اسم الكتاب ـ جامع الدروس العربية المجلد الثاني
المؤلف: مصطفى بن محمد سليم الغلايينى (ت ١٣٦٤هـ)
الناشر: المكتبة العصرية، صيدا - بيروت
الطبعة: الثامنة والعشرون، ١٤١٤ هـ - ١٩٩٣ م
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الموضوع: علم النحو
عدد المجلدات 3
عدد الصفحات 902
فهرست الموضوعات
- (تصريف الأسماء)
- (الجامد والمشتق)
- (المجرد والمزيد فيه)
- (موازين الأسماء)
- (المثنى وأحكامه)
- (جمع المذكرالسالم)
- (جمع المؤنث السالم)
- (جمع التكسير)
- (النسبة وأحكامها)
- (التصغير)
- (التصريف المشترك)
- (الإدغام)
- (الإعلال)
- (الإبدال)
- (الوقف)
- (الخط)
- (مباحث الفعل الإعرابية)
- (المبني والمعرب من الأفعال)
- (بناء الفعل الماضي)
- (بناء الأمر)
- (إعراب المضارع وبناؤه)
- (إعراب الأسماء وبناؤها)
- (المعرب والمبني من الأسماء)
- (الأسماء المبنية)
- (أنواع إعراب الاسم)
- (مرفوعات الأسماء)
- (الفاعل)
- (نائب الفاعل)
- (المبتدأ والخبر)
- (الفعل الناقص)
- (أحرف ليس)
- (الأحرف المشبهة بالفعل)
- ((لا) النافية للجنس)
- العودة الي كتاب جامع الدروس العربية للغلاييني
(تصريف الأسماء)
(الجامد والمشتق)
الاسم نوعانِ جامدٌ ومُشتقٌّ.
فالإسمُ الجامدُ ما لا يكونُ مأخوذاً من الفعل كحجرٍ وسَقفٍ ودرهمٍ. ومنه مَصادِرُ الأفعالِ الثُّلاثية المجرَّدة، غيرُ الميميّة كعِلْمٍ وقراءةٍ.
(أما مصادر الثلاثيّ المزيد فيه، والرباعي مجرداً ومزيداً فيه، فليست من الجوامد، لأنها مبنية على الفعل الماضي منها. فهي مشتقة منه. وكذلك المصدر الميمي فهو مشتق بزيادة ميم في أوله كما علمت في مبحث المصدر "في الجزء الأول من هذا الكتاب" ) .
والاسم المشتقُّ ما كان مأخوذاً من الفعل كعالمٍ ومُتعلِّمٍ ومِنشارٍ ومُجتَمَعٍ ومستشفىً وصَعْبٍ وأدعجَ.
والأسماءُ المشتقة من الفعل عشرة انواع وهي إسمُ الفاعل، واسمُ
المفعول، والصفةُ المشبّهةُ، ومبالغةُ اسمِ الفاعل، واسمُ التَّفضيل، واسمُ الزمان، واسمُ المكان، والمصدرُ الميميُّ، ومصدرُ الفعل فوق الثلاثيّ المجرَّدِ، واسمُ الآلة.
(وقد تقدم القول فيها، في الكلام على شبه الفعل من الأسماء في الجزء الأول من هذا الكتاب) .
والاسمُ، إما مُتمكِّن وهو المُعرَبُ، وإما غيرُ مُتمكنٍ، وهو المبنيُّ. والمشتقُّ لا يكونُ إلا مُتمكناً، لأنه لا يكونُ إلا مُعرباً.
والجامدُ يكونُ مُتمكناً وغيرَ مُتمكنٍ. لأنّ منه المُعربَ ومنه المبنيُّ.
فغيرُ المتمكن (وهو المبنيُّ من الأسماء) لا شأن للتَّصريف فيه. وهو قد يكون على حرفٍ واحد كتاء الضَّميرِ، وعلى حرفين، مثل "هو ومَنْ" وعلى ثلاثة أحرف، مثلُ "كيف وإذا" وعلى أكثرَ، مثلُ "مَهْما وأيَّان" .
والمتمكنُ هو موضوع التّصريف.
(المجرد والمزيد فيه)
الاسمُ المتكنُ مبنيٌّ في أصل الوضع، إما على ثلاثة أحرف كحجرٍ، وإِما على أربعة كجعفرٍ، وإما على خمسة كسفَرجلٍ، وما زاد على خمسة، فهو مزيد فيه "كخَنْدريس" . وما نقصَ عن ثلاثة، فهو محذوف منه "كابٍ ويَدٍ وفَمٍ" . وأصلُها "أبَوٌ ويَدْيٌ وفَوْهٌ" .
وهو، من حيثُ أحرُفه إما مُجَرّدٌ. وهو ما كانت أحرُفهُ كلُّها أصليّةٌ "كرجلٍ، ودِرْهمٍ، وسَفَرجلٍ" . وإما مزيدٌ فيه. وهذا إما مزيد فيه حرف واحد "كحصان وقنديل" . وإما حرفان "كمصباح واحرنجام" . وإما ثلاثةُ أحرف "كانطلاقٍ واسبِطرارٍ" . وإما أربعةُ أحرف "كاستغفارٍ" .
والمجرَّدُ، إما ثلاثيٌّ "كوَرَق" ، وإما رُباعيٌّ "كسَلْهب" ، وإما خُماسيٌّ "كفَرَزدق" . والزيدُ فيه، إما ثلاثي الأصول "كسلاح" ، وإما رُباعيُّها "كعُصفور" ، وإما خُماسيُّها "كقَبَعثرى" .
وغايةُ ما ينتهي إليه الاسم بالزيادة سبعةُ أحرفٍ "كاستغفار" .
(موازين الأسماء)
لكلِّ اسمٍ مُتمكّنٍ ميزانٌ يُوزَنُ به.
فإذا أردتَ أن تَزِنَ اسماً أتيتَ بأحرفِ "فَعَل" مطابقةً لحركاته
وسكناته. فوزنُ فَرَسٌ "فَعَلٌ" . فإن بقيَ بعدَ الثلاثة حرف أصليٌّ، كرّرت لامَ "فعل" فدِرهمٌ على وزن "فِعْلَل" .
وإن بقيَ حرفان أصليّان، كرَّرت اللامَ مرتينِ، فسفَرجلٌ على وزن "فَعَللٌ" .
وإن كان في الاسم زيادةٌ في وزنه، فضاربٌ على وزنِ "فاعلٌ" ومضروبٌ على وزن "مفعولٌ" ومفتاحٌ على وزن "مِفعالٌ" وانطلاقٌ على وزن "انفِعالٌ" ، واستغفارٌ على وزن "استفعالٌ" . إلا إذا كان الزائد من جنس أحرف الاسم، فَتكرَّرُ في الميزان ما يماثلهُ من أَحرفه. فَمُعظَمٌ على زون "مُفَعّلٌ" ، بتكرار عينِ الميزان. ومُغْرَوْرِقٌ على وزن "مُفْعَوْعِلٌ" بتكرار عينِ الميزان، واسودادٌ على وزن "افعِلالٌ" بتكرار لام الميزان. ولا يزاد في الميزان الحرفُ الزائدُ نفسُهُ، فلا يقالُ في وزن مُعظّمٍ "مُفَعظِلٌ" ولا في وزن مُغرورِقٍ "مُفعَوْرلٌ" ولا في وزن اسودادٍ "افعِلادٌ" .
اوزان الاسماء الثلاثية المجردة
للثلاثيّ المجرد، من الأسماء عشرةُ أوزانٍ وهي
(1) فَعْلٌ، ويكونُ اسماً كشمسٍ، وصفةً كسَهْلٍ.
(2) فَعَلٌ، ويكونُ اسماً كفَرَسٍ، وصفةً كبَطلٍ.
(3) فَعِلٌ، ويكونُ اسماً ككَبِدٍ، وصفةً كحَذِرٍِ.
(4) فَعُلٌ، ويكونُ اسماً كرَجُلٍ، وصفةً كيَقُظٍ.
(5) فِعْلٌ، ويكونُ اسماً كعِدْلٍ، وصفةً كنِكْسٍ.
(6) فِعَلٌ، ويكونُ اسماً كعِنَبٍ، وصفةً كماءٍ رَوِيٍّ.
(7) فِعِلٌ، ويكون اسماً كإبلٍ، وصفةً كأتانٍ إِبدٍ.
(8) فُعْلٌ، ويكونُ اسماً كقُفْلٍ، وصفةً كحُلْوٍ.
(9) فَعَلٌ ويكونُ اسماً كصُرَدٍ، وصفةً كحُطمٍ.
(10) فُعُلٌ، ويكونُ اسماً كعُنُقٍ، وصفةً كجُنُبٍ.
اوزان الاسماء الرباعية المجردة
للرُّباعيّ المجردِ من الأسماء ستة أوزانٍ. وهي
(1) فَعْلَلٌ، ويكونُ اسماً كجعفَرٍ، وصفةً كشَهْربٍ.
(2) فِعْلِلٌ، ويكونُ اسماً كزِبرجٍ، وصفةً كخِرمِسٍ.
(3) فِعْلَلٌ، ويكونُ اسماً كدِرْهمٍ، وصفةً كهِبْلَعٍ.
(4) فُعْلَلٌ، ويكونُ اسماً كُبرْثُنٍ، وصفةً كجُرْشِعٍ.
(5) فِعْلَلٌ، ويكونُ اسماً كفطَحْلٍ، وصفةً كسِبَطْرٍ.
(6) فُعْلَلٌ، ويكون اسماً كجُخْدَبٍ، وصفةً كجرْشعٍ.
وكلُّ ما ورَدَ من الأسماءِ والصفاتِ على هذا الوزن (السادسِ) جاز أن يكونَ على الوزن الرابع "فُعْلُلٍ" . ولذلكَ عَدَّهُ جُمهورٌ من العلماءِ فرعاً عنه.
وقد ثبت بالاستقراء أنَّ الرباعي لا بدَّ من إسكان ثانيه أوثالثه، كيلا تتولى أربع حركاتٍ في كلمةٍ واحدة. وذلك ممنوعٌ.
اوزان الاسماء الخماسية
للخماسيّ المجرّدِ، من الأسماءِ، أربعةُ أوزانٍ. وهي
(1) فَعَلْلٌ، ويكونُ اسماً كسفَرجلٍ، وصفةً كشَمَرْدَلٍ.
(2) فَعْلَلِلٌ، ولم يجيءْ إلا صفةً كجَحْمَرِشٍ.
(3) فُعَلَّلٌ، ويكونُ اسماص كخُزَعْبِلٍ، وصفةً كقُذَعْمِلٍ.
(4) فِعْلَلٌّ، ويكونُ اسماً كزِنْجَفْرٍ، وصفةً كجِردَحْلٍ.
واعلم أن ما خرج عما تقدَّم، من أوزان المجردات الثلاثية والرباعية والخماسية، شاذٌ أو مزيدٌ فيه أو محذوفٌ منه، أو مُركَّبٌ أو أعجميٌ.
اوزان الاسماء المزيدة فيها
للمزيدِ فيه، من الأسماء أوزانٌ كثيرةٌ لا ضابطَ لها.
وأحرفُ الزيادةِ عشرةٌ، وهي أحرفُ "سألتُمُونيها" .
ولا يُحكَمُ بزيادةِ حرفٍ إلا إذا كان معه ثلاثةُ أحرفِ أصول.
والحرفُ الذي يَلزمُ تصاريفَ الكلمةِ، هو الحرفِ الأصليُّ. والذيَ يَسقط في بعض تصاريفها هو الزائد.
والحكمُ بالزيادة والأصالة إنما هو للأسماء العربية المُتمكِّنَة أما الأسماءُ المبنيَّة، والأسماءُ الأعجميَّة، فلا وجهَ للحُكم بزيادة شيءٍ فيها.
(المثنى وأحكامه)
المُثنى اسمٌ مُعربٌ، ناب عن مُفردينِ اتفقا لفظاً ومعنًى، بزيادةِ ألفٍ ونونٍ أو ياءٍ ونونٍ، وكان صالحاً لتجريده منهما.
(فإن اختلفا في اللفظ فلا يثنيان بلفظ واحد، فلا يقال في كتاب وقلم "كتابان" مثلا. وأما نحو "العمرين" لعمر بن الخطاب وعمرو بن هشام، ولأبي بكر وعمر، ونحو "الأبوين" للأب والأم، و "القمرين"
للشمس والقمر و "المروتين" ، الصفا والمروة، فهو من باب التغليب، أي تغلب أحد اللفظين على الآخر وهو سماعي لا يقاس عليه، ومثل ذلك لا يكون مثنى لاختلاف لفظ المفردين، بل هو ملحق بالمثنى من جهة الإعراب.
وإن اتفقا في اللفظ واختلفا في المعنى، فلا يثنيان أيضاً كأن يكون اللفظ من المشترك كالعين فلا يقال "عينان" للباصرة والجارحة، ولا "غزالتان" للشمس والظبية أو أن يكون للفظ معنيان حقيقي ومجازي، فلا يثنى اللفظ مراداً به حقيقته ومجازه فلا يقال "رأيت أسدين" ، تعني أسداً حقيقياً ورجلاً شجاعاً كالأسد.
وإن ناب عن مفردين بلا زيادة كشفع وزوج فليس بمثنى.
وإن ناب عن مفردين بزيادة غير صالحة للإسقاط وتجريد الإسم منها كاثنين واثنتين وكلا وكلتا، ولم يكن مثنى، بل هو ملحق به في إعرابه، إذ لم يسمع "اثن" ولا "اثنة" ولا "كل ولا كلت" ) .
الملحق بالمثنى
يُلحق بالمثنى، في إعرابه، ما جاء على صورة المثنى، ولم يكن صالحاً للتجريد من علامته، وذلك مثلُ "كِلا وكِلْتا" مضافتين إلى الضمير. ومثلُ "اثنين واثنتينِ" ، وكذا ما ثُنيَ من باب التَّغليب "كالعمَرينِ والأبوينِ والقَمَرينِ" وكذلك ما سُمِّي به من الأسماء المثناة "كحَسنَينِ وزَيدينِ" .
ما لا يثنى من الكلمات
لا يثنى المُركَّبُ "كبعلبكَّ وسِيبَويهِ" ، ولا المثنى، ولا الجمعُ. ولا مالا ثانيَ له من لفظه ومعناه "كعُمرَ معَ عليٍّ، وكعينٍ للباصرة والجارحة" . وأما نحو "العُمرينِ والقمَرينِ والأبوينِ" فهو من باب التغليب،
كما قدَّمنا.
فإذا أُريدَ تَثْنيةُ المركب الإضافيّ، يُثنى جُزؤه الأولُ، فيقال في تثنية عبد الله، وخادم الدار "عبدا اللهِ وخادِما الدّار" .
وإذا أردتَ تثنيةَ المركّبِ المزْجيّ، أو ما سُمي به من المركَّب الإسناديّ، أو المثنى، أو الجمع، جِئِتَ قبلَهما بكلمة "ذّوا" رفعاً، و "ذَوَيْ" نصباً وجَراً، فتقولُ في تثنيةِ سيبَويهِ وتأبَّط شرًّا، وحَسنَينِ وعابدينَ، أعلاماً "ذَوا سِيبويهِ، وذَوا تأبَّطَ شرًّا، وذَوا حسنينِ، وذَوا عابدينَ" ، أي صاحِبا هذا الإسم.
تثنية الجمع
قد يُثنى الجمعُ على تأويل الجماعتين أو الفرقتين أو النَّوعين، وذلك كقولهم "إِبلانِ، وجِمالانِ، وغَنمانِ، ورِماحانِ، وبِلادانِ" . ومن ذلك الحديثُ "مَثلُ المنافِقِ كالشاةِ العائرةِ بينَ الغَنمَيْنِ."
الجمع مكان المثنى
قد تجعلُ العربُ الجمعَ مكان المثنى، إذا كان الشيئانِ، كل واحدٍ منهما، متصلا بصاحبه، تقولُ "ما أحسنَ رُؤُوسَهما!" ومنه قولهُ تعالى {فاقطعوا أيدِيَهُما} وقولهُ {فقد صَغَتْ قُلوبُكما} ولم يقولوا في المُنفصلينِ "أفراسهما ولا غِلْمانهما" .
وبعضُ العرب يجعلُ الجمعَ مكانَ المثنّى ملطقاً، وعليه قولُهم "ضع رِحالَهُما" .
تثنية الصحيح الاخر وشبهه والمنقوص
إذا ثَنَّيتَ الصحيحَ الآخر. كرجلٍ وامرأةٍ وضَوْءٍ، أو شِبْهَهُ كظَمْيٍ ودَلو، أو المنقوص كالقاضي والدَّاعي ألحقت بآخره علامةَ التَّثنية بلا تغييرٍ فيه، فتقولُ "رجلانِ وامرأتانِ وضَوْءانِ وظَبْينِ وداعيانِ" .
تثنية المقصور
إذا ثنَّيتَ مقصوراً، فإِن كان ثلاثيًّا قلبتَ ألفَهُ واواً، إن كان أصلُها الواوَ، وياءً إن كان أصلُها الياء، فتقولُ في تثنية عصاُ "عَصَوانِ" ، وفي تثنية فتى "فَتيانِ" .
وقد يكونُ للألف أصلانِ، فيجوزُ فيها وجهانِ، وذلك كالرَّحى، فإنها يائيَّةٌ في لغة من قال "رَحيْتُ" وواويَّة في لغة من قال "رَحَوْتُ" ، فيجوز أن يقال في تثنيتها "رَحيانِ ورَحَوانِ" .
وإن كان مقصوراً فوق الثلاثيِّ، قلبتَ ألفَهُ ياء على كلِّ حالٍ، فتقولُ في تثنية حُبْلى ومُصطفىً ومُستشفىً "حُبْليَانِ ومُصطفَيانِ ومُستشفَيانِ" .
تثنية الممدود
إِذا ثنيتَ ممدوداً، فإِن كانت همزتهُ اصلِيَّةً، تَبْقَ على حالها، فتقولُ في تثنية قُرَّاءٍ وَوُضّاءٍ "قُرَّءَانِ وَوُضَّاءانِ" .
وإِن كانت مَزيدةً للتأنيث، قُلبَتْ واواً، فتقولُ في تثنية حسناءَ وصحراء "حساناوانِ وصحراوانِ" .
وإن كانت مُبدلةً من واوٍ أو ياءٍ أو كانت مزيدةً للإلحاقِ، جاز فيها الوجهانِ بقاؤها على حالها، وانقلابُها واواً، فتقولُ في المُبدَلة "كساوانِ وكِساءانِ، وغطاوانِ وغِطاءانِ" . وتقولُ في المزيدة للإلحاق "عِلباوانِ وعِلباءانِ، وقُوباوانِ وقُوباءانِ، وحِرباوان وحِرباءانِ" .
وتصحيحُ الهمزةِ (أي تركُها على حالها) في المُبدَلةِ من واوٍ أو ياءٍ أولى. وقلبُها واواً في المزيدة للإلحاق أحسنُ.
وما كان قبل ألفه - التي للتأنيث - واوٌ، جاز تصحيحُ همزته، لِئلاَّ تجتمع واوان، ليس بينهما إلا الألفُ، فتقولُ في عَشْواءَ "عَشْواوانِ وعشواءانِ" .
تثنية المحذوف الآخر
إن كان ما يُرادُ تثنيتُهُ محذوف الآخر، فإن كان ما حُذِفَ منه يُردُّ إِليه عند الإضافة، رُدَّ إِليه عند التثنية، فتقولُ في تثنية أبٍ وأخٍ وحَمٍ (وأصلُها أبوُ وأخوٌ وحَموٌ) "أبوانِ وأخوانِ وحمَوانِ" ، وفي تثنية قاضٍ وداعٍ وشَجٍ "قاضيانِ وداعيانِ وشَجِيانِ" ، كما تقولُ في الإضافة "أبوكَ وأخوكَ وحمُوكَ وقاضيكَ وداعيكَ وشجيكَ" .
وإن لم يكن يُردُّ إليه المحذوفُ عندَ الإضافة، لم يُرَدَّ إليه عند التثنية، بل يُثنَّى على لفظه، فتقولُ في تثنية يَدٍ وغدٍ ودَمٍ وفَمٍ واسمٍ وابنٍ وسنةٍ ولُغةٍ، (وأصلُها يَدْيٌ وغَدْوٌ ودَمَوٌ أو دَمَيٌ وفُوهٌ وسمْوٌ وَبَنَوٌ وسَنَوٌ ولُغوٌ أو لُغَيٌ) "يَدانِ وغَدانِ ودَمانِ وفَمانِ واسمانِ وابنانِ وسنتانِ ولُغتانِ" ، كما تقولُ في الإضافة "يَدُكَ وغَدُكَ ودَمُكَ وفَمُكَ واسمُكَ وابنُكَ وسنتُكَ ولُغتُكَ" .
(جمع المذكرالسالم)
الجمعُ اسمٌ ناب عن ثلاثةٍ فأكثر، بزيادةٍ فى آخره، مثلُ "كاتبينَ وكاتبات" أو تغييرٍ في بنائه، مثلُ "رجالٍ وكتُبٍ وعُلمَاءٍ" وهو قسمان سالمٌ ومُكسّرٌ.
فالجمعُ السالمُ ما سَلِمَ بناءُ مفردهِ عندَ الجمع، وإنما يُزادُ في آخره واوٌ ونونٌ، أو ياءٌ ونونٌ، مثلُ "عالمونَ وعالمينَ" ، أو ألفٌ وتاءٌ، مثلُ "عالماتٍ وفاضلاتٍ" .
وهو قسمانِ جمعُ مذكرٍ سالمٌ، وجمعُ مؤنثٍ سالمٌ.
فجمعُ المذكرِ السالمُ ما جُمع بزيادةٍ واوٍ ونونٍ في حالة الرفع، مثلُ {قد أفلحَ المؤمنونَ} ، وياءٍ ونونٍ في حالتي النصبِ والجرّ، مثلُ "أكرِمَ المجتهدينَ، وأحسنْ إلى العاملينَ" .
شروط جمع المذكر السالم
لا يُجمعُ هذا الجمعَ إلا شيئان
الأولُ العَلَمُ لمذكّرٍ عاقلٍ، بشرطٍ خُلُوه من التاء ومن التركيب، مثلُ "أحمدَ وسعيدٍ وخالد" .
الثاني الصفةُ لمذكّرٍ عاقلٍ، بشرطِ أن تكونَ خاليةً من التاء، صالحةً لدُخولها، أو للدلالة على التفضيل، مثلُ "عالمٍ وكاتبٍ وأفضلَ وأكملَ" .
فعالم وكاتب خاليان من التاء، صالحان لقبولها، فنقول "عالمة وكاتبة" ، وأفضل وأكمل خاليان من التاء غير صالحين لدخولها، لكنهما اسما تفضيل. والصفة لا تجمع هذا الجمع إلا بشرط أن تخلو من تاء التأنيث فان خلت منها يشترط فيها أحد أمرين إما أن تقل التاء وإما أن تكون اسم تفضيل. فان لم تقبلها ولم تكن دالة على التفضيل، لا تجمع هذا الجمع "كاحمر وصبور وقتيل" كما سيأتي.
وكلُّ ما كان من باب "أفعَل فَعْلاء" ، مثلُ أحمَر وحَمْراءَ، أو من باب "فعْلان فَعْلى" ، مثلُ "سَكرانَ وسَكرى" ، أو كان مِمّا يَستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ، مثلُ "غَيورٍ وجَريحٍ" ، فهو غيرصالح لقَبولِ التاءِ.
فلا يُجمعُ هذا الجمعَ، مثلُ زينبَ وداحِسٍ (علم فرَس) وحَمزة وسيبويه من الأعلام، ولا مثلُ (مُرضعٍ وسابقٍ) (صفة فرس) "وعلاَّمةٍ وأبيضَ وَوَلهان وصبورٍ وقتيلٍ" ، من الصفات.
(وأما "أفعل" الدال على التفضيل، ومؤنثه "فعلى" . بضم الفاء، فيجمع جمع مذكر سالماً، وإن لم يكن صالحاً لدخول التاء. لأن ما خلا من التاء يشترط فيه أحد شيئين. إما صلاحه لدخول التاء وإما دلالته على التفضيل.
الملحق بجمع المذكر السالم
يُلحق بجمع المذكر السالم في إِعرابه، ما وَرَد عن العرب مجموعاً هذا الجمع، غير مستوف للشروط. وذلك مثلُ "أُولي وأهلينَ وعالَمينَ ووابِلينَ وأرضين وبَنينَ وعِشْرين إلى التسعين" ، ومثلُ سِنين وعِضين وعِزين وثُبين ومِئين وكُرين وظُبين "ونحوهما. ومُفردُها" سَنةُ وعِضةً وعِزةٌ وثِبةٌ ومِئةٌ وكُرَة
وظبة، قال تعالى {كم لبِثتْم في الأرضِ عَدَد سنينَ؟} وقال {الذينَ جعلوا القُرآنَ عِضينَ} ، وقال جلَّ شأنه "عن اليَمين وعن الشمالِ عزينَ" .
ويُلحقُ بهذا الجمع أيضاً ما سُميَ به من الأسماء المجموعة جمعَ المذكرِ السالمَ مثلُ "عِليينَ وزيدينَ" قال تعالى {إن كتاب الأبرار لفي عِلِّيِّينَ} ، وتقولُ فيمن يُسمى "عابدينَ وزيدينَ" "جاءَ عابدونَ وزيدونَ، ورأيتُ عابدينَ وزيدينَ، ومررتُ بعابدينَ زيدينَ" .
جمع الصحيح الآخر وشبهه
إن كان المرادُ جمعه جمعَ المذكر السالم صحيحَ الآخر، أو شبههُ، زِيدتْ فيه الواوُ والنونُ أو الياءُ والنونُ بلا تغييرٍ فيه، فيقالُ في جمعِ كاتبٍ "كاتبونَ وكاتبينَ" ، وفي جمعِ ظَبيٍ، علماً لرجلٍ "ظبْيونَ وظَبْيينَ" .
جمع المدود
إن جمعتَ الممدودَ هذا الجمع، فهمزتُه تُعطى حُكمَها في التثنية.
(أي إن كانت همزته للتأنيث وجب قلبها واواً، فتقول في جمع "ورقاء" علماً لمذكر عاقل "ورقاوون" وفي جمع زكرياء "زكرياوون" . وإن كانت أصلية تبق على حالها، فتقول في جمع وضاء وقراء "وضاؤون وقراؤون" . وإن كانت مبدلة من واو أو ياء، ومزيدة للالحاق جاز فيها الوجهان إبقاؤها على حالها وقلبها واواً، فتقول في جمع "رجاء وغطاء وعلباء" ، أعلاماً لمذكر عاقل "رجاؤون ورجاوون، وغطاؤون وغطاوون، وعلباؤون وعلباوون" . والهمزة في المبدلة من واو أو ياء أفصح) .
جمع القصور
إن جُمع المقصورُ هذا الجمعَ، تحذَفْ ألفُه وتَبقَ الفتحةُ، بعدَ حذفها، دلالةً عليها، فتقولُ في جمع مصطفى "مصطفَوْن" ، ومنه قولُه تعالى {وأنتمُ الأعلَونَ} ، وقولهُ وإِنهم عندَنا لَمِنَ المُصطفَيْنَ الأخيارِ "، وتقولُ في جمعِ رِضاً، علماً لمذكر عاقل" رَضَوْنَ "، في الرَّفع، و" رِضَيْنَ "، في النصب والجرّ."
جمع المنقوص
إن كان ما يُجمعُ هذا الجمعَ منقوصاً، تُحذفْ ياؤُه، ويُضَم ما قبلها، إن جُمعَ بالواو والنون، وتبقَ الكسرةُ، إِن جُمع بالياء والنون، فتقول في جمع القاضي "القاضونَ والقاضينَ" .
(جمع المؤنث السالم)
جمعُ المؤنثِ السالمُ ما جُمعَ بألف وتاءٍ زائدتينِ، مثلُ "هنداتٍ ومُرْضِعاتٍ وفاضِلاتٍ" .
(ونحو "قضاة وهداة" هو من جموع التكسير، وليس بجمع مؤنث سالم، لأن ألفه ليست زائدة، بل هي منقلبة، والأصل "قضية وهدية" بوزن "فعلة" بضم الفاء وفتح العين. وتاء جمع المؤنث السالم مبسوطة، وتاء "قضاة وهداة" ونحوهما مربوطة. ونحو "أبيات وأشتات" من جموع التكسير أيضاً. لأن تاءها أصلية) .
الاسماء التي تجمع هذا الجمع
يَطَّرِدُ هذا الجمعُ في عشرة أشياء
الأولُ عَلَمُ المؤنثِ كدَعْد ومَريمَ وفاطمةَ.
الثاني ما خُتمَ بتاءِ التأنيث كشجَرةٍ وثمرةٍ وطَلْحةَ وحَمزة.
ويُستثنى من ذلك "امرأةٌ وشاةٌ وأمَةٌ وشَفة ومِلَّةٌ" ، فلا تُجمعُ بالألف والتاء. وإنما تُجمعُ على "نساءٍ وشِياهٍ وإماءٍ وأُممٍ وشِفاهٍ."
الثالث صفةُ المُؤنث، مقرونة ً بالتاءِ، كمُرضعةٍ ومُرضعاتٍ، أو دالةٍ على التفضيل كفُضْلى "مؤنث أفضلَ" وفُضْليَات.
(لذلك لم يجمع نحو "حائض وحامل وطالق وصبور وجريح"
وذمول "من صفات المؤنث، بالألف والتاء لأن الشرط في جمع صفة المؤنث بهما أن تكون مختومة بالتاء، أو دالة على التفضيل. وهذه الصفات ليست كذلك. بل تجمع على حوائض وحوامل وطوالق وصبر" بضم الصاد والباء "وجرحى وذمل" بضم الذال والميم ") ."
الرابعُ صفةُ المذكر غير العاقل كجبلٍ شاهقٍ وجبالٍ شاهقات وحصانٍ سابقٍ وُحصنٍ سابقات.
الخامسُ المصدرُ المجاوزُ ثلاثةَ أحرف، غيرُ المؤكَّدِ لفعلهِ. كإكراماتٍ وإنعاماتٍ وتعريفاتٍ.
السادسُ مُصغَّرُ مذكَّرِ ما لا يعقلُ. كدُرَيْهمٍ، ودُرَيْهِماتٍ، وكُتَيِّبٍ وكُتَيِّباتٍ.
(وإنما جاز جمعه لأن المصغر صفة في المعنى. وصفى المذكر غير العاقل تجمع بالألف والتاء كما علمت. أما مصغر المؤنث غير العاقل، فلا يجمع بهما، وذلك كأرينب وخنيصر وعقيرب (تصغير أرنب وخنصر وعقرب) ، لأنه في المعنى صفة لمؤنث خالية من التاء وليست دالة على التفضيل كما علمت. وقد نص العلماء على أن مصغر المؤنث غير العاقل لا يجمع جمع المؤنث السالم (راجع حاشية الصبان على الأشموني، وحاشية ابن عقيل، للخضري، وجمع الجوامع وشرحه همع الهوامع، للسيوطي، والتصريح شرح التوضيح، للشيخ خالد) ولذلك لم يصب بعض المؤلفين من المتأخرين في تجويز ذلك وجعله مطرداً مع نص العلماء على منعه. أما
نحو (أذنية) تصغير (أذن) ، فيجمع على (أذينات) لمكان التاء، التي لحقته عند التصغير. وما ختم بناء التأنيث، يجمع بالألف والتاء مطلقاً. كما علمت) .
السابعُ ما ختمَ بألف التأنيث الممدودة. كصحراءَ وصحراوات، وعذراءَ وعذراوات، إلا ما كان على وزن (فَعْلاء) مُؤنثِ (أفعلَ) ، فلا يُجمع هذا الجمعَ كحمراء (مؤنثِ أحمرَ) ، وكحلاءَ (مؤنث أكحلَ) ، وصحراءَ (مُؤنث أصحرَ) وإنما يُجمعُ هو ومذكرُهُ على وزن (فُعْلٍ) كحُمْرٍ وكُحْلٍ وصُحْرٍ.
(وأما جمعهم "خضراء على خضراوات" كما في حديث "ليس في الخضراوات صدقة" فخضراء هذه ليس المقصود منها الوصف بالخضرة. وإنما أرادوا بها الخضر. وهي البقول والفاكهة فهي قد صارت اسماً لهذه البقول. ولا يقال في مقابلها (أخضر) . فهي (فعلاء) ليس لها (أفعل) ، وقد جرت مجرى (صحراء) ، التي معناها الارض الخلاء، فجمعها، كصحراء، بالألف والتاء، إِنما باعتبار أنهما اسمان، لا صفتان) .
الثامنُ ما خُتمَ بألفِ التأنيثِ المقصورةِ كذكرى وذِكريات، وفُضلى وفُضليَات، وحُبلى وحُبليَات، إلا ما كان على وزن (فَعْلى) مُؤنث (فَعْلانَ) ، فلا يُجمع هذا الجمعَ كسَكرى (مؤنث سكرانَ) ورَيَّا (مؤنث رَيَّانَ) وعَطْشى (مؤنث عطشانَ) . وإنما يقالُ في جمع (سَكْرى) ومذكرها (سُكارى وسَكارى وسَكْرى) ، وفي جمع (ريَّان) ومذكرها
(رِواءَ) بكسر الراء، وفي جمع (عَطْشى) ، ومذكرها (عِطاشٌ) ، بكسر العين، وعَطاشى، بفتحها.
التاسعُ الإسمُ لغير العاقلِ، المصدَّرُ بابنٍ أو ذي كابن آوى وبناتِ أوى، وذي القَعْدَةِ وذواتِ القَعْدَةِ.
(ابن وذو، المضافان إلى غير العاقل، تجمعهما على بنات وذوات. أما المضافان إِلى العاقل فيجمعان على بنين أو أبناء وذوي، فتقول في جمع ابن عباس وذوي علم "بنو عباس، وأبناء عباس، وذوو علم" ) .
العاشرُ كلُّ اسمٍ أعجميٍّ لم يُعهَدْ له جمعٌ آخر كالتّلغرافِ والتّلِفونِ والفُنُغرافِ والرزْنامجَ والبَرْنامجِ.
وما عدا ما ذُكرَ لا يجمع بالألف والتاءِ إلا سَماعاً وذلك كالسماواتِ والأرَضاتِ والأمهاتِ والأُماتِ والسِّجلاتِ والأهلاتِ والحماماتِ والإصطبلاتِ والثّيباتِ والشَمالاتِ. ومن ذلك بعض جموعِ الجمعِ كالجمالاتِ والرِّجالاتِ والكلاباتِ والبُيوتاتِ والحُمراتِ والدُّوراتِ والدياراتِ والقُطُراتِ. فكل ذلك سماعيٌّ لا يقاس عليه.
الملحق بجمع المؤنث السالم
يُلحَقُ بجمع المؤنث السّالم في إعرابه شيئانِ، الأولُ (أولاتٍ) ،
بمعنى صاحباتٍ، والثاني ما سُمِّيَ به من هذا الجمع، مثلُ (عَرفاتٍ وأذرعاتٍ) .
جمع المختوم بالتاء
إن جمعتَ المختومَ بالتاءِ هذا الجمعَ، حَذَفتها وجوباً، فتقول في جمع فاطمةً وشجرةٍ (فاطماتٌ وشجراتٌ) .
جمع الممدود
إن كان ما يُرادُ جمعُهُ هذا الجمع ممدوداً، فهمزته تعطى حكمها في التثنية، فتقولُ في جمع عَذراء وصحراء عَذراواتٌ وصحراواتٌ، وتقولُ في جمع قُرَّاةَ ووُضّاءٍ، إِن سَمّيتَ بهما أنثى "قُرَّاءاتٌ) ، ووُضّاءاتٌ، وتقولُ في جمع علْباءَ وسماءَ وحياءَ (أعلاماً لمؤنث) (عِلْباتٌ وسماءاتٌ وحَياءاتٌ، وعلباواتٌ، وسماواتٌ وحياواتٌ) ."
جمع المقصور
إن أردت جمعَ المقصور، فألفُهُ تُعطى حُكمَها في التَّثنية أيضاً، فتقولُ
في جمع حُبْلى فُضْلى (حُبْلياتٌ وفُضْلياتٌ) وفي جمع رجَا وهُدىً (عَلَمَينٍ لمؤنث) (رجَواتٌ وهُدَياتٌ) .
وإن جمعت نحو (صلاةٍ، وزكاةٍ، وفتاةٍ، ونواةٍ) ، مِمّا ألفُهُ مُبدَلةٌ من الواو أو الياءِ، حذفتَ منه التاء، وقلبتَ الألفَ المُبدلة من الواو واواً، والمبدلة من الياءِ ياءً، وجمعتهُ بالألف والتاء "كصَلَواتٍ وزَكَواتٍ وفَتَياتٍ ونَوياتٍ" .
وإن جمعتَ نحوَ "حياةٍ" مما ألفُهُ المُبدَلة من الياءِ مسبوقةٌ بياءٍ، قلبتَ ألفَهُ واواً، وإن كانت ثالثةٌ أصلُها الياءُ كحَيَوات ولا تَقُل "حَيَياتٌ" كراهيةَ اجتماع ياءينِ مفتوحتين.
جمع الثلاثي الساكن الثاني
إن جمعتَ هذا الجمعَ اسماً ثُلاثياً، مفتوح الأولِ، ساكن الثاني، صحيحهُ، خالياً من الإدغام، وجبَ فتحُ ثانيهِ إِتباعاً لأوَّله، فتقول في نحو دعْدٍ وسجدَةٍ وظبيةٍ دَعَداتٌ وسَجداتٌ وظَبيّاتٌ.
قال تعالى: {كذلكَ يُريهم اللهُ أعمالَهم حَسَرات عليهم} [البقرة: 167] وقال الشاعر [من البسيط]
باللهِ يا ظَبَيات القاعِ، قُلْنَ لنا ... لَيْلايَ مِنْكُنَّ أم لَيْلى من البَشَرِ
وأما قوله [من الطويل]
وحُمِّلْتُ زَفْراتِ الضُحا فَأطَقْتُها ... ومالي بِزَفْراتِ العَشَيِّ يَدان
بإبقاءِ الحرف الثاني في "زَفْراتِ" على حالهِ، فضرورةٌ.
وإن جمعت اسماً ثلاثياً، مضمومَ الأول، أو مكسورَةُ، ساكنَ الثاني صحيحَهُ، خالياً من الإدغامِ، مثلُ "خُطْوةٍ" وجُمْلٍ وهنْدٍ وقطْعةٍ وفِقْرة، جاز فيه ثلاثةُ أوُجهٍ، الأوّلُ إِتباع ثانيه لأوَّله كخُطُواتٍ وجُمُلاتٍ وهِنِداتٍ وقِطِعاتٍ وفِقِراتٍ. الثاني فتحُ ثانيه كخُطَواتٍ وجُمَلاتٍ وهِنَداتٍ وقِطَعاتٍ وفِقَراتٍ. الثالثُ إبقاءُ ثانيه على حاله من السكون كخُطْواتٍ وجُمْلاتٍ وهِنْداتٍ وقِطْعاتٍ وفِقْراتٍ.
أمّا الإسمُ فوقَ الثلاثيّ كزينبَ وسُعادَ، والإسمُ الصفةُ كضخْمةٍ وعَبْلةٍ، والإسمُ الثلاثيُّ المُحرّك الثاني كشجرةٍ وعِنَبةٍ، والإسمُ الثلاثيُّ، الذي ثانيه حرفُ علةٍ كجَوْزةٍ وبَيْضةٍ وسُورةٍ، والإسمُ الثلاثيُّ الذي فيه إدغامٌ، كحِجةٍ ومرَّةٍ، فكلُّ ذلك لا تغييرَ فيه، بل يقال "زينباتٌ وسُعاداتٌ وضَخْماتٌ وعَبْلاتٌ وشَجراتٌ وعِنَباتٌ وجَوْزاتٌ وبَيضاتٌ وسَوراتٌ وحِجاتٌ ومَرَّاتٌ" . وبنو هُذَيلٍ يُحرّكون ثانيّ الإسم الثلاثي، إذا كان حرفَ علَّةٍ عند جمعه بالألف والتاء، بالفتح، أيةً كانت حركةُ ما قبله. فيقولون في جمعُ سورةٍ وصورةِ وديمةٍ وبيعةٍ "سُوَرات وصُوَرات وَدِيَمات وبِيَعات" .
(جمع التكسير)
جمع التكسيرِ (ويُسمى الجمعَ المُكسر أيضاً) هو ما نابَ عن أكثر من اثنينِ، وتَغيَّرَ بناءُ مفرده عند الجمع؛ مثلُ "كُتُبٍ وعلماءٍ وكتّابٍ وكواتبَ" .
والتّغييرُ، إما أن يكون بزيادة على أصول المفرد كسهامٍ وأقلامٍ وقلوبٍ ومصابيحَ، وإما بنَقْصٍ عن أصوله كتُخمٍ وسدرٍ ورُسُلٍ، وإِما باختلاف الحركات، كأُسدٍ. وهي جمعُ "سَهمٍ، وقَلبٍ ومصباحٍ وتُخمَةٍ وسدْرةٍ ورسولٍ وأسَدٍ" .
وهو قسمان جمعُ قِلَّةٍ، وجمعُ كثْرةٍ.
فجمعُ القلَّةٍ ما وُضعَ للعددِ القليلِ، وهو من الثلاثة إلى العشرة كأحمالٍ. وجمعُ الكثْرةِ ما تجاوزَ الثلاثةَ إلى ما لا نهاية لهُ كحُمولٍ.
فوائد
(1) جمع القلة يبتديء بالثلاثة وينتهي بالعشرة. وجمع الكثرة يبتديء بالثلاثة ولا نهاية له إلا صيغة منتهى الجموع، فتبتديء بأحد عشر. وذلك إنما هو فيما كان له جمع قلة وجمع كثرة. أما ما لم يكن له إلا جمع واحد ولو كان صيغة منتهى الجموع فهو يستعمل للقلة والكثرة. وذلك كرجال وأرجل وكتب وكتاب وأفئدة وأعناق وكواتب ومساجد وقناديل. أما ما له جمع قلة وجمع كثرة، كأضلع وضلوع وأضالع. فهو كما قدمنا. على أن العرب (كما قال ابن يعيش في شرح المفصل) قد تستعمل اللفظ الموضوع للقليل في موضع الكثير. وإن الجموع قد يقع بعضها موضع بعض ويستغنى ببعضها
عن بعض، والأقيس أن يستغنى بجمع الكثرة عن جمع القلة لأن القليل داخل في الكثير. وأما الجمع السلام فهو بنوعيه يستعمل للقلة والكثرة على الصحيح. وقيل هو من جمع القلة.
(2) إذا قرن جمع القلة بما يصرفه إلى معنى الكثرة انصرف اليها كأن تسبقه "أل" الدالة على تعريف الجنس كقوله تعالى {وأحضرت الأنفس الشح} أو يضاف إلى ما يدل على الكثرة كقوله سبحانه {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} . ومن ذلك قول حسان بن ثابت [من الطويل]
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحا ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فإضافة الأسياف إليهم وهي من جموع القلة صرفتها إلى الكثرة. وأما الجفنات فهي تستعمل للقلة والكثرة لأنها جمع سالم. وهي هنا أيضاً للكثرة على رأي من يقول إن الجمع السالم للقلة لاقترانها بلام التعريف الجنسية. وبهذا تعلم أن الاعتراض على حسان - في استعماله "الجفنات" بدل "الجفان" و "الاسياف" موضع "السيوف" - ساقط وأن القصة المروية في هذا الموضوع التي أبطالها "النابغة وحسان والخنساء والأعشى" مفتعلة لأن هؤلاء أجل من أن يقعوا في مثل هذه الحمأة.
تكسير الأسماء والصفات
لا يُجمع من الأسماء إلا ما كان على ثلاثة أحرف كقلب وقُلوب، أو
على أربعةِ أحرفٍ ككتابٍ وكتُبٍ، ودرهمٍ ودراهمَ، أو على خمسة أحرف، رابعها حرفُ علَّةٍ ساكن كمصباحٍ ومصابيحَ، وقنديلٍ وقناديلَ، وعُصْفورٍ وعصافيرَ، وفرْدَوسٍ وفراديسَ. وما كان منها على غير هذا، فلم يجمعوه إلا على كراهية. وذلك لأنَّ العرب يستكرهون تكسير ما زاد من الأسماء، على أربعة أحرف، إلا أن يكون قبل آخرِه حرفُ علة ساكن. لأن ذلك يفضي إلى حذف شيء من أحرفه، ليتمكنوا من تكسيره. كما جمعوا سفرجلاً وجَحْمَرِشاً وعندليباً على "سفارجَ وعنادلَ وجحامرَ" وما عدا ذلك، من الأسماء فلم يستكرهوا تكسيرَ شيء منه لسهولة تكسيره، من غير إفضاء إلى حذف شيء منه.
أما الصفات، فالأصل فيها أن تُجمع جمع السلامة. وذلك هو قياس جمعها. وتكسيرها ضعيف. لأنه خلاف الأصل في جمعها. قال ابن يعيش، في شرح المفصل "وقد تكسّر الصفة، على ضعف، لغلبة الاسميّة. وإذا كثر استعمال الصفة مع الموصوف، قويت الوصفيّة، وقل دخولُ التكسير فيها. وإذا قلَّ استعمال الصفة مع الموصوف، وكثر إقامتُها مُقامَهُ، غلبت الاسميّة عليها، وقويَ التكسير فيها" اهـ، وحقُّها أن يُجمع المذكرُ العاقل منها، جمعَ المذكر السالم، وأن يُجمع المؤنث منها، والمذكرُ غيرُ العاقل، جمع المؤنث السالم. لكنهم اتّسعوا في تكسيرها، لاتساع ميدان البيان عندهم والحاجة تفْتُقُ الحيلة. فكان ذلك داعياً إلى تكسير الصفات، كما كسّروا الأسماء. لكنهم لم يُكسّروا كلَّ الصفات.
فإنهم امتنعوا من تكسير اسم الفاعل من فوق الثلاثي كمُكرِمٍ ومُنطلقٍ ومُستخرجٍ ومُدحرجٍ ومُتدحرجٍ، ومن تكسير اسم المفعول مطلقاً كمعلومٍ ومُكرَمٍ ومُستخرَجٍ ومُدحرجٍ. وكذلك امتنعوا من تكسير ما كان من الصفات على وزن "فَعّالٍ" كسبّاقٍ، أو "فُعّالٍ" ككُبّارٍ، أو "فعيّلٍ" كصدّيقٍ، أو "فُعّولٍ" كقُدُّوسٍ، أو "فَيْعولٍ" كقَيومٍ. وأما جمعهم "جبّاراً" على "جبابرة" فهو على خلاف الأصل. وهو شاذٌّ في القياس.
جموع القلة
لجمعِ القلَّة أربعةُ أوزان، وهي
(1) أَفْعُل كأنْفُسٍ وأَذْرُعٍ
وهو جمعٌ لشيئين. (الأوَّلُ) اسمٌ ثلاثيٌ، على وزن "فَعْل" صحيح الفاء والعين، غيرُ مُضاعَفٍ، كنَفسٍ، وأنفُسٍ، وظبيٍ، وأطبٍ. وأصلُهُ "أظبيٌ" بوزن "أفعُل" وشذ مجيئه من معتلِّ الفاء. كوجهٍ وأَوجهٍ. ومن معتل العين. كعينٍ وأعيُنٍ. ومن المضاعف. كصَكٍّ وأصُكٍّ، وكفٍّ وأكُفٍّ.
(الثاني) اسمٌ رباعيٌّ مؤنث، قبلَ آخره حرفُ مَدٍّ كذراعٍ وأذرُعٍ، ويمينٍ وأيُمنٍ، وشلَّ مجيئهُ من المذكر كشهابٍ وأشهبٍ، وغُرابٍ، وأغرُبٍ وعَتادٍ وأعتُدٍ، وجَنينٍ وأجْننٍ.
فوائد
(1) المرادُ بالاسم في باب جمع التكسير ما كان من الأسماء غير صفة (كما قدمنا) كاسم للفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة ونحوها. فمتى اختص وزن من أوزان الجموع المكسرة بالأسماء فلا تجمع عليه الصفات. وحيث اختص بالصفات فلا تجمع عليه الأسماء فليتنبه الطالب لذلك كيلا يلتبس عليه الأمر.
(2) إذا قيل إن كذا - من أوزان الجموع - جمع لكذا من الأسماء أو الصفات - فالمراد به أن هذا هو قياس جمعه وأنه لا يجمع قياساً على هذا الجمع إلا ما اجتمعت فيه شروط جمعه عليه وأن ما جمع عليه مما لم يستوف الشروط فهو شاذ لا يقاس عليه غيره. وليس المراد أن كل ما اجتمعت فيه الشروط يجوز أن يجمع على هذا الوزن. فقد تجتمع الشروط في اسم أو صفة، ولا يجمعان على ما هو قياس جمعها.
(3) الصفة التي تخرج عن معنى الوصفية إلى معنى الاسمية تعامل في الجمع معاملة الأسماء لا الصفات ألا ترى أنهم جمعوا "عبداً" على "أعبد"
لاستعمالهم إياه استعمال الأسماء. والعبد الإنسان، حراً، كان أو رقيقاً. والعبد الرقيق خلاف الحر. قال سيبويه هو في الأصل صفة لكنه استعمل استعمال الأسماء. ثم ألا ترى أنهم جمعوا (أسود) صفة على (سود) (كما هو قياس جمعه) ثم حين أرادوا به معنى (الحية) جمعوه على (أساود) كأجدل وأجادل وأنهم جمعوا (خضراء) مؤنث (أخضر) على (خضر) بضم فسكون (كما هو قياس جمعها) ثم لما أرادوا بها معنى الخضر من البقول جمعوها على (خضراوات) كما تجمع الأسماء من نوعها كصحراء وصحراوات. وفي الحديث "ليس في الخضراوات صدقة" يعني الفاكهة والبقول. قال في النهاية قياس ما كان على هذا الوزن من الصفات أن لا يجمع هذا الجمع. وإنما يجمع به ما كان اسماً لا صفة نحو (صحراء وخنفساء) . وإنما جمعه هذا الجمع لأنه قد صار اسماً لهذه البقول بعد أن كان صفة. والعرب تقول لهذه البقول الخضراء لا يريدون لونها.
(2) أفعالٌ كأجدادٍ وأَثوابٍ
وهو جمعٌ للأسماء الثلاثية، على أي وزنٍ كانت كجَملٍ وأجمالٍ، وعَضُدٍ وأعضادٍ، وكَبدٍ وأكبادٍ، وعُنُقٍ وأعناقٍ، وقُفْلٍ وأقفالٍ، وعِنبٍ وأعنابٍ، وإبلٍ وآبالٍ، وحِمْلٍ وأحمالٍ، ووقتٍ وأوقاتٍ، وثوبٍ وأثوابٍ، وبيتٍ وأبياتٍ، وعمٍّ وأعمامٍ، وخالٍ وأخوالٍ.
ويُستثنى منها شيئان (الأوَّلُ) ما كان على وزن "فُعَلٍ" ، بضمٍ ففتحٍ. وشذَّ جمع "رُطَبٍ" على "أرطابٍ" . (الثاني) . ما كان على وزن
"فَعْلٍ" ، بفتح فسكون، وهو صحيحُ الفاء والعين، غيرُ مُضاعفٍ، فلا يُجمَعُ على "أفعالٍ" قياساً. وإنما يُجمَعُ على "أفعُلٍ" ، كما تقدم. لكنه قد شذَّ جَمعُ "زَنْدٍ وفَرْخٍ ورَبْعٍ وحَمْلٍ" على وزن أزنادٍ وأفراخٍ وأرباعٍ وأحمالٍ "."
وشذَّ، من الصفات، جمعُ "شهيدٍ وعَدُوٍّ وجِلْفٍ" على "أشهادٍ وأعداءٍ وأجلافٍ" .
(3) أَفعِلَة كَأَعْمدَةٍ وأَنْصِبَةٍ
وهو جمعُ لاسم رباعيٍّ، مذكر، قبلَ آخرهِ حرفُ مدّ كطعامٍ وأطعمةٍ، وحمارٍ وأحمرةٍ، وغُلامٍ وأغلمةٍ، ورَعيفٍ وأرغفةٍ، وعمودٍ وأعمدةٍ، ونِصابٍ ونَصيبٍ، وأنصبةٍ، وزِمامٍ وإزِمّةٍ (وأصلها أزْمِمَةٍ، بوزن أفعلةٍ) .
وشذَّ من الأسماء جمع "جائزٍ" على "أجوِزة" و "قَفاً" على "أقفيةٍ" . وشذَّ من الصفات جمعُ شحيحٍ على "أشِحّةٍ" ، وعزيزٍ على "أعِزَّةٍ" ، وذليلٍ على "أذِلَّةٍ" .
(4) فِعْلَة كَفِتيةٍ وشِيخَة
وهذا الجمعُ لم يطّرد في شيء من الأوزان. وإنما هو سَماعيٌّ، يُحفظ ما ورَدَ منه ولا يقاس عليه. وسُمعَ منه (شيخٌ وشيخةٌ، وفَتًى وفتْيةٌ، وغُلامٌ وغلْمةٌ، وصبيٌّ وصبْيةٌ، وثورٌ وثيرةٌ، وشُجاعٌ وشجْعةٌ، وغزالٌ وغزْلةٌ، وخَصيٌّ وخصْيةٌ وثِنًى وثنْيةٌ، ووَلدٌ وولْدةٌ وجليلٌ وجلَّةٌ، وعليٌّ وعلْيةٌ، وسافلٌ وسفْلةٌ) .
ولأنه لا قياسَ فيه ولا اطّراد، قال ابن السرَّاج انه اسم جمع. لا جمعٌ. وما قوله ببعيد من الصواب.
جموع الكثرة
لجمعِ الكَثْرةِ (ما عدا صِيَغَ مُنتهى الجموع) ستَّةَ عشرَ وزناً وهي
(1) فُعْلٌ كَحُمْرٍ وعُورٍ
وهو جمعٌ لِما كان صفةً مشبهةً، على وزن "أفعلَ" أو "فَعْلاءَ" كأحمر وحمراءَ وحُمْر، وأعورَ وعوراءَ وعُورٍ. وما كان منه كأبيضَ مما عينه ياءٌ، كُسرَ أوَّله في الجمع كبِيض.
(2) فُعُلٌ كَصُبُرٍ وكُتُبٍ وذُرُعٍ
وهو جمعٌ لشيئينِ (الأول) "فَعُول" بمعنى "فاعلٍ" كصبور وصُبُرٍ، وغَيورٍ وغُيُرٍ. وقد جمعوا، على خلاف القياس، نَذيراً وخَشِناً ونجيباً ونجيبةً على "نُذُرٍ وخُشُنٍ ونُجُبٍ" .
(الثاني) اسمٌ رباعي، صحيحُ الآخر، مزيدٌ قبل آخره حرف مَدٍّ، ليس مختوماً بتاءِ التأنيث ككتابٍ وكُتُبٍ، وعَمُودٍ وعُمُدٍ، وقَضيب وقُضُبٍ، وسريرٍ وسرُرٍ، ولا فرقَ أن يكونَ مذكراً كهذه الأمثلة أو مؤنثاً كعَناقٍ وعُنُقٍ، وذِراعٍ وذُرُعٍ.
وشذَّ جمعُ خشبَةٍ وخَشَبٍ وصحيفةِ على خُشُبٍ وصُحُفٍ.
وما قالوه من أنه شذَّ جمعُ سقْفٍ ورَهْنٍ وسِتْرٍ على "سُقُفٍ ورُهُنٍ وسُتُرٍ" فهو غيرُ واقع. لأن هذه الجموع ليست لهذه المفردات. فالسقُفُ جمع "سَقيفٍ. والرهُنُ جَمعُ" رِهانٍ "، وهذا جمع" رَهنٍ "فهي جمع الجمع، والسترُ" جمع "ستارٍ" وكل ذلك على القياس. وأمّا السَقْفُ والرَّهنُ والسَّتْرُ، فجمعها "سُقوفٌ مورِهانٌ ورُهونٌ وسُتُورٌ" قياساً، لا "سُقُفٌ ورُهنٌ وسُتُرٌ" شذوذاً.
(3) فُعَلٌ كَغُرَفٍ وحُجَجٍ وكُبَرٍ.
وهو جمعٌ لشيئين (الأول) اسمٌ على وزن "فُعْلة" كغُرْفةٍ وغُرَفٍ،
وحُجّةٍ وحُجَجٍ، ومُدْيةٍ ومُدىً. وأما جمعُ "رُؤيْا وَنوْبة وَقرْيةٍ" على "رؤىً ونُوَبٍ وقُرىً، فهو مخالفٌ للقياس. وأما جمعُ النوبة (بضم النون) على" نُوَب "فهو على القياس."
(الثاني) صفةٌ على وزن "فُعْلى" مُؤَنث "أفعلَ" ككُبْرى وكُبَرٍ، وصُغرَى وصُغَرٍ.
(4) فِعَلٌ كَقِطَعٍ وحِجَجٍ.
وهو جمعٌ لاسمٍ على وزن "فِعْلة" كقِطْعةٍ وقِطَعٍ وحٍجةٍ وحِجَج، ولِحْيةٍ، ولِحىً، وقد جمعوا "قَصعة" على "قِصع" ، شُذوذاً.
(5) فُعَلة. كَهُداةٍ (وأصلُها. هُدَيَةٌ) .
وهو جمعٌ لصفةٍ، مُعتلَةِ اللامِ، لمذكرٍ عاقلٍ، على وزن "فاعل" ، كهادٍ وهُداةٍ، وقاضٍ وقضاةٍ، وغازٍ وغُزاةٍ، وجاءَ شُذوذاً، جمعُ كميٍّ
وسَريٍّ وبازٍ وهادرٍ على "كمُاةٍ وسُراةٍ وبُزاةٍ وهُدَرَةٍ" .
(6) فَعَلة كَسحَرَةِ وَبَرَرَةٍ وباعَةٍ.
وهو جمع لصفةٍ، صحيحة اللام، لمذكرٍ عاقلٍ، على وزن "فاعل" كساحرٍ وسحَرةٍ، وكاملٍ وكمَلةٍ، وسافرٍ، وسَفرَةٍ، وبارٍّ وبَررَة، وبائعٍ، وباعةٍ، وخائن وخانةٍ وشذَّ جمع سَريٍّ على "سَراةٍ" ، كما شذَّ جمعه على "سُراةٍ" . وقياسُ جمعه "أسرياء" ، كنبيٍّ وأنبياء.
(7) فَعْلى كَمَرْضى وقَتْلى
وهو جمعٌ لصفةٍ على وزن "فَعيلٍ" ، تَدلّ على هُلْكٍ أو تَوجُّعٍ أَو بليَّةٍ أو آفةٍ كمريضٍ ومَرْضى، وقتيلٍ وقَتْلى، وجريحٍ وجرحى، وأَسيرٍ وأَسرى، وشَتيتٍ وشَتَّى، وزَمِينٍ وزَمنى.
وقد يكون هذا الجمعُ لغير "فَعيلٍ" مِمّا يدل على شيءٍ ممّا تقدَّم كهَلْكى ومَوْتى وحَمقى وسَكْرى، جمع طهالك ومَيّتٍ واحمقَ وسكرانَ "."
(8) فِعَلَة "كَدِرَجَةٍ ودِبَبَةٍ."
وهو جمع لاسمٍ ثلاثيّ، صحيحِ اللام، على وزن "فُعْل" كدُرْج ودِرِجةً، ودُبٍّ ودِبَبَة. وقد جمعوا قِرداً على "قِردَةٍ" وهادراً على "هِدَرةٍ" على غير قياس.
(9) فُعَّلٌ كَرُكَّعٍ وصُوّمٍ
وهو جمعٌ لصفة، صحيحة اللام، على وزن "فاعلٍ" أَو "فاعلة" كراكعٍ ورُكَّعٍ، وصائمٍ وصُوَّمٍ، ونائمٍ ونُوَّم. وقد يكون نادراً، من معتلِّ اللام كغازٍ وغُزَّى، وشذَّ جمعُ نُفَساءَ وخَريدة وأَعزل على "نُفَّسٍ وخُرَّدٍ وعُزَّلٍ" .
(10) فُعّالٌ كَكُتّابٍ وقوّامٍ
وهو جمع لصفة، صحيحةِ اللام، على وزن "فاعلٍ" ككاتب وكتَابٍ، وقائمٍ وقُوَّامٍ، وصائمٍ وصُوَّام. وندرَ مجيئُهُ من معتلّ اللام كغازٍ وغُزَّاءٍ.
(11) فِعالٌ كَجبالٍ وصِعابٍ.
وهو جمعٌ لستة أَنواع (الأول) اسمٌ أَو صفة، ليست عينهما ياءً، على
وزن "فَعْلٍ" أَو "فَعْلَةٍ" . فالاسمُ ككعبٍ وكعابٍ، وثوبٍ وثيابٍ، ونارٍ ونيارٍ، وقصعةٍ وقصاع، وجنَّةٍ وجنان. والصفةُ كصعبٍ وصعبة وصِعاب، وضخمٍ وضخمةٍ وضِخام. وندرَ مجيئُهُ من معتلِّ العين كضيعة وضياعٍ، وضيفٍ وضياف.
(الثاني) اسمٌ صحيحُ اللام غير مُضاعف، على وزن "فَعَلٍ" أَو "فَعَلة" كجَمَلٍ وجِمال، وجَبلٍ وجِبال، ورَقبَة ورِقاب، وثَمَرة وثِمار.
(الثالث) اسمٌ على وزن "فِعْل" كذِئب وذئاب، وبِئْر وبئار، وظلٍّ وظِلال.
(الرابع) اسمٌ على وزن "فُعْل" ، ليست عينه واواً، ولا لامه ياءً كرُمح ورِماح، وريح ورياح، ودُهن ودِهان.
(الخامس) صفةٌ صحيحةُ اللام، على وزن "فَعيل" أَو "فعيلة" ككريم وكريمة وكرام، ومريض ومريضة ومِراض، وطويل وطويلة وطِوال.
(السادس) صفةٌ على وزن "فَعْلان" أَو "فَعْلى" أَو "فَعْلانة" أَو "فُعْلانة" كعطشانَ وعَطْشى وعطشانة وعِطاش ورَيّان ورَيّا ورواءٍ، ونَدمانَ ونَدمى ونِدام، ونَدمان وندمانة ونِدامٍ، وخُمصان وخُمصانة وخِماص.
وما جُمع على "فِعال" . من غير ما ذُكر، فهو على غير القياس. وذلك كراعٍ وراعية ورِعاءٍ، وقائمٍ وقائمة وقيام، وصائم وصائمة وصِيام، وأَعجف وعجفاءَ وعِجاف، وخَيّر وخِيار، وجَيدٍ وجِياد، وجَواد وجِياد، وأَبطحَ وبَطحاءَ وبِطاح وقَلُوص وقِلاص، وأنثى وإناث، ونُطْفة ونِطاف، وفصيل وفِصال، وسَبُع وسِباع، وضَبع وضِباع، ونُفساءَ ونِفاس، وعَشراءَ وعِشار.
(12) فُعولٌ كقُلوبٍ وكُبود.
وهو جمعٌ لأربعة أَشياءَ (الأول) اسمٌ على وزن "فَعِل" ككبد وكُبُود، ووَعِل ووُعول، ونمر ونُمُور. وقد جاءَ في الشعر جمعُ نَمرٍ على "نُمُر" (بضمتين) للضرورة، كأنه اختصر نُمُوراً.
(الثاني) اسمٌ على وزن "فَعْل" ، ليست عينه واواً كقلب وقُلوب وليث وليوث.
(الثالث) اسمٌ على وزن "فِعْلٍ" كحِمْل وحُمُول، وفيل وفُيول، وظِلٍّ وظُلول.
(الرابع) اسمٌ على وزن "فُعْلٍ" ليس معتلِّ العين ولا اللام، ولا مُضاعفاً كبُرْد وبُرود، وجُند وجُنود. وشذّ جمعُ "حُصٍّ" على "حُصوص" . لأنه مضاعف.
وما كان على وزن "فَعَل" (بفتح الفاء والعين) لا يُجمع على "فُعُول" ، لأنه ليس قياسَ جمعه. إلا ألفاظاً منه جمعوها عليه كأسد وأُسود، وشجَن وشُجُون، ونَدب ونُدوب، وذكر وذُكور، وطَلَل وطُلول.
(13) فِعْلان كَغِلْمان وغِرْبان.
وهو جمعٌ لأربعة أَشياءَ (الأول) اسمٌ على وزن "فُعالٍ" كغُلام وغِلْمان، وغراب وغرْبان، وصُؤاب وصئْبان.
(الثاني) اسمٌ على وزن "فُعَل" كجُرَذ وجِرذان، صُرَد وصَرْدان.
(الثالث) اسمٌ عينه واو، على وزن "فُعْلٍ" كحوتٍ وحيتانٍ، وعُودٍ وعِيدان، ونُور ونِيران وكوز وكيزان.
(الرابع) اسمٌ على وزن "فَعلٍ" ، ثانية الفٌ أصلها الواو. كتاجٍ وتيجان، وجارٍ وجيران، وقاعٍ وقِيعان، ونار ونِيران، وبابٍ وبيبان، والألف في المفرد منقلبة عن الواو والأصل "تَوَجٌ وجَوَرٌ وقَوَعٌ ونَوَرٌ وبَوبٌ" .
وما جُمع، غير هذه الأربعة، على "فِعْلان" ، فهو على خلاف القياس كصِنْوٍ وصِنْوانٍ، وغزالٍ وغِزلانٍ، وصِوارٍ وصِيران، وظليم وظِلمان، وخروف وخِرفان، وقِنْوٍ وقِنوان، وحائطٍ وحيطان، وحِسْلٍ وحِسْلانٍ، وخِرصٍ وخرصان، وخيطٍ وخيطان، وشيحٍ وشيحان،
وضَيْف وضيفان، وشيخ وشيخان، وفَصيلٍ وفِصلان، وصبيّ وصِبيان، وشُجاع وشُجْعان.
(14) فُعْلان كَقُضْبانٍ وحُمْلانٍ
وهو جمعٌ لثلاثةِ أَشياء، (الأوَّل) اسم على وزن "فَعيل" كقَضيبٍ وقُضبان، ورغيفٍ ورُغفان، وكثيب وكُثْبان، وفَصيلٍ وفُصلان، وقَفيرٍ وقُفران وبعير وبُعران، وقَفير وقُفزان.
(الثاني) اسمٌ صحيح العين، على وزن "فَعَلٍ" كحَمَلٍ وحُمْلان، وذكر وذُكران، وخَشَبٍ وخُشْبان، وجَذَع وجُذعان.
(الثالث) اسمٌ صحيحُ العينِ، على وزن "فَعْل" كظهْر وظهران،
وبطن وبُطنان، وعبْدٍ وعُبدان، ورَكْب ورُكبان. ورَجْلٍ ورجْلان.
وما وردَ، من غير هذه الثلاثة، مجموعاً على "فُعلان" ، فهو على غير القياس كواحدٍ ووُحْدان، وأَوحدَ وأُحدان، وجدار وجُدران وذِئبٍ وذُؤبان، وراع ورعُيان، وشابٍّ وشُبّان، وخرص وخُرصان، وزُقاق وزُقَّان، وزِقٍّ وزُقَّان، وحائر وحُوران، وحُوار وحُوران، وشُجاعٌ
وشُجعان، وأسودَ وسُودان، وأحمَر وحُمْران، وأبيضَ وبيضان، وأعمى وعُميان، وأعورَ وعُوران.
"والذي نراه أن" السودان "وما بعدها، إنما هي جمع" سود وحمر وبيض وعمي وعور "، وأن هذه هي جمع" أسود وأحمر وأبيض وأعمى وأعور ". ومع هذا فجمعها على فعلان" مخلف للقياس "."
(15) فُعَلاءُ كَنُبهاءَ وكُرَماء.
وهو جمعٌ لشيئينِ (الأولُ) صفةٌ لمذكر عاقل على وزن "فَعيل" ، بمعنى "فاعل" ، صحيحه اللامِ، غيرُ مَضاعفة، دالة على سجية مدح أو ذمٍّ. كنبيهٍ ونُبهاءِ، وكريم وكُرماءَ، وعليم وعُلمَاءَ، وعظيمٍ وعُظَمَاءَ، وظريفٍ وظُرفاءَ، وسميحٍ وسُمَحاءَ، وشجيعٍ وشُجعاءَ، ولئيم ولُؤَماءَ، وبخيل وبُخلاءَ، وخُشين وخشَناءَ، وسميجٍ وسُمَجاءَ، وجبينٍ وجُبناءَ. أو تدل على مشاركة كشريك وشُركاءَ وجليس وجُلساءَ، وخليط وخُلطاءَ، ورفيقٍ ورُفقاءَ، وعَشير وعشراءَ، ونديمٍ ونُدماءَ, وهي بمعنى مُشاركٍ ومُجالِسٍ ومُخالطٍ ومُرافقٍ ومُعاشِرٍ ومنادمٍ.
(الثاني) صفةٌ لمذكر عاقلٍ، على وزن "فاعلٍ" ، دالةٌ على سجيّة
مدحٍ أو ذمّ كعالم وعُلماءَ، وجاهل وجُهلاءَ، وصالح وصُلحَاءَ، وشاعر وشُعراءَ. وشذَّ جمع جبانٍ على "جُبَناء" .
(16) أفعِلاءُ كَأَنبياءَ وأشِدَّاءَ.
وهو جمع لصفةٍ على وزن "فَعيلٍ" معتلَّةِ اللام. أو مضاعفةٍ. فالمعتلة اللام كنبي وأنبياءَ، وصفيٍّ وأصفياءَ، ووصيٍّ وأوصياءَ، وولي وأولياءَ. والمضاعفة كشديدٍ وأشِدّاءَ، وعزيز وأعزَّاءَ، وذليل وأذِلاءَ.
صيغ منتهى الجموع
من جموع الكثرةِ جمعٌ يقال له "منتهى الجموع" و "صيغة منتهى الجموع" وهو كلُّ جمع كان بعد ألف تكسيره حرفان، أو ثلاثةُ أحرف وسطُها ساكنٌ كدراهمَ ودنانيرَ.
وله تسعةَ عشَر وزناً. وهي كلها لمزيدات الثلاثيّ، وليس للرُّباعي الأصول وخماسيّة إلا "فعالِلُ وفعاليلُ" ويشاركهما فيهما بعضُ المزيدِ فيه من الثلاثي، كما سترى.
(1 و2) فعالِلُ وفَعالِيلُ كَدَراهِمَ ودَنانيرَ.
ويُجمعُ على "فعاللَ" كلُّ اسم رباعيّ الأصول، مجرَّد كدرهم ودراهمَ، والمزيدُ فيه منه كغَضنْفَر وغَضافِرَ، والأسماءُ الخماسيّةُ
الأصولِ المجرَّدةُ كسفرجل وسفارج، والزيدُ فيه منه كعَندليبٍ وعَنادلَ.
ويُجمعُ على "فَعاليلَ" ما كان من ذلك مزيداً قبل آخره حرفُ علَّةٍ ساكنٌ كقرطاس وقراطيسَ، وفرْدوْس وفراديسَ، وقنديل وقناديل، ودينار ودَنانير.
ويلحقُ بالرباعيِّ المجرَّدِ ومزيده (من حيث جمعُهُ على فعاللَ أو فعاليلَ) ما يُشبههما من الثلاثي المزيدِ في حشوه، أو في آخره، حرفٌ صحيح. فالمزيدُ في حشوه كسُنْبُل وسنابل، وقُمَّسٍ وقمامسَ، وسكين وسكاكين، وسَفود وسَفافيد، وفَرُّوخ وفراريخ. والمزيدُ في آخره كشَدقهم وشَداقم، وفَسْحُم وفَساحم، وقُعْدُد وقعاددَ،
وسرحانٍ وسراحين، وشِمْلال وَشماليل.
"أما الثلاثي الأصول، الذى زيادته في أوله كاصبع، المزيد فيه حرف علة في حشوه كخاتم وكودن وصيرف وصحيفة وعجوز، أو في آخره كحبلى وكرسي، فله غير" فعالل وفعاليل "من صيغ منتهى الجموع الآتي بيانها"
(3 و4) أَفاعِلَ وأفاعيلُ كأَنامِلَ وأضابيرَ
ويجمع على "أفاعلَ" شيئانِ (الأوَّل) ما كان على وزن "أَفعل" ، صفة للتَّفْضيل كأفضَل وأفاضلَ. فإن كان صفة لغير التفضيل كأحمر وأزرق وأسود وأعرج وأعمى، لم يُجمع عليها وإنما يُجمع على "فُعْل" كحمر وزُرق. كما تقدم، إلا إذا خرجَ عن معنى الوصفيَّة إلى معنى الاسميَّة، فيجمع هذا الجمع كأسود (للحيَّة) واساودَ، وأجدل (للصقر) وأجادل، وأدهم (للقيد) وأداهمَ. ومثل أحمر وأزرق وأعرجَ وأعمشَ (أعلاماً) ، فتجمعُ على "أحامرَ وأزراقَ وأعارجَ وأعامشَ" .
(الثاني) اسمٌ على أربعة أحرف، أوَّله همزةٌ زائدة كإصبع وأصابعَ، وأُنمُلة وأناملُ. ولا يعتدُّ بعلامة التأنيث التي تلحقه، كما رأيتَ. وكذا لا يعتدُّ بها في كل الصّيَع التي ستُذكر.
ويُجمع على "أفاعيل" ما كان من ذلك مزيداً قبل آخره حرفُ مدّ كأسلوب وأساليبَ، وإضبارة وأضابيرَ.
(ومثل "أدم" وزنه "فاعل" لأن أصله أأدم "، قلبت همزته الثانية مدة، ويجمع على" أوادم "على وزن" أفاعل "لا على وزن" فواعل "كما قالوا. وذلك لأن الهمزة في أوله هي زائدة وهي همزة" أفعل "الصفة المنقول عنها الإسم. فهي كهمزة" أجدل "نثبتها في الجمع كما نثبتها في" جادل "."
وتقول في جمع أول. "أوائل" بوزن "أفاعل" . لأن "أول" أصله "أوأل" أو "أأول" وكلاهما وزنه "أفعل" .
وهكذا تقول في كل ما كان على وزن "أفعل" من الأسماء أو الصفات التي تشبه ما ذكرنا.
(5 و6) تفاعلُ وتفاعيلُ كتَجارِبَ وتسابيحَ.
ويُجمع على "تَفاعلَ" اسمٌ على أَربعة أَحرف، أَوَّله تاء زائدة. كتنبل
وتنابِلَ، وتجربةٍ وتجاربَ.
ويجمع على "تفاعيل" ما كان منه مزيداً قبل آخره حرفُ مد كتقسيمٍ وتقاسيمَ، وتسبيحة وتسابيح، وتنبالٍ وتُنبولٍ وتنْبالة وتنابيل، وتفراج وتفاريج.
(7 و8) مفاعل ومفاعيل كمساجد ومصابيح.
ويجمع على (مفاعل) ما كان على أربعة أحرف، أوله ميم زائدة "كمسجد ومساجد، ومكنسة ومكانس" .
(وما كان منه ثالثه حرف مد "والحرف هنا لا يكون إلا أصلياً، أو منقلباً عن أصل" ، فإن كان ياء أبقيتها على حالها، كمصيف ومصايف، ومعيشة ومعايش، ومعيبة ومعايب. وإن كان منقلباً عن أصل رددته إلى أصله: كمفازة ومفاوز "واشتقاقها من الفوز" ومغارة ومغاور "واشتقاقها من الغور" ومنارة ومناور "واشتقاقها من النور" : ولا يجوز قلب حرف المد هنا همزة لأنه ليس بزائد كما هو في صحيفة وصحائف، ومدينة ومدائن، وسحابة وسحائب وكلها بوزن "فعائل" إلا ما شذ من قولهم مصيبة ومصائب. وحقها أن تجمع على "مصاوب" لكن العرب قد أجمعت على همز "المصائب" وقد قيل "همز المصائب من المصائب" على أنها قد أجمعت أيضاً على مصاوب، كما هو القياس. وكذا قالوا في جمع منارة "مناور" على القياس، و "منائر" على الشذوذ) .
ويجمع على "مفاعيل" ما كان من ذلك مزيداً قبل آخره حرف مدٍّ كمصباح ومصابيح، ومطمورة ومطامير وميثاق ومواثيق.
(9 و10) يَفاعِلُ ويفاعيلُ كيَحامِدَ ويحاميمْ.
يُجمع على "يفاعل" اسم على أربعة أحرف، أوله ياءٌ زائدة "كيحمد ويحامدَ، ويُعملةٍ ويَعاملَ" .
