يترجح لأمرين:
أولهما:
كثرة الأمثلة العملية التي مارس فيها سيد قطب التفسير العلمي بذات الطريقة التي
مارس بها بقية المفسرين تفسيرًا علميًّا من خلال ذكر الكشوفات العلميّة أثناء
شرحهم لمعاني الآيات، واستخدام ذلك في زيادة إيضاح المعنى وتوسيع الدلالة بل إن
سيد قطب قد نص في أحد المواضع على أن ما ذكره من الكشوفات العلمية حول «كروية
الأرض ودورانها يفسِّر التعبير القرآني: ﴿خَلَقَ السَّمٰوٰتِ وَالْاَرْضَ بِالْحَقِّۚ يُكَوِّرُ الَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَۗ كُلٌّ يَّجْرِيْ لِاَجَلٍ مُّسَمًّىۗ اَلَا هُوَ الْعَزِيْزُ الْغَفَّارُ﴾ [الزمر:5]. تفسيرًا
أدق من أي تفسير لا يستصحب هذه النظرية»( ).
وسيأتي هذا المثال بعد قليل.
الثاني:
أن توسيع دلالة الآيات القرآنية وتعميقها من جملة تفسيرها فإن التفسير يُراد به
إيضاح المعنى، ودرجة الإيضاح تزداد إذا قام ا لمفسِّر بتوسيع دلالة الآيات،
وتعميق هذه الدلالة وزيادة إقناع القارئ بالدلالة التي توصل إليها في تفسيره
وربطها بالنص القرآني.
والواقع أن سيد قطب في النص المطول الذي اعتمد عليه
القائلون بمعارضته للتفسير العلمي قد فتح بابًا لقبول التفسير العلمي بعد انتقاده
سذاجة المتحمسين لربط القرآن بالكشوفات العلمية حيث قال مباشرة بعد هذا الانتقاد:
«لكن هذا لا يعني ألاَّ ننتفع بما يكشفه العلم من نظريات ومن حقائق عن الكون
والحياة والإنسان في فهم القرآن.. كلا إن هذا ليس هو الذي عنينا بذلك البيان.
ولقد قال الله سبحانه: ﴿ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ﴾ [فصلت:53]. ومن مقتضى هذه الإشارة
أن نظل نتدبر كل ما يكشفه العلم في الآفاق وفي الأنفس من آيات الله، وأن نوسع بما
يكشفه مدى المدلولات القرآنية في تصورنا»( ).
وكان يمكن لمن صنفوه معارضًا للتفسير العلمي أن يلجوا من هذا الباب الذي فتحه لهم من خلال النص السابق فينظروا في الممارسة العملية لسيد قطب هل تؤيد قولهم بمعارضته للتفسير العلمي أم تنقضه، لاسيما وقد زاد سيد قطب الأمر وضوحًا بمثالين حول قوله تعالى: ﴿ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [يس:38]، وقوله تعالى: ﴿اَوَلَمْ يَرَ الَّذِيْنَ كَفَرُوْٓا اَنَّ السَّمٰوٰتِ وَالْاَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنٰهُمَاۗ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاۤءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّۗ اَفَلَا يُؤْمِنُوْنَ﴾ [الأنبياء:30]، وعقب عليهما بقوله: «وحسبنا هذا الاستطراد بهذه المناسبة فقد أردنا به إيضاح المنهج الصحيح في الانتفاع بالكشوف العلمية في توسيع مدلول الآيات القرآنية وتعميقها، دون تعليقها بنظرية خاصة أو بحقيقة علمية خاصة تعليق تطابق وتصديق... وفرق بين هذا وذاك»( ).
ويتضح
من خاتمة هذا النص أن سيد قطب إنما ينتقد تعليق الآيات القرآنية بالنظريات، أو
حتى الحقائق العلمية، بحيث تكون هذه النظريات أو الحقائق هي الأساس في التصديق،
فيكون العلم مهيمنًا والقرآن تابعًا له، أما استخدام هذه الكشوفات العلمية في
توسيع مدلول الآيات وتعميقها والانتفاع بها في هذا المجال فإنه لا يرى به
بأسًا.
ولا شكَّ أن الأمثلة التطبيقية توضح استخدام سيد قطب للتفسير العلمي
وخطأ تصنيفه ضمن المعارضين كما سيتضح من خلال الأمثلة التالية:
المثال
الأول: عند قوله تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمٰوٰتِ وَالْاَرْضَ بِالْحَقِّۚ يُكَوِّرُ الَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَۗ كُلٌّ يَّجْرِيْ لِاَجَلٍ مُّسَمًّىۗ اَلَا هُوَ الْعَزِيْزُ الْغَفَّارُ﴾
[الزمر:5].
