فكرة الشيخ يحيى خليل ثقوف الرمباني في الحضارة الجديدة السلمية
تأليف: عماد الدين عثمان البنتني
رأى الشيخ يحيى خليل ثقوف الرمباني ان تأسيس جمعية نهضة العلماء هو لاستقبال الحضارة الجديدة السلمية المنسجمة المتناغمة العادلة واستعدادها في العالم مع الاخلاق الكريمة و استواء الدرجة بين الناس. وذالك يحصل أولا بتقوية الجماعة مع ما فيهم من القيم العالية التى ورثوها من العلماء القدماء وبتقوية دولة الجمهورية الاندونيسيا حتى تستطيع ان تؤدي دورا نافعا لسلام العالم. هذا قول جديد بالنسبة لتفسير الاسباب في تأسيس جمعية نهضة العلماء حيث قد اشتهر بين الناس ان سبب تأسيسها هو للمنع عن هجوم مفاهيم الوهابية في نوسانتارا.
الشيخ يحيى خليل ثقوف الرمباني يري ان الحضارة الانسانية في العالم قد تغيرت بأربعة تغيرات: الاول تغير نظام السياسة وترتيبها في العالم وذالك بانتهاء الدولة العثمانية والثاني توطن الناس في مدينة واحدة مع اختلافهم في الدين والثالث تغير معيار القواعد الاجتماعية بين الناس في العالم والرابع التغيرات بسبب العَوْلَمَةِ في الحضارة الانسانية.
الدول في العالم قبل سقوط الدولة العثمانية تتمثل اكثرها باسم الدين، حيث كانت الدولة العثمانية تتمثل باسم دين الاسلام و ألمانية التي كانت باسم بروسيا تتمثل باسم دين الكاتوليك وهولندا بالبروتيستان والبريطانيا بمسيحي أنجليكاني وايطاليا بالكاتوليك وكذالك غيرها من دول الاوروبا الا المتحدة الاميركية فإنها دولة لا تتمثل باسم أي دين.
حقوق الحرية الدينية في تلك الدول التي تتمثل باسم الدين كانت لا تتحقق. من لا يعتنق بدين الدولة يخرج او يقتل وَاِلَّا يرض ان يكون مواطنا بالدرجة الثانية. البروتيستانيون في بروسيا مثلا لا يمكنىون ان يكونوا مستوين في الدرجة مع بروسيين لانهم لا على دينهم حيث كان الكاتوليك هو دين الدولة في بروسيا. وكذالك الكاتوليكيون لا يملكون الحقوق المستوية في هولندا مع الهولنديين حيث كان البروتيستان هو دين الدولة هناك. وجرت المشاكل الخاطرة مستمرة على ممر الزمان بسبب الدولة باسم الدين كما وقع النزاع الطويل بين بريطانيا و ايرلندا الشمالية تريد الاستقلال منها وذالك لان البراطانيا تتمثل بالدولة المسيحية الأنكليكانية والحال ان ايرلندا الشمالية يريدون ان يستقيموا على الكاتوليك.
الشيخ يحيى خليل ثقوف الرمباني يري ان تلك الحالة في يومنا الحاضر قد تغيرت منذ انتهاء الدولة العثمانية ويتم ذالك التغير بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، الدول التي كانت باسم الدين قد حلت تلك العقدة الدينية وصارت المتحدة الامريكية و الإتحاد السوفييتي هما اكبر البلاد في العالم التان تحملان البلاد على الحرب الباردة اكثر من اربعين سنة.
تغير النظام السياسي ايضا يتمثل بوجود منظمة الأمم المتحدة حيث كان قبل وجودها لا تظهر الحدود الدولتية بين دولة ودولة أخري حقيقة وذالك لان الدولة الأقوى من حيثية العسكرية تستطيع ان تعظم ولايتها كل وقت. منظمة الأمم المتحدة تراقب الحد المتفق عليه بين دولة وأخرى فاذا فجرت احداهما الاخرى فهي في عداوة من الأمم المتحدة.