ويُجمع على "يفاعيل" ما كان منه مزيداً قبل آخره حرفُ مدٍّ "كيحموم ويحاميمَ، ويَنبوعٍ وينابيع" .
(11 و12) فواعلُ وفواعيلُ كخَاتِمَ وطواحينَ.
يُجمع على "فواعل" ثلاثة أشياء (الأوَّل) اسمٌ على أربعة أحرف، ثانيه واو أو ألف زائدتان "ككوثر وكواثر، وخاتم وخواتم، وجائز"
وجوائز، وخالفةٍ وخوالف، وناصية ونواصٍ، ونافقاءَ ونوافق إلا ما كان منه معتل العين واللام، فيجمع على مثال "فعالى" (بفتح الفاء واللام) "كزاوية وزوايا، وراوية وروايا، وحاوية وحاوياء وحوايا" .
(الثاني) ما كان من الصفات على وزن "فاعل" ، للمؤنث "كحائض وحوائض، وطالق وطوالق، وناهد ونواهد" . أو للمذكر غير العاقل "كصاهل وصواهل، وشاهق وشواهق" . وشذ جمعهم "هالكاً وناكساً وفارساً" من المذكر العاقل، "هواجس ونواكس وفوارس" .
(الثالث) ما كان من الصفات على وزن "فاعلة" "ككاتبة وكواتب، وشاعرة وشواعر، وخاطئة وخواطئ، وخاطية وخواط وما كان منه يوصف به المذكر والمؤنث، فيجع على" فواعل "أيضاً" كخالفة وخوالف "."
ويجمع على "فواعيل" ما كان من ذلك مزيداً قبل آخره حرفُ مد "كطاحونة وطواحين، وطومار وطوامير" .
واعلم أن الجواهر والجوارب والكواغد والطواجن ونحوها، من الجموع التي مفرداتها معربة، ليس وزنها فواعل، كما قالوا، وإنما هو فعالل، وكذلك اليواقيت والشواهين والجواميس والخواتين ونحوها، ليس وزنها فواعيل. وإنما هو فعاليل. لأن وزن فواعل وفواعيل لما كان ثانيه ألفاً أو واواً زائدتين. وهذه الكلمات أعجمية معربة، ولا يجوز أن يحكم بزيادة حرف في كلمة غير عربية، إذ لا وجه للحكم بزيادة حرف في كلمة غير عربية، إذ لا وجه للحكم بالزيادة. فالألف والو فيها أصليتان، كالدال في درهم والراء في قرطاس. هذا هو الحق عند التحقيق.
(13 و14) فياعل وفياعيل كصَيارف ودياجير.
ويجمع على "فياعل" ما كان على أربعة أحرف، ثانيه ياء زائدة "كصيرف وصيارف وهيزعة وهيازع" .
ويجمع على "يفاعيل" ما كان منه مزيداً قبل آخره حرفُ مدٍّ "كديجور"
ودياجير، وصيخود وصياخيد، وصيداح وصياديح "."
(15) فعائل كصَحائف وسحائب وكرائم.
ويُجمعُ عليها شيئان "الأول" اسمٌ مؤنثٌ، على أربعة أحرف، قبل آخره حرف مد زائد، سواء أكان تأنيثه بالعلامة "كسحابة وسحائب، ورسالة ورسائل، وذؤابة وذوائب، وحمولة وحمائل وصحيفة وصحائف، وخليفة وخلائف، وحلوبة وحلائب، وركوبة وركائب، ونطيحة ونطائح، وذبيحة وذبائح أم كان مؤنثاً بلا علامة" كشَمال (بفتح الشين) وشمالٍ بكسرها) وشمائل، وعُقاب وعقائب،
وعجوز وعجائز، وسعيد (علم امرأة) وسعائد ". تقلب حرف المد في كل ذلك همزة."
وأما نحو "عروب ونوار وجبان وفروقة" ، فلا يجمع على "فعائل" لأن هذه الصفات لم تخرج عن معنى الوصفية إلى معنى الاسميّة. فإن سميت بها جمعتها عليها.
وشذ من المؤنث جمع ضَرة وحرة على "ضرائر وحرائر، لأنه لم يزد قبل آخرها حرفُ مد. وشذ من المذكر جمع" صحيح ووصيد على صحائح ووصائد.
(الثاني) صفة على وزن "فعيلة" بمعنى (فاعلة) ككرمية وكرائم، وظريفة وظرائف، ولطيفة ولطائف، وبديعة وبدائع.
(وأما "فعيلة" بمعنى مفعولة، باقية على الوصفية، فلا تكون. لانه يجب ترك التأنيث اللفظي فيها، فيقال "امرأة قتيل وجريح" فإِن أنَّثْتَ عند اللبس، لعدم ذكر الموصوف كرأيت قتيلة وجريحة، فهي لا تجمع أيضاً على "فعائل" ، لأن التاء عارضة. وأما قولهم "نطيحة وذبيحة" فهما اسمان لما ينطح ويذبح من الحيوان، مذكراً كان أو مؤنثاً. وليستا صفتين، لأنهما خرجتا عن الوصفيّة إلى الإسمية. لذلك جمعوها على "نطائح وذبائح" ) .
(16) فَعالى "بفتح الفاء واللام" كعذارى وغضابى.
(17) فُعالى "بضم الفاء وكسر اللام" كتراق وموام.
(18) فُعالى "بضم الفاء وفتح اللام" كسكارى وغضابى.
ويجمعُ على "الفَعالى" والفَعالي "أربعة أشياء (الأول) اسم على وزن (فعلى) بفتح فسكون" كفتوى وفتاوى وفتاوٍ "."
(الثاني) اسمٌ على وزن (فعلى) بكسر فسكون كذفرى وذَفارى وذفار "."
(الثالث) ما كان على وزن فعلاء (اسماً) كصحراء وصَحارى وصحار "، أو صفة لأنثى ليس لها مذكر" كعذراء وعذارى وعذار "."
(الرابع) ما كان على وزن "فُعلى" ، بضم فسكون صفة لأنثى ليس لها مذكر "كحبلى وحبالى وحَبالٍ" . و "الفعالى" ، في ذلك كله، هي الأصلُ. وقد فتحوا لامها تخفيفاً.
يُجمع على "الفَعال والفعالى" صفة على وزن "فَعلانَ" أو "فعلى" "كغضبان وغَضبى وغضابى، وسكران وسكرى وسَكارى وسُكارى، وعطشان"
وعَطشى وعَطاشى وعُطاشى، وكسلانَ وكسلى وكَسالى وكُسالى، وغَيرَان وغَيرَى وغَيارى وغُيارَى ". والأفضلُ ضمُّ أولها في الجمع. وقد جمعوا، على غير قياس أسيراً على" أُسارى "، وقديماً على" قُدامى "."
ويُجمع على "الفعالى" ، وحدها، ثلاثةُ أشياء (الأول) اسم معتل اللام على وزن "فَعيلة" "كهديَّة وهدايا" .
(الثاني) اسمٌ معتلُّ اللام على وزن "فَعالة" بفتح الفاء، أو فِعالة، بكسرها أو "فُعالة" بضمها "كجداية وجدايا، وهِراوة وهَراوى. ونُقاية ونَقاية" .
(الثالث) اسم معتل العين واللام، على وزن "فاعلة" "كزاوية وزوايا."
وقد جمعوا على قياس، يتيما وأيماً وطاهراً على "يتامى وأيامى وطَهارَى" .
(وزوايا في الحقيقة، وزنه "فواعل" "ككاتبة وكواتب والأصل" زوابي "فاستثقلوه فقلبوه إلى" زوايا "بضرب من الإبدال، كما ستعلم في بابه، مشابهاً لفعالى، من حيث زنتها اللفظية. وقد أهمل النحاة ذكر هذه الأنواع الثلاثة، المتقدمة في باب منتهى الجموع، اعتماداً على ما ذكروه في باب الإبدال) ."
ويُجمع على "الفَعالِي" ، وحدها، شيئان (الأول) اسم ثلاثي
مختوم بتاء التأنيث، مزيد في آخره حرفُ علة "كالمؤماة والموامي، والسعلاة والسَّعالي" والهبرية والهباري، والتَّرُقوَة والتراقي.
(الثاني) ما كان ثلاثياً مزيداً فيه حرفان، أحدهما في حشوه، والآخر حرف علة في آخره "كحبنطي" . ومثلُ هذا يجبُ أن يُحذف أحد زائديه. فإن حذفت أولهما، جمعته على "الفعالي" "كالحباطي" . وإن حذفت حرف العلة، جمعته "فعالل" "كحبانط" .
وقد جمعوا الأهل والأرض والليلة على (الأهالي والأراضي والليالي) شذوذاً. وهي ليست من هذا الباب.
وما كان على وزن (الفَعالي) إذا تجرد من (أل) والإضافة، حذفتَ يَاءَه، ونونته تنوين العِوض كحبالٍ وسعالٍ وتراقٍ.
(19) فَعاليٌّ "بتشديد الياء" ككراسيٌّ وقماري.
ويجمع عليه شيئان، (الأول) اسم على ثلاثة أحرف مزيد في آخره ياء مشددة لا يرادُ بها النسبُ ككرسي وكراسي، وأمنية وأماني، وقُمريّ وقماري، وزربيَّ وزرابيٍّ وانسيٍّ وأناسي.
(الثاني) اسم مزيد في آخره ألف الإلحاق الممدودة. "كعلباء وعلابيَّ وحرباء وحرابيَّ" .
وقد جمعوا إنساناً وظرباناً على "اناسيَّ وظرابيَّ" شذوذاً.
وما كان على وزن (فعالي) يجوز تخفيفه، فيجيء على (فعال) . وتشديد يائه أكثر في الاستعمال.
صوغ منتهى الجموع
يجمعُ هذا الجمع كلَّ اسم رُباعيَ الأصول "كدرهم" أو خماسيها كسفرجل، والمزيد فيه منهما كغضنفر وعندليب "، وبعض الأسماء الثلاثية الأصول المزيد فيها" كإِصبع وتجربة ومسجد ويحمدَ وخاتمٍ وكوثَرٍ وصَيرَفٍ وسحابةٍ وتنوفة وموْماةٍ وسعلاةٍ وهبريةٍ وعنصوةٍ وكرسي وحرباء ونشوانَ وحبلى وعلقى وعذراء "."
فما كان على أربعة أحرف، مما تقدم بنيته على لفظه، سواء أكان رباعي الأصول أم ثلاثيها، فنقول في جمع ما ذكر "دراهم وأصابع وتجاربُ ومساجدُ ويحامدُ وخواتمُ وكواثرُ وصيارف وسحائب وتَناثفُ وموامٍ وسَعال وهبار وعناص وكراسي وحرابيَّ ونشاوى وحبالى وحبال وعلاقى وعلاق وعذَارى وعذارٍ" .
وما زاد على أربعة أحرف، مما يُرادُ تكسيره على صيغة مُنتهى الجموع يحذف منه ما تختل معه صيغة هذا الجمع.
فإن كان الاسم رُباعي الأصول حذفتَ زائده "كسبطْرى وسباطر وغضنفر وغضافر، واحرنجام وحراجم، واقشعرار وقشاعر."
وإن كان ثلاثيها، فإن كان مزيداً فيه حرفان، حذفتَ واحداً كمنطلق ومطالقَ، ومقتحمٍ ومقاحِمَ، ومتصبر ومصابر ". وإن كان مزيداً فيه ثلاثةَ أحرف - حذفتَ اثنين" كمستدع ومداع، ومخشوشن ومخاشِنَ ومجلوِّذٍ ومجالذ "."
ويتعين حذف ما هو أولى بالحذف من غيره. والميم الزائدةِ في أول الكلمة أولى الزوائد بالبقاء من غيرها على كل حال. وتاء الافتعال والاستفعال، ونون الأفعال، أولى بالبقاء من غيرها. وتفضلها الميم الزائدة. والهمزة والياء المصدَّرتان تَفْضُلان في البقاء غيرَهما "كألنْدَدْ وألادَّ، ويَلنْدَدٍ ويَلادّ" ، إلا نون الانفعال، وتاءَي الإفتعال والاستفعال فيفضلنها في
البقاء "كانطلاقٍ ونطاليق. واجتماع وتجاميع، واستخراج وتخاريج" .
وإن كان في الكلمة زيادتان متكافئتان، لا تَفضلُ إحداهما الأخرى فاحذف أيهما شئتَ، فتقولُ "سَرانِدُ وعَلانِدُ، وسرادٍ وعَلادٍ" في جمع "سرَندَى، وعلنْدىْ" . وذلك لأن النون والألف المقصورة، إنما زيدتا ليلحق الوزن بسفرجل. ولا مزية لإِحداهما على الأخرى. وهذا شأنُ كل زيادتين زيدتا للإلحاق.
ويُستثنى، مما تقدم كله، أن يكون الزائدُ حرفَ علة ساكناً قبل الآخر فينقلبُ - إن كان ألفاً أو واواً، ياء. وإن كان ياءً يبقَ على حاله، فتقولُ في جمع قرطاسٍ وفردَوْسٍ وقَنديلٍ "قراطيس وقراديس وقناديل" ، وتقول في جمع مصباح وإضمامة وتهويل ومقدورٍ ويعبوب وساجور وطومار وصيداح "مصابيحَ وأضاميم وتهاويل ومقادير ويعابيب وسواجير وطوامير وصياديح" .
وما كان مثل "مختارٍ ومهتاج ومنقاد ومحتاج" ، من الثلاثي المزيد فيه المعتل العين، تحذف منه التاء والنون، وتردّ ألفه إلى أصلها، من واو أو
ياء، فيقال في الأولين "مخايرُ ومهايجُ" ، وفي الآخرين "مَقاوِدُ ومحاوجُ" . ولك أن تعوض من المحذوف ياء قبل الآخر فتقول "مَخايير ومهاييجُ، ومَقاويدُ ومحاويجُ" ومثل ذلك "مُنطاد" ، فتقول في جمعه "مَطاود ومطاويد" .
غيرَ أن باب الصفات، المزيد في أولهاميمٌ، تجمع جمعَ المذكر السالم، إن كانت للمذكر العاقل، وجمع المؤنث السالم إن كانت لغيره وجمعها جمع تكسير مستكرهٌ.
وإن كان ما يُرادُ تكسيرهُ على صيغة مُنتهى الجموع خماسي الأصول حذفتَ خامسهُ وبنيتهُ على "فعاللَ" كسفرجل وسفارج "فإن زاد على الخمسة طرحتَ مع خامسه ما زاد" كعندليب وعنادِل، وقبعْثرَى وقباعث "."
وما حذف منه لبنائه على (فعالل) ، أو ما يشبهها في الوزن، يجوز أن يعوض من المحذوف بياء قبل الآخر، فيبنى على (فعاليل) أو شبهها فكما تقول في جمع سفرجل ومنطلق وعندليب "سفارج ومطالق وعنادل" بوزن (فعالل) ، تقول في جمعها أيضاً "سفاريج ومطاليق وعناديل" ، على وزن (فعاليل) . وكذلك يجوزُ، على قلة، إثباتُ هذه الياء قبل آخر ما لم يحذف منه شيء. فكما تقول في جمع معذرةٍ وخاتم "معاذر وخواتم" ، تقول في جمعهما أيضاً "معاذير وخواتيم" .
وقد تلحقُ التاء بعض أوزان منتهى الجموع، فيكون جمعاً لما فوق
الثلاثي، مما لحقته ياء النسبة، فتقول في جمع دمشقيٍّ ومغربيٍّ وأزرقيٍّ وجوهريّ وصيرفيّ وصحفيّ "دماشقةٌ ومغاربةٌ وأزارقةٌ وجواهرةٌ وصيارفةٌ وصحائفةٌ" .
وقد يكونُ ما لحقته هذه التاء، من منتهى الجموع، جمعاً لغير المنسوب، مما كان قبل آخره حرف مدٍّ زائد "وحرف المد هذا يجب حذفه، إذا لحقت التاء هذا الجمع" ، مثلُ (جحاجحة وغطارفة) ، في جَمع "جحجاحٍ وغطريف" فالتاءُ عِوضٌ من حرف المد المحذوف.
وقد جاء ما لحقته هذه التاء أيضاً جمعاً للاسماء الأعجمية غير الثلاثية، "سواء أكان قبل آخرها حرف مد أم لم يكن" كالجواربة والزَّنادِقة والأساورِةِ "في جمع" جورب وزنديقٍ وأُسوارٍ "."
وما لحقته التاء من هذه الجموع، فهو منها، إلا أنه ينصرف، فيُنوَّن ويجرُّ بالكسرة.
اسم الجمع
اسمُ الجمع هو ما تضمّنَ معنى الجمع، غير أنه لا واحِدَ لهُ من
لفظه، وإنما واحده من معناه. وذلك "كجيشٍ (وواحدُه جندي) " وشعب وقبيلة وقوم ورهط ومعشر وثلة (وواحدها رجل، أو امرأة) ونساءٍ (وواحدها امرأة) وخيْل (وواحدُها فَرَسٌ) وإِبل ونعمٍ (والواحدُ جَمَلٌ أو ناقةٌ) وغَنَمٍ وضأنٍ (والواحد شاة للذكرِ والأنثى) .
ولك أن تُعامِلَهُ معاملةَ المفردِ، باعتبار لفظه، ومعاملة الجمعِ، باعتبار معناهُ، فتقولُ "القومُ سارَ أو ساروا، وشَعْبٌ ذكيٌ أو أذكياءُ" .
وباعتبار أنه مفردٌ، يجوزُ جمعُهُ كما يُجمعُ المُفردُ مثلُ "أقوام وشعوب وقبائلَ وأرُهط وآبال" . وتجوزُ تثنيتُهُ، مثلُ "قَومانِ وشَعبانِ وقبيلتانِ ورَهطان وإبلان" .
اسم الجنس الجمعي والافرادي
اسمُ الجنسِ الجمعيُّ ما تَضمَّنَ معنى الجمع دالاًّ على الجنس. وله مفردٌ مُمَّيزٌ عنه بالتاءِ أو ياء النسبة كتُفّاحٍ وسفرجلٍ وبطّيخ وتَمرٍ وحَنْظلٍ، ومفردُها "تفاحةٌ وسفرجلةٌ وبطّيخةٌ وتمرةٌ وحنظلةٌ" ، ومثل "عَرَبٍ وتركٍ ورومٍ ويَهود" . وفردُها "عربيٌّ وتركيٌّ وروميٌّ ويهوديٌّ" . ويَكثُرُ ما يُميَّزُ عنه مُفردهُ بالتاءِ في الأشياء المخلوقة، دون المصنوعة "كنَخْلٍ ونخلةٍ، وبطّيخ وبطّيخة، وحَمامٍ وحمامه، ونعامٍ ونَعامة" . ويقلُّ في الأشياءِ المصنوعة "كسَفينٍ وسفينةٍ، وطينٍ وطينةٍ" .
وما دلَّ على الجنس صالحاً للقليل منه والكثير كماءٍ ولَبَنٍ وعسَلٍ، فهو اسمُ الجنسِ الإفراديُّ.
فوائد
(1) تكسير ما جرى على الفعل من الصفات
ما جرى على الفعل من الصفات كمُكرِمٍ ومُنطلقٍ ومستخرِجٍ (أسماءً للفاعلين) ومُكرَم ومُلتقَطَ ومُستخرجَ (أسماءً للمفعولين) ، فبابُهُ أن يُجمعَ جمعَ تصحيحٍ فالمذكرُ العاقلُ بالواو والنون، والمؤنث والمذكرُ غيرُ العاقلِ بالألف والتاءِ. إلا ما كان خاصاً بالمؤنث "كمُرضِعٍ ومُطْفِلٍ" ، فيجوز تكسيرُهُ قياساً "كمَراضِعَ ومَطافِلَ" . وسُمع "مَحاويج" في جمع مُحتاج، و "مفاطير" في جمع مُفْطر، و "مَياسير" في جمع مُوسِر، و "مَلاقح" في جمع مُلْقح، و "مَناكير" في جمع مُنْكَر "(بفتح الكاف) وهو الداهي العاقل الفَطن."
أما اسمُ الفاعل من الثلاثي المجرَّد ككاتبٍ وشاعرٍ وكاملٍ وهادٍ، فهذا يُكَسَّرُ قياساً ككُتَّابٍ وشُعَراءَ وكملَةٍ وهُداةٍ، لأنه لم يجرِ على لفظ الفعل في حركاته وسكناته.
وأما اسمُ المفعول منه كمكتوبٍ ومعلوم ومبدول، فمجرى الكلام الأكثر أنّ لا يُكَسَّر. وإنما يُجمع، للمذكر العاقل، بالواو والنون، وللمؤنث والمذكر غير العاقل بالألف والتاءِ. وقد سُمع تكسيرُ مفعولٍ على "مفاعيل" في ألفاظٍ، وهي مَلايين ومجاهيل وملاقيح ومَضمامين ومَماليك ومشائيم
ومَيامين ومكاسير ومساليخٍ ومجانين ومناكير ومراجيع ". وقد جمع" مشهوراً "على" مشاهير "صاحب القاموس في قاموسه، والفيوميُّ في مصباحه، والميدانيُّ في شرح أمثاله. وقد عَدَّ النحاةُ ما ورد من ذلك سماعياً. وأطلقوا المنعَ في تكسير غير ما سُمع. ولكن في هذا المنع تحجيراً على الناس. ومن رجع إلى كلام متقدمي النحاة، كسيبويه وغيره، لا يجد كلَّ هذا التضييق."
(2) جمع الجمع
قد يُجمعُ الجمعُ. وذلك مثلُ "بيوتاتٍ ورِجالاتٍ وكِلاباتٍ وقُطُراتٍ" (بضمتين) ، ونحو "أكالبَ وأضابعَ، وأظافيرَ وأزاهيرَ وغَرابينَ" .
ويُجمع ما كان على صيغة منتهى الجموع جمعَ المذكر السالم، إن كان للمذكر العاقل "كأفاضلين ونواكسين" وجمع المؤنث السالم، إن كان للمؤنث، أو للمذكر غير العاقل نحو "صَواجِبات وَواهِلات" وفي الحديث "إنكنَّ لأنتنَّ صواحباتُ يوسف" .
وجمعُ الجمعِ سماعيٌّ، فما ورد منه يُحفظ ولا يقاس عليه.
(3) الجمع لا مفرد له
من الأسماءِ مالا يُستعمل إلا بصيغة الجمع، لأن مفرده قد أُهمل قديماً فنسي، وذلك كالتعاشيب (وهي القطع المتفرقة من العشب أو هي ألوانٌ العشب وضُروبه) ، والتعاجيب (وهي العجائب) ، والتباشير (وهي البشائر) ، والتَّجاويد (وهي الأمطار الجيدة النافعة) ، والأبابيل (وهي الفِرَق) .
(4) الجمع على غير مفرده
من الجموع ما يجري على غير مفرده، وذلك "كالمَحاسن والمَلامح والمَخاطر والمَشابهِ والمسامّ والحوائج والطوائح واللواقح" وواحدُها حُسْنٌ (بضم فسكون) ولَمحة (بفتح فسكون) وخَطَرٌ وشَبَهٌ (بفتحتين فيهما) ، وسم (بفتح السين) وحاجة ومُطوِّحةٌ ومُلْقِحة (بصيغة اسم الفاعل فيهما) . وكالأباطيل والأحاديث والأعاريض. وواحدها باطلٌ وعروضٌ وحديثٌ. ومفردها الحقيقي، لو سُمع، لكان محسناً وملْمحاً ومَشبهاً ومَسَّماً وحائجة (وهذه سُمعت سماعاً نادراً) وطائحة ولاقحة وأبطولة وأعروضة وأحدوثة، وهذه مسموعةٌ مفرداً للأحاديث، وقد جاءَت على القياس. لكن الحديث ليس له جمع إلا الأحاديث. فالأحاديث جمعاً لحديث، جاءت على غير قياس، وجمعاً لأحدوثة وردت على القياس.
(5) ما كان جمعا وواحدا
من الأسماءِ ما يكون جمعاً ومفرداً بلفظٍ واحد وذلك كالفُلْك،، قال تعالى {في الفُلْك المشحون} ، فلما جمعه قال {الفُلْك التي تجري في البحر} . ومن ذلك قولهم "رجلٌ جُنُبٌ ورجالٌ جُنُبٌ" ، (بضمتين) ، قال تعالى {وإن كنتم جُنُباً فاطَّهَّروا} . ومنه العدُوّ قال تعالى {فإنهم عَدُوٌّ لي إلا ربَّ العالمين} ، وقال {وإن كان من قومٍ عَدوٌّ لكم} . ومنه الضَّيف، قال عزَّ وجل {هؤلاء ضيفي} . ومنه الدَّلاص والهِجان والولد (بفتحتين) ، وبضم فسكون، وبكسرٍ فسكون، وبفتح فسكون،
تقول "هذا ولدُ فلانٍ وهؤلاء ولدُهُ" . ويجوز جمعه فتقول "أولاد" . فكلُّ ذلك يَستوي فيه الواحدُ والجمعُ، وكذا المذكرُ والمؤنث.
(6) جمع المركبات
إذا أردت جمعَ مُركَّب إضافيٍّ مصدَّرٍ بابنٍ أو ذي، فإن كان للعاقل جمعتَ "ابناً" جمعَ المذكر السالمَ أو جمع التكسير، وجمعتَ "ذو" جمعَ المذكر السالَم لا غيرُ فتقول في جمع ابن عباس "بنو عباس" ، أو "أبناءُ عباس" . وتقول في جمع ذو علمٍ ذَوُو علمٍ. وإن كان لغير العاقل كابنِ آوى وابنِ عرس وابنِ لَبونٍ وذي القَعدة وذي الحِجَّة، جمعت "ابناً" على "بناتٍ" و "ذو" على "ذواتٍ" كبناتِ آوى وذواتِ القَعدة وذوات الحجَّة.
وإن كان غيرَ مُصَدَّرٍ بابنٍ ولا ذي، تجمعْ صدرهُ كما تجمع الأسماءِ مِنْ حده، فتقولُ في جمع قلم الرجل "أقلام الرجل" .
فإن كان المركَّبُ مزجياً، أو إسنادياً، توصلتَ إلى الدلالة على الجمع بزيادة "ذوو" قبله إن كان مذكراً عاقلا، و "ذوات" ، إن كان مؤنثاً، أو مذكراً غير عاقل كذوي معْدِ يكرب، وسيبَويه، وبَرَق نحرُهُ، وتأبط شراً (ومفرداتها أعلام رجال) . والمعنى أصحاب هذا الاسم. وتقول في جمع شابَ قرناها (علم امرأة) وبعلبكَّ ذات شابَ قرناها، وذَوات بعلبكَّ "."
(7) جمع الاعلام
إذا جُمعَ العلمُ صار نكرةً. ولهذا تدخلُه "أل" بعد الجمع لتُعرّفه كمحمدِ والمحمَّدينَ.
وإذا جمعتَ اسمَ رجلٍ فأنتَ بالخيار، إن شئتَ جمعته جمع المذكر السالمَ (وهو الأولى) ، وإن شئتَ جمعته جمع التكسير على حَدِّ ما تجمع عليه نظيرَه من الأسماء، فتقول في جمع زيد وعمرو وبِشر وأحمدَ "زيدون وأزياد وزيُود، وعَمْرون وأعمُرٌ وعُمور، وبشْرون وأبشارٌ وبُشور، وأحمدون وأحامد" .
وإن جمعتَ اسمَ امرأةٍ، فإن شئتَ جمعته بالألف والتاء (وهو الأولى) . وإن شئتَ كسَّرته تكسيرَ نظيرهِ من الأسماء، فتقولُ في جمع دَعْدٍ، وجُمْل (بضم الجيم وسكون الميم) وزينبَ وسعاد دَعَداتٌ وأدعُدٍ، وجُمُلات وأجمالٌ وجُمُول، وزينباتٌ وزَيانِبُ، وسُعادات وأسعُدٌ وسُعُدٌ (بضمتين) وسَعائِد "."
وإن سميتَ بالجمع السالم كعابدينَ وفاطماتٍ (عَلَمَين) قلتَ ذوو عابدينَ، وذواتُ فاطماتٍ. فإن سميت بالجمع المكسَّر، غير صيغة منتهى الجموع، فأنتَ بالخيار، إن شئتَ جمعته جمع سلامةٍ (وهو الأولى) ، فتقول في جمع أعبُدٍ وأنمارٍ، إن سميتَ بهما الرجل "أعبدون وأنمارون، وأعابدُ وأنامير" . فإن سميتَ بهما المرأةَ قلت "أعبداتٌ وأنماراتٌ، وأعابدُ وأنامير" ، فإن كان المسمى به على صيغة منتهى الجموع، أَو على وزنٍ غيرِ صالحٍ لهذه الصيغة، فلا يُجمعُ إلا جمع السلامة. فمثلُ "مساجدَ ونُبَهاءَ، إن سميتَ بهما، ولا يُجمع إلا على" مَساجدون ونُبهاوون "للمذكر، و" مَساجداتٌ ونُبَهاواتٌ "للمؤنث."
وإن جمعتَ "عبد الله" ونحوَهُ، من الأعلام المركبة تركيباً إضافياً، قلتَ "عبدو الله، وعبيدُ الله" تُجري صيغةَ السلامةِ أَوِ التكسيرِ على الجزء الأول، ليس إِلا.
(النسبة وأحكامها)
النسبةُ هي إلحاقُ آخرِ الاسمِ ياءً مشدَّدةً مكسوراً ما قبلها، للدَّلالة على نسبة شيءٍ إلى آخرَ.
والذي تلحَقُهُ ياءُ النسبةِ يُسمَّى منسوباً كبيروتيّ ودمَشقيّ وهاشميٍّ.
(وفي النسبة معنى الصفة، لأنك إذا قلت "هذا رجل بيروتي" ، فقد وصفته بهذه النسبة. فان كان الاسم صفة، ففي النسبة اليه معنى المبالغة في الصفة، وذلك أَن العرب إذا أرادت المبالغة في وصف شيء، ألحقوا بصفته ياء النسب، فاذا أرادوا وصف شيء بالحمرة، قالوا "أحمر" . فإذا أَرادوا المبالغة في وصفه بالحمرة، قالوا "أحمري" ) .
وإذا نسبتَ إلى اسم ألحقتَ به ياءَ النسبة، وكسرتَ الحرفَ المُتَّصلَ بها. ويحدث بالنسب ثلاثة تغييرات، الأول لفظي وهو إِلحاق آخر الاسم ياء مشددة، وكسر ما قبل آخره، ونقل حركة الإعراب إلى الياء. الثاني معنوي وهو جعل المنسوب إليه اسماً للمنسوب. الثالث حكمي وهو معاملته معاملة اسم المفعول من حيث رفعه الضمير والظاهر على النائبية عن الفاعل، لأنه تضمن بعد إلحاق ياء النسب معنى اسم المفعول. فإذا قلت "جاء المصري أبوه" ، فأبوه نائب فاعل للمصري. وإذا قلت "جاء الرجل المصري" ، فالمصري يحمل ضميراً مستتراً تقديره "هو" يعود على الرجل. لأن معنى "المصري" المنسوب إلى مصر) .
والمنسوبُ على أنواعٍ منها مالا يتغيَّرُ عندَ النسبِ كحُسينٍ وحُسْينيٍّ. ومنها ما يتغير كفَتىً وفَتَوِيٍّ، وصَحيفةٍ وصَحَفيٍّ.
النسبة إلى المؤنث بالتاء
إذا نسبت إلى ما خُتمَ بتاءِ التأنيثَ، حذَفتها وجوباً فتقول في فاطمة وطَلحةَ فاطِميٌّ وطلحيٌّ.
النِّسبة إلى الممدود
إذا نسبتَ إلى ما خُتمَ بألفٍ ممدودة، فإن كانت للتأنيث وجب قلبُها واواً، "كحمراس، وحمراويّ، وبيضاء وبيضاويّ" .
وإن كانت أصليَّةً تبقَ على حالها كوُضَّاء ووُضَّائي، وقُرَّاء وقُرَّائيّ "."
وإن كانت مُبدَلةً من واوٍ أو ياءٍ ككساءٍ ورداءٍ، أو مزيدَةً للإلحاق، كعِلْباءٍ وحرباءٍ "، جاز فيها الأمرانِ تصحيحُها وقلبُها واواً" ككسائيٍّ وكساويٍّ، وردائيٍّ ورداويٍّ، وعِلبائيٍّ وعِلباويٍّ، وحِربائيٍّ وحِرباويٍّ "والهمزُ أفصَحُ."
النِّسبة إلى المقصور
إذا نسبتَ إلى ما خُتمَ بألفٍ مقصورةٍ، فإن كانت ثالثةً "كعصاً وفَتىً" قلبَتها واواً "كعَصَويٍّ وفَتَويٍّ" .
وإن كانت رابعة في اسمٍ ساكنِ الثاني، جازَ قلبُها واواً، وجاز حذفُها فتقول. في مَلهَى وحُبلى وعَلْقًى "مَلْهَويٌّ، ومَلْهِيٌّ، وحُبْلوِيٌّ وحُبليٌّ، وعَلْقَويٌّ، وعَلْقيٌّ، لكنَّ المختارَ حذفُها إن كانت للتأنيث" كحبلى "، وقلبُها واواً، إن كانت للإلحاق" كعلقى "، أو مُبدَلةً من واوٍ أو ياءٍ كمَلهىً، ومَسْعىً" . ويجوز، مع القلب، زيادةُ ألفٍ قبل الواو "كحُبلاوي وعَلقاويّ" .
وإن كانت رابعةً في اسمٍ مُتحرِّكِ الثاني، "كبرَدَى وجَمَزى" ، أو كانت فوقَ الرابعة "كمصْطفَى وجُمادَى، ومُسْتشفَى" حذَفتها وُجوباً، فتقول "بَرَدِيُّ وجَمَزِيٌّ ومُصطفيٌّ وجُمادِيٌّ ومستشفيٌّ" .
النَّسبة إلى المنقوص
إذا نسبتَ إلى اسمٍ منقوص فإن كانت ياؤُهُ ثالثةً، قلبَتهاواواً وفتحت ما قبلها، فتقول في النسبة إلى الشَّجيِّ "الشَّجَوِيُّ" .
وإن كانت رابعةً، جازَ قلبُها واواً مع فتحِ ما قبلَها، وجاز حذفُها، فتقول في النسبة إلى القاضي "القاضَوِيٌّ والقاضي" ، وفي النسبة إلى التربيةِ "التَّربيُّ والتَّربَويُّ" والمختار حذفُها.
وإن كانت خامسةً حذفتها وجوباً، فتقولُ في المُرتجى والمُستعلي "المُرتجيُّ والمُستعليٌّ" .
النِّسبة إلى المحذوف منه شيء
إذا نسبتَ إلى اسم ثلاثي محذوفِ الفاء، فإن كان صحيحَ اللامِ لم يُرَدَّ إليه المحذوفَ، فتقول في النسبة إلى عِدَةٍ وصِفَةٍ "عِدِي وصِفيُّ" . وإن كان مُعتلَّها كِشيّةٍ ودِيَةٍ، وجَبَ الردُّ وفتحُ عينهِ، فتقول "وَشوِيِّ ووِدوِيٍّ، بكسر أولهما وفتح ثانيهما."
وإذا نسبت إِلى اسمٍ ثلاثيٍّ محذوفِ اللام، رَدَدْتَ إِليه لامَه، وفتحتَ ثانيه، فتقولُ في النسبةِ إلى عَمٍ وشَجٍ وأَبٍ وأَخٍ ولُغَةٍ وسَنَةٍ ومِئَةٍ وأمةٍ ويدٍ ودمٍ وغدٍ وشَفَةٍ وثُبَةٍ وعِضَةٍ عَمَوِيٌّ وشَجَوِيٌّ وأبويٌّ وأخويٌّ ولُغَويٌّ وسَنَويٌّ ومِئَويٌّ وأمَويٌّ ويَدَوِيٌ ودَمَوِيٌّ وغَدَوِيٌّ وشفَهيٌّ "أو شَفَوي" وثُبَويٌّ وعِضَويٌّ "."
ثمّ إن كانت اللامُ المحذوفةُ تُردُّ في تثنيةٍ، أو جمع تصحيحٍ، وجبَ ردُّها في النسبة وجوباً كعَمٍ وشَجٍ وأبٍ وأخٍ، لأنك تقول في تَثْنيتهما "عَمَوانٍ وشَجيانِ وأبوانٍ وأخوانٍ" ، وكسَنةٍ وعِضَةٍ وأمَةٍ، لأنك تقول في جمعها جمعَ سلامةٍ "سَنوات (أو سَنَهات) وعِضَوات (أو عِضَهات) وأَموات" .
وإن كانت لا ترَدُّ في تَثنْيةٍ أو جمع سلامةٍ، جاز رَدُّها في النسبة، وهو الأفصحُ، وجازَ عدمُ الرَّدَّ، فَتَنسبُ إلى الاسم على لفظه. وذلك كيَدٍ ودمٍ
وغدٍ وثُبَةٍ ومِئةٍ ولُغةٍ. فكما تقول "يَدويٌّ ودَموِيٌّ وغَدوِيٌّ وثَبَوِيٌّ ومِئَوِيٌّ ولُغَويٌّ" ، تقول "يَدِيٌ وغَديٌ وثُبيٌ ومِئِيٌ ولُغِيٌ" ، لأنك تقول في تَثْنيتها "يدانِ ودَمانِ وثُبتانِ ولُغتان" ، وتقول في جمع "ثُبةٍ ولغةٍ" جمعَ تصحيحٍ "ثُبات ولُغات" ، بعدَمِ ردِّ اللام المحذوفة في التثنية أو الجمع.
وقد نسبوا إلى "الشفَة" على لفظها، فقالوا "شَفِيٌ" ، ونسبوا إليها بردِّ المحذوف، فقالوا "شَفَهيٌ وشَفَوِيٌ" ، مع أنهم قالوا في جمعها "شَفَهات وشَفَوات" وبرَدِّ المحذوف عند الجمع.
ويجوزُ فيما عُوضَ من لامهِ همزة الوصلِ، كابنٍ واسمٍ، أن تحذفَ همزته وتُرَدَّ إليه لامُهُ، وأن يُنسبَ إليه على لفظه، فتقول بَنَويٌ وسِمَويٌ، وإبنيّ وإسميّ "."
وتقول في النسبة إلى بنتٍ وأختٍ "بَنويٌ وأخويّ" ، بردِّ اللامِ وحذفِ التاءِ، وهو قولُ الخليل وسيبويه. وهو القياس باعتبار أنها في الأصل تاءُ تأنيث مربوطة. ويجوز أن تقول "بِنْتيٌ وأُختيٌ" تَنسبُ إليهما على لفظهما. وهو قولُ يونُسَ.
(وحجته أن التاء لغير التأنيث، لأن ما قبلها ساكن صحيح، ولأنها لا تبدل هاء في الوقف، كما تبدل التاء في نحو "كاتبة وشجرة" وهو أقرب إلى الفهم وأبعد عن الالتباس؛ فلا تلتبس النسبة إليها بالنسبة إلى "ابن وأخ" والحق أن تاء أخت أصلها تاء التأنيث المربوطة، كما هو مذهب الخليل والليث وليست عوضاً من لام الكلمة المحذوفة، وهي الواو، كما ذهب إليه سيبويه وغيره. وذلك أنهم لما حذفوا الواو بسطوا التاء المربوطة، ليكون
بسطها أمكن في الوقف عليها من المربوطة. فكأن بسطها تعويض لها من لامها المحذوفة) .
النِّسيبة إلى الثلاثي المكسور الثاني
إذا نسبتَ إلى اسمٍ ثُلاثيٍّ، مكسورِ الحرفِ الثاني، وجبَ تخفيفه بجعل الكسرةِ فتحةً، فتقولُ في النسبة إلى نَمِر ودُئِل وإبلٍ ومَلِكٍ "نَمَرِيٌّ ودُؤَليُّ وإِبَليٌّ ومَلَكيٌّ" .
النِّسبة إلى ما قبل آخره ياء مشددة مكسورة
إذا نسبتَ إلى ما قبلَ آخرهِ ياءٌ مشَدَّدةٌ مكسورةٌ، خفَّفْتها بحذف الياءِ المسكورةِ، فتقولُ في النسبة إلى الطيِّب والميِّت والكَيّسِ والكُريِّم والغُزيِّل "الطَّيْبيُّ والمَيْتيُّ والكَيْسيّ والكُرَيميُّ والغُزَيليُّ" .
النِّسبة إلى ما آخره ياء مشددة
إذا نسبتَ إلى ما خُتمَ بياءٍ مُشدَّدةٍ، فإن كانت مسبوقةً بحرف واحدٍ، كحَيٍّ وطَيٍّ، قلبت الثانيةَ واواً، وفتحتَ الأولى، ورَدَدْتَها إلى الواو، إن كان أصلُها الواو "كحَيَويٍّ وطووِيٍّ" .
وإن كانت مسبوقةً بحرفين كعليٍّ وعَدِيٍّ ونبيٍّ وقُصيٍّ وجُدَيٍّ،
حذفتَ الياءَ الاولى وفتحت ما قبلها، وقلبت الثانية واواً "كعَلَويٍّ وعَدويٍّ وقُصَوِيٍّ" .
وإن كانت مسبوقةً بأكثرَ من حرفين، وجبَ حذفها ووضعُ ياء النسَبِ موضعَها. فالنسبةُ إلى الكرسيِّ والشافعي "كرسيٌّ وشافعيٌّ" ، كأنك أبقيتَ ما كان كذلك على حاله.
(فائدة - إذا سميت بنحو "بخاتي وكراسي" ، مما كان على صيغة منتهى الجموع مختوماً بياء مشددة ليست للنسب كان ممنوعاً من الصرف، كأصله المسمى به. ثم إذا نسبت إليه حذفت ياءه المشددة، ووضعت موضعها ياء النسبة. وبذلك يخرجُ عن وزن منتهى الجموع فينصرف. أي ينون ويجرٍ بالكسرة، لأن ياء النسب في تقدير الإنفصال. وأما ما لحقته ياء النسبة مما سمي به من هذه الصيغة، كأن تسمي شخصاً بمساجدي، فهو منصرف أيضاً لخروج الوزن عن منتهى الجموع بلحاق الياءِ آخره وإن كانت، الأصل، في تقدير الانفصال، لأنها جزء من الاسم، لأن التسمية به وقعت مصحوباً بها) .
النِّسبة إلى التثنيَة والجمع
إذا نسبتَ إلى مثنَّى أوب مجموعٍ، وجب رَدُّهُ إلى المفرد فالنسبةُ إلى العراقينِ والكتُبِ والأخلاقِ والدُّوَلِ والفَرائض والقبائلِ والسود "عراقيٌّ وكتابيٌّ وخُلُقيٌّ ودَوْليٌّ وفَرَضيٌّ وَقَبليٌّ وأسوديٌّ وسوداويٌّ" ، إلا الجمعَ الذي
لا واحدَ له كعَبابيدَ وأبابيلَ وتَجاليدَ، أو كان يجري على غير مفردهِ، كمَلامِحَ ومَحاسِنَ ومَشابِهَ. وواحدُها لَمْحةٌ وحُسْن وَشبَهٌ، أو كان لا واحدَ لهُ من لفظه (وهو اسمُ الجمعِ) كلاقوم والمعْشر والجيش، أو كان مما يُفرَّقُ بينَهُ وبين واحدهِ بياءِ النَّسَبِ أو تاءِ التأنيثِ (وهو اسمُ الجنس الجمعيّ) كعَرَبٍ وأعرابِ ورومٍ وتَمْرٍ وتُفْاحٍ. فكلُّ ذلك يُنسَب إليه لفظهُ، فتقولُ "عَبابيديّ ومحاسنيّ وقوميّ وعربيّ وتَمْريّ وتُفاحيّ" .
وحكمُ الملحقِ بالمثنى والجمعِ السالم حكمُ ما ألحقَ به، من حيثُ تجريده من علامتي التثنيةِ والجمع، عند النسبة إليه، فتقول في النسبة إلى اثنين "إثني أو ثَنوِيّ" وفي النسبة إلى عشرينّ عِشْري "، وفي النسبة إلى سنينَ وأرَضينَ وعالَمين وبنينَ" سَنويٌّ وأرضيٌّ وبَنويٌّ أو ابنيٌّ.
إذا نسبتَ إلى علمٍ منقولٍ عن جمعِ تكسير، نسبت إليه على لفظه "كأنمارٍ وأنماريٍّ، وأوزاعٍ وأوزاعيٍّ" . وكذا ما جرى منه مجرى العلم "كأنصارٍ وأنصاريٍّ" .
النِّسبة إلى العلم المنقول عن تثنيةٍ أو جمع
وإذا نسبت إلى علمٍ منقولٍ عن مُثنَّى أو جمعي السَّلامة، كحسنانِ وزَيدانِ، وزيدُونَ وعابدُون، وعَرفاتٍ، فإن كان باقياَ على إعرابه قبل النسبة إليه، رَدَدْتهُ إلى المفرد ونسبتَ إليه. فتقولُ "حَسنيٌّ وزَيديٌّ"
وعابديٌّ وعرفيٌّ وأذرعيٌّ "وإن عُدِلَ بالمثنى وجمعِ المذكرِ السالم المُسمّى بهما إلى الإعراب بالحركات، نسبت إلى لفظهما الذي نُقِلا عنهُ، فتقولُ" حسنانيُّ وزيدانيُّ، وعابدونيُّ وزيدونيُّ، وعابدينيُّ وزيدينيُّ ". وإن عُدِلَ بما جُمع بالألف والتاءِ إلى إعرابه إعرابَ ما لا يَنْصرفُ، نسبت إبيه بحذف التاء. أما الألفُ فَتُعاملُها كما تُعاملُ ألف المقصور فيجوزُ حذفُها أو قلبُها واواً في نحو" هنْدات "فتقول" هنديٌّ وهندَويٌّ "، وتحذَفُ وجوباً في نحو" تَمَرات وفاطمات وسُرادِقاتْ "، فيقالُ" تَمَريٌّ وفاطميٌّ وسُرادقيٌّ "."
وكلُّ ذلك إنما هو فيما سمي به أما ما كان باقياً على التثنية أو الجمع، ولم يُنقل إلى العَلمية، فيجبُ رَدُّهُ إلى لمفرد عند النسبة إليه فتقول في النسبة إلى الكتابين والحسَنْين والمسلمين والتمراتِ كتابيٌّ وحسنيٌّ ومُسلميّ وتَمْريّ "."
النِّسبة إلى العلم المركب
إذا نسبت إِلى علمٍ مُرَكَّبٍ، فإن كان مركباً تركيبَ جملة أو مَزيجٍ،
حذفت الجزء الثانيَ، ونسبت إلى الجزء الأول، فتقول في تأبَّط شَرًّا، وجاد الحق، وبعلبكّ، ومعد يكرب تأبَّطيّ وجاديّ وبعْليّ ومعديّ، أو معدوي وقالوا في حضْرَموْت "حضرَميّ" على غير القاعدة.
وإن كان مركباً تركيب إضافةٍ، فإن كان المضافُ أباً أو أمًّا أو ابناً، طرحتَ المضاف، ونسبت إلى المضافِ اليه، فتقول في أبي بكرٍ وأم كُلْثومٍ وابن عباسٍ "بكرِيٌّ وكُلثوميٌّ وعبّاسيٌّ" . وإن كان غيرَ ذلك، نسبتَ إلى ما ليسَ في النسبة إِليه لَبْسٌ، وطرحت الآخر، فتقولُ في النسبة إلى عبدِ الأشهل وعبدِ منافٍ وعبدِ المطلب وعبد الدَّارِ وعبد الصمّدِ "أشهَلِيٌّ ومَنافيٌّ ومَطَّلبيٌّ وداريٌّ وصَمَدِيٌّ" ، تَنسِبُ إلى المضاف إليه. وتقولُ في النسبة إلى امرِئ القيْسِ ورأسِ بعلبك ومُلاعبِ الأسِنةِ ومَجدَلِ غزَّةَ "امرِئيٌّ ورأسيٌّ ومُلاعِبيٌّ ومَجدَليٌّ" ، تنسب إلى المضاف.
النسْبة إلى (فعيلة) المفتوحة الفاء
إذا نسبتَ إلى ما كان على وزن "فَعيلة" ، بفتحِ الفاءِ، غيرَ معتل العين، ولا مُضاعفاً، جاءَ على وزن "فَعَليٍّ" بفتح عينهِ وحذف يائه، فتقول في النسبة إلى حَنيفة وربيعة وبَجيلة وعَلِيّة وصَحيفة "حَنَفيٌّ ورَبَعيٌّ وبَجليٌّ وعَلَويٌّ وصَحَفيٌّ" .
وقالوا في النسبة إلى "سَليمةَ" من الأزد، و "عَميرةَ" من كَلبٍ، وفي
النسبة إلى السليقة والطبيعة والبَديهة "سليميٌّ وعَميريٌّ وسَليقيٌّ وطبيعيٌّ وبَديهيٌّ" على خلاف القياس.
فإن كان مُعتلَّ العين كطويلةٍ، أو مضاعفاً، كجليلةٍ، يبقَ على حاله كطويليٍّ وجليليٍّ.
النسبة إلى (فعيلة) المضمومة الفاء
إذا نسبتَ إلى ما كان على وزن "فُعَيْلة" ، بضم الفاءِ وفتح العين، غيرَ مضاعفٍ، جاءَ على وزن "فَعليٍّ" ، بحذف يائهِ، فتقولُ في النسبة إلى جُهَيْنةَ ومُزَينةَ وأُمَيّة "جُهَنيٌّ ومُزَنيٌّ وأُمَويٌّ" . وقالوا في رُدَيْنة ونُوَيرة. "رُديْنيٌّ ونُوَيرِيٌّ" ، على خلاف القياس.
فإن كان مَضافعاً، كأميْمة والحُمَيمةِ بقي على حاله، فتقول "أُمَيْمِيٌّ وحميميٌّ" .
النسْبة إلى (فَعْيل) بفتح الفاء وضمها فُعيْل
قد ألحقوا ما كان مُعتلُّ اللامِ - من وَزنيْ "فَعيلٍ" بفتح الفاء، و "فُعَيلٍ" بضمّها - بِفَعيلة، وفُعَيلة، فنَسَبوهما على "فَعليٌّ وفُعَليٌّ" ، فقالوا في نحو عَلي وقُصَيٍّ "عَلَويٌّ وقُصَويٌّ" .
فإن كان صحيحي اللاّمِ كَعقيلٍ وجميل، وعُقَيْلٍ وأُوُيْس، بَقيا على حالها، فتقولُ "عَقيليّ وجَميليّ، وعُقَيْليٌّ وأوُيْسيٌّ" .
وقالوا في ثقيفٍ وعتيكٍ وقُرَيشٍ وهُذَيْلٍ وسُليْمٍ "ثَقَفيٌّ وعَتَكيٌّ وقُرَشيٌّ وهُذَليٌّ وسُلَميٌّ" ، على غير القياس. والقياسُ أن يُنسبَ إليها على لفظها، لأنها صحيحة اللام.
النسبة إلى ذي حرفين
إذا نسبتَ إلى ثُنائيٍّ لا ثلاثَ له، فإن كان ثانيه حرفاً صحيحاً، جاز تَضْعيفُهُ وعَدْمهُ، فتقول في النسبة إلى كَمْ كَمَيٌّ وكَمِيٌّ "وإن كان الثاني واواً وجبَ تضعيفُهُ وإدغامهُ، فتقول في لوْ" لوَيّ "وإن كان ألفاً زيدَ بعدَها همزةٌ، فتقول في لا" لائيّ "، ويجوز قلبُ هذه الهمزة واواً، فتقول" لاويّ ". وإن كان ياءً وجب فتحُه وتضعيفُهُ وقلبُ الياء المزيدة للتضعيف واواً، فتقول في كَيْ" كَيَوِيّ "وإنما تجوز النسبةُ إلى هذه الأحرف، وغيرها، إذا جعلَتها أعلاماً، وإلاّ فلا."
النسبة بلا يائها
قد يُستغنى في النسبة عن يائها، وذلك ببناء الاسم على وزن "فاعل" كتامرٍ ولابنٍ، أي ذي تَمْرٍ ولَبنٍ، أو ببنائه من وزن "فَعّال" وذلك في الحِرَف غالباً كبَقَّالٍ وبزَّارٍ ونجّارٍ وحدَّادٍ، وعطَّارٍ وعَوَّاجٍ أو
ببنائه على وزن "فَعلٍ" بفتح الفاء وكسر العين. كرجلٍ طعِمٍ ولبِسٍ، أي ذي طعامٍ ولباسٍ. قال الشاعر [من الرجز]
لَسْتُ بِلَيْليٌّ، ولكنِّي نَهِرْ ... لا أُدلِجُ اللَّيْلَ ولكِن أَبتكِر
أي ولكني نَهاريّ، أي عاملٌ بالنهار.
وقد يكونُ (فاعِلٌ) للحِرَفِ "كحائك" في معنى حَوَّاك، كما يكونُ (فَعّالٌ) في غير الحرفِ. كقوله تعالى {وما رَبُّكَ بظلاّمٍ للعبيد} ، أي بذي ظُلمٍ، وقولٍ امرئ القَيْسِ [من الطويل]
وليْسَ بِذي رُمْحٍ، فَيَطْعَنُني بهِ ... ولَيسَ بِذي سَيفٍ، ولَيسَ بِنَبَّال
أي ليس صاحبَ نَبْلٍ، ولم يُرِدْ أنهُ ليس بصانعِ نَبْل.
وهذه الأوزانُ في النّسَبِ سَماعيّةٌ، ولكنَّها واردةٌ بكثرةٍ، فأشبهتْ أن تكونَ قياسيّةً، وقد ذهبَ المُبَردُ إلى أنها قياسيةٌ، وليس ببعيد أن تكون قياسية.
شواذ النسب
ما جاءَ في النّسَبِ مُخالفاً لما سَبقَ تَقْريرُهُ من القواعد، فهو من شواذِّ النسبِ التي تُحفَظُ ولا يُقاسُ عليها. وقد تَقدَّم ذكرُ بضعها والتّنبيهُ عليه. ومنها قولُهم في النسبة إلى البَصْرَة "بِصرِيٌّ" ، بكسرِ الباء وإلى الدَّهرِ
"دُهرِيّ" بضم الدال، وإلى السَّهْل "سُهْليّ" ، بضم السين، وإلى مَروٍ "مرْوزيّ" ، بزيادة الزّاي، وإلى البحرَينِ "بحرانيّ" (بعدمِ رَدَّها إلى المفرد، معَ أنها مُعربة بالحرف، وإلى الشآم واليَمَنِ وتِهامةَ "شآمٍ ويمانٍ وتِهامٍ" ، بتخفيفِ ياء النّسب. ومن ذلك قولهم "رُقَبانيٌّ وشَعرانيٌّ وجُمّانيٌّ ولَحْيانيٌّ" ، للعَظيم الرَّقبةَ والشَعرِ والجُمّةِ واللّحية.
ومنه قولهم في النسبة إلى طيٍّ "طائيّ" ، وفي النسبة إلى الوَحْدة "وَحْدانيٌّ" ؛ وفي النسبة إلى البادية "بَدَوِيٌّ" والقياس "بادَويُّ" أو "بادِيٌ" ، وفي النسبة إلى حَروراء "حَرُورِيٌّ" والقياس (حَرُورايُّ) .
(التصغير)
التَّصغيرُ أن يُضم أولُ الاسمِ، ويفتحَ ثانيه، ويزادَ بعد الحرف الثاني ياءٌ ساكنةٌ تُسمّى (ياءَ التَّصغير) . فنقولُ في تصغير قلَمٍ ودِرهمٍ وعُصْفور (قُلَيمٌ ودُرَيهمٌ وعُصَيفيرٌ "."
والاسمُ الذي تلحقه ياءُ التَّصغيرِ يُسمى (مصغَّراً) .
ويُشترطُ فيما يُرادُ تصغيرُهُ أن يكونَ اسماً مُعرباً، قابلا للتَّصغيرِ، خالياً من صيَغِهِ وشِبْهها.
(فلا يصغر الفعل ولا الحرف. وشذ تصغير فعل التعجب. مثل "ما احيلاه! وما اميلحه!" ، ولا يصغر الاسم المبني. وشذ تصغير بعض الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة، كالذي والتي وذا وتا فقالوا في تصغيرها "اللذيا واللتيا وذيا وتيا" . ولا يصغر ما ليس قابلا للتصغير ككبير وعظيم وجسيم، ولا الأسماء المعظمة، لما بينها وبين تصغيرها من التنافي. ولا يصغر نحو الكميت، لأنه على صيغة التصغير، ولا نحو مبيطر ومهيمن، لأنه شبيه بصيغة التصغير) .
فائدة التصغير
يُصغَّرُ الاسمُ، إما للدلالة على تقليلهِ كدُرَيهماتٍ، أو تصغيره، ككُتَيِّب، أو تحقيره (أي تصغير شأنه) كشُويعرٍ، أو تقريبه، مثلُ "جئْت قُبَيْلَ المَغرِبِ، أو بُعيدَ العِشاء، وجلستُ دُوَيْنَ المنبر، ومَرَّت الطيّارةُ فُوَيْقَنا" ، أو للتَّحببِ إليه "كبُنَيٍّ وأبيٍّ وأميَمةٍ وأخَيٍّ" .
حكم ما بعد ياء التصغير
يجبُ أن يكون ما بعد ياء التَّصغير مكسوراً "كجُعيفِرٍ" .
إلا إن كان ما بعدها آخرَ الكلمة "كرُجَيْلٍ" ، فإنهُ يكون تابعاً للإعراب، أو كان مُتَّصلاً بعلامة التأنيث. كتُميرةٍ وسُلَيمى وأُسَيماءَ، أوبألفِ الجمع، فيما كان على وزن (أفعالٍ) كأحَيمال، أو بالألف والنون الزائدتين في علمٍ أو صفةٍ. كعُثْيمان وعُطَيْشان، فإنهُ يبقى على حاله مفتوحاً.
(فإن كان المتصل بهما ليس علماً ولا صفة كسرحان، كسرت ما قبل ياء التصغير وقلبت ألفه ياء. كسريحين، كما تقول في جمعه "سراحين" . والسرحان الذئب. فإن سميت بسرحان صغرته على لفظه، فقلت "سريحانه" لأنه صار علماً) .
أوزان التصغير
للتَّصغير ثلاثةُ أوزان، وهي فُعَيْلٌ، وفُعَيْعِلٌ، وفُعيْعِيل. (كجُبيلٍ ودُرَيْهمٍ وعُصَيْفيرٍ) .
فما كان على ثلاثة أحرفٍ، صغَّرتهُ على (فُعيْلٍ) كقُليمٍ وحُسَينٍ، وجُبَيْل.
وما كان على أربعةِ أحرفٍ، صغَّرتهُ على (فُعيْعِلٍ) كجُعَيفرٍ وزُيَيْنبٍ ومُبَيردٍ.
وما كان على خمسةِ أحرفٍ، مما رابعهُ حرفُ علّة، صغَّرته على (فُعيْعيلٍ) كمفَيْتيحٍ وعُصيْفيرٍ وقُنيْديلٍ.
وما على خمسةِ أحرفٍ أصلية، طرحتَ خامسهُ وبنيتهُ على (فعيعِل) فتقولُ في سفرجلٍ وفرزْدقٍ (سُفيْرِجٌ وفُريْزِدٌ) فإن كان مع الخمسة زائدٌ حذفتهُ مع الخامس، فتقول في عنْدليبٍ (عُنيْدلٌ) .
وما بلغتْ أحرُفهُ بالزيادة أكثرَ من أربعةٍ، مما ليس رابعه حرف علَّة، حذفت منهُ وبنيتهُ على (فُعيْعِلٍ) . فإن كان فيه زائدٌ واحدٌ، طرحتهُ، فتقولُ في مُدحرجٍ وسبطْري وغضنْفر (دُحيْرجٌ وسُبيطرٌ وغُضيْفرٌ) . وإن كان فيه زيادتان فأكثرُ، بنيتهُ على أربعةٍ وحذفت من زوائده ما هو أولى بالحذف من غيره، فتقول في مُفرِّحٍ ومُقاتلٍ ومُنْطلقٍ "مُفيْرحٌ ومُقيْتِلٌ ومُطيْلقٌ" ، وتقولُ في مُتدحرجٍ ومُقشْعرٍّ (دُحيْرجٍ وقشيْعرٌ) ، وتقولُ في مُستخرجٍ ومُستدعٍ (مُخيرجٍ ومُدَيْعٍ) وتقولُ في استخراجِ وانطلاقٍ واضطرابٍ (تُخيْرج ونُطيْلق وضتيْربٌ) .
فإن كان في الاسم زيادتان، ليس لإحداهما مزيةٌ على الأخرى، حذفت أيهما شئت، فتقول في علنْدى وسرندى وحبنطى. (العُليْند والسُّريند والحُبيْنط) و (العُليْدي والسُّريْدي والحُبيطي) لأنَّ النون والألف المقصورة إنما زيدتا ليلحق الوزنُ بسفرجل. ولا مزية لإحداهما على الآخرى. وهذا شأن كل زيادتين زيدتا للإلحاق.
أما ألفُ التأنيث المقصورةُ، فإن كانت رابعة، كحُبلى، ثبتتْ كحُبَيْلى وإن كانت فوق الرابعة، كخوْزلى ولُغَيْزى حُذفت وجوباً، لأنَّ بقاءها يُخرج البناءَ عن مثال (فُعيْعل) أو (فُعَيعل) . وذلك كخوَيزلٍ ولُغَيغيزٍ، ما لم يسبقِ الواقعة خامسةً حرفُ مدٍّ، فيجوزُ بناءها وحذفُ حرفِ المدِّ،
ويجوز العكسُ، فتقولُ في حُبارى "حُبيْرَ" بحذفِ ألفِ المدِّ، و "حبيّر" بحذف ألف التأنيث وبقاءَ حرف المدِّ، بعد قلبه ياءَ وإدغامهِ في ياء التصغير.
وأما تاءُ التأنيث وألفُه الممدودةُ، فتَثبُتانِ على كل حال، فتقول في مُسلمة وهندباءَ مُسيْلمة وهُنَيْدِباء "."
والألفُ والنونُ الزائدتانِ بعدَ أربعةِ أحرفٍ، تَثبُتانِ على كلِّ حال، فتقولُ في تصغير زعفران "زُعَيْفَران" .
ويجوز أن يعوَّضَ ما حذِفَ منه للتصغيرِ ياءً قبل آخره، فيُبنى الاسمُ على "فُعَيْعيلٍ" فتقول في مُنطلقٍ وسَفرجلٍ "مُطَيْليقٌ وسُفَيْريجٌ" ، كما يجوز أن تقول في جمعها مَطاليقَ وسفاريجُ "."
(ولا يخرج المصغر من هذه الأوزان، ما يلحقه من علامة تأنيث أو تثنية أو جمع أو نسبة، أو الألف والنون الزائدتين، أو الجزء الثاني في المركبين الإضافي والمزجي. فمثل تميرة وسليمى وحميراء وقليمان وعميرون وهنيدات وحميصي وعثيمان وعطيشان وعبيد الله وبعيلبك "مصغر على" فعيل "ومثل" حنيظلة وقويصاء ودريهمان وشويعرون ودميشقي وزعيفران وخويدم الدار ومعيد يكرب "مصغر على" فعيعل ". ولا يعتد بما لحق هذه الأسماء من هذه الزيادات) ."
تصغير ما ثانيه حرف علة
إذا صغَّرتَ ما ثانيهِ علَّةٍ مُنقلبٌ عن غيره رَدَدْتَهُ إلى أصله، فإن كان أصلُه الواوَ رددته إليها، فتقولُ في تصغير بابٍ وَطي وقيمةٍ وميزانٍ وديوانٍ
وميسمٍ "بُوَيْبٌ وطَوَيٌّ وقُوَيْمةٌ ومُوَيزينٌ ودُوَيْوِينٌ ومُوَيْسمٌ" . وإن كان اصلُه الياءَ رددته إليها أيضاً، فتقولُ في تصغيرِ نابٍ ومُوقنٍ "نُيَيبٌ ومُيَيْقنٌ" وإن كان أصلُهُ حرفاً صحيحاً رددتهُ إليه، فتقول في تصغير دينارٍ "دُنيْنيرٌ" وإن كان مجهول الأصل كعاجٍ، أو زائداً كشاعرٍ وخاتمٍ، أو مبْدلا من همزة كآصالٍ وآمال وآبالٍ قلبتهُ واواً، فتقول "عُوَيْجٌ، وشُوَيْعرٌ، وخُوَيْتمٌ، وأوْيصالٌ، وأويْمالٌ وأويبالٌ" .
(وشذ تصغير "عيد" على عييد كما شذ جمعه على "أعياد" . وحقه أن يصغر على "عويد" ويجمع على "أعواد" لأنه من عاد يعود، فياؤه أصلها الواو، وأصله "عويد" بكسر فسكون قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. وإنما صغروه وجمعوه على غير اصله لئلا يتلبس بالعود) .
وإن كان الثاني حرفاً صحيحاً منقلباً عن حرف علة، ابقيتّه على حاله (في رأي سيبويه والجمهور) ، أو أرجعتَهُ إلى أصله (في قول الزَّجاج وأبي عليٍّ الفارسيّ) فتقول في تصغير مُتَّعدٍ "مُتَيعِدٌ" (على قول سيبويه. قالوا وهو الصحيح) ، و "مُوَيعد" . (في رأيهما) . وذلك لأن أصله "مُوتعدٌ" . وأصل هذا من الوعد. وقولُ سيبويه أقرب إلى الفهم، كيلا يلتبس بتصغير "مَوعِدٍ ومُوعدٍ ومُوعَدٍ" وقولهما أصحُّ في القياس.
تصغير ما ثالثه حرف علة
إذا صغَّرتَ ما ثالثهُ حرفُ علَّة، أدغمته في ياء التصغير بعد قلبه ياءً، إن كان ألفاً أو واواً، فتقول في تصغير عصاً ورَحى وظَبيٍ ودَلو وَطيٍّ وشمالس وقَدومٍ وجميلٍ "عُصيّةٌ ورُحَيّةٌ وظُبَيٌ ودُلَيّةٌ وطُوَيٌ وشُمَيِّلٌ وقُدَيِّمٌ وجمَيِّل" إلا ما كان آخرهُ ياءً مشدَّدةً مسبوقةً بحرفين كصبيٍ وعليٍّ وذكيٍّ، فَتُخفَّفُ وتُدغمُ في ياء التصغير، فتقول "صُبَيٌ وعُلَيٌّ وذُكيٌّ" فإن سَبقْ بأكثر من حرفين، صُغِّر الاسم على لفظه، فتقول في تصغير كُرسيٍّ ومِصريٍّ "كرَيْسيٌّ ومُصَيريٌّ" .
تصغير ما رابعه حرف علة
إذا صَغرتَ ما رابعهُ حرفُ علَّة، قلبتَ الألفَ أو الواوَ ياءً، وتركت الياءَ على حالها، فتقول في تصغير منشارٍ وأرجوحةٍ وقنديلٍ "مُنَيشيرٌ وأرَيحيحةٌ وقُنَيديلٌ" .
تصغير ما حذف منه شيء
إذا صغَّرتَ ما حُذف منه شيءٌ، رددته عند التصغير، فتقول في تصغير يَدٍ ودمٍ وأبٍ وأخٍ وأختٍ وبنتٍ وعدةٍ وزِنةٍ وشَفةٍ وماءٍ "يُدَيَّةٌ ودُمَيٌّ وأبيٌ واخيٌ وأخيَّةٌ وبُنيّةٌ ووُعيدَةٌ ووُزَيْنةٌ وشُفَيْهةٌ ومُوْيهٌ" .
وإن كان في أوله همزة وصل حذفتَها ورددْتَ المحذوفَ، فتقول في تصغيرِ ابنٍ وابنةٍ واسمٍ وامرِىءٍ وامرأةٍ "بُنَيٌ وبُنيّةٌ وسُمَيٌّ ومُرَيْءٌ ومُرَيْئةٌ" .
وإن سَميتَ بنحوِ "قُلْ وبعْ وخُذْ ومُذْ" قلتَ في تصغيره "قُوَيْلٌ وبُدَيعٌ وأخَيْذٌ ومُنَيذٌ" برد المحذوف.
تصغير الثنائي الوضع
إذا سمّيت بما وُضع على حرفين، فإن كان ثانيه حرفاً صحيحاً، أبقيته على حاله، بعد التّسمية به فإن أردت تصغيره. ضعَّفت ثانيه عند تصغيره، فتقول في تصغير هلْ وبلْ وإنْ وعَنْ، ونحوها أعلاماً "هُلَيْلٌ وبُلَيْلٌ وأُنَيْنٌ وعُنَيْنٌ" . وإن كان ثانيه حرف علة كلَوْ وكي وفي وما ولا، وجب تضعيفه حين التّسمية به، فتقول في المذكورات، إذا جعلتها أعلاماً "لوٌ وكيٌ وفيٌ وماءٌ ولاءٌ" . فإن أردتَ تصغيرها، صغرتها على حالها هذه، فتقول "لُوَيٌ وكُيَيٌ وفُيَيٌ، ومُوَيٌ ولُوَيٌ" .
تصغير المؤنث
إذا صغَّرتَ المؤنث الثلاثيَّ الخاليَ من التاءِ، ألحقتها به، فتقول في تصغير دارٍ وشمسٍ وهندٍ وعينٍ وسنٍ وأذنٍ "دُوَيرة وشُمَيسةٌ وهنيْدةٌ وعُيَيْنةٌ وسُنَيْنةٌ وأذيْنةٌ" إلا إذا لزم من ذلك التباس المفردِ بالجمع، أو المذكر بالمؤنث، فتُتْركُ التاءُ، فتقولُ في تصغير بَقرٍ وشجرٍ "بُقيرٌ وشجيرٌ" ، لا "بُقيرةٌ وشُجيرةٌ" كيلا يُظنَّ أنهما تصغيرُ بقرةٍ وشجرةٍ. وتقول في تصغير خمْس وستٍ وسبْعٍ وتسعٍ وعَشْرٍ وبِضعٍ، في المعَدود المؤنث خُمَيسٌ وسُتيتٌ وسُبَيْعٌ وتُسَيعٌ وعُشيرٌ وبُضَيعٌ "، لا خُمَيْسةٌ وسُتيْتَةٌ الخ، لئلا تلتبسَ بتصغير" خمسةٍ وستةٍ "الخ في المعدود المذكر."
وإذا سمَّيتَ رجلا بمؤنث ثلاثي، كنارٍ وعينٍ وأذنٍ وفِهْرٌ، ثم أردت
تصغيره، لم تُلحق به التاء، فتقول "نُوَيرٌ وعُيَيْنٌ وأذَينٌ وفُهَيرٌ" . فإن سميت بهذه الأسماء ونحوها مذكراً، بعد تصغيرها، أبقيتها على ما هي عليه. ومن ذلك "مُتَمّمُ بن نُوَيرة، وعُيَينة بن حصنٍ، وعمرو بن أذَيْنة، وعامر بن فُهَيْرة" .
وإذا سمّيتَ امرأة بمذكرٍ ثلاثي، كرمحٍ وبدرٍ ونجمٍ وسعدٍ، ثم أردت تصغيره، ألحقت به التاءَ، فتقول "رُميْحة وبُديرة ونُجَيْمة وسُعَيْدَة" .
فلا اعتبار في العلم، في حال تصغيره، بما نُقِلَ عنه من تذكير أو تأنيثٍ، وإنما العبرة في مُسمّاةُ الذي نقلَ إليه. هذا هو الحق.
(وقال يونس يجوز الاعتباران اعتبار الأصل واعتبار الحال. وعليه فتقول في "عين" مسمى بها مذكر "عيين وعيينة" . وتقول في "رمح" مسمى به مؤنث "رميحة ورميح" وقال ابن الانباري إنما العبرة بأصله المنقول عنه، فتلحقه التاء او لا تلحقه بهذا الاعتبار. وعليه فلا تقول في "عين" ، مسمى بها مذكر، إلا "عيينة" ، وفي "رمح" مسمى به مؤنث، إلا "رميح" ) .
أما المؤنث الرُّباعيُّ فما فوق، فلا تَلْحقه تاءُ التأنيث، فمثل "زينبَ وعَجوزٍ" يُصغَّر على "زيَينبَ وعُجَيّزٍ" .
(وشذ تصغير "ذود" "بفتح فسكون" وحرب وقوس ونعل ودرع الحديد وعرس "بلا إلحاق التاء، فقد صغروها على" ذويد وحريب ""
الخ. مع أنها مؤنثات ثلاثية، فحقها أَن تلحقها التاء عند تصغيرها. كما شذ تصغير قدام ووراء وأَمام على "قديدمة ووريئة" (بتشديد الياء مكسورة) وأميمة (بتشديد الياء مكسورة أَيضاً) فألحقوا بها التاء وهي ليست ثلاثية. وقدام ووراء ظرفان مؤنثان. أَنثوهما على معنى الجهة، وأَمام ظرف مذكر وإِلحاق التاء إياه عند التصغير شاذ من وجهين لأنه مذكر ولأنه فوق الثلاثي. قال في المصباح وقد يؤنث "الأمام" على معنى الجهة. وقال الزجاح واختلفوا في تذكير الأمام وتأنيثه) .
تصغير العَلم المركَّب
إذا أَردت تصغير علمٍ مُركَّبٍ تركيبَ إضافةٍ أَو مَزجٍ، صغَّرتَ جزءَه الأولَ، وتركتَ الآخرَ على حاله، فتقولُ في عبد اللهِ ومَعْدِ يكرِبَ "عبَيد الله، ومُعَيْدِ يكرِب" أَما المركَّبُ تركيب جُملةٍ كتأبط شراً، وجادَ الحقُّ، فلا يصغَّرُ.
تصغير الجمع
جمع القلَّة يصغَّر على لفظه، فتقولُ في تصغير أحمالٍ وأَنفُسٍ وأَعمدةٍ وفِتْيةٍ "أُحَيْمالٌ وأُنيْفسٌ وأُعيْمدةٌ وفُتَيَّةٌ" . وكذلك اسمُ الجمعِ كرَكب ورُكَيْب.
وجمعُ الكثرةِ لا يصغَّرُ على لفظهِ، بل يردُّ إلى المفردِ، ثمَّ يصغَّر ثم يُجمَع جَمعَ المذكَّرِ السالمَ، إن كان للعاقل، وجمع المؤنثِ السالمَ، إن كان لغير العاقل، فمثلُ "شُعراءَ وكُتَّابٍ ودَراهم وعصافيرَ وكُتُبٍ" تَصغيرهُه "شُوَيْعرونَ وكُوَيْتبونَ ودُرَيهماتٌ وعُصَيْفيراتٌ وكُتيِّباتٌ" .
تصغير الترخيم
من التصغير نوعٌ يسمَّى تصغير الترخيم، وهو أَن يُجرَّد الاسم من الزوائدِ التي فيه، ويصغَّرَ على أَحرفه الأصليّة.
فإن كانت أُصُولهُ ثلاثةً يُصغر على "فُعيْلٍ" ، فيقالُ في تصغيرِ معطَفٍ ومُنطلقٍ وأَزهرٍ وأَبلَقَ وحامدٍ ومحمودٍ وأَحمد "عُطيفٌ وطُليقٌ وزهَيرٌ وبُليْقٌ وحُميدٌ" .
ثم إن كان مسمّاهُ مؤنثاً ألحقت به التاء وإن كان قبل الترخيم مؤنثاً بالألف، أَو مؤنثاً بغيرِ علامة، فيقالُ في مُكرمةِ وحُبلى وسوداء وسُعاد: "كُرَيمةٌ وحُجَيلةٌ وسُوَيدة وسُعيدة" ، وتقول فيمن سمّيتها سعيدَ وسماء "سُعيْدةٌ وسُميّة" . إلا إذا كان من الصفات الخاصة بالإناث، التي لم تلحقها علامة التأنيث كطالق وناهد، فلا تلحقها التاء كطُليْق ونُهيْدٍ "."
وإن كان مؤنثاً بلا علامة، وسميت به مذكراً، لم تُلحق به التاء، فتقول فيمن سميته سماء وعروباً سُميٌ وعُريبٌ ". وإن كان مؤنثاً بالعلامة، جرّدته منها، فتقول فيمن سميته مُكرمةٌ وصحراءَ وفاطمة" كريمٌ وصُحير وفُطيمٌ ". إلا إذا وقعت التسمية به بعد التصغير، كأن تسمي رجلا" صحيرة "مؤنث" صحراء "فتبقى علامة التأنيث."
وإن كانت أَحرفه الأصليّة أَربعة يصغر على "فُعَيْعل" ، فيقال في قرْطاس وعصفور وقنديل "قريطِس وعُصَيْفِر وقُنَيدِل" .