قال سيد قطب: «فقد اتضح أن الكون المعروف للبشر مؤلف كله من ذرات
متحدة في ماهيتها وأنها بدورها تتألف من إشعاعات ذات طبيعة واحدة، وقد اتضح كذلك
أن جميع الذرات وجميع الأجرام التي تتألف منها.. في حركة دائمة وأن هذه الحركة
قانون ثابت لا يتخلف لا في الذرة الصغيرة ولا في النجم الهائل... مع أنني في هذا
الظلال حريص على ألا أحمل القرآن على النظريات التي يكشفها الإنسان لأنها نظريات
تخطئ وتصيب.. مع هذا الحرص فإن هذا التعبير يقسرني قسرًا على النظر في موضوع
كروية الأرض، فالأرض الكروية تدور حول نفسها في مواجهة الشمس، فالجزء الذي يواجه
الشمس من سطحها المكور يغمره الضوء ويكون نهارًا، ولكن هذا الجزء لا يثبت؛ لأن
الأرض تدور كلما تحركت بدأ الليل يغمر السطح الذي كان عليه النهار، وهذا السطح
مكور فالنهار كان عليه مكورًا والليل يتبعه مكورًا كذلك... وهكذا في حركة دائبة
﴿ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾، واللفظ يرسم الشكل ويحدد الوضع ويبين نوع طبيعة الأرض
وحركتها، وكروية الأرض ودورانها يفسران هذا التعبير تفسيرًا أدق من أي تفسير آخر
لا يستصحب هذه النظرية( ).
ولا أظن أن هناك ما هو أوضح من هذا المثال على
استخدام سيد قطب للتفسير العلمي ونصه على كون كروية الأرض ودورانها يصلح تفسيرًا
دقيقًا للتعبير القرآني في الآية.
المثال الثاني: عند قوله تعالى: ﴿وَالشَّمۡسُ تَجۡرِىۡ لِمُسۡتَقَرٍّ لَّهَا ؕ ذٰلِكَ تَقۡدِيۡرُ الۡعَزِيۡزِ الۡعَلِيۡمِؕ﴾ [يس:38].
أشار إلى أن الشمس تجري بسرعة حسبها الفلكيون باثني
عشر ميلًا في الثانية ثم قال: «وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف
لحجم أرضنا هذه وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء لا يسندها شيء،
ندرك طرفًا من صفة القدرة التي تصرف هذا الوجود عن قوة وعن علم»( ).
فقد
اعتمد هنا على حساب الفلكين بسرعة حركة الشمس في إيضاح معنى جريانها المذكور في
الآية، وهذا تفسير علمي، تم اعتمد على قول الفلكيين في زيادة حجم الشمس عن حجم
الأرض بمليون ضعف وهذا كله من التفسير العلمي.
المثال الثالث: عند قوله
تعالى: ﴿يٰٓاَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوْا لَهٗ ۗاِنَّ الَّذِيْنَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ لَنْ يَّخْلُقُوْا ذُبَابًا وَّلَوِ اجْتَمَعُوْا لَهٗ ۗوَاِنْ يَّسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْـًٔا لَّا يَسْتَنْقِذُوْهُ مِنْهُۗ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوْبُ﴾ [الحج:73].
قال سيد قطب: «وقد اختير الذباب بالذات
وهو ضعيف حقير وهو في الوقت ذاته يحمل أخطر الأمراض، ويسلب أغلب النفائس، يسلب
العيون والجوارح وقد يسلب الحياة والأرواح، إنه يحمل ميكروب السل والتيفود
والدوسنتاريا والرمد ويسلب ما لا سبيل إلى استنقاذ وهو الضعيف الحقير»( ).
وقد
حاول هنا شرح الحكمة من اختيار الذباب بالذات في هذا النص القرآني للدلالة على
ضعف من يدعون من دون الله، فلجأ إلى ما اكتشفه علم الطب الحديث من حمل الذباب
لميكروبات بعض الأمراض المكتشفة حديثًا، وهذا تفسير علمي.
المثال الرابع: عند قوله تعالى: ﴿اَلشَّمۡسُ وَالۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٍ﴾ [الرحمن:5].
استطرد سيد قطب كثيرًا في ذكر الأرقام
التي يذكرها علماء الفلك ليدلك على دقة التقدير الإلهي وعظمته، كما ورد في هذه
الآية فذكر أن الشعري اليمانية أثقل من الشمس بعشرين مرّة، وأن نورها يعادل خمسين
ضعف نور الشمس، وسهيل أقوى من الشمس بألفين وخمسمائة مرّة، ثم تناول طرفًا من
الحساب الدقيق في علاقة الشمس والقمر بكوكبنا الأرض فقال: «إن الشمس تبعد عن
الأرض باثنين وتسعين ونصف مليون من الأميال، ولو كانت أقرب إلينا من هذا لاحترقت
الأرض أو انصهرت أو استحالت بخارًا يتصاعد في الفضاء، ولو كانت أبعد منا لأصاب
التجمد والموت ما على الأرض من حياة... وكذلك القمر في حجمه وبعده عن الأرض فلو
كان أكبر من هذا لكان المد الذي يحدثه في بحار الأرض كافيًا لغمرها بطوفان يعم ما
عليها وكذلك لو كان أقرب مما وضعه الله بحسبانه الذي لا يخطئ مقدار شعرة»( ).
*
* *
المبحث الثالث: أبرز المؤيدين للتفسير العلمي وأدلتهم
تمهيد:
يمكن الجزم بأن المؤيدين للتفسير العلمي أكثر عددًا من
المعارضين كما أنهم يزدادون على مر السنين في مقابل انحسار أعداد المعارضين.
ولئن
كنا قد ذكرنا النصوص الدالة على معارضة المعارضين في المبحث الأول من هذا الفصل،
فإننا لسنا في حاجة لنقل نصوص تدل على التأييد عند المؤيدين لأن مجرد تأليفهم
الكتب في مجال التفسير العلمي يعد دليلًا على تأييدهم هذا النوع من التفسير.