و بعد الخراب الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، أنشئت الأمم المتحدة بأهداف ومبادئ تسعى بصورة خاصة إلى إنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحرب. وكان أحد هذه الأهداف هو بناء تعاون دولي لحل المسائل الدولية ذات الطابع الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والإنساني، وتعزيز احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية للناس جميعًا دون أي تمييز سواء كان عرقيا أو جنسانيا أو دينيا أو لغويا.
ولما حلت دول العالم من اسم الدين فنشر المسلمون في بلاد اكثر سكانها غير المسلمين وكذالك بالعكس فاختلطوا تحت حكم دولة واحدة وهذا في خطر لانه لو برز شيئ من التنازعات في امر فردي مثلا بين المتخالفين في الدين ربما لا يخلو ان يجر ذالك التنازع الي التنازع باسم الدين لاختلافهما في الدين.
فالشيخ يحيى خليل ثقوف الرمباني يرى بانه يحتاج مثل هذه الحالة الي فكرة جديدة سديدة تكون جوابا في تلك التغيرات حتى نال الانسان السلام في العيش والتَّخلص من النِّزاعات والحروب مع اختلاف الدين جنبا الى جنب بحفظ حقوق كل وإقامة الحرِّيات لكلٍّ منهم، والعدالة وعدم التَّعدي على أحدٍ منهم.
و العيش معًا بسلام هو أن نتقبل اختلافاتنا وأن نتمتع بالقدرة على الاستماع إلى الآخرين والتعرف عليهم واحترامهم والعيش معًا متحدين في سلام وتحقيق القيم فيما بيننا وبينهم، والالتزام بالقوانين الإنسانية التي من ضمنها الحفظ على الحقوق والابتعاد عن التعدّي، والإخاء، واحترام الغير، والحرية. ومما يدلّ على تحقيق العناصير الأساسية لبناء الأوطان جاءت الديانات السماوية كلها بالحث على السلام، فكانت نشرًا للتوحيد بالكلمة الحسنة والنصح والإرشاد، والتحذير من الشرك بالله تعالى، مثل قوله تعالى في القرآن الكريم: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم}
الشيخ يحيى خليل ثقوف يرى بان مما يؤدي الى السلام هو ان يتخلق الانسان بالرحمة. والرّحمة خُلقٌ من الأخلاق الإسلاميّة الحميدة، التي حثّ الدّين الإسلامي على الالتزام بها وبمبادئها، وهي خلق الأنبياء عليهم السّلام، والرحمة تعني فعل الإنسان الخير، وتقديمه للآخرين، والإحسان إليهم.و رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بُعِث بالرحمة للناس جميعا، كما قال الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }( الأنبياء:107)، ورحمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمسلمين المؤمنين به أمر معلوم، ـ فهم أتباعه ومحبوه, وهم الذين يعتقدون عقيدته, ويدينون بدينه لكن رحمته صلوات الله وسلامه عليه لم تقتصر على المؤمنين، بل شملت حتى الكافرين به، ويؤكد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك بقوله: ( أنا نبي الرحمة ) رواه مسلم. وعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لا يرحم النَّاسَ ) رواه البخاري . وكلمة الناس تشمل كل أحد من الناس، دون اعتبار لجنسهم أو دينهم، وقد ساق البخاري في باب رحمة الناس والبهائم حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ما مِنْ مسلم غرس غرسا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة).
وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأحاديثه عامرة بصور ومواقف كثيرة تبين رحمته بالكافرين، ومنها رحمته بكفار قريش ـ سِلماً وحربا ـ :على الرغم من تعدد أشكال الأذى الذي ذاقه النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار في العهد المكي، إلا أنه صلوات الله وسلامه عليه ضرب المثل الأعلى في الرحمة بهم رغم كفرهم وإيذائهم له، وليس أدلّ على ذلك من قصة ثقيف، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب (ميقات أهل نجد)، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، ولقد أرسل إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت، فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت؟، إن شئتَ أن أُطبق عليهم الأخشبين (الجبلين)، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري .وكذالك تجلّت رحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهم في يوم فتح مكة، وتمكين الله تعالى له، حينما أعلنها صريحة واضحة: ( اليوم يوم المرحمة )