وتصغير الترخيم، إنما يكون في حذف ما يجوز بقاؤه في التصغير، كما رأَيت، أَما حذف ما لا يجوز بقاؤه، لأنه تختل ببقائه صيغة التصغير، فليس من باب تصغير الترخيم، كما يتوهم وذلك كتصغير "متدحرجٍ وسفرجل" على "دحيرج وسفيرج" .
وما كان فيه زيادتان فأكثر من الثلاثي الأصول، كمنطلق ومُستخرج، صغرته على "مُطيْلِقٍ ومخيْرج" تصغيراً لا ترخيمَ فيه، لأن الزوائدَ المحذوفة لا يجوز بقاؤُها في مصغرهما، لاختلال الصيغة معها، فإذا أردت ترخيمهما، قلتَ "طَلَيْقٌ وخُرَيجٌ" .
شواذ التصغير
ما جاءَ في التَّصغير مخالفاً لما سبقَ تقديرُه من القواعد، فهو من شواذَّ التصغير، التي تُحفظ ولا يقاس عليها. وقد تقدَّم ذكرُ بعضها. ومن ذلك تصغيرهم عشاءً على "عُشَيّانٍ" وعَشيّة على "عُشيْشيةٍ" وعَشيّاً على "عُشيْشانٍ" ، وليلة على "لُيَيْلِيةٍ" ، وقالوا "لُيَيْلة" أيضاً على القياس. وقد صغّروا إنساناً على "أُنَيْسيانٍ" ، وقد أَجمعَ العرب على تصغيره على ذلك. وصغَّروا بَنينَ على "أُبَيْنينَ" ، لم يُصغروها على غير ذلك. وقالوا في تصغير رَجُلٍ "رُجَيْلٍ" على القياس، و "رُوَيجلٌ" ، على غير القياس، كأنهم رَجعوا به إلى "الراجل" ، لأنَّ اشتقاقه منه، كما في لسان العرب.
قال النحاةُ وبعضُ اللغويين وشذَّ تصغيرُ صبْيةٍ وغلْمةٍ على أُصَيْبيةٍ والحقُّ أنَّ أصيْبية هي تصغير "أصْبية" . وأما صبْية فتصغيرها (صُبَيَّة) . وكذلك أغيْلمة (غُلَيْمة) . وقالوا شذَّ تصغيرُ مَغرِب على (مُغَيْرِبانٍ) والحقُّ أنَّ مُغَيْرباناً هو تصغيرُ (مَغْربانٍ) ، وهو بمعنى المغرب. يُقال لقيته مَغربَ الشمسِ، ومَغْربانَها.
(التصريف المشترك)
(الإدغام)
الإدغامُ إِدخالُ حرفٍ في حرفٍ آخرَ من جنسه، بحيث يصيرانِ حرفاً واحداً مُشدَّداً، مثلُ "مدَّ يمدُّ مدّاً" وأصلُها "مدَدَ يمدُدُ مدْداً" . وحكمُ الحرفينِ، في الإدغامِ، أن يكون أوَّلهما ساكناً، والثاني متحركاً، بلا فاصلٍ بينهما.
وسكون الأول إما من الأصل كالمد والشد. وإما بحذف حركته. كمدَّ وشدَّ. وإما بنقلِ حركته إلى ما قبلهُ كيمُد، ويشدُّ.
والإدغامُ يكون في الحرفين المتقاربين في المَخرَج، كما يكون في
الحرفين المتجانسين. وذلك يكون تارةً بإبدال الأول ليُجانسَ الآخر كامَّحى، وأصلُه "انمحى" ، على وزن "انفعلَ" ويكون تارةً بإبدال الثاني ليُجانس الأولَ كادَّعى، وأصلُه "ادْتعى" ، على وزن "افتَعل" .
اقسم الادغام
الإدغامُ، إِما صغيرٌ، وهو ما كان أوَّلُ المثلين فيه ساكناً من الأصل.
وإما كبير وهو ما كان الحرفان فيه متحركين، فأسكن أولهما بحذف حركته، أو بنقلها إلى ما قبلها. وإنما سُمّيَ كبيراً لأن فيه عَمَلين وهما الإسكان والإدراجُ، أي الإدغام. والصغير ليس فيه إلا إِدراج الأولِ في الثاني.
وللإدغامِ ثلاثُ أحوالٍ الوجوبُ، والجوازُ، والإمتناع.
وجوب الادغام
يجبُ الإدغامُ في الحرفين المتجانسين إذا كانا في كلمة واحدة، سواءٌ أكانا متحرّكين كمَرَّ ويمُرُّ (وأصلُهما مَرَر ويمرُرُ) ، أم كان الحرف الأول ساكناً والثاني متحركاً كمد وعَض (وأصلهما مَدْدٌ وعَضْضٌ) . وأما قول الشاعر "الحمدُ لله العلي الأجلَلِ" فمن الضّرورات الشعريَّة، والقياسُ (الأجَلّ) .
ثم إن كان الحرفُ الأول من المثْلين ساكناً، أدغمتَه في الثاني بلا تغيير. كشَد وصَدٍّ (وأصلهما شَدْد وصَدْدٌ) . وإن كان متحركاً طرحتَ حركتهُ وأدغمتهُ "إن كان ما قبلهُ متحركاً أو مسبوقاً بحرفِ مدٍّ، كرد ورادٍّ."
(وأصلُهما رَدَد ورادِدٌ) أما إن كان ما قبله ساكناً فتنقَلُ حركته إليه كيرُدُّ (وأصلُه يُرْدُد) .
ويجب إدغام المِثلين المُتجاورين الساكنِ أولُهُما، إذا كانا في كلمتين، كما كانا في كلمة واحدة، مثلث "سَكَتُّ، وسكنَّا وعَنَّى وعَلَيَّ، واكتُبْ بالقلم، وقلْ له، واستغفرْ رَبَّك" غيرَ أنه إن كان ثاني المثلين ضميراً، وجب الإدغامُ لفظاً وخطًّا، وإن كان غير ضمير وجب الإدغامُ لفظاً لا خطًّا، كما رأيت.
وشذَّ فكُّ الإدغام الواجبِ في ألفاظٍ لا يُقاسُ عليها، مثلُ "ألِلَ السقاء والأسنانُ" (إذا تغيَّرت رائحتُهما وفسَدتْ) ، ودببَ الإنسانُ (إذا نَبت الشَّعرُ في جبينه) وضضبِبتِ الأرض (إذا كثُرَت ضبابُها) ، وقَطِط الشَّعر (إذا كان قصيراً جَعْداً) . ويقال قَطَّ بالإدغام أيضاً، ولَحِحت العين (إذا لَصقتْ أجفانُها بالرمصِ) ولخَختْ) إذا كثُر دَمعُها وغلُظتْ أجفانُها، ويقال لحَّت ولَخَّت بالإدغام أيضاً، ومَشَشتِ الدابةُ (إذا ظهرَ في وظيفها المَششُ) ، وعَزُزتِ الناقةُ (إذا ضاق مجرى لبنها) .
وشذَّ في الأسماءِ قولُهم "رجلٌ ضففُ الحال، (أي ضيّقُها) وشديدُها، ويقولُ (ضَفُّ الحالِ بالإدغام أيضاً) ، وطعامٌ قَضيضٌ أي" فيه حصًى صغارٌ أو تراب، ويقال قضٌ بالإدغام أيضاً وقَضِضٌ بالتحريكِ. وهذا يُمْنعُ فيه الإدغامُ، لأنه اسمٌ على وزنِ "فعلٍ" كما ستعلم.
جوازم الإدغام
يجوزُ الإدغامُ وتركُهُ في أربعة مواضعَ
الأول أن يكون الحرفُ الأولُ من المثْلين متحركاً، والثاني ساكناً بسكونٍ عارضٍ للجزْمِ أو شبْههِ، فتقولُ "لم يَمُدَّ ومُدَّ" ، بالإِدغامِ، و "لم يَمْدُدْ" بفكّهِ. والفكُّ أجودُ، وبه نَزَلَ الكتابُ الكريمُ. قال تعالى {يكادُ زيتُها يُضيءُ، ولو لم تَمْسَسْه نارٌ} وقال {واشدُدْ على قلوبهم} .
وإن اتَّصل بالمُدغَمِ فيه ألفُ الأثنينِ، أو واوُ الجماعة، أو ياءُ المخاطبة، أو نونُ التوكيد، وجبَ الإدغامُ، لزَوالِ سكونِ ثاني المِثْليْنِ، مثلُ "لم يَمُدَّا ومُدَّ، ولم يَمُدُّوا ومُدُّوا، ولم تَمدِّي ومُدِّي، ولم يَمُدَّنْ ومُدَّنْ، ولم يَمدَّنَّ ومُدَّنَّ" ، أما إن اتصل به ضمير رفعٍ متحركٌ فيمتنعُ الإدغامُ، كما سيأتي.
وتكونُ حركةُ ثاني المثْلين المُدغَميْن في المضارع المجزوم والأمر، اللَّذين لم يتَّصل بهما شيءٌ، تابعةٌ لحركة فائه، مثلُ (رُدُّ ولم يَرُدُّ، وعَضَّ ولم يَعضَّ، وفِرَّ ولم يَفرَّ) هذا هو الأكثرُ في كلامهم. ويجوزُ أيضاً في مضموم الفاء، معَ الضمِّ، الفتحُ والكسرُ. "كرُدَّ ولم يرُدَّ، ورَدَّ ولم يَرُدَّ. ويجوزُ في مفتوحها، مع الفتحِ الكسرُ، كعَضَّ ولم يَعَضَّ. ويجوز في مكسورها، مع الكسرِ، الفتحُ. كفرَّ ولم يَفرَّ."
(نعلم من ذلك أن المضموم الفاء يجوز فيه الضم والفتح، ثم الكسر، والكسر ضعيف، والفتح يشبه الضم في قوته وكثرته، وأنّ المفتوح الفاء يجوز فيه الفتح، ثم الكسر، والفتح أولى وأكثر، وأن المكسور الفاء يجوز فيه الكسر والفتح، وهما كالمتساويين فيه.
ويكون جزم المضارع حينئذ بسكون مقدر على آخره، منع من ظهوره حركة الإدغام، ويكون بناء الأمر على سكون مقدر على آخره، منع من ظهوره حركة الإدغام أيضاً.
واعلم أن همزة الوصل في الأمر من الثلاثي المجرد، مثل "أمدد" ، يستغنى عنها بعد الإدغام، فتحذف، مثل "مد" ، لأنها إنما أتي بها للتخلص من الإبتداء بالساكن، وقد زال السبب، لأن أول الكلمة قد صار متحركاً) .
الثاني أن يكونَ عينُ الكلمةِ ولامُها ياءَيْنِ لازماً تحريك ثاينتِهما، مثل (عييَ وحييَ، فتقولُ (عَيَّ وحَيَّ) ، بالإدغام أيضاً.
فإن كانت حركةُ الثانيةِ عارضاً للإعراب، مثل (لَن يُحييَ، ورأيتُ مَحيِياً) ، إمتنع إدغامُهُ. وكذا إن عَرَض سكون الثانية مثل عييت وحيِيتُ) .
الثالث أن يكون في أول الفعل الماضي تاءَان، مثلُ "تتابعَ وتَتَبّعَ" ، فيجوز الإدغامُ، مع زيادة عمزة وصلٍ في أوله، دفعاً للابتداء بالساكن، مثلُ "إتَابعَ واتّبَّع" . فإن كان مضارعاً لم يَجز الإدغام، بل يجوز تخفيفه بحذف إحدى التاءَين، فتقول في تتجلى وتتلظّى "تجَلى وتلظّى" ، قال تعالى "تنزَّلُ الملائكةُ والرُّوح" ، وقال "ناراً تلظّى" (أي تتنزَّلُ وتتلظَّى) . وهذا شائعٌ كثيرٌ في الاستعمال.
الرابعُ أن يتجاوَز مثْلانِ متحركان في كلمتين، مثل (جعل لي وكتبَ بالقلم، فيجوز الإدغام، بإسكان المِثْلِ الأول، فتقول "جَعَلْ لي، وكتبْ بالقلمِ" . غير أنَّ الإدغام هنا يجوز لفظاً لا خطًّا) .
امتناع الادغام
يمتنعُ الإدغامُ في سبعة مواضع
الأولُ أن يتصدَّرَ المِثْلان كدَدنٍ ودداً ودَد وتَتَرٍ ودَننٍ.
الثاني أن يكونا في اسمٍ على وزنِ "فُعَلٍ" (بضم ففتحٍ) . كدُرَرٍ وجُدَدٍ وصُفَفٍ، أو "فُفُلٍ" (بضمّتينِ) كسُرُرٍ وذُلُلٍ وجُدُدٍ، أو (فعَلٍ) (بكسرٍ ففتحٍ) . كلِمَمٍ وكِللٍ وحِللٍ، أو (فَعَلٍ) (بفتحتين) كطَلَلٍ ولَببٍ وخَببٍ.
الثالث أن يكون المِثْلان في وزن مزيدٍ فيه للإلحاق، سواءٌ أكان المزيدُ أحد المثلين كجلبَب، أولا كهَيْلل.
الرابع أن يتَّصل بأول المثلين مُدْغمٌ فيه كهَلَّلَ ومُهلّلٍ، وشدَّد
ومُشدد. وذلك لأنْ في الإدغام الثاني تكرار الإدغام، وذلك ممنوعٌ.
الخامسُ أن يكون المثلان على وزن (أفْعل) ، في التعجُّب، نحو (اعزِزْ بالعلم! وأحببْ به!) ، فلا يقالُ (اعزَّ به! واحبَّ به!) .
السادسُ أن يعوض سُكونُ أحد المثلين، لاتصاله بضمير رفعٍ مُتحرِّك كمدَدْتُ ومَددنا ومَددْتَ ومَددْتُمْ ومَددْيُنَّ.
السابعُ أن يكون مِمّا شذَّتِ العَرَبُ في فَكِّه اختيارا، وهي ألفاظ محفوظةٌ تَقَدمَ ذكرُها، فيمتنعُ الإدغامُ.
فائدة
إذا كان الفعلُ ماضياً ثلاثيًّا، مجرداً مكسورَ العينِ، مضاعفاً، مُسنداً إلى ضمير رفعٍ متحرك، جازَ فيه ثلاثة أوجه، الأولُ استعماله تامًّا، مفكوك الإدغام، فتقولُ في ظلَّ. "ظَلِلْتُ" . الثاني حذفُ عينهِ، مع بَقاءِ حركة الفاءِ مفتوحةً، مثلُ "ظلْتُ" . الثالثُ حذفُ عينه ونقل حركتها إلى الفاءِ بعد طرح حركتها، مثل "ظِلْتُ" . قال تعالى {أُنظرْ إلى إِلهكَ الذي ظِلْتَ عليه عاكفاً} ، وقال {لو نشاءُ لجعلناهُ حُطاماً، فَظَلتم تفكَّهون} . قُرِئَ بفتح الظاء في الآيتين، على بقاءِ حركتها، وبكسرها على طرح حركتها ونقلِ حركة اللام المحذوفة إليها.
فإن كان الفعل مضارعاً أو أمراً، وهو ثلاثيٌّ، مجردٌ مضاعَفٌ، مكسورُ العينِ فيهما، مُستْنَدٌ إلى ضمير رفعٍ متحرك، جاز فيه الإتمام، فتقولُ في يَقِرُّ وقِرُّ "يَقْررنَ واقرِرنَ" ، وجاز حذف عينه ونقل حركتها إلى الفاءِ، مثل
"يَقِرْنَ وقِرْنَ" . ومنه، في قراءة غير نافعٍ وعاصم {وقِرْنَ في بُيوتكنَّ} بكسر القاف. أما ما فُتحت عينه فلا يجوزُ فيه ذلك إلا سماعاً. ومنه "وَقرنَ في بُيوتكنَّ" بفتح القاف، في قراءة نافع وعاصم، وبها قرأَ حَفصٌ وقراءةُ الكسر أصلُها "اقرِرْنَ" ، لأن "قرَّ" يجوز أن يكون من باب "فَعَلَ يَفْعِلُ" ، بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع، ويجوز أن يكون من باب "فَعِلَ يَفْعَلُ" ، بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع.
(الإعلال)
الإعلالُ حذف حرفِ العِلةِ، أو قلبُه، أو تسكينُهُ.
فالحذفُ كيرِثُ (والأصلُ. يَوْرِثُ) .
والقلبُ كقال (والأصلُ. قَوَلَ) .
والإسكانُ (كيمشي (والأصل. يمشِيُ) .
(1) الإعلال بالحذف
يُحذَفُ حرفُ العلّةِ في ثلاثة مواضعَ
الأوَّلُ أن يكون حرفَ مد مُلتقياً بساكنٍ بعدَهُ كقُمْ وخَفْ، وبِع، وقُمتُ وخِفتُ وبِعتُ، ويَقُمْنَ، ويَخفْنَ، ويَبِعْنَ، ورَمَتْ، وترمونَ، وترمينَ يا فاطمةٌ، وقاضٍ، وفتًى.
(والأصلُ "قوم وخاف وبيع وقومت وخيفت وبيعت ويخافن ويبيعن ورمات وترميون وترميين وقاضين وفتان" فحذف حرف العلة دفعاً لالتقاء
الساكنين وهؤلاء منبثقات أيضاً عن أصل آخر وسيأتي شرح ذلك في الكلام على الإعلال بالحذف) .
إلا إن كان الساكن بعد حرف العِلّةِ مُدَغماً فيما بعدهُ، فلا حَذف، لأنَّ الإدغام قد جعل الحرفين كحرفٍ واحدٍ متحرك، وذلك كشادَّ ويُشادُّ وشودَّ.
فإن عَرض تحريكُ الساكن كخَفِ اللهَ، وقُلِ الحقَّ، فلا تُعْتبرُ حركته. لأنها مَعْرِضِ الزوال، فلا يُرَدُّ المحذوفُ كما رأيت.
الثاني أن يكون الفعلُ معلوماً مثالا واويًّا على وزن "يفْعِلُ" ، المسكورِ العين في المضارع، فتُحذفُ فاؤهُ من المضارع والأمر، ومن المصدر أيضاً، إذا عُوِّضص عنها بالتاء كيَعِدُ وعدْ وعِدَةٍ.
(فإن لم يعوض عنها بالتاء فلا تحذف. فلا يقال "وعد وعداً" لعدم التعويض. ولا يجوز الجمع بينهما، فلا يقال "وعدة" ، إلا أن تكون التاء مراداً بها المرة، أو النوع، لا التعويض كوعدته عدة واحدة، أو عدة حسنة.
وإن كان الفعل مجهولا لم تحذف كيوعد. وكذلك إن كان مثالا يائياً كيسر ييسر أو كان مثالا واوياً على وزن "يفعل" المفتوح العين. كيوجل ويوجل. وشذ قولهم "يدع ويذر ويهب ويسع ويضع ويطأ ويقع" بحذف الواو مع انها مفتوحة العين) .
الثالث أن يكون الفعلُ مُعتَلَّ الآخر، فيُحذَفُ آخرُهُ في امر المفرد المذكرِ كاخشَ وادعُ وارمِ، في المضارع المجزوم، الذي لم يتصل بآخره شيءٌ كلم يَخْشَ، ولم يَدْعُ، ولم يرمِ. غيرَ أن الحذف فيهما لا
للإعلالِ، بل للنيابة عن سُكونِ البناءِ في الأمرِ، وعن سكون الإعراب في المضارع.
(2) الإعلال بالقلب
إذا تحرّك كل من الواو والياءِ بحركة أصليّة وانفتحَ ما قبلهُ، انقلبَ ألفاً كدَعا ورَمى وقال وباع، والأصل "دَعَوَ ورَمَي وقَوَلَ وبَيَعَ" .
ولا يُعتدُّ بالحركة العارضةِ "كجَيَل وَنَومٍ، وأصُلهما" جيْألٌ ونوْأَمٌ "، سَقَطتِ الهمزةُ بعد نقلِ حركتها إلى ما قبلها، فصار إلى" جَيَل ونَوَم "."
ويُشترطُ في انقلابها ألفاً سبعة شروطٍ.
(1) أن يتحرَّك ما بعدهما، إن كانتا في موضعِ عين الكلمة. فلا تُعَلان في مثل "بيانٍ وطويلٍ وغَيورٍ وخَوَرنقٍ" ، لسكون ما بعدهما.
(2) أن لا تلِيَهما ألفٌ ولا ياءٌ مُشدَّدةٌ، إن كانتا في موضع اللام فلا تُعلان في مثل "رميا وغزوا وفَتيان وعصوان" . لأن الألفَ ولِيَتهما، ولا في مثل "عَلَوي وفَتَوي" ، للحاقِ الياء المشدَّدة إيَّاهما.
(3) أن تكونا عينُ فعلٍ على وزن "فَعِلَ" ، المكسورِ العين، المعتل اللام كهوِيَ ودَوِيَ وجَوِيَ وقَوِيَ وعَيِيَ وحَيِيَ.
(4) أن لا يجتمع إعلالان كهوَى وطوَى والقُوَى والهَوَى والحيا والحياة وأصلُها هَوَيَ وطَوَي والقُووُ والهَوَيُ والحَيَي والحَيَيَةٌ "."
فأعلَّتِ اللامُ بقلبها ألفاً، لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها. وسَلِمتِ العين لإعلال اللام، كيلا يجتمع إعلالانِ في كلمة واحدة.
(5) أن لا تكونا عينَ اسمٍ على وزن "فَعَلانٍ" بفتح العين. فلا تُعلاّن في مثل "حيَوانٍ وموتانٍ وجَولانٍ وهَيَمانٍ" .
(6) أن لا تكونا عين فعلٍ تجيءُ الصفةُ المُشبّهةُ منه على وزن "أفعَلَ" ، فإنَّ عينهُ تَصحُّ فيه وفي مصدره والصفة منه كعَوِرَ يَعْوَرُ عوَراً فهو أعور، وحوِلَ يُحْوَلُ حوَلاً فهو أحولُ، وهَيِفَ يَهْيَفُ هَيَفاً فهو أَهيَفُ، وغَيِدَ يَغْيَدُ غَيْداً فهو أَغيَدُ.
(7) أَن لا تكونَ الواو عيناً في "افتَعَلَ" الدالَّ على معنى المشاركة. فلا تُعل الواو في مثل "اجتَوَرَ القومُ يَجْتَوِرون، وازدَوَجوا يزدَوِجونَ" ، أي تجاوَروا وتزاوجوا.
(2) قلب الواو ياء
تُقلَبُ الواو ياءً في ثمانية مواضع
(1) أن تَسكُنَ بعد كسرةٍ كميعادٍ وميزانٍ. وأصلُها "مِوْعاد ومِوْزانٌ" لأنهما من الوعد والوزن.
(2) أن تتطرَّف بعد كسرةٍ: كرضيَ ويرتضي وَقويَ والغازي والداعي والشجي والشجيّة. والأصل: رَضِوِ ويرتضِوَ وقوِوَ والغازِوَ والداعِوُ والشَّجِوُ والشَّجِوَةُ "، لأنها من الرِّضوان والقُوة والغزوِ والدعوة والشَّجْو. فإن لم تتطرَّفْ: كالعِوَجِ والدِّول، لم تُقْلب."
(3) أن تقعَ بعد ياءِ التصغير كجُريٍّ ودُلي. وأصلُهما "جُرَيْوٌ ودُليْوٌ" تصغير "جرْوٍ ودلْوٍ" .
(4) أَن تقعَ حشْواً بين كسرةٍ وألفٍ، في المصدرِ الأجوفِ الذي أُعِلّتْ عينُ فعله كالقيامِ والصيامِ والانقياد والعِياد والعيادَة وأصلُها "قوامٌ وصِوامٌ وانقوادٌ وعِوادٌ، وفعلُها" قام وصام وانقاد وعادَ "والأصلُ" قَوَمَ وصَوَمَ وانقَوَدَ وعوَدَ "."
فإن صحّتِ العينُ في الفعل صَحت في المصدر أيضاً، مثل "لاوَذ لِواذاً، وعاوَد عِواداً، وجاوزَ جِواراً" . وكذا تَصِح إن لم يكن بعدها ألفٌ كحالَ حِوَلاً.
(5) أَن تقعَ عيناً بعد كسرةٍ، في جميع صحيح اللام، على وزن "فِعالٍ" وقد أُعِلَّت في المفرد أو سكنت. فما أعلَّت عينه في المفرد، فكالدِّيار والرِّياحِ والحِيَلِ والقِيَم. وأَصُها "دِوارٌ ورِواحٌ وحِولٌ وقِومُ" ومفردها "دارٌ وريحٌ وحيلةٌ وقيمةٌ. والأصلُ" دَوَرٌ ورِوْحٌ وحِوْلةٌ وقِوَّمةٌ وما سكنت عينه في المفرد (وهذا لا يكونُ إلا في جمعٍ على فعال) ،
فكالثياب والسياط. وأَصُلهما (ثِوابٌ وسِواطٌ. ومُفردهما "ثَوبٌ وسوطٌ" .
فإن صحَّت عينُ المفرد، ولم تَسكنْ. فلا تُقلَبُ كطويلٍ وطِوال وشذَّ جمعُ جوادٍ على "جيادٍ" . والقياسُ أَن يُجمع على "جِواد" . وكذلك إن كان معتلَّ اللام، فلا تُقلبُ العينُ في الجمع ياءً كجوّ وجِواءٍ. بل إن كانت العين، في الأصل، واواً منقلبةً إلى الياء، رُدت إلى الواو في الجمع كرَيّانَ ورِواءٍ، لأن أُصل ريّان "رَوْيان" ، لأنه من "رَوِيَ يَرْوى" .
وإن وقعة الواوُ حشواً بين كسرةٍ وألفٍ، فيما ليس مصدراً ولا جمعاً كسوارٍ وقِوامٍ وخِوانٍ وسِواكٍ، لم تُقلب.
(6) أَن تجتمع الواوُ والياءُ. بشرط أَن يكون السابق منهما أَصلا، لا مبدلاً من غيره، وأَن يكون ساكناً، وأَن يكون سكونُهُ أَصلياً، لا عارضاً، وأن تكونا في كلمة واحدة، او فيما هو كالكلمة الواحدة، فتنقلبُ حينئذٍ الواو ياءً وتُدغمُ في الياء.
ولا فرق بين أن تَسبْقَ الواوُ كمَقْضي ومَرْمِي (وأصلُهما مَقْضُوي ومَرْمُويٌ) وأَن تسبق الياءُ كسيّدٍ وميت (وأَصلُهما سَيْوِدٌ ومَيْوِتٌ) .
ولا فرق أيضاً بين أن تكونا في كلمة واحدة، كما ذُكر، وان تكونا فيما هو كالكلمة الواحدة، مثل "هؤلاءِ مُعلميًّ ومكرِميَّ" والأصل "مَعَلَّموي ومُكرمويَ" .
(اجتمعت الواو والياء. وسبقت إِحداهما بالسكون، فانقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء واعلم أن الضمير وما يضاف إليه هما كالكلمة الواحدة) .
فإِن كان السابق منهما مُبدَلاً من غيره، فلا قَلب ولا إدغام. وذلك مثل "ديوان" ، لأنَّ أصله "دِوَّان" بدليل جمعة على "دواويين" ، ومثل
"رُوَيةٍ" مُخفّفِ "رُؤْية" . وكذا إن كان سكونه عارضاً نحو "قَوْيَ" مُخفّف "قوِيَ" وكذا إن كانتا في كلمتين ليستا كالكلمة الواحدة نحو "جاءَ أبو يَحيْى يَمشي وحيداً" .
وشذَّ قولهم "ضَيْوَن ويومٌ أَيْومُ، وعوى الكلبُ يعوي عوْيةً وعّوَّةً، والرَّجاءُ بنُ حَيْوَة" وحقها الإعلال فالإدغامُ، بأن يقال "ضَيَّنٌ وأيّمٌ وعَيّةٌ وحَيّةٌ" كما قالوا "أيَّامٌ، وأصلُها" أيْوامٌ "."
(7) أن تكون الواوُ لاماً، في جمعٍ على وزنِ "فُعولٍ" ، فتُقلبُ ياءً. وذلك كدَلوٍ ودُلّيٍ وعَصا وعُصِي، وقَفاً وقُفِيٍّ. ويجوزُ كسرُ الفاء، كدِليٍّ وعِصيٍّ وقِفِيٍّ. والأصلُ "دُلُووٌ وعُصووٌ وقَفووٌ" ، قُلبتِ اللاّمُ ياءً، فصارت إلى "دُلُويٍ وعُصُويٍ وقُفُويٍ" فاجتمعتِ الواوُ والياءُ، وسُبقَتْ إحداهما بالسكون فَقُلبت الواوُ ياءً وأُدغمت في الياءِ. وقد تَصِح الواوُ شذوذاً، كجمعهم "بَهْواً" على "بُهُوٍّ" . وقد جمعوه أيضاً على "يُهِي" ، قياساً.
فإن كان "فُعُولٌ" مفرداً، صحَّت الواوُ، مثل عتا عُتُواً، وسما
سمُوًّا، ونما نُموًّا "وقد تُعَلُّ شذوذاً، فقد قالوا" عتا عُتِيًّا، بضم العين وكسرها، كما قالوا عتا عُتُوًّا "."
(8) أن تكون الواو عين كلمةٍ، في جمعٍ على وزن "فُعَّلٍ" ، صحيح اللاّم كصائمٍ وصُيَّمٍ، ونائمٍ ونُيَّمٍ، وجائعٍ وجُيَّعٍ. ويجوز التّصحيح أيضاً كصُوَّمٍ، ونُوَّمٍ، وجُوَّعٍ. وهو أكثرُ استعمالا من الإعلال.
وما كان منه مُعلَّ اللامِ، وجبَ تصحيح واوِه كشُوّى وغوّى، وهما جَمْعا "شاوٍ وغاوٍ" .
أما ما كان على وزنِ "فُعّالٍ" فيجب تصحيح واوه أيضاً كنُوَّامٍ وصُوَّامٍ.
(3) قلب الياء واواً
تُقلَب الياءُ واواً في ثلاثة مواضع
(1) أن تَسكُنَ بعد ضمّةٍ، في غير جمعٍ على وزن "فُعْلٍ" كيوسِرُ وموسِرٍ، ويوقِنُ وموقنٍ. وأصلُها "يُيْسِرُ ومُيْسرٌ، ويُيْقِنُ ومُيْقِنٌ" لأنها من "أَيسرَ وأَيقنَ" .
فإن تحرَّكت الياءُ كهُيامٍ، لم تُقلَبْ وكذا إن سكنتْ بعد ضمةِ في جمعٍ على وزن "فُعْلٍ" كبيضٍ وهيمٍ، جَمْعَيْ "أبيضَ وبَيضاءَ، وأهيمَ وهيْماء، فلا تُعُلُّ بل تُقلَبُ الضمة التي قبلَها، كسرةً، لِتَصِحَّ الياءُ، كما رأيتَ. والأصلُ" بُيض وهُيْمٌ"، على وزن "فُعْلٍ" لأنَّ ما كان على وزن "أفعَلَ وفُعْلاءَ". صفةً مُشبَّهةً، يُجمعُ على "فُعْلٍ" بضمٍّ فسكون."
(2) أن تقعَ لامُ فعلٍ بعدَ ضمّة كنَهُوَ الرجلُ وقَضُةَ، بمعنى "ما أنهاه! وما أقضاه" . وأصلُهما "نَهُيَ وقَضُيَ!" ، فهما يائيّان.
(3) أن تكونَ عيناً لفُعْلى، بضم الفاء اسماً كطوبى، (وهي مصدر طاب واسم للجنة. وأصلها طُيْبَى) أو أُنثى لأفعلِ التفضيل كالكُوسى والخُورى والطّوبى والضُّوقى (مؤنثات) "أكيس وأخير وأَطيب وأَضيق" . وأصلها كُيْسى وخُيْرى وطُيْبى وضُيقى) وجاءَ من ذلك كلمتان بلا قلب، وهما "قسمةٌ ضيزى" و "مشْيةٌ حيكى" . ولكن قد أبدلت الضمةُ كسرةً لتصحَّ الياءُ وأَجاز ابن مالك وولده في "فُعلى" الصفة القلبَ، كما تقدَّم وسلامةَ الياء بإبدال الضمة كسرة وعليه فتقول "الطُّوبى والطّيبى، والكوسى والكيسى، والخُورى والخِيرى، والضوقى والضِّيقى" .
(4) فَعلى وفُعلى المعتلتا اللام
إذا اعتلَّت لام "فَعْلى" بفتح الفاء، فإن كانت واواً سَلِمتْ في الاسم كدَعوى، وفي الصفة كنَشوى. وإن كانت ياءً سلِمت في الصفة كخَزيا وصَدْيا (مُؤنثيْ "خَزْيانَ وصَدْيان" ) وقُلبت واواً في الاسم كتَقْوى وفَتْوى وبَقْوى. وأصلها "تَقْيا وفَتْيا وبقيا" . وشذَّ قولهم "رَيَّا" للرائحة، وحقها أن تكون "رَوًّى" .
وإذا اعتَلَّت لامُ "فُعْلى" بضم الفاء، فإن كانت ياءً صحَّتْ في الاسم كالفتْيا، وفي الصفة كالوُليْا، تأنيتِ "الأولى" ، بمعنى الأجدرِ والأحقِّ. وإن كانت واواً سَلمتْ في الاسم كخزْوَى، (وهي اسم موضعٍ) وقُلبتْ ياءً في الصفة كالدُّنيا والعُليا. (وهما من دَنا يدنو وعلا يَعْلو) , وشذَّ قولُ أهلِ الحجازِ "القُصْوَى" ، بتصحيح الواو وهو شاذٌّ قياساً، فصيحٌ استعمالا به
ورد الكتابُ الكريمُ، قال تعالى "وهُمْ بالعُدوَة القُصوى، وغيرُهم يقول" القُصْيا "، على القياس وشذَّ عندَ الجميع" الحُلْوَى "، ضِدُّ" المُرَّى "وهما تأنيث" الأحلى والأمَرَّ "."
(5) اعلال الألف
إذا وقت الألفُ بعد ياءِ التصغير، انقلبت ياءً، وأُدغمت في ياء التَّصغير كغزالٍ وغُزيّل، وكتابٍ وكتَيّبٍ، لاقتضاء كسر ما قبلَ ياء التصغير. وإذا وقت بعد ضمةٍ، قُلِبت واواً كشوهدَ وبُويعَ، أَو بعد كسرة قلبت ياءً كمصابيح ودنانير، والأصل "شاهدَ وبايعَ، ومصاباح ودُنانار" ولما كان النُّطقُ بذلك مُتَعذّراً، قلبت الألف واواً بعدَ الضمة وياءً بعد الكسرة، لِتناسبَ حركةَ ما قبلها.
وإذا وقت رابعةً فصاعداً، واتَّصلت بضمير المثنّى، أو ضمير رفع مُتحرِّكٍ في الفعل، أَو بألف التثنية في الاسم، قلبت ياءً على كل حال. سواءٌ أكانت مُبْدَلةً من واو كيرضى وأعطى والمَرضى والمُعطى، أم من ياءٍ كيَسعى وأحيا، والمُهدى والمُستشفى. فتقول "يرضيان وأعطيا، والمُرَضيان والمُعطَيانِ، ويسعيان وأحيَيا، والمُهدَيانِ والمُستشفيانِ" .
فإن كانت ثالثةً، فإن كان أصلها الواوَ، رُدَّتْ إليها كغَزوا وَغزَوتُ والعصوَيْنِ. وإن كان أصلها الياءَ، رُدَّت إِليها كرَمَيا ورَميتُ والفَتَيَيْن.
الإعلال بالتسكين
والمرادُ به شيئان الأول حذف حركة حرفِ العلَّة، دفعاً للثَّقَل.
والثاني نقل حركته إلى الساكن قبلهُ.
فإذا تَطرَّفتِ الواو والياءُ بعد حرفٍ مُتحرِّكٍ، حذفت حركتهما إنه كانت ضمةً أَو كسرةً، دفعا للثَقَل كيدعو الداعي إلى النادي، ويقضي القاضي على الجاني. والأصل "يدعُو الداعيُ إلى الناديِ، ويقضيُ القاضي على الجانيِ" .
فإن لَزِم من ذلك اجتماع ساكنين، حُذفت لامُ الكلمة، مثل "يُرمون ويغزون" . والأصل "يَرمِيون ويَغزُوُنَ" .
(طرحت ضمة الواو والياء دفعاً للثقل. فالتقى ساكنان لام الكلمة وواو الجماعة، فحذفت لام الكلمة، دفعاً لاجتماع الساكنين) .
فإن كانت الحركة فتحةً، لم تحذَفْ، مثل لن أدعوَ إلي غير الحقِّ، ولن أعصِيَ الداعيَ إِليه "."
وإن تطرّفت الواوُ والياءُ بعد حرفٍ ساكن، لم تُطرَح الضمة والكسرةُ، مثل "هذا دَلْوٌ يَشربٌ منه ظَبيٌ، وشَرِبتُ من دلْوٍ، وأَمسكتُ بظَبْيٍ" .
وإذا كانت عين الكلمة واواً أو ياءً متحرّكتين، وكان ما قبلَهما ساكناً صحيحاً وجب نقل حركة العين إلى الساكن قبلَهما، لأن الحرفَ الصحيحَ، أولى بتحمُّل الحركةِ من حرف العِلَّة لقوَّته وضَعْف حرف العِلَّة.
والإعلالُ بالنَّقْلِ، قد يكون نقلاً محضاً. وقد يَتْبعُه إعلال بالقلب، أو بالحذف، أو بالقلب والحذف معاً.
فإن كانت الحركة المنقولةُ عن حرف العِلة مُجانسةً له، اكتُفيَ بالنَّقْل كقومُ ويَبينُ، والأصل "يَقْوُمُ ويَبْينُ" .
وإن كانت غيرَ مُجانِسةٍ له، قُلِبَ حرفاً يُجانِسُها كأقامَ وأبانَ ويُقيمُ
ومَقامٍ. والأصل "أَقوَمَ وأَبينَ ويقْوِم ومَقْوَمٌ" .
(نقلت حركة الواو والياء الساكن قبلهما ثم قلبت الواو والياء ألفاً بعد الفتحة، وياء بعد الكسرة للمجانسة. وهذا إِعلال بالنقل والقلب) .
وربما تركوا ما يجبُ فيه الإعلالُ على أصله كأعوَلَ إعوالاً، واستحوَذَ استحواذاً.
ويُستَثْنى من ذلك
(1) أفعل التَّعجب، مثلُ ما أَقوَمَهُ! وما أَبينَهُ! وأَقوِم به! وأَبيِنْ به! "."
(2) ما كان على وزن "أَفعَلَ" ، اسمَ تفضيلٍ، مثل "هو أَقوَمُ منه وأَبَينُ" ، أَو صفةً مُشبَّهةً كأحوَلَ وأَبيضَ، أو اسماً كأسودَ للحيّةِ.
(3) ما كان على وزن "مِفعَلٍ، أَو مِفعَلةٍ، أَو مِفعالٍ" كمِقْول ومِروَحةٍ ومِقوالٍ ومِكيالٍ.
(4) ما كان بعد واوهِ أَو يائِه أَلفٌ كتَجْوالٍ وتَهْيام.
(5) ما كان مُضَعَّفاً كابيضَّ واسودَّ.
(6) ما أُعِلَّت لامُهُ كأهوى وأَحيا.
(7) ما صَحت عين ماضيه المجرَّد كيَعْوَرُ ويَصْيَدُ، وأَعوَرهُ يُعْوِرُهُ. فإنَّ الماضي المجرَّدَ منها، وهو "عَوِرَ وصَيِدَ، قد صَحَّت عينُهُ."
فكلُّ ذلك لا نَقلَ فيه ولا إعلالَ، بل يجبُ تصحيحُ عينه كما رأيت.
فإن لَزِمَ بعد نقْلِ الحركة إلى الساكن قبلَها اجتماعُ ساكنين، حذِف
حذِف حرفُ العِلَّةِ مَنْعاً لالتقائهما. فمثل: "ابنْ وبِعْ ولم يَقُمْ ولم يَبِع" أصُلُه: "أَبْيِنْ وأَبيِعْ ولم يَقوُمْ ولم يَبِيعْ" نُقلت حركةُ العين إلى ما قبلها فصارت: "أبِينْ وأبِيعْ ولم يَقومْ ولم يَبِيعْ" فحُذفَ حرف العلة، دفعاً لإلتقاء الساكنين.
(إذ بنقل حركة العين اجتمع ساكنان حرف العلة وآخر الكلمة، فيحذف حرف العلة منعاً لإجتماع الساكنين. وهذا فيه الإعلال بالنقل والحذف، وقد استغني عن همزة الوصل في "بع" ، لأنه إنما أتي بها تخلصاً من الابتداء بالساكن. وقد صار أول الكلمة متحركاً بعد نقل حركة ما بعده إليه، فاستغني عنها) . ومثل "أقمْ وخَفْ ولم يُقِمْ ولم يَخَفْ، أصلُه،" اقوِم وإِخْوَف ولم يُقْوِمْ ولم يَخْوَف "."
(نقلت حركة الواو والياء إلى ما قبلها، ثم قلب حرف العلة ألفاً بعد الفتحة وياء بعد الكسرة، للمجانسة. فالتقى ساكنان، فحذف حرف العلة دفعاً لالتقائهما وقد استغني عن همزة الوصل في "خف" بعد تحرك أول الكلمة. وهذا فيه الإعلال بالنقل والقلب والحذف.
ومما أعِلَّ بالنقلِ والحذفِ اسمُ المفعولِ المعتلُّ العين كمَقولٍ ومَبيعٍ. وأصلهما "مَقْوُولٌ ومَبْيوعٌ" .
(نقلت حركة العين إلى الساكن قبلها، فالتقى ساكنان العين المنقولة حركتها وواو مفعول، فحذفت واو "مفعول" دفعاً لالتقاء الساكنين. فصارا "مقولا ومبيُعاً (بضم القاف، والباء) ، فقلبت ضمة الباء في" مبُيع "كسرة، لتصح الياء، فصار" مبيعاً" وقال الأخفش إن المحذوف هو عين الكلمة لا واو "مفعول" ) ."
وندَرَ تَصحيحُ ما عينُهُ واوٌ في اسم المفعولِ، كقولهم ثَوبٌ مَصْوونٌ،
وفَرَسٌ مَقْوُودٌ "ولغةُ بني تميمٍ تصحيحُ ما عينُهُ ياءٌ فيقولون" مَبْيوعٌ ومَخيْوطٌ ومكيولٌ ومَديُونٌ "."
ومن الإعلال بالنقْل والقلب والحذف معاً، ما كان من المصادر مُعتَلِّ العين على وزن "إفعال" ، أو "استِفعال" كإقامة واستقامة. وأصلُهما إقوامٌ واستقوامٌ.
(نقلت حركة العين، وهي الفتحة، إلى الساكن قبلها، فالتقى ساكنان عين الكلمة والألف، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصارتا "إقوْما" (بكسر ففتح فسكون) "واستقوما" (بكسر التاء وفتح القاف وسكون الواو) ، فقلبت العين ألفاً، لتناسب الفتحة قبلها، فصارتا "أقاما واستقاما" . ثم عوض المصدر من ألف الإفعال والاستفعال المحذوفة تاء التأنيث. وقد يستغنى عن هذه التاء في حال الإضافة، ومنه قوله تعالى "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة" أي إقامتها) .
وقد تَصِحُّ عينُ الفعل، فتصحُّ في المصدر كأعوَل إعوالا، واستحوذ استحواذاً.
إعلال الهمزة
الهمزةُ من الحروف الصحيحة، غيرَ أنها تُشْبهُ أحرفَ العِلة، لذلك تقْبَل الإعلالَ مثلَها، فتنقلبُ إِليها في بعض المواضع.
فإذا اجتمعَ همزتان في كلمة
فإن تحرَّكت الأولى وسكنت الثانيةُ، وجب قلب الثانية حرف مد يُجانِسُ حركةَ ما قبلها كآمَنَ وأومِنُ وآمِنْ وإيمانٍ وآدمَ وآخرَ، والأصلُ "أأمنَ وأؤمِنْ وأأْمِنُ وإيمانٌ وأأْدَمُ وأأْخرٌ" .
وإن سكنَت الأولى وتحرَّكت الثانيةُ أدغمَت الأولى في الثانية، مثلُ "سأل" .
وإن تحرَّكتا بالفتح، قُلبتِ الثانيةُ واواً. فإن بَنَيتَ اسم تفضيلٍ من "أنَّ يئِنُّ وأَمَّ يَؤُمُّ" ، قلتَ "هو أَوَنُّ منهُ" ، أي أكثر أَنيناً، و "هو أوَمُّ منه" أي أَحسنُ إمامةٍ. والأصلُ "أأمَّ" ، كما تقولُ "أشدُّ" .
وإن كانت حركة الثانيةِ ضمةً أو كسرة، فإن كانت بعدَ همزةِ المضارعة جاز قلبُها واواً، إن كانت مضمومةً، وياء إن كانت مكسورة. مثلُ "أَوُمُّ وأَيِنُّ" من "أَمَّ يَؤُمُّ وأنَّ يَئِنُّ" ، وجاز تخفيفها، مثلُ "أوُمُّ وأئِنُّ" . وإن كانت بعد همزةٍ غيرِ همزةِ المضارعة، وجبَ قلبُها واواً بعد الضمة، وياءً بعد الكسرةِ، مثلُ أوُبّ، جمع "أبٍّ" ، (وهو المرعى) . وأصلُهُ "أؤُبُّ" . ومثلُ أيمَّةٍ، جمع (إمام) وأصلُها (أَئِمةٌ) . وقد قالوا أئِمَّةً أيضاً، على خلاف القياس.
وإن سكنت بعد حرفٍ صحيحٍ غيرِ الهمزة، جاز تحقيقها والنطْق بها كرأسٍ وسُؤلٍ وبئرٍ. وجاز تخفيفُها "بقلبها حرفاً يُجانس حركة ما قبلها كراسٍ وسُولٍ وبيرٍ."
وإن كانت آخر الكلمة بعد واو او ياءٍ زائدتين ساكنتين، جاز تحقيق الهمزة كوُضُوءٍ ونتُوءٍ ونبُوءةٍ وهنيءٍ ومَريءٍ وخَطيئةٍ، وجاز تخفيفها، بقلبها واواً بعد الواو وياء بعد الياء، مع إدغامها فيما قبلها كوُضوٍّ ونُتوٍّ وهنيٍّ ومريٍّ وخطيةٍ.
فإن كانت الواو والياءُ أصليتين كسوءٍ وشيءٍ، فالأولى تحقيق الهمزة، ويجوز قلبها وإدغامها كسو وشي.
وإن تحرَّكت بالفتح في حشو الكلمة، بعد كسرةٍ او ضمةٍ، جاز تحقيقها كذئابٍ وجؤَارٍ، وجاز تخفيفها، بقلبها حرفاً يجانس حركة ما قبلها كذيابٍ وجُوَارٍ.
وإن تطرَّفت بعد متحرّكٍ، جاز تحقيقها كقَرأ ويَقْرأ، وجرُؤ ويجرؤُ، وأخطأ ويخطىء، والقارئ والخاطئ والملأ، وجاز تخفيفها، بقلبها حرفاً يُجانسُ حركة ما قبلها كقرَا ويَقرَا، وجرُوَ ويَجرُو، وأخطا ويُخطي، والقاري والخاطي والملا.
وتحذف وجوباً في فعلِ الأمر المشتقّ من "أَخذَ وأَكل" ، مثل "خُذْ وكلْ" . وفي مضارعِ "رأى" وأمرهِ، مثلُ "يرى وأَرى ونرى ورهْ ورَيا وروْا" . وفي جميع تصاريف "رأَى" التي على وزن "أفعل" كأرى يُري، وأَرِ وَمُرِ ومُرَى.
ويكثر حذفُها من الأمر المشتقّ من "أمر" فيقال "مُرْ" ويقلُّ حذفها من الأمر من "أتى" ، فيقال "تِ الخيرَ" فإذا وقفتَ عليه، قلت "تِهْ" بهاء السكت.
ويجبُ حذفُ همزةِ بابِ "أفعلَ" ، في المضارع واسمَي الفاعل والمفعول والمصدرِ الميميِّ واسمَيِ الزمان والمكان، مثلُ "يُكرِمُ ومُكرِمٍ ومُكرَمٍ" والأصلُ "يُوءَكرِمُ وموءكرِمٌ وموءكرَمٌ" وأَصل حذفها إنما هو المضارع المبدُوء بهمزة المتكلم، كيلا تجتمعَ همزتان، ثمَّ حُملتْ عليه بقيَّةُ التصاريف.
(الإبدال)
الإبدالُ إزالةُ حرف، ووضعُ آخرَ مكانهُ. فهو يُشبهُ الإعلالَ من حيث أنَّ كلاًّ منهما تَغييرٌ في المَوضع إلا أنَّ الإعلالَ خاصٌّ بأحرفِ العلَّةِ، فيقلبُ أحدُها إلى الآخر، كما سبَقَ. وأما الإبدال، فيكونُ في الحروف الصحيحة، بِجَعْلِ أحدِهما مكان الآخر، وفي الأحرُف العليلة، بجعل مكان حرف العِلَّة حرفاً صحيحاً.
قواعد الإبدال
(1) تُبْدَلُ الواوُ والياءُ همزةً. إذا تَطرَّفتا بعد ألف زائدةٍ. كدعاءٍ وبِناءٍ. والأصلُ "دُعاوٌ وبِنايٌ" لأنهما من دَعا يَدعو وبَنى يبني وتشاركهما في ذلك الألفُ، فإنها إذا تطرَّفت بعد الف زائدة، تُبدَلُ همزةً، وذلك كحمراءَ، فإن أصلها (حَمْرى) بوزن (سَكْرى) زيدت الف المدِّ قبل آخرها. كما زيدت في كتاب وغلامٍ، فأبدلت الثانية همزةً، ليتمكنَ المتكلمُ من النطق بها، لأنهما ساكنتان، فآلتا إلى "حمراء" .
(وما لحقته هاء التأنيث من ذلك، فإن كانت عارضة للفرق بين المذكر والمؤنث كبناء وبناءة (بتشديد النون فيهما، وهما صيغتا مبالغة) ، ومشاء ومشاءة (بتشديد الشين فيهما، وهما صيغتا مبالغة أيضاً) وجب القلب لتطرف حرف العلة بعد ألف زائدة، لأن هاء التأنيث الفارقة بين المذكر والمؤنث في حكم الإنفصال، لأنها عارضة على صيغة المذكر.
وإن كانت غير عارضة، بأن تكون الكلمة بنيت رأساً عليها، لا للتفرقة بين المذكر والمؤنث كهداية ورعاية وسقاية وعداوة، امتنع قلب حرف العلة
همزة لعدم التطرف، لأن هاء التأنيث حينئذ في حكم الاتصال، لأنها لم تعرض على صيغة المذكر للدلالة على مؤنث.
وإن كانت عارضة لجعل ما لحقته اخص مما لم تلحقه، جاز بقاء الهمزة على حالها، وجاز ردها إلى اصلها. فتقول "عطاءة ورداءة، وعطاية ورداية" . وبقاؤها على حالها أولى قال في شرح القاموس (في مادة عطا) . "العرب تهمز الواو والياء إذا جاءتا بعد الألف لأن الهمزة أحمل للحركة منهما، ولأنهم يستثقلون الوقف على الواو وكذلك الياء، مثل" الرداء "، واصله" رداي "، فإذا ألحقوا فيها الهاء فمنهم من يهمزها بناء على الواحد، فيقول" عطاءة الله ورداءة "، ومنهم من يردها إلى الأصل فيقول" عطاوة ورداية ". وكذا في التثنية عطاءان ورداءان وعطاوان ورداوان" اهـ) .
(2) تُبدَلُ الواوُ والياء همزةً، إذا وَقعتا عينَ اسمِ الفاعل، وأعلتا في فعله كقائلٍ وبائعٍ. والأصل "قاولٌ وبايعٌ" ، وفعلهما (قالَ وباعَ) ، واصلُهما (قوَلَ وَبَيعَ) فإن لم تُعلاّ في الفعل، لم تُعلاّ في اسم الفاعل، كعاوِرٍ وعاينٍ، وفعلهما (عَوِرَ وعينَ) .
(3) يُبدَلُ حرفُ المد الزائدُ، الواقع ثالثاً في اسم صحيح الآخر، همزةً، إذا بُني على مثال (مفاعِلَ) ولا فرق بين أن يكون حرف المد الفاً كقلادةٍ وقلائد، او واواً كعجوز وعجائز، أو ياء كصحيفة وصحائف.
(فإن كان حرف العلة غير مد، كقسوة وقساور، وجدول وجداول، أو كان مداً غير مزيد كمفازة ومفاوز، ومعيشة ومعايش، لم يبدل همزة، وإنما يرد إلى أصله كما رأيت. إلا ما سمي منه مبدلاً، فيحفظ ولا يقاس عليه "كمصيبة ومصائب، ومنارة ومنائر. وقد قالوا أيضاً" مصاوب ومناور "، على القياس) ."
فإن اعتلت لامُ هذا النوع، جمعتَهُ على مثال (فعالى) كقضية وقضايا، ومطية ومطايا ونقاية، وهراوة وهراوى. فإن كانت همزةً ابدلتها ياء كخطيئةٍ وخطايا، فكأنها جمع خطية.
(هذا ما ذهب إليه الكوفيون. فإنهم قالوا إن مثل هذه الجموع وزنه "فعالى" وهو مذهب خال من التنطع والتكلف. وذهب البصريون إلى أن وزنه "فعائل" فخطيئة مثلا، جمعت على "خطايِء" بياء مكسورة هي ياء خطيئة، بعدها همزة هي لام الكلمة، ثم تحولت، بعد ضروب من الإبدال إلى "خطايا" ) .
(4) إذا توَّسطت الفُ ما جمع على مثال (مفاعِلَ) بين حرفيْ عل في اسم صحيح الآخر، ابدِلَ ثانيهما همزةً كأوَّلَ وأوائلَ، وسيِّدٍ وسيائدَ، ونيّف ويائفَ. والأصلٍ (أواولٌ وسياودُ ونياوفُ) فإن توسطت بينهما الف (مفاعيلَ) امتنع الإبدالُ كطاووس وطواويس.
فإن اعتلَّتْ لامُه جمعتَه على مثال (فعالى) كزاوية وزوايا، وراوية وروايا.
(وزوايا ونحوها جاءت على مثال "فعالى" من حيث الحركات والسكنات وهي في الأصل على مثال "فواعل" لأن اصلها "زوايي" ، بياءين، اولاهما مكسورة. قلبوا كسرتها فتحة، ثم قلبوا الياء الثانية ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فاصرت إلى "زوايا" وإنما كان اصلها "فواعل" ، لأن واوها اصلها ألف "فاعلة" ، كما في "كاتبة وكواتب" واما واو "زاوية" ، فقد انقلبت إلى الياء في "زوايا" ) .
(5) إذا كانت الواو مضمومةً بعد حرف ساكن أو مضموم، جاز قلبها همزة، كأدوَّر، (جمع دار) وحُؤول (مصدر حال بينهما إذا حجز بينهما) ،
وجاز بقاؤها على حالها كأدوُرٍ وحُوُولٍ. والأولُ أولى وأفصح.
(6) كلّ كلمة اجتمع في اولها واوان، وجب إبدالُ أولاهما همزة، ما لم تكن الثانية بجلا من الف المفاعلة. ولا فرق بين أن تكون الثانية حرفَ مدّ كالأولى (تأنيثِ الأول. واصلها "الوولى" بوزن "الفُعلى" ) ، اولا كالأوَلِ (جمع الأولى، واصلها "الوُوَلُ بوزنِ" الفعل "، كالأخرى والأُخر، والفُضلى والفُضَل) ، ومثلُ" الأواقي والأواصل "جَمعي الواقية والواصلة" . وأصلهما "الوواقي والأواصل" بوزن "الفواعل" ومثلُ "أُوَيْعِد" "مُصغر واعد وأصله وُوَيعدٌ" ، بوزنُ فُعَيعل ") ."
فإن كانت الثانية مقلوبة عن ألف المفاعلة، لم يجب الإبدال، بل يجوز وذلك مثلُ وُورِيَ ووُوفي "مجهوليْ" وارى ووافى "فلما بنِيَ الفعلُ للمجهولِ احتِيجَ إلى ضمّ ما قبلَ الألفِ، فقُلبتْ واواً. فإن ابدلتَ قلتَ" أورِيَ وأوفيَ "."
(7) إن كانت فاءُ "افتعل" واواً أو ياءً، ابدِلت تاءً، ودعمت في تاءِ
الإفتعال، وذلك كاتَّصَلَ واتَّسَرَ واتَّقَى (والأصل "إوْتصلَ وإيتسرَ وإوتْقى" ) ويُشترَطُ في ذلك أن لا تكون الياءُ بَدَلاً من الهمزةِ، فلا تُبدلُ تاءً، كما في "إيتَمرَ" واصلُها "إئتَمَرَ" . وقد تُبدلُ على عِلَّةٍ كما في "اتّزَر" واصُلها "إيتزَرَ" وأصلُ هذه "إئتزَر" ) . ومنه الحديث "إذا كان (أي الثوب) قصيراً فليتَّزرْ به."
(وأجاز بعض النحاة (وهم البغداديون) الإبدال في المهموز. فقالوا يجوز أن يقال من الاكل والأمانة والأهل والازار والأخذ (اتكل واتمن واتهل واتزر واتخذ) وعلى القول الأول (وهو الراجح) يجب أن يقال (ايتكل، ايتمن، ايتهل، ايتزر، ايتخذ) إلا إذا كانت (اتخذ) إلا إذا كانت (اتخذ) على (تخذ) ، فالافتعال منها (اتخذ) قولا واحداً. وكذا كانت (ايتكل) من (وكل إليه أمره يكله) ، لأن أصلها حينئذ (اوتكل) ، فيكون إبدال الواو تاء على القاعدة. ويجوز أن تكون (اتخذ) مبنية على (وخذ) ، وهي بمعنى (أخذ) ، فالافتعال منها (اتخذ) ، لأن أصلها (اوتخذ) ، فأبدلت الواو تاء على القياس) .
(8) إن كانت فاءُ "افتعلَ" ثاء ابدلت تاؤه ثاءً، وادغِمَتا، كاثَّأرَ. واصلها "اْثتأر" .
وإن كانت فاؤُهُ دالاً أو ذالاً او زاياً، ابدلتْ تاؤه دالاً كادَّعى واذَّدكرَ وازدهى (وأصلُها ادْتعى واذْتكرَ وازتَهى) .
وإن كانت فاؤهُ صاداً أو ضاداً أو طاءً أو ظاءً ابدلت تاؤُهُ طاءً كاصطفى واضطجع واطَّرَدَ واضطلَمَ. (وأصلها اصتَفى واضتَجَعَ واطترَد واظتَلَمَ) .
ويحجوز الإدغامُ، بعد إبدالِ الدالِ والطاء، المبْدلَتينِ في تاءِ الافتعالِ، حرفاً من جنس ما قبلها كاذَّكَرَ وازَّهى واصَّفى واضَّجعَ واظَّلمَ.
وقد يُعكَسُ الإبدالُ بعد الثاءِ المُثلَّثةِ والذالِ والظاءِ المُعجَمتين، بإبدال
الثاءِ تاءً، والذالِ دالاً، والظاءِ طاءً كاتَّأرَ وادَّكرَ واظَّلم.
(9) ما كانت فاؤهُ تاءً أو ذالاً أو دالا أو زاياً أو صاداً أو ضاداً أو طاءً أو ظاءً مما هو على وزنِ "تفاعَلَ" أو "تَفَعّلَ أو" تَفَعْلَلَ "، بحيثُ تجتمعُ التاءُ وهذهِ الأحرفُ - جاز فيه إبدالُ التاءِ حرفاً من جنس ما بعدها، مع إدغامها فيه، وذلك: كاثَّاقَلَ وادَّثَرَ واذَّكر وازَّيَّنَ واصَّبَرَ واضّرَّعَ وطَّربَ واظَّلَّمَ. (والأصلُ:" تثاقل وتَدَّثرَ وتّذكَّرَ وتَزَّين وتَصبَّرَ وتَضَرَّعَ وتَطَرَّبَ وتَظَلَّم "فأبدلتِ التاءُ حرفاً من جنس ما بعدها، ثم أُسكنَ لإدغامهِ فيما بعده فتَعَذَّرَ الإبتداءُ بالساكن، فأتي بهمزة الوصل تخلصاً من ذلك. ومثلها:" إدارأَ وادَّحرَجَ وادَّهورَ "وأصلها:" تَدارَأَ وتَدحرجَ وتدهورَ. وقد فُعِلَ بها ما فُعِلَ بها ما فُعِل بما سَبق، من الإبدال والإدغام واجتلاب همزة الوصل.
ورُبما جاءَ ذلك مع غيرِ هذه الأحرف، كقولهم، اسَّمع واشَّاجروا واسَّابقوا واصَّايحوا ". (والأصل: تسَمَّع وتَشاجروا وتَسابقوا وتَصايَحوا" لكنه قليلٌ) .
(10) إذا وقت التاءُ ساكنةً قبل الدال، وجبَ إبدالها دالاً، وإدغامُها في الدال التي بعدها كعِدّانٍ "جمعِ عَتود" ، وهو الذكر من اولاد المِعْزى. والأصلُ "عِتْدانٌ" كخَرفٍ وخِرفان) .
(11) إذا وقعت النونُ الساكنةُ قبل الميمِ او الباء، ابدلت ميماً كامْحَى. والأصلُ "انمحى" ، ومثل "سُنْبُلٍ" فتلفَظُ "سُمْبُلٌ" ، فإبدالها في اللفظ لا في الخطِّ. (12) الميم في "فمٍ" مُبدَلةٌ من الواو، لأنَّ اصله "فُوهٌ" ، بدليل جمعه على "أفواهٍ" فحذفوا الهاء، وأَبدلوا الواوَ ميما. فإن اضيفَ "الفمُ" رُجِعَ به إلى الأصل مثل "هذا فُوكَ" . وتجوزُ إضافته، مع بَقاءِ الإبدال مثل "هذا"
فَمُكَ ". ومنه حديثٌ" لَخَلوفُ فمِ الصائمِ اطيبُ عند اللهِ من رائحة المسك "."
(الوقف)
الوقفُ قطعُ النُّطقِ عندَ آخر الكلمة.
فما كان ساكنَ الآخر، وَقفْتَ عليه بسكونه، سواءٌ أكان صحيحاً كاكتبْ ولم يكتبْ وعنْ ومَنْ، ام مُعتلاًّ كيمشي ويدعو ويخشى والفتى وعلى ومهما.
وما كان متحركاً، كيتبُ وكتبَ والكتابِ وأَين وَليْتَ، وَقفْتَ عليه بحذفِ حركته (اي بالسكون) .
وإليك أشهرَ قواعد الوقف واكثرها دَوَراناً
(1) إذا وقفتَ على مُنَوَّنٍ، حذفت تنوينه بعد الضمة والكسرة، وأسكنتَ آخرَهُ، مثلُ "هذا خالدْ. مررتُ بخالدْ" . فإن كانت الحركةُ فتحةً، ابدلتَ التنوينَ ألفاً، مثل "رأيتُ خالداً" . هذه هي اللغة الفُصحى وهي أرجحُ اللُّغاتِ وأكثرها. وربيعةُ تُجيزُ الوقفَ على المنوَّن المنصوب، كما يوقفُ على المرفوع منه والمجرور، فيقولون "رأيتُ خالدْ" .
(2) إذا كتبتَ "إذاً" بالألف معَ التنوين، طرحتَ التنوينَ، ووقفتَ عليها بالألف، وإذا كتبتها "إذَنْ" ، بنون ساكنة، أبدلتَ نونها ألفاً، ووقفتَ عليها بها. ومنهم من يقفُ عليها بالنون مطلقاً. وهو اختيارُ بعض النحاة. وإِجماعُ القُرّاءِ السبعة على خلافه.
(3) إذا وقفتَ على نون التوكيد الساكنة (وهي الخفيفة) ، ابدلتها الفاً، ووقفتَ عليها، سواءٌ اكتِبَت بالألف مع التنوين كقوله تعالى لَنسفَعاً
بالناصيةِ . أم كتبتْ بالنون، مثل "اجتهدَنْ" . فتقول في الوقف على لَنَسفَعاً. "لَنَسفَعا" ، وفي الوقف على اجتَهدَنْ "اجتهِدا" . قال الشاعر "ولا تَعبُدِ الشيطانَ، واللهَ فاعبُدا" ، أي "فاعبُدَنْ" .
(4) هاءُ الضمير للمفرد المذكر، تُوصَلُ، في دَرْج الكلام، بحرف مد يجانسها، إلا إذا التقتْ بساكن بعدها، فمثل رأيتهُ وسررتُ به، يُلفَظانِ "رأيتُهُو سررتُ بِهي" فإذا وقفت عليها حذفتَ صِلَتَها (وهي الواوُ أو الياءُ) ، فتقول رأيتهْ "مررتُ بهْ" ، إلا في ضرورة الشعر، فيجوزُ الوقف عليها بحركتها، كقول الرَّاجز كأنَّ لونَ أرضهِ سماؤُهُ ". ولو كان في النَّثرِ لوجبَ أن يقول" سماؤهْ "بإسكان الهاء."
أما "ها" ، ضميرُ المؤنثة، فتقفُ عليها بالألف، مثل رأيتها.
(5) إذا وقفتَ على المنقوص، فإن كان منصوباً ثبتتْ ياؤُهُ، سواء أكان منوَّناً، مثلُ (سمعنا منادياً) أم غيرَ منوَّنٍ، مثل (طلبت المعالي) . وما سقطَ تنوينه من الصَّرف، فهو ثابتُ الياء، كالمقترن بألْ، مثل (رأيتُ مراكب في البحر جواري) .
وإن كان مرفوعاً أو مجروراً، فإن كان منوَّناً، فالأرجحُ حذفُ يائه، كقوله تعالى {فاقض ما أنت قاضْ} ، ومثل (مررتُ بقاضْ) ويجوزُ إثباتها، كقراءةِ ابن كثيرٍ (ولكلّ قومٍ هادي ... وما لهم من دونه من والي) وإن كان غير منوّن، فالأفصح إثباتُ يائِه، مثل (جاء القاضي، ومررتُ بالقاضي) . ويجوزُ حذفها، كقوله تعالى "وهو الكبير المتعالْ ... ليُنْذِرَ يوم التلاقْ" ووقف ابن كثير بالياء.
(6) إذا وقفت على المقصور، فإن كان غيرَ منوّن، وقفتَ عليه كما هو كجاء الفتى، وإن كان منوّناً، حذفتَ تنوينه، ورددتَ إليه أَلفه في
اللفظ "كجاء الفتى، ورأَيتُ فتى، ومررتُ بفتى" تقف عليه بلا تنوين.
(7) إذا وقفتَ على تاء التأنيث المربوطة، كحمزة وطلحة وشجرة وقائمة وفاطمة، أَبدلتها في الوقف هاءً ساكنة، فتقول (حمزهْ، وطلحهْ، وشجرهْ، وقائمهْ وفاطمهْ) . هذه هي اللغة الفصحى الشائعة في كلامهم. فإن وصلتَ، رددتها إلى التاء، مثل (هذا حمزةُ مُقبلا) .
ومن العرب من يُجري الوقفَ مَجرى الوصل، فيقفُ عليها تاء ساكنة، كأنها مبسوطة، فيقول "ذهب طلعتْ، وهذه شجرتْ! وجاءت فاطمتْ. وقد سُمع بعضهم يقول" يا أَهل سورة البَقَرتْ؟ فقالَ بعض من سمعه "والله ما أحفظُ منها آيتْ" . ومنه قولُ الرَّاجز [من الرجز]
الله نجَّاك بكفي مَسلمتْ ... مِنْ بَعْد ما، وبعْدِما، وبَعدَمتْ
صارتْ نُفوس القوم عند الغلصمتْ ... وكادَت الحُرَّةُ تُدعى أَمَتْ
فائدة
اعلم أن تاء التأنيث التي حقها ان تكون مربوطة "أي في صورة الهاء" قد رسمت في المصحف تارة بصورة التاء المبسوطة، مثل إن شجرت الزقوم ... وامرأت نوح ... وامرأت لوط وتارة بصورة الهاء، مثل
"هذه ناقة الله إليكم آية ... خذ من اموالهم صدقة تطهرهم بها وتزكيهم" فما رسم منها بصورة الهاء، فقد وقف عليه كل القراء بالهاء، وما رسم بالتاء المبسوطة، فمنهم من يقف عليه بالهاء، مراعاة للاصل: كابن كثير وابي عمرو والكسائي، ومنهم من يقف عليه بالتاء، مراعاة لرسمها بالتاء المبسوطة، كنافع وابن عامر وعاصم وحمزة، ووقف الكسائي على "لات" بالهاء، ووقف الباقون عليها بالتاء) .
(8) إذا وقفت على تاء التأنيث المبسوطة، فإن كانت ساكنة (وهي المتصلة بالفعل الماضي) ، وقفت عليها تاء ساكنة، كما هي.
وإن كانت متحركة، فإن اتصلت بحرف، كرُبَّتَ وثُمّتَ ولعَلَّتَ، وقفتَ عليها تاء ساكنة فقط. وإن اتصلت باسم فإن كان ما قبلها حرفاً صحيحاً ساكناً، كأخت وبنت، وقفت عليها تاء ساكنة أيضاً، قولاً واحداً. وإن كان ما قبلها ألفاً (وذلك في جمع المؤنث السالم والملحق به) ، جاز الوقف عليها بالتاء وبالهاء ساكنتين، تقول "جاءَت الفاطمات" ، إذا وقفت بالتاء، و (جاءَت الفاطماه) ، إذا وقفت بالهاءِ والاول ارجح واولى، وهو الشائع في كلامهم ومن الوقف عليها بالهاء قولهم "كيف الأخوةُ والأخواهُ" وقولهم "دفن البناه، من المكرماهْ" .
أَحكام الوقف على المتحرك
لك في الوقف على المتحرك خمسة أوجه
(1) ان تقف عليه بالسكون. وهو الاصل، والكثير في كلامهم، المشهور عنهم.
(2) ان تقف عليه بالرَّوْم، وهو ان تأتي بالحركة ضعيفةَ الصَّوت فلا
تتمّها، بل تختلسها اختلاساً، تنبيهاً على حركة الأصل، فتحة كانت الحركةُ أو ضمة أو كسرة. ومنه الفرَّاء الوقف على ذي الفتحة بالرّوم واكثر القراء قد اختاروا قوله.
(3) ان تقف عليه الإشمام، إن كان مضموماً (ولا إشمام في غيره) . والإشمام إشارة الشفتين إلى الضمة، بعد الوقف بالسكون مباشرة، من غير تصويت بالحركة، ضعيف أو قويّ، وذلك بأن تضمَّ شفتيك بعد إسكان الحرف، وتدع بينهما بعض انفراج يخرج منه النفسُ، فيراهما الرائي مضمومتين، فيعلم انك اردت بضمهما الحركة المضمومة، وهذا إنما يراه البصير، لا الاعمى، وهو في الحقيقة وقف بإسكان الحرف. والضمةُ إنما يشار إليها بالشفتين.
(4) ان تقف عليه بتضعيف الحرف الموقوفِ عليه، فيكون حرفاً مشدداً، مثل "هذا خالدٌ، وقرأتُ المصحفَ. إلا إذا كان الآخر همزةٌ، او حرف علَّةٍ، أو ما كان قبله ساكناً، فلا يضَعَّفُ."
(5) ان تقف عليه بنقلِ حركتهِ إلى ما قبله. مثلُ "يَجْدُرُ بك الصَّبرُ. وعليه بالصِّبرْ" .
وشرط الوقفِ بالنَّقل أن يكون ما قبلَهُ ساكناً، وان لا تكون الحركة المنقولة فتحة. فلا نقْل في مثل "جَعْفرُ" لتحرُّك ما قبل الآخر ولا في مثل "تعوَّدَ الصبْرَ" . لأن الحركة فتحة. واجازه الاخفش والكوفيون. فإنهم يقولون "تَعوَّدِ الصَّبَرْ" . فإن كان الآخرُ همزة جاز نقل فتحة الهمزةِ. قولا واحداً. فتقول في "اخرجتُ الخبْءَ أخرجتُ الخَبَأْ" . ومن الوقف بالنقل أن تقول في "اكتُبْهُ ولم يَكتُبه، واعَمْهُ ولم يَعلَمْهُ. وعدْهُ ولم يَعِدْه" . "أكتبُهْ ولم يكتبُهْ، واعلَمُهْ ولم يعلمُهْ، وعدُهْ ولم يعدُهْ" .
ومنه قول الرّاجز [من الرجز]
عَجِبتُ والدَّهرُ كثيرٌ عَجَبُهْ ... مِن عَنَزيٍّ سَبَّني لم أَضْربُهْ
الوقف بهاء السكت
كلُّ متحركٍ تقفُ عليه بالسكون. كما علمتَ. ويجوزُ ان يوقفَ على بعض المتحكرات ايضاً بهاءٍ ساكنة تسمّى "هاء السكت" .
ولا تُزادُ هذه الهاء، للوقف عليها، إلاّ في المضارع المعتلِّ الآخر، المجزوم بحذف آخره، وفي الأمر المعتلَّ الآخر المبني على حذف آخره، وفي "ما الإستفهامية" ، وفي الحرف المبني على حركةٍ، بناءً أصليّاً. ولا يوقف بهاء السكت في غير ذلك، إلا شُذوذاً.
وإليك شرح ذلك
(1) إذا وقفتَ على مضارع، معتلِّ الآخر، لم يَتَّصل آخره بشيءٍ وقفتَ عليه بإثبات آخره ساكناً، في حالتيْ رفعهِ ونصبه. فإن جزمته، فإن شئت وقفتَ على ما صار آخراً، مثل "لم تَمْشْ، لم تدْعْ، لم تَخْشْ" ، وإن شئتِ وقفتَ عليه بهاءِ السكت، لِيسهُلَ الوقفُ، وهو الأحسن، مثل لم نمْشِهْ، لم تَدْعُهْ، لم تَخْشَهْ "."
وكذلك المعتل الآخر، المبنيُّ على حذف آخره، فإنك تقول فيه "امشْ ادْعْ، اخشْ" تقفُ بالسكو على ما صار آخراً وتقولُ "إمشهِ، ادْعُه، اِخشَهْ" بالوقف على هاء السكت. إلا إذا بقيَ الأمر على حرف واحد، مثل "فِ وعِ وقِ" ، وهي أفعالُ أمرٍ من "وفى يفي، ووعى يعي، ووقى يقي" ، فحينئذ يجب الوقف عليه بهاء السكت وجوباً، مثلُ "فِهْ، عِهْ، قِهْ" .
(( 2) إذا وقعتْ "ما" الاستفهاميّةُ موقعَ المجرور، حُذِفَتْ أَلفها وجوباً، مثل: "على مَ عوَّلتَ؟ حَتَّامَ تسكت؟ إِلامَ تميلُ؟" . ومنه قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} [النبأ: 1] ؟ ... {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} [النازعات: 43] ، ومثل: "مَجيءَ مَ جئتَ؟ وثمرُ مَ هذا الثّمر؟" ثم إذا وقفتَ عليها، فإن كانت مجرورة بالإضافة، وقفتَ عليها بهاءِ السكت وجوباً، مثلُ: "مجيءَ مَهْ؟ وثمرُ مهْ" . وإن كانت مجرورةً بحرف الجرِّ، فالأجودُ الوقوفُ عليها بهاءِ السكت، مثلُ: "عَمهْ؟ فِيمَهْ؟ حتامَهْ؟ إلامَهْ" . ويجوزُ الوقفُ على الميم ساكنة، مثلُ: عَمْ؟ فيمْ؟ علامْ؟ حَتّامْ؟ ". وقد تسكنُ الميمُ في الوصل، إجراء لهُ مجرَى الوقفِ، كقول الشاعر: [من الرمل] "
يا أبا الأَسوَدِ لِمْ خَلَيتَني ... لِهُمومٍ طارِقاتٍ وذكر
وكان حقُّه أن يقول "لمَ" ، لكنه وَصل كما يقف
(3) إذا وقفتَ على حرفٍ مبني على حركة، مثلُ "رُبَّ ولَعلَّ وإنَّ ومُنذُ" وقفتَ عليه بالسكون. وإن شئت وقفت عليه بهاء السكت، مثل "رُبّهْ، لَعلّهْ، إنهْ، مُنْذُهْ" . ومن ذلك نون التوكيد المُشدَّدة، مثلُ "لا تذهبَنَّ واذهَبنَّ" ، فإنك، كما تقفُ عليها بالسكون، تقفُ عليها بهاءِ السكت، مثل "لا تَذهبَنّهْ واذهبنَّه" ، وهو الأحسنُ. ومن ذلك النوناتُ اللاحقات للمثنى وجمع المذكر السالم والأفعالِ الخمسة. فكما تقفُ عليهنَّ بالسكون، تقفُ عليهن بهاء السكت، تقول "جاءَ الرّجلانِهْ، وأكرِم المجتهدونه والمجتهدونَ يُكرَمونَهْ" . وقدقُرِئَ في العشْر "بعد أن تُولوا"
مُدبرينَهْ ... إنه لَمِنَ الظالمينهْ ... لعلَّهم إليه يَرجِعونَهْ "، بالوقف على هاتين النونين بهاء السكت."