وتجدر
الإشارة في هذا السباق إلى أمرين:
الأول: تفاوت المؤيدين في درجة التأييد
للتفسير العلمي فإن منهم من يدعو إلى وضع جملة من الضوابط والشروط لتأييده
وقبوله، ومنهم من يؤيد التفسير العلمي ويستخدمه دون قيود.
الثاني: اختلاف
المؤيدين في تخصصهم العلمي، فمنهم العالم الشرعي المتخصص، ومنهم الطبيب والفلكي
والمهندس والأديب والواعظ، وكل هؤلاء يشتركون في دعوتهم إلى التفسير العلمي
وتأييدهم له.
المطلب الأول:أبرز المؤيدين للتفسير العلمي:
1- أبو حامد الغزالي (ت 505هـ) في كتابه: (معجزة
القرآن).
2- الفخر الرازي (ت 606هـ) في تفسيره:
(مفاتيح الغيب).
3- ابن أبي الفضل المرسي (ت 655هـ) فيما
نقله عنه جلال الدين السيوطي في: (الإتقان).
4-
النيسابوري (ت 728هـ) في تفسيره: (غرائب القرآن ورغائب الفرقان).
5-
البيضاوي (ت 791هـ) في تفسيره: (أنوار التنزيل).
6- بدر
الدين الزركشي (ت 794هـ) في كتابه: (البرهان في علوم القرآن).
7-
جلال الدين السيوطي (ت 911هـ) في كتابه: (الإتقان في علوم القرآن).
8-
الآلوسي (ت1270هـ) في تفسيره: (روح المعاني).
9- محمد
عبده (ت 1905م) في تفسير (جزء عمّ) وما نقله عنه تلميذه في (المنار).
10-
محمد رشيد رضا (ت 1354هـ) في تفسير (المنار).
11- مصطفى
صادق الرافعي (ت 1938) في كتابه: (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية).
12-
محمد عبد الله دراز (ت 1958) في كتابيه: (النبأ العظيم)، و(مدخل إلى القرآن
الكريم).
13- محمد أحمد الغمراوي في كتابه (الإسلام في
عصر العلم).
14- طنطاوي جوهري (ت 1940م) في كتابه:
(الجواهر في تفسير القرآن الكريم).
15- عبد الرحمن
الكواكبي (ت 1320هـ) في كتابه: (طبائع الاستبداد ومصارع الاستبعاد).
16-
عبد العزيز إسماعيل في كتابه: (الإسلام والطب الحديث).
17-
حنفي أحمد في كتابه: (التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن).
18-
عبد الرزاق نوفل في كتابه: (القرآن والعلم الحديث).
19-
محمد بخيت المطيعي (ت 1935م) مفتي مصر في وقته في كتابه: (تنبيه العقول الإنسانية
لما في القرآن من العلوم الكونية).
20- عبد القادر بن
بدران الحنبلي (ت 1346هـ) في تفسيره: (جواهر الأفكار ومعادن الأسرار).
21-
عبد الحميد بن باديس (ت1940م) في تفسيره المسمى: (مجالس التذكير من كلام الحكيم
الخبير).
22- محمد مصطفى المراغي (ت1945م) في كتابه:
(الدروس الدينية للشيخ المراغي)، ومقدمته لكتاب: (الإسلام والطب الحديث).
23-
وحيد الدين خان الهندي في كتابه: (القرآن والكشوف الحديثة).
24-
سيد قطب (ت 1387هـ) في تفسيره: (في ظلال القرآن).
25-
محمد عبد العظيم الزرقاني (ت 1367هـ) في كتابه: (مناهل العرفان في علوم
القرآن).
26- الطاهر بن عاشور (ت 1393هـ) في تفسيره:
(التحرير والتنوير).
27- محمد أحمد الاسكندراني في
تفسيره: (كشف الأسرار النورانية القرآنية، فيما يتعلق بالأجرام السماوية
والأرضية، والحيوانات والنباتات والجواهر المعدنية).
28-
محمد جمال الدين الفندي،في كتابه: (القرآن والعلم).
29-
جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) في تفسيره: (محاسن التأويل).
30-
شكري محمود الآلوسي في كتابه: (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة
القويمة البرهان).
31- محمد متولي الشعراوي في كتابه:
(معجزة القرآن والإعجاز البياني والعلمي في القرآن).
32-
محمود أبو الفيض المنوفي في كتابه: (القرآن والعلوم الحديثة).
33-
عبد المجيد الزنداني في كتبه ومنها: (تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن)، و(إنه
الحق)، و(توحيد الخالق).
34- د. زغلول النجار في كتبه،
ومنها: (من آيات الإعجاز العلمي في القرآن).
35- مصطفى
محمود في كتبه ومنها: (القرآن كائن حي).
36- البشير
التركي في مقالاته التي نشرها في مجلة: (العلم والإيمان) بعنوان: الإعجاز العلمي
في القرآن.
37- مصطفى أحمد عبد الباسط، في كتابه: (علم
الأجنة في ضوء القرآن والسنة).
38- محمود شاكر في مقدمته
لكتاب: (الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي).
39- د. فهد بن
عبد الرحمن الرومي في كتابيه: (اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر)، و(دراسات
في علوم القرآن).
40- د. أحمد عمر أبو حجر في كتابه:
(التفسير العلمي للقرآن في الميزان).
41- د. عبد الله
الأهدل في كتابه: (التفسير العلمي).
42- د. عبد الله
المصلح في كتابه: (الإعجاز العلمي في القرآن والسنة).