(4) الاسمُ المبنيُّ، إما أن يكون بناؤُهُ عارضاً، لسبب يزول بزواله (كقَبْل وبَعد، واسمِ "لا" النافية للجنس المبنيّ) ، فما كان كذلك، فلا يوقف عليه بهاء الكست. وإما أن يكون بناؤه ملازماً له في جميع أحواله (كالضمائر وأسماء الإشارة، وأسماء الاستفهام ونحوها) . فما كان كذلك، وكان محرّك الآخر، وقفت عليه بالسكون أو بهاء السكت، وذلك مثلُ "أين وأيَّان وكيف والذين وحذار وحيث" فإن شئت وقفت عليها بإسكان أواخرها، وإن شئت وقفت عليها بهاء السكت، مثل "أينهْ، أيَّانَهْ، كيْفهْ، الذّينهْ، حذارهْ، حيْثهْ" .
وكذلك الضمائر المتحركة، فإنك تقف عليها بالسكون، أن بزيادة هاء السكت فتقول "أكرمتْ وأكرمتَهْ، وقُمتْ وقمنَه، وأنتْ وأنْتَه، ويَجتهدْنَ ويَجتهدنَهْ، وانُتنْ وأنتُنَّهْ، وهنّ وهنَّهْ، وأكرمتَهن وأكرمتهنَّه" .
أما (أنا) ضمير الواحد المتلكم، فمن قال إنَّ الألف في آخره زائدة، لبيان حركة النون عند الوقف، أجز الوقفَ عليه بإثباتها، وأجاز حذفها والوقف عليه بهاء السكت، مثلُ "أنَهْ" . ومن قال إنها أصليةٌ. وقف عليه بها.
فائدة
من قال إن الألف في "أنا" زائدة، أثبتها في الوقف، وأسقطها في الوصل "أي في درج الكلام" ، فيلفظ "أَنا فعلت" ، باسقاط الألف لفظاً لا خطاً. ومن قال انها اصلية، اثبتها في الوصف والوقف. وذكر سيبويه ان من العرب من يثبت أفها في الوصل فيقول "أنا فعلت" ينطق بالألف.
وبذلك قرأ نافع في قوله تعالى {أنا أحيي وأميت} - وقوله {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} باثبات الألف في اللفظ. ومنه قول الشاعر [من الوافر]
أنا سيف العشيرة فاعرفوني ... حميد قد تذريت السناما
وقول الراجز "أنا ابو النجم، وشعري شعري" .
وإذا وقفت على "هُوَ وهِيَ" ، قلت هُو وهي "بإسكان الواو والياء، و" هُوَهْ وهِيَهْ "بزيادة هاءِ السكت. وفي التنزيل" وما أَدراك ما هِيَه؟ ". وقال الشاعر [من المتقارب] "
إذا ما تَرَعْرَعَ فينا الغُلامُ ... فما إنْ يُقالُ لهُ مَنْ هُوَهْ؟
هذا في لغة من فتح الواو والياء، في "هو وهيَ" في الوصل. أما من سكنها في درج الكلام، قفلا يقف بهاء السكت بل بالواو والياء ساكنتين، كما ينطقُ بهما كذلك في الدَّرج.
أما ياء المتكلم، فمن العرب من يسكنها في الوصل، فإذا وقف عليها بسكونها مثل "الله أعطاني، هذا غلامي" ، أو حذفها وأسكن ما قبلها، فتقول اللهُ أعطانْ، هذا غلامْ "وعلى ذلك قراءةُ أَبي عمروٍ {ربي أكرَمَنْ.... ربي أهانَنْ} ، وقول الشاعر [من المتقارب] "
فَهَلْ يَمْنعني ارتيادي البلا ... دَ من حذَرِ الموتِ أن يأتيَنْ
ومِن شانيءٍ كاسف وجْهُهُ ... إذا ما انتَسبْتُ لهُ أنكَرنْ
ومنهم من يفتحها في الوصل. فيقول "أَعطانيَ اللهُ، غلاميَ قد جاءَ" . فإذا وقف عليها فبإسكانها أو ألحق بها هاء السكت، مثل "الله اعطانِيَهْ، هذا غلامِيَهْ" . ومنه قوله تعالى {ما أغنى عني ماليه. هَلَكَ عني سلطانِيَهْ} .
(الخط)
الخط تصويرُ اللفظِ بحروف هِجائه التي يُنطَقُ بها، وذلك بأن يُطابق المكتوبُ المنطوقَ به من الحروف.
والأصلُ في كل كلمةٍ أَن تُكتبَ بصورة لفظها، بتقدير الإبتداءِ بها والوقف عليها. وهذا أَصلٌ معتبرٌ بالكتابة.
ومن أَجل ذلك
كتبوا هَمَزاتِ الوصل في درج الكلام، وإن لم يُنطق بها، لأنه إذا ابتُديءَ بالكلمات، التي هي أَولها، نُطقَ بهمزاتها، مثلُ جاءَ الحقُّ، وسافر ابنُكَ "، فإنك، إن قدَّمتَ وأَخرتَ، فقلتَ" الحقُّ جاءَ، إبنكَ سافرَ "، نطقتَ بالهمزة إلاّ إذا سبقت" أَل "لامُ الجرِّ او لامُ الإبتداء، فَتُحذفُ همزتُها، مثلُ" للرَّجلِ، للمرأَة، لَلرَّجل أقوى من المرأة، وللمرأَة أَرقُّ عاطفةً منه "."
وكتبوا هاءَ السكتِ في نحو "رَهْ زيداً، وقِهْ نَفْسَكَ" ، لأنك في الوقف تقول "رَهْ وقِهْ" .
وكتبوا ألفَ "أنا" ، معَ أنها لا تُلفظُ في دَرْج الكلام، لأنها إذا وُقِفَ عليها، وُقِفَ عليها بالألف. ومن ذلك قوله تعالى {لكنَّا هو اللهُ ربي} ، لأن اصله "لكنْ أَنا" .
وكتبوا تاءَ التأنيث، التي يوقف عليها بالهاء، هاءً كرحمة وفاطمة، وكتبوا التي يوقف عليها بالتاء، تاءً كأختٍ وبنتٍ ورَحمات وفاطمات. ومن وقف على الأول بالتاء المبسوطة، كتبها بالتاء كرَحْمتْ وفاطمتْ ومن وقف على الأخرى بالهاء، كتبها بالهاء كرَحماهْ وفاطماهْ.
وكتبوا المُنَوَّن المنصوب بالألف، لأنه يوقفُ عليه بها، مثل "رأيتُ خالداً" .
وكتبوا "إذاً" ، ونونَ التوكيد الخفيفة كاكتُبا، بالألف، لأنه يوقف عليها. ومن وقف عليهما بالنون، كتبهُما بالنون، مثل "إذَنْ واكتُبَنَّ" كُتبَ كلُّ ما كتب اعتباراً بحال الوقف.
وكتبوا المنقوصَ، الذي حذفت ياؤُهُ للتنوين كقاضٍ ونحوه، بغير ياءٍ، لأنه يوقف عليه بها. ومن وقف على الأوَّل بالياءِ، أثبتها في الخط كقاضي ومن وقف على الثاني بحذفها، حذفها من الخط كالقاضْ. والأول أفصح. كما مرَّ في باب الوقف.
وكتبوا مالا يمكنُ الوقف عليه، من الكلمات، متصلا بما بعده، وما لا يمكن الابتداءُ به، متصلا بما قبله. فالأول كحروف الجرِّ الموضوعةِ على حرفٍ مواحد، مثلُ "لخالدٍ، وبالقلمِ. والثاني كالضمائر المتَّصلة، مثلُ" منكم، وأَكرمتكم "."
أَما الحروفُ التي تقعُ في الحشو (أي ما بين الابتداءِ والوقف) فَتُرسمُ كما تلفظ، لا يغَيَّرُ من ذلك شيءٌ، إلا ما كان من أمر بعض الأحرف، في بعض كلمات محصورة، قد خالفَ رسمُها لفظها، وسنذكرها لك، وإلا ما كان شأن الهمزة، وستعرف امرها.
ما خالف رسمه لفظه
هناك كلمات تُكتبُ على خلاف لفظها. ومخالفةُ الرسمِ واللفظ، إما أن تكون بحذف حرفٍ حَقهُ أن يُكتب تبعاَ للفظه. وإما أَن تكون بزيادة حرف يكتبُ ولا يُلفظ، وكان من حقه ان لا يكتب. وإما ان تكون برسمِ حرفٍ يُكتب على خلاف لفظه، وكان من حقه ان يُرسم على لفظه.
(1) ما يلفظ ولا يكتب
فأما ما يُلفظُ ولا يُكتب، فذلكَ، في كلماتٍ نَسرُدُ عليك اكثرها استعمالا.
(1) تُكتب (الذين) بلامٍ واحدة، وتلفظ بلامينِ، لأنها مشدَّدة.
(2) ما كان مبدوءاً بلام كلبنٍ ولحمٍ، ثم دخلت عليه (ألْ) كاللبنِ واللحمِ، ثم دخلت عليه لامٌ، فحينئذٍ تجتمعُ ثلاث لامات. فإذا اجتمعنَ فلا يُكتَبْنَ كلهنَّ. بل يُكتفى بلامين فقط، مثلُ "اللَّبن منافعُ كثيرة، ولِلحمِ فوائدُ ومَضارُّ، واللَّبن أنفعُ من اللحم) . وهكذا إذا اجتمعت ثلاثُ لاماتٍ في كلمة، اكتفيتَ باثنتين، فتقولُ في (اللَّذانِ واللَّتان واللاّتي واللاّئي واللَّواتي) ، إذا دخلت عليهنَّ اللام" أَحسنتُ لِلذَين اجتهدا، وللتين اجتهدتا "الخ."
(3) تُحذفُ الألف في كلماتٍ هذه اشهرها
1- الله.
2- الرحمن، مُعَرَّفاً بالألف واللام. وقَيَّدَ بعضهم الحذف في حال العلمية، وأثبتها في غيرها وقيده بعضهم في البسملة، واثبتها فيما عداها.
3- إله، نكرةً ومعرفةً، مثلُ (إنما إلهكم إلهٌ واحد - أَجَعلَ الآلهة إلها واحداً) . واما إلاهة والإلاهة، فتثبت أَلفهما، كما رأيت. وقُرِئَ في الشذوذ "ويذرك وإلاهتك" ، وفي غير الشذوذ "(والهتك) ، وبالجمع. 4- الحرث، علماً مقترناً بأل، ومنهم من يكتبه" الحارث "بإثبات الألف."
5- لكن.
6- لكنَّ.
7- سموات، جمع سماء. ومنهم من يكتبها في غير القرآن الكريم "سماوات" . بالألف.
8- يا، حرف النداءِ، قبلَ "أَيها" مثلُ "يأيها الذينَ آمنوا، وقبلَ" أَهلٍ "، مثلُ" يأهلَ الكتابِ، وقبلَ كلِّ عَلَمٍ مبدوءٍ بهمزةٍ، مثلُ "يإبراهيم" . ويجوز في غير القرآن الكريم، إثباتُ ألف (يا) ، وهو المشهور بين الكتاب مثلُ يا أيها، يا أهل، يا إبراهيم "."
9- منهم من يحذف الالف من كل علم مشتهر. كإسحق وإبرهيم وإسمعيل وهرون وسليمن وغيرها. والافضل إثباتها، في غير القرآن الكريم.
10- منهم من يحذفها في الجمع السالم مذكراً ومؤَنثاً كالصلحين والقنتين والصلحت والقنتت والحفظت. تبعاً لحذفها في المصحف الأمِّ. والأفضل إثباتها. كالصالحين والقانتات والحافظات، لأن خطَّ المصحف لا يقاس عليه.
(4) تُحذفُ الفُ (ها) التَّنبيهيّةِ، إذا دخلت على اسم الإشارة، مثل "هذا وهذه وهؤلاء" .
(5) تُحذف الفُ (ذا) الإشاريَّة، إذا لحقتها اللامُ، مثلُ "ذلك وذلكما وذلكم وذلكنَّ" ومنهم من يثبتها في غير (ذلك) .
(6) كلُّ حرفٍ يُدغمُ في حرفٍ مثلهِ، او مخرجه، يُحذفُ خطاً ويُعَوضُ عنه بتشديد الحرف الذى ادغمَ فيه مثلُ "شدَّ، والنساءُ أَمِنَّ واستعنَّ، ونحنُ أمِنَّا واستعنَّا، وآمنّي، ولم يُمكنِّي، ومِمنِ وغَمن، وإلا تجتهدْ تندمُ، وإما تجتهد تنجحْ، وأُحبُّ ألاّ تكسلَ ونِعمّا تفعلُ" ، ونحو ذلك. ومنهم من يُثبتُ نون "أن" ، إذا جاءَ بعدها "لا" احبُّ ان لا تكسلَ "."
(2) ما يكتب ولا يلفظ
وأما ما يُكتبُ ولا يُلفظ من الحروف، فهو لي ألفاظ
(1) زادوا الواو في عمروٍ، في حالتيْ رفعهِ وجرّه، مثلُ جاءَ عَمْرٌو، ومررت بعمرٍو ". وحذفوها في حالة النصب، مثلُ" رأيتُ عَمْراً "، قالوا وذلك للتفرقة بينه وبينَ" عُمَر ". وإنما حُذفت منه في حالة النصب، لأنه لا يشتبهُ بعُمَر في هذه الحالة، لأن" عُمَر "لا يُنَوَّن، لمنعه من الصرف."
(2) زادوا ألفاً غير ملفوظة في "مائةٍ" ، مفردةً ومُثناةً، ومُرَكبةٍ معَ الآحاد، فكتبوها هكذا "مِائَةُ ومِائتان وثلاثمائة وأربعمائة وخمسمائة" الخ.
ومن الفضلاء من يكتبها بياء بلا ألف، هكذا "مئة" . ومنهم من يكتبها بألف بلا ياء، هكذا. "مأة" . ووجه القياس أَن تكتب بياءُ بلا ألف. وهذا ما نميل إليه. وإنما كانوا يكتبوها بزيادة الألف، يوم لم تكن الحروف تنقط، كيلا تشتبه بكلمة (منه) ، المركبة من "من" الجارة وهاء الضمير، كما قالوا. قال أبو حيان "وكثيراً ما أَكتب أَنا (مئة) بلا أَلف، مثل كتابة" فئة "، لأن زيادة الألف خارجة عن الأقيسة فالذي أختاره كتابتها بالألف دون الياء على وجه تحقيق الهمزة، أو بالياء، دون الألف على تسهيلها) ."
وزادوا أَلفاً بعدَ واوِ الضمير. مثلُ كتبوا. ولم يكتبوا وكتبوا "."
(3) زادوا الواوّ في "أولات" ، كقوله تعالى: {وَأُوْلاَتُ الأحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . وزادوها في أولو وأولي "بمعنى أَصحاب" ، كقوله تعالى، {وَأُوْلُواْ العلم} [آل عمران: 18] {ياأولي الألباب} [البقرة: 179] {لأُوْلِي الألباب} [آل عمران: 190] وزادوها في أولاءِ وأولي الإشاريَّتين، كقوله سبحانه: {أولائك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} [البقرة: 5] . وأما "الألى" الموصولية "بمعنى الذينَ" ، فلم يزيدوا فيها الواو.
(3) ما يلفظ على خلاف رسمه
ذلك نحو "إيجَل" فعل أمرٍ من "وَجِلَ يَوْجَلُ" . وأصله "إوْجَلْ، قلبت واوه ياءً لسكونها وانكسارِ ما قبلها. فإذا وقت" إبجَلْ "في درج الكلام، بعد حرفٍ مضموم، مثل" يا فلانُ إيجَل "، فلا يغيَّرُ رسمُ الياءِ، لكنها تُلْفظ واواً، هكذا" يا فلانُ إِوجَلْ ". ومثله كلُّ أَمرٍ من المثال الواوي، المفتوح العين في المضارع كوَدَّ، والأمر منه" إيدَدْ "فإذا قلتَ (يا فلان إيدَدْ) ، لفظت ياءَه واواً."
وكلُّ ما رسم ياءً، مما تُلْفظ ياؤه أَلفاً، كرمى وادَّعى واستدعى والرَّحى والهُدى والمسعى والمصطفى والمستشفى، فهو مما يلفظ على خلاف رسمه.
كتابة الهمزة
الهمزةُ هي التي تقبلُ الحركاتِ فإن رُسمت على ألفٍ، سُميت (الألف اليابسة) أيضاً كأعطى وسأل والنّبأ. وتقابلها الألفُ اللينةُ، وهي
التي لا تقبلُ الحركاتِ، كألف "قال ودعا ورمى" . والهمزة تقعُ في أول الكلمة كأعطى، وفي وسطها كأل، وفي أخرها كالنبأ. والألفُ الليّنة تقعُ في حشو الكلمة كقال، وفي آخرها كدعا. ولا تقعُ في أَوَّلأها. لأنها لا تكون إلا ساكنة وأول الكلمة لا يكون إلا متحركاً.
والهمزة، وأول الكلمة، على ستةِ أنواعٍ
الأولى همزة الأصل، وهي التي تكون في بِنْيةِ الكلمة كهمزة "أَخذ وأَبٍ وأُمٍ وأُختٍ وإنَّ وإنْ وإذا" .
الثانيةُ همزةُ المخْبرِ عن نفسه، وهي التي تكون أول المضارع المُسند إلى المتكلم الواحد كهمزة "أَكتُبُ وأَقرأُ وأُحسِنُ" .
الثالثة همزة الاستفهام، وهي كلمةٌ برأسها، يُؤْتى بها للاستخبار عن أَمرٍ مثل "أَتكون من الفائزين" ؟.
الرابعةُ همزةُ النداءِ، وهي كلمةٌ برأْسها أيضاً، يؤتى بها لنداء القريبِ. مثل "أعبدَ الله" ، تُناديه وهو منك قريبٌ.
الخامسة همزة الوصل.
السادسة همزة الفَصْل (وتسمى همزةَ القطع أيضاً) .
والهمزةُ حرفٌ لا صورةَ له في الخط، وإنما يُكتبُ غالباً بصورةِ الألفِ أو الواوِ أو الياءِ، لأنها إن سُهِّلتِ انقلبت إلى الحرف الذيُ كتبت بصورته. لذلك نرى أنهم لم يراعوا في كتابتها هجاءَها، إلا إذا ابتُدئَ بها. أما إن تَوسطت أو كانت في موضع الوقف، فلم يراعوه، بل راعَوْا ما تُسهّل إليه في الحالتين، فكتبوها على ما تُسهّل إليه من ألفٍ او واوٍ او ياءٍ والتي لم تُسهَل لم يكتبوها على حرف، بل رسموها قطعةً منفردةً هكذا (ء) .
فالقياسُ في كتابة الهمزةِ أَن تُكتبَ بالحرف الذي تُسَهَّلُ إليه إذا خُفَّفَت في اللَّفظِ، فالهمزةُ في مثل "سألَ وَقرأ ويَسأل ويقرأ" في مثل "سؤالٍ وزُؤَامٍ ولُؤْمٍ ومُؤَن ولؤلؤ" تُكتب بالواو، لأنها إذا خففَت تُلفظُ واواً، فتقولُ "سُوالٌ وزُوامٌ ولُومٌ ومُوَنٌ ولُوُلو" ، وفي مثل (ذِئابٍ وخطيئةٍ ومئةٍ وفِئةٍ ولآليءَ، تكتبُ بالياءِ، لأنها تُسهَّلُ إليها، فتقول "ذيابٌ وخَطيَّة وميَةٌ ولآلي" .
والهمزةُ، إما أَن تكون في أَوَّل الكلمةِ، أو في وسطها، او في آخرها.
وتَوَسطُها إما أن يكون حقيقيًّا كما في "سأل ويَرْؤُف ومسألةٍ" ، وإما أَن يكون عارضاً، وذلك إذا تَطرَّفتْ، واتَّصلت بضميرٍ، او علامةِ تأنيث أَو تثنيةٍ، او جمعٍ، او نسبةٍ، او أَلفٍ المُنَوَّن المنصوب.
رسم الهمزة المبدوءِ بها
الهمزةُ المبدُوءُ بها لا تكونُ إلا مُتحركةً محقَّقة النطقِ بها. ويجبُ إثباتها في الخطِّ على صورةِ الألف بأيَّةِ حركةٍ تحرَّكتْ، وفي أيَّةِ كلمةٍ وقعتْ، وذلك مثلُ "أمَلٍ وإبلٍ وأحُدٍ واقعُدْ وأخذ وأجلَسَ وأَخٍ وإخوةٍ وإسمٍ وإصبعٍ وإحسانٍ" ونحو ذلك.
فإن وقعت هذه الهمزةُ المبدوءُ بها بعد همزةٍ من كلمةٍ أخرى، بَقيت على حالها من الخطّ، كما لو كانت مبدوءاً بها، مثلُ (يجب أَن ينشأ أَولادنا على العمل لإِحياءِ آثارِ السّلفِ الصالح) .
وإذا وقعت همزاتُ القطعِ والأصلِ والمُخبرِ عن نَفسهِ بعد همزة الاستفهام، كُتبت بصورةِ الألف، كما لو وقعت ابتداءً، قال تعالى {أَأَنتم أشدُّ خلقاً؟ - أَإِلهٌ معَ الله - أَإِذا مِتنا؟} . وتقول (أَأَجيئُكَ أَم تجيئُني؟) .
ويجوز أن تزيد بين الهمزتين ألفاً لا تُكتبُ وإنما تُعوَّضُ عنها بِمدَّةٍ بينهما، فتقولُ (آأَنتَ فعلتَ هذا؟) قالَ ذو الرَّمَّةِ [من الطويل]
فَيا ظَبْيَةَ الوَعْساء بَيْن جُلاجِلٍ ... وَبينَ النَّقا، آأنتِ؟ أَمْ أُمُّ سالِمِ؟
وإذا وقعت بعدها همزةُ الوصل أسقطتْ همزةُ الوصلِ من الكتابة، كما تَسقطُ من اللَّفظ، لضعفها وقوَّةِ همزةِ الاستفهام. وليس في هذا الإسقاط التباسٌ، لأن همزةَ الاستفهامِ مفتوحةٌ، وهمزةَ الوصلِ مكسورةٌ، قال تعالى {أتخذناهم سِخْريّا، أَم زاغت عنهم الأبصارُ! - أَطَّلعَ على الغَيبِ؟} وتقولُ "ابْنُكَ هذا أَم أَخوك؟" ، وتقولُ "أسمُكَ حَسنٌ أَم حُسَينٌ؟" ومن ذلك قولُ ذي الرِّمةِ [من البسيط]
أَسْتَحْدَثَ الركْبُ عن أَشياعهِم خَبَراً ... أَمْ راجَعَ القَلْبَ من أَطْرابهِ طَرَبٌ؟
ولا تجري همزةُ "أَلْ" هذا المجرى، وإن كانت للوصل، لأنها مفتوحةٌ، وهمزة الاستفهام مفتوحة، فتلتبسُ الهمزتانِ إحداهما بالأخرى. وحينئذ يختلط الإخبار بالاستخبار (أَي الكلامُ الخبري بالكلام الاستفهامي) ، فلو قلت "الشمس طلعت" فلا يدري السامعُ "أَأَنتَ تخبرُ عن طلوع الشمس؟ أَم أَنت تستفهم عن طلوعها" والوجه أن تُبدل همزةُ "أَل" أَلفاً ليّنة في اللفظ، يُستغنى عنها بالمدَّة، فتقولُ "آلرجلُ خيرٌ أَم المرأَةُ؟" .
قال تعالى آللهُ أَذِنَ لكم؟ - آلذَّكرينِ حَرَّمَ أم الأنثيَيْن؟ - آلآنَ وقد عَصَيْتَ قبلُ؟ "."
هذا ما يراه الجمهور الأعظم من النحاة في اجتماع همزة الاستفهام وهمزة "أل" . وفي كتاب (الكتّاب) لابن درستويه ما يدل على أنه لا فرق بين همزة "أل" وغيرها من همزات الوصل وعلى أنها تجري هذا المجرى، وإن كانت مفتوحة، لأنها أكثر استعمالا من سائر ألفاظ الوصل وما قاله هو القياس. وأما التباس الإخبار بالاستخبار، فقرينة الكلام تعين المراد. ولا يكون هذا الاختلاط إلا في بعض المواضع. فليكن المنع حيث لم يؤمن اللبس.
على أنهم لم يجروا على القياس، حذر الالتباس، فكان عليهم أن لا يجيزوا حذف الاستفهام من الكلام، وقد أجازوها اعتماداً على قرينة لفظية، مثل "ما أدري في ليل رحل القوم، أَم في نهار؟ أي أَفي ليل؟ وكقول عمر ابن أبي ربيعة [من الطويل] "
بدا ليَ مِعصم حين جمَّرت ... وكفٌ خضيبٌ زُينت ببنان
فوالله ما أدري وإن كنت داريا ... بسبع رمين الجمر أَم بثمان؟
أَي أبسبع؟ والقرينة اللفظية هنا هي "أم" ، التي تكون بعد همزة الاستفهام في السؤال عن أَحد الشيئين. وقد يكون الحذف اعتماداً على قرينة معنوية، يعتمد فيها على فطنة السامع كقول الكميت [من الطويل]
طربت، وما شوقاً إلى البيض أطرب ... ولا لعباً مني، وذو الشوق يلعب
أي "أو ذو الشوق يلعب؟" ومنه قول المتنبي: [من البسيط]
أحيا؟ وأيسر ما قاسيت ما قتلا ... والبين جار على ضعفي، وما عدلا
أراد "أَأَحيا؟" . وفي الحديث "وإن زنى؟ وإن سرق؟" ، أي "أو إن زنى أو إن سرق؟" وفي شرح المغني للدماميني نقلا عن الجني الداني لابن
قاسم إن حذفها مطرد إذا كان بعدها "أَم" لكثرته نظما ونثراً. قال الدماميني "قلت وهو كثير مع فقد "أَم" . والاحاديث طافحة بذلك". وتحقيق قول ما قاله الاخفش من ان حذفها جائز اختياراً في نظم أَو نثر، إذا أَمن اللبس. فإن أدى الحذف إلى الالتباس، فلا يجوز قولاً واحداً.
فأنت ترى أَنهم أجازوا حذف همزة الاستفهام. ومنعوا حذف همزة "أل" بعد همزة الاستفهام. والمسألتان واحدة. فإذا قد أَجازوا أَن تحذف همزة الاستفهام، حيث يؤمن اختلاط الإخبار بالاستخبار، فينبغي أَن يجيزوا حذف همزة "أل" بعد همزة الاستفهام حيث يؤمن الالتباس، قياساً على غيرها من همزات الوصل والحق أَن حذفها، بعد همزة الاستفهام، جائز قياساً عند أَمن اللبس. وقد تقدم القول فيما جنح اليه ابن درستويه في كتاب (الكتّاب) من جواز ذلك) .
رسم الهمزة المتطرفة
حُكمُ الهمزةِ المتطرِّفة حكمُ الحرفِ الساكن، لأنها في موضع الوقفِ من الكلمة، والهجاءُ موضوعٌ على الوقف.
وهي إما أَن يكون ما قبلها ساكناً أو متحرّكاً
فإن كان ما قبلها ساكناً، كتِبت مُفردةَ بصورةِ القطعِ هكذا (ء) ، مثلُ "المَرْءِ والجزءِ والدفءِ والخَبْءِ والشيءِ والنَّوءِ والنشْءِ والعبْءِ، ويَجيءُ ويَسوءُ والمَقروءِ والمشنُوءِ والهنيءِ والمَريءِ والبريءِ والسوءِ والضياءِ والوضوءِ، وجاءَ وشاءَ" .
(وإنما لم تكتب بصورة حرف من أَحرف العلة يكون كرسياً لها، لأنها
تسقط من اللفظ إذا خففت عند الوقف، لالتقاء الساكنين. إذا جاز حذفها عند الوقف فلا ترسم، ولانها تبدل من حرف العلة قبلها وتدغم فيه مثل "الشيء والنوء والمقروء والهنيء" ، فيقال "الشي والنو والمقرو والهني" ) .
وإن كان ما قبلها متحركاً، كُتبت بحرفٍ يناسبُ حركةَ ما قبلها، مهما كانت حركتُها، لأنها إن خُففت في اللفظ موقوفاً عليها، نُحيَ بها مُنحى ذلك الحرف
فترتكز على الألف في مثل "الخطأ والنبأ وقرأ ويقرأُ ولم يقرأ واقرأ وتوَضَّأ ويتَوَضَّأ ورأَيتَ امرَأَ القَيْس" .
وعلى الواو في مثل "التهيُّؤِ والتَّواطؤِ والأكمُؤ واللؤلؤ والجُؤجُؤ والتَّنَبء وجَرُؤَ ومَرُؤَ ورَدُؤَ، وهذا امرُؤُ القيس" .
وعلى الياء في مثل يَتَّكىءُ ويستهزِئُ وصَدِيءَ وضِئْضيء وناشيء وقاريء، ومررتُ بامرئ القيس "."
رسم الهمزة المتوسطة
الهمزةُ المتوسطةُ، إما أَن تكون متوسطةً حقيقةً، كأنْ تكونَ بين حرفينِ من بِنْية الكلمة، مثل "سألَ وبئرٍ ورَؤُفَ" وإما إن تكون شبْهَ متوسّطةٍ، كأنْ تكون متطرّفةً، وتَلْحقَها علاماتُ التأنيثِ أو التثنيةِ او الجمعِ او النسبةِ او الضميرُ او أَلفُ المُنَوَّن المنصوبِ، مثلُ "نَشْأةٍ وفِئةٍ ومَلأى وجزءانِ وشيئانِ وقَرَّاءونَ وهيئاتٍ وهذا جُزْؤُهُ ويَقرَؤُهُ وأخذتُ جُزءاً واحتلمتُ عِبئاً" .
وحكمُها في الكتابة واحدٌ، إلا في أشياءَ قليلةٍ نذكُرها في مواضعها.
وإذا توَّسطت الهمزة، فإما أن تكون ساكنة، او مفتوحةً، او مضمومة او مكسورة، ولكلّ حكمه في الكتابة.
والقاعدة العامة لكتابة الهمزة المتوسطة، أنها إن كانت ساكنة، تُكتب بحرفٍ يُناسب حركةَ ما قبلها، مثلُ "رأْسٍ وسؤْلٍ وبئرٍ" وإن كانت متحركةً، تُكتب بحرفٍ يُجانسُ حركتَها هي، مثل "سأل ويسألُ وَلؤُمَ ويَلْؤُمُ وسئِم ومُسئمٍ ولئيم" إلا أن تُفتحَ بعد ضم او كسرٍ، فتُكتبُ حرفاُ يجانسُ حركةَ ما قبلها، مثلُ "مُؤَن وسؤال وفِئَةٍ وذِئابٍ وناشئَةٍ" . او تقع بعدَ أَلف، فتُكتب قطعةً منفردةً بعدها، مثلُ "ساءَل وتساءَل ويتساءَل وعباءَة" .
وهناك مواضعُ قد يُشَذُّ فيها عن هذه القواعد الكليَّة، يرجع أكثرها إلى الهمزة في حال توَسطها توسطاً غير حقيقيّ. وستعلم ذلك فيما سنشرحه لك.
وإليك تفصيل هذا المُجْمَل
(1) رسم المتوسطة الساكنة
إذا تَوسَطت الهمزة ساكنةً، كُتبت على حرف يناسبُ حركة ما قبلها فتُكتبُ على الألف في مثل "رأْسٍ وكأْسٍ ويأْمُل - ولم يقرأْه ولم يَشأْهُ ونشأْتُ وقرأْنا" .
وتُكتبُ على الواو مثل "لُؤْمٍ ويُؤمِنٍ ومؤمِنْ واؤْتُمِنْ ولؤلؤ - ولم يَسؤْهُ وبُؤْتُ وجَرُؤْتُ وجَرُؤا ويجرُؤْنَ" .
وعلى الياءِ في مثل "بِئرٍ وذِئْبٍ وائْتِ وائْذَن - وجِئْتُ وجِئْنا ويَجِئْنَ وأَنبِئْه ولم يُنبِئه" .
(2) رسم المتوسطة المفتوحة
(1) إن توسطت الهمزة مفتوحةً، بعد حرفٍ متحرك، كُتبت على حرفٍ يُجانسُ حركةَ ما قبلها.
فتُكتبُ على الألف في مثل "سألَ ورأَبَ وسآمةٍ وضآلة ومآل - وخَطآنِ حِدَآت وأصلحتُ خَطَأهُ وسمعتُ نبأهُ ورأَيتُ حِدَأَة وقرأا ويقرأانِ وبدأا ويَبْدَأانِ."
وعلى الواوِ في مثل "مؤنٍ وتُؤدةٍ ومُؤَوِّل ويُؤمَلُ ومُؤَرّخ وسُؤالٍ وامرؤَانِ ولُؤْلؤَينِ ولُؤلؤاتٍ واشتريتُ لُؤلؤةً وأكلت أكمُؤَةً وجَؤُؤا يجْرُؤانِ" .
وعلى الياءِ في مثل "ذِئابٍ ورئاسةٍ وافتئاتٍ وفِئَةٍ ومِئَةٍ ومِئاتٍ وفِئاتٍ وقارِئانِ وقارئاتٍ ورأَيتُ قارئةُ وقارئَيْه ومُنشِئَهُ ومُنشِئَيهِ" .
(2) إذا توسطت الهمزةُ مفتوحةً بعد حرفٍ ساكن، توَسطاً حقيقيًّا، كتبت على الألف (إن لم تُسبق بألف المدّ) مثلُ "يَيْأسُ ويسألُ ومسألة"
ٍ وجَيْأل والسمَوْأل ومَلأمةٍ وتَوأَم ومَلآنَ وظمآن والقُرآن "فإن سُبقت بألفِ المدِّ، كُتبت منفردة، مثل" ساءَلَ وتساءَلَ وساءَلوا ويتساءَلُ "."
فإن كانت شبهَ متوسطةٍ، كُتبت منفردة بعد حرف انفصال، مثل "جاءَا وشاءَا وجُزءَانِ وضَوْءَانِ ومخبوءَينِ ومخبُوءَات وقرأَ جُزءَهُ ورأَى ضوءَه وكساءَه" . وعلى شبه ياء بعد حرف اتصال، مثلُ "شيئانِ وعِبئان وشيئينِ وعِبئَينِ ورأَيت شيئَهُ وفَيئَهُ وعِبئَهُ ونَشْئَهُ وخَبيئَهُ" .
(3) إذا لزمَ، من كتابة الهمزة ألفاً، اجتماعُ ألفينِ الهمزِ، وأَلفِ المدِّ، فإن سبقت أَلفُ المدِّ أَلفَ الهمزِ، كتبتَ ألفَ المدِّ وحدَها، ورسمتَ ألف الهمز قطعةً منفردةً بعدها، مثلُ "تضاءَل وتساءَمَ وتَثاءَب" وإن سبقت أَلفُ الهمزِ أَلفَ المدِّ، كتبتَ أَلفَ الهمزِ وطرحتَ أَلفَ المدِّ مُعَوّضاً عنها بمدَّة، تُكتبُ على طرف أَلف الهمز، مثلُ السآمةِ والشآمِ والقرآن والملآن والنَّبآن والملجآنِ "."
ويُستثنى من ذلك أَن تكون أَلفُ المدّ أَلفَ الضمير، فتُكتب هيَ وأَلفُ الهمزِ معاً، مثل "قَرأا واقرأا ويَقْرأانِ ولم يَقرَأا" . هذا رأْيُ جمهور العلماء. ومنهم من يحذفُ ألفُ المدّ مُعَوِّضاً عنها بالمدَّة، مثلُ "قرآ واقرآ ويقرآنِ ولم يَقْرَآ" . وهذا هو القياس. وهو أَيسرُ على الكاتب ومنهم من يكتب الهمزَة منفردةً، لا على الفٍ، ويُثبتُ الف الضمير بعدها، مثلُ قَرَءَا واقرَءَا ويَقْرءَان ولم يَقْرَءَا "."
اما إثباتهم الألفين في الفعل، مع استكراههم ذلك في نحو "سآمة وظمآن وخَطآنِ" فلعلَّهم فرقوا بين أن تكونَ الفُ المدّ ضميراً او غيرَ ضمير، لأن الألفَ هنا ضميرُ الفاعل. والفاعلُ أشدُ لُصوقاً بالفعل من غيره، فلا يُستغنى عنه فكتبوها لذلك.
(3) رسم المتوسطة المضمومة
(1) إن تَوسطت الهمزةُ مضمومةً بعد فتحٍ او ضم أو سكون، كتبت على الواو.
فمثالها مضمومةً بعد فتحٍ "لَؤمَ وضَؤُلَ ورَؤُفَ ويَقرؤُهُ ويَمْلؤُهُ ويكلَؤُهُ وهذا خَطَؤُهُ ونَبَؤُهُ" .
ومثالها مضمومةً بعد ضمّ "الزُّؤُدُ والرُّؤُمُ والسُّؤُمُ وهذا لُؤُلؤُه وجُؤْجؤُه وأكمؤُهُ" .
ومثالها مَضمومةً بعد ساكنٍ "يَضْؤُلُ وأرؤُسٌ وأكؤُسٌ والتَّرَؤُّسُ والتَّساؤُلُ والتَّلاؤُمُ - وهذا جزؤُهُ وضَوْؤهُ ووُضوؤُه وضِياؤُهُ" . إلا إن ضُمّت شبهُ المتوسطة، بعد حرفٍ من حروف الاتصال، فتُكتب على شبهِ ياءٍ مثل "هذا شيئُهُ وفيئُهُ وعِبْئُهُ ونَشْئُهُ وبَريئُهُ ومجيئُهُ ويجيئون ويُسيئونَ ومُسيئون" .
(2) إذا لزمَ، من كتابة الهمزة على الواو، اجتماعُ واوينِ فإن تأخرت واو الهمز، كتبتهما معاً مثل "هذا ضَوْؤُهُ ووُضوؤهُ ومَقْروؤُه. وإن سبقت، فمنهم من يحذف صورتها، ويكتبها همزة منفردة، بعد حرفِ انفصالٍ مثل" رَؤُوف ورُءُوس وقرَءُوا ويَقرَؤُونَ "، وعلى شبه ياءٍ، بعد حرف اتصالٍ، مثل" كُئوس ومسئولٍ - ومَلَئُوا ويَمْلَئونَ ". إلا إن كانت شبهَ متوسطة، وكانت في الأصل مكتوبةً على الواو كجَرؤَ ويَجْرؤُ، فتُرسمُ الواوانِ معاً، مثل" جَرُؤُوا ويجرُؤُون "."
هذا مذهب المتقدمين، وعليه المعوَّل عند أرباب هذا الشأن. وعليه رسم بعض المصاحف.
ومنهم من يرسم الواوينِ معاً، وهو القياس، مثل "رَؤوفٍ ورؤوسٍ وسُؤوم وصُؤون وكؤوس ومرؤوب ومسؤول - وقَرَؤوا ويَقْرؤون ومَلَؤوا ويَمْلؤونَ" .
ومنهم من يكتفي بواوٍ واحدة يرسم الهمزة عليها، مثل رَؤفٍ ورُؤسٍ ومَسؤلٍ وقَرَؤُا ويَقْرؤن ". وعليه رسم كثيرٍ من المصاحف."
ومنهم من يُبقي الهمزةَ المتطرّفة، المكتوبة على الألف، المتصلةَ بما يجعلها شبهَ متوسطة، على حالها من الرسم، مثل "قرأُوا ويَقْرأُون، وبَدَأُوا ويَبْدَأُون، وملأوا ويَمْلأون، وهذا خطأُهُ ونبأُه ورَشأُهُ" وهو مذهب بعض المتأخرين. وهو الشائعُ على أكثر الأقلام اليوم، لسهولته وبُعدهِ عن إعمال الفكر.
والمذهب الأول هو المتقدِّم. كما علمت. وكلٌّ له وجهٌ صحيح.
أما إذا لزمَ من ذلك اجتماعُ ثلاثِ واوات، فتطرح واو الهمزة، وتكتبُ الهمزة منفردة بين الواوين، قولاً واحداً، مثل "موْءُودة ووءُولٍ - ومَقْروءُون ومنشؤُون ويَسوءُون" .
(3) إن توسطت الهمزة مضمومةً بعد حرفٍ مكسورٍ (وهذا لا يكون إلا في شبهِ المتوسطة) ، كُتبت على شبه ياءٍ، مثل مِئونَ وفِئون وهذا قارئُه ومُنْشئُه ومُنبّئُه وسيئُه وسيئون والقارئون والمُنشئونَ والمُنبّئونَ وينبِّئه ويُقرِئُه "."
(4) رسم المتوسطة المكسورة
إن توسطت الهمزة مكسورةً، لا تُكتب إلا على الياء، سواءٌ أكانت مكسورةً بعد فتحٍ، مثل "سَئمَ وبَئسَ ودَئِب - ومُلجَئينَ ونظرتُ إلى رَشئهِ وخَطَئهِ ومُنشِئهِ" .
أم مكسورةً بعد ضم، مثل "سُئلَ ورُئيَ ونُئيَ عنه والدِئلِ - ونظرتُ إلى لُؤلئه وبُؤبُئه، وشقت السفينة الماءَ يجؤجئُها وتقول في"
جمعِ من سَمَّيْتَهُ لؤلؤاً "مررتُ باللُّؤلُئين" وبعضهم يكتب التي بعدها ياءٌ بحركة ما قبلها (أي على الواو) ، مثل "رُؤِيَ ونُؤِيَ عنه" .
أم مكسورةً بعد كسر (وهذا لا يكون إلا في شبه المتوسطة) ، مثل "مِئِينَ وفِئينَ وقارئينَ وناشئينَ ومُنشئينَ ومُقرئينَ وقارئهِ ومُنشئهِ ولآلِئهِ" .
أم مسكورةً بعد سكونِ، مثلُ "أفئدةٍ وأسئلةٍ ومُسئِمٍ ومُتئمٍ والمرئِيِّ والرائي ويُسائِلُ وسائِلْ ومُسائِلِ - والمَقروئينَ والطَّائيِّ والكسائيِّ والجُزئيِّ وجُزئِه وعِبئه وشيئه وضَوْئه ووضوئه وضيائه" .
(5) رسم المتوسطة مع علامة التأنيث
الهمزة المتوسطةُ بإلحاق علامةِ التأنيث بها، لا تكونُ إلا مفتوحة.
فإن كان ما قبلها مفتوحاً أو ساكناً صحيحاً، كُتبت على الألف، مثل "حَدَأةٍ وخَطَأةٍ ونَشْأةٍ ونَبْأةٍ ومَلأى وظَمْأى" .
وإن كان مضموماً، كُتبت على الواو، مثل "لُؤلؤَةٍ" .
وإن كان مكسوراً أو ياءً ساكنةً، كُتبت على الياءِ، مثل "مِئَةٍ وفِئَةٍ وتهنئةٍ ومَرزِئَةٍ وهَيْئةٍ وبِيئِة وخطيئةٍ وبريئةٍ" .
وإن كان ما قبلها أَلفاً أو واواً، كتبت منفردة، مثل "ملاءَةِ وقراءَةِ ومُرءَةٍ وسَوْءَةٍ وسَوءَى وسَوْءَاءَ" .
(6) رسم المتوسطة مع الف المنون المنصوب
المُنَوَّنُ المنصوبُ تَلحقُهُ ألف مدٍّ لا تُلفظُ إلا في الوقف، سواءٌ أكان آخرُهُ همزةً أم غيرَها، مثلُ "رأيتُ رجلا وكتاباً ولُؤلؤاً" .
فإن كانت الهمزةُ المنَوَّنةُ تنْوين نَصبٍ، مرسومةً على حرف أبقيتها مرسومةً عليه، ورسمتَ بعدها الألفَ، مثل رأيتُ بُؤبُؤاً وأكمؤاً وقارئاً ومُنْشئاً "."
وإن كانت منفردةً، غيرَ مرسومةٍ على حرفٍ، فإن كانت بعد حرفِ انفصال، تركتَها على حالها، ورسمتَ بعدها الألف مثل "رأيتُ جُزْءاً ورُزءاً وضَوْءاً. ووُضُوءاً" . وإن كانت بعد حرف اتصال كتبتها قبل الألف على شِبهِ ياءٍ، مثل (احتملتُ عبْئاً واتخذتُ دِفْئاً ورأيتُ شيئاً) .
غيرَ انهم تركوا كتابَتها بعد الهمزةِ المرتكزةِ على ألفٍ، كراهية اجتماعِ ألفينِ في الخط، مثل (سمعتُ نَبأ ورأيتُ رَشأ) وبعد الهمزة المسبوقة بألف المدّ اعتباطاً، لا لسببٍ، مثل "لبستُ رداءً، وشربتُ ماءً" .
وإنما تُكتبُ هذهِ الألفُ، لأنَّ المنوَّنَ المنصوبَ لا يجوز أن يوقفَ عليه بالسكونِ،
بل يجبُ أن يُوقفَ عليه بفتحةٍ ممدودة، تتوَلد منها ألفُ المدِّ. وسواءٌ في ذلك ما لحقتهُ هذهِ الألفُ في الخط، وما لم تلحقهُ لِسَبَبٍ او اعتباطاً.
كتابة الألف المتطرفة
الالفُ المتطرفةُ، إما أن تكونَ آخرَ فعلٍ كدعا ورمى وأعطى، وإما أن تكون آخرَ اسم مُعربٍ عربيّ كالفتى والعصا والمصطفى. وإما أن تكون آخرَ اسمٍ مَبنيٍّ كأنا ومهما. وإما أن تكون آخرَ حرفٍ كعَلى ولولا. وإما أن تكون آخرَ اسم أعجمي كموسيقا.
فهي خمسة أنواع ولكلّ نوع حكمهُ في الرسم. وإليك بيان كلّ نوع منها
(1) و (2) إن تطرَّفت الألفُ في فعل او اسم مُعرب.
فإن كانت رابعةً فصاعداً، كتبتها ياءً مطلقاً. والحرفُ المشدَّد يُحسب حرفين، وكذلك الهمزة التي فوقها مدَّةٌ مُعوَّض بها عن أَلفٍ محذوفة، مثل "حُبلى ودعوى وجُلَّى وجُمادى ومستشفى - وأَعطى وأَملى ولبّى وحلَّى وآتى وآخى واهتدى وارتضى واستولى واستعلى" . وإلا إِذا لزِمَ، من كتابتها ياءً، اجتماعُ ياءَين، فتكتب ألفاً، مثل "استحيا وأحيا وسجايا ويحيا وزوايا وريّا ودُنيا. وقد كتبوا" يحيى وريّى "علمين، بياءَينِ، للتفرقة بين ما هو علمٌ أو فعلٌ أو صفة. والقولُ في نحوهما كالقول فيهما."
وإن كانت ثالثة، فإن كانت منقلبةً عن الواو، كتبتها ألفاً، مثل "العصا والقفا والدُّجا والرُّبا والذُّرا والعِدا - ودعا وغزا وعفا وعلا"
وسما وتلا ". وإن كانت منقبلةً عن ياءٍ كتبتها ياءً، مثل" الفتى والهوى والنَّوى والرَّحى والحمى - ورمى ومشى وهدى وهوى وقضى "."
وما كان من ذلك ممدوداً، فقصرَته كالبيضاء والجدعاء، أو مهموزاً، فسهَّلته كتوضأ وتجزأ ومَلجأ ومُلتجأ، فلا يكتب بالياء، بل يكتبُ بالألف التي صارت آخراً، مثلُ "البيضا والجدعا وتوضا وتجزا وملجا وملتجا" .
واعلم أن من النحاة من يكتبُ البابَ كله بالألف، حملاً للخط على اللفظ، سواءٌ أكانت الألف ثالثةً أم فوق الثالثة، وسواءٌ أكانت منقلبة عن واو أم عن ياءٍ. قالوا وهو القياس، وهو أنفى للغلط. وهذا ما اختاره أبو علي الفارسي، كما في شرح أدب الكاتب لابن السيد البطليوسي. وهو مذهبٌ سهل، لكنه لم يشتهر، ولم ينتشر. والكتَّاب قديماً وحديثاً على خلافه.
(3) إذا تطرَّفت الألفُ في اسمٍ مبني، كتبت ألفاً، مثلُ "أنا ومهما" ، إلا خمس كلمات منها، كتبوها فيها بالياء، وهي "أنّى ومتى ولدى والألى" (اسم موصول بمعنى الذينَ) وأولى (اسم إشارة للجمع، كأولاءِ) .
(4) إذا تطرفتِ الألفُ في حرف من حروف المعاني، كتبت ألفاً، مثل "لولا وكلاّ وهلاّ" ، إلا أربعةَ أحرف، كتبوها فيها بالياء. وهي "إلى وعلى وبلى وحتى" .
(5) إذا تطرَّفت الألفُ في اسم أعجمي، كتبت ألفاً مطلقاً، ثلاثياً كان، أو فوق الثلاثي. ولا فرق بين أن يكون من أسماء الناس أو البلاد أو غيرهما، مثلُ "بُغا ولوقا وتمليخا وزليخا وبحيرا" (وهي أعلامُ أناس) ،
وأريحا ويافا وحيفا وطنطا والرُّها (وهي أسماءُ بلدان) وببْغا (وهي اسم طير) ، وموسيقا وارتماطيقا "وهما من مصطلحات الفنون والعلوم" . وكتبوا (بخارى) ، من أسماء البلدان، بالياء. وكتبوا أربعة من أعلام الناس بالياء أيضاً، وهي موسى وعيسى ومتَّى وكسرى. ومنهم من يكتب "متّى" باللف هكذا "مَتّا" .
الوصل والفصل
من الكلمات ما لا يصح الابتداء به، كالضمائر المتصلة ومنها ما لا يصح الوقفُ عليه، كالحروف الموضوعة على حرف واحدٍ ومنها ما يصح الإبتداء به والوقف عليه، وهو كل الكلمات، إلا قليلا منها.
فما صح الابتداء به والوقفعليه، وجب فصلُه عن غيره في الكتابة، لأنه يستقل بنفسه في النطق، كالأسماء الظاهرة، والضمائر المنفصلة، والأفعال والحروفَ الموضوعة على حرفين فأكثر.
وما لا يصحُّ الابتداء به، وجبَ وصلُهُ بما قبلهُ، كالضمائر والمتصلة، ونوني التوكيد، وعلامةِ التأنيث، وعلامةِ التَّثنية، وعلامة الجمع السالم.
وما لا يصحُّ الوقفُ عليه، وجب وصلُه بما قبله، كالضمائر، ونوني التوكيد، وعلامة التأنيث، وعلامةِ التَّثنية، وعلامة الجمع السالم.
وما لا يصحُّ الوقفُ عليه، وجب وصلُه بما بعده، كحروفِ المعاني الموضوعة على حرفٍ واحدٍ، والمركب المزجيِّ، وما رُكّب مع المائة من الآحاد كأربعمائة، والظُّروفِ المضافة إلى "إذٍ" المُنَوَّنةِ كيومئذٍ وحينئذٍ. فإن لم تُنَوَّنْ، بأن تُذكر الجملة المحذوفة المعوَّض عنها
بالتنوين، وجبَ الفصلُ مثلُ "رأيتك حين إذْ كنتَ تخطبُ" .
وكلا النوعينِ (أي ما يصحُّ الابتداءُ به، وما لا يصح الوقف عليه) يجب وصله، كما رأيتَ، لأنه لا يستقلُّ بنفسه في النطق. والكتابةُ تكون بتقدير الابتداء بالكلمة والوقف عليها، كما علمتَ في أول فصل الخط.
وقد وصولا، في بعض المواضع، ما حقّهُ أن يكتب منفصلا، كأنهم اعتبروا الكلمتين كلمةً واحدة. وإليك تلك المواضع
(1) وصلوا "ما" الإسميّة بكلمة "سِيٍّ" مثلُ "أحبُّ أصدقائي، ولا سِيَّما زُهيرٍ" ، وبكلمة "نِعْمَ" إذا كُسرت عينُها، مثلُ "نِعِمَا يَعِظُكم به" ، فإن سكنت عينها، وجب الفصلُ، مثلُ "نِعْمَ ما تفعل" .
(2) ووصلوا "ما" الحرفية الزائدة أيًّا كان نوعها، بما قبلها، مثلُ "طالما نصحتُ لك، {إنما إلهكم إلهٌ واحدٌ} ، أتيتُ لكنما أُسامةُ لم يأت. {عمّا قليل لَيُصبِحُنَّ نادمين} . {مما خطيئاتِهم أُغرقوا} . {أيّما الأجلينِ قضيتُ} . فلا عدوان عليّ. أينما تجلسْ إجلس. إما تجتهدْ تنجح. {إنه لحقٌّ مثلما أنكم تنطقون} . اجتهدْ كيما تنجح" .
(3) وصلوا "ما" المصدرية بكلمة "مثل" مثل "اعتصمْ بالحق مثلما اعتصم به سَلَفُكَ الصالح" ، وبكلمة "رَيْثَ" ، مثل "انتظرني رَيْثنما آتيك" ، وبكلمة "حين" مثل "جِئتُ حينما طلعت الشمسُ" ، وبكلمة "كل" مثل " {كلما أضاءَ لهم مَشَوْا فيه} . كلما زرتني أكرمتك" . "وما" بعد كلٍّ "مصدرية ظرفية."
(4) وصلوا "مَنْ" استفهاميةً كانت، أو موصوليّةً، أو موصوفيةً، أو شرطيَّة، بمن وعن الجارَّتين فالاستفهاميّة مثل "مِمن أنت تشكو؟" والموصوليَّة مثلُ "خُذِ العلمَ عمَّن تَثقُ به" . والموصوفيّةَ مثل "عَجبتُ ممّن مُحبٍ لك يؤْذيك" ، أي من رجلٍ محبٍّ لك. والشرطيّةُ مثلُ مِمّن تَبتعدْ ابتعدْ، وعَمّن ترضَ أرضَ "، أي من تبتعدْ عنه أَنتَ أَبتعد عنه أَنا، ومن ترضَ عنه أَرضَ عنه."
وصلوا (مَن) الإستفهاميّة بفي الجارَّة، مثل "فيمن ترغبُ أن يكون معك؟. فيمن ترى الخير؟" .
(5) وصلوا "لا" بكلمة "أن" الناصبة للمضارع، مثل {لئلا يعلم أهلُ الكتاب} "ويجبُ ألا تدَعَ لليأس سبيلا إلى نفسك" . ولا فرق بين أن تسبقها لامُ التعليل الجارَّة وألا تسبقها، كما رأيت.
هذا مذهب الجمهور. وذهب أبو حيّانَ ومن تابعه إلى وجوب الفصل قال وهو الصحيح، لأنه الأصل، مثل "يجب أن لا تهمل" .
فإن لم تكن "أن" ناصبة للمضارع، وجب الفصل، كأن تكون مخففة من "أن" المشددةِ، مثل "أشهَدُ أَن لا إِلهَ إلا اللهُ" أي أنه، أن تكون تفسيرية، مثلُ "قُلْ له أن تخفْ" .
(6) وصلوا "لا" بكلمة "إن" الشرطية الجازمة، مثلُ {إلا تفعلوه تكن فتنةٌ، إلا تَنصرُوه فقد نَصرهُ الله} .
(7) منهم من يصلُ "لا" بكلمة "كي" ، مثلُ "لكيلا يكون عليك حرجٌ، ومنهم من يوجب الفصل. والأمران جائزان. وقد جاء الوصلُ والفصلُ في القرآن الكريم، وقد وُصلت في المصحف في أربعة مواضع، منها {لكيلا يكون عليك حرجٌ} ومن الفصل قوله تعالى {لكي لا يكون على المؤمنين حرجٌ} وقوله {كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم} ."
(مباحث الفعل الإعرابية)
(المبني والمعرب من الأفعال)
الفعل كله مبني. ولا يُعرَبُ منه إلا ما أشبه الاسم، وهو الفعل المضارع الذي لم تتصل به نونا التوكيد ولا نون النِّسوة.
وهذا الشبه إنما يقع بينه وبين اسم الفاعل. وهو يكون بينهما من جهتي اللفظ والمعنى.
أما من جهة اللفظ، فلأنهما متفقان على عدد الأحرف والحركات والسكنات فيكتبُ على وزن (كاتب) ومُكرِمٌ على وزن (يُكرَمُ) . وأما من جهة المعنى فلأنَّ كلاًّ منهما يكون للحال والاستقبال وباعتبار هذه المشابهة يسمّى هذا الفعل (مُضارعاً) ، أي مشابهاً، فإن المضارعة معناها المشابهةُ، يُقال "هذا يُضارعُ هذا" ، أي يشابهه.
فإن اتصلت به نون التوكيد، أو نون النسوة، بُني، لأن هذه النُّونات من خصائص الأفعال، فاتصالُهُ يهنَّ يُبعِدُ شَبههُ باسم الفاعل فيرجعُ إلى البناء الذي هو أَصل في الأفعال.
(بناء الفعل الماضي)
يبنى الماضي على الفتح، وهو الأصلُ في بنائه، نحو "كتب" . فإن كان معتلَّ الآخر بالألف، كرمى، ودعا، بني على فتحٍ مقدَّر على آخره. فإن اتصلت به تاء التأنيث، حُذف آخرُه، لاجتماع الساكنين الألفِ والتاء، نحو "ردتْ ودعتْ" والأصل "رماتْ ودعاتْ" . ويكون بناؤه على فتح مقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين.
وليست حركة ما قبل تاء التأنيث هنا حركة بناء الماضي على الفتح، لأن حركة البناء - كحركة الإعراب - لا تكون إلا على الأحرف الأخيرة من الكلمة والحرف الأخير هنا محذوف كما رأيت) .
وإن كان معتل الآخر بالواو أَو الياء، فهو كالصحيح الآخر - مبني على فتح ظاهر كسرُوَتْ ورضيَتْ.
ويبنى على الضم إن اتصلت به واو الجماعة، لأنها حرفُ مَد وهو يقتضي أن يكون قبلهُ حركةٌ تجانسهُ، فيبنى على الضم لمناسبة الواو نحو "كتبوا" .
فإن كان معتلَّ الآخر بالألف، حذفت لالتقاء الساكنين، وبقي ما قبل الواو مفتوحاً، كرَموْا ودَعوْا، والأصل "رَماوا ودعاوْا" ويكون حينئذ مبنياً على ضم مُقدر على الألف المحذوفة.
(وليست حركة ما قبل الواو حركة بناء الماضي على الفتح، لأن الماضي مع واو الجماعة يبنى على الضم، ولأن حركة البناء كما قدمنا، إنما تكون على الحرف الأخير والحرف الأخير هنا محذوف كما علمت) .
وإن كان معتلّ الآخر بالواو، أو الياء، حُذف آخرُه وضمَّ ما قبله بعد
حذفه، ليناسب واو الجماعة، نحو "دُعُوا وسرُوا ورَضُوا" ، والأصل "دُعيُوا وسروُوا ورَضيُوا" وبوزن "كُتِبوا وظَرُفوا وفرِحوا" .
(استثقلت الضمة على الواو والياء فحذفت، دفعاً للثقل، فاجتمع ساكنان حرف العلة وواو الجماعة، فحذف حرف العلة، منعاً لالتقاء الساكنين، ثم حرك ما قبل واو الجماعة بالضم ليناسبها. فبناء مثل ما ذكر، إنما هو ضم مقدر على حرف العلة المحذوف لاجتماع الساكنين، فليست حركة ما قبل الواو هنا حركة بناء الماضي على الضم وإنما هي حركة اقتضتها المناسبة للواو، بعد حذف الحرف الأخير. الذي يحمل ضمة البناء.
ويبنى على السكون إن اتصل به ضمير رفع متحرك، كراهية اجتماع أربع حركات متواليات فيما هو كالكلمة الواحدة، نحو كتبتُ وكتبتَ وكتبتِ وكتبنَ وكتبنا "."
(وذلك لأن الفعل والفاعل المضمر المتصل كالشيء الواحد، وإن كانا كلمتين، لأن الضمير المتصل بفعله يحسب كالجزء منه. وأما نحو "أكرمت واستخرجت" مما لا تتولى فيه أَربع حركات، أن بني على الفتح مع الرفع المتحرك "فقد حمل في بنائه على السكون على ما تتوالى فيه الحركات الأربع، لتكون قاعدة بناء الماضي مطردة) ."
وإذا اتصل الفعلُ المعتلُ الآخر بالألف، بضمير رفع متحرك، قلبت أَلفه ياء، إن كانت رابعة فصاعداً، أو كانت ثالثة أصلها الياء. نحو "أعطيتُ واستحيَيتُ وأَتيتُ. فإن كانت ثالثة اصلها الواو ردَّت اليها، نحو" علوتُ وسموتُ "."
فإن كان معتلّ الآخر بالواو او الياء، بقي على حاله، نحو "سروتُ ورضيتُ" .
(بناء الأَمر)
يُبنى الأمر على السكون وهو الأصل في بنائه، وذلك إن اتصل بنون النسوة، نحو (اكتبن) ، أو كان صحيح الآخر ولم يتصل به شيء كاكتبْ.
وعلى حذف آخره، إن كان معتل الآخر، ولم يتصل به شيء كانجُ واسعَ وارمِ.
وعلى حذف النون، إن كان متصلا بألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة كاكتبا، واكتبوا، واكتبي.
وعلى الفتح، إن اتصلت به إحدى نوني التوكيد كاتُبَنْ واكتُبَنّ.
وإذا اتصلت نون التوكيد المشددة بضمير التثنية، أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة في الأمر ثبتت الألف معها، وكسرَت النون نحو "اكتبانَّ" ، وحذفت الواو والياء، حذراً من التقاء الساكنين، نحو "اكتبُنَّ واكتبِنَّ" . ويبقى الأمر مبنياً على حذف النون. والضمير المحذوف لالتقاء الساكنين هو الفاعل.
وكذا إن اتصلت النون المخفَّفة بالواو أَو الياء، كاكتُبنْ واكتُبِن. أما بالألف فلا تتصل، فلا يقالُ اكتبان.
(إعراب المضارع وبناؤه)
إذا انتظم الفعل المضارع في الجملة، فهو إما مرفوع أو منصوب، أو مجزوم. وإعرابُه إما لفظي، وإما تقديري، وإما محلي.
وعلامة رفعه الضمةُ ظاهرةً، نحو (يفوزُ المتقون) ، أو مقدَّرَة نحو "يعلو قدرُ من يقضي بالحق" ، ونحو "يَخشى العاقل ربّهُ" .
وعلامة نصبه الفتحة ظاهرة، نحو "لن أقول إلا الحق" ، أو مقدرة، نحو "لن أخشى إلا الله" .
وعلامة جزمه السكون نحو "لم يَلدْ ولم يُولدْ" .
وإنما يعرب المضارع بالضمة رفعاً، وبالفتحة نصباً، وبالسكون جزماً إن كان صحيح الآخر، ولم يتصل بآخره شيء.
فإن كان معتل الآخر غير متصل به شيء جزم بحذف آخره نحو "لم يَسعَ، ولم يرمِ، ولم يدعُ" . وتكون علامة جزمه حذف الآخر.
وإن اتصل بآخره ضمير التثنية أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، فهو معربٌ بالحرف، بالنون رفعاً، نحو "يكتبان ويكتبون وتكتبين" وبحذفها جزماً ونصباً، نحو "إن يَلزَمُوا معصية اللهِ، فلن يفوزوا برضاه" .
وإن اتصلت به إحدى نوني التوكيد، أو نون النسوة، فهو مبني، مع الأوليَينِ على الفتح نحو "يكتُبَنْ ويكتَبنَّ" ، ومع الثالثة على السكون نحو "الفتيات يكتْبنَ ويكون رفعه ونصبه وجزمه حينئذ محلياً."
فإن لم يتصل آخرُه بنونِ التوكيدِ مباشرةً بل فصِلَ بينهما بضمير التثنية، أو واو الجماعة، أو ياءِ المخاطبةِ، لم يكن مبنياً، بل يكونُ مُعرباً بالنون رفعاً، وبحذفها نصباً وجزماً. ولا فرق بين أن يكون الفاصلُ لفظيًّا، نحو
"يكتبانّ" أو تقديريًّا نحو "يكتُبُنَّ وتكتُبِنَّ، لأن الأصل" تَكتبونَنَّ وتكتُبينَنَّ "."
(حذفت نون الرفع، كراهية اجتماع ثلاث نونات نون الرفع ونون التوكيد المشددة ثم حذفت واو الجماعة وياء المخاطبة، كراهية اجتماع ساكنين الضمير والنون الأولى من النون المشددة) .
واعلم أنَّ نونَ التوكيدِ المشدَّدةَ، إن وقعت بعدَ ألف الضمير، ثبتتِ الألفُ وحُذفت نون الرفع، دفعاً لتوالي النوناتِ، غيرَ أن نونَ التوكيدِ تُكسَرُ بعدَها تشبيهاً لها بنون الرفعِ بعدَ ضمير المُثنَّى، نحو "يكتُبانِّ" .
وإن وقعت بعدَ واو الجماعة، أو ياء المخاطبةِ، حُذفت نون الرفعِ دفعاً لتوالي الأمثال. أما الواو والياء، فإن كانت حركةُ ما قبلَهما الفتحَ ثبتتا، وضُمّت واوُ الجماعة، وكسِرت ياء المخاطبة، وبقِي ما قبلهما مفتوحاً على حاله، فتقولُ في يَخشَوْن وتَرضَين "تخشَوُنَّ وترضِينَ" . وإن كان ما قَبلَ الواو مضموماً، وما قبل الياء مكسوراً حُذِفَتا. حذراً من التقاء الساكنين، وبَقيَتْ حركةُ ما قبلهما، فتقولُ في تكتُبونَ وتكتُبينَ وتغزونَ وتغزين "تكتُبينَّ وتكتبِنَّ وتغزُنَّ وتغزِنَّ" .
وإذا وَلي نونَ النِّسوةِ نونُ التوكيد المشَّدةُ وجب الفصلُ بينهما بألفٍ، كراهية توالي النونات، نحو "يكتبْنانِّ" أما النونُ المخففةُ فلا تَلحَقُ نونَ النسوة.
وحكم نوني التوكيدِ، معَ فعل الأمر، كحكمهما معَ المضارع في كل ما تقدمّ.
المضارع المرفوع
يُرفع المضارعُ، إذا تجرَّدَ من النواصب والجوازمِ. ورافعُهُ إنما هو تجرُّده من ناصبٍ أو جازمٍ.
(فالتجرد هو عامل الرفع فيه، فهو الذي أوجب رفعه. وهو عامل معنوي، كما أن العامل في نصبه وجزمه هو عامل لفظي لأنه ملفوظ.
وهو يُرفعُ إما لفظاً، وإما تقديراً، كما سلف، وإما محلاًّ، إن كان مبنيًّا، نحوُ "لاجتهدنَّ" ونحو "الفتياتُ يجتهدْن"
المضارع المنصوب ونواصبه
يُنصبُ المضارعُ إذا سبقتهُ إحدى النواصب.
وهو يُنصبُ إما لفظاً، وإما تقديراً، كما سلفَ، وإما محلاًّ، إن كان مبنيًّا مثل "على الأمهاتِ أن يَعنينَ بأولادهنَّ" .
ونواصبُ المضارع أربعةُ أحرفٍ، وهي
(1) أنْ، وهي حرفُ مَصدرِيةٍ ونصبٍ واستقبال، نحوَ {يُريدُ اللهُ أَن يُخففَ عنكم} .
وسميت مصدرية، لأنها تجعلُ ما بعدها في تأويل مصدر، فتأويل الآية "يريد الله التخفيف عنكم" وسميت حرف نصب، لنصبها المضارع. وسميت حرف استقبال، لأنها تجعل المضارع خالصاً للاستقبال. وكذلك جميع نواصب المضارع تمحضه الاستقبال بعد أن كان يحتمل الحال والاستقبال "."
ولا تَقعُ بعد فعلٍ بمعنى اليقينِ والعلمِ الجازم.
فإن وقعت بعدَ ما يدُلُّ على اليقين، فهيَ مُخفَّفةٌ من "أنَّ" ، والفعل بعدها مرفوعٌ، نحو {أفلا يَرَوْنَ أنْ لا يَرجِعُ إليهم قولاً} ، أي أنهُ لا يَرجع.
وإن وقعتْ بعدَ ما يدُلُّ على ظنٍّ أو شبههِ، جازَ أن تكون ناصبة للمضارعِ، وجازَ أن تكونَ مخفَّفةً من المشدَّدَة، فالفعلُ بعدَها مرفوعٌ. وقد قُرِئَتِ الآيةُ {وحَسِبوا أَلاّ تكونَ فتنةٌ} ، بنصب "تكون" ، على أنّ "أنْ" ناصبةٌ للمضارعِ، وبرفعه على أنها مخففةٌ من "أن" . والنصب أَرجح عندَ عَدمِ الفصلِ بينها وبين الفعلِ بلا، نحو {أحسِبَ الناسُ أن يُترَكوا} والرفعُ والنصبُ سواءٌ عند الفصل بها، كالآية الأولى. فإن فُصِلَ بينهما بغير "لا" كقَدْ والسين وسوفَ، تعيَّنَ الرفعُ، وأن تكونَ "أنْ" محفَّفةً من المُشدَّدة، نحو "ظننت أَنْ قد تقومُ، أَو أَن ستقومُ، أَو أَنْ سوفَ تقومُ" .
واعلمْ أنَّ "أَن" الناصبةَ للمضارع، لا تُستعملُ إلاّ في مقام الرجاء والطَّمعِ في حصولما بعدها، فجاز أن تقعَ بعد الظنّ وشِبهه، وبعد ما لا يدل على يقين أو ظن، وامتنع وقوُعها بعد أفعالِ اليقين والعلم الجازم، لأن هذه الأفعالَ إنما تتعلقُ بالمحقَّق، لا يناسبُها ما يدلُّ على غير محقَّق، وإنما يناسبُها التوكيدُ، فلِذا وجب أن تكون "أن" الواقعةُ مُخفِّفة من المُشدَّدة المفيدةِ للتوكيد.
(2) لنْ، وهي حرفُ نفيٍ ونصبٍ واستقبال، فهي في نفي المستقبل كالسين وسوفَ في إثباته. وهي تفيدُ تأكيدَ النفي لا تأييدَهُ وأما قولهُ تعالى لَنْ يَخلُقوا ذُباباً، فمفهوم التأييدِ ليس من "لن" ، وإنما هو من دلالة خارجيّة، لأنَّ الخلقَ خاص بالله وحدَهُ.
(وهي على الصحيح، مركبة من "لا" النافية و "أَنْ" المصدرية الناصبة للمضارع وصلت همزتها تخفيفاً وحذفت خطاً تبعاً لحذفها. وقد صارتا كلمة واحدة لنفي الفعل في الاستقبال) .
(إذَنْ، وهي حرفُ جوابٍ وجزاءٍ ونصبٍ واستقبالٍ، تقولُ "إِذَنْ تُفلِحَ" ، جواباً لمن قال "سأجتهدُ" . وقد سميتْ حرفَ جوابٍ لأنها تقعُ في كلام يكون جواباً لكلام سابقٍ. وسميت حرفَ جزاء، لأن الكلام الداخلة عليه يكون جزاءً لمضمون الكلام السابق. وقد تكون للجواب المحض الذي لا جزاءَ فيه، كأن تقولَ لشخصٍ "إني أحبك" ، فيقول "إذنْ أَظنك صادقاً" ، فظنكَ الصدقَ فيه ليس فيه معنى الجزاء لقوله "إني أحبكَ" .
وأصلها، عند التحقيق، إما "إذا" الشرطية الظرفية، حذف شرطها وعوض عنه بتنوين العوض، فجرت مجرى الحروف بعد ذلك ونصبوا بها
المضارع، لأنه إن قيل لك "آتيك" ، فقلت "إذن أَكرمك" ، فالمعنى إذا جئتني، أَو إذا كان الأمر كذلك أكرمك. وإما مركبة من "إذ" و "إن" المصدرية، فإن قال قائل "أَزورك" . فقلت "إذن أكرمك" فالأصل "إذ إن تزورني أكرمك" ثم ضمنت معنى الجواب والجزاء.
أَما كتابتها فالشائع أَن تكتب بالنون عاملة ومهملة. وقيل تكتب بالنون عاملة. وبالألف منونة مهملة. أَما عند الوقف فالصحيح أَن تبدل نونها أَلفاً تشبيهاً لها بتنوين المنصوب، كما أَبدلوا نون التوكيد الخفيفة أَلفاً عند الوقف كذلك. أَما رسمها في المصحف فهو بالألف عاملة ومهملة. ورسم المصحف لا يقاس عليه، كخط العروضيين. وقد سبق الكلام على ذلك) .
وهي لا تنصبُ المضارعَ إلا بثلاثة شروطٍ.
الأولُ أَن تكونَ في صدر الكلام، أَي صدرِ جملتها، بحيثُ لا يسبقها شيءٌ له تعلقٌ بما بعدها. وذلك كأن يكونَ ما بعدَها خبراً لما قبلها ونحو "أَنا إذَنْ أُكافِئُكَ" أَو جوابَ شرطٍ، نحوُ "إن تُزرني إذَنْ أَزركَ" أَو جواب قسمَ، نحو "واللهِ إذَنْ لا أَفعلُ" . فإن قلتَ "إذَنْ واللهِ لا أَفعلَ" ، فقدَّمتَ "إذنْ" على القسم، نصبتَ الفعلَ لتصدُّرِها في صدر جملتها.
ومن عدم تصدرها، لوقوعها جواب قسم، قولُ الشاعر [من الطويل]
لئِن جادَ لي عبدُ العَزيزِ بِمِثْلها ... وأَمكَنني منها، إذنْ لا أُقِيلُها
(فقد رفع "أقيل" لأن "إذن" لم تتصدر، لكونها في جواب قسم مقدر، دلت عليه اللام التي قبل "إنّ" الشرطية. والتقدير والله لئن جاد لي". وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه. وقد أهملت "إذن" لوقوعها بين القسم وجوابه، لا بين الشرط وجوابه، كما قاله بعضهم، لأنه"
إذا اجتمع شرط وقسم، فالجواب للسابق منهما. وجواب المتأخر محذوف، لدلالة جواب الآخر عليه) .
وإذا سبقتها الواوُ أَو الفاءُ، جاز الرفع وجاز النصبُ. والرفع هو الغالب. ومن النصب قوله تعالى (في قراءةِ غيرِ السبعة) {وإن كادوا لَيَستفزونكَ من الأرضِ ليُخرجوك منها، وإذاً لا يَلبَثوا خلافَكَ إِلا قليلا "، وقوله أَم لهم نصيبٌ من المُلك، فإذاً لا يؤْتوا الناسَ نَقيراً} وقرأَ السبعةُ {وإذاً لا يلبثون ... وإذاً لا يؤتون} ، بالرفع. وإذا قلت" إن تجتهد تنجح، وإذن تفرح "، جزمت" تفرح "، وأَلغيتَ" إذن "، إِن أَردتَ عَطفَه على الجواب" تنجح "، فيكون التقديرُ" إن تجتهد تنجحْ وتفرحْ "، وذلك لعدم تصدرها، ورفعته أَو نصبتَهُ، إن أَردتَ العطف على جملتي الشرط والجواب معاً، لأنهما كالجملة الواحدة. وإنما جاز الوجهان، لوقوعها بعد الواو. ويكون العطف من باب الجمل، لا من باب عطف المفردات. فتكون حينئذٍ صدرَ جملة مستقلة مسبوقة بالواو، فيجوز الوجهان. رفع الفعل ونصبه."
فإن كان شيءٌ من ذلك أَليغتها ورفعتَ الفعلَ بعدها، إلا إن كان جوابَ شرطِ جازٍم، فتجزمُه، كما رأَيتَ، ونحو "إن تجتهدْ إِذَن تَلْقَ خيراً" . فعدمُ التَّصدير، المانعُ من إعمالها، إنما يكون في هذه المواضعِ الثلاثة، لا غيرُ.
الثاني أَن يكون الفعلُ بعدها خالصاً للاستقبالِ، فإن قلتَ إذنْ أَظنكَ صادقاً "جواباً لمن قال لك" إني أُحبك "، رفعتَ الفعلَ لأنه للحال."
الثالثُ ألاّ يُفصَلَ بينهما وبينَ الفعل بفاصلٍ غير القسمِ و (لا) النافية، فإن قلتَ "إذَنْ هم يقومون بالواجب" . جواباً لمن قال "يجود الأغنياء"
بالمال في سبيل العلم "، كان الفعلُ مضارعاً، للفصل بينهما بغير الفواصل الجائزة."
ومثال ما اجتمعت فيه الشروطُ قولك "إذَنْ أَنتظرَك" ، في جواب من قال لك (سأزورُك) فإذَنْ هنا مصدَّرةٌ، والفعلُ بعدَها خالصٌ للاستقبال. وليس بينها وبينه فاصل.
فإن فُصلَ بينهما بالقسمِ، أو "لا" النافية، فالفعلُ بعدها منصوبٌ. فالأولُ نحو "إذَنْ واللهِ أُكرِمَكَ" وقولِ الشاعر [من الوافر]
إذَنْ، واللهِ، نَرمِيَهُمْ بِحَرْبٍ ... تُشِيبُ الطِّفْلَ من قَبْلِ المَشيبِ
والثاني نحو "إذَنْ لا أجيئَكَ" .
وأجاز بعضُ النحاةِ الفصلَ بينهما - في حال النصب - بالنداء، نحو "إذَنْ يا زُهيرُ تنجحَ" ، جواباً لقوله "سأجتهدُ" . وأَجاز ابنُ عصفورٍ الفصلَ أَيضاً بالظرف والجارّ والمجرور. فالأولُ نحو "إذَنْ يومَ الجَمعةِ أجيئَكَ" والثاني نحو "إذَنْ بالجِدّ تبلُغَ المجدَ" . وقد جمعَ بعضُهمُ شروط إعمالها والفواصلَ الجائزةَ بقوله [من الرجز]
أَعملْ "إذَنْ" إذا أتتكَ أَوَّلا ... وسُقتَ فعلا بعدها مُستّقبلا
واحذَر، إذا أَعملتَها، أَن تفصِلا ... إلاّ بِحلَفٍ أو نداءٍ أَو بِلا
وافصِلْ بِظرفٍ أو بمجرورٍ على ... رأيِ ابنِ عُصفورٍ رئيسِ النُّبلا
وبعضهم يُهملُ "إذن" ، معَ استيفائها شروطَ العمل. حكى ذلك سيبويه عن بعض العرب. وذلك هو القياس. لأن الحروف لا تعمل إلا إذا كانت مختصَّة. و "إذن" غيرُ مختصَّةٍ، لأنها تباشرُ الأفعال، كما علمتَ، والأسماءَ، مثل "أَأَنتَ تُكرِمُ اليتيمَ؟ إذن أنتَ رجلٌ كريمٌ" .
(4) كي، وهي حرف مَصدريَّةٍ ونصبٍ واستقبال. فهي مثل "أنْ" ، تجعل ما بعدها في تأويل مصدر. فإذا قلتَ "جئتُ ليك أتعلَّمَ" ، فالتأويلُ "جئتُ للتعلُّم" وما بعدها مؤَوَّل بمصدرٍ مجرورٍ باللاّمِ.
والغالبُ أن تسبقها لامُ الجرّ المُفيدةُ للتعليل، نحوُ {لكيلا تأسَوْا على ما فاتكم} . فإن لم تسبقها، فهي مُقدَّرةٌ، نحو "استقِم كيْ تُفلحَ" ويكون المصدرُ المؤوَّلُ حينئذ في موضع الجرّ باللام المقدَّرة، أَيكونُ منصوباً على نزع الخافض.
النّصبُ بأنْ مُضْمرةً
قد اختصت "أن" من بين أخواتها بأنها تنصبُ ظاهرةً، نحو "يريدُ الله أن يُخفِّفَ عنكم" ، ومُقدَّرةً، نحو {يُريدُ اللهُ ليُبيّنَ لكم} أي لأن يُبينَ لكم.
وإِضمارها على ضربينِ جائزٍ وواجبٍ.
(1) إِضمار أن جوازاً
تقَدَّر "أنْ" جوازاً بعد ستةِ أحرفٍ
(1) لامُ كي (وتسمى لامَ التعليل أيضاً، وهي اللام الجارّة، التي يكونُ ما بعدها علةً لما قبلها وسبباً له، فيكون ما قبلها مقصوداً لحصول ما بعدها، نحو "وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس" .
وإنما يجوزُ إضمار (أن) بعدها إذا لم تقترن بلا النافية أو الزائدة.
فإن اقترنت باحداهما، وجب إظهارُها. فالنافية نحو "لئلا يكون للناس على الله حُجَّةٌ" والزائدة نحو "لئلا يعلم أهلُ الكتاب" .
(2) لام العاقبةِ، وهي "اللام الجارَّة التي يكونُ ما بعدها عاقبة لما قبلها ونتيجة له، لا علةً في حصوله، وسبباً في الإقدام عليه، كما في لام كِي. وتسمى لام الصيرورة، ولامَ المآل، ولام النتيجة أيضاً" ، نحو "فالتقطَه آلُ فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً" .
(والفعل. بعد هاتين اللامين، في تأويل مصدر مجرور بهما. و "أن" المقدرة هي التي سبكته في المصدر، فتدقير قولك جئت لأتعلم (جئت للتعلم) . والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. واعلم أن الكوفيين يقولون إن النصب إنما هو بلام كي ولام العاقبة. لا بأن مضمرة. وهو مذهب سهل خال من التكلف. وعليه مشينا في كتبنا المدرسية، تسهيلا على الطلاب) .
(3 و4 و5و 6 الواو والفاءُ وثم وأو العاطفات إنما ينصب الفعل بعدهن بأن مضمرة، إذا لزم عطفه على اسمٍ محضٍ، أي جامد غير مشتق، وليس في تأويل الفعل، كالمصدر وغيره من الأسماء الجامدة، لأن الفعل لا يُعطفُ إلا على الفعل، أو على اسم هو في معنى الفعل وتأويله، كأسماء الأفعال والصفات التي في الفعل فإن وقع الفعلُ في موضع اقتضى فيه عطفَه على اسمٍ محضٍ قُدّرت (أَن) بينه وبين حرف العطف، وكان المصدرُ المؤوّل بها هو المعطوف على اسم قبلها.
فمثالُ الواو "يأبى الشجاعُ الفرارَ ويَسلمَ" ، أي "وأن يَسلمَ" ، والتأويلُ "يأبى الفرار، والسلامة" ، ونحو "لولا الله ويلطفَ بي لهلكتُ" أي وأن يلطُف بي. والتأويل لولا الله ولطفهُ بي. ومنه قولُ ميسون [من الوافر]
وَلُبْس عُباءةٍ وتَقَرَّ عيْني ... أَحبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشفُوفِ
أي لُبسُ عباءة وقرةُ عيني.
ومثالُ الفاء "تعبُك، فَتنالَ المجدَ، خيرٌ من راحتك فتحرمَ القصدَ" ، أي "خيرٌ من راحتك فحرمانك القصدَ" .
ومنه قول الشاعر [من البسيط]
ولولا تَوقعُ مُعْتَرٍّ فأُرضيَهُ ... ما كنت أوثِرُ إتراباً على تَرَبِ
أي لولا توقع معتز فإرضاؤه.
ومثال (ثم) "يرضى الجبانُ بالهوان ثم يَسلَم" ، أي "يرضى بالهوان ثم السلامةِ" ومنه قول الشاعر [من البسيط]
إني وقتْلي سُلَيْكا، ثم اعقِلَهُ ... كالثَّوْرِ يُضرَبُ لما عافت البقر
أي قتلي سُليكا ثم عقلي إياهُ
ومثال (أَو) "الموتُ أَو يبلغَ الإنسانُ مأمَلَهُ أَفضلُ" أي "الموت أَو بُلوغهُ الأملَ أَفضلُ" ومنه قوله تعالى {ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً، أَو من وراء حجابٍ، أَو يُرسِلَ رسولا} ، أي "إلا وحياً، أَو إرسالَ رسولٍ" .
فإنْ في جميع ما تقدم، مقدَّرة. والفعل منصوب بها، وهو مؤَوَّلٌ بمصدر معطوف على الاسم قبلهُ، كما رأَيت.
(2) اضمار "أن" وجوباً
تُقدَّرُ (أنْ) وجوباً بعد خمسة أحرف
(1) لام الجحود "وسماها بعضهم لامض النفي، وهي لامُ الجر التي تقع بعد (ما كان) أو (لم يكن) الناقصتين" ، نحو "ما كان الله ليظلمَهم" ، ونحو {لم يكن الله ليغفرَ لهم} .
(فيظلم ويغفر منصوبان بأن مضمرة وجوباً، والفعل بعدها مؤول بمصدرمجرور باللام. وخبر كان ويكن مقدر. والجار والمجرور متعلقان بخبرها المقدر والتقدير "ما كان الله مريداً لظلمهم، ولم يكن مريداً لتعذيبهم" .
فإن كانتا تامتين، جاز (إظهار (أن) بعدها، لأنها حينئذ لام التعليل نحو "ما كان الإنسانُ ليعصيَ رَبَّهُ، أَو لأن يعصيهُ" ، أَي ما وُجد ليعصيه
(2) فاء السببِيّة "وهي التي تفيد أَن ما قبلها سببٌ لما بعدها، وأَن ما بعدها مسببٌ عما قَبلها" ، كقوله تعالى {كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوْا فيه فيحلَّ عليكم غضبي} .
(فإن لم تكن الفاء للسببية، بل كانت للعطف على الفعل قبلها، أو كانت للاستئناف لم ينصب الفعل بعدها بأن مضمرة. بل يعرب في الحالة الأولى باعراب ما عطف عليه، كقوله تعالى {لا يؤذن لهم فيعتذرون} ، أي ليس هناك إذن لهم ولا اعتذار منهم ويرفع في الحالة الأخرى، كقوله سبحانه {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون} أي "فهو يكون إذا أَراده" فجملة "يكون" ليست داخلة في مقول القول، بل هي جملة مستقلة مستأنفة. ومنه قول الشاعر [من الطويل]
ألم تسأل الربع القواء فينطق ... وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق
(أَي فهو ينطق إن سألته)
(3) واو المعيّةِ "وهي التي تُفيدُ حصولَ ما قبلها مع ما بعدها، فهي بمعنى (مَعَ) تُفيد المصاحبةَ" كقول الشاعر [من الكامل]
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مِثْلَهُ ... عارٌ عليكَ، إذا فعَلتَ، عظيم
(فإن لم تكون الواو للمعية، بل كانت للعطف، أو للاستئناف، فيعرب الفعل بعدها في الحالة الأولى، باعراب ما قبله، نحو "لا تكذب وتعاشر الكاذبين" ، أي ولا تعاشرهم. ويرفع في الحالة الأخرى، نحو "لا تعص الله ويراك" ، أي وهو يراك. والمعنى هو يراك، فلا تعصه. فالواو ليست لملعية، ولا للعطف، بل هي للاستئناف.
وخلاصة القول إن إعراب الفعل بعد الفاء والواو يتوقف على مراد القائل. فإن أراد السببية، فالنصب. وإن أراد العطف، فالإعراب بحسب المعطوف عليه. وإن لم يرد هذا ولا ذاك، بل أراد استئناف جملة جديدة، فالرفع ليس المراد بالاستئناف قطع الارتباط بين الجمل في المعنى بل المراد الارتباط اللفظي، أي الإعرابي. واعلم ان المروي من ذلك، من آية أو شعر، ينطق به على روايته وقد تحتمل الأوجه الثلاثة في كلام واحد، وقد مثلوا له بقولهم "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" . فإن أردت النهي عن الأمرين معاً، جزمت ما بعد الواو، لأنها حينئذ للعطف. وإن أردت النهي عن الجمع بينهما، نصبت ما بعدها، لأنها حينئذ للمعية. وإن أردت النهي عن الأول وحده، وإباحة الآخر، رفعت ما بعدها لأنها حينئذ للاستئناف ويكون المعنى "لا تأكل السمك، ولك أن تشرب اللبن" .
والواو والفاءُ هاتانِ لا تُقدَّر (أنْ) بعدهما إلا إذا وقعتا في جواب نفي أو طلبٍ فمثالُ النفي مع الفاء: "لم تَرحمْ فتُرحمَ" ومثال الطلب معها: "هل ترحمون فتُرحموا؟" . ومثال النفي مع الواو: "لا نأمرُ بالخير ونُعرضَ عنه" ومثال الطلب معها: "لا تأمروا بالخير وتعرضوا عنه" .
فإن لم يسبقهما نفيٌ أو طلبٌ، فالمضارعُ مرفوعٌ، ولا تقدَّرُ (أنْ) ، نحو "يُكرمُ الأستاذُ المجتهدَ، فيخجَلُ الكسلانُ" ، ونحو: "الشمسُ طالعةٌ وينزلُ المطرُ" .
وشرطُ النفيِ أن يكون نفياً محضاً. فإن كان في معنى الإثبات، لم تُقدَّرْ بعده (أن) فيكونُ الفعل مرفوعاً، نحو "ما تزالُ تجتهدُ فتتقدَّمُ" إذِ المعنى أنت ثابتٌ على الاجتهاد. ونحو (ما تيجئُنا إلا فنكرمُكَ) . فالنفي منتقضٌ بإلاّ، إذِ المعنى إثبات المجيء.
ولا فرق بين أن يكون النفيُ بالحرف، نحو (لم يجتهد فيُفلحَ أو بالفعل، نحو (ليس الجهل محموداً فتُقبلَ عليه) ، أو بالإسم، نحو الحلمُ غيرُ مذموم فتَنْفِرَ منه.
ويُلحَقُ بالنفي التَّشبيهُ المرادُ به النفي والإنكارُ، نحو كأنَّك رئيسُنا فنُطيعَكَ!، أي ما أنتَ رئيسنا. وكذا ما أفاد التَّقليل. نحو (قد يجودُ البخيلُ فيُمدَحَ) أو النفيَ، نحو (قلَّما تجتهدُ فتنجَح) .
والمرادُ بالطَّلبِ الأمرُ بالصيغة أو باللامِ، والنهيُ، والاستفهام، والتّمنِّي والترجّي، والعَرْضُ، والتَّحضيضُ.
أما ما يَدلُّ على معنى الأمر بغير صيغة الأمر أو لامِ الأمر (كاسم فعلِ الأمر) ، نحو (صَهْ، فينامُ الناسُ) . أو المصدرِ النائبِ عن فعل الأمر، نحو (سُكوتاً، فينامُ الناس) . أو ما لفظُه خَبر ومعناهُ الطلب، نحو "حَسبُكَ الحديثُ، فينامُ الناسُ" ) ، فلا تُقدَّر "أن" بعده. ويكونُ الفعل مرفوعاً على أصحِّ مذاهبِ النحاة. وأجازَ الكسائيُّ نصبَهُ في كل ذلك. وليس ببعيد من الصواب.
والفعلُ المنصوب بأن مَضمَرةً وجوباً، بعد الفاءِ والواو هاتين، مؤَوَّل بمصدرٍ يُعطفُ على المصدرِ المسبوكِ من الفعل المتقدم. فإذا قلت "زُرني فأكرمَكَ، ولا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مثله" فالتقديرُ "لِيكنْ منك زيارةٌ لي فإكرامٌ مني إيَّاكَ، ولا يكن منك نهيٌ عن خلق واتيان مثلهِ" .
(واعلم أنه إذا سقطت فاء السببية هذه بعد ما يدل على الطلب، يجزم الفعل بعد سقوطها إن قصد بقاء ارتباط ما بعدها بما قبلها ارتباط فعل الشرط بجزائه. فإن اسقطت الفاء في قولك "اجتهد فتنجح" ، قتل "اجتهد تنجح" . ومنه قوله تعالى {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم} . وقول امرئ القيس [من الطويل]
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
(فإذا أردت الاستئناف، رفعت الفعل، نحو عدل، ينزل المطر) . فليس المراد أن تعجل بنزول المطر. وكذا إذا كانت الجملة نعتاً لما قبلها، كقولك "صاحب رجلا يدلك على الله. ومنه قوله {فهب لي من لدنك ولياً يرثني} أي ولياً وارثاً لي. وقد قرئت الآية بالجزم أيضاً، على معنى" إن يهب لي ولياً يرثني ". وكذا إذا كانت الجملة في موضع الحال فإنك ترفع الفعل، نحو" قل الحق لا تبالي اللائمين "أي غير مبال بهم. ومنه قوله تعالى {ولا تمنن تستكثر} ، أي مستكثراً) ."
(4) حتى وهي "حتى الجارَّةُ، التي بمعنى" إلى "أو لامِ التعليل. فالأول نحو" قالوا لن نبرحَ عليه عاكفين حتى يَرجعَ إلينا موسى ". والثاني نحو" أطعِ الله حتى تَفوزَ برضاهُ "أي إلى أن يرجعَ، ولتفوز. وقد تكون بمعنى" إلاّ "كقولهِ [من الكامل] "
ليْسَ العطاءُ من الفُضُولِ سَماحةً ... حتى تَجودَ وما لَدَيْكَ قَليل
أي إلاّ أن تجودَ. والفعل بعده مؤول بمصدرٍ مجرورٍ بها. ويُشترط في نصب الفعل بعدها بأن مضمرة، أن يكون مستقبلاً، أمّا بالنسبة إلى كلام التكلم، واما بالنسبة إلى ما قبلها.
ثم إن كان الاستقبالُ بالنسبة إلى زمان التكلم وإلى ما قبلها. وجب النصبُ لأنّ الفعلَ مُستقبلٌ حقيقةً، نحو صُمْ حتى تَغيبَ الشمس "فغياب الشمس مُستقبلٌ بالنسبة إلى كلام المتكلم، وهو أيضاً مستقبلٌ بالنسبة إلى الصيام, وإن كان الاستقبال بالنسبة إلى ما قبلها فقطْ، جاز النصب وجاز الرفع. وقد قُرِئَ قوله {وزُلزلوا حتى يقولَ الرسولُ} بالنصب بأن مضمرةً، باعتبار استقبال الفعل بالنسبة إلى ما قبله لأن زلزالهم سابقٌ على قول الرسول. وبالرفع على عدم تقدير" أن "، باعتبار، ان الفعل ليس مستقبلا حقيقةً. لأنَّ قول الرسول وقع قبل حكايةِ قوله، فهو ماضٍ بالنسبة إلى وقت التكلُّم. لأنه حكايةُ حالٍ ماضية و" أن "لا تدخل إلا على المستقبل."
فإن أريدَ بالفعل معنى الحال، فلا تُقدَّر "أن، بل يُرفع الفعل بعدها قطعاً، لأنها موضوعةٌ للاستقبال، نحو" ناموا حتى ما يستيقظون ". ومنه قولهم" مرض زيدٌ حتى ما يَرجونهُ "وتكون" حتى "حينئذٍ حرفَ ابتداءٍ والفعل بعدها مرفوعٌ للتجرد من الناصب والجازم. وحتى الابتدائية حرفٌ تُبتدأُ به الجُمَلُ. والجملةُ بعدها متسأنَفة، لا محل لها من الإعراب."
وعلامة كون الفعل للحال أن يصلح وضعُ الفاء في موضع حتى. فإذا قلت "ناموا فلا يستيقظون، ومرض زيد فلا يرجونه" ، صحَّ ذلك.
(5) أو. ولا تُضمَرُ بعدها (أن) إلا أَن يَصلُحَ في موضعها (إلى) أو (إلاّ) الاسثنائيّة، فالأول كقول الشاعر [من الطويل]
لأَّستَسْهلنَّ الصَّعْبَ أو أدْرِكَ المُنى ... فما انقادَتِ الآمالُ إلاَّ لَصابرِ
أي إلى أن أدرك المنى، والثاني كقول الآخر [من الوافر]
وكُنتُ إذا غَمَزْتُ قناةَ قَوْمٍ ... كَسَرْتُ كُعوبَها أَو تَسْتَقِيما
أي إلا أن تستقيم.
والفعلُ، المنصوب بأن مُضمَرةً بعد (أو) ، معطوفٌ على مصدرٍ مفهومٍ من الفعل المتقدم، وتقديرُه في البيت الأول (لَيَكونَنَّ مني استسهالٌ للصَّعبِ أو إدراكٌ للمنى) ، وتقديرُه في البيت الآخر ليكوننَّ مني كسرٌ لكُعوبها أو استقامة منها) .
واعلم أن تأويل "أو" بإلى أو إلا. انما هو تقدير يلاحظ فيه المعنى دون الإعراب. أما التقدير الإعرابي باعتبار التركيب فهو أن يؤول الفعل قبل "أو" بمصدر يعطف عليه المصدر المسبوك بعدها بأن المضمرة. كما رأيت وانما أول ما قبل "أو" بمصدر لئلا يلزم عطف الاسم (وهو المصدر المسبوك بأن المقدرة على الفعل. وذلك ممنوع) .
شُذوذ حذف أنْ
لا تَعمل "أن" مُقدَّرة إلا في المواضع التي سبقَ ذِكرُها. وقد ورد حذفُها
ونصب الفعلِ بعدها في غير ما سبق الكلام عليه، ومن ذلك قولهم "مُرْهُ يَحفِرَها" و "خُذِ اللصَّ قبل يأخذَكَ" ، والمثل "تَسمعَ بالمُعَيدِيّ خيرٌ من أن تراه، وقول الشاعر [من الطويل] "
ألا أَيُّهذا الزَّاجِري أحضُرَ الوغى ... وأَنْ أَشهَدَ اللَّذَّاتِ، هَلْ أَنتَ مُخْلدي؟!
أي أن يحفرَها، وأن يأخذكَ، وأن تسمَع، وأن أحضُرَ "وذلك شاذّ لا يقاسُ عليه. والفصيحُ أن يُرفعَ الفعلُ بعد حذفِ" أن "، لأنَّ الحرفَ عاملٌ ضعيفٌ، فإذا حذفَ بطلَ عملُه. ومن الرفع بعد حذفها قوله تعالى {ومن آياته يُريكمُ البرقَ خوفاً وطمعاً} ، وقوله {قُلْ أَفَغيرَ الله تأمروني أعبُدُ} ، والأصلُ" أن يريكم، وأن أعبد "."
المضارع المجزوم وجوازمه
يُجزَمُ المضارع اذا سبقته احدى الجوازم. وهي قسمان. قسم يجزم فعلا واحداً، نحو "لا تيأسْ من رحمة الله" ، وقسم يجزم فعلين، نحو "مهما تفعلْ تُسألْ عنه" .
وجزمُه إما لفظيٌّ، إن كان معرباً، كما مُثّل، وإما محلي، إن كان مبنيًّا، نحو "لا تشْتغِلَنَّ بغير النافع" .
الجازم فعلا واحداً
الجازم فعلا واحداً أربعةُ أحرفٍ وهي "لم ولما ولامُ الأمر ولا الناهية" وإليك شرحَها
لم ولما تُسمّيانِ حرفيْ نفيٍ وجزمٍّ وقلبٍ، لأنهما تَنفيان المضارعَ، وتجزِمانهِ، وتقلبانِ زمانَه من الحال أو الاستقبال الى المضيّ، فإن قلتَ "لم أكتبْ" أو "لمّا أكتُبْ" ، كان المعنى أنكَ ما كتبتَ فيما مضى.
والفرق بين "لم ولمّا" من أربعة أوجهٍ
(1) أنّ "لم" للنفي المُطلَقِ، فلا يجب استمرارُ نفيِ مصحوبها إلى الحال، بل يجوز الاستمرار، كقوله تعالى {لم يَلِدْ ولم يولَدْ} ، ويجوز عَدَمه، ولذلك يصِحُّ أن تقول "لم أفعل ثمَّ فعلت" .
وأما "لمّا" فهي للنفي المستغرق جميع أجزاء الزمانِ الماضي، حتى يَتصل بِالحالِ، ولذلك لا يصحُّ أن تقول "لمّا أفعلْ ثم فعلت" ، لأنَّ معنى قولكَ "لمّا أفعل" أنك لم تفعل حتى الآن، وقولك "ثم فعلتُ" يناقضُ ذلك. لهذا تُسمّى "حرفَ استغراقٍ" أيضاً لأن النفي بها يستغرق الزمانَ الماضيَ كله.
(2) أن المنفي لم لا يتوقَّع حصوله، والمنفيَّ بِلمّا مُتوقَّع الحصول، فإذا قلتَ "لمّا أسافِرْ" فسفركَ مُنتظَرٌ.
(3) يجوز وقوع "لم" بعد أَداةِ شرط، نحو "إن لم تجتهد تندم" . ولا يجوز وقوع "لمّا" بعدها.
(4) يجوز حذفُ مجزومِ "لمَّا" ، نحو "قاربت المدينة ولمَّا" ، أَي "لوما أُدخلْها" . ولا يجوز ذلك في مجزوم "لم" ، إلا في الضرورة، كقول الشاعر [من الكامل]
احفَظْ وَديعَتَكَ التي استُودعتَها ... يومَ الأَعازِبِ، انْ وَصلتَ وانْ لمِ
أي "وإن لم تَصِلْ" ويُروى "إن وُصِلْتَ" بالمجهول، فيكون التقديرُ (وإنْ لم توصَلْ) ، قال العينيُّ وهو الصواب.
ولامُ الأمرِ يُطلَبُ بها إحداثُ فعلٍ، نحو {لِيُنفقْ ذو سَعةٍ من سَعَتِه} .
ولا الناهية يُطلَبُ بها تركُه، نحو {ولا تَجعلْ يَدكَ مغلولة إلى عُنُقِكَ، ولا تَبسُطها كلَّ البسطِ، فَتَقعُدَ ملوماً محسوراً} .
فوائد
(1) لما، الداخلة على الفعل الماضي، ليست نافية جازمة، وانما هي بمعنى "حين" فإذا قلت "لما اجتهد أكرمته" . فالمعنى حين اجتهد أكرمته. ومن الخطأ إدخالها على المضارع اذا أريد بها معنى "حين" ، فلا يقال "لما يجتهد أكرمه" بل الصواب أن يقال "حين يجتهد" ، لأنها لا تسبق المضارع إلا اذا كانت نافية جازمة.
(2) لام الأمر مكسورة، الا اذا وقعت بعد الواو والفاء فالأكثر تسكينها، نحو فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي ". وقد تسكن بعد" ثم "."
(3) تدخل لام الأمر على فعل الغائب معلوماً ومجهولاً، وعلى المخاطب والمتكلم المجهولين وتدخل "لا الناهية على الغائب والمخاطب معلومين ومجهولين. وعلى المتكلم المجهول. ويقل دخولهما على المتكلم المفرد المعلوم. فإن كان مع المتكلم غيره، فدخولهما عليه أهون وأيسر، نحو" ولنحمل خطاياكم "وقول الشاعر [من الطويل] "
إذا ما خرجنا من دمشق، فلا نعد ... لها أبداً. ما دام فيها الجراضم
وذلك لأنَّ الواحد لا يأمر نفسه، فإن كان معه غيره هان الأمر لمشاركة غيره له فيما يأمر به، وأقل من ذلك دخول الكلام على المخاطب المعلوم، لأن له صيغة خاصة وهي "إفعل" فيستغنى بها عنه.
(4) اعلم ان طلب الفعل أو تركه، ان كان من الأدنى إلى الأعلى، سمي "دعاء" تأدباً. وسميت اللام و "لا" حرفي دعاء، نحو {ليقض علينا ربك} ونحو {لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا} وكذلك الأمر بالصيغة يسمى فعل دعاء، نحو {رب اغفر لي} .
الجازم فعلين
الذي يجزم فعلين ثلاث عشرة أداة. وهي
(1) إن، نحو {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبْكم به الله} .
وهي أمُّ الباب. وغيرها مما يجزم فعلين إنما جزمها لتضمنه معناها. فإن قلت (من يزرني أكرمْه) ، فالمعنى (إن يزرني أحد أُكرمه) ولذلك بنيت أدوات الشرط لتضمنها معناها.
(2) إذ ما، كقول الشاعر [من الطويل]
وإنك إذ ما تأت ما أنت آمرٌ ... بهِ تُلْفِ مَنْ تأمرُ آتيا
وهي حرف بمعنى (إن) . وبقية الأدوات اسماء تضمنت معنى (إن) ،
فبنيت وجزمت الفعلين. وعملُها الجزم قليل. والأكثر أن تهمل ويرفع الفعلان بعدها. وذهب بعضهم إلى أنها لا تجزم إلا في ضرورة الشعر.
(وأصلها "ذا" الظرفية، لحقتها "ما" الزائدة للتوكيد فحملتها معنى "إن" ، فصارت حرفاً مثلها، لأنها لا معنى لها إلا ربط الجواب بالشرط، بخلاف بقية الأدوات فان لها، غير معنى الربط، معاني أخر، كما ستعلم. ومن النحاة كالمبرد وابن السراج والفارسي - من يجعلها اسماً معتبراً فيها معنى الظرفية) .
(3) مَن، وهي اسم مبهم للعاقل، نحو {من يفعل سوءاً يجزَ به} . (4) ما، وهي اسم مبهم لغير العاقل، نحو {وما تفعلوا من خير يعلَمْهُ الله} .
(5) مهما، وهي اسمٌ مبهم لغير العاقل أيضاً، نحو {وقالوا مَهما تأتنا به به من آية لتسحَرَنا بها، فما نحن لك بمؤمنين} .
(وهي على الصحيح، اما مركبة من "مه" التي هي اسم فعل أمر للزجر والنهي ومعناه "أكفف" ومن "ما" المتضمنة معنى الشرط، ثم جعلا كلمة مواحدة للشرط والجزاء ويدل على هذا أنها أكثر ما تستعمل في مقام الزجر والنهي. واما مركبة من (ما) الشرطية (وما) الزائدة للتوكيد، زيدت عليها كما تزاد على غيرها من أدوات الشرط ثم كرهوا أن يقولوا (ماما) فأبدلوا من ألف الأولى هاء ليختلف اللفظان) .
(6) متى، وهي اسم زمان تضمن معنى الشرط، كقول الشاعر [من الطويل]
متى تأْته تعشُو إلى ضوء ناره ... تجد خير نارٍ، عندها خيرُ موقد
وقد تلحقها "ما" الزائدة للتوكيد كقوله [من الوافر]
متى ما تلقني، فَرْدَيْنِ، تَرْجُفْ ... رَوانِفُ أَلْيَتَيْكَ وتُسْتطارا
(7) أَيّانَ، وهي اسم زمانٍ تَضمَّنَ معنى الشرطِ كقول الشاعر [من البسيط]
أَيَّانَ نُؤْمِنْكَ، تأمَنْ غيرَنا، وإذا ... لمْ تُدْرِكِ الأَمنَ منا لم تزلْ حَذِرا
وكثيراً ما تلحقُها "ما" الزائدةُ للتوكيد، كقول الآخر [من البسيط]
إذا النَّعْجَةُ الأَدْماءُ باتت بِقَفْرَةٍ ... فأيَّانَ ما تَعْدِلْ بهِ الرِّيحُ يَنْزِلِ
(وأصلها "أي إن" ، فهي مركبة من "أي" المتضمنة معنى الشرط و "آن" بمعنى حين. فصارتا بعد التركيب اسماً واحداً للشرط في الزمان المستقبل مبنياً على الفتح) .
(8) أينَ، وهي اسمُ مكانٍ، تَضمّنَ معنى الشرط، نحو "أينَ تنزِلْ أنزِلْ" وكثيراً ما تَلحقُها "ما" الزائدةُ للتوكيدِ، نحو أينما تكونوا يدرِكْكُمُ الموتُ.
(9) أنَّى، ولا تَلحقُمها "ما" ، وهي اسمُ مكانٍ تَضمن معنى الشرط، كقول الشاعر [من الطويل]
خَليلَيَّ، أنَّى تَأتيانيَ تَأتِيا ... أخاً غيرَ ما يُرَضيكُما لا يُحاوِلُ
(10) حَيثُما، وهي اسمُ مكانٍ تَضمنَ معنى الشرط، ولا تجزم إلاّ مُقترنةً بما، على الصحيح، كقول الشاعر [من الخفيف]
حَيْثُما تَستَقِمْ يُقَدِّرْ لكَ اللهُ ... نجاحاً في غابرِ الأَزمان
(11) كيفما، وهي اسمٌ مُبهَمٌ تضمَّنَ معنى الشرط، فتقتضي شرطاً وجواباً مجزومين عندَ الكوفيين، سواءٌ أَلحِقتها "ما" ، نحو "كيفما تكنْ يكنْ قرينُكَ" ، أَم لا، نحو "كيف تجلسْ أَجلسْ" .
أما البصريونَ فهي عندهم بمنزلة "إذ" ، تقتضي شرطاً وجزاءً، ولا تجزمُ، فهما بعدها مرفوعان غير أنها بالاتفاق تقتضي فعلينِ مُتفقَيِ اللفظ والمعنى، كما رأَيتَ سواءٌ أَجزمتَ بها أَم لم تجزم.
(فلا يجوز أن يقال "كيفما تجلس أذهب" ، لاختلاف لفظ الفعلين ومعناهما. ولا "كيفما تكتب الكتاب أكتب القربة" ، أي أخرزها وأخيطها لاختلاف معنى الفعلين وإن اتفق لفظهما. ولا "كيفما تجلس أقعد" لاختلاف لفظ الفعلين وإن اتفق معناهما) .
(12) أيُّ. وهي اسمٌ مبهمٌ تضمنَ معنى الشرط. وهي، من بينِ أدوات الشرط، مُعربةٌ بالحركات الثلاث، لملازمتها الإضافة إلى المفرد، التي تبعدُها من شبه الحرف، الذي يقتضي بناءَ الأسماء، فمثالُها مرفوعةً "أيُّ امريءٍ يَخدْم أُمتَه تخدمْهُ" ، ومثالُها منصوبةً قولهُ تعالى أيًّاما
تدعوا فَلَهُ الأسماءُ الحسنى ، ومثالُها مجرورةً بأي قلم تكتبْ أكتبْ، وكتابَ أيٍّ تقرأْ أَقرأْ "."
"وهي ملازمة للاضافة إلى المفرد. وقد يحذف المضاف إليه فيلحقها التنوين عوضاً منه، كما في الآية الكريمة. إذ التقدير" اي اسم تدعوا "وكما في المثال الرابع، إذ التقدير" كتاب أي رجل "."
ويجوز أن تلحقها "ما" الزائدةُ للتوكيد، كالآية السابقة، وكقوله تعالى {أيما الأجلَيْن قَضيتُ فلا عُدوان عليًّ} .
(13) إذا، وقد تَلحقُها (ما) الزائدةُ للتوكيد، فيقالُ (إذا ما) . وهي اسمُ زمانٍ تضمنَ معنى الشرط. ولا تجزم إلا في الشعر، كقول الشاعر [من الكامل]
إستَغْنِ، ما أغناكَ ربُّكَ، بالغِنى ... وإذا تُصِبْكَ خَصاصَةٌ فَتَجَمَّلِ
وقد يُجزَمُ بها في النثر على قِلَّة ومنه حديثُ علي وفاطمة، رضيَ الله عنهما "إذا أخذتُما مَضاجِعَكما، تُكَبِّرا أربعاً وثلاثين" .
والفرقُ بين (إنْ) أن الأولى تدخل على ما يُشَكُّ في حصولهِ. والثانية تَدخل على ما هو مُحقّقُ الحصول. فإن قلتَ (إن جئت أكرمتك) ، فأنتَ شاكٌّ في مجيئه، وإن قلتَ (إذا جئت أَكرمتُكَ) ، فأنتَ على يقين من مجيئه.
(والجزم باذا شاذ، للمنافاة بينها وبين "إن" الشرطية. وذلك أن أدواتِ الشرط إنما تجزم لتضمنها معنى "إن" التي هي موضوعة للابهام والشك، وكلمة "إذا" موضوعة للتحقيق فهما متنافيتان) .
الشَّرطُ والجواب
يجب في الشرط أن يكون فعلاً خبَريا، مُتصرفاً، غيرَ مُقترنٍ بقَدْ، أو لن، أو ما النافيةِ، أو السين أو سوف.
فإن وقع اسمٌ بعد أداةٍ من أدوات الشرط، فَهُناك فعلٌ مُقدَّرٌ، كقوله تعالى {وإن أحد من المشركين استجارَك فأجِرْهُ} ، فأحدٌ فاعلٌ لفعلٍ محذوف، هو فعل الشرط. وجملةُ "استجارك" المذكورةُ مُفسرةٌ للفعل المحذوف.
المراد بالفعل الخيريّ ما ليس أمراً، ولا نهياً ولا مسبوقاً بأداة من أدوات الطلب - كالاستفهام والعَرْضِ والتّحضيض - فلذلك كلُّه لا يقَعُ فعلا للشرط.
والأصل في جواب الشرط أن يكون كفعل الشرطِ. أي الأصلُ فيه أن يكون صالحاً لأن يكون شرطاً. غير أنه قد يقعُ جواباً ما هو غير صالحٍ لأن يكون شرطاً. فيجبُ حينئذٍ اقترانه بالفاءِ لتربِطَهُ بالشرط، بسبب فقْدِ المناسبةِ اللفظيَّة حينئذٍ بينهما. وتكون الجملةُ برُمَّتها في محلِّ جزمٍ على أنها جواب الشرط.
وتسمى هذه الفاء "فاءَ الجواب" ، لِوُقوعها في جواب الشرط، وفاءَ الربط "، لربطها الجواب بالشرط."
مَواضِعُ رَبْطِ الجوابِ بالفاءِ
يجب ربطُ جوابِ الشرط بالفاءِ في اثنيْ عشرَ موضعاً.
الأول أَن يكون الجوابُ جملةً اسميةً نحو. {وإن يَمْسَسْك بخير فهو على كل شيءٍ قديرٌ} .
الثاني أن يكونَ فعلا جامداً، نحو {إن تَرَني أنا أقَلَّ منك مالاً وولداً، فعسى ربِّي أَن يؤتيني خيراً من جَنَّتكَ} .
الثالثُ أَن يكون فعلاً طَلبياً، نحو {قُل إن كنتم تُحبونَ اللهَ، فاتَّبعوني يُحْبِبكمُ اللهُ} .
الرابعُ: أن يكون ماضياً لفظاً ومعنىً، وحينئذٍ يجبُ أَن يكون مقترناً بقَدْ ظاهرةً، نحو: {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} [يوسف: 77] . أو مُقدَّرةٌ، نحو: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} [يوسف: 26] .
(ولو لم تقدر "قد" لوجب أن يكون الفعل الماضي هنا مستقبل المعنى، وليس الأمر كذلك. أَلا ترى أَنك ان قلت "إن جئتني أَكرمتك" ، كان المعنى "إن تجئني أكرمتك" وان قلت "ان جئتني فقد أكرمتك" فالمعنى "إن تجئني فقد سبق إكرامي إياك فيما مضى" ) .
الخامسُ: أَن يقترن بقَدْ، نحو: "إن تَذهبْ فقد أَذهبُ" .
السادسُ: أن يقترنَ بما النافية، نحو: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ} [يونس: 72] .
السابعُ: أن يقترنَ بِلَنْ، نحو: {وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ} [آل عمران: 115] .
الثامنُ: أَن يقترنَ بالسين، نحو: {وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً} [النساء: 172] .
التاسعُ: أن يقترنَ بسوفَ، نحو: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ} [التوبة: 28] . والعيلةُ: الفقر.
العاشر أن يُصدَّرَ بِرُبَّ، نحو "إن تجيءْ فربما أجيءُ" .
الحادي عشرَ أن يُصدَّرَ بكأنما، نحو {إنهُ من قتلَ نَفْساً بغيرِ نَفسٍ، أو فسادٍ في الأرضِ، فكأنما قتلَ الناسَ جميعاً} .
الثاني عشرَ أن يُصدَّر بأداةِ شرط، نحو {وإن كان كبُرَ عليك إعراضُهم، فإن استطعتَ أن تبتغيَ نَفقاً في الأرضِ أو سُلَّماً في السماء فتأتيهم بآيةٍ} ، ونحو أَن تقولَ من يُجاوِرْك، فإن كان حسنَ الخُلقِ فتقرَّبْ منه "."
فإن كان الجوابُ صالحاً لأن يكون شرطاً فلا حاجة إلى ربطه بالفاء، لأن بينَهما مُناسبةً لفظيّة تُغني عن ربطه بها. إِلا أن يكون مُضارعاً مُثبتاً، أو منفيًّا بلا، فيجوز أن يُربطَ بها وأن لا يُربط. وتركُ الرابطِ أكثرُ استعمالاً، نحو "إن تَعودوا نَعدْ" ، ومن الربط بها قوله تعالى {ومن عاد فينتقمُ اللهُ منه} وقولهُ {فَمَن يُؤْمنْ بربّه، فلا يخافُ بخْساً ولا رَهَقاً} .
وقد تَخلُف فاءَ الجوابِ "إذا" الفجائيّةُ، إن كانت الأداةُ "إن" أو "إذا" وكان الجوابُ جملةً اسميّةً خبريَّةً غيرَ مقترنةٍ بأداةِ نفيِ أو "إنَّ" ، نحو {إن تُصِبْهم سَيّئةٌ بما قدّمتْ أيديهم، إذا هُمْ يُقنَطون} ، ونحو {فإذا أصاب به مَن يشاءُ مِن عباده، إذا هُم يَستبشرون} .
حذفُ فعْلِ الشَّرط
قد يُحذفُ فعلُ الشرطِ بعدَ "إن" المُردَفةِ بِلا، نحو "تَكلَّمْ بخيرٍ، وإلاّ فاسكتْ قال الشاعر [من الوافر] "
فطلقها، فلسْتَ لَها بِكُفءٍ ... وإلا يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسامُ
وقد يكون ذلك بعد "مَنْ" مُردَفةً بِلا، كقولهم "مَنْ يُسَلِّمْ عليكْ"
فسلّمْ عليه، ومن لا، فلا تعبأْ به "."
ومما يحذفُ فيه فعلُ الشرطِ أن يقعَ الجوابُ بعدَ الطلب، نحو "جُد تسُدْ" والتقديرُ "جُدْ، فإن تَجُدْ تسُدْ" .
حذف جواب الشَّرط
يُحذَفُ جوابَ الشرطِ إن دلَّ عليه دليلٌ، بشرط أن يكون الشرطُ ماضياً لفظاً، نحو "أنتَ فائزٌ إنِ اجتهدتَ" ، أو مضارعاً مُقترناً بِلَمْ، نحو "أنتَ خاسرٌ إن لم تجتهدْ" .
(ولا يجوز أن يقال "أنت فائز إن تجتهد" ، لأن الشرط غير ماض، ولا مقترن بلم) .
ويُحذفُ إما جوازاً، وإما وجوباً.
فَيُحذفُ جوازاً، إن لم يكن في الكلام ما يَصلُحُ لأن يكونَ جواباً، وذلك بأن يُشعِرَ الشرطُ نفسُهُ بالجواب، نحو "فإن استطعتَ أن تبتغي نَفَقاً في الأرض أو سُلَّماً في السماء" . أي إن استطعتَ فافعل، أو بأن يقعَ الشرط جواباً لكلام، كأن يقول قائل أَتُكرمُ سعيداً "، فتقولُ" إن اجتهدَ "، أي" إن اجتهد أُكرمْهُ "."
ويُحذفُ وجوباً، إن كان ما يَدُل عليه جواباً في المعنى. ولا فرق بين أن يتقدَّم الدال على جواب الشرط، نحو "أَنت فائزٌ إن اجتهدتَ" أو يتأخرَ
عنه، كأن يَتَوسَّطَ الشرط بين القسم وجوابهِ، نحو "واللهِ، إن قمتَ لا أقومُ" أو يَكتنفَهُ، كأن يَتوَّسط الشرطُ بينَ جُزءَي ما يدُل على جوابه نحو "أنتَ، إن اجتهدتَ، فائزٌ" .
فائدة
الشرطُ يقتضي جواباً، والقسم كذلك. فإن اجتمعَ شرطٌ وقسمٌ ولم يسبقهما ما يقتضي خبراً، كالمبتدأ أو ما أَصله المبتدأ، كان الجواب للسابق، وكان جواب المتأخر محذوفاً، لدلالة جوابِ الأول عليه. فأن قلتَ "إن قُمتَ، والله، أقُم" فأقُمْ جوابُ الشرط، وجوابُ القسَم محذوف، لدلالة جواب الشرط عليه. وإن قلتَ واللهِ، إن قمت لأقُومنَّ، فأقومنَّ جوابُ القسم، وجواب الشرط محذوف، لدلالة جواب القسم عليه، قال تعالى {قُلْ لَئنِ اجتمعت الإنس والجنُّ على أن يأتوا بمثلِ هذا القرآن، لا يأتون بمثلهِ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} . فجملة (لا يأتون) جوابُ القسمِ المدلولِ عليه باللام، لأن التقدر "والله لئن اجتمعت" . وجواب الشرط محذوف، دلَّ عليه جوابُ القسم.
وقد يُعطى الجواب للشرط، معَ تقدمِ القسم، في ضرورة الشعر كقوله [من الطويل]
لَئِنْ كانَ ما حُدِّثْتُهُ اليوم صادقاً ... أصُمْ في نَهارِ القَيْظِ، للشَّمْسِ باديا
وأَركَبْ حماراً بين سَرْجٍ وفَروةٍ ... وأُعْرِ منَ الخاتامِ صُغْرى شِماليا
فإن تقدَّم عليهما ما يقتضي خبراً، جاز جعل الجواب للشرط، وجازَ جعلُهُ للقسم. فإن جعلته للقسم. قلت "زهيرٌ، والله إن يجتهد، لأكرمنَّه" وإن أعطيته للشرط، قلت "زهيرٌ واللهِ، إن يجتهد أُكرمْه، ومن العلماء من أوجب إعطاءَ الجواب للشرط. ولا ريب أَن جعله للشرط أََرجح، سواءٌ أتقدَّم الشرطُ على القسم، أم تأخرَ عنه. أَما إذا لم يتقدمهما ما يقتضي خبراً، فالجواب للسابق منهما، كما أَسلفنا."
حذفُ الشَّرط والجواب معاً
قد يُحذفُ الشرطُ والجوابُ معاً، وتبقى الأداةُ وحدَها، إن دَل عليهما دليل، وذلك خاصّ بالشعر للضرورة، كقوله [من الرجز]
قالتْ بناتُ العمِّ يا سَلْمَى، وإنْ ... كانَ فقيراً مُعْدِماً؟ قالت وإنْ
أي وإن كان فقيراً مُعدِماً فقد رضيتُهُ. وقول الآخر [من المتقارب]
فإنَّ المنِيَّةَ، مَنْ يخشها ... فَسَوْفَ تُصادِفُهُ أيْنَما
أَي أَينما يذهبْ تُصادفه.
وقيل يجوزُ في النَّثر على قلَّة. أما إن بقي شيءٌ من مُتعلّقات الشرط والجواب، فيجوز حذفهما في شعر ونثرٍ، ومنه قولهم "من سلَّمَ عليك، فسلَّم عليه، ومن لا فلا" ، أي ومن لا يُسلَّمْ عليك، لا تسلمْ عليه، ومنهُ حديثُ أبي داود من فعلَ فقد أحسنَ، ومن لا فلا، أي "ومن لم يفعلْ فما أحسنَ" ، وقولهم "الناسُ مَجزِيونَ بأعمالهم" إن خيراً فخيراً، وإن شرًّا فشرًّا "، أي" إن عملوا خيراً، فيُجزَونَ خيراً، وإن عملوا شرًّا فيُجْزَوْنَ شرًّا "."
(ويجوز أن تقول "إن خيراً فخيراً وان شراً فشر" برفع ما بعد الفاء على أنه خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير فجزاؤهم خير، فجزاؤهم شر, فتكون الجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم على أنها جواب الشرط) .
الجزمُ بالطَّلَب
إذا وقعَ المضارعُ جواباً بعد الطلبِ يُجزَمُ كأن يقع بعد أمر أو نهيٍ، أو استفهامٍ أو عَرض، أو تحضيضٍ، أو تَمَنٍّ أو ترجٍّ، نحو "تَعلَّم تَفزْ" لا تَكسلْ تَسُدْ. هَلْ تَفعلُ خيراً، تُؤْجَرْ. أَلا تزورُنا تكنْ مسروراً. هلا تجتهدُ تنلْ خيراً، ليتَني اجتهدتُ أَكنْ مسروراً. هلاّ تجتهدُ تنلْ خيراً. ليتني اجتهدتُ أكن مسروراً. لعلكَ تُطيعُ اله تَفُزْ بالسعادة "."
وجزمُ الفعلِ بعد الطَّلبِ، إنما هو بإن المحذوفةِ معَ فعلِ الشرط. فتقدير قولك جُدْ تَسُدْ "جُدْ، فإن تَجُدْ تَسُدْ" . وتقديرُ قولك هل تفعل خيراً؟ تُؤْجَرْ "هل تفعلُ خيراً؟ فإن تفعل خيراً تؤْجرْ" وقِس على ذلك. وقيل إن الجزم بالطلبِ نفسِه لتضمنهِ معنى الشرطِ.
واعلم أنَّ الطلب لا يُشترط فيه أن يكون بصيغة الأمر، أو النهي، أو الاستفهام، أو غيرها من صيغ الطلب. بل يُجزم الفعل بعد الكلام الخبريّ، إن كان طلباً في المعنى، كقولك "تُطيع أَبَويَكَ، تلقَ خيراً" ،
أَي أَطعهما تلقَ خيراً. ومنه قولهم "إتَّقى اللهَ امرؤٌ فعلَ خيراً، يُثبْ عليه" . أي لِتَّقِ اللهَ، وليفعلْ خيراً يُثَبْ عليه. ومن ذلك قوله تعالى {هل أدُلُّكم على تجارة تُنجيكم من عذاب أَليم؟ تُؤمنو بالله ورسولهِ، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون، يَغفرْ لكم ذُنوبكم} ، أَي آمنوا وجاهدوا يَغْفر لكم ذنوبكم. والجزمُ ليس لأنه جواب الاستفهام، في صدر الآية، لأن غفران الذنوب ليس مرتبطاً بالدلالة على التجارة الرابحة، لأنه قد تكون الدلالة على الخير، ولا يكون أثرها من مباشرة فعل الخير. وإنما الجزم لوقوع الفعل جواباً لقوله {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله} ، لأنهما بمعنى آمنوا وجاهدوا.
فالمضارعُ، في كل ما تقدَّم، مجزومٌ لأنه جوابُ طلبٍ في المعنى، وإن كان خبراً في اللفظ.
فوائد
(1) لا يجبُ أن يكونَ الأمرُ بلفظِ الفعلِ ليَصحَّ الجزمُ بعدَهُ، بل يجوزُ أن يكون أيضاً اسمَ فعل أَمرٍ، نحو "صَهْ عن القبيح تُؤْلفْ" . وجملةً خبريَّةً يُراد بها الطَّلَب (كما تقدَّم) ، نحو (يَرزُقُنيَ اللهُ مالاً انفعْ به الأمة) أَي لِيرزقني، "حسْبُك الحديثُ يَنَمِ الناسُ" .
(2) يُشترَطُ لصحّة الجزم بعد النهي أن يصحَّ دخولُ (إن) الشرطية عليه، نحو {لا تَدنُ من الشر تَسْلَمْ} ، إذ يصحُّ أَن تقول "إلا تدنُ من الشر تسلم" . فإن لم يَصلحُ دخولُ إن عليه، وجب رفعُ الفعل بعدَهُ، نحو "لا تَدنُ من الشرّ تهلكُ" ، برفع تهلك، إذ لا يصحُّ أن نقولَ "إلاّ تدن من الشر تَهلك" ، لفساد المعنى المقصود وأَجاز ذلك الكسائيُّ.
(3) لا يُجزَمُ الفعلُ بعد الطلب إلا إذا قُصدَ الجزاءُ. بأن يُقصدَ بيانُ أن الفعلَ مسبّبٌ عما قبلهُ، كما أن جزاءَ الشرط مُسببٌ عن الشرط. فإن لم يُقصد ذلك، وجبَ الرفعُ إذ ليس هناك شرطٌ مُقدَّر، ومنه قوله تعالى {ولا تَمْنُنْ تَسْتَكثِرْ} ، وقولهُ "فَهَبْ لي من لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُني وقوله {فاضربْ لهم طريقاً في البحر يَبَساً، لا تخافُ دَرَكاً ولا تخشى} وقولهُ {خُذْ من أموالهم صَدَةً تُطَهِّرُهم} ."
(4) إذا سقطت فاءُ السببيّة التي يُنْصَبُ المضارعُ بعده، وكانت مسبوقةً بما يَدُلُّ على الطَّلب، يُجزَمُ المضارعُ إن قُصِدَ بقاءُ ارتباطه بما قبلهُ ارتباطَ المُسبَّب، كما مَرَّ. فإن اسقطتَ الفاءَ من قولك "جئني فأكرمَك" جزمتَ ما بعدها، فقلتَ "جئني أُكرمْكَ" .
وقد أوضحنا هذا وما قبله، من قبلُ، في الكلام على "فاء السببية" .
اعرابُ الشَّرط والجواب
الشرطُ والجوابُ يكونانِ مُضارعينِ، وماضيَين، ويكون الأولُ ماضياً والثاني مضارعاً. والأول مضارعاً والثاني ماضياً، وهو قليلٌ، ويكون الأول مضارعاً أو ماضياً، والثاني جُملةً مُقْترنة بالفاء أَو بإذا.
فإن كانا مضارعين، وجب جزمُهما، نحو {إن يَنتَهوا يُغفَرْ لهم ما قد سَلَفَ} ورفع الجواب ضعيفٌ كقوله [من الطويل]
فَقُلْتُ تَحَمَّلْ فوْقَ طَوْقِك، إنّها ... مُطَبَّعةٌ، مَنْ يَأتِها لا يضيرُها
وعليه قراءَة بعضهم {أينما تكونوا يُدركُكُم الموتُ} بالرفع.
وإن كان الأول ماضياً، أو مضارعاً مسبوقاً بِلمْ، والثاني مضارعاً، جاز في الجواب الجزم والرفع. فإن رفعتَ كانت جملته في محل جزم، على أنها جواب الشرط. والجزمُ أَحسنُ، والرفعْ حسَنٌ. ومن الجزم قوله تعالى {من كان يُريد زينةَ الحياةِ الدُّنيا نُوفِّ اليهم أَعمالهمْ} . ومن الرفع قول الشاعر [من البسيط]
وإِنْ أتاهُ خليلٌ يومَ مَسْغَبةٍ ... يَقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرم
ونقول في المضارع المسبوقِ بِلمْ "إن لم تقُم أقُمْ. إن لَم تَقْمْ أقومُ" ، يجزم الجواب ورفعه.
وإن كان الأول مضارعاً والثاني ماضياً (وذلك قليلٌ وليس خاصاً بالضرورة، كما زعمه بعضهم) ، وجبَ جزمُ الأول، كحديثِ "من يَقْمْ ليلةَ القَدْرِ ايماناً واحتساباً، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبهِ" . ومنه قول الشاعر [من البسيط]
أنْ يَسْمعُوا سُبَّةً طاروا بها فَرَحاً، ... عَنِّي، وما يَسمَعوا من صالحٍ دَفَنُوا
وان وقع الماضي شرطاً أو جواباً، جُزمَ محلاًّ نحو {ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} .
وان كان الجواب مضارعاً مقترناً بالفاء، نحو "ومن عادَ فيَنتَقمُ اللهُ منه" ، امتنعَ جزمُه، لأنَّ العربَ التزمت رفعَه بعدها. وتكونُ جملته في محلِّ جزمٍ، على أنها جواب الشرط.
وان كان الجوابُ جملة مُقترنة بالفاء أو (اذا) ، كانت الجملة في محلّ جزمٍ، على أنها جوابُ الشرطِ، نحو " {أن تَستفتحوا فقد جاءكم الفتحُ، وان تنتهوا فهو خيرٌ لكم} ، ونحو {وان تُصبْهم سَيئةٌ بما قدَّمتْ أيديهم، اذا هم يَقْنَطونَ} ."
فوائد
اذا وقع فعلٌ مقرونٌ بالواو أو الفاء (وزاد بعضهم أو وثمَّ) بعد جواب شرطٍ جازمٍ، جاز فيه الجزم، بالعطف على الجواب. وجاز فيه الرفع على أنه جملةٌ مستأنفةٌ. وجاز النصبُ بأنْ مقدَّرةً وجوباً، وهو قليلٌ. وقد قُرِئَت الآيةُ {وان تُبْدوا ما في أنفسكم، أو تُخفوهُ، يُحاسبْكم به اللهُ، فيغفرْ لِمن يشاءُ} ، يجزم (يغفرْ) في قراءَة غيرِ عاصمٍ من السبعةِ، وبرفعه في قراءَته، وبالنصب لابنِ عبَّاسٍ شُذوذاً. ومن النصب قول الشاعر [من الوافر]
متى ما تَلْقَني فَرْدَينِ تَرْجُفُ ... رَوانِفُ الْيَتَيك وتُسْتطارا
(1) اذا وقع الفعلُ المقرونُ بالواو أَو الفاء بين فعلِ الشرط وجوابه، جاز فيه الجزم وهو الأكثرُ، وجاز النصب، وامتنع الرفع نحو "ان تستقمْ وتجتهد أكرِمْكَ" ، بجزم (تجتهدْ) ، عطفاً على تَستقِمْ، وبنصبِه بأن مُقدَّرة وجوباً. وانما امتنع الرفعُ لأنه يقتضي الاستئناف قبل تمام جملة الشرط
والجواب، لأنَّ الفعلَ متوسط بينهما. وذلك ممنوعٌ، لأنه لا معنى للاستئنافٍ حينئذٍ. ومن النصب قول الشاعر [من الطويل]
ومَنْ يَقترِبْ منا، ويخْضَعَ، نُؤْوِهِ ... ولا يخشَ ظلماً، ما أقامَ، ولا هَضْما
وقول الآخر [من الطويل]
ومَنْ لا يُقدِّمْ رِجْلَهُ مُطمَئِنّةً ... فَيُثْبتَها في مُسْتَوى الأَرضِ، يَزْلَقِ
(3) ان وقع فعلٌ مجردٌ من العاطف بعد فعلِ الشرط، ولم يقصد به الجواب، أَو وقعَ بعدَ تمامِ الشرط والجواب، جاز جزمُه، على أنه بَدلٌ مما قبله. وجاز رفعُه، على أَنه جملةٌ في موضع الحال من فاعل ما قبله. فمن الجزم بعد فعل الشرط قول الشاعر [من الطويل]
متى تأتنا تُلْمِمْ بِنا في دِيارِنا ... تَجدْ حَطَباً جَزْلاً وناراً تأجَّجا
ومن الرفع بعده قول الآخر [من الطويل]
متى تأته تعْشو إلى ضَوْء نارِه ... تَجِدْ خَيرَ نارٍ، عِنْدها خيرُ مُوقِدِ
ومن الجزم والرفع، بعد تمام الشرط والجواب، قوله تعالى " {ومن يَفعلْ ذلك يَلق أثاماً} يُضاعف له العذابُ" . وقد قُرِيءَ "يُضاعفْ" ، بالجزم على أَنه بَدلٌ من "يلقَ" . وبالرفع على أنه جملةٌ حاليَّةٌ من فاعل يَلقَ "، أَو على أَنه جملةٌ مستأنفةٌ."
إعرابُ أَدَوات الشرط
أدوات الشرطِ منها ما هو حرفٌ، وهما "إنْ وإذْ ما" (على خلافٍ في "إذْ ما" كما تَقدَّم) . ومنها ما هو اسمٌ مُبهَمٌ تضمّن معنى الشرط، وهي "من وما ومهما وأَيْ وكيفما" ومنها ما هو ظرفُ زمانٍ تضمنَ معنى الشرط، وهي "أَينَ وأنَّى وأيَّانَ ومتى وإذ."
ومنها ما هو ظرفُ مكان تضمّنَ معنى الشرطِ، وهي "حينما" .
فما دلّ على زمانٍ أو مكانٍ، فهو منصوب محلاًّ على أنه مفعولٌ به لفعل الشرط.
و "من وما ومهما" إن كان فعلُ الشرط يطلُبُ مفعولاُ به، فهي منصوبةٌ محلاًّ على انها مفعولٌ به لهُ، نحو "ما تُحصَّلْ في الصِّغر ينفعكَ في الكِبَر. من تُجاوِرْ فأحسِنْ إليه. مهما تفعلْ تُسأل عنهُ" . وإن كان لازماً أو متعدِّياً استوفى مفعولَهُ، فهي مرفوعةٌ محلاًّ على أنها مبتدأٌ، وجملةُ الشرط خبرهُ، نحو "ما يجيء به القدَر، فلا مَفرَّ منهُ. من يَجُدَّ يجِدْ، مهما ينزل بك من خطبٍ فاحتمله ما تَفْعلْهُ تَلقَهُ" مَنْ تَلْقَهُ فسلَّمْ عليه، مهما تفعلوه تجدوه "."
و "كيفما" تكونُ في موضع نصبٍ على الحال من فاعل فعلِ الشرط، نحو "كيفما تكنْ يكنْ أبناؤُكَ" .
و "أي" تكونُ بحسَبِ ما تُضافُ إليه، فإن أُضيفت إلى زمانٍ أو مكان، كانت مفعولاً فيه، نحو "أيَّ يوم تذهبْ أذهبْ" . ايَّ بلدٍ تسكن أسكنْ "وإن أُضيفت إلى مصدر كانت مفعولاً مُطلقاً، نحو" أيَّ إكرامٍ تُكرِمْ أُكرِمْ "وإن أُضيفت إلى غير الظرف والمصدر، فحكمها حكمُ" من وما ومهما "، فتكونُ مفعولاً به في نحو" أيَّ كتابٍ تقرأْ تَستفد ". ومبتدأ في نحو" أَيُّ رجلٍ يَجُدْ يَسُدْ. أَيُّ رجلٍ يخدمْ أُمّتَه تَخدمْهُ ". وكلُّ أدوات الشرط مبنيةٌ، إلاّ" أَيًّا "فهي معربَةٌ بالحركات الثلاث، مُلازِمةٌ للاضافة إلى المفرد، كما رأَيتَ."
(إعراب الأسماء وبناؤها)
(المعرب والمبني من الأَسماء)
الأسماء كلُّها مُعربةٌ إلاّ قليلاً منها.
ويُعرَبُ الاسمُ إذا سلمَ من شَبَهِ الحرفِ. ويُبنى إذا أَشبهَه في الوضعِ أو المعنى، أو الافتقارِ، أو الاستعمال.
فالشبَهُ على أربعةِ أضرُبٍ
الأولُ الشبَهُ الوضعيُّ. بأن يكونَ الإسمُ موضوعاً على حرفٍ واحدٍ، كالتاء من "كتبتُ" ، أو على حرفين، كنا من "كتبنا" .
(فالضمائر بنيت لأنها أشبهت الحرف في الوضع، لأن أكثرها موضوع على حرف أو حرفين. وما كان منها موضوعاً على أكثر، فإنما بني حملا على أخواته، وذلك لأن أقل ما يبنى منه الاسم ثلاثة أَحرف، فما ورد من الأسماء على أقل من ذلك، كان مبنياً لشبهه الحرف في الوضع. وأما نحو "يد ودم" ، فهو معرب. لأنه في الأصل ثلاثة أحرف. "دمَو ويديْ" ) .
الثاني الشبَهُ المعنوي. بأن يُشبِهَ الإسمُ الحرفَ في معناه. وهو قسمانِ أحدُهما ما أشبهَ حرفاً موجوداً، كأسماءِ الشرط وأسماءِ الاستفهام. والآخرُ ما أشبهَ حرفاً غيرَ موجودٍ، حقهُ أن يوضعَ فلم يُوضع، كأسماءِ الإشارة.
(فهذه الأسماء بنيت لتضمنها معاني الحروف، لأن ما تحمله من المعنى حقه أَن يؤدى بالحرف. فأسماء الشرط أشبهت حرف الشرط، وهو "إن" وأسماء الإستفهام أشبهت حرف الإستفهام، وهو الهمزة، وأَسماء الإشارة أشبهت حرفاً غير موجود. فبنيت لتضمنها معنى حرف كان ينبغي أن يوضع فلم يضعوه. وذلك لأن الإشارة، من المعاني التي حقها أن تؤدى بالحرف، غير انهم لم يضعوا حرفاً للاشارة، كما وضعوا للتمني "ليت" ، وللترجي "لعل" ، وللاستفهام "الهمزة وهل" ، وللشرط "إن" .
الثالثُ الشبَه الافتقاريُّ الملازِمُ بأن يحتاجَ إلى ما بعدَهُ احتياجاً دائماً، ليُتَمَّمَ معناه. وذلك كالأسماء الموصولةِ وبعضِ الظروف الملازمةِ للاضافة إِلى الجملةِ.
(فالأسماء الموصولة بنيت لافتقارها في جميع أحوالها إلى الصلة التي تتمم معناها، كما يفتقر الحرف إلى ما بعده ليظهر معناه، والظروف الملازمة للاضافة إلى الجملة، كحيث وإذا ومنذ الظرفيتين، إنما بنيت لافتقارها إلى جملة تضاف اليها افتقار الحرف إلى ما بعده) .
الرابعُ الشبَهُ الاستعماليُّ. وهو نوعان نوعٌ يشبهُ الحرف العاملَ في الاستعمال، كأسماء الأفعالِ، فهي تُستعملُ مُؤَثرةً غيرَ متأثرة، لأنها تعملُ عمَل الفعلِ "ولا يعملُ فيها غيرُها، فهي كحروف الجرّ وغيرها من الحروف العواملُ تُؤثرُ في غيرها ولا يُؤثرُ غيرُها فيها. ونوعٌ يُشبهُ الحرفَ العاطل،"
(أَي غيرَ العاملَ) في الاستعمالِ، من حيثُ إنهُ مِثْلُه لا يؤثرُ ولا يَتأثرُ، كأسماء الأصواتِ، فهي كحرفي الاستفهامِ وحروفِ التنبيهِ والتحضيض وغيرِها من الحروفِ العواطل، لا تعمل في غيرها، ولا يعمل غيرها فيها.
(الأسماء المبنية)
الأصلُ في الأسماء الإعرابُ، وإنما يُبنى منها ما أَشبهَ الحرفَ كما قَدَّمنا، وهو أَلفاظٌ محصورة.
والأسماءُ المبنيَّةُ على نوعينِ نوعٍ يُلازمُ البناءَ، ونوع يُبنى في بعض الأحوال.
المُلازمُ للبناء من الأَسماء
مما يلازمُ البناءَ من الأسماء الضمائرُ وأسماءُ الإشارة، والأسماءُ الموصولةُ، وأسماءُ الشرطِ، وأسماءُ الاستفهام، وأَسماءُ الكناية، وأَسماءُ الأفعالِ، واسماءُ الأصوات.
ومنه "لَدَى وَلدُنْ والآنَ وأَمسِ وقَدُّ وعوْضُ" ، من الظروف.
و "قَطُّ" ظرفٌ للزمان الماضي على سبيل الاستغراق. و "عَوْضُ" ظرفٌ للزمان المستقبل كذلك، فهو بمعنى "أَبداً" ، تقول "ما فعلتهُ قطُّ، ولا أَفعلهُ عوْضُ" أي لا أَفعلُهُ أَبداً.
ومنه الظروفُ الملازمة للاضافة إلى الجملة، كحيثُ وإذ وإذا ومذ ومُنذُ، إن جُعلا ظرفين.
فحيثُ، ملازمةٌ للاضافة إلى الجملة، فإن أَتى بعدَها مفرَدٌ رفعَ على أَنه مبتدأٌ "ونوِيَ خَبرُهُ، نحو" لا تجلس إلاّ حيثُ العلمْ "أَي حيثُ العلمُ موجودٌ."
و "مُذ ومنذُ" معناهما إما ابتداءُ المدَّة، نحو "ما رايتك مُذ يومُ الجمعة" ، وإما جميعُها، نحو "ما رأيتك منذُ يومان" . والاسم بعدهما مرفوعٌ على أَنه فاعلٌ لفعل محذوف، والتقديرُ "مُذ كان يومُ الجمعة، ومنذ كان يومانِ" (وكان هنا تامَّة لا ناقصة) . فإن جَررَت بهما كانا حرفي جَرّ، وليسا بظرفين.
و "إذْ" ظرفٌ لما مضى من الزمان "وإذا" ظرفٌ للمستقبل منه. وهما مضافان أَبداً إلى الجُمل، إلاّ أَنَّ "إذْ" تُضافُ إلى كلتا الجملتين، و "إذا" لا تضافُ إلى الجملة الفعلية.
ومنه المركَّبُ المزجي، الذي تضمّنَ ثانيهِ معنى حرف العطف، أَو كان مختوماً بكلمة "وَيّهِ" . فالأول كأحدَ عشَرَ إلى تسعةَ عشرَ، إلاّ اثنيْ عشَرَ، ونحو "وَقعُوا في حَيْصَ بَيْصَ، وهو جاري بَيتَ بَيتَ، والأمرُ بَيْنَ بَيْنَ، وآتيكَ صباحَ مساءَ وتفرَّق العدوُّ شَذَرَ مذَرَ" . وهو مبنيٌّ على فتح الجزءَين. والثاني نحو "جاءَ سيبَويهِ، ومررتُ بسيبويهِ" . وحرفُ التعريفِ والإضافةُ لا يُخِلاّن ببناءِ العددِ المركب. كالأحدَ عشَرَ وخمسَةَ عَشَر.
(وما لم يكن منه متضمناً معنى حرف العطف، ولا مختوماً بويه، كان
جزؤه الثاني معرباً إعراب ما لا ينصرف، للعلمية والتركيب المزجي. أَما جزؤه الأول فيبنى على الفتح كبعلبك وحضرموت وبختنصر. ما لم يكن آخره ياء فيبنى على السكون. كمعد يكرب. فان ختم بويه كسيبويه، بني جزؤه الأول على الفتح والثاني على الكسر، كما تقدم) .
(وأَما اثنا عشر فجزؤه الأول معرب إِعراب المثنى. بالألف رفعاً وبالياء نصباً وجراً وجزؤه الثاني مبني على الفتح أَبداً، ولا محل له من الإعراب. فهو بمنزلة النون من المثنى) .
ومنه ما كان على وزن "فَعالِ" علماً لأنثى. كحَذامِ ورقاشِ أَو شتماً لها. كياخَباث ويا كَذابِ. وهو مبنيٌّ على الكسر تشبيهاً له بما كان على هذا الوزنِ أَسماءِ الأفعال. كنزالِ وحَذارِ. وكما أَشبهه في الوزن. أَشبهه في العدْل أيضاً فَخباثِ معدولةٌ عن خبيثةٍ، وكذابِ معدولةٌ عن كاذبة. كما أَنَّ "نَزالِ" معدولة عن انزلْ، و "حَذارِ" عن احذَرْ. وندرَ أَن يُستعملَ ما كان على وزن "فَعالِ" في شَتْمِ الأنثى إلا معَ النداء.
ما لا يَلْزَمُ البناءَ من الأَسماء
من الظروف ما لا يُلازمُ البناءَ. فهو يُبنى في بعض الأحوال، ويُعرب في بَعضٍ. وذلك كقَبْل وبعد ودون وأَوَّل والجهاتِ الستِّ.
فما قُطعَ منها عن الإضافة لفظاً، لا تقديراً (بحيثُ لا يُنسى المضافُ إليه) بنِيَ على الضمِّ، نحو {للهِ الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ} ونحو "جلست أمامُ، ورجعتُ إلى وراءُ" .
وما اضيفَ منها لفظاً، اعرب، نحو "جئتُ قبلَ ذلك، وجلستُ أمامَ المِنبرِ" .
وما عَرِيَ منها عن الإضافة لفظاً وتقديراً (بحيثُ يُنسى المضافُ إليه لأنه لا يتعلقُ به غَرضٌ مخصوصٌ) اعرب، نحو "جئتُ قَبلا، وفعلتُ ذلك من بعدٍ" .
ويلحَق بهذه الظروف "حَسْب" عند قطعهِ عن الإضافةِ نحو "هذا حَسبُ" أي "حَسْبي" ، بمعنى يكفيني. وقد تُزادُ الفاءُ عليه تزييناً للفظِ، نحو "الكتابُ سَميري فَحسبُ" أي هو يكفيني عن غيره. وهو مبني على الضمّ.
ويلحقُ بها أَيضاً "غَير" بعدَ النَّفي، نحو فعلتُ هذا لا غيرُ "، أو" ليسَ غيرُ ". وهي مبنيٌّ على الضم أيضاً."
(أَنواع إِعراب الاسم)
أنواعُ إعرابِ الاسم ثلاثةٌ رفعٌ ونصبٌ وجَرٌّ وعلامة الإعراب فيه إما حركةٌ أو حرفٌ. والأصلُ فيه أن يُعربَ بالحركات.
المُعْرَبُ بالحَركات من الأسماء
المُعربُ بالحركة من الأسماءِ ثلاثةُ أنواعٍ الإسمُ المفرَدُ، وجمعُ التكسير، وجمعُ المؤنثِ السالمُ.
وهي تُرفعُ بالضمة، وتنصبُ بالفتحة، وتجرُّ بالكسرةِ، إِلا جمعَ المؤنث السالمَ، فيُنصبُ بالكسرةِ بدَلَ الفتحةِ، نحو "أَكرمتُ الفتياتِ المجتهداتِ" والاسمَ الذي لا ينصَرفُ، فيُجرُّ بالفتحة، بَدَل الكسرة، نحو "ما الفقير القانعُ بأفضلَ من الغني الشاكرِ" .
والحركاتُ تكونُ ظاهرةً على آخر الإسم، إن كان صحيح الآخر، غير مضاف إلى ياءِ المتكلم، نحو "الحقُّ منصورٌ" .
فإن كان معتل الآخر بالألف، تُقدَّر على آخره الحركاتُ الثلاثُ للتَّعذر، نحو "إن الهَدى مُنى الفتى" .
وإن كان معتلَّ الآخر بالياءِ تُقدَّر على آخره الضمةُ والكسرةُ، نحو "حكَم القاضي على الجاني" أما الفتحةُ فتظهرُ على الياءِ لخفَّتها، نحو "أجيبوا الداعيَ إلى الخير" .
الاسم الذي لا ينصرفُ
الاسمُ الذي لا يَنْصرفُ (ويُسمّى الممنوعَ من الصرف أيضاً) هو مالا يجوزُ أن يلحقَهُ تنوينٌ ولا كسرةٌ. كأحمدَ ويعقوبَ وعطشانَ.
وهو على نوعين نوعٍ يُمنعُ لسبب واحد، ونوع يُمنعُ لسببين.
فالممنوع من الصّرف لسببٍ واحد كلُّ اسمٍ كان في آخره ألفُ التأنيث الممدودةُ كصحراءَ وعذراءَ وزكريَّاءَ وأَنصِباءَ. أَو أَلفُهُ المقصورةُ. كحُبلى وذِكرى وجرحى. أو كان على وزن منتهى الجموع كمساجدَ ودراهمَ ومصابيحَ وعصافيرَ.
(ولا يشترط فيما كان على وزن منتهى الجموع أن يكون جمعاً. بل كل اسم جاء على هذه الصيغة - وإن كان مفرداً - فهو ممنوع من الصرف كسراويل وطباشير وشراحيل) .
والممنوع من الصّرفِ لسببين إما عَلَمٌ وإما صِفةٌ.
العَلَمُ الممنوعُ من الصَّرف
يُمنعُ العلَمُ من الصرف في سبعة مواضعَ
(1) أن يكون عَلماً مؤنثاً. سواءٌ أكان مؤنثاً بالتاءِ كفاطمةَ وعزّةَ وطلحةَ وحمزةَ، أم مؤنثاً معنويًّا كسُعادَ وزينبَ وسَقَرَ ولَظى. إلا ما كان عربياً ثلاثياً ساكن الوسطِ، كدَعْد وهند وجُمّل، فيجوز منعهُ وصرفهُ والأولى صرفه. إلا أن يكون منقولاً عن مُذكر، كأن تُسميَ امرأة بقَيّس أو سعد، فإنك تمنعه من الصرف وجوباً، وإن كان ساكن الوسط. فإن كان الثلاثيُّ الساكنُ الوسطِ أعجمياً، وجب منعُه كماهَ وجُورَ وحِمْصَ وبَلْخَ ونِيسَ ورُوزَ.
وإذا سمّيتَ مذكراً بنحو "سعاد وزينب وعَناق وعقرب وعنكبوت" من الأسماء المؤنثة وضعاً، الزائدة على ثلاثة أحرف، منعته من الصرف، العلمية والتأنيث الأصلي. فإن كان على ثلاثة أحرف، كدعدٍ وعُنُقٍ، صرفته. وإن كان التأنيث عارضاً، كدلالَ وربابَ وودادَ، أعلاماً لأنثى، منعتها من الصرف. فإن سميتَ بها مذكراً صرفتها، لأنها في الأصل مذكَّرات. فالدلال والوداد مصدران. والرباب السحاب الأبيض، وبه سُميت المرأة. أما إن سميتَ مذكراً بصفة من صفات المؤنث الخالية من التاءِ، فانك تصرفه، كأن تسميَ رجلا مُرضعاً أو مُتْئماً. والكوفيون يمنعونه من الصرف.