43-
د. مصطفى مسلم في كتابيه: (مباحث في الإعجاز العلمي في القرآن)، و(مناهج
المفسرين).
44- د. صلاح الخالدي في كتابه: (إعلام
الدارسين بمناهج المفسرين).
45- د. فضل حسن عباس في
كتابه: (إعجاز القرآن الكريم).
المطلب الثاني: أبرز أدلة المؤيدين للتفسير العلمي:
1- عموم بعض آيات القرآن الدالة على شموله:
كقوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَاۤبَّةٍ فِى الْاَرْضِ وَلَا طٰۤىِٕرٍ يَّطِيْرُ بِجَنَاحَيْهِ اِلَّآ اُمَمٌ اَمْثَالُكُمْ ۗمَا فَرَّطْنَا فِى الْكِتٰبِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ اِلٰى رَبِّهِمْ يُحْشَرُوْنَ﴾ [الأنعام:38].
وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِيْ كُلِّ اُمَّةٍ شَهِيْدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ اَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيْدًا عَلٰى هٰٓؤُلَاۤءِۗ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتٰبَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَّهُدًى وَّرَحْمَةً وَّبُشْرٰى لِلْمُسْلِمِيْنَ﴾ [النحل:89].
2- القرآن
يدعو إلى التدبر والنظر في الكون والمخلوقات:
كما في قوله تعالى: ﴿اَفَلَمۡ يَنۡظُرُوۡۤا اِلَى السَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ كَيۡفَ بَنَيۡنٰهَا وَزَ يَّـنّٰهَا وَمَا لَهَا مِنۡ فُرُوۡجٍ﴾ [ق:6].
وقوله تعالى: ﴿اَفَلَا يَنۡظُرُوۡنَ اِلَى الۡاِ بِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ وَاِلَى السَّمَآءِ كَيۡفَ رُفِعَتۡ وَاِلَى الۡجِبَالِ كَيۡفَ نُصِبَتۡ وَاِلَى الۡاَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ﴾ [الغاشية:17-20]، وقوله تعالى: ﴿سَنُرِيۡهِمۡ اٰيٰتِنَا فِى الۡاٰفَاقِ وَفِىۡۤ اَنۡفُسِهِمۡ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ اَنَّهُ الۡحَـقُّ ؕ اَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ اَنَّهٗ عَلٰى كُلِّ شَىۡءٍ شَهِيۡدٌ﴾ [فصلت:53].
3-
كثرة استدلال القرآن على علم الله وحكمته وقدرته بظواهر كونية:
ولو لم يكن
البحث في هذه الظواهر مشروعًا لما كررها القرآن ومن هذه الظواهر تعاقب الليل
والنهار وأحوال السماء والشمس والقمر والنجوم، كما في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِيْ جَعَلَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ اَرَادَ اَنْ يَّذَّكَّرَ اَوْ اَرَادَ شُكُوْرًا﴾ [الفرقان:62].
وقوله: ﴿قُلْ اَرَءَيْتُمْ اِنْ جَعَلَ اللّٰهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَدًا اِلٰى يَوْمِ الْقِيٰمَةِ مَنْ اِلٰهٌ غَيْرُ اللّٰهِ يَأْتِيْكُمْ بِضِيَاۤءٍ ۗ اَفَلَا تَسْمَعُوْنَ﴾ [القصص:71].
وقوله تعالى: ﴿اِنَّ اللّٰهَ يُمْسِكُ السَّمٰوٰتِ وَالْاَرْضَ اَنْ تَزُوْلَا ەۚ وَلَىِٕنْ زَالَتَآ اِنْ اَمْسَكَهُمَا مِنْ اَحَدٍ مِّنْۢ بَعْدِهٖ ۗاِنَّهٗ كَانَ حَلِيْمًا غَفُوْرًا﴾ [فاطر:41].
وقوله تعالى: ﴿اَوَلَمْ يَرَ الَّذِيْنَ كَفَرُوْٓا اَنَّ السَّمٰوٰتِ وَالْاَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنٰهُمَاۗ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاۤءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّۗ اَفَلَا يُؤْمِنُوْنَ﴾ [الأنبياء:30].
وقوله تعالى: ﴿اَللّٰهُ الَّذِيْ رَفَعَ السَّمٰوٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوٰى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَۗ كُلٌّ يَّجْرِيْ لِاَجَلٍ مُّسَمًّىۗ يُدَبِّرُ الْاَمْرَ يُفَصِّلُ الْاٰيٰتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاۤءِ رَبِّكُمْ تُوْقِنُوْنَ﴾ [الرعد:2].
4- الأصل هو جواز التفسير بالرأي، والتفسير العلمي إنما هو نوع من أنواع التفسير بالرأي يجتهد فيه المفسر في بيان معنى الآية، ومن قال بالمنع منه هو المطالب بالدليل على تحريمه أمَّا من يستصحب أصل الجواز فلا يطالب بدليل على جواز عمله.
5- أن كل ما يدخل تحت نص قرآني عام فإنه يعدُّ مما نص
عليه القرآن ومن ذلك قضايا التفسير العلمي.
وقد جاء الحديث المتفق عليه أن
النبي غ سئل عن الحُمُر الأهلية عن صدقتها فقال: «ما أنزل عليَّ في الحُمُر شيء
إلا هذه الآية الفاذة الجامعة ﴿فَمَنۡ يَّعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرًا يَّرَهٗ وَمَنۡ يَّعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَّرَهٗ﴾ [الزلزلة: 7-8]» (
).
والواضح أن الآية لم تنص على الحُمر الأهلية وصدقتها، ومع ذلك ذكر النبي
غ هذه الآية في هذا المقام.
6- قد يكون العلم الحديث ضروريًّا للفهم الدقيق
لمعاني بعض الآيات، فربما صار التفسير العلمي من قواعد الترجيح في التفسير إذا
كان للآية أكثر من معنى.
7- الفوائد الكبيرة المترتبة على التفسير العلمي
ومنها:
أ- دعوة غير المسلمين إلى الإسلام أو على الأقل زيادة إقامة الحجة
عليهم.
ب- ملأ النفوس تعظيمًا للخالق عزَّ وجلَّ بإدراك عجائب خلقه
وتقديره.
جـ- زيادة إيمان المؤمنين ويقينهم بصدق ما هم عليه من الحق وقد قال
إبراهيم لربه: ﴿وَاِذۡ قَالَ اِبۡرٰهٖمُ رَبِّ اَرِنِىۡ كَيۡفَ تُحۡىِ الۡمَوۡتٰى ؕ قَالَ اَوَلَمۡ تُؤۡمِنۡؕ قَالَ بَلٰى وَلٰـكِنۡ لِّيَطۡمَٮِٕنَّ قَلۡبِىۡؕ قَالَ فَخُذۡ اَرۡبَعَةً مِّنَ الطَّيۡرِ فَصُرۡهُنَّ اِلَيۡكَ ثُمَّ اجۡعَلۡ عَلٰى كُلِّ جَبَلٍ مِّنۡهُنَّ جُزۡءًا ثُمَّ ادۡعُهُنَّ يَاۡتِيۡنَكَ سَعۡيًا ؕ وَاعۡلَمۡ اَنَّ اللّٰهَ عَزِيۡزٌ حَكِيۡمٌ﴾ [البقرة:260].
8- التفسير العلمي
سبيل مهم للوصول إلى الإعجاز العلمي، والإعجاز العلمي يعجز الملحدون أن يجدوا فيه
موضعًا للتشكيك، فالحقائق العلمية المذكورة في القرآن يتفق أهل العقول على كونها
دليلًا على أن من أنزل القرآن هو خالق هذه الحقيقة العلمية.
* * *
المبحث الرابع: الترجيح بين أدلة المانعين والمجيزين وضوابط قبول التفسير العلمي
المطلب الأول: الترجيح بين أدلة المانعين والمجيزين:
عند التأمل في أدلة المعارضين والمؤيدين يتضح للباحث ما يلي:
أولاً:
قوة الأدلة التي ساقها كل طرف، وأهمية النظرة العلمية المتوازنة في أدلة الفريقين
معًا.
ثانيًا: لعل من أقوى أدلة المؤيدين ـ إن لم يكن أقواها على الإطلاق ـ
أن الأصل هو جواز التفسير بالرأي، وهو ما استقر عليه العمل عند العلماء دون نكير،
ولا ريب أن التفسير العلمي نوع من أنواع اجتهاد المفسر برأيه في زيادة إيضاح معنى
الآية، وهذا الدليل يجعل مهمة المانعين صعبة في إقناع المتخصصين بالمنع من
التفسير العلمي، فهو ليس بدعة غير معروفة وإنما هو تفسير بالرأي والاجتهاد بحسب
العلوم والمعارف التي تظهر للمفسر ويقتنع بصوابها.
ثالثًا: أما ما ساقه
المعترضون من أدلة تؤكد وقوع الزلل لدى أكثر الخائضين في التفسير العلمي، وأن درء
المفسدة مقدم على جلب المصلحة فهي حجة لا تثبت عند النقد العلمي فوقوع الزلل ليس
مبررًا للمنع بل يكفي أن توضع القيود الحائلة دون الوقوع في الخطأ، ولو تم التوسع
في العمل بهذا المفهوم لربما خرج من يمنع من التفسير بالمأثور لوقوع الزلل عند
كثير ممن خاضوا فيه فكانوا كحاطب الليل، وجمعوا من الغرائب والمناكير والموضوعات
ما يجزم المتخصصون بأن ضرره أكبر من نفعه، ومع ذلك فلا يسوغ المنع من التفسير
بالمأثور خشية من الوقوع في أخطاء كالتي وقع فيها الثعلبي في (الكشف والبيان) على
سبيل المثال.
رابعًا: أهمية ما ذكره المعترضون من أدلة والحاجة إلى اعتماد
أكثرها كضوابط لقبول التفسير العلمي.
وخلاصة الأمر أن التفسير العلمي من
أنواع التفسير بالرأي وأن منه ما يكون محمودًا جائزًا حين يصدر عن علم أو غلبة
ظن، ولا يتعارض مع الكتاب والسنة، ويكون صاحبه عالمًا باللغة العربية وأصول
الشريعة الإسلامية عاملًا بضوابط قبول التفسير العلمي، ومن التفسير العلمي ما
يكون مذمومًا محرمًا حين يصدر عن جهلٍ أو هوًى أو عنهما معًا، ولا يلتزم صاحبه
بضوابط قبول التفسير العلمي، وبالتالي فالأصل هو جواز التفسير العلمي ولكن
بضوابط.