وأسماءُ القبائل مؤنثة. ولك فيها وجهانِ منعُها من الصرف، باعتبار أنها أعلام لمؤنثات، نحو "رأيتُ تميمَ" ، تعني القبيلةَ، ولك صرفها، باعتبار أن هناك مضافاً محذوفاً نحو "رأيت تَميماً" ، تعني بني تميم. فحذفتَ المضافَ وأقمتَ المضافَ إليه مُقامَهُ فإن قلتَ "جاءَ بنو تميم" صرفتَ تميماً قولاً واحداً. لأنك تعني بتميم أبا القبيلةِ لا القبيلةَ نفسها.
وما سُميَ به مما يُجمعُ بالألفِ والتاءِ كعَرَفاتٍ وأذرعاتٍ جاز منعه من الصرف، وجاز صرفُه وإعرابُه كأصله، وهو الأفصحُ.
وما كان على وزن "فَعالِ" علَماً لمؤنثٍ، كحذامِ وقَطامِ ورَقاش ونَوار فأهلُ الحجازِ يبنونه على الكسر، في جميع أحواله فيقولون قالت حَذامِ، وسمعتُ حَذامِ، ووعَيتُ قولَ حَذامِ ". قال الشاعر [من الوافر] "
إذا قالتْ حَذامِ فَصدِّقوها ... فإنَّ القوْلَ ما قالتْ حَذامِ
وبنو تَميم يمنعونه من الصَّرفِ
للعميّة والتأنيث، فيقولون "قالت حذامُ" ، وسمعتُ حذامَ، ووَعَيتُ قول حذامَ "."
(ومن العماء من يمنعه للعلمية والعدل، باعتبار عدل هذه الأسماء عن حاذمة وفاطمة وراقشة ونائرة. ومنعها للعلمية والتأنيث أولى) .
(2) أن يكونَ عَلماً أعجمياً زائداً على ثلاثة أحرف كإبراهيم وأنطونَ وإنما يُمنعُ إذا كانت عَلميَّته في لغته. فإن كان في لغته اسمَ جنسٍ، كلجامٍ وفِرَندٍ ونحوهما مما يُستعمَل في لغته علماً، يصرَفْ إن سميتَ به.
وما كان منه على ثلاثةِ أحرفٍ صُرفَ، سواءٌ أكان مُحرّكَ الوسَط، نحو لَمَكٍ، أم ساكنَهُ، كنُوحٍ وجُولٍ وجاكٍ.
(وقيل ما كان محرك الوسط يمنع، وما كان ساكنه يصرف، وقيل ما كان ساكنه يصرف ويمنع. وليس بشيء والصرف في كل ذلك هو ما اعتمده المحققون من النحاة) .
(3) أن يكون عَلماً موازناً للفعل. ولا فرقَ بين أن يكون منقولاً عن فعل، كيَشكُرَ ويزيدَ وشمَّرَ. أو عن اسمٍ على وزنه، كدُئِل وإستبرَقَ واسعدَ، مُسمَّى بها.
والمعتبرُ في المنع إنما هو الوزنُ المختصُّ بالفعلِ، أو الغالبُ فيه. أمّا الوزنُ الغالبُ في الاسم، الكثيرُ فيه، فلا يُعتبرُ، وإن شاركه فيه الفعلُ. وذلك كأن يكون على وزن "فَعَل" كحَسَنٍ ورجبٍ. أو "فَعِل" ككَتِفٍ وخَصِرٍ. أو "فَعُل" كعَضُدٍ. أو "فاعِل" كصالحٍ. أو "فَعلَلَ" كجعفرٍ فإن سميتَ بما كان على هذه الأوزان انصرف.
والمراد بالوزن المختص بالفعل أن يكون لا نظير له في الأسماء العربية وإن وجد فهو نادر لا يعبأ به. فمثل "دُئل" هو على صيغة الماضي المجهول. لكنه نادر في الأسماء. فلم تمنع ندرته أن يكون هذا الوزن من خصائص الفعل ويندرج فيه ما جاء على صيغة الماضي الثلاثي المجهول، الذي لم يعل ولم يدغم كدئل وكأن تسمي رجلا "كتب" ، وكل صيغ الأفعال المزيد فيها، معلومة ومجهولة. إلا ما جاء على وزن الأمر من صيغة
"فاعل يفاعل" كصالح علما. فانه على وزن "صالح" فعل أمر. فما جاء من الأعلام على وزن مختص بالفعل، منعته من الصرف.
والمراد بالوزن الذي يغلب في الفعل أن يكون في الأفعال أكثر منه في الأسماء. فغلبته في الفعل جعلته أحق به من الاسم وأولى. ويندرج فيه ما جاء على صيغة الأمر من الثلاثي المجرد. كأن تسمي رجلا "إثمد" أو "اصبع" أو "أبلم" . فإنها موازنة لقولك "إجلس وافتح وانصر" وما كان على صيغة المضارع المعلوم من الثلاثي المجرد، مما أوله حرف زائد من أحرف المضارعة مثل "أحمد ويشكر وتغلب" أعلاماً فما جاء من الأعلام على وزن يغلب في الفعل، منعته من الصرف أيضاً.
فائدة
(1) إن ما جاء على وزن الفعل، مما سميت به ثلاثة أَنواع نوع منقول عن اسم كدُئل واستبرق. ونوع منقول عن صفة كأحمر وأَزرق. ونوع منقول عن فعل كيشكر ويزيد. وكلها يشترط في منعها من الصرف أَن تكون على وزن يختص بالفعل أَو يغلب فيه، كما تقدم. ومن العلماء كعيسى بن عمر - شيخ الخليل وسيبويه - ومن تابعه، من يمنع العلم المنقول عن فعل مطلقاً، وإن جاء على ما يغلب في الأسماء. كأن تسمي رجلا "كتب، او حمدَ او طرف او حوقل" . ويصرف ما عداه من المنقول عن اسم كرجب او عن صفة كحسن. وما قوله ببعيد من الصواب. وإن
خالفه الجمهور. وفي مقدمتهم تلميذه سيبويه. لأن النقل عن الفعل ليس كالنقل عن اسم او صفة. فهو قوة له في منعه من الصرف.
(2) العلم المنقول عن فعل، يجوز أَن تعامله معاملة الأسماء الممنوعة من الصرف فترفعه بالضمة، وتنصبه وتجره بالفتحة. ويجوز أَن تعامله معاملة الجملة المحكية. فإن روعي في أَصل النقل. أَنه منقول من الفعل مجرداً عن ضميره، يعرب إِعراب ما لا ينصرف، وهذا هو الأكثر في الأفعال المنقولة. فتقول "جاء يشكر وشمر، ورأيت يشكر واشمر، ومررت بيشكر وشمر" . وإن كان مراعى فيه أَنه منقول عن الجملة. أَي عن الفعل مضمراً فيه الفاعل، يعرب إعراب الجملة المحكية فتبقيه على حاله من الحركة أَو السكون، رفعاً ونصباً وجراً. لأنه نقل عن جملة محكية ". فيحكة على ما كان عليه. فإن سميت رجلا" يكتب أو استخرج "، باعتبار أن كل واحد منهما جملة مشتملة على فعل وفاعل مضمر، قلت جاء يكتب واستخرج" ورأَيت يكتب واستخرج، ومررت بيكتب واستخرج "."
وعليه قوله [من الرجز]
نبئت أَخوالي، بني تزيد ... ظلماً علينا لهم فديد
وهذا يجري مع المنقول عن فعل يغلب وزنه في الاسماء قولاً واحداً. لأن إِعرابه إعراب المحكي، لا إِعراب ما لا ينصرف. وعليه فتقول فيمن
سميته كتب، منقولاً إلى العلمية مع ضميره، "جاء كتب، ورأيت كتب، ومررت بكتب" .
(3) ما كان مبدوءاً بهمزة وصل من الافعال التي سميت بها، فإنك تقطع همزته بعد نقله إلى العلمية. لانه يلتحق بنظائره من الاسماء بعد التسمية به. فإن سميت بانصرف واستخرج ونحوهما، قلت "جاء انطلقُ واستخرجُ" ، بقطع الهمزة. أما الاسماء المسمى، بها، كانطلاق واستخراج، فلا تقطع همزتها بعد التسمية بها، بل تبقى على حالها. لان نظيرها من الاسماء همزته موصولة.
(4) ان يكون علماً مُركباً تركيبَ مزجٍ، غيرَ مختومٍ بوَيْهِ كبعلبكَّ وحَضْرَموْتَ ومَعْديْ كَرِبَ وقالِيْ قَلا.
(5) أَن يكون عَلماً مزيداً فيه الألف والنونُ كعُثمانَ وعِمران وغَطفانَ.
(6) أَن يكون عَلماً معدولاً بأن يكون على وزن "فُعَل" . فيُقَدَّرُ معدولاً على وزن "فاعلٍ" . وذلك كعُمَرَ وزُفَر وزُحل وثُعَلَ. وهي معدولةٌ عن عامرٍ وزافرٍ وزاحلٍ وثاعلٍ.
وهذا العدل تقديري لا حقيقي. وذلك ان النحاة وجدوا الأعلام التي على وزن "فعل" غير منصرفة، وليس فيها إلا العلمية. وهي لا تكفي وحدها في منع الصرف فقدروا أنها معدولة عن وزن "فاعل" ، لأن صيغة "فعل" وردت كثيراً محولة عن وزن فاعل كغُدَر وفُسَق بمعنى غادر وفاسق) .
وما سُمعَ منصرفاً، مما كان على هذا الوزن، كأُدَدٍ، لم يُحكم بعدلهِ.
وقد أَحصى النحاةُ ما سُمعَ من ذلك غيرَ مُنصرفٍ فكان خمسةَ عشرَ
عَلماً. وهي عُمَرُ وزُفَرُ وزُحَلُ وثُعَلُ وجُشَمُ وجُمَحُ وقُزَحُ ودُلَفُ وعُصَمُ وجُحى وبُلَعُ ومُضَرُ وهُبَلُ وهُذَلُ وقُثَمُ "وعدَّها السيوطيُّ في" همع الهوامع "أَربعة عَشرَ، بإسقاطِ" هُذَل "."
وَيُلحقُ بها "جُمَعُ وُكتَعُ وبُصَعُ وبُتَعُ" . وهي أسماءٌ يؤكَّدُ بها الجمع المؤنث، نحو "جاءَت النساءُ جُمَعُ وكُتَعُ وبُصَعُ وبُتَعُ" أي جميعُهنَّ، و "رأيْتهنَّ جُمَعَ وكُتَعَ وبُصَعَ وبُتَعَ" و "مررتُ بهنَّ جُمَعَ وكُتَعَ وبُصَعَ وبُتَعَ" . فهي ممنوعةٌ من الصرفِ للتعريفِ وللعَدلِ.
(أما كونها معرفة، فبدليل أنها تؤكد بها المعرفة. كما رأيت. وتعريفها هو بالإضافة المقدرة إلى ضمر المؤكد، إذ التقدير "جاء النساء جميعهن" . وأما كونها معدولة، فلأن مفردها جمعاء وكتعاء وبصعاء وبتعاء. فحقها أن تجمع على "جمعاوات وكتعاوات الخ" . لأن ما كان على وزن "فعلاء" اسماً، فحقه أن يجمع على "فعلاوات" كصحراء وصحراوات. ولكنهم عدلوا بها عن "فعلاوات" إلى "فعل" ) .
ومما جاءَ غير مصروفٍ للتعريفِ والعدلِ، سَحَر "مجرَّداً من الألفِ واللام والإضافةِ مُراداً به سَحَرُ يومٍ بعينهِ. وإن كان كذلك فلا يكونُ إلا ظرفاً كجئتُ يومَ الجُمعةِ سَحَرَ."
(أما كونه معرفة، فلأنه أريد به معين. وأما كونه معدولاً، فإنه معدول عن "السحر" بالألف واللام. فإن التقدير "جئت يوم الجمعة السحر" ) .
(7) أن يكون عَلماً مَزيداً في آخره الفٌ للالحاق كأرْطى وذِفْرَى، إذا سَمّيتَ بها. وألفُها زائدةٌ لألحاق وزنهما بجعفر.
الصِّفة الممنوعة من الصَّرف
متنعُ الصفةُ من الصّرف في ثلاثة مواضعَ
(1) أن تكون صفةً أصليةً على وزن "أفعَلَ" كأحمرَ وأفضل.
ويشترطُ فيها ألاّ تُؤنثَ بالتاءِ، فإن أُنِّثت بها لم تمنع كأرملٍ، فإن مؤنثه أرملةٌ. والأرملُ الفقير.
(فإن كانت الوصفية عارضة لاسم على وزن "أفعل" لم تمنع من الصرف. وذلك كأربع وأرنب في قولك "مررت بنساء أربع ورجل أرنب" . فأربع في الأصل اسم للعدد، ثم وصف به، فكأنك قلت بنساء معدودات بأربع. وأرنب للحيوان المعروف. ثم أريد به معنى الجبان والذليل، فالوصف بهما عارض، ومن ثم لم يؤثر في منعهما من الصرف.
وإن كانت الاسمية عارضة للصفة لم يضر عروضها، فتبقى ممنوعة من الصرف - كما لم يضر عروض الوصفية للاسم، فيبقى منصرفاً. وذلك كأدهم - للقيد - وأسود - للحية - وأرقم للحية المنقطة - وأبطح - للمسيل فيه دقيق الحصى واجرع - للرملة المستوية لا تنبت شيئاً. فهي ممنوعة من الصرف، وإن استعملت استعمال الأسماء، لأنها صفات، فلم يلتفتوا إلى ما طرأ عليها من الاسمية، كما لم يلتفتوا إلى ما طرأ عليها على ما سبق من الوصفية وبعضهم يعتد باسميتها الحاضرة فيصرفها وأما "أجدل" - الصقر - و "أخيل" - لطائر ذي خيلان - و "أفعى" للحية، فهي منصرفة في لغة الأكثر. لأنها أسماء في الأصل والحال. وبعضهم يمنعها من الصرف لامحاً فيها معنى الصفة. وهي القوة في أجدل والتلون في أخيل، والإيذاء في أفعى.
وعليه قول الشاعر [من الطويل]
كأن العُقيليين، حين لقيتهم، ... فراخ القطا لاقين أجدل بازيا
وقول الآخر [من الطويل]
ذريني وعلمي بالأمور وشيمتي ... فما طائري يوماً علي بأخيلا
(2) أن تكونَ صفةً على وزنِ "فَعلانَ" كعَطشانَ وسكرانَ ويشترط في منعها أن لا تُؤنثَ بالتاءِ. فإن أُنثتْ بها لم تمتنع كسَيْفانٍ - وهو الطويلُ - ومَصّانِ - وهو اللئيمُ - ونَدمان - وهو النديمُ لأنَّ مؤنثها سيفانةٌ ومَصّانةٌ وندمانةٌ.
وقد أَحصَوْا ما جاءَ على وزن "فَعلان" ، مما يؤنث على "فَعلانة" ، فكان ثلاثَ عشْرة صفة، وهي "ندمانٌ" ، النَّديم، و "حَبْلانٌ" ، للعظيم البطن و "دَخنانٌ" ، لليوم المُظلم، و "سَيفانٌ" للطويل، و "صوْجانٌ" لليابس الظهر من الدوابِّ والناس، و "صَيحانٌ" لليوم الذي لا غيْمَ فيه، "وسخْنانٌ" ، لليوم الحارّ، و "مَوتانٌ" للضعيف الفؤاد البليد، و "عَلاّنٌ" ، للكثير النسيان، و "فشْوانٌ" ، للدقيق الضعيف، و "نصرانٌ" ، لواحد النصارى، و "مَصّانٌ" ، للئيم، و "اليانٌ" ، لكبير الآلية. فهذه كلُّها منصرفةٌ، لأنها تُؤنثُ بالتاءِ, وما عداها فممنوعٌ، لأنَّ مُؤنثه على وزن "فَعْلى" كغضبانَ وغَضبى، وعطشانَ وعطشى، وسكرانَ وسكرى، وجَوْعان وجَوْعى. وأما نحو "أروَنانٍ" - وهو الصعب من الأيام - فمنصرف لأمرين الأوَّلُ لأنه ليس على وزن "فَعْلان" ،
والثاني لأنه يؤنث بالتاءِ، فيقالث "يومٌ أرونانٌ، وليلةٌ أرونانة" ، أي صعبة شديدة.
(3) أن تكون صفةً معدولةً، وذلك بأن تكون الصفةُ معدولة عن وزن آخر. ويكونُ العدلُ مع الوصفِ في موضعين
الأولُ الأعدادُ على وزن "فُعال أو مَفْعَل" "كأحادُ ومَوْحَدَ، وثُناءً ومَثنى، وثُلاثَ ومَثلَثَ، وربُاعَ ومَربَعَ."
(وهي معدولة عن واحد واحد واثنين اثنين الخ، فإذا قلت "جاء القوم مثنى" ، فالمعنى انهم جاءوا اثنين اثنين. وقد قالوا ان العدل في الأعداد مسموع عن العرب إلى الأربعة. غير أن النحويين قاسوا ذلك إلى العشرة، والحق انه مسموع في الواحد والعشرة وما بينهما) .
الثاني أُخَرُ، في نحو قولك "مررتُ بنساءٍ أُخَرَ" قال تعالى {فَعِدةٌ من ايام أُخَرَ} . وهي جمع أُخرى، مُؤنَّث آخر. وآخر (بفتح الخاءِ) اسمُ تفضيلٍ على وزنِ "أفعَل" بمعنى مغاير. وكان القياسُ أَن يُقالَ "مررتُ بنساءٍ آخَرَ" كما يقالُ "مررتُ بنساءٍ أفضَلَ" - بإفرادِ الصفة وتذكيرها - لا "بنساءٍ أُخرَ" ، كما لا يقالُ "بنساءٍ فُضَل" ، لأنَّ أفعلَ التفضيلِ، إن كان مُجرَّداً من "ألْ" والإضافة لا يُؤنثُ ولا يُثنَّى ولا يجمَعُ.
(وقد علمت في مبحث اسم التفضيل، في الجزء الأول، انه إن كان مجرداً من "أل" والإضافة وجب استعماله مفرداً مذكراً، وإن كان موصوفه مثنى أو مجموعاً أو مؤنثاً، سواء أريد به معنى التفضيل أولا. كما هي الحال هنا. تقول أخلاقك أطيب، وآدابك أرفع، وشمائلك أحلى "أما آخر فعدلوا به عن هذا الاستعمال، فقد استعملوه موافقاً للموصوف. فقالوا" آخر وآخران وآخرون، وأخرى وأخريان وأخر ". على خلاف القياس، وكان"
القياس أَن يقال آخر للجميع. فالعدل به عن القياس إحدى العلتين في منعه من الصرف. وإنما اختصت "أُخر" في جعل عدلها مانعاً من الصرف. لأن آخر ممنوع منه لوزن الفعل. وأخرى لألف التأنيث. وآخران وأُخريان وآخرون معربة بالحرف.
واعلم انه لم يسمع شيء من الصفات التي جاءت على وزن "فعل" ممنوعاً من الصرف إلا "أُخر" فقدروا فيها العدل. ليكون على أخرى مع الوصفية) .
حكم الاسم الممنوع من الصرف
حكمُ الاسم الممنوع من الصرف أن يمنعَ من التنوين والكسرة، وأن يُجرّ بالفتحة نحو "مررتُ بأفضلَ منه" ، إلا إذا سبقتهُ "أل" أو أُضيف، فيجرُّ بالكسرة، على الأصل، نحو "أحسنت إلى الأفضلِ أو إلى أفضلِ الناس" .
وقد يُصرفُ (أي ينوَّنُ ويُجرُّ بالكسرةِ) غيرَ مسبوقٍ بألْ ولا مضافاً، وذلك في ضرورة الشعر كقول السيدةِ فاطمةَ بنتِ الرسول ترثي أباها، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ [من الطويل]
ماذا عَلى مَنْ شمَّ تُربة أحمدٍ ... أن لا يَشَمَّ مَدى الزَّمانِ غَواليا
والمنقوصُ المستحقُّ المنعَ من الصرف، كجوار وغواشِ تُحذَفُ ياؤُهُ رفعاً وجراً، وينوَّنُ، نحو "جاءت جوارٍ، ومررتُ بجوارٍ" . ولو سميتَ امرأَةً بناجٍ، قلتَ "جاءت ناجٍ، ومررتُ بناجٍ" .
ويكون الجر بفتحةٍ مقدرةٍ على الياء المحذوفة، كما يكونُ الرفعُ بضكو مقدَّرة عليها كذلك. أما في حالة النصبِ، فتثبت الياءُ مفتوحة نحو "رأيتُ جواريَ وناجيَ" .
وقد جاء في الشعر إثباتُ يائِهِ، في حالة الجرِّ، ظاهرةً عليها الفتحةُ كقوله [من الطويل]
فلو كان عبدَ الله مولى، هجوتُه ... ولكنَّ عبد الله مولى مواليا
ومن النحاة من يثبتُ ياء المنقوصِ الممنوع من الصرف، إذا كان عَلَماً، في أحواله الثلاثة. فيقولُ "جاءَت ناجي، ورأيت ناجيَ، ومررتُ بناجي" .
واعلم أن تنوين المنقوص، المستحق المنع من الصرف، إنما هو تنوينُ عوَضٍ من الياءِ المحذوفة، لا تنوين صرف كتنوين الأسماء المنصرفة لأنه ممنوع منه.
(1) أجاز بعضهم صرف ما حقه أن يمنع، مطلقاً في نظم أو نثر. وهي لغة حكاها الأخفش وقال كأنها لغة الشعراء. لأنهم اضطروا اليه في الشعر، فجرى على ألسنتهم ذلك في الكلام. ولا ريبَ أنها لغةٌ ضعيفة، لا يلتفت إليها.
(2) إذا عرضَ للعلم الممنوع من الصرف التنكير، كأن يراد به واحد لا بعينه ممن سمي به فإنه ينصرفُ، نحو (جاءني عمرٌ من العمرين، وفاطمةٌ من الفاطمات، وابراهيمٌ من الإبراهيميين، وأحمدٌ من الأحمدين، وعثمانٌ من العثمانين) ، ونحو (رب سعادٍ وعمرانٍ ويزيدٍ ويوسفٍ ومعد يكربٍ لقيتُ) . إلا إذا كان منقولاً عن صفة، كمن سميته أحمر ويقِظان) ، فإنه لا ينصرف على المختار من أقوال النحاة. وهو ما ذهب إليه سيبويه. لأنه قبل نقله من الوصفية إلى العلمية، كان ممنوعاً من الصرف. فإذا فقد العَلمية رجع إلى أصله من المنع، اعتداداً بهذا الأصل ولم يفعلوا ذلك في غير الصفات الممنوعة، لأنه بزوال العلمية، التي هي أحد سببي المنع، لم يبق إلا سبب واحد فلا يكفي في المنع من الصرف.
(3) أجاز الكوفيون والأخفش وأبو علي الفارسي للشاعر أن يمنع صرف ما حقه أن ينصرف. وعليه قول الأخطل [من الكامل]
طَلبَ الأَرزاق بالكتائب، إذ هوت ... بشبيبَ غائلة النفوس، غَدورُ
وقول العباس بن مرداس [من المتقارب]
وما كان حصنٌ ولا حابسٌ ... يفوقان مِرداسَ في مَجْمَعِ
واختاره ابن مالك. وهو الصحيح، كما قال ابن هشام، لكثرة ما ورد منه.
وعن ثعلب أنه أجاز منع المنصرف مطلقاً، في نظم أو نثر. وبعضهم خص ذلك بما كان علماً. وبعضهم أجاز صرف ما كان على صيغة منتهى الجموع. والحق الاقتصار على ما ذكرنا.
المعرَبُ بالحروف من الأَسماء
المعرَبُ بالحروف من الأسماء ثلاثةُ أنواع المثنى، وجمع المذكر السالم، والأسماءِ الخمسة.
فالمثنى يُرفعُ بالألف، مثل (أفلح المجتهدان) . ويُنصب ويجرُّ بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها مثل (أَكرمت المجتهدَيْنِ، وأحسنتُ إلى المجتهديْنِ) .
ومن الرعب من يُلزمُ المثنى الألف، رفعاً ونصباً وجراً، وهم بنو الحارث ابن كعب، وخثعم، وزبيدُ وكنانة وآخرون، فيقولون "جاء الرجلان، ورأيت الرجلان، ومررت بالرجلان" . وعليه قول الشاعر [من الطويل]
تَزَوَّدَ منا بَينَ أُذناهُ طَعنةً ... دَعته إلى هابي التراب، عقيمُ
وقولُ الآخر [من الرجز]
إنَّ أباها وأَبا أَباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
وحملوا على هذه اللغة قراءة من قرأَ {إنَّ هذانِ لساحرانِ} بتشديد "إنَّ" . وقرئ "إنْ هذان" ، بتخفيفها، "وإنَّ هذين" بتشديدها ونصب هذين بالياء.
وجمعُ المذكر السالم يرفع بالواو، مثل "أفلح المجتهدون" . وينصبُ ويجرُّ بالياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها، مثل "أكرمتُ المجتهدِينَ، وأحسنتُ إلى المجتهدينَ" .
والأسماء الخمسة هي "أبٌ وأخٌ وحَمٌ وفو وذو" . وهي ترفعُ بالواو، مثل "جاء أبو الفضل" ، وتنصبُ بالألف، مثل "أكرِم أباك" وتُجرُّ بالياءِ، مثل "عامل الصديق معاملة أخيك" .
وهي لا تعرب كذلك إلا إذا كانت مفردة مضافة إلى غير ياء المتكلم. فإن كانت مثناة، أو مجموعة، فتعرب إعراب المثنى أو الجمع، مثل "أكرم أبويك، واقتدِ بصالح آبائك، واعتصمْ بذوي الأخلاق الحسنة" .
وإن قُطعت عن الإضافة كانت معرَبةً بحركات ظاهرة، مثل "هذا أبٌ صالحٌ، وأَكرِم الفم عن بَذيءِ الكلام، وتمسّكْ بالأخ الصادق" .
وإن أُضيفتْ إلى ياءِ المتكلم كانت مُعربة بحركاتٍ مُقدَّرةٍ على آخرها، يمنعُ من ظهورها كسرةُ المناسبة مثل "أبي رجل صالح، وأَكرمتُ أبي، ولزِمتُ طاعةَ أبي" .
ومن العرب من يقول في أبٍ وأَخٍ وحَمٍ "هذا أبُكَ، ورأَيتُ أَبَكَ، ومررتُ بأبِكَ" . بحذف الآخر، ويَعرب الاسم بحركاتٍ ظاهرة. ومنه قوله [من الرجز]
بأبهِ اقتَدَى عَدي في الْكرَمْ ... ومَنْ يُشابِهْ أَبَهُ فَما ظَلَمْ
ومن قال "هذا أبْكَ" قال في التثنية "هذانِ أبانِ" . ومن قال "هذا أبوك" ، قال هذان أَبوانِ.
ومنهم من يُلزمُ ذلك الألف، في حالات الإعراب الثلاث، ويُعربُهُ إعرابَ الاسمِ المقصور، بحركاتٍ مقدَّرة على الألف، سواءٌ أَأُضيفَ أم لم يُضفْ. فيقول هذا أباً، ورأيتُ أباً، ومررتُ بأباً ". ويقول هذا الأبا، ورأَيتُ الأبا، ومررت بالأبا، باعتبار أنه اسم مقصور. كما تَقول" هذه عصاً، وهذه العصا ". لأن الأصل" أبَوٌ "، قُلبت الواوُ ألفا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، كما قُلت في" عصاً "وأصلُها" عَصَرٌ ". ومنه المثل" مُكْرَهٌ أخاكَ لا بَطَلٌ "، وقول الشاعر" إنَّ أباها وأبا أباها.... البيت ". ومن قال هذا" أباً "، قال في التثنية" هذانِ أبوانِ "، كما يقول" هاتانِ عصوانِ ". يَقلبُ الألف واواً."
إعرابُ الملحقِ بالمُثَنَّى
يُعرب "اثنتانِ اثنانِ" إعرابَ المثنّى.
ويُعَربُ "كِلا وكِلْتا" إعرابَ المثنى، إذا أُضيفا إلى ضميرٍ، مثل "جاءَ الرجلانِ كلاهما والمرأتانِ كلتاهما، ورأيتُ الرجلينِ كليهما والمرأتينِ"
كلتّيهما، ومررت بالرجلين كليهما والمرأتينِ كلتيهما ". فإن أُضيفتا إلى غير الضمير أُعْربا إعرابَ الاسم المقصور، بحركات مُقدَّرة على الألف رفعاً ونصباً وجرًّا، مثل جاءَ كلا الرجلين وكلتا المرأتين، ورأيتُ كلا الرجلين وكلتا المرأتين، ومررتُ بِكلا الرجلين وكلتا المرأتين" .
وكلا وكلتا اسمانِ مُلازمانِ للاضافة. ولفظُهما مُفردٌ ومعناهما مُثنَّى ولذلك يجوزُ الإخبارُ عنهما بما يحملُ ضميرَ المفردِ، باعتبار لفظهما، وضميرَ المثنى باعتبار معناهما، فنقول "كلا الرجلين عالم، وكلاهما عالمان" وقد اجتمعا في قول الشاعر [من البسيط]
كِلاهُما حينَ جَدَّ الجَرْيُ بَيْنهَما ... قَدْ أَقلعا، وكِلا أَنفيْهما رابي
إلاَّ أن اعتبارَ اللفظِ أكثرُ، وبه جاءَ القرآنُ الكريمُ، قال تعالى {كِلتا الجنَّتينِ آتت أكُلَها} ، ولم يَقُل "آتَتا" .
ويُعرَبُ ما سُميَ به من الأسماءِ المُثناةِ إعراب المثنى، لأنه ملحَقٌ به، فتقولُ "جاءَ حسنان وزيدانِ، ورأَيتَ حسنينِ وزيدَينِ، ومررتُ بحسنينِ وزيدينِ" . ويجوزُ أن يَلزَم الألفَ ويُعرَبَ إعرابَ مالا ينصرفُ، تشبيهاً له بنحو عِمرانَ وسلمانَ "تقول" جاءَ زيدانُ وحسنانُ، ورأَيتُ زيدانَ وحسنانَ، ومررتُ بزيدانَ وحسنانَ "كما تقول" جاءَ عمرانُ، ورأَيتُ عمرانَ، ومررتُ بعمرانَ "ويكون منعُه من الصرف للعَلميّة وزيادة الألفِ والنون."
فائدتان
(1) قال ابن هشام في المغني وقد سئلت قديماً عن قول القائل "زيد وعمرو كلاهما قائم. أو كلاهما قائمان" . فكتبت إن قدر (كلاهما)
توكيداً قيل "قائمان" لأنه خبر عن "زيد وعمرو" ، وإن قدر مبتدأ، فالوجهان، والمختار الإفراد. وعلى هذا، فإذا قيل "إن زيدً وعمراً" فإن قيل "كليهما" قيل "قائمان" أو "كلاهما" فالوجهان. ويتعين مراعاة اللفظ في نحو "كلاهما محب لصاحبه" ، لان معناه كل واحد منهما، وقوله [من الطويل]
كلانا غني عن أَخيه حياته ... ونحن، إذا متنا، أشد تغانياً
(3) يؤكد بكلا المثنى المذكر. وبكلتا المثنى المؤنث، ويضافان أبداً لفظاً ومعنى إلى اسمٍ واحد معرفة، دال على اثنين إما بلفظه، نحو "جاءَ كلا الرجلين" وإما بمعناه. كقول الشاعر [من الرمل]
إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل
أَي وكلا ما ذكر من الخير والشر ولا يضافان إلى مفرد، وأما قول الشاعر [من البسيط]
كلا اخي وخليلي واجدي ابداً ... في النائبات وإلمام الملمات
فضرورة نادرة، لا يلتفت اليها ولا يستشهد بها، ولا تباح في شيء من الكلام، حتى الشعر لان الضرورة إنما يستشهد بها، إذا كانت كثيرة. فإن كثرت في كلامهم جاز للشاعر ارتكابها.
إِعرابُ المُلْحَقِ بجمْعِ المذكَّر السالم
يُعربُ الملحَق بجمع المذكرِ السالمِ "وهو ما جُمع هذا الجمعَ على غيرِ قياس" إعراب جمع المذكر السالم.
ويجوز في نحو "بَنينَ وسِنينَ وعِضينَ وثُبينَ" وما أَشبهها أَن يُعربَ إعرابَ هذا الجمع، وهو الافصحُ فيقال "مَرَّتْ عليَّ سِنون، واغتربتُ سنين، وأنجزتُ هذا العمل في سنينَ" . قال تعالى {ألكمُ البناتُ وله البنونَ؟} ويجوز أن تَلزَمَهُ الياءُ معَ التَّنوين، تشبيهاً له بحينٍ، فيُعربُ بالضمة رفعاً، وبالفتحة نصباً، وبالكسرةِ جرًّا. تقول "مَرَّت عليَّ سنينٌ كثيرةٌ. ومكثتُ مُغترِباً سنيناً كثيرةً، أَو ثمانيَ سنين" . وعليه قول الشاعر [من الطويل]
دَعانيَ منْ نَجْدٍ، فإنَّ سِنينَهُ ... لَعِبْنَ بنا شيباً وشَيَّبْنَنا مُرْداً
وقول الآخر [من الوافر]
وكانَ لنا أبو حَسَنٍ، عَلي، ... أباً بَرًّا ونحنُ لهُ بَنينُ
ويجوز فيما سميّ به من هذا الجمع أن يعربَ إعرابه. فنقول "جاءَ عابِدونَ وزيدونَ، ورأَيتُ عابدينَ وزيدينَ، ومررتُ بعابدينَ وزيدينَ" . وهو الأفصحُ. ويجوز أن يلزمَ الياءَ والنون مع التنوين، والإعرابَ بالحركات الثلاثِ. فنقول جاءَ زيدونٌ، ورأَيتُ زيدوناً، ومررتُ بزيدونٍ. ويجوز أن يَلزمَ الواوَ والنون بلا تنوينٍ، ويعربَ إعرابَ مالا ينصرفُ، تشبيهاً له بهارون، فيجري مجراهُ. ويكون ممنوعاً من الصرف للعَلمية وشبهِ العجّمة. فنقول جاءَ عابدونُ وحَمدونُ وخَلدونُ وزيدونُ، ورأَيتُ عابدونَ وحمدونَ وخلدونَ وزيدونَ، ومررت بعابدونَ وحمدونَ وخلدونَ وزيدونَ "كما تقول جاءَ هارونُ، ورأيتُ هارونَ، ومررتُ بهارونَ."
إعرابُ المُلْحق بجمع المؤنثِ السَّالم
تُعرب "أُولاتُ" كجمع المؤنث السالم، بالضمة رفعاً، وبالكسرة نصباً وجراً. قال تعالى {وإن كنَّ أُولاتِ حَملٍ} . وتقول (أُولاتُ الأخلاقِ الطيّبةِ محبوباتٌ) و (ارجُ الخيرَ من أُولاتِ الحياءِ والصلاحِ والعلم) .
ويُعربُ ما سُميُ به من هذا الجمعِ إعرابَهُ، فتقولُ "هذه اذرِعاتٌ وعَرَفاتٌ، ورأَيتُ اذرعاتٍ وعَرفات، وسافرتُ إلى اذرعاتٍ وعَرَفاتٍ" . هذا هو الفصيحُ. قال تعالى {فإذا افضتم من عَرَفاتٍ} ويجوز فيه مذهبانِ آخرانِ احدُهما أن يُعربَ إعرابَ ما لا ينصرفُ، للعَلميَّة والتأنيث فيُرفعُ بالضمة، وينصب ويُجر بالفتحةِ. ويمتنعُ حينئذٍ من التنوين. فتقولُ "هذهِ عَرَفاتُ، ورأَيتُ عرَفاتَ، ومررتُ بعرفاتَ" . والثاني أَن يُرفعَ بالضمة، ويُنصبَ ويُجر بالكسرةِ، كجمعِ المؤنثِ السالم، غيرَ أنهُ يزالُ منه التنوينُ، فتقولُ "هذهِ اذرعاتُ، ودخلتُ اذرعاتِ، وعرَّجتُ على اذرعاتِ" . ويُروى قول امرئ القيس [من الطويل]
تَنَوَّرْتُها من أَذْرِعات، وأهلُها ... بيَثْرِبَ، أدْنى دارِها نَظَرٌ عالي
بالأوجهُ الثلاثة كسرِ التاءِ منوَّنةٌ، وكسرِها بلا تنوين، وفتحها غيرَ منوَّنة.
(مرفوعات الأسماء)
(الفاعل)
الفاعلُ هو المُسَندُ إليه بعد فعلٍ تام معلوم أو شِبْههِ، نحو "فاز المجتهدُ" و "السابقُ فَرسُهُ فائزٌ" .
(فالمجتهد اسند إلى الفعل التام المعلوم، وهو "فاز" والفرس اسند إلى شبه الفعل التام المعلوم، وهو "السابق" فكلاهما فاعل لما أسند إليه) .
والمرادُ بشبه الفعلِ المعلومِ اسمُ الفاعل، والمصدرُ. واسمُ التفضيل، والصفةُ المُشبَّهة، ومبالغة اسم الفاعلِ، واسمُ الفعلِ. فهي كلُّها ترفعُ الفاعلَ كالفعل المعلوم. ومنهُ الاسم المستعار، نحو "أكرِمْ رجلا مِسكاً خُلُقُه" .
(فخلقه فاعل لمسك مرفوع به، لأن الاسم المستعارة في تأويل شبه الفعل المعلوم والتقدير "صاحب رجلا كالمسك" وتأويل قولك "رأيت رجلا أسداً غلامه" "رأَيت رجلا جريئاً غلامه كالأسد" ) .
وفي هذا الفصل خمسة مباحث
(1) أحكام الفاعل
للفاعل سبعةُ أحكامٍ
(1) وجوبُ رفعه. وقد يُجَرُّ لفظاً بإضافته إلى المصدر، نحو "إكرام المرءِ أباهُ فرضٌ عليه" ، أو إلى اسم المصدر، نحو "سَلمْ على الفقيرِ سلامَكَ على الغني" ، وكحديثِ "من قُبلة الرجلِ امرأتَهُ الوُضوءُ" . او بالباءِ، او من، او اللاّمِ الزَّائداتِ. نحو {ما جاءَنا من أحدٍ، وكفي بالله شهيداً، وهَيهات هيهاتَ لما توعَدون} .
(2) وجوبُ وقوعهِ بعدَ المُسندِ، فإن تقدَّمَ ما هو فاعلٌ في المعنى كان الفاعلُ ضميراً مستتراً يعود إليه، نحو "عليٌّ قامَ" .
(والمقدم إما مبتدأ كما في المثال، والجملة بعده خبره، وإما مفعول
لما قبله نحو "رأيت علياً يفعل الخير" وإما فاعل لفعل محذوف، نحو "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره، فأحد فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور."
وأجازالكوفيون تقديم الفاعل على المسند إليه. فأجازوا أن يكون "زهير" في قولك "زهير قام" فاعلا لجاء مقدماً عليه. ومنع البصريون ذلك. وجعلوا المقدم المبتدأ خبره الجملة بعده. كما تقدم. وتظهر ثمرة الخلاف بين الفريقين في أنه يجوز أن يقال، على رأي الكوفيين "الرجال جاء" على أن الرجال فاعل لجاء مقدم عليه. وأما البصريون فلم يجيزوا هذا التعبير. بل أوجبوا أن يقال "الرجال جاءوا" . على أن الرجال مبتدأ، خبره جملة جاءوا، من الفعل وفاعله الضمير البارز. والحق أن ما ذهب إليه البصريون هو الحق وقد تمسك الكوفيون بقول الزباء [من الرجز]
ما للجمال مشيها وئيدا؟ ... أجندلا يحملن أم حديدا؟
فقالوا لا يجوز أن يكون "مشيها" مبتدأ، لأنه يكون بلا خبر، لأن "وئيداً" منصوب على الحال. فوجب أن يكون فاعلا لوئيداً مقدماً عليه. وقال البصريون أنه ضرورة. أو إنه مبتدأ محذوف الخبر، وقد سدت الحال مسده. أي ما للجمال مشيها يبدو وئيداً. على انه لا حاجة إلى ذلك. فهذا البيت على فرض صحة الاستشهاد به، شاذ يذوب في بحر غيره من كلام العرب.
ونرى أن الاستشهاد به لا يجوز، لأن الزباء هذه مشكوك في كثير من أخبارها. ثم انها لم تنشأ في بيئة يصح الاستشهاد بكلام اهلها. فانها من أهل "باجرما" وهي قرية من اعمال البليخ، قرب الرقة، من أرض الجزيرة، جزيرة "اقور" ، التي بين الفرات ودجلة، وهي مجاورة لديار الشام.
والعلماء لا يستشهدون بكلام الفصحاء المجاورين لجزيرة العرب. فكيف يصح الاستشهاد بكلام امرأة من اهل جزيرة "اقور" ؟ وقد قالوا إنها كانت ملكة الجزيرة، وكانت تتكلم بالعربية. راجع ترجمتها في شرح الشواهد للعيني، في شرح الشواهد الفاعل. وفي مجمع الأمثال للميداني في شرح المثل "ببقةً صرم الرأي" . وذكر في جمهرة الأمثال هذه أنها كانت على الشام والجزيرة من قبل الروم. وفي القاموس وشرحه للزبيدي أن الزباء اسم الملكة الرومية، تمد وتقصر، وهي ملكة الجزيرة، وتعد من ملوك الطوائف وهي بنت عمرو بن الظرب أحد أشراف العرب وحكمائهم، خدعه جذيمة الأبرش، وأخذ عليه ملكه وقتله، وقامت هي بأخذ ثأره في قصة مشهورة مشتملة على أمثال كثيرة.
نقول وان تاريخ الزباء يشبه تاريخ زنوبيا، التي يذكرها الروم في اخبارهم ويرجح العلماء انها هي. ويراجع الكلام على "باجرما" مو "جزيرة اقور" في معجم البلدان) .
(3) انه لا بُدَّ منه في الكلام. فإن ظهرَ في اللفظ فذاك. وإلاّ فهو ضمير راجعٌ إما لمذكور، نحو "المتجهدُ ينجحُ" أو لما دل عليه الفعلُ، كحديثِ "لا يزني الزاني حينَ يزني وهو مؤمنٌ. ولا يشربُ الخمرةَ حين يشربُها وهو مؤمن" . او لما دلَّ عليه الكلامُ، كقولك في جواب هل جاءَ سليمٌ؟ "نَعَمْ جاءَ" . أو لما دلَّ عليه المقامُ، نحو {كلاّ إذا بَلغت التراقيَ} ، وقول الشاعر [من الطويل]
إذا ما أَعرْنا سَيِّداً من قَبيلةٍ ... ذُرا مِنْبرٍ صَلى عَلينا وسَلَّما
إذا ما غَضِبْنا غَضْبةً مُضَرِيَّةً ... هَتكنا حِجابَ الشَّمْس، أو قَطَرَتْ دَما
أو لما دَلَّت عليه الحالُ المُشاهَدةُ، نحو "إن كانَ غداً فائتني" . وقول الشاعر [من الطويل]
إذا كان لا يُرضيكَ حتى تَرُدَّني ... إلى قَطَريٍّ، لا إخالُكَ راضيا
(4) أنه يكون في الكلام وفعلهُ محذوف لقرينة دالة عليه كأن يُجابَ به نفيٌ، نحو (بلى سعيدٌ) في جواب من قال (ما جاء أحدٌ) ، ومنه قولُ الشاعر [من الطويل]
تَجلَّدْتُ، حتى قيلَ لم يَعْرُ قلبَهُ ... من الوجْدِ شيءٌ، قُلْتُ بلْ أعظمُ الْوَجْدِ
أواستفهامٌ، نقول (مَنْ سافرَ؟) فيقال "سعيدٌ" ، وتقول (هل جاءك أحدٌ؟) ، فيقال (نعمْ خليلٌ) ، قال تعالى {لَئِن سألتَهم من خلقَهم؟ ليقولَنَّ الله} . وقد يكون الاستفهام مقدراً كقوله تعالى {يسبِّح له فيها بالغُدُوَّ والآصال، رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله} ، في قراءة من قرأ (يُسبَّح) مجهولاً، ومنه قول الشاعر [من الطويل]
ليُبْكَ يَزيدُ، ضارعٌ لِخصُومَةٍ ... ومختَبِطٌ مما تُطيحُ الطَّوائحُ
ومما جاء فيه حذفُ الفعل، مع بقاءِ فاعله، كل اسمٍ مرفوعٍ بعد أداةٍ خاصةٍ بالفعل، والحذفُ في ذلك واجبٌ، نحو {وإن أحد من المشركين استجارك، فأجِرهُ حتى يسمع كلامَ الله، ثم أبلغْه مأمنَه} ونحو {إذا السماءُ انشقَّت} ، ومنه المثلثُ (لوْ ذاتُ سِوارٍ لطمتني) ، وقول امرئ القيس [من الطويل]
إذا المرءُ لم يخزُن عليْه لسانهُ ... فَلَيْسَ عل شَيءٍ سِواهُ بخزَّانِ
وقول السموأل [من الطويل]
إذا المرءُ لم يدْنَس من اللؤْمِ عرضُهُ ... فكلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ
فكل من "أحد والسماءِ وذات والمرء" فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعده.
(5) أنَّ الفعلَ يجبُ أن يبقى معه بصيغة الواحد، وإن كان مثنَّى أو مجموعاً، فكما تقولُ "اجتهد التلميذُ" ، فكذلك تقول "اجتهدَ التلميذان، واجتهد التلاميذُ" إلا على لغةٍ ضعيفة لبعض العرب، فيطابق فيها الفعل الفاعِلَ. فيقال على هذه اللغة أكرماني صاحباك، وأكرموني أصحابك، ومنه قول الشاعر [من مجزوء الكامل]
نُتِجَ الربيعُ مَحاسِناً ... أَلقَحنها غُرُّ السَّحائِبْ
وقول الآخر [من الطويل]
تَولّى قِتال المارقينَ بنفسِه ... وقد أَسلماهُ مُبْعِدٌ وحَميمٌ
وما ورد من ذلك في فصيح الكلام، فيُعربُ الظاهرُ بدلاً من المُضمَرِ، وعليه قوله تعالى {وأسرُّوا النّجوى، الذين ظلموا} . أو يعرَب الظاهرُ مبتدأ، والجملة قبله خبرٌ مقدّمٌ. أو يُعرَبُ فاعلاً لفعل محذوف. فكأنه قيل - بعد قوله "وأسرُّوا النّجوى" - من أسرَّها؟ فيقال أسرَّها الذين ظلموا. وهو الحقُّ. وأما على تلك اللغة فيُعربُ الظاهر فاعلاً، وتكون الالفُ والواو والنون أحرفاً للدلالة على التثنية أو الجمع، فلا محلّ لها من الاعرابِ، فحكمها حُكمُ تاء التأنيث مع الفعل المؤنث.
(6) أنَّ الاصلَ اتصالُ الفاعل بفعله، ثم يأتي بعده المفعول. وقد يُعكسُ الامر، فيتقدَّم المفعولُ، ويتأخرُ الفاعلُ، نحو "أكرمَ المجتهدَ أستاذُهُ" . (وسيأتي الكلامُ على ذلك في باب المفعول به) .
(7) أنه إذا كان مؤنثاً أُنِّث فعله بتاءٍ ساكنةٍ في آخر الماضي، وبتاء المضارعة في أول المضارع، نحو "جاءت فاطمةً، وتذهبُ خديجةُ" .
وللفعل مع الفاعل، من حيث التذكيرُ والتأنيثُ ثلاثُ حالاتٍ وجوبُ التذكيرِ، ووجوبُ التأنيث، وجوازُ الأمرين.
(2) متى يَجبُ تذكيرُ الفعلِ مَعَ الفاعل؟
يجبُ تذكيرُ الفعل مع الفاعل في موضعين
(1) أن يكون الفاعلُ مذكراً، مفرداً أو مثنّى أو جمعَ مذكرٍ سالماً. سواءٌ أكان تذكيرُه معنًى ولفظاً، نحو "ينجحُ التلميذُ، أو المجتهدان، أو المجتهدون" ، أو معنى لا لفظاً، نحو "جاء حمزةُ" . وسواءٌ أكان ظاهراً، كما مُثِّلَ أم ضميراً، نحو "المجتهدُ ينجحُ، والمجتهدان ينجحان، والمجتهدون ينجحون، وإنما نجح هو، أو أنتَ، أو هما، أو أنتم" .
(فان كان جميع تكسير كرجال، أو مذكراً مجموعاً بالألف والتاء، كطلحات وحمزات، أو ملحقاً بجمع المذكر السالم كبنين. جاز في فعله الوجهان تذكيره وتأنيثه كما سيأتي. أما إن كان الفاعل جمع مذكر سالماً. فالصحيح وجوب تذكير الفعل معه. وأجاز الكوفيون تأنيثه، وهو ضعيف فقد أجازوا أن يقال "أفلح المجتهدون وأفلحت المجتهدون" ) .
(2) أن يُفصلَ بينه وبين فاعله المؤنث الظاهر بإلا، نحو "ما قام إلا فاطمةُ" .
(وذلك لان الفاعل في الحقيقة إنما هو المستثنى منه المحذوف إذ التقدير "ما قام أحد إلا فاطمة" . فلما حذق الفاعل تفرغ الفعل لما بعد (إلا) فرفع ما بعدها على أنه فاعل في اللفظ لا في المعنى. فان كان الفاعل ضميراً منفصلاً مفصولاً بينه وبين فعله بالا، جاز في الفعل الوجهان كما ستعلم) .
وقد يؤنث مع الفصل بها، والفاعلُ اسمٌ ظاهرٌ، وهو قليلٌ وخصّهُ جُمهور النحاةِ بالشعر كقوله [من الرجز]
ما بَرِئَتْ منْ ريبةٍ وذَمٍّ ... في حَربِنا إلا بناتُ العَمٍّ
(3) متى يَجِبُ تأنيثٌ الفعْل مع الفاعل؟
يجب تأنيث الفعل مع الفاعل في ثلاثة مواضع
(1) أن يكون الفاعلُ مؤنثاً حقيقياً ظاهراً متصلاً بفعله، مفرداً أو مثنى أو جَمعَ مؤنثٍ سالماً نحو "جاءت فاطمةُ، أو الفاطمتان، أو الفاطماتُ" .
(فإن كان الفاعل الظاهر مؤنثاً مجازياً، كشمس، أو جمع تكسير، كفواطم، أو ضميراً منفصلاً، نحو "إنما قام هي" ، أو ملحقاً بجمع المؤنث السالم، كبنات أو مفصولاً بينه وبين فعله بفاعل، جاز فيه الوجهان كما سيذكر. أما جمع المؤنث السالم فالأصح تأنيثه. وأجاز الكوفيون وبعض البصريين تذكيره. فيقولون "جاءت الفاطمات. وجاء الفاطمات" ) .
(2) أن يكونَ الفاعلُ ضميراً مستتراً يعودُ إلى مؤنثٍ حقيقي أو مجازىٍّ، نحو "خديجةُ ذهبت، والشمسُ تطلعُ" .
(3) أن يكون الفاعلُ ضميراً يعودُ إلى جمع مؤنثٍ سالمٍ، أو جمعٍ تكسير لمؤنثٍ أو لمذكرٍ غير عاقل، غير أنه يؤنث بالتاء أو بنون جمع المؤنث، نحو "الزِّينَباتُ جاءتْ، أو جئنَ، وتجيءُ أو يجئنَ" و (الفواطِمُ أقبلتْ أو أقبلنَ) و (الجمالُ تسيرُ أو يسرْنَ) .
(4) متى يجوز الأمران تذكِيرُ الفِعْل وتأنيثهُ
يجوز الأمران تذكير الفعل وتأنيثه في تسعة أُمور
(1) أن يكون الفاعلُ مؤنثاً مجازياً ظاهراً (أي ليس بضميرٍ) ، نحو (طلعتِ الشمسُ، وطلعَ الشمسُ) . والتأنيثُ أفصحُ.
(2) أن يكون الفاعل مؤنثاً حقيقياً مفصولاً بينه وبين فعله بفاصلٍ غير "إلا" نحو "حضَرتْ، أَو حضَرَ المجلسَ امرأةٌ" ، وقول الشاعر [من البسيط]
إن امرءًا غَرَّهُ مِنْكُنَّ واحدةٌ ... بعدي وبَعْدكِ في الدُّنيا لمغْرُورُ
والتأنيثُ أفصحُ.
(3) أن يكون ضميراً منفصلاً لمؤنثٍ، نحو "إنما قامَ، أو إنما قامت هي" ، ونحو "ما قامَ، أو ما قامت إلا هي" . والاحسنُ تركُ التأنيثِ.
(4) أن يكون الفاعل مؤنثاً ظاهراً، والفعلُ "نِعم" أو "بِئسَ" أو "ساءَ" التي للذَّمِّ، نحو "نِعمَتْ، أو نِعمَ، وبئسَتْ، أو بِئسَ، وساءت، أو ساء المرأةُ دَعدٌ" . والتأنيثُ أجود.
(5) أن يكونَ الفاعل مذكراً مجموعاً بالألف والتاء، نحو "جاء، أو جاءت الطلحاتُ" . والتذكير أحسنُ.
(6) أن يكون الفاعلُ جمعَ تكسير لمؤنث أو لمذكر، نحو "جاء، أو جاءت الفواطمُ، او الرجالُ" . والأفضلُ التذكيرُ مع المذكر، والتأنيث مع المؤنث.
(7) أن يكون الفاعل ضميراً يعودُ الى جمع تكسيرٍ لمذكر عاقل، نحو (الرجال جاءوا، أو جاءت) . والتذكير بضمير الجمع العاقل أفصحُ.
(8) أن يكون الفاعلُ ملحقاً بجمع المذكر السالم، وبجمع المؤنث السالم. فالأول، نحو (جاء أو جاءت البنونَ) .ومن التأنيث قوله تعالى: آمَنتُ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ
به بنو إسرائيل [يونس: 90] . والثاني نحو (قامت، أو قام البناتُ) . ومن تذكيره قول الشاعر (وهو عبدةُ بنُ الطبيب) [من الكامل]
فبكى بناتي شجْوَهُنَّ وزَوجَتي ... والظّاعنُون إليَّ، ثم تَصَدَّعوا
ويُرجَّحُ التذكيرُ مع المذكر والتأنيث مع المؤنث.
(9) أن يكون الفاعلُ اسم جَمعٍ، أو اسمَ جنسٍ جمعياً. فالاول نحو (جاء، أو جاءت النساء، أو القومُ، أو الرهط، أو الإبل. والثاني نحو "قال، أو قالت العربُ، أو الروم، أو الفرس، أو التركُ" ، ونحو (أوراق أو أروقتِ الشجر) .
(وهناك حالة يجوز فيها تذكير الفعل وتأنيثه. وذلك إذا كان الفاعل المذكر مضافاً إلى مؤنث. على شرط أن يغني الثاني عن الاول لو حذف تقول "مرَّ، أو مرَّت علينا كرورُ الايام" و "جاء، أو جاءت كلُّ الكاتبات" ، بتذكير الفعل وتأنيثه، لانه يصح إسقاط المضاف المذكر وإقامة المضاف إليه المؤنث مقامه، فيقال "مرَّت الايام" و "جاءت الكاتبات" . وعليه قول الشاعر
"كما شرقت صدرُ القناة من الدَّم" غيرَ أن تذكيرَ الفعل هو الفصيح والكثير، وإن تأنيثه في ذلك ضعيف. وكثير من الكتّاب اليوم يقعون في مثل هذا الاستعمال الضعيف.
أما إذا كان لا يصحُّ إسقاط المضاف المذكور وإقامة المضاف إليه المؤنث مقامه، بحيث يختلُّ أصل المعنى فيجب التذكير، نحو (جاء غلامُ سعادَ) فلا يصحُّ
أبداً أن يقال "جاءت غلامُ سعاد" لانه لا يصحُّ إسقاطُ المضاف هنا كما صحَّ هناك، فلا يقال "جاءت سعاد" . وأنت تعني غلامها.
(5) أَقسام الفاعل
الفاعلُ ثلاثةُ أنواع صريحٌ وضميرٌ ومؤوَّلٌ.
فالصريح. مثلُ "فاز الحقُّ" .
والضميرُ، إما متصلٌ كالتاء من (قمتَ) والواو من (قاموا) والألف من (قاما) والياء من (تقومينَ) ، وإِما منفصلٌ كأنا ونحن من قولك (ما قام إلا أنا، وإنما قام نحنُ) وإما مستترٌ نحو (أقومُ، وتقومُ، ونقومُ، وسعيدٌ يقوم، وسعادُ تقوم) .
والمستترُ على ضربين مستتر جوازاً. ويكون في الماضي والمضارع المسنَدَينِ الى الواحد الغائب والواحدة الغائبة، ومستتر وجوباً. ويكون في المضارع والأمر المسنَدَينِ الى الواحد المخاطب، وفي المضارع المسنَد الى المتكلم، مفرداً او جمعاً. وفي اسم الفعل المسنَد الى متكلم كأفٍّ أو مخاطب "كصهْ" وفي فعل التعجب، الذي على وزن (ما أفعلَ) نحو ما أحسنَ العلمَ. وفي أفعال الاستثناء كخلا وعدا وحاشا، ونحو "جاء القومُ ما خلا سعيداً" .
(والضمير المستتر في أفعال الاستثناء يعود الى البعض المفهوم من الكلام. فتقدير قولك جاء القوم ما خلا سعيداً "جاءوا ما خلا البعض سعيداً" . و "ما" إما مصدريةٍ ظرفيةٍ، وما بعدها في تأويل مصدر مضاف الى الوقت المفهوم منها. والتقدير "جاؤوا زمن خلوهم من سعيد" والتقدير "جاؤوا خالين من سعيد" .
والفاعلُ المؤوَّلُ هو أن يأتيَ الفعلُ، ويكونَ فاعلُهُ مصدراً مفهوماً من الفعل بعدَهُ، نحو "يَحسُنُ أن تجتهد" .
(فالفاعل هنا هو المصدر المفهوم من تجتهد. ولما كان الفعل الذي بعد "أن" في تأويل المصدر الذي هو الفاعل، سمي الفعل مؤولاً) .
ويتأوَّلُ الفعلُ بالمصدر بعدَ خمسةِ أحرف، وهي "أنَ وإنَّ وكي وما ولو المصدريتينِ" .
فالاوَّل مثل "يُعجبني أن تجتهدَ" ، والتقديرُ "يُعجبني اجتهادك" .
والثاني مثل "بلغني أنك فاضلٌ" ، والتقديرُ "بلغني فضلُك" .
والثالث مثل "أعجبني ما تجتهدُ" ، والتقديرُ "أعجبني اجتهادك" .
والرابع مثل "جئت لكي أتعلّمَ" والتقديرُ "جئتُ للتعلُّم" . و "كي" للا يتأوَّلُ الفعل بعدها إلا بمصدرٍ مجرورٍ باللام.
والخامس مثل "وَدِدتُ لو تجتهد" ، والتقدير "وَدِدتُ اجتهادَك" . "ولو" لا يتأولُ الفعلُ بعدَها إلا بالمفعول، كما رأيت.
والثلاثةُ الأولُ يتأوَّلُ الفعلُ بعدها بالمرفوع والمنصوب والمجرور.
والجملة المؤلفة من الفاعل ومرفوعه تُدعى جملةً فعليّة.
فائدتان
(1) إن وقع بعد (لو) كلمة "أن" فهناك فعل محذوف بينهما تقديره "ثبت" . فان قلت "لو أنك اجتهدت لكان خيراً لك" فالتقدير "لو ثبت اجتهادك" . فيكون المصدر المؤول فاعلاً لفعل محذوف، تقديره "ثبت" .
(2) الهمزة الواقعة بعد كلمة "سواء" تسمى همزة التسوية، وما بعدها مؤول بمصدر مرفوع على أنه مبتدأ مؤخر، و "سواء" قبله خبره مقدماً عليه. فتقدير قوله تعالى {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} "إنذارك وعدم إنذارك سواء عليهم" أي الأمران سيان عندهم. فهمزة التسوية معدودة في الاحراف المصدرية، التي يتأول الفعل بعدها بمصدر. فتكون الاحرف المصدرية، على هذا ستة أحرف.
(نائب الفاعل)
نائبُ الفاعل هو المُسند إليه بعدَ الفعل المجهول أو شِبْههِ، نحو "يُكرمُ المجتهدُ، والمحمودُ خُلقُهُ ممدوحٌ" .
(فالمجتهد اسند الى الفعل المجهول، وهو "يكرم" . وخلقه اسند الى شبه الفعل المجهول وهو "المحمود" فكلاهما نائب فاعل لما اسند اليه) .
والمرادُ بشبه الفعلِ المجهولِ اسم المفعولِ، والاسمُ المنسوب إليه، فاسمُ المفعولِ كما مثّلَ. والاسم المنسوبُ إليه، نحو "صاحِبْ رجلاً نبَوياً خلقُه" .
"فخلقه" نائب فاعل لنبوي مرفوع به، لأن الاسم المنسوب في تأويل اسم المفعول. والتقدير "صاحب رجلاً منسوباً خلقه الى الأنبياء" .
ونائبُ الفاعل قائمٌ مقامَ الفاعل بعد حذفه ونائِبٌ منابَهُ.
وذلك أن الفاعل قد يحذف من الكلام، لغرض من الأغراض، فينوب عنه بعد حذفه غيره.
وفي هذا الفصل ثلاثة مباحث.
(1) أسبابُ حذفِ الفاعل
يحذف الفاعل، إما للعلم به، فلا حاجةَ إلى ذكره، لأنه معروفٌ نحو {وخُلِقَ الإنسان ضعيفاً} .
وإما للجهل به، فلا يمكنْك تعيينُه، نحو "سُرِقَ البيتُ" ، إذا لم تعرفِ السارق.
وإما للرغبة في إخفائه للابهام، نحو رُكبَ الحصانُ، إذا عرفت الراكب غير أنك لم تُرد إظهاره.
وإما للخوف عليه نحو "ضُرب فلانٌ" إذا عرفتَ الضاربَ غير أنك خفت عليه، فلم تذكره.
وإما للخوف منه، نحو "سُرق الحصان" إذا عرفتَ السارق فلم تذكره، خوفاً منه، لأنه شري مثلاً.
وإما لشرفه، نحو "عُمل عَملأٌ منكرٌ" ، إذا عرفتَ العامل فلم تذكرهُ، حفظاً لشرفه.
وإما لانه لا يتعلقُ بذكره فائدةٌ، نحو "وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو رُدُّوها" ، فذكر الذي يُحيَى لا فائدةَ منه، وإنما الغرضُ وجوبُ ردِّ التحية لكل من يُحيِّي.
(2) الاشياءُ التي تنوبُ عن الفاعل
ينوب عن الفاعلِ بعد حذفه أحد أربعةِ أشياء
(1) المفعول به، نحو "يكرَمُ المجتهدُ" .
وإذا وُجد في الكلام، فلا ينوب عن الفاعل غيرُه مع وجوده لأنه أولى من غيره بالنيابة، لكون الفعل أشدَّ طلباً له من سواهُ، فيرتفعُ هو على النائبيّة، وينتصب غيرُه، نحو "أُكرمَ زهيرٌ يوم الجمعةِ أمام التلاميذِ بجائزةٍ سنية إكراماً عظيماً" .
وقد ينوبُ المجرور بحرف الجر، مع وجود المفعولِ به الصريحِ، وذلك قليل نادرٌ، كقول الشاعر [من الرجز]
لم يُغْنَ بالعلياء إلا سَيِّداً ... ولا شفى ذا الغَيِّ إلا ذو هُدَى
وقول الآخر [من الرجز]
وإنما يرضي المنِيبُ رَبَّهُ ... ما دام مَعْنياً بِذِكْرِ قلبَهُ
وقراءةِ من قرأ {ليُجزى قوماً بما كسَبوا} .
وإذا كان للفعل مفعولان أو ثلاثةٌ، أُقيمَ المفعولُ الأولُ مقامَ الفاعل، فيرتفع على النائبيةِ، وينتصبُ غيرُه، نحو "أُعطيَ الفقيرُ دِرهماً، وظُن زهيرُ مجتهداً، ودُريتَ وفيّاً بالعهد، وأُعلمتَ الامرَ واقعاً" .
وقد تجوز نيابةُ المفعولِ الثاني في باب أعطى، إن لم يقع لَبْسٌ، نحو "كُسيَ الفقيرَ ثوبٌ، وأُعطيَ المسكينُ دينارٌ" .
(فان لم يؤمن الالتباس، لم يجوز إلا إنابة الأول، نحو "اعطي سعيد سعداً" . ولا يقال أعطي سعيداً سعد ". اذا أردت ان الآخذ سعد والمأخوذ سعيد فان أردت ذلك قدمته فقلت" أعطي سعد سعيداً "، ليتبين الآخذ من المأخوذ، لأن كلاً منهما صالح لذلك. فلا يتعين الآخذ إلا بتقديمه وإنابته عن الفاعل) ."
(2) المجرورُ بحرف الجرّ، نحو نُظِرَ في الامر، ومنه قوله تعالى "ولما سُقِطَ في أيديهم" . على شرط أن لا يكون حرف الجرّ للتعليل، فلا يقالث "وُقِفَ لكَ، ولا من أجلِكَ" . إلاّإذا جعلتَ نائبَ الفاعل ضميرَ الوقوفِ المفهوم من "وُقِفَ" فيكونُ التقدير "وُقِفَ الوقوفُ، الذي تعهد، لكَ أو من أجلك" .
(وإذا ناب المجرور بحرف الجر عن الفاعل، يقال في إعرابه انه مجرور لفظاً بحرف الجر مرفوع محلاً على أنه نائب فاعل. غير أنه ان كان مؤنثاً لا يؤنث فعله، بل يجب أن يبقى مذكراً. تقول "ذُهب بفاطمة" ، ولا يقال "ذهبت بفاطمة" .
(3) الظّرفُ المتصرِّفُ المختصُّ، نحو "مُشيَ يومٌ كاملٌ، وصيمَ رمضانُ" .
(والمتصرف من الظروف، ما يصح وقوعه مسنداً اليه، كيوم وليلة وشهور ودهر وأمام ووراء ومجلس وجهة ونحو ذلك. وغير المتصرف منها، ما
لا يقع مسنداً اليه، فلا يكون إلا ظرفاً، كحيث وعوض وقط والآن ومع واذا، او ظرفاً ومجروراً بمن. كعند ولدى ولدن وقبل وبعد وثم (بفتح الثاء) أو بالى، كمتى، أو بمن والى. كأين. وما كان كذلك لا ينوب عن الفاعل، لانه لا يسند اليه. اذ لا يجوز فيه الرفع، كما يصح أن تسند الى يوم وشهر ورمضان، فتقول "جاء يوم الجمعة، ومضى على الامر شهر، ورمضان شهر مبارك" .
والظرف المتصرف لا ينوب عن الفاعل إلا اذا كان مع تصرفه مختصاً. والمراد باختصاصه ان يكون مفيداً غير مبهم، وهو يختص بالوصف، نحو "جلس مجلس مفيد" أو بالاضافة نحو "سهرت ليلة القدر" ، أو بالعلمية، نحو "صيم رمضان" . فلا تنوب عن الفاعل مثل "زمان ووقت ومكان" ونحوها من الظروف المبهمة غير المختصة. فلا يقال "وقف زمان" ولا "انتظر وقت" ولا "جلس مكان" . فان اختصت بقيد يقيدها، جازت نيابتها، نحو "وقف زمان طويل، وانتظر وقت قصير، وجلس مكان رحب" ) .
(4) المصدرُ المتصرفُ المختصُّ، نحو "احتُفلَ احتفالٌ عظيمٌ" .
(والمتصرف من المصادر ما يقع مسنداً اليه كاكرام واحتفال وإعطاء وفتح ونصر ونحوها. وغير المتصرف منها ما لا يصح أن يقع مسنداً اليه. لأنه لا يكون إلا منصوباً على المصدرية. أي على المفعولية المطلقة، نحو "معاذ الله وسبحان الله" . فلا ينوب مثل هذا عن الفاعل، لأنه لا يجوز الرفع فيسند اليه، كما يصح الإسناد الى اكرام وفتح ونصر، نحو "اكرام الضيف سنة العرب" ، ونحو "اذا جاء نصر الله والفتح" .
والمصدر المتصرف لا ينوب عن الفاعل إلا اذا كان مع تصرفه مختصاً. والمراد باختصاصه أن يكون مقيداً غير مبهم، ويختص بالوصف،
نحو "وقف وقوف طويل" أو بيان العدد، نحو (نظر في الأمر نظرتان، أو نظرات) . أو ببيان النوع، نحو "سير سير الصالحين" .) .
وقد ينوبُ عن الفاعل ضميرُ المصدر المتصرّفِ المختص، كأن تقول "هل كتبت كتابةٌ حسنةٌ؟" فتقول "كُتِبتْ" . فنائبُ الفاعل ضمير مستترٌ يعود إلى الكتابة. وقد يعودُ الضمير على مَصدَرِ الفعل، وإن لم يذكر، لكونه مفهوماً معهوداً للسامع، كقوله تعالى {وحيلَ بينهم وبين ما يشتهون} أي حيل الحؤول المعهود ذهناً. فنائبُ الفاعلِ ضميرُ المصدرِ المفهوم من الكلام. ومنه قول الفرزدق [من البسيط]
يُغْضِي حَياءً، ويُغْطَى من مهابته ... فما يُكَلَّمُ إلا حينَ يبْتَسِمُ
أي يُغْضَى الإغضاءُ الذي تَعهدُ، وهو إغضاءُ الإجلال، مهابة له. فنائبُ الفاعل ضميرُ الإغضاءِ المفهوم من "يُغضى" .
(ولا يجوز أن يكون (من مهابته) في موضع الرفع على النائبية، لان حرف الجرهنا التعليل. فالمجرور في موضع النصب على أنه مفعول لأجله. وإذا كان الجر التعليل، ينوب المجرور به عن الفاعل، كما عملت، لأنه يكون، والحالة هذه، من جملة أخرى، لأن المفعول لأجله مبني على سؤال مقدر. فاذا قلت (وقف الناس) فكأن سائلاً سأل لماذا وقف الناس؟ فقلت اجلالاً العلماء، أي وقفوا جلالاً لهم.... فاجلال مبني على فعل مفهوم من الفعل المذكور، فكذلك هنا، في بيت الفرزدق.
إذ التقدير يغضى اغضاء الإجلال. اي يغضي الناس اغضاء اجلال ... وانما يغضون ذلك الاغضاء من أجل مهابته، أي مهابة له واجلالاً لمقامه) .
وإذا فُقدَ المفعولُ به من الكلام جازت نيابة كل واحدٍ من المجرورِ والمصدرِ والظرفِ المختصَّينِ على السواء. فمن نيابة المصدر المختص قوله تعالى فإذا نُفخَ في الصُّورِ نفخةٌ واحدةٌ "ومن نيابة المجرور أن تقول يُشادُ بذكرِ العاملينَ إشادةً عظيمة" ومن نيابة الظرف قولكَ "يُصلّى يومُ الجمعةِ صلاتها" .
فائدة
متى حذف الفاعل، وناب عن نائبه، فلا يجوز أن يذكر في الكلام ما يدل عليه، فلا يقال (عوقب الكسول من المعلم، أو الكسول معاقب من المعلم) بل يقال (عوقب الكسول) أو (الكسول معاقب) وذلك لأن الفاعل انما يحذف لغرض، فذكر ما يدل عليه مناف لذلك. فان أردت الدلالة على الفاعل أتيت بالفعل معلوماً، (فقلت عاقب المعلم الكسول) ، أو باسم الفاعل، فقلت (المعلم معاقب الكسول) إلا أن تقول (عوقب الكسول المعلم) ، فيكون المعلم فاعلاً لفعل محذوف تقديره (عاقب) فكأنه لما قيل (عوقب الكسول) سأل سائل من عاقبه؟ فقلت (المعلم) ، أي عاقبه المعلم. ويكون ذلك على حد قوله تعاىل {يسبح له فيها بالغدو والآصال. رجال} . في قراءة من قرأ (يسبح) مجهولاً، فيكون (رجال) فاعلاً لفعل محذوف. والتقدير (يسبحه رجال) كما تقدم في باب الفاعل) .
(3) أحكامُ نائب الفاعلِ وأَقسامُهُ
كلُّ ما تقدَّمَ من أحكام الفاعلِ يَجبُ أن يُراعى مع نائِبهِ، لانه قائمٌ مقامَهُ، فلهُ حُكمُه.
فيجبُ رفعهُ، وأن يكون بعد المُسنَدِ، وأن يُذكرَ في الكلام. فان لم يُذكر فهو ضميرلإ مستترٌ، وأن يُؤنثَ فعلهُ إن كان هو مؤنثاً، وأن يكونَ فعلُه موحِّداً، وإن كان هو مثنّى أو مجموعاً، ويجوز حذفُ فعلِه لقرينةٍ دالةٍ عليه.
(فعلى الطالب مراجعة هذه الاحكام كلها في مبحث الفاعل، وان يأتي بأمثلة لنائب الفاعل على شاكلة أمثلة الفاعل) .
ونائبُ الفاعلِ، كالفاعل، ثلاثةُ اقسامٍ صريحٌ وضميرٌ ومؤوَّلٌ.
فالصريحُ نحو "يُحَبُّ المجتهدُ" .
والضميرُ، إما مُتّصِلٌ، كالتاءِ من "أُكرِمتَ" وإما مُنفصلٌ نحو "ما يُكرَمُ إلاّ أنا" . وإما مستترٌ، نحو "أكرَمُ، ونُكْرَمُ، وتُكْرَمُ، وزُهيرٌ يُكرَمُ، وفاطمةُ تُكرَمُ" .
والمؤوَّلُ نحو يُحمَدُ أن تَجتهدوا "، والتأويلُ" يُحمَدُ اجتهادكم "."
(راجع ما فصلناه من الكلام على أقسام الفاعل وأحكامه) .
(المبتدأ والخبر)
المبتدأ والخبرُ اسمانِ تتألفُ منهما جملةٌ مفيدةٌ، نحو "الحق منصورٌ" و "الاستقلالُُ ضامنٌ سعادةَ الأمةِ" .
ويَتميّزُ المبتدأ عن الخبر بأنَّ المبتدأ مُخبَرٌ عنه، والخبرَ مُخبَرٌ به.
والمبتدأ هو المسنَدُ اليه، الذي لم يسبقهُ عاملٌ.
والخبرُ ما أُسنِدَ الى المبتدأ، وهو الذي تتمُّ به مع المبتدأ فائدة. والجملةُ المؤلفةُ من المبتدأ والخبر تُدعى جملةً اسميَّة.
ويتعلَّقُ بالمبتدأ والخبر ثمانية مباحث
(1) حكم المبتدأ
للمبتدأ خمسةُ أحكامٍ
الأول وجوبُ رفعهِ. وقد يجرُّ بالباءِ أو من الزائدتين، أو بربِّ، التي هي حرفُ جر شبيهٌ بالزائد. فالأول نحو "بِحَسبِك الله" . والثاني نحو {هل من خالقٍ غيرُ الله يَرزقكم؟!} . والثالث نحو "يا رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ يومَ القيامة" .
الثاني وجوب كونه معرفةً نحو "محمدٌ رسولُ اللهِ" أو نكرةً مُفيدةً، نحو "مجلسُ علمٍ يُنتفعُ بهِ خيرٌ من عبادة سبعينَ سنة" .
وتكون النكرة مفيدة بأحدِ أربعةَ عشر شرطاً
(1) بالإضافة لفظاً نحو خمسُ صَلواتٍ كتَبهنَّ اللهُ "، أو معنًى، نحو" كلٌّ يموتُ "، ونحو {قُلْ كلٌّ يعمل على شاكلته} ، أي كل أحدٍ."
(2) بالوصف لفظاً، نحو {لَعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مُشرك} ، أو تقديراً نحو "شَرَّ أهرَّ ذا ناب" ، ونحو "أمرٌ أتى بك" ، أي شر عظيمٌ وأمرٌ عظيمٌ أو معنًى بأن تكونَ مُصفَّرةً، نحو رُجَيْلٌ عندنا "أي رجلٌ حقيرٌ، لأن التصغيرَ فيه معنى الوصف."