المطلب الثاني: ضوابط قبول التفسير العلمي:
اجتهد الباحثون المعاصرون في صياغة ضوابط لقبول التفسير العلمي استنبطوها
في الغالب من أدلة المعترضين على التفسير العلمي، ولا سيما الشاطبي والخولي
ومحمود شلتوت، لكن الذي يلفت نظر الباحث في هذا السياق خلو هذه الضوابط عندهم من
ضرورة توافر شروط المفسر فيمن يفسر القرآن تفسيرًا علميًّا، ولو تم إعمال هذا
الضابط لزالت معظم الأخطاء التي انتقدها المعترضون لظهورها في كتب التفسير
العلمي.
ومعلوم أن الكثير ممن كتبوا ويكتبون في التفسير العلمي ليسوا من أهل
الاختصاص العلمي في مجال القرآن وعلومه خصوصًا وفي مجال العلوم الشرعية عمومًا،
وبالتالي فإنهم يفتقدون جملة من شروط المفسر منها:
الإلمام بالعلوم المتصلة
بالقرآن: كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ والخاص والعام، والعلم بالسنة النبوية
صحيحها وضعيفها صريحها ومؤلها، والعلم باللغة العربية وأساليب البلاغة والبيان
فيها، وهذا الضابط من الأهمية بمكان لأن إعماله سبب مباشر بإذن الله في تقويم
مسيرة التفسير العلمي إلى حدٍّ كبير.
وقد اجتهد الدكتور مصطفى مسلم( ) في
صياغة سبعة ضوابط لتفسير الآيات الكونية هي:
1- القرآن
كتاب هداية وليس كتاب علوم وكونيات.
2- ترك الإفراط
والتفريط، أو عدم تحميل النصوص ما لا تحتمل.
3- مرونة
الأسلوب القرآني، وقبوله وجوهًا من التأويل.
4- الحقائق
العلمية مناط الاستدلال، فيجب الاقتصار عليها والابتعاد عن الفرضيات
والنظريات.
5- عدم حصر دلالة الآية على الحقيقة الواحدة،
فلا يجزم بأن هذه الحقيقة العلمية هي التفسير الوحيد للآية دون سواه بل يبقى
دلالة الآية مفتوحة.
6- استحالة التصادم بين الحقائق
القرآنية والحقائق العلمية، فإذا ظهر تناقض فقد تكون الآية القرآنية غير قاطعة في
الدلالة على المقصود، أو قد تكون القضية العلمية غير ثابتة بل هي نظرية أو
فرضية.
7- اتباع المنهج القرآني في طلب المعرفة، بسلوك
الأسباب الموصلة إلى حقائق المعرفة على وفق سنن الله التي أرشدنا إلى معرفتها.
وواضح
أن بعض هذه الضوابط حصل فيها بعض التجوز، فهي أقرب إلى التوجيه والإرشاد منها إلى
الشرط والضابط، ويتجلى ذلك في الضابط الأخير الذي سمَّاه الدكتور مصطفى مسلم:
اتباع المنهج القرآني في طلب المعرفة، فهل يقبل التفسير العلمي إذا استوفى جميع
الضوابط الستة، لكنها أخل بهذا الضابط الأخير، ولم يقم المفسر بالسير على المنهج
القرآني في طلب المعرفة من خلال التعرف على السنن الكونية وتسخيرها لمصلحة
الإنسان؟
ومع ذلك فإن بقية الضوابط لها أهمية كبيرة، ولصاحبها فضل السبق على
كثير ممن جاء بعده من الباحثين فأفادوا من هذه الضوابط.
أما الدكتور فضل
عباس( ) فقد اشترط لقبول التفسير العلمي خمسة شروط هي:
1-
موافقة اللغة العربية موافقة تامة بحيث يطابق المعنى المفسر المعنى اللغوي.
2-
عدم مخالفة صحيح السنة المرفوعة أو ما له حكم المرفوع إلى النبي غ.
3-
موافقة سياق الآية.
4- التحذير من أن يتعرض التفسير
العلمي لأخبار وشؤون المعجزات.
5- أن يكون التفسير حسب
الحقائق العلمية الثابتة دون النظريات.
وهي شروط دقيقة لكنها قد لا تكون
كافية لأن المفسر قد يجزم بأن تفسيره العلمي هو التفسير الصحيح للآية فيؤدي هذا
إلى أن جميع من سبقه من السلف لم يفسروا الآية تفسيرًا صحيحًا، وقد يستغرق المفسر
في التفسير العلمي إلى درجة تطغى على مقاصد القرآن الأساسية في الهداية والإرشاد،
وهذا كله يحتاج إلى ضوابط تحد منه.
واقتصر الدكتور أحمد أبو حجر على اشتراط
كون التفسير العلمي «مستندًا إلى الصريح من القول معتمدًا على اليقين الثابت من
العلم ليكون مقبولًا عنده، أما إذا كان هذا التفسير قائمًا على الظن أو الوهم أو
التعسف في التأويل»( ) فإنه يرفضه.
وحصر القبول في شرط وحيد هو كون التفسير
العلمي معتمدًا على الحقائق العلمية دون النظريات لا يفي بالغرض ولا يقي من الغلط
الذي وقع فيه كثير ممن خاضوا في التفسير العلمي.
واكتفى الدكتور فهد الرومي(
) بأربعة شروط إضافة إلى شرطه الأساسي وهو الاقتصار على الحقائق العلمية الثابتة
«عند تناول النص القرآني مع إدراك معنى النص وفهمه فهمًا سليمًا خاليًا من
الشوائب والمؤثرات الخارجية أو الميل به والانحراف لموافقة تلك الحقيقة العلمية»(
). وهذه الشروط هي:
1- أن لا تطغى تلك المباحث على
المقصود الأول من القرآن وهو الهداية والإعجاز.
2- أن
تذكر تلك العلوم لأجل تعميق الشعور الديني لدى المسلم والدفاع عن العقيدة.
3-
أن تذكر تلك الأبحاث على وجه يدفع المسلمين إلى النهضة ويلفتهم إلى جلال القرآن
ويحركهم إلى الانتفاع بقوى الكون بما يعيد للأمة مجدها.
4-
أن لا تذكر هذه الأبحاث على أنها التفسير الذي لا يدل النص على سواه.
وقد
أفاد الدكتور الرومي كثيرًا من أدلة المعترضين في صياغة هذه الشروط، وإن كان
بعضها لا ينطبق عليه وصف الشرط أو الضابط بل هو أقرب إلى التوجيه العام الهادف
إلى تحسين مسيرة التفسير العلمي، كما في الشرطين الثاني والثالث.
وتوسع
الدكتور عبد الله المصلح( ) كثيرًا في الضوابط فذكر أربعة عشر ضابطًا يمكن
تلخيصها فيما يلي:
1- وجود الإشارة إلى الحقيقة العلمية
في النص القرآني بشكل واضح جدًّا.
2- ثبوت الحقيقة
العلمية ثبوتًا قاطعًا وتوثيق ذلك توثيقًا علميًّا.
3-
جمع النصوص القرآنية والحديثية المتعلقة بالموضوع، ورد بعضها إلى بعض بما في ذلك
القراءات الصحيحة وروايات الأحاديث بألفاظها المختلفة.
4-
معرفة ما يتعلق بالموضوع من سبب نزول أو نسخ.
5- محاولة
فهم النص على وفق فهوم العرب إبان نزول الوحي، مع الإلمام بمسائل معينة على فهم
النص كتقديم النص على الظاهر، والظاهر على المؤول، وتقديم المنطوق على المفهوم،
ومراعاة العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين، ومراعاة السياق وقاعدة
العبرة بعموم اللفظ،وعدم تفسير حرف على معنى لا يقتضيه الوضع العربي، ومراعاة
أوجه الأعراب وإمكانية حمل المشترك اللفظي على أحد معانيه دون نفي الآخر، أو
القطع بأن هذا هو الصواب وحده ما لم تكن هناك قرينة راجحة.
6-
إظهار وجه الإعجاز بالربط بين الحقيقة الشرعية والعلمية بأسلوب واضح مختصر.
7-
عدم البحث في المتشابهات والأمور الغيبية.
8- عدم
الاعتماد على الإسرائيليات أو الروايات الضعيفة.
9-
الاعتماد على المصادر المعتبرة دون غيرها كأمهات التفسير والحديث، مع الإشارة إلى
جهود الدراسات السابقة.
10- الابتعاد عن تسفيه آراء السلف
من علماء التفسير والحديث ورميهم بالجهل.
11- حصر الدراسة
فيما يقدر عليه الباحث دون التجاوز إلى ما هو أكبر من طاقته.
12-
اليقين باستحالة مخالفة الوحي لحقائق العلم.
13- تحري
الصدق والصواب وإخلاص النية لله واستشعار المسئولية.
14-
أن يتصف الباحث بالصبر مع توفر الكفاءة العلمية المكتسبة.
ومع وجود التكرار
والتداخل بين بعض هذه الضوابط إلا أنها تعد من وجهة نظر الباحث أفضل ما كتب في
هذا المجال، ولو أنه اشترط ما أسلفنا الحديث حوله وهو: ضرورة توافر شروط المفسر
فيمن يفسر القرآن تفسيرًا علميًّا لما احتاج إلى ذكر معظم هذه الضوابط.
وبعد
هذه الجولة مع الضوابط التي وضعها الباحثون المتخصصون لقبول التفسير العلمي أعود
فأدون هنا وباختصار شديد:
أبرز ضوابط قبول التفسير العلمي فيما ترجح لي:
1-
ضرورة توافر شروط المفسر فيمن يتصدى للتفسير العلمي مع قدر كاف من المعرفة بالعلم
التجريبي أو الكوني الذي يفسِّر القرآن على أساسه.
2- أن
لا يطغى التفسير العلمي على بقية مباحث التفسير، إلا إذا أفرد المؤلف كتابًا
خاصًّا بالتفسير العلمي دون سواه.
3- أن لا يجزم أن
التفسير العلمي الذي يذكره هو وحده التفسير المقبول للآية.
4-
الاقتصار على الحقائق العلمية دون النظريات والفرضيات.
5-
عدم تحميل اللفظ القرآني ما لا يحتمله في اللغة العربية ليوافق التفسير العلمي
المراد.
6- عدم الخوض في الأمور الغيبيّة وإخضاعها
للتفسير العلمي.
7- عدم مخالفة تفسير نبوي أو إجماع
للصحابة في تفسير آية ما.
المراجع والمصادر
( 1) التفسير العلمي في الميزان (ص:55).
(2 ) الحديث رواه البخاري كتاب الوضوء (1/40).
(3 ) رواه الترمذي في سننه في أبواب التفسير (2/157) وقال حسن صحيح ورواه أبوداود في سننه (3/320) وانظر جامع البيان للطبري (1/77).