(3) بأن يكونَ خبرُها ظرفاً أو جارّاً ومجروراً مُقدَّماً عليها، نحو وفوقَ كل ذي علمٍ عليمٌ، ولكل أجلٍ كتاب "."
(4) بأن تقعَ بعد نفيٍ أو استفهام. أو "لولا" ، أو "إذا" الفُجائيّةِ. فالأول نحو "ما أحدٌ عندنا" ، والثاني نحو أإلهٌ مع الله؟ "، والثالث كقول الشاعر [من البسيط] "
لوْلا اصْطِبارٌ لأّوْدَى كُلُّ ذي مِقَةٍ ... لَمَّا استقَلَّتْ مَطاياهُنَّ لِلظَّعْنِ
والرابعُ نحو "خرجتُ فاذا أسدٌ رابضٌ" .
(5) بأن تكونَ عاملةً، نحو "إعطاءٌ قِرشاً في سبيل العلم ينهض بالأمة" . ونحو "أمرٌ بمعروفٍ صدقةٌ، ونهيٌ عن مُنكر صَدَقةٌ" .
(فاعطاه عمل النصب في "قرشاً" على أنه مفعول به. وأمر ونهي يتعلق بهما حرف الجر والمجرور مفعول لها غير صريح) .
(6) بأن تكونَ مُبهَمةً، كأسماء الشرط والاستفهام و "ما" التعجبيَّة وكم الخبريَّة. فالاول نحو "من يجتهدْ يُفلِحْ" ، والثاني نحو "من مجتهد؟ وكم علماً في صدرك؟" ، والثالث نحو "ما أحسنَ العلمَ!" ، والرابعُ نحو "كم مأثرةٍ لك!" .
(7) بأن تكون مفيدةً للدُّعاءِ بخيرٍ مأو شرٍّ، فالاولُ نحو "سلامٌ عليكم" . والثاني نحو {وَيْلٌ لِلمطفّفين} .
(8) بأن تكون خَلقاً عن موصوف، نحو "عالمٌ خيرٌ من جاهل" ، أي رجلٌ عالمٌ. ومنه المثلُ "ضعيفٌ عاذَ بقَرمَلة" .
(9) بأن تقع صدرَ جملةٍ مُرتبطةٍ بالواو أو بدونها فالاول كقول الشاعر [من الطويل]
سَرَيْنا ونَجْمٌ قَدْ أَضاءَ، فَمُذْ بَدا ... مُحيَّاكَ أَخفَى ضَوْؤُهُ كُلَّ شارِقِ
والثاني كقول الشاعر [من البسيط]
الذِّئبُ يَطرُقُها في الدَّهرِ واحدةً ... وكُلَّ يَوم تَراني مُدْيَةٌ بِيدي
(10) بأن يرادَ بها التنويعُ، أي التفصيلُ والتقسيمُ كقول امرئ القيس [من المتقارب]
فأَقبَلْتُ زَحْفاً على الرُّكْبَتَيْنِ ... فَثَوْبٌ لَبِسْتُ، وثَوْبٌ أَجُرّ
وقول الآخر [من المتقارب]
فيومٌ عَلَيْنا، ويومٌ لَنا ... ويَوْمٌ نُساءُ، ويَوْمٌ نُسَرُّ
(11) بأن تُعطف على معرفة، أو يُعطفَ عليها معرفة. فالأولُ نحو "خالدٌ ورجلٌ يتعلمان النحو" ، والثاني نحو "رجلٌ وخالدٌ يتعلمانِ البيانَ" .
(12) بأن تُعطَفَ على نكرة موصوفة، أو يُعطَف عليها نكرةٌ موصوفة فالاول نحو "قولٌ معروفٌ ومغفرة خيرٌ من صدقة يَتبعُها أذىً، والثاني نحو" طاعةٌ وقولٌ معروف "."
(13) بأن يرَاد بها حقيقةُ الجنسِ لا فردٌ واحدٌ منه، نحو "ثمرةٌ خيرٌ من جَرادة" و "رجلٌ أقوى من امرأة" .
(14) بأن تَقع جواباً، نحو "رجلٌ" في جواب من قال "مَنْ عندك؟" .
فائدة
(ولم يشترط سيبويه والمتقدمون من النحاة لجواز الابتداء بالنكرة إلا حصول الفائدة. فكل نكرة أفادت إن ابتدئ بها صح أن تقع مبتدأ. ولهذا لم يجز الابتداء بالنكرةالموصوفة او التي خبرها ظرف او جار ومجرور مقدماً عليها إن لم تفد. فلا يقال "رجل من الناس عندنا. ولا عند رجل مال" ولا "الإنسان ثوب" ، لعدم الفائدة، لان الوصف في الأول وتقدم الخبر في الثاني لم يفيدا التخصيص، لانهما لم يقللا من شيوع النكرة وعمومها) .
الثالث جواز حذفه إن دلَّ عليه دليلٌ، تقول "كيف سعيدٌ؟" ،
فيقال في الجواب "مجتهدٌ" أي هو مجتهدٌ، ومنه قوله تعالى {من عَملَ صالحاً فلِنفسه، ومن أساءَ فعلَيها} وقوله {سُورةٌ أنزلناها} .
(والتقدير في الآية الأولى "فعمله لنفسه، وإساءته عليها" ، فيكون المبتدأ، وهو العمل والإساءة، محذوفاً. والجار متعلق بخبره المحذوف. والتقدير في الآية الثانية "هذه سورة" ) .
الرابعُ وجوبُ حذفهِ وذلك في أربعةِ مواضعَ
(1) إن دلَّ عليه جوابُ القسم، نحو "في ذِمَّتي لأفعلنَّ كذا" ، أي في ذِمَّتي عَهدٌ أو ميثاقٌ.
(2) إن كان خبرُه مصدراً نائباً عن فعلهِ نحو "صبرٌ جميلٌ" و "سمعٌ وطاعةٌ" ، أي صَبري صبرٌ جميلٌ، وأمري سمعٌ وطاعةٌ.
(3) إن كان الخبرُ مخصوصاً بالمدح أو الذمِّ بعد "نِعْمَ وبِئسَ" . مؤخراً عنهما، نحو نشعمَ الرجلُ أبو طالبٍ، وبِئسَ الرجلُ أبو لَهبٍ، فأبو، في المثالينِ، خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ تقديرُهُ "هوَ" .
(4) إن كان في الاصل نَعتاً قُطعَ عن النَّعتيّة في مَعرِض مدحٍ أو ذم أو ترحُّمٍ، نحو "خُذُ بيدِ زهيرٍ الكريمُ" و "دَعْ مجالسةَ فلانٍ اللئيمُ" و "احسِنْ الى فلانٍ المسكينُ" .
(فالمبتدأ محذوف في هذه الأمثلة وجوباً. والتقدير هو الكريم، وهو اللئيم، وهو المسكين ويجوز أن تقطعه عن الوصفية النصب على أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره في الول أمدح، وفي الثاني أذم، وفي الثالث أرحم) .
الخامس إن الاصلَ فيه أن يتقدَّمَ على الخبر وقد يجبُ تقديمُ الخبرِ عليه. وقد يجوز الأمران. (وسيأتي الكلامُ على ذلك) .
(2) أَقسامُ المبتدأ
المبتدأ ثلاثةُ أقسامٍ صريحٌ، نحو "الكريمُ محبوبٌ" ، وضميرٌ منفصلٌ، نحو "أنتَ مجتهد" ، ومؤوّلٌ، نحو "وأن تَصوموا خيرٌ لكمْ" ، ونحو {سَواءٌ عليهم أأنذَرتهُمْ أم لم تُنذِرهمْ} ، ومنهُ المثَلُ "تَسمعُ بالمُعَيديّ خيرٌ من أن تراه" .
(3) أَحكامُ خبر المبتدأ
لخبرِ المبتدأ سبعةُ أحكام
الأول وجوبُ رفعهِ.
الثاني أنَّ الاصل فيه أن يكون نكرة مشتقةً. وقد يكون جامداً. نحو "هذا حجرٌ" .
الثالث وجوبُ مطابقته للمبتدأ إفراداً وتثنيةً وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً.
الرابع جواز حذفهِ إن دلَّ عليه دليلٌ، نحو "خرجتُ فاذا الأسدُ" ، أي فاذا الأسدُ حاضرٌ، وتقول "مَن مجتهدٌ؟" فيقالُ في الجواب
"زُهيرٌ" أي "زهيرٌ مجتهدٌ" ، ومنه قوله تعالى {أُكلُها دائمٌ وظِلُّها} أي وظلُّها كذلك.
الخامس وجوبُ حذفهِ في أربعةِ مواضعَ
(1) أن يدلَّ على صفةٍ مُطلقةٍ، أي دالةٍ على وجودٍ عامّ.
وذلك في مسألتين، الاولى أن يتعلَّق بها ظرفٌ أو جارٌّ ومجرور، نحو "الجنة تحتَ أقدامِ الأمَّهاتِ" و "العلمُ في الصّدورِ" . والثانية أن تقعَ بعد لولا أو لوما، نحو "لولا الدِّينُ لهَلَكَ النَّاسُ" ، و "لوما الكتابةُ لضاعَ أكثرُ العلمِ" .
(فان كان صفة مفيدة (أي دالة على وجود خاص كالمشي والقعود والركوب والأكل والشرب ونحوها) وجب ذكره إن لم يدل عليه دليل، نحو "لولا العدو سالمنا ما سلم" ونحو "خالد يكتب في داره، والعصفور مفرد فوق الغصن" . ومنه حديث "لولا قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد ابراهيم" . فان دل عليه دليل جاز حذفه وذكره، نحو "لولا أنصاره لهلك" . أو "لولا أنصاره حموه لهلك" ، ونحو "علي على فرسه" أو "علي راكب على فرسه" .
(2) أن يكونَ خبراً لمبتدأ صريحٍ في القَسم، نحو "لَعمرُك لأفعَلَنَّ" ، ونحو "أيُمنُ الله لاجتهدَنَّ" ، قال الشاعر [من المتقارب]
لعَمْرُكَ ما الإِنسانُ إِلاَّ ابنُ يَوْمِه ... على ما تَجلّى يَوْمُهُ لا بانُ أَمسه
وما الفَخْرُ بالعَظمِ الرَّميم، وإِنَّما ... فَخارُ الذي يَبغِي الفَخارَ بِنَفْسهِ
(فان كان المبتدأ غير صريح في القسم (بمعنى أنه يستعمل للقسم وغيره) جاز حذف خبره وإثباته. تقول "عهد الله لأقولن الحق، وعهد الله علي لأقولن الحق" ) .
(3) أن يكونَ المتبدأُ مصدراً، أو اسم تَفضيلٍ مضافاً الى مصدرٍ، وبعدهما حالٌ لا تصلُحُ أن تكون خبراً، وإنما تَصلُحُ أن تَسدَّ مَسَدَّ الخبرِ في الدلالةِ عليه. فالاوُ نحو "تأديبي الغلامَ مُسيئاً" . والثاني نحو "أفضلُ صَلاتِكَ خالياً مما يَشْغَلُكَ" .
ولا فرقَ بين أن يكونَ اسمُ التفضيل مضافاً الى مصدرٍ صريحٍ، كما مُثّلَ، أَو مُؤوَّلٍ، نحو "أحسنُ ما تعملُ الخيرَ مُستتراً" وكذا لا فرقَ بين أن تكونَ الحالُ مُفردةً، كما ذُكر، أو جملةً كحديث "أقرب ما يكون العبدُ من ربّه وهو ساجدٌ" . وقولِ الشاعر وقد اجتمعت فيه الحالان (المفردة والمركبة) . [من البسيط]
خيرُ اقتِرابي من الموْلى حليفَ رِضاً ... وشَرُّ بُعْدِيَ عنْهُ وهو غَضبانُ
(فالحال في الأمثلة المتقدمة دالة على الخبر المحذوف (وهو حاصل) سادة مسدة. لكنها غير صالحة للاخبار بها مباشرة لمبايتنها للمبتدأ، إذ لا معنى لقولك (تأديبي الغلام مسيء، وافضل صلاتك خال مما يشغلك) ، وهلم جرا) .
فان صحَّ الإخبارُ بالحال، وجبَ رفعُها لعدم مُباينتها حينئذٍ للمبتدأ، نحو "تأديبي الغلامَ شديدٌ" وشذَّ قولهم "حُكمُكَ مُسَمَّطاً" ، أي مَثبَتاً نافذاً، إذْ يصحُّ أن تقولَ "حُكمُكَ مُسمَّطٌ" .
(4) أن يكونَ بعد واوٍ مُتعيّنٍ أن تكون بمعنى "معَ" ، نحو "كلُّ امرِيءٍ وما فَعَلَ" ، أي معَ فعلهِ. فان لم يتعيَّنْ كونُها بمعنى "مَعَ" جاز إثباتُهُ، كقولِ الشاعر [من الطويل]
تَمنَّوا لِيَ الْمَوتَ الذي يَشْعَبُ الفَتى ... وكلُّ امرِىءٍ والْمَوتَ يلتقِيانِ
السادسُ جواز تَعَدُّدِهِ، والمبتدأُ واحد نحو "خليلٌ كاتبٌ، شاعرٌ، خطيب" .
السابع أنَّ الاصل فيه أن يَتأخرَ عن المبتدأ. وقد يَتقدَّمُ عليه جوازاً أو وجوباً (وسيأتي الكلامُ على ذلك) .
(4) الخَبرُ المُفرَدُ
خبرُ المبتدأ قسمانِ مُفردٌ وجملةٌ.
فالخبرُ المفردُ ما كانَ غيرَ جملةٍ، وإن كان مُثنَّى أو مجموعاً، نحو "المتجهد محمودٌ، والمجتهدان محمودانِ، والمجتهدون محمودون" .
وهو إما جامدٌ، وإما مُشتقٌّ.
وهو إما جامدٌ، وإما مُشتقٌّ.
والمرادُ بالجامدِ ما ليس فيه معنى الوصفِ، نحو "هذا حجرٌ" . وهو لا يتَضمنُ ضميراً يعودُ الى المبتدأ، إلا إذا كان في معنى المشتق، فيتضمَّنه، نحو "عليٌّ أسدٌ" .
(فأسد هنا بمعنى شجاع، فهو مثله يحمل ضميراً مستتراً تقديره (هو) يعود الى علي، وهو ضمير الفاعل. وقد سبق في باب الفاعل ان الاسم المستعار، يرفع الفاعل كالفعل، لأنه من الأسماء التي تشبه الفعل في المعنى.
وذهب الكوفيون الى أن خبرالجامد يحتمل ضميراً يعود ال المبتدأ، وإن لم يكن في معنى المشتق. فإن قلت (هذا حجر) ، فحجر يحمل ضميراً يعود إلى اسم الاشارة (تقديره هو) ، أَي (هذا حجر هو) ، وما قولهم ببعيد من الصواب. لأنه لا بد من رابط يربط المبتدأ بالخبر، وهذا الرابط معتبر في غير العربية من اللغات أيضاً) .
والمراد بالمشتق ما فيه معنى الوَصفِ، نحو "زُهيرٌ مجتهد" . وهو يتحمَّلُ ضميراً يعود الى المبتدأ، إلا إذا رفعَ الظاهرَ، فلا يتحمَّلهُ، نحو "زُهيرٌ مجتهدٌ أخواه" .
(فمجتهد، في المثال الأول، فيه ضمير مستتر تقديره هو يعود الى زهير، وهو ضمير الفاعل. أما في المثال الثاني فقد رفع (أخواه) على الفاعلية فلم يتحمل ضمير المبتدأ) .
ومتى تحمَّلَ الخبرُ ضميرَ المبتدأ لزمتْ مُطابقتُهُ له إفراداً وتثنية وجمعاً
وتذكيراً وتأنيثاً، نحو "عليٌّ مجتهد، وفاطمةُ مجتهدةٌ، والتلميذان مجتهدان، والتميذتانِ مجتهدتانِ، والتلاميذ مجتهدونَ، والتميذاتُ مجتهدات" .
فإن لم يتضمَّن ضميراً يعودُ الى المبتدأ، فيجوزُ أن يُطابقهُ، نحو "الشمسُ والقمرُ آيتانِ من آيات اللهِ" ، ويجوز أن لا يطابقه، نحو "الناس قسمانِ عالمٌ ومتعلمٌ ولا خيرَ فيما بينهما" .
(5) الخبرُ الجملة
الخبرُ الجملةُ ما كان جملةً فعليّة، أو جملةً اسميّةً، فالاول نحو "الخُلُقُ الحسَنُ يُعلي قدرَ صاحبهِ" ، والثاني نحو "العاملُ خُلقُهُ حسنٌ" .
ويُشترطُ في الجملة الواقعة خبراً أن تكونَ مُشتملةً على رابطٍ يربطُها بالمبتدأ.
والرابطُ إما الضميرُ بازراً، نحو "الظُّلمُ مَرتعه وخيمٌ" ، أو مستتراً يعودُ الى المبتدأ، نحو "الحقُّ يعلو" . أو مُقدَّراً، نحو "الفِضةُ، الدرْهم بقرشٍ" ، أي الدرهم منها. وإما إشارةٌ الى المبتدأ، نحو {ولِباس التقوى ذلك خيرٌ} ، وإما إِعادةُ المبتدأ بلفظهِ، نحو الحاقَّةُ، ما
الحاقةُ؟ ، أو بلفظٍ أعمَّ منه، نحو "سعيد نِعمَ الرجلُ" .
(فالرجل يعم سعيداً وغيره، فسعيد داخل في عموم الرجلن والعموم مستفاد من (ال) الدالة على الجنس) .
وقد تكون الجملةُ الواقعةُ خبراً نفسَ المبتدأ في المعنى، فلا نحتاج الى رابطٍ، لانها ليست أجنبيةً عنه فتحتاجَ الى ما يربطها به، نحو {قُلْ هُوَ اللهُ أحدٌ} ، ونحو "نُطقي اللهُ حسبي" .
(فهو ضمير الشأن. والجملة بعده هي عينه، كما تقول (هو علي مجتهد) وكذلك قولك (نطقي الله حسبي) فالمنطوق به، (وهو الله حسبي) هو عين المبتدأ. وهو (نطقي) واما فيما سبق فانما احتيج الى الربط لأن الخبر اجنبي عن المبتدأ، فلا بد له من رابط يربطه به) .
قد يقعُ ظرفاً أو جارّاً ومجروراً. فالأولُ نحو "المجدُ تحتَ عَلمِ العلمِ" ، والثاني نحو "العلم في الصدور لا في السطور" .
(والخبر في الحقيقة إنما هو متعلق الظرف وحرف الجر. ولك أن تقدر هذا المتعلق فعلاً كاستقر وكان، فيكون من قبيل الخبر الجملة، واسم فاعل، فيكون من باب الخبر المفرد، وهو الأولى، لأن الأصل في الخبر أن يكون مفرداً) .
ويُخبرُ بظروف المكان عن أسماء المعاني وعن أسماء الأعيان. فالاول نحو "الخيرُ أمامك" . والثاني نحو "الجنةُ تحتَ أقدامِ الأمهاتِ" .
وأما ظروف الزمانِ فلا يُخبَّرُ بها إِلا عن أسماء المعاني، نحو "السفرُ غداً، والوصولُ بعد غدٍ" . إلا إذا حصلتِ الفائدةُ بالإخبار بها عن أسماء الاعيان فيجوزُ، نحو "الليلةَ الهلاُ" ، و "نحن في شهر كذا" و "الوردُ في آيار" . ومنه "اليومَ خمرٌ، وغداً أمرٌ" .
(6) وجوب تقديم المبتدأ
الاصلُ في المتبدأ أن يَتقدَّمَ. والاصلُ في الخبر أن يتأخّرَ. وقد يتقدَّمُ أحدهما وجوباً، فيتأخرُ الآخرُ وجوباً.
ويجبُ تقديم المبتدا في ستة مواضعَ
الاولُ أن يكون من الاسماء التي لها صدرُ الكلامِ، كأسماء الشرطِ، نحو من يَتّقِ اللهَ يُفلحْ "، وأسماء الاستفهام، نحو" من جاءَ؟ "،" وما "التعجُّبيّةِ، نحو" ما أحسنَ الفضيلةَ! "وكم الخبريةِ نحو" كم كتاب عندي! "."
الثاني أن يكون مُشبّهاً باسم الشرط، نحو "الذي يتجهدُ فله جائزةٌ" و "كلُّ تلميذٍ يجتهدُ فهو على هدىً" .
(فالمبتدأ هنا اشبه اسم الشرط في عمومه، واستقبال الفعل بعده وكونه سبباً لما بعده، فهو في قوة ان تقول (من يجتهد فله جائزة) و (اي تلميذ يجتهد فهو على هدى) . ولهذا دخلت الفاء في الخبر كما تدخل في جواب الشرط) .
الثالثُ أن يضافَ الى اسمٍ له صدرُ الكلام، نحو "غلامُ مَن مجتهدٌ؟" و "زمامُ كم أمر في يدك" .
الرابعُ أن يكون مقترناً بلام التأكيد (وهي التي يسمونها لامَ الابتداء) ، نحو لعبدٌ مؤْمنٌ خيرٌ من مشركٍ "."
الخامسُ أن يكون لك من المبتدأ والخبر معرفةً أو نكرةً، وليس هناك
قرينةٌ تعين أحدهما، فيتقدَّم المبتدأ خشيةَ التباس المسنَدِ بالمسنَدِ اليه، نحو "أخوك علي" ، إن أردتَ الإخبارَ عن الاخِ، و "عليٌّ أخوكَ" ، إن أردتَ الإخبارَ عن علي، ونحو "أسَنٌّ منك أسَنٌّ مني" إن قصدتَ الإخبار عمَّن هو أسنٌّ من مخاطبك "وأسن مني أسن منكَ" ، إن أردتَ الإخبارَ عمّن هو أسنُّ منكَ نفسِكَ.
(فان كان هناك قرينة تميز المبتدأ والخبر، جاز التقديم والتأخير نحو "رجل صالح حاضر، وحاضر رجل صالح" ونحو "بنو أبنائنا بنونا" ، بتقديم المبتدأ، و "بنونا" بنو أبنائنا، بتقديم الخبر. لأنه سواء أتقدم أحدهما أم تأخر، فالمعنى على كل حال أن بنى أبنائنا هم بنونا) .
السادس أن يكون المبتدأ محصوراً في الخبر، وذلك بأن يقترنَ الخبرُ بإلا لفظاً نحو {وما محمدٌ إلا رسولٌ} أو معنًى، نحو "إنما أنت نذيرٌ" .
(إذ المعنى ما أنت إلا نذير. ومعنى الحصر هنا أن المبتدأ (وهو محمد، في المثال الأول) منحصر في صفة الرسالة، فلو قيل "ما رسول إلا محمد" . بتقديم الخبر، فسد المعنى، لأن المعنى يكون حينئذ ان صفة الرسالة منحصرة في محمد مع انها ليست منحصرة فيه. بل هي شاملة له ولغيره من الرسل، صلوات الله عليهم. وهكذا الشأن في المثال الثاني) .
(7) وجوب تقديم الخبر
يجبُ تقديم الخبرِ على المبتدأ في أربعة مواضعَ
الاولُ إذا كان المبتدأ نكرة غير مفيدةٍ، مخَبراً عنها بظرفٍ أو جار ومجرور، نحو "في الدارِ رجلٌ" و "عندكَ ضيفٌ" ومنه قوله تعالى {ولدينا مزيدٌ} و "على أبصارهم غشاوةٌ" .
(وإنما وجب تقديم الخبر هنا لأن تأخيره يوهم أنه صفة وأن الخبر منتظر. فان كانت النكرة مفيدة لم يجب تقديم خبرها، كقوله تعالى {وأجل مسمى} عنده لأن النكرة وصفت بمسمى، فكان الظاهر في الظرف أنه خبر لا صفة) .
الثاني إذا كان الخبر اسمَ استفهامٍ، أو مضافاً الى اسم استفهامٍ، فالاول، نحو "كيف حالُكَ؟" والثاني نحو "ابنُ مَن أنت؟" و "صبيحة أيْ يوم سفرُكَ؟" .
(وإنما وجب تقديم الخبر هنا لأن لاسم الاستفهام أو ما يضاف اليه صدر الكلام) .
الثالثُ إذا اتصلَ بالمبتدأ ضميرٌ يعود الى شيء من الخبر نحو "في الدار صاحبها" ومنه قوله تعالى {أم على قلوبٍ أقفالُها} . وقولُ نُصَيب [من الطويل]
أهابُكِ إِجلالاً، وما بكِ قدرةٌ ... عليَّ، ولكن ملءُ عينٍ حبيبُها
(وإنما وجب تقديم الخبر هنا، لانه لو تأخر لاستلزم عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وذلك ضعيف قبيح منكر (راجع الكلام على عود الضمير) في الجزء الأول من هذا الكتاب) .
الرابعُ أن يكون الخبرُ محصوراً في المبتدأ. وذلك بأن يقترن المبتدأ بإلاّ لفظاً، نحو "ما خالقٌ إلا اللهُ" ، أو معنًى، نحو "إنما محمودٌ من يجتهدُ" .
(إذ المعنى "ما محمود إلا من يجتهد" . ومعنى الحصر هنا ان الخبر "وهو خالق، في المثال" منحصر في الله. فليست صفة الخلق إلا له سبحانه، فلو قيل "وما الله إلا خالق" بتقديم المبتدأ. فسد المعنى، لانه يقتضي أن لا صفة لله إلا الخلق، وهو ظاهر الفساد. وهكذا الحال في المثال الثاني) .
(8) المبتدأُ الصِّفَة
قد يُرفعُ الوصفُ بالابتداءِ، إن لم يطابق موصوفَةُ تثنيةً أو جمعاً، فلا يحتاجُ الى خبر، بل يكتفي بالفاعل أو نائبه، فيكون مرفوعاً به، ساداً مَسَدَّ الخبر، بشرط أن يتقدَّمَ الوصفَ نفيٌ او استفهامٌ. وتكونُ الصفةُ حينئذٍ بمنزلة الفعل، ولذلك لا تُثنى ولا تُجمَعُ ولا تُوصفُ ولا تُصغّرُ ولا تُعرَّفُ. ولم يشترط الاخفش والكوفيون ذلك، فأجازوا أن يُقال "ماجحٌ ولداكَ، وممدوحٌ أبناؤك" .
ولا فرقَ بينَ أن يكونَ الوصفُ مشتقّاً، نحو "ما ناجحٌ الكسولان" و "هل محبوبٌ المجتهدون" ، او اسماً جامداً فيه معنى الصفة، نحو "هل صَخْرٌ هذانِ المُعاندان؟" و "ما وحشيٌّ أخلاقُكَ" .
ولا فرقَ أيضاً بينَ أن يكونَ النفيُ والاستفهام بالحرف، كما مُثلَ، او
بغيره، نحو "ليسَ كسولٌ ولداكِ" و "غيرُ كسولٍ أبناؤكَ" و "كيف سائرٌ أخواكَ" ، غير أنهُ معَ "ليسَ" يكونُ الوصفُ اسماً لها، والمرفوعُ بعدَهُ مرفوعاً به سادّاً مسَدَّ خبرها، ومع "غيرٍ" ينتقلْ الابتداءُ إليها، ويُجر الوصفُ بالإضافة إليها، ويكونُ ما بعدَ الوصفِ مرفوعاً به سادّاً مسدَّ الخبر.
وقد يكونُ النفيُ في المعنى نحو "إنما مجتهدٌ ولداكَ" ، إذ التأويلُ "ما مجتهدٌ إلاّ ولداكَ" .
فان لم يقع الوصفُ بعد نفيٍ او استفهامٍ، فلا يجوز فيه هذا الاستعمالُ، فلا يقالُ "مجتهد غلاماكَ" ، بل تجبُ المطابقةُ، نحخو "مجتهدانِ غلاماك" . وحينئذٍ يكونُ خبراً لما بعده مُقدَّماً عليه. وقد يجوزُ على ضعفٍ، ومنه الشاعر [من الطويل]
خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ، فَلا تَكُ مُلْغِياً ... مَقالةَ لِهْبيٍّ، إِذا الطَّيْرُ مَرَّتِ
والصفةُ التي تقعُ مبتدأ، إنما ترفعُ الظاهرَ، كقول الشاعر [من البسيط]
أَقاطِنٌ قَوْمُ سَلْمَى، أمْ نَوَوْا ظَعَنا؟ ... إِنْ يَظْعَنُوا فَعَجِيبٌ عَيْشُ ومَنْ قَطَنا
او الضميرَ المنفصلَ، كقول الآخر [من الطويل]
خَليليَّ، ما وافٍ بِعَهْدِيَ أنتُما ... إذا لم تكونا لي على مَنْ أُقاطِعُ
فان رفعتِ الصفةُ الضميرَ المستترَ، نحو "زُهيرٌ لا كسولٌ ولا بَطيءٌ" لم تكن من هذا الباب، فهي هنا خبرٌ عمّا قبلَها. وكذا ان كانت تكتفي بمرفوعها، نحو "ما كسولٌ أخواهُ زُهيرٌ" ، فهي هنا خبر مقدَّمٌ، وزهيرٌ مبتدأ مؤخر، وأخواهُ فاعلُ كسول.
واعلم أن الصفةَ، التي يُبتدأُ بها، فتكتفي بمرفوعها عن الخبر، إنما هي الصفةُ التي تُخالفُ ما بعدها تثنيةً أو جمعاً، كما مَرَّ. فان طابقتهُ في تثنيتهِ أو جمعه، كانت خبراً مُقدَّماً، وكان ما بعدها مبتدأ مؤخراً، نحو "ما مُسافرانِ أخوايَ، فهل مسافرونَ إخوتُكَ؟" . أمَّا إن طابقته في إفراده، نحو "هل مسافرٌ أخوكَ؟" ، جاز جعل الوصفِ مبتدأً، فيكونُ ما بعدَه مرفوعاً به، وقد أغنى عن الخبر، وجاز جعلُهُ خبراً مُقدماً وما بعدهُ مبتدأً مؤخراً.
(الفعل الناقص)
الفعل الناقصُ هو ما يدخل على المبتدأ والخبر، فيرفعُ الاول تشبيهاً له بالفاعل، وينصبُ الآخرَ تشبيهاً له بالمفعول به، نحو "كان عُمرُ عادلاً" .
ويُسمّى المبتدأُ بعد دخوله اسماً له، والخبرُ خبراً له.
(وسميت هذه الافعال ناقصة، لأنها لا يتم بها مع مرفوعها كلام تام، بل لا بد من ذكر المنصوب ليتم الكلام. فمنصوبها ليس فضلة، بل هو عمدة، لأنه في الأصل خبر للمبتدأ، وإنما نصب تشبيهاً له بالفضلة، بخلاف غيرها من الافعال التامة، فان الكلام ينعقد معها بذكر المرفوع، ومنصوبها فضلة خارجة عن نفس التركيب) .
والفعلُ الناقصُ على قسمينِ كانَ وأخواتُها. وكاد وأخواتها. (وهي التي تُسمى أفعالَ المُقارَبة) .
كان وأَخواتها
كانَ وأَخواتُها هي "كان وأمسى وأصبحَ وأضحى وظلَّ وباتَ وصارَ وليسَ وما زالَ وما انفكَّ وما فَتيءَ وما بَرِحَ وما دامَ" .
وقد تكونُ "آض ورجَعَ واستحال وعادَ وحارَ وارتدَّ وتَحوَّل وغدا وراحَ وانقلبَ وتَبدَّل" ، بمعنى "صارَ" ، فان أتت بمعناها فلها حُكمُها.
ويتعلّقُ بكانَ وأخواتها ثمانيةُ مباحثَ
(1) مَعاني كانَ وأَخواتِها
معنى "كان" اتصافُ المُسنَدِ في الماضي. وقد يكون اتصافهُ به على وده الدَّوام، إن كان هناك قرينةٌ، كما في قوله تعالى {وكانَ اللهُ عليماً حكيماً} ، أي إنه كان ولم يَزلْ عليماً حكيماً.
ومعنى "أمسى" اتصافُه به في المساء.
ومعنى "أصبحَ" اتصافُهُ به في الصباح.
ومعنى "أضحى" اتصافه به في الضحا.
ومعنى "ظلَّ" اتصافه به وقتَ الظلِّ، وذلك يكون نهاراً.
ومعنى "بات" اتصافُهُ به وقتَ المَبيت، وذلك يكون ليلاً.
ومعنى "صار" التَّحوُّل، وكذلك ما بمعناها.
ومعنى "ليس" النفي في الحال، فهي مختصةٌ بنفي الحال، إلا إذا
قُيّدت بما يُفيدُ المُضيّ أو الاستقبال، فتكون لِما قُيّدتْ به، نحو "ليس عليَّ مُسافراً أمسِ أو غداً" .
و "ليس" فعلٌ ماضٍ للنفي، مختصٌّ بالأسماءِ وهي فعلٌ يُشبهُ الحرفَ. ولولا قَبولها علامةَ الفعلِ، نحو "ليستْ وليسا وليسوا ولسنا ولسن" ، لحكمنا بحرفيّتها.
ومعنى "ما زال وما انفكَّ وما فتيءَ وما برحَ" مُلازمة المُسنَد للمسنَد إليه، فاذا قلتَ "ما زالَ خليلٌ واقفاً" فالمعنى أنه ملازمٌ للوقوف في الماضي.
ومعنى "ما دام" استمرارُ اتصافِ المُسندِ إليه بالمُسندِ. فمعنى قولهِ تعالى "وأوصاني بالصلاة والزكاةِ ما دُمتُ حياً" أوصاني بهما مدةَ حياتي.
وقد تكون "كان وأمسى وأصبح واضحى وظلَّ وبات" بمعنى "صار" ، إن كان هناك قرينةٌ تدلُّ على أنه ليسَ المرادُ اتصافَ المسنَد إليه بالمسنَد في وقت مخصوص، مما تدلُّ عليه هذه الأفعال، ومنه قوله تعالى {فكان من المُغرَقينَ} أي صار، وقوله {فأصبحتم بنعمتهِ إخواناً} ، أي صرتم، وقوله {فظلتْ أعناقُهم لها خاضعين} ، أي صارت، وقوله {ظلَّ وجهُهُ مسوداً} ، أي صار.
(2) شُروط بعضِ أَخواتِ "كان"
يُشترَطُ في "زالَ وانفكَّ وفتيءَ وبرحَ" أن يتقدَّمَها نفيٌ، نحو {لا يزالونَ مختلفينَ} و {لن نبرحَ عليه عاكفين} ، أو نهيٌ، كقول الشاعر [من الخفيف]
صاحِ شَمِّرْ، ولا تَزَلْ ذاكِرَ الْمَوْ ... تِ فَيِسْيانُهُ ضَلالٌ مُبِينُ
أو دُعاءٌ، نحو "لا زِلتَ بخيرٍ" .
وقد جاء حذفُ النهي منها بعد القسم، والفعلُ مضارعٌ منفيٌّ بلاَ وذلك جائزٌ مُستملَحٌ، ومنه قولهُ تعالى {تاللهِ تَفتأُ تذكُرُ يوسفَ} ، والتقديرُ "لا تفتأُ" وقولُ امرئ القيس [من الطويل]
فقُلْتُ يَمينُ اللهِ أَبرحُ قاعداً ... ولَوْ قَطَعُوا رأْسي لَدَيْكِ وأَوصالي
والتقديرُ "لا أبرح قاعداً" .
ولا يُشترطُ في النفي أن يكون بالحرف، فهو يكونُ به، كما مرَّ، ويكونُ بالفعل، نحو "لستَ تبرحُ مجتهداً" ، وبالاسم، نحو "زُهيرٌ غيرُ مُنفكٍّ قائماً بالواجب" .
وقد تأتي "وَنَى يني، ورامَ يَريمُ" بمعنى "زالَ" الناقصة، فيَعملانِ عمَلها. ويُشترطُ فيهما ما يُشترطُ فيها، ومنه قولُ الشاعر [من الطويل]
فأَرحامُ شِعْرٍ يَتَّصِلْنَ ببابهِ ... وأرحامُ مالٍ لا تَني تَتَقَطَّعُ
أي لا تزالُ تتقطّعُ، وقول الآخر [من الطويل]
إذا رُمتَ، مِمَّنْ لا يَريمُ مُتَيَّماً، ... سُلُوّاً فَقَدْ أَبعَدْتَ في رَوْمِكَ المَرْمَى،
أي "لا يزالُ، أو لا يبرحُ مُتَيَّماً" .
ويشترطُ في "دامَ" أن تتقدَّمها "ما" المصدريَّةُ الظرفيّةُ، كقوله تعالى {وأوصاني بالصلاة والزَّكاةِ وما دُمتُ حَيًّا} .
(ومعنى كونها مصدرية انها تجعل ما بعدها في تأويل مصدر. ومعنى كونها ظرفية انها نائبة عن الظرف وهو المدة، لأن التقدير "مدة دوامي حياً" ) .
"تلبية" - زال الناقصة مضارعها "يزال" . وأما "زال الشيء يزول" بمعنى "ذهب" و "زال فلان هذا عن هذا" ، بمعنى "مازه عنه يميزه، فهما فعلان تامان. ومن الاول قوله تعالى {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا} ."
وقد يُضَمرُ اسمُ "كانَ" وأخواتها، ويُحذفُ خبرُها، عند وجودِ قرينةٍ دالةٍ على ذلك، يُقالُ "هل أصبح الرَّكبُ مسافراً؟" فتقولُ "أصبح" ، والتقديرُ "أصبحَ هو مسافراً" .
(3) أَقسامُ كان وأَخَواتها
تنقسمُ "كان وأخواتُها" إلى ثلاثة أقسام
الاولُ ما لا يتصرفُ بحالٍ؛ وهو "ليسَ ودام" فلا يأتي منهما المضارعُ ولا الأمرُ.
الثاني ما يتصرَّفُ تَصرُّفاً تاماً، بمعنى أنه تأتي منه الأفعال الثلاثةُ، وهو "كان وأصبَحَ وأمسى وأضحى وظَلَّ وباتَ وصارَ" .
الثالث ما يتصرَّفُ تصرُّفاً ناقصاً، بمعنى أنهُ يأتي منه الماضي
والمضارع لا غيرُ، وهو "ما زالَ وما انفكَّ وما فتيءَ وما بَرِحَ" .
واعلم أن ما تصرَّفَ من هذه الافعال يعملُ عملَها، فيرفع الاسم وينصبُ الخبرَ، فعلاً كان أو صفةً، أو مصدراً، نحو يمسي المجتهدُ مسروراً، وأمسِ أديباً، وكونُكَ مجتهداً خيرٌ لك "قال تعالى {قُلْ كونوا حجارةً أو حديداً} ، وقال الشاعر [من الطويل] "
وما كُلُّ مَنْ يُبْدِي البَشاشةَ كائناً ... أَخاكَ، إذا لم تُلْفِهِ لَكَ مُنْجِدا
غيرَ أنَّ المصدرَ كثيراً ما يُضافُ الى السم، نحو "كونُ الرجلِ تقيّاً خيرٌ لهُ" .
(فالرجل مجرور لفظاً، لأنه مضاف غليه، مرفوع محلاً، لأنه اسم المصدر الناقص) .
وإن أُضيفَ المصدرُ الناقصُ الى الضمير أو الى غيرهِ من المبنيّات، كان له محلاّنِ من الاعراب محلٌّ قريبٌ وهو الجرُّ بالإضافة، ومحلٌّ بعيدٌ، وهو الرفع، لأنه اسمٌ للمصدر الناقص، قال الشاعر [من الطويل]
بِبَذْلٍ وحِلْمٍ سادَ في قَوْمِهِ الْفَتَى ... وكونُكَ إِيَّاهُ عَلَيْكَ يَسيرُ
(4) تَمامُ "كانَ" وأَخواتِها
قد تكونُ هذه الافعال تامَّةً، فتكتفي برفع المُسنَدِ إليه على أنهُ فاعلٌ لها، ولا تحتاجُ الى الخبر، إلاّ ثلاثةَ أفعالٍ منها قد لَزِمَتْ النّقصَ، فلم تَرِد تامَّةً، كوهي "ما فتيءَ وما زال وليس" .
(فاذا كانت (كان) بمعنى حصل، و (أمسى) بمعنى دخل في
المساء، و (أصبح) بمعنى دخل في الصباح، و (أضحى) بمعنى دخل في الضحى، و (ظل) بمعنى دام واستمر، و (بات) بمعنى نزل ليلاً، أو أدركه الليل، أو دخل مبيته، و (صار) بمعنى انتقل، أو ضم وأمال أو صوت، أو قطع وفصل، و "دام" بمعنى بقي واستمر، "وانفك" بمعنى انفصل أو انحل، و "برح" بمعنى ذهب، أو فارق، كانت تامة تكتفي بمرفوع هو فاعلها) .
ومن تمام هذه الأفعال قولهُ تعالى: {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82] ، وقوله: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ، وقولهُ: {فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] ، وقولهُ: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض} [هود: 107] وقوله: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطير فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: 260] ، قُريءَ بضم الصاد، من صارَهُ يَصورُهُ، وبكسرها، من صارهُ يَصرُهُ، وقول الشاعر: [من المتقارب]
تَطاوَلَ لَيْلُكَ بالإثْمِدِ ... وباتَ الخَليُّ، ولم تَرْقُدِ
(5) أَحكامُ اسم "كانَ" وخَبَرُها
كل ما تَقدَّمَ من أحكامِ الفاعلِ وأقسامه، يَعطى لاسم "كانَ" وأخواتها لأن لهُ حُكمَهُ.
وكلُّ ما سبقَ لخبر المبتدا من الأحكامِ والأقسامِ، يُعطى لخبر "كان" وأخواتها، لأنَّ لهُ حُكمَهُ، غيرَ أنه يجبُ نصبُهُ، لأنهُ شبيهٌ بالمفعول به.
وإذا وقع خبرُ "كانَ" وأخواتها جملةً فعليةً، فالأكثرُ أن يكونَ فعلُها مضارعاً، وقد يجيءُ ماضياً، بعد "كانَ وأمسى وأضحى وظلَّ وبات وصارَ" . والأكثرُ فيه، إن كانَ ماضياً، أن يقترن بِقدْ، كقول الشاعر
فأَصبَحُوا قَدْ أَعادَ اللهُ نِعْمَتَهُمْ ... إذْهُمْ قُرَيْشٌ، وإِذْ ما مِثْلُهُمْ أَحدُ
وقد وقعَ مجرَّداً منها، وكثر ذلكَ في الواقعِ خبراً عن فعلِ شرطٍ، ومنه قولهُ تعالى {وإن كانَ كبُرَ عليكم مَقامي} ، وقوله "إن كانَ كبُرَ عليكَ إِعراضُهم" وقولهُ {إن كنتُ قُلْتَهُ فَقدْ علِمتَهُ} وقلَّ في غيره، كقول الشاعر [من البسيط]
أَضْحَتْ خَلاءَ، وأَضْحَى أَهلُها احتَمَلوا ... أَخنى عَلَيها الذي أَخنى على لُبَدِ
وقولِ الآخر [من الطويل]
وكانَ طَوَى كَشْحاً على مُسْتَكِنَّةٍ ... فَلا هُوَ أَبداها، ولم يَتَقَدَّمِ
(6) أَحكامُ اسمِها وخَبَرِها في التَّقديم والتأخير
الأصلُ في الاسمِ أن يَليَ الفعلَ الناقصَ، ثمَّ يجيء بعدَه الخبرُ. وقد يُعكَسُ الأمرُ، فيُقدَّمُ الخبرُ على الاسمِ، كقوله تعالى {وكانَ حقاً علينا نَصرُ المؤْمنين} ، وقولِ الشاعر [من البسيط]
لا طِيبَ لِلعَيشِ ما دامتْ مُنَغَّصَةً ... لذَّاتُهُ بادِّكارِ الشَّيْبِ والهَرَمِ
وقول الآخر [من الطويل]
سَلي، إن جَهِلْتِ الناسَ عَنَّا وعنهُمُ ... فَلَيْسَ سَواءَ عالمٌ وجَهولٌ.
ويجوزُ أن يتقدَّمَ الخبرُ عليها وعلى اسمها معاً، إلا "ليسَ" وما كان في أوَّلهِ "ما" النافيةُ أو "ما" المصدريَّةُ، فيجوزُ أن يُقالَ "مُصحِية، كانتِ السماءُ" "وغزيراً أمسى المطرُ" ، ويَمتنعُ أن يُقالَ "جاهلاً ليس سعيدٌ" ، و "كسولاً ما زال سليمٌ" و "أقفُ، واقفاً ما دام خالدٌ" . وأجازه بعضُ العلماءِ في غير "ما دام" .
أمّا تقدُّمُ معمولِ خبرِها عليها فجائزٌ أيضاً، كما يجوزُ تقدُّمُ الخبر، قال تعالى {وأنفسَهم كانوا يَظلمون "، وقال" أهؤلاءِ إياكم كانوا يعبُدون} .
واعلَمْ أن أحكامَ اسمِ هذه الافعالِ، وخبرها في التقديم والتأخير، كحكم المبتدأ وخبره، لأنهما في الاصل مبتدأٌ وخبرٌ.
(7) خَصائِصُ "كانَ"
تختصُّ "كان" من بينِ سائرِ أخواتها بستَّةِ أشياءَ
(1) أنها قد تُزادُ بشرطينِ أحدهما أن تكونَ بلفظ الماضي، نحو "ما (كان) أصحَّ عِلمَ من تقدَّمَ؟" . وشذت زيادتها بلفظ المضارع في قول أُم عَقيل ابن أبي طالب [من الرجز]
أَنتَ "تَكُونُ" ماجِدٌ نَبِيلٌ ... إذا تَهبُّ شَمْأَلٌ بَليلُ
والآخر أن تكون بينَ شيئينِ مَتلازمينِ، ليسا جاراً ومجروراً. وشذَّت زيادتُها بينهما في قول الشاعر [من الوافر]
جِيادُ بَني أَبي بَكْرٍ تَسَامَى ... على "كانَ" المُسَوَّمَةِ العِرابِ
وأكثرُ ما تزادُ بينَ "ما" وفعلِ التَّعجُّبِ، نحو "ما (كان) أعدلَ عُمرَ!" . وقد تُزادُ بينَ غيرهما ومنه قولُ الشاعر (وقد زادّها بينَ "نِعْمَ" وفاعلها) . [من الكامل]
ولَبِسْتُ سِرْبالَ الشبابِ أَزورُها ... وَلَنِعْمَ "كانَ" شَبيبَةُ المُحتالِ
وقولُ بعضِ العرَبِ (وقد زادّها بين الفعل ونائب الفاعل) وَلَدتْ فاطمةُ - بنتُ الخُرْشُبِ الكَمَلةَ من بني عَبْس، لم يُوجَدْ (كانَ) مِثلُهُم، وقول الشاعر (وقد زادَها بينَ المعطوف عليه والمعطوف) [من الكامل]
في لُجَّةٍ غَمَرَتْ أَباكَ بُحُورُها ... في الجاهِلِيَّة "كانَ" والإِسلامِ
وقول الآخر (وقد زادَها بينَ الصفة والموصوف) [من البسيط]
في غُرَفِ الجَنَّةِ العُلْيا التي وَجَبَتْ ... لَهم هُناكَ بِسَعْيٍ "كان" مَشكورِ
(واعلم أن "كان" الزائدة معناها التأكيد، وهي تدل على الزمان الماضي. وليس المراد من تسميتها بالزائدة انها لا تدل على معنى ولا زمان، بل المراد انها لا تعمل شيئاً، ولا تكون حاملة للضمير، بل تكون بلفظ المفرد المذكر في جميع أَحوالها. ويرى سيبويه أنها قد يلحقها الضمير، مستدلاً بقول الفرزدق) [من الوافر]
فكيف إذا مررت بدار قوم ... وجيران لنا (كانوا) كرام
(2) أنها تُحذَفُ هي واسمها ويبقى خبرُها، وكثرَ ذلك بعدَ "أنْ ولو" الشرطيَّتينِ. فمثالُ "إنْ" "سِرْ مُسرعاً، إن راكباً، وإن ماشياً" ، وقولهم "الناسُ مَجزِيُّونَ بأعمالهم، إنْ خيراً فخيرٌ، وإن شرّاً فَشرٌّ" ، وقولُ الشاعر [من الكامل]
لا تَقْرَبَنَّ الدَّهرَ آلَ مُطَرِّفٍ ... إنْ ظالماً أَبداً، وإِنْ مَظْلوما
وقولُ الآخر [من الكامل]
حَدَبَتْ عَلَيَّ بُطونُ ضَبَّةَ كُلُّها ... إنْ ظالماً فيهم، وإنْ مَظلوماً
وقول غيرهِ [من البسيط]
قَدْ قيلَ ما قِيلَ، إِنْ صِدْقاً، وإِنْ كَذِباً ... فَما اعتِذارُكَ من قَولٍ إذا قيلا؟!
ومثالُ "لوْ" حديثُ "التَمِسْ ولو خاتماً من حديد" . وقولهم "الإطعامَ ولو تمراً" ، وقول الشاعر [من البسيط]
لا يأْمَنِ الدَّهرَ ذو بغْيٍ، وَلَوْ مَلِكاً ... جُنُودُهُ ضاقَ عنها السَّهْلُ والجَبَلُ
(3) أنها قد تُحذفُ وحدَها، ويبقى اسمُها، وخبرُها، ويعوَّضُ منها "ما" الزائدةُ، وذلك بعدَ "أن" المصدريَّةِ، نحو "أمّا أنتَ ذا مال تَفتخرُ!" ، والأصلُ "لأنْ كنتَ ذا مالٍ تَفتخرُ!" .
(فحذفت لام التعليل، ثم حذفت "كان" وعوض منها "ما" الزائدة وبعد حذفها انفصل الضمير بعد اتصاله، فصارت "أن ما أنت" ، فقلبت النون ميماً للادغام، وأدغمت في ميم "ما" فصارت "أما" ) .
ومن ذلك قول الشاعر [من البسيط]
أَبا خُراشةَ، أَمَّا أَنتَ ذا نَفَر! ... فإنَّ قَوْمِيَ لَمْ تأْكُلْهُمُ الضَّبُعُ
(4) أنها قد تُحذَف هي واسمها وخبرُها معاً، ويَعوَّضُ من الجميع "ما" الزائدةُ، وذلك بعد "إن" الشرطيةِ، في مثل قولهم "إفعلْ هذا إِما لا" .
(والاصل "إِفعل هذا إن كنت لا تفعل غيره" . فحذفت "كان" مع اسمها وخبرها وبقيت "لا" النافية الداخلة على الخبر، ثم زيدت "ما" بعد "أن" لتكون عوضاً، فصارت "إن ما" ، فأدغمت النون في الميم، بعد قلبها ميماً، فصارت "إما" ) .
(5) أنها قد تُحذَفُ هي واسمها وخبرُها بلا عِوَضٍ، تقولُ "لا تعاشر فلاناً، فانه فاسدُ الاخلاقِ" ، فيقولُ الجاهلُ "أني أُعاشرُهُ وإن" ، أي وإن كان فاسدَها، ومنه [من الرجز]
قالَتْ بَناتُ الْعَمِّ يا سَلْمَى، وإنْ ... كان فَقيراً مُعْدِماً؟! قالَتْ وإنْ
تُريدُ إني أَتزَوَّجهُ وإن كان فقيراً مُعدِماً.
(6) إنها يجوزُ حذفُ نونِ المضارع منها بشرط أن يكون مجزوماً بالسكون، وأن لا يكونَ بعده ساكنٌ، ولا ضميرٌ متصلٌ. ومثال ما اجتمعت فيه الشروطُ قولهُ تعالى {لم أكُ بَغِيّاً} ، وقول الشاعر [الحطيئة - من الوافر]
ألَمْ أَكُ جارَكُمْ ويَكونَ بَيْني ... وبَيْنَكُمُ الْمَودَّةُ والإِخاءُ
والأصلُ "ألمْ أكنْ" . وأما قولُ الشاعر [من الطويل]
فإن لم تَكُ المِرآةُ أبدَت وسَامَةً ... فَقَدْ أَبدَت المِرآة جَبْهَةَ ضَيغَم
وقول الآخر [من الطويل]
إذا لَمْ تَكُ الحاجاتُ مِنْ هِمَّة الْفَتَى ... فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْكَ عقْدُ الرَّتائِم
فقالوا انه ضرورة. وقال بعضُ العلماءِ لا بأسَ بحذفها إن التقت بساكن بعدَها. وما قوله ببعيدٍ من الصواب. وقد قُريءَ شُذوذاً {لم يَكُ الذينَ كفروا} .
(8) خوصيَّةُ "كانَ ولَيْسَ" .
تختصُّ (ليسَ وكانَ) بجوازِ زيادةِ الباء في خبريهما، ومنهُ قولهُ تعالى {أليسَ اللهُ بأحكمِ الحاكمين} . أما (كان) فلا تزادُ الباءُ في خبرها إلاّ إذا سبقها نفيٌ أو نهيٌ نحو (ما كنتُ بحاضرٍ) و (لا تكنْ بغائب) ، وكقول الشاعر [من الطويل]
وإن مُدَّتِ الأَيدي إلى الزَّادة، لَمَّ أَكُنُ ... بأَعْجَلهمْ، إِذْ أَجْشَعُ الْقَوْمِ أَعجَلُ
على أنَّ زيادةَ الباء في خبرها قليلةٌ، بخلافِ (ليس) ، فهي كثيرة شائعة.
كاد وأخواتها
أو أفعالُ المقارَبةِ
"كادَ وأخواتُها" تعملُ عملَ "كان" ، فترفعُ المبتدأ، ويُسمّى اسمها، وتنصبُ الخبرَ، ويُسمّى خبرها. وتُسمّى أفعالُ المقاربة.
(وليست كلها تفيد المقاربة، وقد سمي مجموعها بذلك تغليباً لنوع من انواع هذا الباب على غيره. لشهرته وكثرة استعماله) .
وفي هذا المبحث ستةُ مباحثَ
(1) أقسامُ "كادَ" وأَخواتِها
"كادَ وأخواتها" على ثلاثة أقسام
(1) افعال المقارَبة، وهيَ ما تَدُل على قُرب وقوع الخبر. وهي ثلاثةٌ "كادَ وأوشكَ وكرَبَ" ، تقولُ "كادَ المطرُ يَهطِلُ" و "أوشكَ الوقتُ ان ينتهي" و "كرَبَ الصبحُ أن يَنبلج" .
(2) افعالُ الرَّجاءِ، وهي ما تَدُل على رجاءِ وقُوع الخبر. وهي ثلاثةٌ ايضاً "عَسى وحرَى واخلولقَ" ، نحو "عسى الله أن يأتيَ بالفتح" ، وقول الشاعر [من الوافر]
عَسَى الْكرْبُ الْذي أمسَيْتُ فيه ... يَكونُ وَراءَهُ فَرَجٌ قريبُ
ونحو "حَرَى المريضُ ان يشفى" و "اخلولقَ الكسلانُ أن يجتهدَ" .
(3) افعالُ الشروع، وهي ما تدل على الشروعُ في العمل، وهي كثيرةٌ، منها "أنشأ وعَلِقَ وطَفِقَ وأخذَ وهَبَّ وبَدأَ وابتدأ وجعلَ وقامَ وانبرى" .
ومثلُها كلُّ فعلٍ يَدُلُّ على الابتداء بالعمل ولا يكتفي بمرفوعه، تقولُ "أنشأ خليلٌ يكتُبُ، عَلِقوا ينصرفون، وأخذُوا يَقرءُونَ، وهَبَّ القومُ يتسابقونَ، وبَدَءُوا يَتبارَونَ، وابتدءُوا يتقدَّمونَ، وجعلوا يَستيقظونَ، وقاموا يتنبَّهونَ، وانبَروْا يسترشدونَ" .
وكلُّ ما تقدَّمَ للفاعل ونائبهِ واسم "كانَ" ، من الأحكام والأقسام، يُعطَى لاسمِ "كادَ" وأخواتها.
(2) شُروطُ خَبَرِها
يُشترَطُ في خبر "كاد واخواتها" ثلاثةُ شروطٍ
(1) ان يكون فعلاً مضارعاً مُسنَداً الى ضميرٍ يعودُ الى اسمها، سواءٌ اكان مُقترناً بِـ "أنْ" ، نحو "اوشكَ النهارُ أن ينقضيَ" ، ام مُجرَّداً منها، نحو "كادَ الليلُ ينقضي" ، ومن ذلك قولُه تعالى "لا يكادونَ يفقونَ حديثاً" ، وقولهُ "وطفِقا يخصِفانِ عليهما من وَرَقِ الجنَّةِ" .
ويجوزُ بعدَ "عسى" خاصَّة أن يُسنَدَ الى اسمٍ ظاهرٍ، مُشتملٍ على
ضميرٍ يعودُ الى اسمها، نحو "عسى العاملُ أن ينجحَ عملُه" ومنه قولُ الشاعر [الفرزدق - من الطويل]
ومَاذا عَسى الحَجَّاجُ يَبْلُغُ جُهْدُهُ ... إِذا نحنُ جاوَزْنا حَفِيرَ زِيادِ
ولا يجوزُ أن يقَعَ خبرُها جملةً ماضيةً، ولا اسميةً، كما لا يجوزُ أن يكون اسماً. وما وَرَدَ من ذلكَ، فشاذٌّ لا يُلتفتُ اليه. واما قولهُ تعالى {فطَفِقَ مَسحاً بالسوق والأعناقِ} ، فمسحاً ليس هو الخبرَ، وإنما هو مفعولٌ مطلقٌ لفعلٍ محذوفٍ هو الخبرُ، والتقديرُ "يمسح مسحاً" .
(2) ان يكون متأخراً عنها. ويجوزُ ان يتوسَّطَ بينها وبينَ اسمها، نحو "يكادُ ينقضي الوقتُ" . ونحو "طَفِقَ ينصرفون الناسُ" .
ويجوزُ حذفُ الخبرِ إذا عُلِمَ، ومنهُ قولهُ تعالى، الذي سبق ذكرهُ "فطفقَ مسحاً بالسُّوقِ والأعناقِ" ، ومنه الحديثُ "من تأنّى اصابَ او كادَ، ومن عَجلَ اخطأ او كادَ" ، اي كادَ يُصيبُ، وكادَ يُخطيءُ، ومنه قولُ الشاعر [من البسيط]
ما كانَ ذَنْبيَ في جارٍ جَعَلْتُ لهُ ... عَيْشاً، وقدْ ذاقَ طَعْمَ المَوْتِ أو كَرَبا
اي كربَ يَذوقُهُ، وتقولُ "ما فعلَ، ولكنهُ كادَ" ، أي كادَ يفعلُ.
(3) يُشترطُ في خبر "حَرَى واخلولقَ" ان يقترنَ بِـ "انْ" .
(3) الخَبرُ المُقْترنُ بأن
"كادَ واخواتُها" من حيثُ اقترانُ خبرِها بأنْ وعدَمُه على ثلاثة اقسام
(1) ما يجب أن يقترنَ خبرُه بها، وهما "حرَى واخلولقَ" ، من افعالِ الرّجاءِ.
(2) ما يجبُ ان يتجرَّدَ منها، وهي افعالُ الشروع.
(وإنما لم يجز اقترانها بأن، لان المقصود من هذه الأفعال وقوع الخبر في الحال، و "أن" للاستقبال، فيحصل التناقض باقتران خبرها بها) .
(3) ما يجوزُ فيه الوجهانِ اقترانُ خبرهِ بأنْ، وتَجردُه منها، وهي افعالُ المقارَبة، و "عسى" من افعال الرَّجاءِ، غير أنَّ الاكثرَ في "عسى وأوشكَ" ان يقترنَ خبرُهما بها، قال تعالى {عسى رَبُّكم ان يرحمَكم} ، وقال الشاعر [من الطويل]
ولَوْ سُئِلَ النّاسُ التُّرابَ لأَوشَكوا ... إِذا قِيلَ هاتوا، أنْ يَمَلّوا ويمنعُوا
وتجريدُه منها قليلٌ، ومنه قول الشاعر [من الوافر]
عَسى الْكَرْبُ، الْذي أَمسَيْتُ فيهِ، ... يَكُونُ وَراءَهُ فرجٌ قَريبُ
وقول الآخر [من المنسرح]
يُوشكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنيَّتِهِ ... في بَعْضِ غِرَّاتهِ يُوافقُها
والأكثرُ في "كادَ وكَرَبَ" أن يتجردَ خبرُهما منها، قال تعالى {فذبحوها وما كادوا يفعلون} ، وقال الشاعر [من الخفيف]
كَرَبَ الْقَلْبُ مِنْ جَواهُ يَذوبُ ... حينَ قالَ الْوُشاةُ هِنْدٌ غَضُوبُ
واقترانُهُ بها قليلٌ، ومنه الحديثُ "كادَ الفقرُ أن يكون كفراً" وقولُ الشاعر
سَقاها ذَوُو الأَحلامِ سَجْلاً على الظَّما ... وقَدْ كَرَبت أعناقُها أَنْ تَقَطَّعا
(4) حكمُ الخَبَرِ المُقْتَرِن بأَنْ والمُجَرَّدِ منْها
إن كان الخبرُ مُقترِناً بأن، مثلُ "أوشكتِ السماءُ أن تُمطِرَ. وعسى الصديقُ أن يحضُرَ" ، فليس المضارعُ نفسهُ هو الخبرَ، وإنما الخبرُ مصدرُهُ المؤَوْلُ بأن، ويكونُ التقديرُ "أوشكت السماءُ ذا مطرٍ. وعسى الصديقُ ذا حضور" غير انه لا يجوزُ التصريح بهذا الخبر المؤَوَّل، لأنَّ خبرَها لا يكونُ في اللفظ اسماً.
وإن كان غيرَ مُقترنٍ بها، نحو "أوشكتِ السماءُ تمطِر" ، فيكونُ الخبرُ نفسَ الجملة، وتكونُ منصوبةً محلاً على انها خبرٌ.
(5) المُتَصَرِّفُ من هذهِ الأَفعالِ وغيرُ المُتَصَرِّف منها
هذه الأفعالُ كلُّها مُلازمة صيغة الماضي، إلا "أَوشكَ وكادَ" ، من افعال المقاربة، فقد وردَ منهما المضارع.
والمضارع من "كادَ" كثيرٌ شائعٌ، ومن "أوشكَ" أكثرُ من الماضي، ومن ذلك قولهُ تعالى {يكادُ زَيتُها يُضيءُ ولو لم تمسَسْه نارٌ "، والحديثُ" يُوشِكُ أن يَنزِلَ فيكم عيسى بنُ مريمَ حَكَماً عدلاً} .
(6) خَصائِصُ عَسَى واخلَوْلَقَ وأَوْشَكَ
تختصُّ "عسى واخلولقَ وأوشك" ، من بين أفعال هذا الباب، بأنهن قد يَكُنَّ تاماتٍ، فلا يَحتجنَ الى الخبر، وذلك إذا وَلِيَهنَّ "أنْ والفعلُ، فيُسنَدْنَ الى مصدره المؤَوْل بأنْ، على أنه فاعلٌ لهنَّ، نحو:" عسى أن تقومَ. واخلولقَ أن تُسافروا. وأوشكَ أن نَرحلَ "، ومنه قوله تعالى: {وعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وعسى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} [البقرة: 216] وقولهُ: {عسى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي} [الكهف: 24] ، وقولهُ: {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} [الإسراء: 79] ."
هذا إذا لم يتقدّم عليهنَّ اسمٌ هو المُسنَدُ إِليه في المعنى (كما رأيت) ، فان تقدّم عليهنَّ اسمٌ يَصحُّ إسنادُهنَّ الى ضميرهِ، فأنت بالخيار، إن شئتَ جعلتهنَّ تامّاتٍ (وهو الأفصح) ، فيكونُ المصدرُ المؤوَّلُ فاعلاً لهنَّ، نحو "علي عسى أن يذهب، وهندٌ عسى أن تذهب. والرجلانِ عسى أن يذهبا. والمرأتان عسى أن تذهبا. والمسافرون عسى أن يحضُروا. والمسافرات عسى أن يحضُرْن" بتجريد (عسى) من الضمير. وإن شئت جعلتهنَّ ناقصاتٍ، فيكونُ اسمُهنَّ ضميراً. وحينئذ يَتحملنَ ضميراً مستتراً، أو ضميراً بارزاً مطابقاً لِما قبلَهنَّ، إفراداً أو تثنية أو جمعاً، وتذكيراً أو تأنيثاً، فتقول فيما تقدَّمَ من الأمثلة "عليٌّ عسى أن يذهبَ. وهندٌ عسَتْ أن تذهبَ. والرجلان عَسَيا أن يذهبا، والمرأتانِ عَسَتا أن تذهبا. والمسافرونَ"
عَسَوْا أن يحضُروا. والمسافراتُ عسَيْنَ أن يَحضُرونَ "."
والأولى أن يُجعلنَ في مثل ذلك تامّاتٍ، وأن يُجرَّدْنَ من الضمير، فيَبقَيْنَ بصيغة المفرد المذكر، وأن يُسنَدْنَ الى المصدر المؤوَّل من الفعل بأن على أنهُ فاعلٌ لهنَّ، وهذه لغة الحجاز، التي نزل بها القرآنُ الكريمُ، وهي الأفصحُ والاشهرُ، وقال تعالى {لا يَسْخَرْ قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم، ولا نساءٌ من نساءٍ، عسى ان يَكُنّ خيراً منهنَّ} ولو كانت ناقصةً لقال (عَسَوْا وعَسَيْن) ، بضمير جماعة الذكور العائد الى (قوم) وضميرِ جَماعةِ الإناث العائد الى (نساء) . واللغةُ الاخرى لغةُ تميم.
وتختصُّ (عسى) وحدَها بأمرين
(1) جوازُ كسر سينها وفتحها، إذا أُسندت الى تاءِ الضميرِ، او نون النسوةِ، أو (نا) ، والفتحُ أولى لانه الاصل. وقد قرأ عاصمٌ {فهلْ عَسيتُمْ إن تَولَّيتم} ، بكسر السين، وقرأ الباقونَ (عَسَيتم) ، بفتحها.
(2) أنها قد تكونُ حرفاً، بمعنى (لعلَّ) ، فتَعملُ عملها، فتنصبُ الاسمَ وترفعُ الخبرَ، وذلك إذا اتصلت بضمير النصب (وهو قليل) ، كقول الشاعر
فَقُلْتُ عساها نارُ كأْسٍ، وعَلَّها ... تَشَكَّى، فآتي نَحْوَها فَأَعُودُها
فَتَسْمَعُ قَوْلي قَبْلَ حَتفٍ يُصِيبُني ... تُسَرُّ بهِ، أو قَبْلَ حَتْفٍ يَصيدُها
(أحرف ليس)
أَو الأَحرُفُ المُشَبْهَة بِلَيْسَ في العَمَل
أحرفُ (ليسَ) هي أحرُفُ نفيٍ عملَها، وتُؤَدّي معناها وهي أربعةٌ (ما ولا ولاتَ وإنْ) .
(ما) المشبهة بليس
تعملُ (ما) عملَ (ليسَ) بأربقعة شروطٍ
(1) أن لا يَتقدَّمَ خبرُها على اسمها، فان تقدَّمَ بَطل عملُها، كقولهم (ما مسيءٌ من أعتَب) .
(2) أن لا يتقدَّمَ معمولُ خبرِها على اسمها، فان تقدَّمَ بطلَ علمُها، نحو (ما أمرَ اللهِ انا عاصٍ) ، إلا أن يكون معمولُ الخبر ظرفاً أو مجروراً بحرف جرّ، فيجوز، نحو (ما عندي أنت مُقيما) و (ما بكَ أنا مُنتصراً) .
اما تقديمُ معمولِ الخبر على الخبر نفسهِ، دُونَ الاسمِ بحيث يتوَسَّطُ بينهما، فلا يُبطلَ عملها، وإن كان غيرَ ظرفٍ او جار ومجرورٍ، نحو (ما أنا أمرَكَ عاصياً) .
(3) ان لا تُزادَ بعدها (إِنْ) . فان زيدَت بعدَها بطلَ علمُها، كقول الشاعر [من البسيط]
بَني غُدانَةَ، ما إنْ أَنتُم ذَهَبٌ ... ولا صَريفٌ، ولكنْ أَنتمُ الخَزَفُ
(4) أن لا ينتقضَ نفيُها بـ (إلاّ) . فان انتقض بها بطلَ عملُها، كقوله
تعالى {وما أمرُنا إلاّ واحدةٌ} ، وقوله {وما محمدٌ إلاّ رسولٌ} ، وذلك لأنها لا تعملُ في مُثبتٍ.
فان فُقدَ شرطٌ من الشروط بطلَ عملُها، وكان ما بعدَها مبتدأً وخبراً، كما رأيت.
ويجوز أن يكون اسمُها معرفةً كما تقدّمَ، وأن يكون نكرةً، نحو (ما أحدٌ أفضلَ من المُخلصِ في عمله) .
وإذْ كانت (ما) لا تعملُ في مُوجَبٍ، ولا تعملُ إلا في منفي، وجبَ رفعُ ما بعدَ (بلْ ولكنْ) ، في نحو قولك (ما سعيد كسولاً، بل مجتهدٌ وما خليلٌ مسافراً، ولكن مقيمٌ) ، على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ تقديرهُ (هو) ، اي بل هو مجتهدٌ، ولكن هو مقيمٌ. وتكونُ (بلْ ولكنْ) حرفي ابتداء لا عاطفتينِ، إذْ لو عَطفَتا لاقتضى ان تعمل (ما) فيما بعدَ (بل ولكنْ) ، وهو غيرُ منفيٍّ، بل هو مُثبتٌ، لأنهما تقتضيانِ الايجابَ بعد النفي. فاذا كان العاطفُ غيرَ مُقتضٍ، للايجاب كالواو ونحوها، جاز نصبُ ما بعدَهُ بالعطف على الخبر (وهو الاجودُ) نحو (ما سعيدٌ كسولاً ولا مُهملاً) وجازَ رفعُهُ على انهُ خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، نحو (ما سعيدٌ كسولاً ولا مُهملٌ) ، اي ولا هوَ مُهمل.
وهكذا الشأن في (ليسَ) ، فيجبُ رفعُ ما بعدَ (بلْ ولكنْ) في نحو (ليس خالدٌ شاعراً، بل كاتبٌ) . ويجوز النصبُ والرفعُ بعدَ الواوِ ونحوها مثلُ (ليسَ خالدٌ شاعراً ولا كاتباً) او (ولا كاتبٌ) . والنصبُ أولى.
واعلم أنَّ (ما) هذه لا تعملُ عملَ (ليس) إلا في لغة أهل الحجاز (الذين جاء القرآنُ الكريمُ بلغتهم) ، وبلغةِ أهلِ تِهامةَ ونجدٍ. ولذلك تُسمى (ما النافية الحجازية) .
وهي نافيةٌ مُهملةٌ في لغة تميمٍ على كل حال، فما بعدَها مبتدأ وخبر.
(لا) المشبهة بليس
(لا) ، المشبهةُ بليس، مُهملة عندَ جميع العرب وقد يُعمِلُها الحجازيُّون إعمالَ (ليسَ) ، بالشروط التي تقدّمت لِما، ويُزاد على ذلك أن يكونَ اسمُها وخبرُها نكرتينِ. وندَرَ أن يكون اسمُها معرفةً، كقول الشاعر [من الطويل]
وَحَلَّتْ سَوادَ الْقَلْبِ، لا أَنا باغياً ... سِواها، ولا في حُبِّها مُتراخِيا
وقد جاء مثل ذلك للمتنبي في قوله [من الطويل]
إذا الجُودْ لم يُرْزَقْ خَلاصاً منَ الاذى ... فلا الحَمْدُ مَكسُوباً، ولا المالُ باقِيا
وقد أجازَ ذلك بعضُ علماء العربية الفُضلاءُ.
والغالبُ على خبرِ (لا) هذه أن يكون محذوفاً كقوله [من مجزوء الكامل]
مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرانِها ... فأنا ابنُ قَيْسٍ، لا بَراحُ
أي لا بَراحٌ لي. ويجوزُ ذكرهُ، كقول الآخر [من الطويل]
تَعَزَّ، فلا شَيءٌ على الأرْضِ باقيا ... ولا وَزَرٌ مِمَّا قَضى اللهُ واقِيا
واعلم أنَّ (لا) المذكورةَ، يجوزُ أن يُرادَ بها نفيُ الواحدِ، وأن يرادَ بها نفيُ الجميع. فهي محتملةٌ لنفي الوَحدة ولنفي الجنس، والقرينةُ تُعَيّنُ أحدَهما
(فان قلت "لا رجل حاضر" . صح أن يكون المراد ليس احد من جنس الرجال حاضراً، وأن يكون المراد "ليس رجل واحد حاضراً" . فيحتمل أن يكون هناك رجلان أو أكثر. ولذلك صح أن تقول "لا رجل حاضراً، بل رجلان" ، أو رجال. أما "لا" العاملة عمل "أنَّ" ، فلا معنى لها إلا نفي الجنس نفياً عاماً، فان قلت "لا رجل حاضر" كان المعنى "ليس أحد من جنس الرجال حاضراً" ، لذا لا يجوز أن تقول بعد ذلك "بل رجلان، أو رجال" ، لأنها لنفي الجميع) .
واعلم أن الأولى في (لا) هذه أن تُهمَلَ ويُجعلَ ما بعدَها مبتدأً وخبراً. واذا أُهملت، فالأحسنُ حينئذٍ أن تُكرَّرَ، كقوله تعالى "لا خوفٌ عليه، ولا هُم يَحزنونَ" .
(لات) المشبهة بليس
تَعملُ (لاتَ) عَملَ (ليسَ) بشرطين
(1) أن يكون اسمُها وخبرها من أسماءِ الزمانِ، كالحينِ والساعةِ والأوانِ ونحوها.
(2) أن يكون أحدُهما محذوفاً. والغالبُ أن يكونَ المحذوفُ هو اسمَها، كقوله تعالى {ولاتَ حينَ مَناصٍ} ، ومنه قول الشاعر [من الكامل]
ندِمَ الْبُغاةُ، ولاتَ ساعةَ مَنْدَم ... والْبَغْيُ مَرْتَعُ مُبْتَغِيهِ وخِيمُ
ويجوزُ أن ترفع المذكورَ على أنه اسمُها، فيكون المحذوفُ منصوباً على أنهُ خبرُها، غيرَ أنَّ هذا الوجهَ قليلٌ جداً في كلامهم.
واعلم أن (لات) إن دخلت على غير اسم زمانٍ كانت مهملةً، لا عملَ لها، كقوله [من الكامل]
لَهْفي عَلَيْكَ لِلَهْفَةٍ من خائفٍ ... يَبغِي جِواركَ حينَ لاتَ مُجيرُ
واعلم أن من العرب من يجرُّ بلاتَ، والجرُّ بها شاذ، قال الشاعر [من الخفيف]
طَلبوا صُلْحنا ولاتَ أَوانٍ ... فأجبْنا أَنْ ليْسَ حين بقاء
وعليه قولُ المتنبي [من البسيط]
لَقَدْ تَصبَّرْتُ، حَتَّى لاتَ مُصْطَبَرٍ ... والآنَ أَقْحَمُ، حتَّى لاتَ مُقْتَحَمِ
(إِنْ) المشبهة بليس
قد تكونُ (إنْ) نافيةً بمعنى (ما) النافية، وهي مُهمَلةٌ غير عاملةٍ. موقد تعملُ عملَ "ليس" قليلاً، وذلك في لغة أهل العالية من العرَبِ، ومنه قولهم "إنْ أحد خيراً من أحدٍ إلاّ بالعافية" وقولُ الشاعر [من المنسرح]
إنْ هوَ مُسْتَوْلياً على أَحَدٍ ... إلاّ على أَضعَفِ الْمجانِين
وقولُ الآخر [من الطويل]
إنِ الْمَرْءُ مَيْتاً بانْقِضاءِ حياتهِ ... ولكنْ بأَنْ يُبْغَى عَلَيْهِ فَيُخذَلا
وانما تعملُ عملَ (ليس) بشرطين
(1) أن لا يَتقدَّمَ خبرُها على اسمها. فان تقدَّمَ بَطلَ عملُها.
(2) أن لا ينتقضَ نفيها بِـ (إِلا) . فان انتقضَ بطلَ عملُها، نحو (إنْ أنت إلاّ رجلٌ كريمٌ) ، وانتقاضُ النفيِ المُوجبُ إبطالَ العملِ، إنما هو بالنسبة الى الخبر، كما رأيتَ، ولا يَضُرُّ انتقاضُهُ بالنسبة الى معمول الخبر، نحو (إن أنت آخذاً إلاّ بيد البائسينَ) ، ونحو البيت (إنْ هو مستولياً على أحدٍ الخ) .
واعلم أن الغالبَ في (إنْ) النافيةِ أن يقترنَ الخبرُ بعدها بِـ (إلاّ) كقوله تعالى "إنْ هذا إلاّ مَلَكٌ كريمٌ" . وقد يستعملُ الكلامُ معها بدون (إلاّ) ، كالبيت (إنِ المرءُ ميتاً بانقضاءِ حياته الخ) . ومنهُ قولهم (إن هذا نافعَكَ ولا ضارّكَ) .
فائدة
سمعَ الكسائي أعرابيّاً يقولُ (إنّا قائماً) ، فأنكرها عليه، وظنَّ أنها (إنَّ) المشدَّدةُ الناصبةُ للاسم الرافعةُ للخبر. فحقُّها أن ترفعَ (قائماً) ، فاستثبته فاذا هو يُريدُ "إنْ أنا قائماً" أي ما أنا قائماً، فتركَ الهمزةَ - همزة أنا - تخفيفاً وأدغم، على حد قوله تعالى {لكنّا هو اللهُ ربي} ، أي "لكن أنا" .
(الأحرف المشبهة بالفعل)
الأحرفُ المشبَّهةُ بالفعل ستَّة، هي "إنَّ وأنَّ وكأنَّ ولكنَّ وليتَ ولعلَّ" .
وحكمُها أنها تدخلُ على المبتدأ والخبرِ فتنصبُ الأولَ، ويُسمّى اسمَها، وترفعُ الآخرَ، ويُسمّى خبرَها، نحو "إن اللهَ رحيمٌ. وكأنّ العلمَ نورٌ" .
(وسميت مشبهة بالفعل لفتح أواخرها، كالماضي، ووجود معنى الفعل في كل واحدة منها. فان التأكيد والتشبيه والاستدراك والتمني والترجي، هي من معاني الافعال) .
ويجوزُ في (لعلَّ) أن يقالَ فيها (علَّ) كقوله [من الطويل]
فَقُلْتُ عساها نارُ كأْسٍ وعَلّها ... تَشَكّى، فآتي نَحْوَها فأعُودُها
وفيها لُغاتٌ أُخَرُ قليلةُ الاستعمال.
وفي هذا الفصل ثمانيةَ عشرَ مبحثاً.
(1) مَعاني الأَحرُفِ المُشَبَّهَةِ بالفعْلِ
معنى "إنَّ وأنَّ" التوكيدُ، فهما لتوكيدِ اتصافِ المُسنَدِ إليه بالمُسند.
ومعنى "كأنَّ" التشبيهُ المؤكدُ. لأنها في الاصل مُركبةٌ من "أنَّ" التوكيدية وكافِ التشبيه، فاذا قلتَ "كأنّ العلمَ نورٌ" فالاصلُ "إنَّ العلمَ كالنور" ثم إنهم لما أرادوا الاهتمامَ بالتشبيه، الذي عَقَدوا عليه الجملة،
قدّموا الكافَ، وفتحوا همزةَ "إنّ" ، مكان الكاف، التي هي حرفُ جرّ، وقد صارت وإيّاها حرفاً واحداً يُرادُ به التشبيهُ المؤكد.
ومعنى "لكنَّ" الاستدراكُ، والتوكيد، فالاستدراكُ نحو "زيدٌ شجاعٌ، ولكنه بخيل" ، وذلك لانَّ من لوازم الشجاعةِ الجودَ، فاذا وصفنا زيداً بالشجاعة، فرُبما يُفهمُ أنهُ جوادٌ أيضاً، لذلك استدركنا بقولنا "لكنه بخيل" . والتوكيدُ نحو "لو جاءني خليلٌ لأكرمتُهُ، لكنه لم يجيء" ، فقولك لو جاءني خليلٌ لأكرمتُه "يفهم منه أنه لم يجيء، وقولك" لكنه لم يجيء "تأكيدٌ لنفي مجيئه"
ومعنى "ليتَ" التمني، وهو طلبُ مالا مطمع فيه، أو ما فيه عُسرٌ، فالأول كقول الشاعر [من الوافر]
أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً ... فأُخبرَهُ بما فَعَل المَشِيبُ
والثاني كقول المعسر "ليتَ لي ألفَ دينارٍ" .
وقد تُستعمل في الامر الممكن، وذلك قليلٌ، نحو "ليتك تذهب" .
ومعنى (لعلَّ) الترجّي والاشفاقُ. فالترجي طلبُ الامرِ المحبوب، نحو "لعلَّ الصديقَ قادمٌ" . والاشفاقُ هو الحذَرُ من وقوع المكروه، نحو "لعلّ المريضَ هالكٌ" . وهي لا تُستعملُ إلاّ في الممكن.
وقد تأتي بمعنى (كي) ، التي للتعليل، كقولك "إبعثْ إليّ بدابتك، لعلي أركبها" ، أي كي أركبها. وجعلوا منه قوله تعالى {لعلكم تتَّقون. لعلّكم تعقلون. لعلّكم تَذكّرون} ، اي "كي تَتقوا، وكي تَعقلوا، وكي تَتذكّروا" .
وقد تأتي ايضاً بمعنى الظنَّ، كقولك "لعلي أزورُك اليوم" . والمعنى أظنَّني أزورك. وجعلوا منه قولَ امريء القيس [من الطويل]
وبُدِّلْتُ قَرْحاً دامِياً بَعْدَ صِحَّةٍ ... لَعَلَّ مَنايانا تَحُولَنَّ أَبْؤُسا
وبمعنى (عسى) ، كقولك (لعلَّكَ أن تجتهدَ) . وجعلوا منه قولَ مُتَمّمٍ [من الطويل]
لَعَلَّكَ يَوْماً أَنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ ... عَلَيْكَ، منَ اللاَّتي يَدَعْنَكَ أَجدَعا
بدليل دخول (أنْ) في خبرها، كما تدخل في خبر (عسى) .
(2) الْخَبرُ المُفْرَدُ، والْجُمْلَةُ، والشبيهُ بالجملة
يقع خبر الاحرفِ المشبّهة بالفعل مفرداً (أي غيرَ جملةٍ ولا شبْهَها) نحو "كأنَّ النّجمَ دينارٌ" ، وجملةً فعليّةً، نحو "لعلك اجتهدتَ. وإنَّ العلمَ يُعَزَّزُ صاحبهُ" ، وجملة اسمية، نحو "إنَّ العالمَ قدرُهُ مرتفعٌ" وشِبْهَ جُملةٍ (وهو أن يكون الخبر مُقدَّراً مدلولاً عليه بظرفٍ أو جارّ ومجرورٍ يتعلقانِ بهِ) ، نحو "إنّ العادلَ تحتَ لِواءِ الرَّحمن، وإن الظالمَ في زُمرة الشيطان" .
(والخبر هنا يصح أن تقدره مفرداً ككائن وموجود، وأن تقدره جملة ككان ووجد، أو يكون ويوجد. فهو مفرد. باعتبار تقديره مفرداً، وجملة، باعتبار تقديره جملة، فالحقيقة فيه أنه شبيه بالمفرد وبالجملة، وتسميته بشبه الجملة فيها اكتفاء واقتصار) .
(3) حَذْفُ خَبَرِ هذهِ الأَحرُف
يجوز حذف خبرِ هذه الاحرفِ. وذلك على ضربينِ جائز وواجب
فيُحذَفُ جوازاً، اذا كان كوناً خاصاً (أي من الكلماتِ التي يُرادُ بها معنًى خاصّ) ، بشرطِ أن يدُلَّ عليه دليلٌ، كقوله تعالى {إنَّ الذينَ كفروا بالذّكر لمّا جاءهم. وانهُ لكتابٌ عزيزٌ} .
(أي إن الذين كذبوا بالذكر معاندون، أو هالكون، أو معذبون) .
وقال الشاعر [من الطويل]
أَتَوْنِي، فَقالوا يا جَميلُ، تَبَدَّلتْ ... بُثَيْنَةُ أَبْدالاً، فَقُلْتُ لَعَلَّها
(أي لعلها تبدَّلت، أو لعلها فعلت ذلك) .
ويحذفُ وجوباً، اذا كان كوناً عاماً (أي من الكلمات التي تدُلُّ على وجودٍ أو كونٍ مُطلقَينِ، فلا يُفهَمُ منها حَدَثٌ خاصٌّ أو فعلٌ معيَّنٌ، ككائنٍ، أو موجود، أو حاصلٍ) وذلك في موضعينِ
(1) الاولُ بعدَ "ليتَ شِعري" ، اذا وَلِيَها استفهامٌ، نحو "ليتَ شِعري هل تنهضُ الأمةُ؟ وليتَ شِعري متى تنهضُ؟" ، قال الشاعر [من الطويل]
ألاَ لَيْتَ شِعْري كَيْفَ جادَتْ بِوَصْلِها؟ ... وكيفَ تُراعي وُصْلةَ المُتَغَيِّبِ
(أي ليت شعري (أي علمي) حاصل. والمعنى ليتني أشعر بذلك، أي أعلمه وأدريه. وجملة الاستفهام في موضع نصب على أنها مفعول به لشعري، لأنه مصدر شعر) .
(2) أن يكونَ في الكلام ظرفٌ أو جار ومجرورٌ يتعلقانِ به، فيُستغنى بهما عنهُ، نحو "إنَّ العلمَ في الصدور. وانَّ الخيرَ أمامك" .
(فالظرف والجار متعلقان بالخبر المحذوف المقدر بكائن أو موجود أو حاصل) .
(4) تَقَدُّمُ خبَرِ هذِه الأَحرُف
لا يجوزُ تقدُّمُ خبرِ هذه الاحرف عليها، ولا على اسمها.
اما معمولُ الخبرِ، فيجوزُ أن يتقدَّم على الاسم، ان كان ظرفاً أو مجروراً بحرف جرٍّ، نحو "إنَّ عندَك زيداً مُقيمٌ" ، قال الشاعر [من الطويل]
فَلا تَلْحَني فيها، فإنَّ بِحُبِّها ... أَخاكَ مُصابُ الْقَلْبِ جُمٌّ بَلابِلُهْ
ومن ذلك أن يكون الخبرُ محذوفاً مدلولاً عليه بما يتعلقُ به من ظرفٍ مأو جارٍّ ومجرورٍ مُتقدمين على الاسم، نحو "إنَّ في الدَّار زيداً" ، ومنهُ قولهُ تعالى "إنَّ فيها قوماً جبّارينَ، وقولهُ" إنَّ مع العُسرِ يُسراً "."
(فالظرف والجار متعلقان بالخبر المحذوف غير أنه يجب أن يقدر متأخراً عن الاسم، إذ لا يجوز تقديمه عليه. كما علمت. وليس الظرف أو الجار والمجرور هو الخبر، كما يتساهل بذلك كثير من النحاة، وإنما هما معمولان للخبر المحذوف، لأنهما متعلقان به) .
ويجبُ تقديمُ معمولِ الخبر، إن كان ظرفاً أو مجروراً، في موضعين
(1) أن يَلزمَ من تأخيره عودُ الضمير على متأخرٍ لفظاً ورتبةً وذلك ممنوعٌ نحو "إنَّ في الدَّار صاحبَها" .
(فلا يجوز أن يقال "ان صاحبها في الدار)" ، لأن "ها" عائدة على الدار. وهي متأخرة لفظاً، وكذلك هي متأخرة رتبة، لأن معمول الخبر رتبته التأخير كالخبرِ "."
(2 (أن يكون الاسمُ مُقترِناً بلامِ التأكيد، كقوله تعالى {وإنَّ لنا للآخرة والأولى} ، وقولهِ {إنَّ في ذلك لَعِبْرةً لأولي الأبصارِ} .
أما تقديمُ معمولِ الخبرِ على الخبر نفسهِ، بحيثُ يَتوَّسطُ بينَ الاسمِ والخبر، فجائزٌ، سواءٌ أكانَ معمولهُ ظرفاً أو مجروراً أم غيرَهما، فالاولُ نحو "إنكَ عندَنا مقيمٌ" ، والثاني نحو "إنكَ في المدرسة تتعلّمُ" ، والثالث نحو "إنَّ سعيداً دَرْسَهُ يكتبُ" .
فائدة
متى جاء بعد "إن" أو إحدى أخواتها ظرف أو جار ومجرور، كان اسمها مؤخراً. فليتنبه الطالب الى نصبه، فان كثيراً من الكتاب والمتكلمين يخطئون فيرفعونه، لتوهمهم أنه خبرها نحو "إن عندك لخبراً" ، ونحو "لعل في سفرك خيراً" .
(5) لامُ التأْكيدِ بعدَ "إنَّ" المَكسورةِ الهمزة
تختصُّ "إنَّ" ، المكسورةُ الهمزةِ، دونَ سائرِ أخواتها، بجوازِ دخولِ لامِ التأكيد، ِ، وهي التي يُسمونها (لامَ الابتداءِ) على اسمها، نحو "إنَّ في السماءِ لخَبَراً، وإنَّ في الارض لَعِبَراً" ، وعلى خبرها نحو "إنَّ الحقَّ"
َلمنصورٌ، وعلى معمول خبرها، نحو "إنه للخيرَ يفعلُ" ، وعلى ضمير الفصلِ نحو "إنَّ المجتهدَ لَهُوَ الفائزُ" .
(6) شَروطُ ما تَصحَبُهُ لامُ التأكيد
(1) يُشترطُ في دخول لام التأكيد على اسم "إنَّ" أن تقع بعدَ ظرفٍ أو جارٍّ ومجرورٍ يتعلقان بخبرها المحذوف، نحو "إن عندَك لخَيراً عظيماً، وإنَّ لك لخُلُقاً كريماً" .
(فان وقع قبلهما لم يجز اقترانه باللام فلا يقال "إن لخيراً عندك، وإن لخلقاً كريماً لك" ) .
(2) يُشترط في دخولها على الخبر أن لا يقترنَ بأداةِ شرطٍ أو نفي، وأن لا يكون ماضياً مًتصرفاً مُجرَّداً من "قد" . فان كان الخبرُ واحداً منها لم يَجُز دخولُ هذه اللام عليه. فمثالُ المستكملِ للشرط " {إن ربي لسميع الدُّعاء} . {وإنَّ رَبَّكَ لَيعلمُ} . {وإنَّا نحنُ نُحيي الموتى} " .
ومتى استَوفى خبرُ "إنَّ" شروط اقترانه بِلام التأكيد، جاز دخولها عليه، لا فرقَ أن يكون مفرداً، نحو "إنَّ الحق لمنصورٌ" ، أو جملةً اسميَّةتً، نحو "إنَّ الحقَّ لصَوتُهُ مرتفعٌ، أو جملةً مضارعيّةً، نحو" إنَّ ربّكَ ليَحكُمُ بينهم "، أو جملةً ماضيَةً فعلها جامدٌ، نحو" إنك لَنِعْمَ الرجل "، أو متصرفٌ مقترنٌ بقد، نحو" إنَّ الفرَجَ لقدْ دَنا "."
واذا حُذفَ الخبرُ، جازَ دخولُ هذهِ اللامِ على الظرف أو الجار المتعلّقينِ به، نحو "إن أخاكَ لعندي، وإنَّ أباكَ لَفي الدّار" ، ومنهُ قولهُ تعالى {وانك لَعَلى خُلُقٍ عظيم} .
(3) يُشترطُ في دخولها على مفعول الخبر شرطان، الاول أن يتوسَّطَ بين اسمها وخبرها. والثاني ان يكونَ الخبرُ ممّا يَصلُحُ لدخول هذه اللامِ عليه، نحو "إنَّ سليماً لفي حاجتك ساعٍ، وإنه لَيومَ الجمعةِ آتٍ، وإنهُ لأمرَكَ يُطيعُ" .
(4) أما ضميرُ الفصلِ، فلا يُشترطُ في دخولها عليه شيءٌ، كقوله تعالى {إنَّ هذا لَهُوَ القَصَصُ الحقُّ} .
(وضمير الفصل هو ما يؤتى به بين المبتدأ والخبر، أو بين ما أصله مبتدأ وخبر للدلالة على أنه خبر لا صفة. وهو يفيد تأكيد اتصاف المسند إليه بالمسند. وهو حرف لا محل له من الاعراب، على الأصح من أقوال النحاة، وصورته كصورة الضمائر المنفصلة وهو يتصرف تصرفها بحسب المسند اليه، إلا أنه ليس إياها.
ثم إن دخوله بين المبتدأ والخبر المنسوخين بكان وظن وأن واخواتهن تابع لدخوله بينهما قبل النسخ، نحو "إن زهيراً هو الشاعر" . وكان علي هو الخطيب وظننت عبد الله هو الكاتب) .
(وضمير الفصل حرف كما قدمنا وإنما سمي ضميراً لمشابهته الضمير في صورته. وسمي ضمير فصل لأنه يؤتى به الفصل بين ما هو خبر أو صفة، لأنك إن قلت "زهير المجتهد" ، جاز أنك تريد الإخبار وأنك تريد النعت. فان أردت أن تفصل بين الأمرين. وتبين أن مرادك الإخبار لا الصفة. أتيت بهذا الضمير للاعلان من أول الأمر بأن ما بعده خبر عما قبله لا نعت له، ثم انه يفيد تأكيد الحكم، لما فيه من زيادة الربط.
ومن العلماء من يسمي ضمير الفصل "عماداً" لاعتماد المتكلم أو السامع عليه في التفريق بين الخبر والصفة) .
وقد شرحنا ضمير الفصل في الجزء الاول من هذا الكتاب، في الكلام على الضمائر، فراجعه.
شرحُ لامِ الابتداء
تدخلُ لامُ الابتداء في ثلاثة مواضع.
الاولُ في باب المبتدأ. وذلك في صورتين
(1) ان تدخلَ على المبتدأ، والمبتدأ مُتقدّمٌ على الخبر، ودخولها عليه هو الاصل فيها نحو {لأنتم أشد رَهبةً في صُدورهم} . فان تأخرَ عن الخبر امتنعَ دخولها عليه، فلا يُقال "قائمٌ لَزيدٌ" . وما سُمعَ من ذلك فلضَرورةِ الشعر، وهو شاذٌّ لا يُقاس عليه.
(2) ان تدخل على الخبر بشرط ان يتقدم على المبتدأ، نحو "لمُجتهدٌ انتَ" فان تأخرَ عنهُ امتنع دخولها عليه، فلا يقال "انت لمجتهدٌ" . وما سُمعَ من ذلك فشادٌّ لا يُلتفتُ اليه. ومن العلماءِ من لا يُجيزُ دُخولها على خبر المبتدأ، سواءٌ أتقدَّمَ أم تأخر.
الموضع الثاني في باب "إن" المكسورةِ الهمزة. وقد سبقَ انها تدخل على اسمها المتأخر، وعلى خبرها، اسماً كان، او فعلاً مضارعاً، او ماضياً جامداً أو ماضياً متصرفاً مقروناً بِقَدْ، أو جملة اسميَّة. وعلى الظرف والجارّ المُتعلقينِ بخبرها المحذوف دالين عليه، وعلى معمول خبرها.
الموضعُ الثالثُ في غير بابيِ المبتدأ وإنّ. وذلك في ثلاث مسائل
(1) الفعلُ المضارع، نحو "لَتَنهض الأمة مُقتفيةً آثارَ جدودها" .
(2) الماضي الجامد، نحو {لَبئسَ ما كانوا يعملون} .
(3) الماضي المتصرف المقرون بِقَدْ، نحو "لَقد كان لكمخ في يوسفَ وإخوتِهِ آياتٌ" .
ومن العلماء من يجعلُ اللامَ الداخلةَ على الماضي، في هذا الباب، لامَ القسم فالقسم عنده محذوف، ومصحوب اللام جوابُه.
واعلم أنَّ للام الابتداء فائدتين.
الفائدة الأولى توكيدُ مضمونِ الجملة المُثبتة. ولذا تُسمّى "لام التوكيد" وإنما يُسمونها لامَ الابتداء لأنها في الاصل، تدخل على المبتدأ، أو لأنها تقع في ابتداء الكلام.
وإذْ كانت للتوكيد فانها متى دخلت عليها "إنَّ" زحلقوها الى الخبر، نحو إنَّ ربي لَسميع الدعاء "، وذلك كراهية اجتماع مُؤكدينِ في صدر الجملة، وهما" إنَّ واللام ". ولذلك تُسمّى" اللامَ المزخلَقَةً أيضاً "."
وإِذْ كانت هذه اللام للتوكيد في الإثبات، امتنعت من الدخول على المنفيِّ لفظاً أو معنى، فالاول نحو "انكَ لا تكذبُ" ، والثاني نحو "إنك لو اجتهدتَ لأكرمتُكَ. وإنك لولا اهمالُكَ لَفُزتَ" . فالاجتهادُ والإكرامُ مُنتفيانِ بعدَ "لو" ، والفوزُ وحدَهُ مُنتفٍ بعدَ "لولا" .
الفائدةُ الثانيةُ تَخليصها الخبرَ للحال، لذلك كان المضارع بعدها خالصاً للزمان الحاضر، بعد أن كان مُحتملاً للحال والاستقبال.
واذْ كانت لتوكيد الخبرِ في الحال امتنعت من الماضي والمضارع المُستقبل، الا ان يكون الماضي جامداً او مُتصرِّفاً مقترناً بِقدْ. اما الجامدُ فلأنه لا يَدلُّ على حدثٍ ولا زمان. وأما المقترنُ بِقدْ فلأنّ (قد) تُقرِّبُ الماضيَ من الحال.
ولا فرقَ بينَ ان يكون المضارعُ المستقبلُ مسبوقاً بأداةٍ تَمحَضُه الاستقبالِ كالسين وسوفَ وأدواتِ الشرطِ الجازمة وغيرها، او غيرَ مسبوقٍ بها، وانما القرينةُ تدلُّ على استقباله، نحو "إنه يجيءُ غداً" . وأما قوله تعالى {إنَّ ربكَ لَيحكُمُ بينَهم يوم القيامة} ، فانما جازَ دخولُ اللام لأنَّ المستقبل هنا مُنزَّلٌ مَنزلةَ الحاضرِ لتحقُّق وقوعهِ، لأنَّ الحكمَ بينهم واقعٌ لا محالةَ. فكأنهُ حاضر، وكذا قولهُ تعالى {ولَسوفَ يُعطيكَ ربُّكَ فترضى} ، فانَّ الإعطاءَ مُحقَّقٌ، فكأنه واقعٌ حالاً. وأما قوله عز وجلَّ على لسان يعقوبَ {انهُ ليحزُنُني ان تذهبوا به} ، فانّ الذهابَ، وان كان مُستقبلاً فان أثرَهُ، وهو الحزنُ، حاضرٌ، فانهُ حَزِنَ لمُجرَّدِ علمهِ انهم ذاهبُون به، فلم يخرُج المضارعُ هنا، وهو (يُحزُنني) ، عن كونهِ للحال.
ويرى بعض العلماء (وهمُ الكوفيُّون) انها لا تمحَضُ المضارع الحالَ، بل يجوز ان تدخل عَليه مُستقبل، بالأداة او بِدونها، وجعلوا الاستقبالَ في الآياتِ على حقيقته.
(8) "ما" الكافَّةُ بعدَ هذهِ الأحرُف
اذا لحقت (ما) الزائدةُ الاحرفَ المُشبّهةَ بالفعل، كفتّها عن العمل، فيرجعُ ما بعدها مبتدأً وخبراً. وتُسمّى (ما) هذه (ما الكافةَ) لأنها تَكُفُّ ما تلحقُهُ عن العمل، كقوله تعالى {إنما إِلهكُم إِلهٌ واحدٌ "} ، ونحو {كأنما العلمُ نورٌ} و (لَعلَّما اللهُ يرحمُنا) ."
غير أنَّ (ليتَ) يجوزُ فيها الإِعمالُ والإِهمالُ، بعدَ أن تَلحقَها (ما) هذه، تقولُ (ليتما الشبابَ يعودُ) و (ليتما الشبابُ يعودُ) . واعمالُها حينئذ أحسنُ من اهمالها. وقد رُوِيَ بالوجهينِ، نصبِ ما بعدَ (ليتما) ورفعه، قولُ الشاعرِ [النابغة - من البسيط]
قالتْ أَلاَ لَيتَما هذا الحمامَ لنا ... إلى حَمامَتِنا، أو نِصْفَهُ فَقَدِ
(فالنصب على أن (ليتما) عاملة، و (ذا) اسمها، و "الحمام" بدل منه. والرفع على أنها مهملة مكفوفة بما، و (ذا) مبتدأ، و "الحمام" بدل منه. وكذا "نصفه" إن نصبت الحمام نصبته، وإن رفعته رفعته، لأنه معطوف عليه) .
ومتى لحقت (ما الكافَّة) هذهِ الاحرفَ زالَ اختصاصُها بالأسماء. فَلِذا أُهملت، وجازَ دخولُها على الجملة الفعليّة، كما تدخلُ على الجملة الاسميَّة، إلاَّ (ليتَ) . فمن دخولها على الجملةِ الفعلية قولهُ تعالى {كأنما يُساقونَ الى الموت} وقول الشاعر [من الطويل]
أَعِدْ نَظَراً يا عَبْدَ قَيْسٍ، لَعَلَّما ... أَضاءَتْ لكَ النَّارُ الحِمارَ المُقَيَّدا
ومن دخولها على الجملة الاسميَّة قوله تعالى {قل انما انا بشرٌ مثلُكُم يُوحى إليَّ أنما إلهكم إلهُ واحدٌ} [الكهف: 110] ،، وقولهُ {إنما اللهُ إِلهٌ واحدٌ} [النساء: 171] .
وأما (ليتَ) فانها باقيةٌ على اختصاصها بالأسماءِ، بعدَ أن تلحقها (ما الكافةُ) فلا تدخلُ على الجُمل الفعليَّة، لذلك يُرَجَّحُ ان تبقى على عملها من نصب الاسمِ ورفعِ الخبر، كما تقدَّم.
فائدة وتنبيه
(إن كانت (ما) اللاحقة لهذه الأحرف اسماً موصولاً، او حرفاً مصدرياً، فلا تكفها عن العمل، بل تبقى ناصبة للاسم رافعة للخبر. فان لحقتها (ما الموصولة) كانت (ما) اسمها منصوبة محلاً، كقوله تعالى {إن ما عندكم ينفد} ، أي إن الذي عندكم ينفد. وإن لحقتها (ما المصدرية) كان
ما بعدها في تأويل مصدر منصوب، على انه اسم "ان" نحو "إن ما تستقيم حسن" ، أي ان استقامتك حسنة. وحينئذ تكتب (ما) منفصلة. كما رأيت. بخلاف (ما الكافة) ، فانها تكتب متصلة كما عرفت فيما سلف. وقد اجتمعت "ما" المصدرية و "ما" الكافة في قول امرئ القيس [من الطويل]
فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب، قليل من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثلٌ ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
فما في البيت الاول مصدرية. والتقدير لو ان سعيي. وفي البيت الآخر زائدة كافة، أي ولكني أسعى لمجد مؤثل) .
(9) العَطْفُ على أسماء هذهِ الأَحرُف
اذا عطفتَ على اسماءِ الاحرف المشبَّهة بالفعل، عطفت بالنصب، سواءٌ أوقعَ المعطوفُ قبلَ الخبر ام بعدَهُ، فالاولُ نحو (إنَّ سعيداً وخالداً مسافرانِ) ، والثاني نحو (إنَّ سعيداً مُسافرٌ وخالداً) .
وقد يُرفعُ ما بعدَ حرف العطف، بعدَ استكمالِ الخبر، على انهُ مبتدأٌ محذوفُ الخبر، وذلك بعد (إنَّ وأنَّ ولكنَّ) فقطْ، فمثالُ (إنَّ) "(إنَّ سعيداً مسافرٌ وخالدٌ) ، ومنهُ قولُ الشاعر [من الطويل] "
فَمَنْ يَكُ لم يُنْجِبْ أَبُوهُ وأُمُّهُ ... فَإنَّ لَنا الأُمَّ النَّجيةَ، والأَبُ
وقول الآخر [من الكامل]
إنَّ الخِلافَة والمُروءَةَ فيهمُ ... والمَكْرُماتُ وسادةٌ أطهارُ
ومثالُ (أنَّ) قوله تعالى (واذانٌ من الله ورسولهِ الى الناس يومَ الحجِّ الاكبرِ أنَّ اللهَ بريءٌ من المشركينَ، ورسولهُ) .
ومثالُ "لكنَّ) قولُ الشاعر [من الطويل] "
وما زِلتُ سَبَّاقاً إلى كُلِّ غايةٍ ... بها يُبْتَغَى في النَّاس مَجدٌ وإِجلالُ
وما قَصَّرَتْ بِي في التَّسامي خُؤُولةٌ ... ولكنَّ عمِّي الطَّيِّبُ الأَصلِ والخالُ
وقد يُرفعُما بعدَ العاطف قبل استكمالِ الخبر، لغرضٍ معنوي، على أنه مبتدأٌ محذوفُ الخبر "فتكونُ جُملتُهُ مُعترِضةً بينَ اسمِ (إنّ) وخبرِها، كقول الشاعر [من الطويل] "
فَمَنْ يَكُ أَمسَى بالمدينَةِ رَحْلُهُ ... فإنِّي، وقَيَّارٌ، بِها لَغَريبُ
(غريب خبر عن اسم، "إن" ، وقيار مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير وقيار غريب بها ايضاً. وقيار اسم فرسه او جمله. وانما قدمه واعترض بجملته بين اسم إن وخبرها لغرض ان هذا الفرس او الجمل استوحش في هذا البلد، وهو حيوان، فما بالك بي، فلو نصب بالعطف على اسم "ان" فقال "فاني وقياراً بها لغريبان" ، لم يكن من ورائه شدة تصوير الاستيحاش الذي يعطيه الرفع في هذا المقام) .
ومنهُ قولهُ تعالى { (إنَّ) الذينَ آمنوا والذينَ هادُوا، والصابئون، والنصارى، مَن آمنَ منهم باللهِ واليومِ الآخرِ وعملَ صالحاً، فلا خَوفٌ عليهم ولا هم يَحزنون} [المائدة: 69] .
فالصابئون مبتدأ محذوف الخبر. والتقدير والصابئون كذلك، اي لهم حكم الذين آمنوا والنصارى واليهود. والجملة معترضة بين اسم "ان" وخبرها، وخبر الخبر هو جملة الجواب والشرط، والغرض من رفع "الصابئون" وجعله مبتدأ محذوف الخبر أنه لما كان الصابئون، مع ظهور ضلالهم وميلهم عن الأديان كلها، يتاب عليهم إن صح منهم الايمان، واعتصموا بالعمل الصالح، فغيرهم ممن هو على دين سماوي وكتاب منزل، أولى بذلك) .
(10) إنَّ المكسورةُ، وأَنَّ المفتوحة
يجبُ ان تُكسرَ همزةُ (إنَّ) حيث لا يصحُّ ان يقومَ مقامَها ومقام معمولَيها مصدرٌ.
ويجبُ فتحُها حيثُ يجبُ ان يقوم مصدرٌ مقامَها ومقامَ معموليها.
ويجوزُ الامرانِ الفتحُ والكسرُ، حيثُ يَصحُّ الاعتبارانِ.
(فان وجب أن يؤول ما بعدها بمصدر مرفوع أو منصوب أو مجرور (بحيث تضطر الى تغيير تركيب الجملة) ، فهمزتها مفتوحة وجوباً، نحو "يعجبني أنك مجتهد" ، والتأويل "يعجبني اجتهادك" ونحو "علمت ان الله رحيم" ، والتأويل "علمت رحمة الله" ، ونحو "شعرت بأنك قادم" ، والتأويل "شعرت بقدومك" . وانما وجب تأويل ما بعد "أن" هنا بمصدر لأننا لو لم نؤوله، لكانت "يعجبني" بلا فاعل، "وعلمت" بلا مفعول، و "الباء" بلا مجرور فالمصدر المؤول فاعل في المثال الاول، ومفعول في المثال الثاني، ومجرور بالباء في المثال الثالث.
وان كان لا يصح أن يؤول ما بعدها بمصدر (بمعنى أنه لا يصح تغيير التركيب الذي هي فيه) وجب كسر همزتها على أنها هي وما بعدها جملة، نحو "ان الله رحيم" . وإنما لم يصح التأويل بالمصدر هنا لأنك لو قلت "رحمة الله" لكان المعنى ناقصاً.
وان جاز تأويل ما بعدها بمصدر، وجاز ترك تأويله به، جاز الامران، فتحها وكسرها نحو "أحسن إليّ علي، انه كريم" ، فالكسر هنا على أنها مع ما بعدها جملة تعليلية، والفتح على تقدير لام الجر، فما بعدها مؤول بمصدر. والتأويل "أحسن اليه لكرمه" .
وحيث جاز الامران فالكسر أولى وأكثر لانه الاصل، ولانه لا يحتاج معه الى تكلف التأويل) .
(11) مَواضعُ "إِنَّ" المكسُورة الهمزة وجوباً
تُكسرُ همزةُ (إنَّ) وجوباً حيثُ لا يصحُّ أن يُؤَوّلَ ما بعدَها بمصدر، وذلك في اثنيْ عَشر موضعاً
(1) ان تقعَ في ابتداءِ الكلام، إمَّا حقيقةً، كقوله تعالى {إنا انزلناهُ في ليلة القَدْرِ} ، أو حُكماً، كقوله عَزَّ وجلَّ {ألا إنَّ اولياءَ الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزَنون} .
وإن وقعتْ بعدَ حرف تنبيه، كألا، اوِ استفتاحٍ، كألا وأمَا، او تحضيضٍ كهَلاً، او رَدْعٍ، كَكَلاَّ، او جوابٍ، كنَعْم ولا، فهي مكسورةُ الهمزةِ، لانها في حكم الواقعة في الابتداء.
وكذا إن وقعت بعدَ (حتّى) الابتدائية، نحو "مَرِضَ زيدٌ، حتى إنهم لا يَرجونه، وقَلَّ مالُه، حتى إنهم لا يُكلّمونه" . والجملة بعدَها لا محلَّ لها من الاعراب لانها ابتدائيةٌ، او استئنافيّة.
(2) أن تقعَ بعد (حيث) نحو "اجلِسْ حيث إنَّ العلم موجود" .
(3) أن تقعَ بعد (إذْ) نحو "جئتُكَ إذْ إنِّ الشمسَ تطلُعُ" .
(4) أن تقعَ صدرَ الواقعةِ صِلَةً للموصول، نحو "جاء الذي إنه مجتهدٌ" ، ومنهُ قولهُ تعالى {وآتيناهُ من الكنوزِ ما إن مَفاتحَهُ لتَنوء بالعُصبةِ أولي القوَةِ} .
(5) أن تقعَ ما بعدَها جواباً للقسَم، نحو واللهِ، "انَّ العلمَ نورٌ" ،
ومنه قولهُ تعالى {والقرْآنِ الحكيمِ، انكَ لَمنَ المُرسلينَ} .
(6) أن تقعَ بعد القولِ الذي لا يَتضمَّنُ معنى الظنِّ، كقوله تعالى {قال إني عبدُ اللهِ} ، فان تَضمَّنَ معناهُ فُتحت بعدهُ، لأنَّ ما بعدَها مَؤوَّلٌ حينئذٍ بالمفعول به، نحو "أتقولُ أن عبدَ الله يَفعلُ هذا؟" ، أي "أتظنُّ أنهُ يَفعلهُ؟" .
(7) أن تقعَ معَ ما بعدها حالاً، نحو "جئتُ وإِنَّ الشمس تَغرُبُ" ، ومنه قولهُ تعالى {كما أخرجَكَ رَبُّكَ من بيتكَ بالحقِّ، وإنّ فريقاً منَ المُؤمنينَ لكارهون} .
(8) أن تقعَ معَ ما بعدَها صفةً لما قبلها، نحو "جاءَ رجلٌ إنه فاضل" .
(9) أن تقعَ صدرَ جملةٍ استئنافيَّةٍ، نحو "يَزعُمُ فلانٌ أني أسأتُ اليهِ، إنه لكاذبٌ . وهذهِ من الواقعة ابتداءً."
(10) أن تقعَ في خبرِها لامُ الابتداء نحو "علمتُ إنكَ لمجتهدٌ" . ومنه قولهُ تعالى {واللهُ يَعلمُ إنكَ لرسولُه، واللهُ يشهدُ إنَّ المُنافقينَ لكاذبون} .
(11) ان تقعَ مع ما بعدَها خبراً عن اسم عين، نحو "خليلٌ إنه كريمٌ" ومنه قولهُ تعالى {إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والصّابِئينَ والنَّصارى والمجُوسَ والذينَ اشركوا، إنَّ اللهَ يَفصِلُ بينهم يومَ بالقيامة} .
(12) مَواضعُ "أَنَّ" المفْتوحةِ الهمزة وجوباً
تُفتحُ همزةُ "أنّ" وجوباً حيثُ يجبُ ن يؤوَّلَ ما بعدَها بمصدرٍ مرفوع او منصوبٍ أو مجرور. وذلك في أحدَ عشرَ موضعاً
فيؤوَّل ما بعدها بمصدرٍ مرفوعٍ في خمسة مواضع
(1) ان تكون وما بعدها في موضع الفاعل، نحو "بلغني أنك مجتهدٌ" ومنه قولهُ تعالى {أَولم يَكْفِهم أنا أنزلنا عليكَ الكتاب} .
ومن ذلك أن تقع بعد "لَوْ" ، نحو "لو انك اجتهدتَ لكان خيرٌ لك" ، ومنه قولهُ تعال {ولو أنهم آمنوا واتقَوْا لمثوبة من الله خيرٌ} .
ومن ذلك ان تقع بعد "ما" المصدريّة الظَّرفيَّة، نحو "لا أُكلمك ما أنك كسُولٌ" ، ومنه قولُهُمْ (لا أُكلِّمهُ ما أنَّ حراءً مكانَه) او (ما أنَّ في السماءِ نجماً) .
(2) أن تكون هي وما بعدها في موضعِ نائب الفاعل، نحو "عُلمَ انك منصرفٌ" ، ومنهُ قولهُ تعالى {قُل أُوحِيَ اليَّ انه استمعَ فَفَرٌ من الجن} .
(3) ان تكونَ هي وما بعدها في موضع المبتدأ، نحو "حَسَنٌ انك"
مجتهدٌ "، ومنهُ قولهُ تعالى {ومن آياته انك تَرى الارضَ خاشعةً} ."
(4) ان تكون هي وما بعدها في موضع الخبر عن اسم معنًى واقعٍ مبتدأ او اسماً لأنَّ، نحو "حَسبُكَ انكَ كريمٌ" ، ونحو "ان ظني انك فاضلٌ" . فان كان المخبَرُ عنهُ اسمَ عينٍ وجب كسرُها، كما تقدَّمَ، لانك لو قلت "خليلٌ انهُ كريمُ" ، بفتحها، لكانَ التأويلُ "خليلٌ كرَمُهُ" ، فيكونُ المعنى ناقصاً.
(5) ان تكون هي وما بعدها في موضعِ تابعٍ لمرفوعٍ، على انه معطوفٌ عليهِ او بَدَلٌ منه، فالاولُ نحو "بلغني اجتهادُك وانكَ حَسَنُ الخُلُق" ، والثاني نحو "يُعجبُني سعيدٌ انهُ مجتهدٌ" .
وتُؤَوَّلُ بمصدرٍ منصوبٍ في ثلاثةِ مواضعَ
(1) ان تكون هي وما بعدها في موضع المفعول به، نحو "علمتُ أنكَ مجتهدٌ" ، ومنهُ قولهُ تعالى {ولا تخافون انكم أشركتم باللهِ} . ومن ذلك ان تقع بعد القول المتَضمّنِ معنى الظنّ، كما سبق.
(2) أن تكون هي وما بعدها في موضعِ خبرٍ لكانَ او إحدى أخواتها، بشرطِ ان يكون اسمُها اسمَ معنًى، نحو "كانَ عِلمي، او يَقيني، أنك تتَّبعُ الحقَّ" .
(3) ان تكون هي وما بعدها في موضعِ تابعٍ لمنصوبٍ، بالعطف او البَدَليّة فالاوَّلُ نحو "علمتُ مجيئَكَ وأنكَ مُنصرفٌ" ومنهُ قولهُ تعالى {اذكروا نِعمتيَ التي انعمتُ عليكم، واني فَضَّلتكم على العالمين} ، والثاني نحو "احترمتُ خالداً انه حَسَنُ الخُلقْ" ومنه قولهُ تعالى {واذْ يَعِدُكم الله إحدى الطائفتين انها لَكُم} .
وتؤَوَّلُ بمصدرٍ مجرورٍ في ثلاثة مواضعَ ايضاً
(1) ان تقعَ بعد حرف الجر، فما بعدَها في تأويل مصدرٍ مجرورٍ به، نحو "عَجبتُ من انكَ مُهملٌ" ، ومنه قولهُ تعالى {ذلكَ بأن اللهَ هوَ الحقُّ} .
(2) ان تقعَ مع ما بعدها في موضعِ المضاف اليه، نحو "جئتُ قبلَ أنَّ الشمسَ تَطلُعُ" ، ومنه قوله تعالى {وإنه لحَقٌّ مثلما انكُم تَنطِقون} .
(3) ان تقع هي وما بعدها في موضع تابعٍ لمجرورٍ، بالعطف او البَدَليةِ، فالاولَ نحو "سُررتُ من أدَبِ خليلٍ وإنها عاقلٌ" ، والثاني نحو "عَجبتُ منهُ إنهُ مُهملٌ" .
(13) الْمَواضِعُ التي تَجوزُ فيها "إِنَّ وأَنَّ"
يجوزُ الامرانِ، كسر همزة "إنَّ" وفتحُها، حيثُ يَصح الإعتبارانِ تأويلُ ما بعدها بمصدرٍ، وعدمُ تأويلهِ. وذلك في أربعة مواضع
(1) بعد "اذا" الفُجائيّةِ، نحو "خرجتُ فاذا إنَّ سعيداً واقفٌ" .
(فالكسر هو الاصل، وهو على معنى "فاذا سعيد واقف" والفتح على تأويل ما بعدها بمصدر مبتدأ محذوف الخبر، والتأويل "فاذا وقوفه حاصل" ) .
وقد رُوي بالوجهينِ قولُ الشاعر [من الطويل]
وكُنْتُ أَرَى زَيْداً، كما قيلَ، سَيِّداً ... إِذَا أَنَّهُ عَبْدُ الْقَفا واللهازِمِ
(فالكسر على معنى "فاذا هو عبد القفا" . والفتح على معنى "فاذا عبوديته حاصلة" .
(2) ان تقعَ بعدَ فاءِ الجزاءِ، نحو "ان تجتهدْ فانكَ تُكرَمُ" . وقد قُرِيءَ بالوجهين قولهُ تعالى {مَنْ يُحادِدِ اللهَ ورسولَهُ فانَّ لهُ نارَ جهنمَ} . وقولهُ {مَن عملَ منكم سُوءًا بِجهالةٍ، ثمَّ نابَ من بعدهِ واصلحَ، فانهُ غفورٌ رَحيمٌ} .
(فالكسر على جعلها جملة الجواب. والفتح على ان ما بعدها مؤول بمصدر مرفوع مبتدأ محذوف الخبر. والتقدير في المثال "ان تجتهد فاكرامك حاصل" . والتقدير في الآية الاولى "فكون نار جهنم له او ثابت أو حاصل" والتقدير في الآية الاخرى {فمغفرة الله حاصلة له} . وتكون جملة المبتدأ
المؤول وخبره المحذوف جواب الشرط) .
(3) ان تقعَ مع ما بعدها في موضعِ التَّعليلِ، نحو اكرِمْهُ، انّهُ مُستحِقٌّ الإكرامِ "، وقد قُريءَ بالوجهينِ قولهُ تعالى {صَلِّ عليهم، إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لهم} ."
(فالكسر على انها جملة تعليلية. والفتح على تقدير لام التعليل الجارة اي لانه ولان صلاتك. والتأويل في المثال "أكرمه لاستحقاقه الإكرام" ، وفي الآية "صل عليهم لتسكين صلاتك إياهم" ، والسكن (بالتحريك) ما يسكن اليه، ويفسر ايضاً بالرحمة والبركة) .
(4) ان تقعَ بعدَ "لا جَرَمَ" نحو "لا جَرَمَ انكَ على حَقٍّ" . والفتح هو الكثير الغالبُ. قال تعالى {لا جَرَمَ أنَّ اللهَ يَعلَمُ ما يُسِرُّونَ} . (ووجه الفتح أن تجعل ما بعد "أن" مؤولاً بمصدر مرفوع فاعل لجرمَ. وجرم معناه حقَّ وثبتَ. وأصل الجرم القطع، وعلمُ الله بالاشياء مقطوعٌ به لانه حق ثابت.
و "لا" حرف نفي للجواب، يرد به كلام سابق. فكأنه قال "لا" ، اي ليس الامر كما زعموا، ثم قال (جرم أن الله يعلم) أي (حق وثبت علمه) . وقال الفراء لا جرم بمعنى (لا بد) ، لكن كثر في الكلام، فصار بمنزلة اليمين، لذلك فسرها المفسرون حقاً وأصله من جرمت بمعنى كسبتُ. فتكون (لا) على رأيه نافية للجنس. و (جرم) اسمها مبني على الفتح، وما بعد (أن) مؤول بمصدر على تقدير (من) ، أي لا جرم من ان الله يعلم، اي لا بد من علمه.
ووجه الكسر ان من العرب من يجعل (لا جرم) بمنزلة القسم واليمين، نحو (لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحسنت) . فمن جعلها يميناً كسر همزة (ان) بعدها نحو (لا جرم إنك على حق) ، وجعل جملة (ان) المكسورة واسمها وخبرها. جواب القسم. وعلى من جعلها يميناً فاعرابها كاعراب (لا بد) وقد أغنى جواب القسم عن خبرها.
وقد علمت انه حيث جاز فتح (أن) وكسرها، فالكسر أولى وأكثر، لأنه الأصل، ولأنه لا تكلف فيه، إلا اذا وقعت بعد (لا جرم) فالفتح هو الغالب الكثير، وان نزّلتها منزلة اليمين، لأنها في الاصل فعل) .
(14) تخفيفُ "إنَّ وأَنَّ وكأنَّ ولكنَّ" .
يجوزُ ان تُخفَّفَ "إنَّ وأنَّ وكأنَّ ولكنَّ" بحذف النون الثانية، فيقال "إنْ وأنْ وكأنْ ولكنْ" .
(15) "إنْ" المخففة المكسورة
اذا خُفّفت "إنَّ" أُهمِلتْ وجوباً، إن ولِيَها فعلٌ، كقوله تعالى {وإن نَظنكَ لَمِنَ الكاذبين} . فان ولِيَها اسمٌ فالكثيرُ الغالبُ إهمالها، نحو "إن أنتَ لصادقٌ" ، ويَقِلُّ إعمالها، نحو "إنْ زيداً مُنطلِقٌ" ، ومنهُ قولهُ تعالى وإنْ كُلاً لمَا ليوَفينَّهم ربكَ اعمالهم "، في قراءَة من قرأ" إنْ ولَمَا "مخفّفتينِ."
ومتى خُففت وأُهمِلَت لزمتها اللامُ المفتوحةُ وجوباً، نحو "إنْ سعيدٌ"
لمجتهد "تَفرقةً بينها وبين" إنْ "النافيةِ، كيلا يقع اللبسُ. وتُسمّى" اللامَ الفارقةَ ". فان أُمِنَ اللَّبس جاز تركُها، كقوله [من الطويل] "
أَنا ابنُ أُباةِ الضَّيْمِ منْ آلِ مالِكٌ ... وإِنْ مالكٌ كانتْ كِرامَ الْمَعادِنِ
لأن المقامَ هنا مَقامُ مَدح، فيمنعُ ان تكونَ "إنْ نافيةً، وإلا انقلبَ المدحُ ذَماً" .
وإذا خُففت لم يَلِها من الأفعال إلا الأفعالُ الناسخةُ لحكم المبتدأ والخبر (اي التي تَنسَخُ حُكمهما من حيثُ الإعرابُ. وهي كانَ وأخواتُها، وكادَ وأخواتُها، وظنَّ وأخواتُها) . وحينئذٍ تدخلُ اللامُ الفارقةُ على الجزءِ الذي كان خبراً.
والاكثر ان يكونَ الفعلُ الناسخُ الذي يليها ماضياً، كقوله تعالى {وإِنْ كانت لكبيرةً إلاّ على الذينَ هدى اللهُ} ، وقوله {قال تاللهِ إن كِدتَ لَتُردِينِ} ، وقولهِ {وإن وجدنا أكثرَهم لَفاسقينَ} . وقد يكونُ مضارعاً كقوله سبحانهُ {وإن نظنكَ لَمِنَ الكاذبين} .
ودخولُ "إنْ" المخفّفَة على غير ناسخٍ من الافعال شاذ نادرٌ، فما وردَ منه لا يُقاسُ عليه، كقولهم "إنْ يَزينُكَ لنَفسُكَ، وإنْ يشينُكَ لهِيَهْ" .
(16) "أنْ" المُخفَّفَةُ المفتوحة
أذا خُفّفت "أن" المفتوحةُ، فمذهبُ سيبويه والكوفيين انها مُهمَلةٌ لا تعمل شيئاً، لا في ظاهر ولا مُضمر، فهي حرفٌ مصدري كسائر الاحرف
المصدرية. وتدخلُ حينئذٍ على الجملِ الإسميّة والفعلية. وهذا ما يظهرُ أنه الحقُّ. وهو مذهبٌ لا تكَلُّفَ فيه. واما قولُ جَنوبَ الكاهليّة [من المتقارب]
لَقَدْ عَلِمَ الضيفُ والمُرْمِلون ... إِذا اغْبرَّ أُفْقٌ وَهَبَّتْ شَمالا
بأَنْكَ رَبيعٌ وغَيْثٌ مَريعٌ ... وأَنْكَ هُناكَ تكونُ الثِّمالا
وقولُ الآخر [من الطويل]
فلَوْ أَنْكِ في يَوْمِ الرَّخاءِ سَأَلتني ... طلاقَكِ لم أبخلْ وأَنتِ صَديقُ
فضَرورَةٌ شعريَّةٌ لا يُقاسُ عليها.
واعلم أنَّ "أنَّ" المخفّفةَ، إن سبقها فعل، فلا بُدَّ أن يكونَ من أفعال اليقينِ أو ما يُنزَّلُ منزلَتها، من كل فعل قلبيٍّ، يُرادُ به الظنُّ الغالبُ الراجح.
فالاولُ كقوله تعالى {عَلِمَ أنْ سيكونُ منكم مَرْضى} ، ومنه قول الشاعر [أبو محجن الثقفي]
إذا مِتُّ فادفنِّي إِلى جَنْبِ كرْمةٍ ... تُرَوِّي عظامي بعْد مَوتي عُروقُها
ولا تَدفِنَنِّي في الْفَلاةِ، فإنَّني ... أخافُ إِذا ما مِتُّ، أَن لا أذُوقُها
فخوفهُ ان لا يذوقها بعدَ مماته يقينٌ عنده، مُتحققٌ لديهِ. والثاني كقوله تعالى {وظنُّوا أنْ لا مَلجأ من اللهِ إِلاّ اليه} وقولهِ {أيحسَبُ أن لم يَرَهُ أحدٌ} .
فائدة
(إذا وقعت "أن" الساكنة بعد فعل يفيد العلم واليقين، وجب أن تكون مخففة من "ان" المشددة. وأن يكون المضارع بعدها مرفوعاً، كما رأيت. ولا يجوز أن تكون "أن" الناصبة للمضارع. وان وقعت بعد فعل يدل على الظن الراجح، جاز أن تكون مخففة من (أن) المشددة فالمضارع بعدها مرفوع، وجاز أن تكون (أن) الناصبة للمضارع، فهو بعدها منصوب. وقد قريء بالوجهين قوله تعالى {وحسبوا أن لا تكون فتنة} ، بنصب (تكون) على أن (أن) هي الناصبة للمضارع، ورفعه على انها هي المخففة من (أن) المشددة. وذلك لأن (أن) الناصبة للفعل المضارع تستعمل في مقام الرجاء وللطمع فيما بعدها، فلا يناسبها اليقين، وإنما يناسبها الظن، فلم يجز أن تقع بعد ما يفيد اليقين. و (أن) المخففة هي للتأكيد، فيناسبها اليقين. ولما كان الرجاء والطمع يناسبهما الظن، جاز أن تقع بعده (أن) الناصبة للمضارع المفيدة للرجاء والطمع. وانما جاز أن تقع (أن) المخففة المفيدة للتأكيد. إذا كان
ظناً راجحاً، لأن الظن الراجح يقرب من اليقين فينزل منزلته) .
واعلم أنَّ "أن" المخفّفَة لا تدخل إلا على الجمل، عند من يُهملهُا وعند من يُعمِلُها في الضمير المحذوف، الا ما شذ من دخولها على الضمير البارز في الشعر للضّرورة، وقد علمت أنه نادر مخالفٌ للكضير المسموع من كلام العرب.
والجملةُ بعدها إمَّا اسميَّةٌ، وإما فعليَّة.
فان كانت جملةً اسميَّة او فعليَّة فعلُها جامدٌ، لم تحتجْ الى فاصل بينها وبين "أنْ" فالإسميَّةُ كقوله تعالى {وآخِرُ دعواهُم ان الحمدُ للهِ ربِّ العالمين} . وكقول الشاعر [من البسيط]
في فِتْيَةٍ، كسُيوفِ الهِنْدِ، قَدْ عَلِمُوا ... أنْ هالِكٌ كلُّ منْ يحْفى ويَنْتَعِلُ
والفعليَّةُ، التي فعلُها جامدٌ، كقوله سبحانهُ {وان ليس للانسان إلا ما سعى} ، وقولهِ {وان عسى ان يكونَ قد اقتَربَ أَجلُهم} .
وإن كانت الجملةُ بعدها فعليّةً، فعلُها متصرّفٌ، فالاحسن والاكثر أن يُفصلَ بينَ "أنْ" والفعلِ بأحدِ خمسة أشياءَ
(1) قد، كقوله تعالى {ونَعْلَمَ أنْ قد صَدقتَنا} ، وقول الشاعر [من الطويل]
شَهِدْتُ بأنْ قَد خُطَّ ما هُوَ كائنٌ ... وأنَّك تَمحو ما تَشاءُ وتُثْبِت
(2) حرف التّنفيسِ "السينُ او سوف" فالسينُ كقوله تعالى {عَلِمَ أنْ سيكونُ منكم مَرضى} ، وقولِ الشاعر [من الكامل]
زَعَمَ الْفَرزْدَقُ أنْ سَيَقْتُلُ مِرْبَعاً ... أَبشِرْ بطول سَلاَمةٍ يا مِرْبَعُ
وسوف، كقول الآخر [من الكامل]
واعلمْ، فَعِلْمُ الْمَرء يَنْفَعُهُ، ... أن سَوْفَ يأْتي كُلُّ ما قُدِرا
(3) النفي بِلَنْ او لم او لا، كقوله تعالى {أيحسَبُ الإنسانُ أنْ لنْ نجمَعَ عظامَهُ} وقوله {أيحسَبُ أنْ لم يرَهُ أحَدٌ} ، وقولهِ {أفلا يَرَوْنَ أنْ لا يرجِعُ اليهم قَوْلاً} .
(4) أداةُ الشرطِ، كقوله تعالى {وقد نَزَّلَ عليكم في الكتاب أنْ إذا سمعتُم آياتِ الله يُكفَرُ بها ويُسْتهزأ بها، فلا تَقعُدوا مَعَهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيرِهِ} وقولهِ {وأن لوِ استقاموا على الطريقة لأسقيناهُم ماءً غَدَقاً} .
(5) رُبَّ، كقول الشاعر [من الطويل]
تَيَقَّنْتُ أَنْ رُبَّ امريءٍ، خِيلَ خائناً ... أَمينٌ، وخَوَّانٍ يُخالُ أَمِينا
وإنما يُؤتى بالفاصل لبيانِ أنَّ "أنْ" هذه مخفَّفةٌ من "أنَّ" لا انها "أن" الناصبةُ للمضارع.
ويجوزُ أن لا يُفصَل بينَ "أنْ" والفعلِ بفاصل، إنْ كان ممَّا يدلُّ على العلم اليقينيّ، كقول الشاعر [من الخفيف]
عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُونَ، فجادُوا ... قَبلَ أَنْ يُسأَلوا بأَعظمِ سُؤْلِ
(وذلك انه لما وجب أن يعتبر (أن) الساكنة مخففة من (أن) المشددة، إذا وقعت بعد فعل يقيني، ولم يجز أن تكون هي الناصبة للمضارع، كما علمت، سهل ترك الفصل بينها وبينه، لأن الفاصل أنما يكون لتمييز احداهما عن الاخرى، للايذان من اول الامر بأنها ليست الناصبة للمضارع، وانما هي المخففة) .
(17) كَأَنْ المُخَفّفة
إذا خفّفت "كأن" ، فالحقُّ (على ما نرى) انها مُهمَلةٌ، لا عمل لها. وعلى هذا الكوفيون. وهو قولٌ لا تكلفَ فيه.
وعلى كلِّ حالٍ فيجبُ ان يكون ما بعدها جملةً، فان كانت اسميّة لم تحتج الى فاصل بينها وبين "كأن" كقوله [من الهزج]
وصَدْرٍ مُشْرِقِ اللّوْنِ ... كَأَنْ ثَدْياهُ حُقّان
وإن كانت جملةً فعليّة، وجب اقترانُها بأحدِ حرفينِ
(1) قد، كقول الشاعر [النابغة / من الكامل]
أَزفَ التّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكابَنا ... لما تزُلْ برحالِنا، وكَأَنْ قَدِ
وقول الآخر [من الخفيف]
لا يَهُولَنَّكَ اصْطِلاءُ لظى الحرْ ... بِ، فمحذُورُها كَأَنْ قَد أَلَما
(2) لم، كقوله تعالى {كأن لم تَغْنَ بالأمسِ} ، وقولِ الشاعر [من الطويل]
كَأنْ لم يَكُنْ بَيْنَ الحجُونِ إِلى الصَّفا ... أَنِيسٌ، ولم يَسْمُرْ بِمكّةَ سامرُ
وانما فُصِلَ بينهما، تمييزاً لها عن "أن" المصدريةِ الداخلةِ عليها كافُ التشبيهِ.
(18) لكن المخففة
اذا حُفّفت "لكنَّ" أهملت وجوباً عند الجميع، ودخلت على الجُمل الاسميّةِ والفعليّة، نحو "جاء خالدٌ، لكنْ سعيدٌ مسافرٌ. وسافرَ عليٌّ لكنْ جاء خليلٌ" ، إلاّ الاخفشَ ويونسَ. فأجازا إعمالها.
(( لا) النافية للجنس)
"لا" النافية للجنس هي التي تدلُّ على نفي الخبر عن الجنس الواقع
بعدها على سبيل الاستغراق، اي يرادُ بها نفيُهُ عن جميع افراد الجنيس نصّاً؛ لا على سبيل الاحتمال. ونفيُ الخبرِ عن الجنس يَستلزمُ نفيَهُ عن جميع افرادهِ.
وتُسمّى "لا" هذهِ "لا التّبرِئَةِ" ايضاً، لانها تُفيدُ تبرئةَ المتكلّم للجنس وتنزيهَهُ إياهُ عن الاتصاف بالخبر.
وإِذْ كانت للنفي على سبيل الاستغراقِ، كان الكلامُ معها على تقدير "منْ" ، بدليلٍ ظهورِها في قول الشاعر [من الطويل]
فَقامَ يَذودُ النَّاسَ عنها بِسَيْفِهِ ... وقالَ أَلاَ، لا من سَبيلٍ إلى هِندِ
فاذا قلت (لا رجل في الدار) ، كان المعنى لا من رجل فيها، أي ليس فيها أحد من الرجال، لا واحد ولا اكثر. لذلك لا يصح أن تقول (لا رجل في الدار، بل رجلان أو ثلاثة) مثلاً، لأن قولك (لا رجل في الدار) نص صريح على نفي جنس الرجل فقولك بعد ذلك (بل رجلان) تناقض. بخلاف (لا) العاملة عمل (ليس) . فانها يصح أن ينفى بها الواحد، وأن ينفى بها الجنس لا على سبيل التنصيص، بل على سبيل الاحتمال فاذا قلت (لا رجل مسافراً) صح أن تريد أن ليس رجل واحد مسافراً، فلك أن تقول بعد ذلك (بل رجلان) وصح أن تريد أنه ليس أحد من جنس الرجال مسافراً. وكذلك السامع له أن يفهم نفي الواحد ونفي الجنسن لأنها محتملة لهما. وستقف على مزيد بيان لهذا الموضوع) .
وفي هذا الفصل خمسةُ مباحث
(1) عملُ "لا" النافيةِ للجنْسِ وشُروطِ إعمالِها
تعملُ "لا" النافيةُ للجنس عملَ "إنّ" ، فتنصبُ الاسمَ وترفعُ الخبر، نحو "لا احدَ أغيرُ من الله" .
وانما عملتْ عملَها، لانها لتأكيد النفيِ والمبالغةِ فيه، كما أنَّ "إنّ" لتأكيد الاثباتِ والمبالغة فيه.
ويُشترطُ في إِعمالها عملَ "إنّ" اربعةُ شروط
(1) ان تكونَ نصّاً على نفيِ الجنسِ، بأن يُرادَ بها نفيُ الجنس نفياً عامّاً، لا على سبيلِ الاحتمال.
(فان لم تكن لفني الجنس على سبيل التنصيص، بأن أريد بها نفي الواحد، أو نفي الجنس على سبيل الاحتمال، فهي مهملة. وما بعدها مبتدأ وخبر، نحو (لا رجل مسافر) ولك أن تعملها عمل (ليس) نحو (لا رجل مسافراً) وإرادة نفي الواحد أو الجنس بها هو أمر راجع الى المتكلم، أما السامع فله أن يفهم أحد الأمرين) .
(1) ان يكون اسمها وخبرُها نكرتين.
(فان كان المسند اليه بعدها معرفة أهملت ووجب تكرارها، نحو "لا سعيد في الدار ولا خليل" ) .
وقد يقعُ اسمُها معرفةً مُؤَوّلةً بنكرةٍ يرادُ بها الجنسُ، كأن يكونَ الاسمُ عَلَماً مُشتهراً بصفةٍ "كحاتمٍ المُشتهرُ بالجود، وعَنترةَ المشتهر بالشجاعة، وسَحبانَ المشتهرِ بالفصاحة، ونحوهم" فيُجعلُ العلمُ اسم جنسٍ لكل من اتصف بالمعنى الذي اشتهرَ بهِ ذلك العلَمُ، كما قالوا "لكل فرعونٍ موسىً" ، بتنوينِ العلَمينِ، مُراداً بهما الجنسُ، اي "لكلِّ جبّارٍ قهّارٌ" . وذلك نحو "لا"
حاتم اليومَ، ولا عنترةَ، ولا سحَبانَ ". والتأويلُ" لا جَوادَ كحاتم، ولا شجاعَ كعنترةَ، ولا فصيحَ كسَحبانَ "، ومنه قولُ الراجز [من الرجز] "
لا هَيْثَمَ اللَّيلةَ للِمَطِيِّ ... ولا فَتى إِلاَّ ابنُ خَيبَريِّ
اي لا حاديَ حَسَنَ الحُداءِ كهيثم، ومنه قول عُمرَ في عليّ (رضي الله عنهما) "قضيّةٌ ولا أبا حَسَنٍ لها" ، اي هذهِ قضيّةٌ ولا فيصلَ لها يَفصِلُها. وقد يُرادُ بالعلَم واحدٌ مما سُميَ به كقول الشاعر [من الطويل]
ونَبْكي على زَيْدٍ، ولا زَيْدَ مِثْلُهُ ... بَرِيءٌ منَ الحُمَّى سَليمُ الجَوانِحِ
(3) ان لا يفصلَ بينها وبين اسمها بفاصل.
(فاذا فصل بينهما بشيء، ولو بالخبر، أهملت، ووجب تكرارها، نحو (لا في الدار رجل ولا امرأة (. وكان ما بعدها مبتدأ وخبراً) .
(4) أن لا يدخل عليها حرفُ جرّ.
(فان سبقها حرف جر كانت مهملة، وكان ما بعدها مجروراً به، نحو "سافرت بلا زاد" و "فلان يخاف من لا شيء" ) .
فائدة مهمة
اعلم ان (لا) النافية للجنس، إنما تدل على نفي الجنس نصاً، إذا كان اسمها واحداً، فان كان مثنى أو جمعاً، نحو (لا رجلين في الدار) و (لا رجال فيها) ، احتمل أن تكون لنفي الجنس، واحتمل أن تكون لنفي وجود اثنين فقط او جماعة فقط، فيجوز أن يكون فيها اثنان أو واحد إن نفيت الجمع، وأن يكون فيها جماعة أو واحد إن نفيت الاثنين، ولذا يجوز أن
تقول (لا رجلين فيها، بل رجل أو رجال) و (لا رجال فيها، بل رجل، أو رجلان) .
وكذلك (لا) العاملة عمل (ليس) و (لا) المهملة، فانما يصح أن يراد بها نفي الجنس، إن كان المنفي واحداً، فان كان اثنين او جماعة، جاز أن يراد بهما نفي الجنس، أو نفي الاثنين فقط، أو نفي الجماعة فقط، فيجوز مع نفي الاثنين ان يكون هناك واحد او اثنان فالفرق بين النافية للجنس والعاملة عمل (ليس) أو المهملة، إنما هو إذا كان المنفي واحداً فالاولى لا يجوز ان يراد بها نفي الجنس ونفي الواحد. والأول اكثر، ومنه قول الشاعر [من الطويل]
تعز فلا شيء على الأرض باقيا ... ولا وزر مما قضى الله واقيا
وإنما صح ان يراد بها نفي الجنس، لأن النكرة في سياق النفي تدل على العموم، لهذا يحسن، ان اريد عدم إرادة العموم، ان يؤتى بعدهما بما يزيل اللبس، كأن يقال مثلاً (لا رجلٌ مسافراً، بل رجلان، او رجال) فان اطلق الكلام بعدهما ترجح ان تكونا لنفي الجنس على سبيل الاحتمال.
فاحفظ هذا التحقيق، فانه امر دقيق، قل ان يتفطن له من يتعاطى النحو.
(2) أَقسامُ اسمها وأحكامُهُ
اسمُ "لا" النافيةِ للجنس على ثلاثة أقسامٍ مفردٍ، ومضافٍ، ومشبَّه بالمضاف.
فالمفرد ما كانَ غيرَ مضافٍ ولا مشبّهٍ به. وضابطهُ ان لا يكونَ عاملاً فيما بعدهُ، كقوله تعالى {ذلك الكتابُ لا رَيبَ} .
وحُكمُهُ أن يُبنى على ما يُنصبُ به من فتحةٍ أو ياءٍ أو كسرةٍ، غيرَ مُنوَّنٍ نحو "لا رجلَ في الدار، ولا رجالَ فيها، ولا رجلين عندَنا، ولا مذمومينَ في المدرسة، ولا مذموماتٍ محبوباتٌ" ويجوز في جمع المؤنّثِ السالم بناؤُه أيضاً على الفتح، نحو "لا مجتهداتَ مذموماتٌ" وقد رُوِيَ بالوجهينِ قول الشاعر [من البسيط]
لا سابِغات، ولا جَأْواءَ باسِلَةً ... تَقِي المَنُونَ، لَدَى استِيفاءِ آجالِ
وقولُ الآخر [من البسيط]
أَوْدَى الشبابُ الذي مَجدٌ عواقبُهُ ... فيهِ نَلَدُّ، ولا لَذَّاتِ لِلشيبِ
وقد بُنيَ لِتركيبهِ مع "لا" كتركيبِ "خمسةَ عشرَ" .
وحكمُ اسمها المضافِ أن يكونض مُعرباً منصوباً، نحو "لا رجلَ سُوءٍ عندنا. ولا رَجلَيْ شرٍّ محبوبانِ. ولا مهمِلي واجباتهم محبوبون. ولا أخا جهلٍ مُكرَّمٌ. ولا تاركاتِ واجبٍ مُكرَّماتٌ" .
والشبيهُ بالمضافِ هو ما اتصلَ به شيءٌ من تمامِ معناه. وضابطُهُ أن يكون عاملاً فيما بعده بأن يكون ما بعده فاعلاً له، نحو "لا قبيحاً خُلقُه خاضرٌ" ، أو نائبَ فاعلٍ، نحو "لا مذموماً فعلُه عندنا" ، أو مفعولاً، نحو "لا فاعلاً شراً ممدوحٌ" ، أو ظرفاً يُتعلّقُ به، نحو "لا مسافراً اليومَ حاضرٌ" أو جاراً ومجروراً يتعلقانِ به، نحو "لا راغباً في الشر بيننا" ، أو تمييزاً
له، نحو "لا عشرين دِرهماً لك" .
وحكمُهُ أنه مُعربٌ أيضاً، كما رأيتَ.
(3) أحوالُ اسمِها وخَبرِها
وقد يُحذَفُ اسمُ "لا" النافية للجنس، نحو "لا عليكَ" ، أي لا بأسَ، أو لا جناحَ عليك. وذلك نادرٌ.
والخبرُ إِن جُهِلَ وجبَ ذكرُهُ، كحديث "لا أحدَ أغيرُ من الله" . وإذا عُلمَ فحذفُه كثيرٌ، نحو "لا بأسَ" ، أي لا بأس عليك، ومنه قوله تعالى {قالوا لا ضَيرَ، إنّا إلى ربنا مُنقلبون} ، أي لا ضَيرَ علينا، وقوله {ولو تَرى إِذْ فَزِعوا، فلا فَوْتَ} ، أي فلا فَوتَ لهمْ.
وبَنو تَميمٍ والطائِيونَ من العربِ يَلتزمون حذفَهُ إذا عُلم. والحجازيُّون يُجيزون إثباتَهُ. وحذفُه عندهم أكثرُ. ومن حذفه قوله تعالى {لا إلهَ إلاّ اللهُ} أي لا إلهَ موجود.
ويكونُ خبرُ "لا" مُفرداً (أي ليس جملةً ولا شِبهَها) ، كحديث "لا فقرَ أشدُّ من الجهلِ، ولا مال أعزُّ من العقل، ولا وَحشةَ أشدُّ من العُجبِ" وجملةً فعليةً، نحو "لا رجلَ سوءٍ يُعاشرُ" ، وجملةً اسميةً نحو "لا رَضيعَ نَفسٍ خُلقهُ محمودٌ" ، وشبهَ جملة (بأن يكون محذوفاً مدولالً عليه بظرفٍ أو مجرورٍ بحرف جرٍّ يَتعلقانِ به، فيُغنيانِ عنه) كحديث "لا عقلَ كالتدبير، ولا ورَعَ كالكَفّ، ولا حَسَبَ كحُسنِ الخلُق" وحديث "لا إيمانَ لِمنْ لا"
أمانةَ لهُ، ولا دينَ لِمن لا عَهدَ له "."
واعلم أنَّ النحاة اعتبروا أنَّ "لا" النافيةَ للجنس واسمَها في محلّ رفع بالبتداءِ، فأجازوا رفعَ التابعِ لاسمِها، نحو "لا رجلَ في الدار وامرأةٌ" و "لا رجلَ سفيهٌ عندنا" .
(فالمعطوف والنعت رفعا على أنهما تابعان لمحل "لا واسمها" ، لأن محلهما الرفع بالابتداء. وقد اضطرهم الى هذا التكلف أنه سمع من العرب رفع التابع بعد اسمها فتأولوا رفعه على ما ذكرنا) .
(4) أحكامُ "لا" إذا تَكَرَّرَت
إذا تكرَّرت "لا" في الكلام، جاز لك أن تُعمِلَ الأولى والثانية معاً كإنَّ، وأن تُعمِلَهما، كليسَ، وأن تُهمِلهما، وأن تُعملَ الأولى كإن أو كليْس وتُهمِلَ الأخرى، وأن تُعمِلَ الثانية كإنَّ أو كليس وتُهملَ الأولى.
ولذا يجوز في نحو "لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ" خمسةُ أوجهٍ
(1) بناءُ الاسمين، على أنها عاملةٌ عملَ "إنَّ" نحو "لا حول ولا قوةَ إلاّ باللهِ" .
(2) رفعُهُما، على أنها عاملةَ عملَ "ليس" ، أو على أنها مُهملةٌ، فما بعدها مبتدأٌ وخبر، "لا حولٌ ولا قوَّةٌ إلاّ بالله" ومنه قول الشاعر [من البسيط]
وما هَجرْتُكِ، حَتَّى قُلتِ مُعْلِنَةً ... لا ناقةٌ لي في هذا ولا جَملُ
(3) بناءُ الأوَّلِ على الفتح ورفعُ الثاني، نحو "لا حولَ ولا قوَّةٌ إلاّ"
باللهِ "، ومنهُ قولُ الشاعر [من الكامل] "
هذا، لَعَمْرُكُم، الصَّغارُ بِعَيْنِهِ ... لا أُمَّ لي، إنْ كانَ ذاكَ، ولا أبُ
(4) رفعُ الأولِ وبناءُ الثاني على الفتح، نحو "لا حولٌ ولا قوةَ إلا باللهِ" ، ومنه قول الشاعر [من الوافر]
فلا لَغْوٌ ولا تَأْثيمَ فيها ... وما فاهُوا بهِ أَبداً مُقتمٌ
(5) بناءُ الأولِ على الفتح ونصبُ الثاني، بالعطف على محلّ اسم (لا) ، نحو "لا حولَ ولا قوةً إلاّ باللهِ" ومنه قولُ الشاعر [من السريع]
لا نَسَبَ اليَومَ ولا خُلةً ... اتسَعَ الخرْقُ على الرَّاقع
وهذا الوجهُ هو أضعفُها وأقواها بناءث الإسمينِ، ثم رفعُهما.
وحيثُما رفعتَ الأولَ امتنعَ إعرابُ الثاني منصوباً مُنوَّناً، فلا يقالُ "لا حولٌ ولا قوةً إلاّ باللهِ" ، إذْ لا وجهَ لِنَصْبهِ.
(لانك إن أردت عطفه على (حول) وجب رفعه. وكذا إن جعلت (لا) الثانية عاملة عمل (ليس) ، كما لا يخفى. وإن جعلتها عاملة عمل (ان) وجب بناؤه على الفتح من غير تنوين، لانه ليس مضافاً ولا مشبهاً به) .
وإذا عطفتَ على اسم "لا" ولم تكرّرها، امتنعَ إلغاؤُها، ووجبَ إعمالُها عملَ "إنّ" وجاز في المعطوفِ وجهانِ النصب والرفعُ نحو "لا رجلَ وامرأةً أو امرأةٌ، في الدار" . والنصب أولى ومن نصبه قول الشاعر [من الطويل]
فلا أبَ وابْناً مِثْلُ مَرْوانَ وابنهِ ... إذا هُو بالْمَجدِ ارْتَدى وتَأزَّرا
(5) أحكامُ نَعْتِ اسمِ "لا"
إذا نُعتَ اسمُ "لا" النافيةِ للجنس، فإمَّا أن يكون مُعرَباً، وإمّا أن يكون مبنياً.
فإن كان مُعرباً، جاز في نعتهِ وجهانِ النصب والرفعُ، نحو "لا طالبَ علمٍ كسولاً، أو كسولٌ، ولا طالباً علماً كسولاً، أو كسولٌ، عندنا" . والنصبُ أولى، والرفعُ على أنه نعتٌ لمحلّ "لا واسمها" . لأنّ محلها الرفعُ بالإبتداءِ، كما سبقَ.
وإن كان مبنياً فله ثلاثُ أحوالٍ
(1) أن يُنعتَ بمفردٍ مُتَّصلٌ به، فيجوز في النعتِ ثلاثةُ اوجه النَّصب والبناءُ كمنعوتهِ، والرفعُ، نحو "لا رجلَ قبيحاً، أو قبيحَ، أو قبيحٌ، عندنا" . والنصبُ أولى. وبناؤُهُ لمجاورته منعوتَهُ المبنيَّ.
(2) أن يُنعتَ بمفردٍ مفصولٍ بينه وبينهُ بفاصلٍ، فيمتنعُ بناءُ النعت، لِفَقدِ المجاورةِ التي أباحت بناءَه وهو مُتصِل بمنعوتهِ. ويجوز فيه النصبُ والرفع، نحو "لا تلميذَ في المدرسةِ كسولاً، أو كسولٌ" .
(3) أن يُنعتَ بمضافٍ أو مُشبَّهٍ به، فيجوزُ في النَّعت النصب والرفع، ويمتنعُ النباءُ، لأن المضافَ والشبيهَ به لا يُبنيانِ مع "لا" . فالنعتُ المضاف نحو "لا رجلَ ذات شرّ، او ذو شرّ، في المدرسة" ، والنعتُ المشبَّهُ به نحو "لا رجلَ راغباً في الشر، او راغبٌ فيه، عندنا" .