(4 ) رواه الترمذي في سننه في أبواب التفسير (2/157)، وأبوداود في السنن (3/320).
(5 ) جامع البيان للطبري (1/29)، وأسباب نزول القرآن للواحدي (24/27).
( 6) جامع البيان للطبري (1/29).
( 7) الموافقات للشاطبي (1/51) وما بعدها.
( 8) تفسير القرآن الكريم، الأجزاء العشرة الأخيرة، للشيخ محمود شلتوت (ص11-14).
( 9) التفسير، معالم حياته ومنهجه اليوم لأمين الخولي (ص:19-27).
( 10) التفسير والمفسرون، للذهبي (3/157).
( 11) القرآن المجيد، لمحمد عزة دروزة (ص:248).
( 12) سورة الرحمن وسور قصار د. شوقي ضيف (ص:10).
(13 ) على مائدة القرآن مع المفسرين والكتاب. أحمد محمد جمال (ص:323).
(14 ) معالم الشريعة الإسلامية. للدكتور صبحي الصالح (ص:291).
(15 ) الذكر الحكيم. لمحمد كامل حسين (ص:59).
(16 ) انظر: اتجاهات التفسير في العصر الراهن لعبد المجيد المحتسب (ص:314)، بتصرف يسير.
( 17) اتجاهات التفسير في العصر الراهن.... (ص:316)، وما بعدها.
(18 ) انظر: التفسير العلمي للقرآن في الميزان (ص:318)
( 19) مقال للدكتور علي عبد الواحد وافي في مجلة الأزهر العدد التاسع، يناير (1971م) (ص:708).
( 20) انظر: الفرقان في بيان إعجاز القرآن، لعبد الكريم الحميد، (ص:4-5).
( 21) انظر: التفسير العلمي في الميزان (ص:300، وص:323)، واتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (2/584)، علمًا بأن ما نقلاه عن الأستاذ عباس العقاد في كتابه الفلسفة القرآنية (ص:181)، لا يفيد معارضته للتفسير العلمي
( 22) انظر: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (2/561).
( 23) انظر: البحر المحيط لأبي حيان (1/341).
( 24) انظر: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (2/562).
( 25) انظر: البحر المحيط (1/341).
( 26) انظر: التفسير العلمي للقرآن في الميزان (ص:290)، وفي المقابل فقد ذكره الدكتور فهد الرومي والدكتور فضل عباس ضمن المؤيدين للتفسير العلمي، انظر اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (2/567)، وإعجاز القرآن الكريم للدكتور فضل عباس (ص:249).
( 27) تفسير المنار لمحمد رشيد رضا، المقدمة (1/7).
(28 ) التفسير والمفسرون، للذهبي (2/557).
(29 ) اتجاهات التفسير في العصر الراهن (ص:302).
( 30) تفسير المنار (7/637).
(31 ) تفسير المنار (8/481) وما بعدها.
( 32) تفسير المنار (12/19).
( 33) تفسير المنار (12/21)، وما بعدها
(34 ) انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني (2/252).
(35 ) انظر: مناهل العرفان (2/252).
( 36) انظر: مناهل العرفان (2/253).
( 37) انظر: مناهل العرفان (2/253).
(38 ) انظر: مناهل العرفان (1/18).
(39 ) انظر: مناهل العرفان (2/253).
( 40) انظر: مناهل العرفان (1/19).
(41 ) مناهل العرفان (1/18).
(42 ) انظر: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (2/592)، ودراسات في علوم القرآن الكريم للدكتور فهد الرومي (ص:292).
(43 ) انظر: لمحات في علوم القرآن (ص:205).
( 44) انظر: التفسير العلمي للقرآن في الميزان (ص:311).
( 45) انظر: بحث التفسير العلمي للقرآن بين المجيزين والمانعين، للشيخ محمد الأمين ولد الشيخ، مطبوع ضمن كتاب تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة (103).
( 46) انظر: في ظلال القرآن لسيد قطب (1/181) وما بعدها.
(47 ) راجع على سبيل المثال المواضع التالية من تفسيره في ظلال القرآن: (2/1161) و(4/2134) و(4/2293) و(4/2444) و(5/2765) و(5/2968) و(5/2969) و(5/3038) و(6/3437) و(6/3262) و(6/3447) و(6/3637).
(48 ) في ظلال القرآن (5/338) بتصرف.
( 49) في ظلال القرآن (1/182).
( 50) انظر: في ظلال القرآن (1/184).
( 51) في ظلال القرآن (5/338).
(52 ) في ظلال القرآن (5/2968).
(53 ) في ظلال القرآن (4/2444).
( 54) في ظلال القرآن (6/3447).
( 55) متفق عليه رواه البخاري في كتاب المزارعة، باب شرب الناس والدواب من الأنهار.
انظر: فتح الباري (6/405)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة (7/67).
(56 ) انظر: مباحث في إعجاز القرآن للدكتور مصطفى مسلم (ص:160).
( 57) انظر: إعجاز القرآن الكريم للدكتور فضل حسن عباس وسناء فضل عباس (ص:268).
( 58) انظر: التفسير العلمي للقرآن في الميزان (ص:113).
( 59) انظر: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (2/604).
( 60) انظر: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (2/604).
( 61) الإعجاز العلمي في القرآن والسنة د. عبد الله المصلح (ص:27) وما بعدها